loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

تحتل قواعد الإثبات أهمية خاصة ، إذ أن الحق - وهو موضوع التقاضي - يتجرد من كل قيمة إذا لم يقم الدليل على الحادث الذي يستند إليه ، فالدليل هو قوام حياته ومعقد النفع فيه ، حتى صدق القول بأن الحق مجرداً من دليله يصبح عند المنازعة فيه والعدم سواء ، ومن هنا يتعين أن تلقى قواعد الإثبات الموضوعية منها والإجرائية عناية خاصة إذ أنها الوسيلة التي يتوسل بها صاحب الحق إلى إقامة الدليل على قيام هذا الحق ، وتقديمه للقضاء ليمكنه منه . 

وإذا كانت تلك هي أهمية الاثبات ، فإن هذه الأهمية تبدو أكثر وضوحاً في مجتمع إشتراكي لا يكتفي بتقرير الحقوق ، بل يحرص على توكيد تمتع أصحابها بثمراتها ومن ثم يكون من المتعين في ظل هذا المجتمع ألا تقف شكلية الدليل المهيأ ، أو اجراءات تقديم الأدلة للقضاء ، عائقاً يحول دون تمتع أصحاب الحقوق بثمراتها . 

وقد نهجت التشريعات مناهج شتى في إختيار الموضوع المناسب لقواعد الإثبات من التقنيات المختلفة فذهبت التشريعات الجرمانية إلى إلحاقها بقانون المرافعات وهو مذهب يلقي النقد الشديد من الفقه المصری ، في حين إتجهت التشريعات اللاتينية إلى توزيع تلك القواعد بين القانون المدنى فتختصه بالقواعد الموضوعية ، وبين قانون المرافعات فتختصه بالأحكام الإجرائية ، وهو ما أخذ به التشريع القائم إلا أنه مذهب محل نقد كذلك لصعوبة إقامة تفرقة فاصلة بين ما هو إجرائي وما هو موضوعی من قواعد الإثبات فضلاً عن صعوبة إختيار الموضع المناسب للقواعد الموضوعية في التقنين المدني ، أما الاتجاه الثالث فهو إتجاه التشريعات الانجلو سكسونية التي تجمع قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية في تقنين مستقل . وقد أخذ بذلك التشريع الأمريكي والقانون السوري بل أن الأول يزيد على ذلك اضافة قواعد الإثبات الجنائية إلى هذا التقنين . 

وقد رأى المشروع الأخذ بالإتجاه الأخير ، ففصل قواعد الإثبات الموضوعية من القانون المدني وأحكامه الإجرائية من قانون المرافعات وجمعها في تقنين مستقل ، لما رآه في ذلك من تيسير على صاحب الحق في التعرف على ما يسند حقه من دليل وطريق تقديمه للقضاء وتجنب الصعوبات التي تنجم عن تشتيت مواد الإثبات بين القانون المدني وقانون المرافعات مع الصلة الوثيقة التي تجمعها حتى ليتعذر في كثير من الصور تحديد ما هو منها موضوعی خالص أو إجرائی خالص ، بل أنه لو أمكن ذلك لما كان مرغوباً فيه أن كليهما ينبني حكمه على الاخر ، وأخيراً فقد رأی المشروع في هذا المسلك تخلصاً من النقد الذي يوجه إلى موضع مواد الإثبات في القانون المدني القائم ، إذ جاءت في نهاية الكتاب الأول من القسم الأول الخاص بالإلتزامات أو الحقوق الشخصية والحقوق العينية ، في حين أن حكمها يسري على الحقوق الشخصية ، والحقوق العينية جميعاً . وهو نقض أحس به واضعوا مشروع القانون المدني وكانوا يأملون لو جمعوا بين قواعد الإثبات وقواعد الشهر في كتاب مستقل .

 وإذا كان المشروع قد انتهى إلى تجميع قواعد الإثبات الموضوعية وأحكامه الإجرائية في تقنين مستقل ففصلها بذلك عن القانون المدني وقانون المرافعات فإنه قد حرص في مراجعته لها أن يعمل على تيسير اجراءات الإثبات . وتحقيق مزيد من إيجابية القاضي وفاعليته بتزويده بمزيد من حرية الحركة في هذه المرحلة الهامة من مراحل الدعوى حتى لا يترك كشف الحقيقة رهيناً بمبارزة الخصوم وحدهم ، والحرص على إستقرار الحقوق وسد باب الحيلة أمام طلاب الكيد أو هواة المطل ، وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف إستحدث المشروع عدة أحكام وأدخل عدة تعديلات على النصوص القائمة .

مذكرة المشروع التمهيدي تعليقاً على نص المادة 389 من القانون المدني - الملغي - والمقابل لنص المادة الأولى من قانون الإثبات الحالي :

يتعين أن يقام الدليل على كل واقعة قانونية يدعى بها وفقاً للأحكام المنصوص عليها في القانون المدني - متى توزعت هذه الواقعة أو أنكرت صحتها والجوهري في هذا الصدد هو أن الإثبات يرد على الواقعة القانونية ذاتها بوصفها مصدراً للحق أو الإلتزام دون هذا الالتزام أو ذاك الحق وغنى عن البيان أن تفصيل هذه الفكرة أشكل بأغراض الفقه منه بأغراض التقنين .

وقد إحتذى المشروع مثال التقنيات اللاتينية وأخذ بنظام تقييد الإثبات فبدأ بتعيين من يكلف بإقامة الدليل أو إحتمال عبئه وقد قصد من الأخذ بهذا النظام إلى إتقاء تحكم القضاء وكفالة حسن سير العدالة وتأمين إستقرار المعاملات وكل أولئك من قبيل الاعتبارات العامة التي تنهض لا لتوجيه التنفيذ في عمومه فحسب بل وكذلك لتوجيه الأحكام التطبيقية في خصوصياتها ولا سيما ما تعلق منها بتعيين من يكلف بالإثبات وترد الأحكام المتعلقة بهذا التعيين إلى قاعدة احترام الوضع الثابت أصلاً . فالأصل في الإنسان براءة الذمة فعلى من يدعي التزام غيره ، ويتمسك بذلك بما يخالف هذا الأصل ، أن يقيم الدليل على دعواه .

الأحكام

1- المقرر في قضاء هذه المحكمة أن النص في المادة الأولى من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أنه " على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخالص منه " مفاده - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أنه إذا أثبت الدائن دينه وجب على المدين أن يثبت براءة ذمته منه لأن الأصل خلوص الذمة وانشغالها عارض ومن ثم كان الإثبات على من يدعي ما يخالف الثابت أصلًا أو عرضًا مدعيًا كان أو مدعى عليه، وبذلك يتناوب الخصمان في الدعوى عبء الإثبات تبعًا لما يدعيه كل منهما. وأنه إذا كانت الدعوى مؤسسة على عقد ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل من المتعاقدين فإنه يقع على عاتق كل من التزم بالتزام عبء إثبات قيامه بما تعهد به وذلك بغض النظر عما إذا كان هو المدعي أصلًا في الدعوى أو المدعى عليه. وأنه يكفي إثبات نشأة الالتزام فيثبت بذلك انشغال ذمة المدين به، ومن يدعي خلاف الظاهر فعليه عبء إثبات ادعائه، ولا يسوغ قلب عبء الإثبات. وأن أسباب الحكم تعتبر مشوبة بالفساد في الاستدلال إذا انطوت على عيب يمس سلامة الاستنباط ويتحقق ذلك إذا استندت المحكمة في اقتناعها إلى أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها أو إلى عدم فهم العناصر الواقعية التي ثبتت لديها أو وقوع تناقض بين هذه العناصر. وأن كل طلب أو وجه دفاع يدلي به الخصم ويُطلب بطريق الجزم الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغير وجه الرأي في الدعوى يجب على محكمة الموضوع أن تتناوله بالبحث والتمحيص وترد عليه بما يصلح له وإلا كان حكمها قاصرًا.

( الطعن رقم 13843 لسنة 88 ق - جلسة 26 / 2 / 2024 )

2- المقرر - فى قضاء هذه المحكمة - متى كانت محكمة أول درجة قد أمرت بإجراء التحقيق بشهادة الشهود وتقاعس الخصم المكلف بالإثبات عن إحضار شهوده، فإنه لا على محكمة الاستئناف إن لم تستجيب إلي طلبه بإحالة الدعوى إلي التحقيق من جديد، طالما أن محكمة أول درجة مكنته من إثبات الوقائع المراد إثباتها بالبينة. لما كان ذلك، وكان الثابت بالأوراق أن محكمة أول درجة أحالت الدعوى إلي التحقيق وصرحت للطاعن بنفي ما قد تثبته المطعون ضدها، إلا أنه تقاعس عن إحضار شهوده، فلا على محكمة الاستئناف إذا ما التفتت عن طلب الإحالة إلى التحقيق من جديد أياً كان سبيل تنفيذه سواء أمام المحكمة أم بطريق الإنابة القضائية .

( الطعن رقم 125 لسنة 63 - جلسة 2000/02/14 - س 51 ع 1 ص 319 ق 57 )

3- الأصل فى الإجراءات أنها روعيت وعلي من يدعي أنها خولفت إقامة الدليل وأن محاضر الجلسات أعدت لإثبات ما يجري فيها وكان البين من محضر جلسة 29/ 4/ 1995 أمام محكمة الاستئناف عدم مثول الطاعن أووكيله بها ولم يقدم الطاعن دليلاً على خلاف ذلك فإن ما يثيره فى هذا الشأن يكون على غير أساس .

( الطعن رقم 386 لسنة 65 - جلسة 2000/02/07 - س 51 ع 1 ص 272 ق 47 )

4- تحديد من يحمل عبء الإثبات مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض .

( الطعن رقم 1798 لسنة 62 - جلسة 1998/06/25 - س 49 ع 2 ص 572 ق 139 )

5- الاصل فى نطاق الحقوق الشخصية هو براءة الذمة فمن ادعى على غيره حقاً أو قولاً ملزماً بحق فعليه الدليل .

( الطعن رقم 1798 لسنة 62 - جلسة 1998/06/25 - س 49 ع 2 ص 572 ق 139 )

6- تقديم المطعون ضدهما(المضرورين) فى الدعوى شهادة صادرة من إدارة مرور القاهرة تثبت أن وثيقة التأمين من مخاطر السيارة المتسببة فى الحادث ينتهي سريانها فى 13/8/1981 دون أن يثبت بها تاريخ بدنه والذي تمسكت الطاعنة(شركة التأمين) فى انه كان بعد تاريخ وقوع الحادث بتاريخ 13 /8 /1981 دون ان يثبت بها تاريخ بدئه والذى تمسكت الطاعنه ( شركه التأمين ) فى أنه كان بعد تاريخ وقوع الحادث الحاصل بتاريخ 1 /2 /1981 وبالتالي لا تشمله الوثيقة فان الحكم إذ الزمها - مع ذلك - بالتعويض على سند من أنها لم تقدم ما يفيد أن الحادث قد وقع قبل تاريخ سريان التأمين حتى لا يخضع له فانه بذلك يكون قد حملها عبء إثبات عدم خضوع الحادث للتأمين مع أن المطعون ضدهما هما المكلفان بإثبات أن الحادث وقع خلال مدة سريان الوثيقة - وهو ما لم يقيما عليه الدليل - وذلك توصلا لإستحقاقهما التعويض فى ذمة الطاعنة.

( الطعن رقم 1798 لسنة 62 - جلسة 1998/06/25 - س 49 ع 2 ص 572 ق 139 )

7- مناط إلتزام شركات التأمين بدفع التأمين للمضرور من حوادث السيارات وفق أحكام القانون رقم 652 لسنة 1955 بشأن التأمين الإجباري من المسئولية المدنية الناشئة من حوادث السيارات أن توجد وثيقة تأمين إجباري على السيارة وأن تقع المخاطر المؤمن منها خلال مدة سريانها على أن يقيم المضرور الدليل على ذلك باعتباره مدعيا يحمل عبء إثبات دعواه وتقديم الأدلة التي تؤيد ما يدعيه فيها.

( الطعن رقم 1798 لسنة 62 - جلسة 1998/06/25- س 49 ع 2 ص 572 ق 139 )

8- السمسرة عقد يبرم برضاء طرفيه فإذا حدد أجر السمسار باتفاق مسبق بينه وبين عميله فإنه يستحق كامل هذا الأجر عند نجاح وساطته بإبرام الصفقة نتيجة مساعيه ، وبإبرام الصفقة التى أرادها العميل موضوع السمسرة يفترض معه أن السمسار قام بمهمته بما يكفى لاستحقاق أجره ، فإذا ما أدعى العميل أن الصفقة تمت بغير وساطة السمسار أو على خلاف الشروط التى وضعها فعليه أن يقيم الدليل على ذلك بوصفه مدعياً خلاف الظاهر .

( الطعن رقم 7414 لسنة 66 - جلسة 1997/07/07 - س 48 ع 2 ص 1070 ق 202 )

9- التمسك بقانون أجنبى لا يعدو أن يكون مجرد واقعة يجب إقامة الدليل عليها وكان مرد هذا القضاء هو الاستجابة للاعتبارات العملية التى لا يتيسر معها للقاضى الإلمام بأحكام ذلك القانون فإن مناط تطبيق هذه القاعدة أن يكون القانون الأجنبى غريباً عن القاضى يصعب عليه الوقوف على أحكامه والوصول إلى مصادره أما إذا كان القاضى يعلم بمضمونه أو كان علمه به مفترضاً فلا محل للتمسك بتطبيق القاعدة ، لما كان ذلك وكانت المعاهدات الدولية قد أصبحت مصدراً هاماً من مصادر القانون البحرى وطريقاً لتوحيد أحكامه على النطاق الدولى وصارت قواعد بمقتضى هذه المعاهدات قواعد دولية معروفة لدى القضاء البحرى فى كثير من الدول وكانت مصر قد انضمت إلى المعاهدة الدولية الخاصة بتوحيد بعض القواعد القانونية المتعلقة بسندات الشحن الموقعة ببروكسل فى 1924/8/25والتى أصبحت تشريعاً نافذ المفعول فى مصر بموجب المرسوم بالقانون الصادر فى 1944/1/31 وكان بروتوكول هذه المعاهدة قد خول الدول المتعاقدة الحق فى تنفيذها إما بإعطائها قوة القانون أو بإدخال أحكامها فى تشريعها الوطنى وكان من المعلوم فقهاً وقضاءً ان انجلترا قد أدخلت أحكام معاهدة سندات الشحن لسنة1924 فى تشريعها الداخلى حيث أصدرت قانون نقل البضائع بحراً لسنة 1924 وجعلت أحكامه مطابقة لأحكام المعاهدة المذكورة التى أصبحت تشريعاً نافذاً فى مصر فإن علم القاضى بمضمون هذا القانون يكون مفترضاً ولا يكون ثمة محل لإلقاء عبء إثبات مضمونة على عاتق من يتمسك به.

( الطعن رقم 2317 لسنة 59 - جلسة 1996/02/08 - س 47 ع 1 ص 317 ق 64 )

10- حسن النية مفترض فى الحامل الذى يتلقى الورقة بمقتضى تظهير ناقل للملكية أو تظهير تأمينى ويقع على المدين إذا إدعى سوء نية هذا الحامل عبء نقض هذه القرينة بالدليل العكس باثبات علم الخير وقت التظهير بوجود دفع يستطيع المدين توجيهه للمظهر لما كان الثابت بأوراق الدعوى أن السندات موضوع التداعى قد تضمنت البيانات اللازمة لاعتبار أن تظهيرها للمطعون ضده الأول يعتبر تظهيرا تأمينيا وفقا لحكم المادة 134 من قانون التجارة ومن ثم لا أثر لصدور حكم محكمة أول درجة ببراءة ذمة الطاعن من الدين موضوع تلك السندات قبل المظهر إليه تظهيرا ناقلا للملكية .

( الطعن رقم 358 لسنة 58 - جلسة 1994/11/21 - س 45 ع 2 ص 1441 ق 272 ( الدائرة التجارية ) )

11- المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن الأصل فى الإجراءات أنها روعيت و إذ كان البين من الحكم المطعون فيه و من تقرير الخبير المقدم فى الدعوى أنه صدر قرار المنفعة رقم896 لسنة 1978بتخصيص الأرض اللازمة للمشروع وتم إخطار الطاعنة بكشوف حصر الأطيان اللازمة للمشروع المنزوع ملكيتها لصالحها ومن بينها المساحة المملوكة لها بخطاب مسجل اعتمدت حافظته من مكتب بريد طنطا بتاريخ1980/11/12وكانت أوراق الدعوى خلواً مما يفيد عدم وصول ذلك الإخطار إلى الطاعنة الذى لا ينفى عدم تقديم المطعون عليها الثانية لعلم الوصول الخاص به استلام الطاعنة له خاصة وأنها لم تطلب من المحكمة إلزام خصيمتها بتقديمه على النحو الذى رسمه القانون فى المادة 20 من قانون الإثبات وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه عرض لدفاع الطاعنة بعدم إخطارها بكشوف الحصر و أجاب عليه بقوله "الثابت من تقرير الخبير أن المستأنف عليها ......"الطاعنة" قد قامت بالتوقيع على كشوف الحصر الخاصة بالمشروع ........بتاريخ 1980/7/7 ببصمتها وهذا التاريخ سابق على فترة الاعتراضات على كشوف الحصر اللازمة للمشروع والمحددة خلال المدة من 1980/11/17حتى1980/12/16والتى انتهت فى 1981/1/15وتم إخطارها بخطاب مسجل أرسل لها على بريد طنطا في1980/11/12كما أنها قامت بالتوقيع على استمارة البيع ......نظير مبلغ التعويض ........وحيث إنه يبين للمحكمة من مطالعه الأوراق ....... أن مصلحة المساحة قامت باتخاذ الإجراءات القانونية المنصوص عليها بالقانون 577 لسنة1954....... وأن الأصل فى الإجراءات أن تكون قد روعيت وعلى من يدعى أنها خولفت إقامة الدليل على ما يدعيه وهو ما لم تدحضه المستأنف عليها " وكانت هذه الأسباب سائغة ومستمدة من أصلها الثابت فى الأوراق وتجابه دفاع الطاعنة فى خصوص إدعائها عدم إخطارها بكشوف حصر العقارات المقرر نزع ملكيتها للمنفعة العامة وكافية لحمل قضاء الحكم المطعون فيه ومن ثم يضحى النعى غير قائم على أساس.

( الطعن رقم 440 لسنة 59 - جلسة 1993/04/04- س 44 ع 2 ص 18 ق 146 )

12- المراد بالضرر المبيح للتطليق وفق نص المادة 11 مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 100 لسنة 1985 هو الضرر الذى يلحق بالزوجة لإقتران زوجها بأخرى بما يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالهما وأنه يكفى لاكتمال نصاب الشهادة على تلك المضارة أن تتفق شهادة الشهود على تحقق الإضرار بالزوجة لإقتران زوجها بأخرى .

( الطعن رقم 228 لسنة 59 - جلسة 1992/11/24 - س 43 ع 2 ص 1207 ق 244 )

13- الدفاع الذى تلتزم محكمة الموضوع بالرد عليه هو الدفاع الجوهري الذى من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي فى الدعوى والذى يكون مدعية قد أقام الدليل عليه أمام المحكمة أو طلب إليها وفقا للأوضاع المقررة فى القانون تمكينه من إثباته أمامها دون ذلك من أوجه الدفاع فإنه لا يعدو أن يكون من قبيل الرسل من القول الذى لا إلزام على محكمة الموضوع بالالتفات إليه لما كان ذلك وكانت أوراق الدعوى قد جاءت خلوا مما يدل على أن الطاعنة قد تقدمت إلى محكمة الموضوع بدرجتيها بصورة من تحقيقات المحضر رقم 2954 لسنة 1986 أو أنها طلبت إلى تلك المحكمة أن تأمر بضمه وكان لا إلزام على المحكمة بالسعى إلى إقامة الدليل على أوجه الدفاع غير المقرونة بما يثبتها فإن النعى على الحكم المطعون فيه بهذا السبب يكون على غير أساس.

( الطعن رقم 107 لسنة 59 - جلسة 1992/04/21 - س 43 ع 1 ص 632 ق 132 )

14- تصرفات صاحب المركز الظاهر إلى الغير حسن النية لها نفس آثار تصرفات صاحب المركز الحقيقي متى كانت الشواهد المحيطة بالمركز الظاهر من شأنها أن تولد الاعتقاد بمطابقة هذا المركز للحقيقة وكان صاحب الحق قد أسهم بخطئه أن سلبا أو إيجابا فى ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه.

( الطعن رقم 1937 لسنة 55 - جلسة 1992/02/27 - س 43 ع 1 ص 392 ق 84 )

15- الوارث حكمة حكم المورث فلا يجوز له إثبات صورية سند صادر من مورثه إلى وارث آخر أو إلى الغير إلا بالكتابة إلا إذا طعن فى هذا السند بأنه ينطوى على الإقصاء أو أنه صدر فى مرض موت مورثه وأن تقدير أدلة الصورية - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو مما يستقل به قاضى الموضوع لتعلقه فهم الواقع فى الدعوى.

( الطعن رقم 1473 لسنة 57 - جلسة 1992/01/15 - س 43 ع 1 ص 166 ق 37 )


16- مؤدى المواد من 288 إلى 314 من قانون التجارة الواردة فى شأن إجراءات تحقيق الديون التى على المفلس، والنص فى المادتين 297 , 313 من ذات القانون .... يدل على أن المشرع قد حدد فى هذه المواد الإجراءات الواجب اتباعها فى تحقيق الديون المدين بها المفلس بدءً من تقدم كل دائن بدينه بعد صدور حكم شهر الإفلاس وانتهاءً بعد المناقشة إلى قبوله أو المناقضة فيه ، فإذا قبل الدين فلا تجوز بعد ذلك المناقضة فى صحته أثناء جلسات التحقيق ، ولكن يجوز لكل دائن أن يناقض فى الديون المقبولة بدعوى يرفعها إلى المحكمة مباشرة بشرط أن يدخل فيها وكيل الدائنين والمفلس ، ويثبت حق المناقضة فى الدين بعد قبوله للدائنين وحدهم ولو لم يناقضوا فيه أثناء تحقيقه فلا يجوز لوكيل الدائنين أو المفلس المناقضة فى الدين بعد قبوله.

( الطعن رقم 1099 لسنة 53 - جلسة 1993/05/03 - س 44 ع 2 ص 320 ق 191 )

17- المدعى هو المكلف قانوناً بإثبات دعواه وتقديم الأدلة التى تؤكد ما يدعيه فيها وأن محكمة الموضوع غير ملزمة بتكليف الخصم بتقديم الدليل على دفاعه أو لفت نظره إلى مقتضيات هذا الدفاع وكان الطاعن الأول لم يقدم إلى محكمة الموضوع للتدليل على صدور عقد الوعد بالبيع - الذى طلب القضاء بصحته و نفاذه - لصالحه سوى صورة ضوئية قد جحدها المطعون ضدهم ولم يتخذ من جانبه إجراءات طلب أصل هذا العقد من المطعون ضده الأول فإن النعى بهذين الوجهين يكون على غير أساس .

( الطعن رقم 1703 لسنة 57 - جلسة 1990/11/22 - س 41 ع 2 ص 741 ق 292 )

18- من أصول الإثبات أن سكوت المدعى عليه عن النفى لا يصلح بذاته للحكم المدعى بطلباته متى كان الأخير لم يثبت ما يدعيه ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر - إذ إعتد فى قضائه كذلك على سكوت الشركة الطاعنة عن نفى مسئوليتها المدعى بها دون أن يكون المدعون قد أثبتوا توافر عناصر هذه المسئولية - فإنه يكون قد خالف القانون وشابه فساد فى الإستدلال .

( الطعن رقم 2029 لسنة 56 - جلسة 1989/02/28 - س 40 ع 1 ص 673 ق 117 )

19- إذا كان المدعى أثبت ظاهر حقه - بأن قدم محرر يحاج به المدعى عليه ويدل على قبضه المبلغ المدعى به دون أن يتضمن ما يفيد أن هذا القبض وقع وفاء لإلتزام سابق - فإن للمحكمة أن تستخلص من ذلك إنشغال ذمة المدعى عليه بهذا المبلغ وإنتقال عبء الإثبات إليه ، وأن تلزمه بالرد متى عن ذلك .

( الطعن رقم 2809 لسنة 57 - جلسة 1989/11/07 - س 40 ع 3 ص 22 ق 317 )

20- إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن تخلف عن حضور جميع الجلسات أمام محكمة الإستئناف ولم يقدم مذكرة بدفاعه . ومن ثم لم يكن فى مكنته الإعتراض على إجراءات التحقيق التى أمرت بها ليثبت إنتفاء حصول ضرر بالمؤجر من تغييره إستعمال العين المؤجرة إلى مكتب لتعليم قيادة السيارات ويحق له من ثم الإعتراض عليها - ولو لأول مرة - أمام هذه المحكمة و إذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بالإخلاء إستناداً إلى إفتراض وقوع ضرر بالمؤجر من مجرد عجز الطاعن - المستأجر - عن إثبات إنتفاء حصول الضرر حال أن المؤجر - وهو المكلف بإثبات الضرر - لم يقدم دليلاً على حصوله فإنه يكون قد خالف القانون بنقله عبء الإثبات .

( الطعن رقم 1631 لسنة 51 - جلسة 1989/01/30 - س 40 ع 1 ص 356 ق 68 )

21- إذ كان الطاعن هو الذى نازع فى تقدير لجنة الطعن لأرباحه مدعياً عدم صحته وكان المدعى هو المكلف قانوناً بإثبات دعواه وتقديم الأدلة التى تؤيد ما يدعيه فيها فإن الحكم المطعون فيه إذ القى عليه عبء إثبات مدعاه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .

( الطعن رقم 1084 لسنة 52 - جلسة 1988/04/18- س 39 ع 1 ص 666 ق 130 )

22- إذا إدعى المنكر فى الدعوى خلاف الظاهر فيها يقع عليه عبء إثبات ما يخالفه سواء كان مدعى أصلاً فى الدعوى أم مدعى عليه فيها .

( الطعن رقم 1808 لسنة 50 - جلسة 1987/06/03- س 38 ع 2 ص 759 ق 161 )

23- مؤدى نصوص المواد 1/67 و 2 و 1/72 و 74 من قانون العمل 91 لسنة 1959 أن المشرع بما نص عليه فى الفقرة الثانية من المادة 67 من أنه " إذا رأت السلطة المختصة عدم تقديم العامل للمحاكمة أو قضى ببرائته وجبت إعادته إلى عمله وإلا اعتبر عدم إعادته فصلا تعسفيا "إنما أنشأ للعامل الموقوف لسبب من الأسباب المبينة فى الفقرة الأولى من المادة المذكورة ورأت السلطة المختصة عدم تقديمه للمحاكمه أو قضى ببرائته ، مركزاً قانونياً خاصا يفترض التعسف فى صاحب العمل إذا هو رفض إعادته إلى عمله ، وذلك حملاً لحال صاحب العمل على الظاهر أو على الغالب . وهذا المركز الخاص لا يتعارض مع الحق المقرر فى المادة 72 من نفس القانون لكل صاحب عمل فى إنهاء عقد العامل الغير محدد المدة ، إذا توافر المبرر المشروع لهذا الإنهاء على أن يتحمل صاحب العمل عبء إثبات توافر المبرر ، لأنه هو الذى يدعى خلاف الثابت حكماً .

( الطعن رقم 126 لسنة 34 - جلسة 1970/02/04 - س 21 ع 1 ص 236 ق 38 )

24- أنه لا يجوز للمحكمة أن تتصدى لعلاقة الخصوم بوكلائهم إلا إذا أنكر صاحب الشأن وكالة وكيله ، والمطعون ضده الرابع لم ينكر وكالة المطعون ضده الأول فى التوقيع نيابة عنه على صحيفة الإستئناف كما لم يجحد حضوره عنه أمام المحكمة فإستخلصت محكمة الموضوع من المستندات المقدمة لها ومن القرائن وظروف الأحوال قيام الوكالة الضمنية وجاء إستخلاصها سائغاً يؤدى إلى النتيجة التى إنتهى إليها بحيث يعد النعى عليه جدلاً موضوعياً لا تجوز إثارته أمام هذه المحكمة .

( الطعن رقم 671 لسنة 46 - جلسة 1980/02/06 - س 31 ع 1 ص 413 ق 80 )

25- إذا إرتضى الطاعن الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق ونفذه وأشهد شاهدين وسمعت المحكمة الشهود دون إعتراض منه ، ولما كانت قواعد الإثبات ومنها ما يتعلق بمن يكلف به ليست من النظام العام ويجوز الإتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً ، ومن ثم فإنه لا يجوز التحدى - بمخالفة حكم محكمة أول درجة الذى أيده الحكم المطعون فيه لتلك القواعد .

( الطعن رقم 1157 لسنة 47 - جلسة 1981/04/28 - س 32 ع 1 ص 1304 ق 238 )

26- النص فى المادة التاسعة من القانون المدنى على أنه ‘‘ تسرى فى شأن الأدلة التى تعد مقدماً النصوص المعمول بها فى الوقت الذى أعد فيه الدليل أو فى الوقت الذى كان ينبغى فيه إعداده يدل على أن القانون الذى نشأ التصرف فى ظله هو الذى يجب أن يحكمه من حيث إثباته . ’’ وإذ كان عقد البيع المؤرخ 1964/7/26 الذى إستند إليه المطعون عليه فى شراء حصة الطاعن فى الجرار موضوع النزاع قد أبرم قبل صدور قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 فإنه يخضع فى إثباته للأحكام الواردة فى القانون المدنى .

( الطعن رقم 502 لسنة 42 - جلسة 1976/06/28 - س 27 ع 1 ص 1444 ق 275 )

27- المقرر فى قوانين إيجار الأماكن أن الأحكام الخاصة بتحديد الأجرة والإمتداد القانونى وتعيين أسباب الإخلاء هى قواعد آمره ومتعلقة بالنظام العام ومن ثم فإنها تسرى بأثر فورى على جميع المركز والوقائع القائمة والتى لم تستقر نهائياً وقت نفاذها ولو كانت ناشئة قبل تاريخ العمل بها ومؤدى ذلك أنه إذا صدر قانون لاحق يتضمن تعديلاً فى تشريعات إيجار الأماكن كان من شأنه إستحداث حكم جديد متعلق بذاتية تلك القواعد الموضوعية الآمرة سواء بالإلغاء أو بالتغيير إضافة أو حذفاً فإن هذا التعديل يأخذ بدوره حكم القاعدة الآمرة من حيث سريانه بأثر فورى مباشر على المراكز والوقائع القائمة وقت نفاذه أما إذا كان التعديل منصباً على بعض شروط إعمال القاعدة الآمرة دون مساس بذاتيتها أو حكمها كما لو إستوجب لتطبيقها توافر شروط خاصة أو إتخاذ إجراءات معينة سواء من حيث إجراءات التقاضى أو الإثبات لم تكن مطلوبة ولا مقررة من قبل فإن التعديل لا يسرى فى هذه الحالة إلا من تاريخ نفاذه وعلى الوقائع و المراكز التى تنشأ فى ظله دون أن يكون له أثر على الوقائع التى نشأت فى ظل القانون السابق بإعتبار أن القانون الذى وقعت الدعوى فى ظله هو الذى يحكم شروط - قبولها و إجراءاتها وقواعد إثباتها و قد نصت المادة 2 من قانون المرافعات على أن " كل إجراء تم من إجراءات المرافعات تم صحيحاً فى ظل قانون معمول به يبقى صحيحاً ما لم ينص على غير ذلك .

( الطعن رقم 2219 لسنة 53 - جلسة 1982/03/25 - س 33 ع 1 ص 629 ق 1 ( الهيئة العامة ) )

28- متى كان الواقع فى الدعوى أن المطعون عليه الأول أقامها منكراً نسب إبنة الطاعنة إليه فدفعتها هذه الأخيرة بأنها رزقت بها منه على فراش زوجية حرر بها عقد عرفى فقد منها ولما كان الدفع فى إصطلاح الفقهاء هو دعوى من قبل المدعى عليه أو ممن ينتصب المدعى عليه خصماً عنه يقصد بها دفع الخصومة عنه أو إبطال دعوى المدعى ، بمعنى أن المدعى عليه يصير مدعياً إذا أتى بدفع و يعود المدعى الأول مدعياً ثانياً عند دفع الدفع ، فإن ما جرى عليه الحكم المطعون فيه من التحقق من ثبوت الزوجية بالفراش ومن تكليف الطاعنة إثباته توصلاً لثبوت النسب بإعتبارها مدعية فيه مع أن الدعوى مقامة أصلاً بإنكار النسب من المطعون عليه الأول ، يتفق مع المنهج الشرعى السليم .

( الطعن رقم 29 لسنة 39 - جلسة 1975/02/26 - س 26 ع 1 ص 483 ق 98 )

29- إنه وإن إختلف فقهاء الشريعة الإسلامية فى إشتراط الإشهاد على الطلاق - فبينما أوجبه البعض ذهبت الغالبية إلى أنه ليس شرط لوقوعه لأن الأمر به فى قوله تعالى " فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم " . هو للندب لا للوجوب ، غير أن أحدا منهم لم يستلزم لوقوع الطلاق أو ثبوته أن يكون موثقاً . لما كان ذلك ، وكان ما نصت عليه المادة الخامسة مكرراً من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 المضافة بالقانون رقم 44 لسنة 1979 من وجوب مبادرة المطلق إلى توثيقى إشهار طلاقه لدى الموثق المختص لم يهدف - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - إلى وضع قيد على حق الطلاق الذى أسنده الله تعالى للزوج أو على جواز إثباته قضاء بكافة الطرق وإنما هدف إلى مجرد عدم سريان آثاره بالنسبة للزوجة إلا من تاريخ علمها به ، فإنه لا على محكمة الموضوع إذا إستمعت إثباتاً للطلاق المدعى به إلى غير الشهود الموقعين على الوثيقة المحررة عنه .

( الطعن رقم 25 لسنة 51 - جلسة 1982/11/23 - س 33 ع 2 ص 1024 ق 184 )

30- وضع اليد واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق من أى مصدر يستقى منه دليله . ولمحكمة الموضع السلطة المطلقة فى التعرف على نية واضع اليد من جميع عناصر الدعوى و قضاؤها فى ذلك لا يكون خاضعاً لرقابة محكمة النقض ما دامت هذه العناصر مدونة فى حكمها وتفيد عقلاً النتيجة التى إستفادتها .

( الطعن رقم 170 لسنة 50 - جلسة 1980/12/18 - س 31 ع 2 ص 2053 ق 381 )

شرح خبراء القانون

تضمنت المادة الأولى من قانون الإثبات القاعدة العامة في الإثبات في المواد المدنية والتجارية إذ نصت على أنه "على الدائن إثبات الإلتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه"، وتنبع هذه القاعدة من عدد من القواعد الأصولية الأخرى ، مثل أن الأصل في الإنسان براءة الذمة ، وأنه يجب إحترام الوضع الثابت أصلاً ما لم يقم بدليل على خلاف هذا أو ذاك ، على النحو الذي أوردته مذكرة المشروع التمهيدي تعليقاً على نص المادة 389 من القانون المدني - الملغي - والمقابل لنص المادة الأولى من قانون الإثبات الحالي من أن الأحكام المتعلقة بتعيين من يتحمل عبء الإثبات تُرد إلى قاعدة إحترام الوضع الثابت أصلاً. فالأصل في الإنسان براءة الذمة فعلى من يدعي إلتزام غيره ويتمسك بذلك بما يخالف هذا الأصل أن يقيم الدليل على دعواه .

وبناءً على ما سبق فإنه يتعين على الدائن إثبات ما يدعيه من حق في مقابل خصمه بدليل يعتبره القانون ، ولهذا الخصم في هذه الحالة أن ينفي ويتخلص من  هذا الإلتزام بدليل أيضاً معتبر قانوناً ، ليعود للدائن الحق في إثباته لما يدعيه من حق بدحض ما قدمه الخصم ، فإن هو نجح في ذلك انتقل عبء الإثبات إلى خصمه مرة أخرى ، وهكذا تسير المنازعة وتدور رحاها بين طرفيها بين يدي القاضي حتي تُستجلى أمامه الحقيقة كاملة مؤيدة بأدلتها بما يكفي للقضاء بها والفصل في أوجه الخلاف فيها ، على تفصيل تجدونه أدناه .   ( مركز الراية للدراسات القانونية ) .

تعريف الإثبات وطبيعة قواعده :

الإثبات هو تكوين إقتناع القاضي بشأن وجود أو عدم وجود واقعة قانونية متعلقة بالدعوى ، ومن الواضح أهمية الإثبات ، ذلك أنه إذا كان القضاء يتولى تطبيق القانون على وقائع معينة ، فإن هذا التطبيق لكي يكون مؤدياً إلى تحقيق إرادة القانون يجب أن ينصب على وقائع حقيقية أي على وقائع ثابتة . ولهذا لا يكفي الخصم ادعاء واقعة ما ، بل يجب عليه إثباتها .

وقد كان القانون المصري قبل سنة 1968 يوزع قواعد الإثبات بين المجموعة المدنية ومجموعة المرافعات متبعاً في هذا مسلك القانون الفرنسي ، ولكنه عدل عن هذا الاتجاه وأصدر قانوناً للإثبات يضم جميع قواعده . (قانون رقم 25 لسنة 1968). وكان مسلك المجموعة القديمة يقوم على التفرقة بين قواعد قبول وقوة الدليل فيضمنها المجموعة المدنية على أساس أنها قواعد موضوعية ، وقواعد تقديم الأدلة أو تحقيقها أمام القضاء فيضمنها مجموعة المرافعات على أساس أنها قواعد إجرائية .

وهذه النظرية التقليدية بالنسبة لقواعد قبول وقوة الأدلة كانت تستند إلى أن أدلة الإثبات تتعلق بالحقوق الخاصة ليس فقط أمام القضاء ولكن أيضاً خارج مجلس القضاء . ذلك أن إثبات الحق أي تأكيده لازم لإحترامه وإمكان الانتفاع به والتصرف فيه بهدوء وطمأنينة . وهذه النظرة هجرها الفقه الحديث الذي يرى أن قواعد الإثبات أيا كانت ذات طبيعة واحدة ، وتكون جزءاً لا يتجزأ من قانون القضاء المدني . ذلك أن قواعد الإثبات بطبيعتها لا تنطبق إلا في الخصومة للحصول على الحماية القضائية للحق . ولهذا فإن جميع قواعد الإثبات تعتبر قواعد إجرائية متعلقة بالخصومة القضائية . وهذا واضح بالنسبة لأدلة كشهادة الشهود أو الإقرار القضائي أو اليمين وغيرها من الأدلة التي تكون نشاط إجرائياً ، فهي لا تتكون كدليل إلا في الخصومة وأمام القاضي . كما هو واضح بالنسبة للقرائن القضائية التي لا يقوم بها إلا القاضي . ولكن الأمر كذلك أيضاً بالنسبة للأدلة التي تعد مقدماً . فالمستند المعد مقدماً لا يظهر قبل الخصومة إلا كعمل قانونی عام أو خاص ، ولا يعتبر دليل إثبات إلا إذا قدم في الخصومة . حقيقة أن قيمة الحق في الحياة تتوقف على إمكانية إثباته إذا نشأت خصومة بشأنه ، ولكن قيمة الدليل في الاثبات خارج الخصومة إنما تكون بالنظر إلى خصومة مستقبلة ، فهي مجرد إنعكاس نفسی لوظيفة الدليل التي لا تكون إلا في الخصومة . أما خارج الخصومة ، فيمكن تكوين الإقتناع بأية وسيلة دون التقيد بالقواعد التي ينص عليها قانون الإثبات . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً ، الدكتور/ فتحي والي ، طبعة 2017 دار النهضة العربية ،  الجزء : الثاني ،  الصفحة :  111 )

عبء الإثبات :

لا يكتفي القانون بوجوب أن يكون أحد الخصوم قد تمسك بالواقعة محل الإثبات ، بل يلقي على الخصم عبء إثباتها . فالخصم لا القاضي هو الذي يثبت الوقائع التي تصلح للإثبات . ويرجع هذا المبدأ من ناحية ، إلى أن تدخل القاضى لابد وأن يكون لمصلحة أحد طرفي الخصومة ضد الآخر ، مما يخل بالمساواة بينهما ، ومن ناحية أخرى ، لأن الخصوم أقدر من القاضي على تقديم أدلة الإثبات وذلك لما تتصف به روابط الأفراد عادة من تحفظ . ويترتب على هذا المبدأ أنه حتى لو كان القاضي - حسب علمه الخاص - متأكداً من ثبوت الواقعة ، فإنها تبقى غير ثابتة حتى يثبتها أحد الخصوم . ومن ناحية أخرى ، فإن الواقعة ولو ثبتت في خصومة أخرى بواسطة أطرافها لا تعتبر ثابتة إلا إذا أثبتها أحد الأطراف في الخصومة التي يحدث التمسك فيها بالواقعة .

ولكن إذا كانت القاعدة هي أن عبء الإثبات على الخصوم ، فمن منهم يتحمل هذا العبء ؟ الحل المنطقي هو أن يكون «عبء الإثبات على المدعي» . والمقصود بالمدعى هنا هو من يتمسك بواقعة من مصلحته الإستناد إليها سواء أكان هو المدعى أصلاً في الدعوى أم المدعى عليه فيها . ولهذا إذا رفع شخص دعوى يطالب بدين على أساس عقد فعليه إثبات هذا العقد ، بإعتباره الواقعة المنشئة لحقه . فإذا اقتصر المدعى عليه على انكار هذا العقد فليس عليه أى عبء في الاثبات ، أما إذا تمسك بواقعة مانعة لنشأة الإلتزام أو منهية له فإنه يعتبر بالنسبة لهذه الواقعة مدعياً ، وعليه عبء إثباتها . ولهذا إذا تمسك المدعى عليه في الدعوى المشار إليها ببطلان العقد أو بالوفاء بالدين ، فعليه إثبات هذه الواقعة . وقد كان المنطق يوصي بإلزام المدعي باثبات أن عقده صحيح ، وأن حقه الذي يطالب به لم ينقض ، إذ بغير هذا لا يكون قد أثبت إدعاءه ، ولكن القانون رأي إعفاءه من إثبات الوقائع المانعة أو المنهية وإلقاء عبء إثباتها على المدعى عليه المادة 1 من قانون الإثبات وذلك :

(أ) لأن هذا الإثبات يعتبر من جانب المدعى صعباً وفي بعض الحالات مستحيلاً ، فتطلبه منه قد يعادل إنكار الحماية القضائية لحقه .

(ب) لأن الخصوم هم الذين يتمسكون بالوقائع التي يستند إليها القاضي في حكمه ، ولا يتصور أن يتمسك الخصم إلا بالوقائع التي في مصلحته . وفي هذا تحقيق لمبدأ المساواة بين الخصوم .

بقيت صعوبة ، وهي تحديد معنى الواقعة المنشئة ، والتي على رافع الدعوى إثباتها . فإذا تعلق الأمر بعقد بيع ، فهل على المدعي إثبات كافة أركان هذا العقد وعناصره بأن يثبت التراضي على الشيء المبيع وعلى ثمن محدد وأن يثبت توافر الأهلية وأن المحل قابل للتعامل فيه .. الخ. إذا قيل بهذا بصفة مطلقة ، فإن معناه إعفاء المدعى عليه من إثبات الواقعة المانعة لنشأة الإلتزام إذا حدث وتمسك بها . ولهذا فإن من المتفق عليه أن المدعي لا يقع عليه عبء إثبات جميع عناصر الواقعة المنشئة ، بل فقط بعضاً منها .

وفي سبيل تحديد ما يجب إثباته ، يرجع - وفقاً لأرجح الآراء - إلى التفرقة بين ما يعتبر الوضع العادي للأمور ، وما لا يعتبر كذلك . ما يعتبر وضعا عادياً ، لا يلتزم المدعي بإثباته ، إذ يعتبر أمراً مفترضاً وعلى المدعى عليه أن يثبت عدم توافره في الحالة المعينة .

والوضع العادي للأمور هو براءة الذمة . ولهذا ففي المثال السابق ، على المدعى أن يثبت نشأة حق له بإثباته وجود تراضي على المبيع وعلى الثمن المحدد . ولكن ليس عليه إثبات توافر الأهلية أو أن المحل قابل للتعامل فيه أو أن العقد ليس صورياً وليس هزلياً ، ذلك أن الوضع العادي للأمور هو أنه إذا إتفق شخصان على بيع ، فإنهما يكونان ذوي أهلية ويتفقان على محل قابل للتعامل فيه ويكون إتفاقهما حقيقياً وجاداً .

وقد يتحدد الوضع العادي للأمور بحسب طبيعة الأشياء . وقد يتحدد وفقاً لنص قانوني ينشئ قرينة تفترضه ، كما إذا وجد نص قانوني يفترض خطأ شخص حتى يثبت العكس أو نص قانوني ينشئ قرينة قانونية لصالح الطرف المدعى .

على أنه إذا كان عبء الاثبات يوزع حسب الوضع العادي للأمور، فإنه يلاحظ ما يلي :

1- أن القيام بالإثبات في العمل قد لا يتم حسب التوزيع القانوني . فالمدعي إذا وجد أن من مصلحته إثبات واقعة معينة ، فإنه يقوم بإثباتها ولو كان عبء إثباتها قانوناً على المدعى عليه .

2- أن الدليل المقدم في القضية يعتبر ملكاً لها . وهذا المبدأ يؤدي إلى إمكان اثبات واقعة بأدلة مقدمة في القضية من شخص غير من عليه عبء الإثبات. كما أنه يترتب عليه أنه إذا نزل الخصم عن دفاع له في الدعوى ، فان هذا النزول لا يؤدي إلى زوال دليل الإثبات الذي إتخذته المحكمة تحقيقاً لهذا الدفاع  .

3- أن قواعد الإثبات ليست من النظام العام ، فيجوز الإتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً. ولا يجوز إثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض . ومن ناحية أخرى ، فإن القواعد التي تحدد عبء الإثبات لا تتعلق بالنظام العام . ولهذا فإنه يجوز للخصمين الإتفاق على نقل عبء الإثبات من أحدهما إلى الآخر . وهذا الإتفاق صحيح سواء تم قبل بدء النزاع أو بعده . ويمكن أن يكون هذا الإتفاق صريحاً أو ضمناً . وإذا إرتضى أحدهما منذ البداية تحمل عبء الإثبات فليس له بعد ذلك أن ينعي على المحكمة نقلها عبء الإثبات . وأخيراً فانه لا يجوز النعي لأول مرة أمام محكمة النقض بنقل الحكم المطعون عليه لعبء الإثبات .

4- أن سكوت المدعى عليه عن الرد على إدعاء المدعي لا يعد دليلاً على موافقته على الإدعاء أو اقراراً بالواقعة محل الإدعاء . وبالتالي لا يعفى المدعي من عبء الإثبات . ذلك أن الأصل هو أنه لا ينسب لساكت قول . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً ، الدكتور/ فتحي والي ، طبعة 2017 دار النهضة العربية ،  الجزء : الثاني ،  الصفحة :  119 )

أهمية تعيين من يحمل عبء الإثبات من الخصمين :

أول تنظيم لقواعد الإثبات يتصل بتعيين من من الخصمين يحمل عبء الإثبات ، أى من منهما يكلف بالإثبات دون الآخر . وتعيين من يحمل عبء الإثبات من الخصمين يكاد يتوقف عليه ، فى كثير من الأحوال ، مصير الدعوى من الناحية العملية . فقد يكون الحق متراوحاً بينهما ، لا يستطيع أى منهما أن يثبته أو أن ينفيه ، فإلقاء عبء الإثبات على أحدهما معناه حكم عليه أو حكم لخصمه  .

فيعنينا إذن أن نبين من يحمل عبء الإثبات . وهذه مسألة لها ناحيتان : ناحية المبدأ وناحية التطبيق .

1 ـ عبء الاثبات من ناحية المبدأ :

 البينة على من ادعى واليمين على من أنكر : من المبادئ المقررة فى الفقه الإسلامى أن البينة على من ادعى واليمين على من أنكر  . وفى القانون المصرى وسائر القوانين الحديثة توجد القاعدة ذاتها ، فالمدعى هو الذى يحمل فى الأًصل عبء الإثبات ، سواء كان دائناً يدعى ثبوت الدائنية أو مديناً يدعى التخلص من المديونية كما تقول المادة الأولى من قانون الإثبات ولكن يبقى أن نجده على وجه الدقة من هو المدعى .

هو أولاً من يرفع الدعوى على الغير يطالبه بحق معين ، فهو مدع فى دعواه هذه ، وعليه عبء إثبات ما يدعيه . فلو أن شخصاً طالب آخر بمبلغ معين ، فعليه أن يثبت مديونية المدعى عليه بهذا المبلغ له ، بأن يثبت مصدر الدين ، تصرفاً قانونياً كوصية أو عقد بيع أو واقعة قانونية كميراث أو شفعة .

ولكن ليس من الضرورى أن يكون المدعى هو من يرفع الدعوى . فقد يدفع المدعى عليه الدعوى بدفع فيصبح مدعياً فى هذا الدفع ، وعليه هو يقع عبء إثباته . ففى الأمثلة المتقدمة قد يدفع المدين بأنه وفى دينه ، فعليه إثبات هذا الوفاء . وقد يدفع الحائز للعين بأنه ملكها بالتقادم ، فعليه إثبات ذلك   .

فيمكن إذن لأول وهلة أن نقول إن من يحمل عبء الإثبات هو المدعى فى الدعوى والمدعى عليه فى الدفع ، فكلاهما مدع فى دعواه  .

البينة على من يدعى خلاف الأصل : ولكن هذه القاعدة تحول بساطتها دون مواجهة الصعوبات التى تعرض فى العمل . فقد يقع أن المدعى ، حتى فى الدعوى التى رفعها , لا يكلف بالإثبات ، بل يكلف به خصمه وفقاً لطبيعة وضع كل منهما . فمن رفع دعوى على جاره يطالبه بسد مطل لا يكلف ـ وهو المدعى فى الدعوى ـ بإثبات أن جاره فتح المطل دون أن يكون له حق إرتفاق يجيز فتح المطل . ففى هذا المثل يقع عبء الإثبات على المدعى عليه لا على المدعى ، لأن طبيعة الوضع تقضى بخلو العقار من حقوق الإرتفاق حتى يثبت ذو المصلحة عكس ذلك .

ومن ثم فإن القول بأن المدعى هو الذى يحمل عبء الإثبات لا يستقيم فى جميع الفروض ، فوجب إذن البحث عن قاعدة تكون أكثر إنضباطاً  . وقد وضعت قاعدة فى هذا الصدد من شقين ، تستجيب لطبائع الأشياء . فقيل إن من يتمسك بالثابت أصلاً لا يكلف بإثباته ، أما من يدعى خلاف الأصل فعليه هو يقع عبء إثبات ما يدعيه . ذلك أن من يتمسك بالثابت أصلاً ، وإن كان من الجائز ألا يكون على حق من ناحية الواقع والعدالة ، إلا إنه من ناحية القانون ومن أجل إستقرار التعامل يجب أن يحمى ، فيترك على الأصل دون أن يتكلف عناء أى إثبات  . وهذا هو الشق الأول من القاعدة . أما من يدعى خلاف الأصل فهو يستحدث جديداً لا تدعمه قرينة بقاء الأصل على أصله ، فعليه أن يثبت هذا الجديد حتى يتمتع بحماية القانون . وهذا هو الشق الثانى .

فى نطاق الحقوق الشخصية الأصل هو براءة الذمة : وفى نطاق الحقوق الشخصية الأصل هو براءة الذمة من كل التزام . فمن يتمسك بالأصل لا إثبات عليه . ومن يدعـى خلاف الأصل ، بأن يدعى دينـاً فى ذمـة الغير قبلـه ، عليه أن يثبت مصـدر هذا الدين  . فمن إدعى أنه أقرض آخر مبلغاً من المال عليه أن يثبت عقد القرض . ومن طالب آخر بثمن مبيع عليه أن يثبت عقد البيع . والشريك الذى يطالب شريكه بنصيبه فى الخسارة عليه أن يثبت عقد الشركة وأن يثبت مقدار الخسارة التى لحقتها  .

 ويتفرع على ذلك مواقف عدة يختار القانون فيها وضعاً يعبره هو الأصل ، فمن تمسك به لا يكلف بإثبات شئ ، ومن إدعي خلافه فعليه عبء الإثبات . مثل ذلك الأهلية ، فالأصل أن كل شخص أهل للتعاقد ما لم تسلب أهليته أو يحد منها بحكم القانون  م109 مدنى . ومثل ذلك أيضاً عيوب العقد ، فالأصل أن يكون العقد سليماً من العيوب ، ومن يدعى أن بالعقد عيباً عليه إثباته . ومثل ذلك أخيراً إجازة العقد القابل للإبطال ، فالأصل عدم إجازة العقد ، ومن يدعى أنه أجيز عليه أن يثبت هذه الإجازة . ومثل ذلك ايضاً حسن النية فالأصل في الشخص حسن النية وعلى من يدعى عكس إثبات ما يدعيه .

وفى نطاق الحقوق العينية الأصل هو الظاهر : وفى نطاق الحقوق العينية الأصل هو الظاهر . فالحائز للعين لا يطالب بإثبات ملكيتها لأن الظاهر هو أن الحائز مالك . والخارج الذى يدعـى ملكية العيـن هـو الذى يدعـى خـلاف ذلـك ، فعليـه هـو يقـع  عبء الاثبات  .

 ومن ثم كان الحائز هو المدعى عليه دائماً فى دعوى الملكية  . وذلك ما لم يتبين من مستندات المدعى أن الظاهر يؤيد دعواه وينفى دفاع المدعى عليه ، فعندئذ ينتقل عبء إثبات الملكية إلى المدعى عليه  .

وكذلك الظاهر أن حق الملكية خال من أن يثقل بحق عينى . فالمالك إذا تمسك بهذا الظاهر لا يطالب بإثباته . ومن يدعى خلاف الظاهر ، بأن يدعى مثلاً أن له حق إرتفاق  أو حق إنتفاع أو حق رهن على العين ، كان عليه هو أن يثبت قيام الحق الذى يدعيه ، ولو كان مدعى عليه فى الدعوى الأصلية ، لأنه يدعى خلاف الظاهر .

والثابت فرضاً كالثابت أصلاً وكالثابت ظاهراً : 

وقد يحل محل الأصل فى نطاق الحقوق الشخصية ومحل الظاهر فى نطاق الحقوق العينية وضع يفرض القانون وجوده عن طريق قرينة قانونية يقيمها . فيكون الثابت فرضاً كالثابت أصلاً وكالثابت ظاهراً .

مثل ذلك أن يرفع المضرور دعوى تعويض على المكلف برقابة قاصر صدر منه عمل غير مشروع أصاب المدعى بالضرر . وقد كان القياس يقتضى أن يثبت المدعى ، فوق العمل غير المشروع الصادر من القاصر ، تقصيراً من المكلف بالرقابة فى تأدية واجبه . ولكن القانون فرض أن هذا التقصير قد وقع منه بمقتضى قرينة قانونية أقامها ضده  م 173  فقرة 3 مدنى  . فلا يكلف المدعى إثبات التقصير ، وينتقل عبء الإثبات إلى المدعى عليه فيثبت أنه قام بواجب الرقابة أو أن الضرر كان لا بد واقعاً ولو قام بهذا الواجب بما ينبغى من العناية . وكذلك الحال فى مسئولية حارس الآلات الميكانيكية أو الأشياء التى تتطلب حراستها عناية خاصة ، كل هؤلاء فرض القانون في جانبهم التقصير ، فمدعى التعويض لا يكلف بإثبات تقصيرهم ، بل لا يسمح لهم القانون أن يثبتوا أنهم قاموا بواجب العناية لأن قرينة التقصير هنا قرينة قانونية لا تقبل إثبات العكس المواد 176 و 177 فقرة أولى و178 من التقنين المدنى . والمدعى بدين لا يكلف إثبات سببه المشروع ، لأن القانون فرض أن يكون لكل دين سبب مشروع ، وينتقل هنا عبء الإثبات إلى المدين فعليه أن يثبت هو أن الدين سببه غير مشروع  م 137 فقرة  1 مدنى . كذلك يعتبر السبب المذكور فى العقد هو السبب الحقيقى ، حتى يقيم المدين الدليل على ما يخالف ذلك م 137 فقرة 2 مدنى . والتأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين قرينة على الوفاء ، فينتقل عبء الإثبات من المدين إلى الدائن ، وعلى هذا أن يثبت أن المدين لم يقم بوفاء الدين م 19 من قانون الإثبات  .

وفى نطاق الحقوق العينية ، إذا فرضت قيود معينة تحد من حق مالك العقار فى البناء عليه ، فالمدعى الذى يرفع دعوى على المالك متمسكاً بأن هذه القيود هى حقوق إرتفاق لا مجرد إلتزامات شخصية لا يكلف باثبات ذلك ، لأن القانون أقام قرينة على أن هذه القيود هى حقوق إرتفاق ، فإذا أراد المالك أن ينفى أنها حقوق إرتفاق وأنها ليست إلا إلتزامات شخصية انتقل إليه هو عبء هذا الإثبات م 1018 فقرة  1 مدنى .

ومن هذه الأمثلة نرى أن القرينة القانونية إذا كانت قابلة لإثبات العكس إنما تنقل عبء الإثبات ممن يتمسك بها إلى خصمه ، أما إذا كانت غير قابلة لإثبات العكس فإنها تعفى من يتمسك بها من الإثبات إعفاءً نهائياً ولا تقتصر على نقل عبء الإثبات  .

كذلك تكون البينة على من يدعى خلاف ما هو ثابت فعلاً : ومن يتمسك بما هو ثابت أصلاً أو ظاهراً أو فرضاً يمكن أن نقول إنه يتمسك بما هو ثابت حكماً . وهو لا يكلف بالإثبات كما قدمنا ، بل من يدعى خلاف ما هو ثابت حكماً . وهو لا يكلف بالإثبات كما قدمنا ، بل من يدعى خلاف ما هو ثابت حكماً هو الذى يحمل عبء الإثبات . كذلك الحال فيمن يتمسك بما هو ثابت فعلاً  ، لا يكلف هو أيضاً بالاثبات ، وإنما يحمل عبء الاثبات من يدعى خلاف ما هو ثابت فعلاً . والثابت فعلاً هو ما أقام الخصم الدليل عليه بالطرق القانونية ، حقيقة أو ضمناً .

مثل ذلك دائن يرفع دعوى الدين على مدينه ، فيدعى خلاف الأصل وهو براءة الذمة كما قدمنا ، فعليه إذن عبء إثبات الدين . فإذا ما أثبته حقيقة بسند مكتوب مثلاً ، فلا يجوز للمدين أن يدعى وفاء الدين ، أى خلاف ما هو ثابت حقيقة ، إلا إذا حمل عبء إثبات ما يدعيه .

ولو أن المدين فى المثل الذى قدمناه لم يكلف المدعى باثبات الدين حقيقة ، بل دفع الدعوى بالمقاصة ، كان هذا بمثابة إقرار ضمنى منه بالدين ، فيكون الدين ثابتاً ضمناً. وعلى المدين إثبات عبء إنقضاء الدين بالمقاصة لأنه يدعي خلاف ما هو ثابت ضمناً .

ومن ثم نرى أن البينة تكون على من يدعى خلاف ما هو ثابت فعلاً ، حقيقة كان هذا الثبوت أو ضمناً .

إستخلاص مبدأ عام فيمن يحمل عبء الإثبات : ونستطيع بعدما قدمناه أن نضع المبدأ الآتى : كل من يتمسك بالثبات حكماً ـ أصلا أو ظاهراً أو فرضاً ـ أو بالثابت فعلاً ـ حقيقة أو ضمناً ـ لا يقع عليه عبء الإثبات . وإنما يقع عبء الإثبات على من يدعى خلاف الثابت حكماً أو فعلاً ،  لأنه يدعى خلاف الأصل أو الظاهر أو المفروض أو الثابت ، فوجب أن يحمل عبء إثبات ما يدعيه  . وغنى عن البيان أن تحديد من يحمل عبء الإثبات مسألة قانونية تخضع لرقابة محكمة النقض .

ب ـ عبء الإثبات من ناحية التطبيق :

 كيف يقوم بالإثبات عملاً من يحمل عبئه : متى تعين أى الخصمين يحمل عبء الإثبات ، وفقاً للمبدأ العام الذى قدمناه ، كان هذا الخصم هو المكلف بإقامة الدليل بالطرق القانونية على صحة ما يدعيه . فإذا أدعى شخص أنه أقرض شخصاً آخر مبلغاً من المال ، فعليه أن يثبت عقد القرض . ولكن هل معنى ذلك أن يثبت أيضاً أن عقد القرض خال من جميع أسباب البطلان ، وهذه ترجع إلى التراضى والمحل والسبب وإلى الأهلية وعيوب الإرادة من غلط وتدليس وإكراه واستغلال ، ثم يثبت بعد ذلك أن العقد بعد أن العقد صحيحاً لم ينقض الدين الذى نشأ عنه بأى سبب من الأسباب كالوفاء والتجديد والمقاصة واتحاد الذمة والإبراء ونحو ذلك ، ثم بعد أن يثبت أن الدين لم ينقض يثبت أيضاً أنه لم يلحقه أى تعديل ، وهكذا .

من الواضح أن عبء الاثبات ، إذا فسر على هذا النحو ، ينوء به الخصم . ولذلك تقضى الضرورة أن يقتصر الخصم على إثبات عقد القرض . وبعد ذلك يستعان بالقرائن التى قد تمناها . فما هو ثابت حكماً أو فعلاً لا يكلف بإثباته ، ويترتب على ذلك أن القرض متى أثبته الدائن ، كان من الثابت حكماً أنه خال من أسباب البطلان ، فإذا ادعى المدين أن العقد قد لحقه سبب منها فعليه هو أن يثبت ذلك كما أسلفنا . ثم متى ثبت عقد القرض ، أصبح ثابتاً فعلاً ، فاذا ادعى المدين خلاف ذلك ، بأن أدعى أن الدين قد إنقضى بسبب من أسباب الإنقضاء أو أنه قد لحقه أى تعديل ، فعليه هو عبء الإثبات كما تقدم القول  .

ونرى من ذلك أن عبء الإثبات لا يثقل كاهل أحد الخصمين دون الآخر ، بل هو يوزع بين الخصمين على النحو المتقدم  . قد يقع هذا التوزيع بحكم  الواقع بمقتضى قرائن قضائية ينقل بها القاضى عبء الإثبات بحسب تقديره من الخصم إلى خصمه ، وقد يقع بحكم القانون بمقتضى قرائن قانونية ينتقل بها عبء الإثبات من خصم إلى آخر وقد يقع أخيراً بحكم الإتفاق بين الطرفين .

توزيع عبء الاثبات بحكم الواقع : فمثل أن يقع التوزيع بحكم الواقع عن طريق قرائن قضائية ما يأتي :

شخص يريد أن يثبت صورية عقد صدر من أب إلى ولده ، فيثبت إلى جانب علاقة البنوة أن الولد وهو صغير السن عديم الكسب ليس له مال ظاهر يسمح بدفع الثمن المذكور فى العقد أنه قد دفع . فتقوم قرينة قضائية على أن واقعة دفع الثمن واقعة صورية . فيلق القاضى عبء الإثبات إلى الأب ، ليثبت مصدراً معيناً دفع منه الولد الثمن ، أو أن حقيقة العقد هبة فى صورة بيع وعندئذ يكون له حكم الهبة لا حكم البيع .

شخص يطالب آخر بتعويض لإعتدائه على إختراع له حصل على براءته وسجلها . فعلى المدعى أن يثبت حصوله على البراءة وأنه قام بتسجيلها وفقاً للأوضاع المقررة فى القانون . وعند ذلك ينقل القاضى عبء الإثبات إلى المدعى عليه ليثبت ، إذا إستطاع ، أن هذا الإختراع بالرغم من صدور براءة به وتسجيلها ليس بالجديد الذى يستحق الحماية .

أنكر الخصم أن الختم الموقع به على الورقة هو ختمه . فعند ذلك يحمل الخصم الآخر عبء إثبات صحة الختم طبقاً للإجراءات المقررة فى القانون . فإذا أثبت ذلك نقل القاضى عبء الإثبات إلى الخصم الأول ، ليثبت كيف وصل ختمه هذا الصحيح إلى الورقة التى عليها التوقيع ، ويكون ذلك عن طريق دعوى التزوير التى يجب أن يسار فيها بطريقها القانونى كما قضت بذلك محكمة النقض .

شخص يريد أن يثبت أن له حيازة المنزل محل النزاع ، فيقدم مستندات تثبت أنه هو الذى يؤجر المنزل ويقبض أجرته ويدفع ضريبته . فتقوم قرينة قضائية على أنه هو الحائز للمنزل . وعند ذلك ينقل القاضى عبء الإثبات إلى الخصم الآخر ليدحض هذه القرينة القانونية ، بأن يثبت مثلاً أن الخصم الأول إنما يؤجر المنزل ويدفع الضريبة لا لحسابه الشخصى بل لحساب المالك الذى يدير هو أعماله . وهكذا ينقل القاضى عبء الاثبات من خصم إلى آخر تبعاً لما يستخلص كل منهما من قرائن يكون من شأنها أن تلقى عبء الإثبات على خصمه .

موظف فصل من وظيفته ، فيرفع دعوى على الحكومة يقول فيها إن فصله كان تعسفياً . ولما كان هو الذي يحمل عبء إثبات التعسف ، فانه يستطيع فى هذا السبيل أن يطلب ضم ملف خدمته ليثبت منه تقدير الرؤساء لكفايته ومن الناحية الخلقية ، نقل القاضى عبء الإثبات إلى الحكومة لتقول هى بدوره لأى سبب بالذات قد فصلته . فإن ذكرت الحكومة سبباً معيناً لفصله ، نقل عبء الإثبات إلى المدعي ، لثبت أن هذا السبب غير صحيح أو أنه لا يكفى بفرض صحته لنفى التعسف . وهكذا يتناوب الموظف والحكومة الإثبات إلى أن يعجز أحدهما عن أن يرد عبء الإثبات إلى صاحبه ، فيكون هو المحكوم عليه فى الدعوى . 

 توزيع عبء الإثبات . بحكم القانون : 

ومثل أن يقع التوزيع بحكم القانون عن طريق قرائن قانونية ما يأتى :

يريد الدائن إثبات إعسار المدين . هنا يتكفل القانون بتحليل عناصر الإثبات وتوزيعها على الخصمين عن طريق إقامة قرائن قانونية . فقد نصت المادة 239 من التقنين المدنى على أنه  إذا ادعى الدائن إعسار المدين ، فليس عليه إلا أن يثبت مقدار ما فى ذمته من ديون ، وعلى المدين نفسه أن يثبت أن له مالا يساوى قيمة الديون أو يزيد عليها  . فالدائن إذن يحمل عبء إثبات مقدار ما فى ذمة المدين من ديون . وعندئذ ينتقل عبء الإثبات إلى المدين ، ويكون عليه أن يثبت  أن له ما لا يفى بمجموع هذه الديون . وبمقدار كثرة الديون التى يستطيع الدائن إثباتها فى ذمة المدين يثقل عبء المدين فى إثبات أن ماله يفى بديونه . فإن عجز عن هذا الإثبات اعتبر معسراً .

يريد الحائز أن يثبت أنه كسب الملكية بالتقادم ، أى أن يثبت أن حيازته إستمرت المدة التى حددها القانون لتمام التقادم . هنا أيضاً يتكفل القانون بتوزيع عناصر الإثبات على الخصمين . فقد نصت المادة 971 من التقنين المدنى على أنه  إذا ثبت قيام الحيازة فى وقت سابق معين وكانت قائمة حالاً ، فإن ذلك يكون قرينة على قيامها فى المدة ما بين الزمنين ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك  . فالحائز يحمل عبء إثبات أن حيازته بدأت فى وقت معين وأنها قائمة حالاً . وهنا يقيم القانون قرينة على أن الحيازة استمرت قائمة فى المدة ما بين الزمنين . وينتقل بذلك عبء الإثبات إلى الخصم الآخر . ويكون عليه أن يثبت أنها انقطعت فى هذه المدة .

 إذا أمن شخص على حياته ، ثم انتحر ، برئت ذمة المؤمن شركة التأمين من إلتزامه بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد . ومع ذلك لا تبرأ ذمة المؤمن من هذا الإلتزام إذا كان سبب الإنتحار يرجع إلى فقدان إرادة المنتحر . فإذا مات المؤمن على حياته وإدعت شركة التأمين أنه مات منتحراً فبرئت ذمتها من الالتزام بدفع مبلغ التأمين إلى المستفيد ، فان القانون هنا أيضاً يوزع عبء الإثبات على كل من شركة التأمين والمستفيد . فقد نصت الفقرتان الأوليان من المادة 756 من التقنين المدنى على ما يأتى :  

1- تبرأ ذمة المؤمن من إلتزامه بدفع مبلغ التأمين إذا إنتحر الشخص المؤمن على حياته . ومع ذلك يلتزم المؤمن أن يدفع لمن يؤول إليهم الحق مبلغاً يساوى قيمة إحتياطى التأمين .

2 - فإذا بأكمله. وعلى المؤمن أن يثبت أن المؤمن على حياته مات منتحراً ، وعلى المستفيد أن يثبت أن المؤمن على حياته كان وقت إنتحاره فاقد الإراده  . فشركة التأمين تحمل إذن عبء إثبات أن المؤمن على حياته قد انتحر . وعندئذ يفرض القانون فرضاً قابلاً لإثبات العكس أن الإنتحار كان بإرادة المنتحر ، وأن هذا لم يكن فاقد الإرادة وقت إنتحاره . فينتقل عبء الإثبات إلى المستفيد . وعليه أن يثبت ، حتى يستحق مبلغ التأمين بأكمله ، أن المنتحر كان وقت إنتحاره فاقد الإرادة  .

عقد أبرم بطريق المرسلة . ولكن الموجب إدعى أنه عدل عن إيجابه قبل أن يتم العقد . فعلى الخصم الآخر أن يثبت أن العقد قد تم إبرامه ـ أى أن الموجب قد علم بالقبول ـ قبل هذا العدول . ويوزع القانون عبء الإثبات بين الخصمين ، إذ تنص المادة  91 من التقنين المدنى على ما يأتى :  ينتج التعبير عن الإرادة أثره فى الوقت الذى يتصل فيه بعلم من وجه إليه ، ويعتبر وصول التعبير قرينة على العلم به ، ما لم يقم الدليل على عكس ذلك  . فعلى الخصم الآخر الذى قبل الإيجاب أن يثبت أن قبوله وصل إلى الموجب فى وقت سابق على الوقت الذى علم فيه بعدول الموجب عن إيجابه . وعند ذلك يفرض القانون أن الموجب قد علم بالقبول وقت وصوله إليه . فينتقل عبء الإثبات إلى الموجب . وعليه أن يثبت أنه بالرغم من وصول القبول إليه قبل عدوله عن الإيجاب ، إلا أنه لم يعلم به إلا بعد عدوله وعلم الخصم الآخر بهذا العدول .

باع شخص مالاً يملكه . وبعد موته نازع ورثة البائع المشترى فى أن الثمن المذكور فى عقد البيع صورى ، وأن البيع قد صدر فى مرض الموت فيكون وصية ، ومن ثم لا ينفذ إلا من ثلث التركة . يوزع القانون عبء الإثبات هنا أيضاً بين الورثة والمشترى.  فقد نصت الفقرتان الثانية والثالثة من المادة 916 على ما يأتى : 

2- وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانونى قد صدر من مورثهم وهو فى مرض الموت ، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق ، ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً.

3- وإذا أثبت الورثة أن التصرف صدر من مورثهم فى مرض الموت ، اعتبر التصرف صادراً على سبيل التبرع ، ما لم يثبت من صدر له التصرف عكس ذلك . كل هذا ما لم توجد أحكام خاصة تخالفه .فالورثة إذن يحملون عبء إثبات أن البيع قد صدر فى مرض الموت . ومتى أثبتوا ذلك قامت قرينة قانونية على أن العقد مقصود به التبرع وأن ثمناً ما لم يدفع . وعند ذلك ينتقل عبء الإثبات إلى المشترى . وعليه أن يثبت أنه دفع للبائع ثمناً لا يقل عن قيمة المبيع بمقدار يجاوز ثلث التركة ، وإلا فان البيع ، فيما تجاوز فيه زيادة قيمة البيع على الثمن ثلث التركة ، لا يسرى فى حق الورثة  م 477 مدني .

ونرى من الأمثلة المتقدمة أن كل قرينة قانونية قابلة لإثبات العكس ليست فى الواقع إلا توزيعاً لعبء الإثبات بين الخصمين ، يتكفل به القانون .

ونرى كذلك مما سبق بيانه أن من يحمل عبء الاثبات ليس مطالباً فى الواقع من الأمر باثبات كامل قاطع . ولا هو يكلف ـ على عكس ما ذهب إليه الإستاذان أوبرى ورو  ـ بإثبات كل عنصر من  العناصر التى تتكون منها الواقعة مصدر الحق المدعى به . وليست الحقيقة القضائية التى يتولى إثباتها بالحقيقة المطلقة التى لا يداخلها الشك . فالقانون لا يطلب المستحيل . وإنما يكتفى ممن يحمل عبء الاثبات أن يقنع القاضى بأن الأمر الذى يدعيه أمر مرجح الوقوع بحيث يكون من المعقول التسليم بوقوعه فعلاً ، وينفى القاضى ما بقى من شك يحوم حول الأمر بأن ينقل عبء الإثبات إلى الخصم الآخر ، ليثبت أنه ، بالرغم من الظواهر التى ترجح وقوع الأمر ، توجد قرائن أخرى تجعل الراجح مرجوحاً . ثم يرد عبء الاثبات إلى الخصم الأول ، ليهدم هذه القرائن بقرائن أخرى تعيد للأمر كفة الرجحان . وهكذا يتقاذف الخصمان الكرة ، كل منهما يدفعها إلى صاحبـه ، إلى أن يعجـز أحدهمـا عن ردها ، فتسقط من يده ، ويسجـل علـى نفسـه الخسارة  .

فلا نبالغ إذن فى القول بفداحة الإثبات . فان الخصم يتخفف من هذا العبء بأمرين : أولاً بتحليل الواقعة المراد إثباتها إلى عناصر متعددة يتوزع بين الخصمين عبء إثباتها ، فيقوم كل منهما بنصيبه فى هذا العبء . ثانياً بعدم مطالبة الخصم ـ فى العناصر التى يكلف بإثباتها ـ باثبات قاطع يصل بها إلى درجة الحقيقة المطلقة . بل يكفى أن يثبت رجحانها . وهذا هو شأن الحقيقة القضائية ، لا يقدر لها أن تصل إلى مرتبة الإطلاق  .

تعيين من يقع عليه عبء الإثبات بحكم الاتفاق  التعديل الإتفاقى لقواعد عبء الإثبات  : وغنى عن البيان أن القواعد التى قدمناها فى عبء الإثبات قل أن تعتبر من النظام العام ، لأن الكثير منها لم يوضع إلا لحماية الخصوم . فمن الجائز إذن ، ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك ، عندما يضع القانون قرينة قانونية تنقل عبء الإثبات إلى الخصم معين حماية للخصم الآخر ، أن يتفق الطرفان مقدماً على إلغاء هذه القرينة ، وإعادة عبء الإثبات إلى من كان ينتفع بها ، فينزل بذلك عن الحماية التى منحها له القانون ، ويكون فى هذا تعديل إتفاقى لقواعد عبء الإثبات ، وهو صحيح قانوناً .

ونأتى بأمثلة لذلك 

1. الأصل فى الضرر الذى يحدثه الحيوان أن حارس الحيوان هو المسئول عنه ، إلا إذا أثبت هذا أن وقوع الضرر كان بسبب أجنبي م 176 مدنى ولكن يجوز الإتفاق مقدماً على نقل عبء الإثبات إلى. المضرور . فيصح أن يتفق شخصان شريكان فى مرعى واحد على أن كل ضرر يقع من مواشى أحدهما على مواشى الآخر لا يكون الأول عنه إلا إذا أثبت الآخر خطأ فى جانبه . 

2. الأصل أن أمين النقل مسئول عن الضرر الذى يحدث أثناء النقل للشخص أو الشئ الذى ينقله ، والمسئولية هنا مسئولية عقدية ، فعلى أمين النقل إذن يقع عبء الإثبات. ولكن يحوز الإتفاق مقدماً ـ ما لم يكن هذا شرط إذعان ـ على نقل عبء الإثبات من أمين النقل إلى المتعاقد معه ، فيصبح هذا هو المكلف بإثبات خطأ فى جانب أمين النقل على أساس المسئولية العقدية لا المسئولية التقصيرية . 

3. إذا جاوز الضرر قيمة التعويض الإتفاقى الشرط الجزائى ، فلا يجوز للدائن أن يطالب بأكثر من هذه القيمة إلا إذا أثبت أن المدين قد إرتكب غشاً م 231 مدنى . ولكن يجوز للطرفين أن يتفقا مقدماً على نقل عبء الإثبات من الدائن إلى المدين ، فيكون للدائن أن يطالب بقيمة الضرر التى جاوزت قيمة الشرط الجزائى ما لم يثبت المدين أنه لم يرتكب غشاً .

4. المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه م 584  فقرة  1 مدنى ولكن يجوز للطرفين أن يتفقا مقدماً على نقل عبء الإثبات المؤجر خطأ فى جانبه  ، وبذلك يتحول إلتزام المستأجر من إلتزام بتحقيق غاية إلى إلتزام ببذل عناية  .

وكما يقع التعديل الإتفاقى لقواعد عبء الإثبات مقدماً قبل حصول النزاع على النحو الذى قدمناه ، كذلك يصح أن يقع هذا التعديل أثناء النزاع . فيجوز لخصم لم يكن فى الأصل مكلفاً باثبات واقعة أن يتطوع لإثباتها ، فإذا أجابه القاضى إلى طلبه فليس له بعد ذلك أن يحتج بأنه غير مكلف قانوناً بالإثبات . ذلك أن تطوعه لإثبات الواقعة مع سكوت خصمه يكون بمثابة اتفاق بينهما على نقل عبء الإثبات إليه ، فيلزمه أن يضطلع بهذا العبء . وقد قضت محكمة النقض بأن القواعد التى تبين على أى خصم يقع عبء الإثبات لا تتصل بالنظام العام ، ولذا يجوز الاتفاق على مخالفتها ، وإذن فمتى كان الطاعن قد طلب من  المحكمة احالة الدعوى على التحقيق لإثبات ما يدعيه ، فليس له أن ينعى بعد ذلك على الحكم بإجابته إلى ما طلب ، حتى ولو كان فيما طلب متطوعاً لإثبات ما هو غير ملزم بحمل عبئه . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري ، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي ، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية ،  الجزء : الثاني  المجلد الأول ، الصفحة : 88 )

وفي تفسير آخر لهذه المادة :

تحتل قواعد الإثبات أهمية خاصة إذا أن الحق - وهو موضوع التقاضي - يتجرد من كل قيمة إذا لم يقم الدليل على الحادث الذي يستند إليه فالدليل هو قوام حياته ومعقد النفع فيه حتى صدق القول بأن الحق مجرداً من دليله يصبح عند المنازعة فيه والعدم سواء ومن هنا يتعين أن تلقى قواعد الإثبات الموضوعية منها والإجراءات عناية خاصة إذا أنها الوسيلة التي يتوسل بها صاحب الحق إلى إقامة الدليل على قيام هذا الحق وتقديمه للقضاء ليمكنه منه .

وإذا كانت تلك هي أهمية الإثبات فإن هذه الأهمية تبدو أكثر وضوحاً فی مجتمع إشتراكي لا يكتفي بتقرير الحقوق بل يحرص على توكيد تمتع أصحابها بثمراتها ومن ثم يكون من المتعين في ظل هذا المجتمع ألا تقف شكلية الدليل المهيأ أو إجراءات تقديم الأدلة للقضاء عائقاً يحول دون تمتع أصحاب الحقوق بثمراتها .

وقد نهجت التشريعات مناهج شتى في اختيار الوضع المناسب لقواعد الإثبات من التقنيات المختلفة فذهبت التشريعات الجرمانية إلى إلحاقها بقانون المرافعات وهو مذهب يلقي النقد الشديد من الفقه المصري - في حين إتجهت التشريعات اللاتينية إلى توزيع تلك القواعد بين القانون المدني فتخصه بالقواعد الموضوعية. وبين قانون المرافعات فتخصه بالأحكام الإجرائية وهو ما أخذ به التشريع القائم. إلا أنه مذهب محل نقد كذلك لصعوبة إقامة تفرقة فاصله بين ما هو إجرائي وما هو موضوعی من قواعد الإثبات فضلاً عن صعوبة اختيار الموضع المناسب للقواعد الموضوعية في التقنين المدني. أما الاتجاه الثالث فهو اتجاه التشريعات الأنجلوسكونية التي تجمع قواعد الإثبات الموضوعية والإجرائية في تقنين مستقل وقد أخذ بذلك التشريع الأمريكي والقانون السوري بل إن الأول يزيد على ذلك إضافة قواعد الإثبات الجنائية إلى هذا التقنين .

وقد رأى المشروع الأخذ بالاتجاه الأخير ففصل قواعد الإثبات الموضوعية من القانون المدني وأحكامه الإجرائية من قانون المرافعات وجمعها في تقنين مستقل لما رآه في ذلك من تيسير على صاحب الحق التعرف على ما يسند حقه من دليل وطريق تقديمه للقضاء وتجنب الصعوبات التي تنجم من تشتيت مواد الإثبات بين القانون المدني وقانون المرافعات مع الصلة الوقتية التي تجمعها حتى ليتعذر في كثير من الصور تحديد ما هو منها موضوعی خالص أو إجرائی خالص بل إنه لو أمكن ذلك لما كان مرغوبا فيه إذ أن كليهما ينبني حكمه على الآخر وأخيراً فقد رأى المشروع في هذا المسلك تخلصاً من النقد الذي يوجه إلى موضوع مواد الإثبات في القانون المدني القائم إذ جاءت في نهاية الكتاب الأول من القسم الأول الخاص بالإلتزامات أو الحقوق الشخصية في حين أن حكمها يسري على الحقوق الشخصية والحقوق العينية جميعاً وهو نقد أحس به واضعوا مشروع القانوني المدني وكانوا يأملون لو جمعوا بين قواعد الإثبات وقواعد الشهر في كتاب مستقل. وإذا كان المشروع قد انتهى إلى تجميع قواعد الإثبات الموضوعية وأحكامه الإجرائية في تقنين مستقل ففصلها بذلك عن القانون المدني وقانون المرافعات فإنه قد حرض في مراجعته لها أن يعمل على تيسير إجراءات الإثبات وتحقيق مزيد من إيجابية القاضي وفاعليته بتزويده بمزيد من حرية الحركة في هذه المرحلة الهامة من مراحل الدعوى حتى لا يترك كشف الحقيقة رهيناً بمبارزة الخصوم وحدهم والحرص على استقلال الحقوق وسد باب الحيلة أمام طلاب الكيد أو هواة المطل. وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف استحدث المشروع عدة أحكام وأدخل عدة تعديلات على النصوص القائمة .

ونعرض فيما يلي لبعض المبادئ العامة في الإثبات.

أولاً : تعريف الإثبات وأهميته :

المعنى القانوني للإثبات هو تأكيد حق متنازع فيه له أثر قانوني بالدليل الذي أباحه القانون لإثبات ذلك الحق وفي ذات المعنى قيل بأن الإثبات في معناه القانوني هو تقديم الدليل أمام القاضي بالطرق الجائزة على وجود واقعة قانونية متنازع فيها بين الخصوم .

وعلى ذلك فإن الإثبات بلغة القضاء هو تأكيد مزاعم الخصم أو دفاعه بالدليل الذي يبيحه القانون لإقناع القاضي بوجاهتها ليقضي بها ولا تخلو خصومه من وجوب ركون كلاً الخصمين إلى الإثبات ليؤيد المدعي دعواه بالأدلة المقنعة ولين في المدعى عليه هذا الدليل بما لديه من الوسائل ويقيم حجته في الدفاع ودحض حجة خصمه وكل ما يقدمه الخصوم في الدعوى من الأقوال والمستندات وكل ما يدور فيها من الحيل وما تجريه المحكمة من الإستجواب والتحقيق ومناقشة الخصوم يراد به الوصول لتكوين ذلك الإثبات الذي يقنع القضاء ويمكنه من الفصل في الخصومة لصالح من أيد حجته بالدليل وأسقط حجة خصمه ومن ثم فإن الإثبات ليس ركن من أركان الحق فالحق يوجد بقوة القانون متى توافرت الشروط اللازمة لنشوئه وبقطع النظر عن وسيلة إثباته غير أنه من الناحية العملية لا مبالغة في أن الحق مجرداً من دليله يصبح عند المنازعة فيه هو والعدم سواء لتعذر فرض إحترامه قضاء على من ينكره أو ينازع فيه لذلك يعتبر الإثبات الأداة الضرورية التي يعول عليها القاضي في التحقيق من الوقائع القانونية والوسيلة العملية التي يعتمد عليها الأفراد في صيانة حقوقهم المترتبة على تلك الوقائع حتى أنه ليصح القول بأن كل نظام قانونی وكل تنظيم قضائي يقتضي حتماً وجود نظام للإثبات والواقع أن جميع الشرائع في مختلف العصور نزلت على حكم الضرورة وعنيت بالإثبات وأهمية الإثبات ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالقاعدة التي تقضي بأن الإنسان لا يستطيع أن يقتضي حقه بنفسه فلما كان من المتعين على الأفراد لكي ينالوا حقوقهم ألا يحصلوا عليها بأنفسهم بل لابد من الإلتجاء إلى القضاء كان من اللازم على كل من يلتجئ إلى القاضي أن يقنع القاضي بوجود حقه الذي ينازعه فيه الغير وبالتالي يتعين عليه إقامة الدليل على هذا الحق وعلى ذلك فالإثبات ضروری يستلزمه تنظيم المجتمع وتوزيع السلطات فيه فإذا لم يتمكن صاحب الحق من إقامة الدليل عليه أو بالأحرى على المصدر المنشئ له تجرد هذا الحق من كل قيمة علمية .

والواقع أن هذا التشريع الوضعي مستمد من التشريع السماوي .

ثانياً : المبادئ العامة في الإثبات

1- مبدأ حياد القاضي :

ينحصر عمل القاضي في تحقيق الوقائع التي يدعيها الخصوم ثم البحث عن حكم القانون فيها ثم تطبيقه عليها وتقرير حقوق كل من طرفي الخصومة أما الوقائع فالأصل فيها أن القاضي لا يباشر تحقيقها من تلقاء نفسه بل يتسولی الخصوم أنفسهم إثباتها أو نفيها بطرق الإثبات المبينة في القانون ولا يكون على القاضي إلا تقدير ما قدموه من الأدلة المقبولة قانوناً ومراقبة صحة الإجراءات التي إتبعوها في إقامة هذه الأدلة فإذا عجز الخصوم عن إثبات الوقائع التي يدعيها أو عجز عن نفي ما أثبته عليه خصمه فإنه يخسر الدعوى ولا يلام القاضي على أنه لم يبحث عن الحقيقة بنفسه من غير طريق الأدلة المقدمة إليه ومن ثم فإن المقصود بمبدأ حياد القاضي في نظرية الإثبات أن تنحصر مهمة القاضي في القيام بدور الحكم بين الخصوم بحيث يكون موقفه من الدعوى سلبياً يقتصر عمله على تقدير ما يقدمونه بالطرق التي عينها القانون وفقاً للإجراءات التي وضعها من أدلة في الدعوى ليعتبر الوقائع المدعاه ثابتة أو غير ثابتة ولا يجوز له أن يعمد من جانبه إلى جمع أدلة أخرى أو أن يبحث عن الحقيقة من غير طريق الأدلة التي قدمت إليه الدعوى. وعلى ذلك فليس القاضي أن يساهم في جمع الأدلة كما أنه ليس له أن يستند إلى أي دليل تحراه بنفسه بعيدا عن الخصوم بل أنه إذا كان يعلم واقعة حاسمة في الدعوى فليس له أن يستند إليها إذا لم تكن هذه الواقعة الحاسمة قد قدمت وفقاً للإجراءات المقررة في القانون كما لا يجوز له أن يستند في حكمه إلى دليل قام في قضية أخرى خاصة إذا لم تكن أوراق هذه القضية الأخرى قد ضمت إلى الدعوى التي أمامه حيث يمكنه في هذه الحالة الأخيرة أن يستأنس بما قام في تلك القضية الأخرى من أدلة متى قام إرتباط بين الدعويين وتقيد القاضي بما يقدمه الخصوم من أدلة دون أن يكون له دور إيجابي في البحث عن الأدلة هو نتيجة للأخذ بمذهب الإثبات المقيد ولما كان المشرع عندنا قد أخذ في تنظيم الإثبات بمذهب مختلط فإنه لم يجعل دور القاضي سلبياً بحتاً له خوله سلطات في تقدير الأدلة وإستكمالها وذلك لتمكينه من الوصول إلى الحقيقة ومن الأمثلة التي يبدو فيها الدور الإيجابي للقاضي في الإثبات ما تنص عليه المادة 70 من قانون الإثبات من أن للمحكمة من تلقاء نفسها أن تأمر بالاثبات بشهادة الشهود في الأحوال التي يجيز القانون فيها الإثبات بشهادة الشهود متى رأت في ذلك فائدة للحقيقة كما يكون لها في جميع الأحوال كلما أمرت بالإثبات بشهادة الشهود أن تستدعي للشهادة من ترى لزوماً لسماع شهادته إظهاراً للحقيقة ومن أمثلة ذلك أن القانون في المادة 100 من قانون الإثبات ترك للقاضی إستنباط كل قرينة لم يقررها القانون وذلك في الأحوال التي يجوز فيها الإثبات بشهادة الشهود كما أنه يخول القاضي أن يستجوب الخصوم (المادة 105 من قانون الإثبات) وأن يأمر بحضور الخصم لاستجوابه (المادة 106 ) وأن يوجه اليمين المتممة من تلقاء نفسه والإنتقال لمعاينة المتنازع فيه المادة 131) وأن ينتدب خبيراً عند الاقتضاء (المادة 135) .

2- دور الخصوم الإيجابي في الإثبات ومبدأ المجابهة بالدليل :

للخصم في الإثبات دور إيجابي على نقيض دور القاضي : الإثبات واجب عليهم وفي ذات الوقت حق لهم فعلى الخصم أن يقيم الدليل على ما يدعيه وإلا خسر دعواه وله أن يقدم إلى القاضي الدليل الذي يراه سندا لما يدعيه ويكون للخصم الآخر تطبيقاً لذات المبدأ أن ينقض كل دليل يقدمه خصمه ويثبت عكس ما يدعيه وهذا ما يطلق عليه مبدأ "المجابهة بالدليل" فكل دليل لا بد أن يعرض على الخصوم لمناقشته وتفنيده وتطبيقاً لهذا نصت المادة 69 من قانون الإثبات على أن (الإذن لأحد الخصوم بإثبات الواقعة بشهادة الشهود يقتضي دائماً أن يكون للخصم الآخر الحق في نفيها بهذه الطريقة) كما أن إحترام حق الخصوم في الإثبات وتفنيد ما يقدم في الدعوى من أبلة يخول لهم الحق في طلب التأجيل للاطلاع على المستندات المقدمة من الخصم الآخر والرد عليها ولايجوز للقاضي أن يقوم بمعاينة مكان النزاع في غيبة الخصوم ودون أن يدعوهم لحضور المعاينة من غير إصدار قرار بإجراءها لكن يكفي أن يعرض الدليل على الخصوم المناقشته فإذا لم يريدوا مناقشته فعلاً فقد نزلوا عن حقهم في ذلك وصح الأخذ بالليل كذلك لايجوز للقاضي أن يأتي بأدلة من عنده لم يقدمها الخصوم .

3- لا يجوز للخصم أن يصطنع دليلاً لنفسه :

يجب بداهة أن يكون الدليل الذي يحتج به على الخصم صادراً منه لأن الشخص لايلتزم إلا بما يصدر عنه ولا يجوز من ثم للخصم أن يحتج علسی خصمه بدليل يصنعه لنفسه كورقة أو قول أو فعل صادر منه وعلى ذلك فإن القاعدة العامة أنه لا يجوز أن يخلق الشخص دليلاً لنفسه فلا يجوز أن يكون الدليل الذي يقدمه المدعي على دعواه مجرد أقواله أو إدعاءاته إذ لا ينبغي أن يصدق المدعى بقوله ولا بيمينه إذا لم توجه إليه اليمين ولا بورقة صادرة منه يقدمها في الدعوى أو مذكرات دونها بنفسه إذ لا يستطيع الإنسان أن يتخذ من عمل نفسه دليلاً لنفسه يحتج به على الغير ، ولكن المشرع قد يخرج في بعض الحالات على هذا الأصل ويجيز للشخص أن يتمسك بدليل صادر منه هو من ذلك ما تنص عليه المادة 17 من قانون الإثبات التي تجيز للتاجر أن يستند إلى البيانات التي دونها في دفاتره كدليل لصالحه لإثبات ما ورده إلى عملائه ولو أنه دلیل ناقص يجيز للقاضي أن يكمله بتوجيه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة ومن ذلك أيضاً ما ورد في المادة 17 من القانون التجاري حيث يستطيع التاجر أن يتمسك بما دونه في دفاتره كدليل لصالحه في الدعاوى التي تكون بينه وبين تاجر آخر بشرط أن تكون هذه الدفاتر منتظمة .

4- لا يجوز إجبار الخصم على تقديم دليل ضد نفسه :

القاعدة العامة أنه لا يجبر الخصم على أن يقدم دليلاً يرى أنه ليس في مصلحته إذ من حق خصم أن يحتفظ بأوراقه الخاصة به وليس لخصمه أن يلزمه بتقديم مستند يملكه ولا يريد تقديمه على أن المبدأ لا يحول دون أن يستمد الخصم دليلاً لصالحه من مستند قدمه خصمه فإذا قدم أحد الخصمين من تلقاء نفسه ورقة في الدعوى کی يتخذ منها دليلاً يؤيد به ما يدعيه فإن المحكمة يجوز لها أن تستخلص من هذه الورقة دليلاً ضد من قدمها. على أنه إذا كانت القاعدة هي أنه لا يجوز إجبار الشخص على تقديم دليل ضد نفسه فإن حق الخصم في الإثبات قد يصل أحياناً إلى حد إجبار خصمه أو الغير على تقديم دليل في حوزته وهذا هو ما يقرره القانون المصري في المادة 20 من قانون الإثبات إذ تنص على أنه يجوز للخصم في الحالات الآتية أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده :

أ) إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه .

ب) إذا كان مشتركاً بينه وبين خصمه ويعتبر المحرر مشتركاً على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتاً لإلتزاماتها وحقوقهما المتبادلة.

ج) إذا إستند إليه خصمه في أية مرحلة من مراحل الدعوى. كما نص المشرع في المادة 24 من ذات القانون على أنه إذا لم يقم الخصم بتقديم المحرر في الموعد الذي حددته المحكمة أو امتنع عن حلف اليمين المذكورة اعتبرت صورة المحرر التي قدمها خصمه صحيحة مطابقة لأصلها فإن لم يكن خصمه قد قدم صورة من المحرر جاز الأخذ بقوله فيما يتعلق بشكله وموضوعه.

5- محل الإثبات الواقعة القانونية :

محل الإثبات لايعدو أن يكون تصرفاً قانونياً أو واقعة قانونية فإلى هذين مرد نشوء الحق وزواله وتعديله وأوصافه القانونية بل إلى هذين مرد كل الروابط القانونية أياً كانت هذه الروابط ومن ثم لا معدي لمن يقوم بالإثبات من أن يثبت أحد أمرين أما تصرفاً قانونياً أو واقعة قانونية ومتى أثبت ذلك كان على القاضي أن يستخلص مما ثبت ما يرتب القانون عليه من الآثار ومن المبادئ المقررة أن الإثبات قاصر على تناول الأعمال القانونية والحوادث المادية دون نصوص القوانين فهذه الأخيرة تكون محلاً للتفسير ولايجوز أن تكون محلاً للإثبات لأن القاضي يعمل مستعيناً بحجج الخصوم وطرق التفسير ليقف على ما يستفاد من النص المراد تطبيقه على الوقائع أو الأعمال الثابتة لديه ولكنه لا يكلف الخصوم أن يقيموا الدليل على وجود هذا النص القانوني بل عليه أن يلتمس هذا النص وإذا لم يجد نصاً قانونياً يمكنه تطبيقه أو القياس عليه فقد أباح المشرع الإستعانة بقواعد العدالة للوصول لإصدار حكم في النزاع المعروض عليه . 

وخلاصة ذلك أنه يمكن القول بأن محل الإثبات لا يكون إلا واقعة قانونية والوقائع القانونية نوعان أعمال قانونية وأفعال مادية. والعمل القانوني أو التصرف هو مجرد اتجاه الإرادة نحو إحداث أثر قانوني معين وهو أما أن يصدر من جانبين كالبيع والإيجار وغيرهما من العقود وأما أن يصدر من جانب واحد كالإقرار والوقف والوصية أما الفعل المادي فهو أمر محسوس يرتب عليه القانون أثراً سواء أكان حدوث ذلك الأمر إرادياً أو غير إرادي كالفعل الضار والفعل النافع والقرابة والجوار. وتقسيم الوقائع القانونية إلى وقائع مادية وتصرفات قانونية له أهمية في الإثبات فالوقائع المادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات لأن طبيعة هذه الوقائع تأبى أن يتطلب المشرع بشأنها دليلاً معيناً وعلى عكس ذلك التصرفات القانونية التي تتحكم الإرادة في وجودها وفي تحديد أثارها ولذلك نجد أن المشرع يتطلب أساساً الكتابة لإثباتها ولا يسمح بالبينة إلا إذا لم يجاوز قيمة التصرف القانونية حداً معيناً .

ويشترط في الواقعة محل الإثبات أن تكون جائزة القبول وليست مما يحرم القانون إثباتها تحقيقاً لأغراض مختلفة وحظر الإثبات أن كان منطوياً على إفشاء الأسرار المهنة أو الوظيفة لايتعلق بواقعة تحرم إثباتها وإنما يتعلق بدليل لايجوز قبوله في صورة معينة بمعنى أن عدم جواز القبول لا ينصب على الواقعة في حد ذاتها وإنما على دليلها بحيث تكون الواقعة التي يقف عليها الشخص بسبب وظيفته أو مهنته جائزه القبول ولكن لا يجوز إثباتها بشهادته .

6 - قواعد الإثبات ليست من النظام العام :

قواعد عبء الإثبات ليست من النظام العام في شئ لأنها وضعت لحماية الخصوم فقط لا الارشاد القضاة ويمكن تعديلها وجعل عبء الإثبات على عاتق أحد الطرفين بدل الآخر بإتفاقهما وصاحب تلك الحماية يمكنه التنازل عنها في أثناء سير الدعوى أيضاً. كما قيل بأنه يمكن القول بصفة عامة أن قواعد الإثبات لا تعتبر من النظام العام وإذا كان هناك من القواعد ما توحي طبيعته بأنه من النظام العامة كأن تكون الورقة الرسمية حجة على الكافة إلى أن يطعن بالتزوير، والورقة العرفية حجة على الغير في تاريخها الثابت وكحجية القرائن القاطعة في كثير من الأحوال إلا أن أكثر قواعد الإثبات لا تعتبر من النظام العام فيصح الإتفاق على عكسها .

 سريان القوانين المتعلقة بالإثبات من حيث الزمان :

الأصل في القوانين الجديدة أنها تسري من وقت نفاذها حتى على الوقائع القانونية السابقة التي لم ترتب عليها بعد كل آثارها أي أن يكون لها أثر فوری مباشر ينقطع معه سريان القوانين السابقة من وقت إلغائها إلا في حالات استثنائية يمتد إليها سريان القوانين الملغاة بعد إلغائها أهمها القوانين الموضوعية التي تنظم العقود سواء فيما يتعلق بشروط الانعقاد أو الصحة أو بشكل العقد أو بإثباته أو بأثاره التي لا تتعارض بإجراءات الإثبات يكون لها أثر فوری مباشر فتسري بمجرد صدورها على كل الدعاوى القائمة أمام المحاكم لتعلق تلك القواعد جميعها بالنظام العام أمام قواعد الإثبات الموضوعية فلا تسري حتى في الدعاوى القائمة وقت صدورها إلا إذا كانت متعلقة بالنظام العام وقيل في ذلك أن القوانين المتعلقة بإجراءات الإثبات تسري فور صدورها على جميع الدعاوى القائمة بينما قواعد الإثبات الموضوعية تطبق في شأنها المادة التاسعة من القانون المدني التي تنص على أن تسرى في شأن الأدلة التي تعد مقدماً النصوص المعمول بها في الوقت الذي أعد فيه الدليل أو في الوقت الذي كان ينبغي فيه إعداده .

تنازع القوانين المتعلقة بالإثبات من حيث المكان :

أهمية الإثبات تظهر عند عرض المنازعات على القضاء ويقع حينئذ على عاتق القاضي تطبيق القواعد القانونية المنظمة للإثبات ومن المسلم أن القاضي يطبق فيما يتعلق بإجراءات التقاضي قانون البلد الذي ولاه القضاء أي قانون البلد الذي تتبعه المحكمة المعروض عليها النزاع ويسمى هذا القانون قانون القاضى وذلك بغض النظر عن مكان نشوء الواقعة القانونية محل النزاع وعن جنسية المتقاضين أو البلد الذي يقع فيه موطنهم.

وبالنسبة لكيفية تطبيق قواعد الإثبات منها ما هو إجرائي لا يطبق بخصوصها إلا قانون القاضي ومنها ما هو موضوعی ويطبق بشأنها القانون الموضوعي الذي تعينه قواعد القانون الدولي الخاص.

وقد نص المشرع المصري في المواد من 11 إلى 21 مدنی مصرى على القواعد التي تعين القانون الموضوعي الواجب التطبيق بالنسبة إلى كل نوع من أنواع العلاقات المدنية .

ثالثاً : عبء الإثبات

المدعي هو المكلف قانوناً بإثبات دعواه وتقديم الأدلة ومن ثم فإن القاعدة هي أن عبء الإثبات يقع على المدعي ولا يقصد بالمدعى رافع الدعوى ولكن يقصد به من يدعى خلاف الوضع الثابت أصلاً أو عرضاً أو ظاهراً أو خلاف قرينة قانونية غير قاطعة وعبء الإثبات ينتقل من طرف إلى آخر في الخصومة حتى يعجز أحدهما عن إثبات ادعائه فيخسر دعواه والذي يحصل عملاً هو أن عبء الإثبات يوزع بين الخصمين وكل منهما يدلي بما يؤيد دعواه وقد يتخذ أحدهما من دليل تقدم به خصمه دليلاً لصالحه بعد أن يفنده والقاضي يكون إقتناعه في النهاية من مجموع ما قدمه الخصوم من أدلة .

إثبات خلاف الظاهر أصلاً أو عرضاً :

يعتبر الأصل فيما يتعلق بالحقوق الشخصية براءة الذمة وعدم المديونية وهذا هو الظاهر أصلاً فإذا ادعى شخص ديناً على آخر وجب عليه أن يقيم الدليل على مديونية المدعى عليه لأنه يدعى خلاف الظاهر أصلاً. فإن عجز عن ذلك رفضت دعواه دون أن يكلف المدعى عليه تقديم أي دليل وأن تمكن من إقامة الدليل أصبح الظاهر عرضاً أن المدعى عليه مدين فأما أن يسلم بالدين وأما أن يدعى انقضاءه بالوفاء أو بغيره وحينئذ يكون مدعياً خلاف الظاهر عرضاً وينتقل إليه عبء الإثبات فيما يتعلق بسبب انقضاء الدين فإن نهض به حكم لمصلحته برفض دعوى خصمه وإلا حكم عليه .

وبعبارة أخرى فإن الأصل في الحقوق الشخصية هو براءة الذمة فإذا ما توصل الدائن إلى إثبات أن حقه قد نشأ في ذمة خصمه إنتفى الأصل وهو براءة - الذمة. وإذا ما إنتقى الثابت أصلاً وهو براءة الذمة فمعنى ذلك أن نمة المدين تعتبر مشغولة بالدين وتصير المديونية هي الوضع الثابت عرضاً أو فعلاً كما يقول البعض فالثابت عرضاً أو فعلاً هو ما أقام الخصم الدليل عليه بالطرق القانونية حقيقة أو ضمناً وإذا ما جاء المدين وأراد أن ينفي انشغال نمته بالدين وادعى براءة ذمته وأن الدين قد انقضى بسبب من أسباب الإنقضاء أنقلب الوضع فأصبح هو المدعي فهو يدعى براءة ذمته أي يدعى خلاف ما ثبت عرضاً فيكون عليه إثبات دعواه ومفاد ذلك أن من يتمسك بالثابت أصلاً لا يكلف بإثباته أما من يدعى خلاف الأصل فعليه هو يقع عبء إثبات ما يدعيه ذلك أن من يتمسك بالثابت أصلاً وأن كان من الجائز ألا يكون على حق من ناحية الواقع والعدالة إلا أنه من ناحية القانون ومن أجل إستقرار التعامل يجب أن يحمى فيترك على الأصل دون أن يتكلف عناء أي إثبات أما من يدعي خلاف الأصل فهو يستحدث جديداً لا تدعمه قرينة بقاء الأصل على أصله فعليه أن يثبت هذا الجديد حتى يتمتع بحماية القانون ولذلك فقد نصت المادة الأولى من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 على أن (على الدائن إثبات الالتزام وعلى المدين إثبات التخلص منه) وعلى ذلك فإنه يصح القول بأن عدم المديونية أمر ثابت أصلاً لأن الأصل هو عدم المديونية والدين الثابت قانوناً بسند مثلاً أمر ثابت عرضاً لأنه ليس ثابتاً أصلاً كعدم المديونية وإنما عرضا بسند الدین فالمكلف بالاثبات إذن هو من يدعى خلاف الثابت أصلاً أو عرضا وقد قال المرحوم فتحي زغلول في شرح القانون المدني صفحة 390 أن (البرهان على من إدعى خلاف الثابت أصلاً أو عرضاً فالأصل عدم التعهد والعرض وجوده) ومما يعزز أن الثابت أصلاً هو عدم التعهد أن التعهد لايحصل إلا بأعمال وأوضاع معينة تغير من الحالة الطبيعية الأصلية للإنسان وظاهر من ذلك أن عبء الإثبات كما يقع على المدعي الإثبات دينه مثلاً كذلك قد يقع على المدعي عليه لإثبات تخلصه من الدين .

وأما بالنسبة للحقوق العينية فالأصل هو إحترام الوضع الثابت ظاهراً فالحق العيني سلطة مباشرة لشخص على شيء معين هذه السلطة تخلق وضعاً ظاهراً لصالح من يباشرها وعلى ذلك يعتبر من يباشر هذه السلطة صاحب الحق حتى يقوم الدليل على العكس فحائز الأرض مثلاً يعتبر بحسب الظاهر هو المالك لهذه الأرض ولا يطلب منه أن يقيم الدليل على ملكيته فإذا أدعي أجنبي ملكيته لهذه الأرض فإنه يكون مدعياً خلاف الظاهر ويقع عليه عبء الإثبات كذلك تعتبر الملكية بحسب الأصل خالصة لصاحبها وخالية من كل حق للغير كحق ارتفاق أو رهن فإذا إدعی شخص حقاً من هذه الحقوق فإنه يكون مدعياً خلاف الظاهر وعليه إثبات ما يدعيه وبعبارة أخرى فإنه إذا ادعى شخص ملكية عقار في حيازة شخص آخر كان عليه أن يثبت إدعائه إذ أنه يدعى أمراً على خلاف الظاهر والظاهر هنا أن حائز العقار يعتبر مالكاً له فعلى من يدعى خلاف ذلك أن يثبت إدعاءه فيثبت أنه رغم أن العقار ليس في حيازته إلا أنه قد سبق له تملكه بسبب من أسباب إكتساب الملكية .

القرائن القانونية وإثبات خلاف الظاهر منها فرضاً :

القرينة القانونية وسيلة يلجأ إليها المشرع ليفرض بها ثبوت أمر لم يقم عليه دليل وذلك عن طريق الإستنباط من ثبوت أمور أخرى والقرينة القانونية ليست دليلاً من الأدلة التي يثبت بها المدعي دعواه وإنما هي قاعدة يعفى بها المشرع المدعي في ظروف معينة من عبء الإثبات كله أو بعضه بأن يعتبره مدعياً أمراً ظاهراً فرضاً وبأن يلقي عليه عبء إثبات العكس باعتباره مدعياً خلاف الظاهر فرضاً أي أنه يلقي ذلك على عاتق المدعى عليه تبعة مخاطر الإثبات ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 587 مدني من أن (الوفاء بقسط من الأجرة قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة على هذا القسط حتى يقوم الدليل على عكس ذلك ففي عقد الإيجار إذا طالب المؤجر المستأجر بالأجرة عن مدة معينة فإنه - وفقاً للقواعد العامة - يجب على المستأجر أن يثبت الوفاء بأجرة هذه المدة إلا أنه المشرع لاحظ أن هذا الإثبات قد يكون صعباً لأن المستأجر لا يحتفظ عادة بإيصالات الوفاء بالأجرة ومطالبته بالإحتفاظ بهذه الإيصالات مهما طالت مدة الإيجار فيه مشقة عليه لذلك أنشأ المشرع قرينة لصالح المستأجر مؤداها أنه إذا ثبت وفاؤه بأحد الأقساط اللاحقة فإن ذلك يعتبر قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة. وإذا ادعى المؤجر خلاف ذلك فإنه يكون مدعياً خلاف الثابت فرضاً وعليه إقامة الدليل على ما يدعيه ذلك بالتطبيق لنص المادة 99 من قانون الإثبات والتي تنص على أن القرينة القانونية تغني من تقررت لمصلحته عن أي طريقة أخرى من طرق الإثبات على أنه يجوز نقض هذه القرينة بالدليل العكسي ما لم يوجد نص يقضي بغير ذلك ومثال ذلك أيضاً القرينة القانونية المنصوص عليها في المادة 917 مدني والتي تنص على أنه إذا تصرف شخص لأحد ورثته وإحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه الإنتفاع بها مدى حياته اعتبر التصرف مضافاً إلى ما بعد الموت وتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك وهذه القرينة قرينة قانونية من شأنها متی توافرت عناصرها إعفاء من يطعن في التصرف بإنطوائه على وصية من إثبات هذا الطعن ونقل عبء الإثبات على عاتق المتصرف إليه .

رابعاً : عبء الإثبات  بين الفقه والقضاء

أولاً : عبء الإثبات في نطاق الحقوق الشخصية :

الأصل في نطاق الحقوق الشخصية هو براءة الذمة من كل إلتزام فمن يتمسك بالأصل فلا إثبات عليه ومن يدعى خلاف الأصل بأن يدعى ديناً في ذمة الغير قبله عليه أن يثبت مصدر هذا الدين .

ثانياً : عبء الإثبات في مسائل الأحوال الشخصية :

القاعدة العامة :

يعتمد إثبات الدعوى الشرعية على شهادة الشهود وعلى اليمين أخذاً من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، ولقد حصرت المادة 23 من اللائحة الشرعية الأدلة الشرعية في الإقرار والشهادة والنكول عن الحلف والقرينة القاطعة وقد عرفت تلك المادة الأدلة الشرعية بأنها ما يدل على الحق ويظهره وفصلت المواد من 224 إلى 241 من اللائحة الشرعية أحكام تلك الأدلة الشرعية إلا أن تلك المواد قد تناولها القانون رقم 642 لسنة 1950 بالإلغاء (م 13) فيما عدا ثلاث مواد هي : المادة 137 الخاصة بمنع سماع دعوى الوقف أو الإقرار به أو استبداله أو الإدخال أو الإخراج وغير ذلك من الشروط والمادة 179 الخاصة بشهادة الاستكشاف والمادة 181 الخاصة بالشهادة بالإيصاء أو الوصية وفيما خلا المواد الثلاث الباقيات من اللائحة الشرعية يكون قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 هو الواجب التطبيق لأنه حل محل الباب السابع من الكتاب الأول من قانون المرافعات المدنية رقم 77 لسنة 1949 " الملغي" الذي كان قائماً وقت صدور قانون إلغاء المحاكم الشرعية والمحلية رقم 462 لسنة 1955 .

ثالثاً : عبء الإثبات في نطاق القانون المدني :

سوف نتناول فيما يلى عبء الإثبات في أهم مسائل القانون المدنى فقهاً وقضاءً .

1- عبء إثبات الملكية :

تنص المادة 964 من القانون المدني أن (من كان حائزاً للحق اعتبر صاحبه حتى يقوم الدليل على العكس) وقد جاء بمذكرة المشروع التمهيدي تعليقاً على ذلك النص أنه إذا ثبتت الحيازة تكون قرينة على الملكية فيفترض أن الحائز مالك حتى يقيم المدعي الدليل على العكس لذلك كان الحائز مدعى عليه دائما في دعاوى الملكية مع أن الحيازة نفسها قد تكون محل شك في ثبوتها لذلك يقتضى الأمر ايجاد قرينة أخرى هي الحيازة المادية التي توفرت شروطها من هدوء وإستمرار وظهور ووضوح فمن أثبت أن عنده الحيازة المادية تمسك بذلك قرينة على الحيازة القانونية وعلى من ينازعه أن يثبت أنه هو الحائز وأن الحيازة المادية هذه إنما كانت لحسابه مثلاً أو كانت غير مقترنة بالعنصر المعنوي ويتبين من ذلك أن من يستطيع إثبات الحيازة المادية لنفسه له أن يتخذ منها قرينة على الحيازة القانونية ثم يتخذ من هذه قرينة على الملكية ذاتها وفي هذا تيسير كبير لإثبات الملكية. ويلاحظ أن الحيازة إنما تكون قرينة على الملكية إذا لم تكن هناك علاقة إستخلاف بين مدعي الملكية والحائز كما إذا كان هذا خلفاً لذلك فلا يجوز أن يحتج الخلف عن السلف إلا بالاتفاق الذي إنتقلت بمقتضاه الحيازة فالمستأجر مثلاً لا يستطيع أن يتخذ من الحيازة المادية قبل المؤجر قرينة على الحيازة القانونية ثم من هذه قرينة على الملكية بل أن عقد الإيجار هو الذي يحدد العلاقة فيما بين المؤجر والمستأجر بالنسبة للحيازة فيكون المستأجر بناء على هذا العقد حائزا لا لحق الملكية بل لحق شخصی وحقه كمستأجر .

ونخلص مما تقدم أن القانون قد رسم طريقاً لإثبات الملكية وإستعان في ذلك بقرينتين قانونيتين :

(الأولى) أن الحيازة المادية قرينة على الحيازة القانونية إلى أن يثبت العكس (والثانية) أن الحيازة القانونية قرينة على الملكية إلى أن يثبت العكس فيستطيع الخصم الذي يتمسك بأنه هو المالك أن يبدأ بإثبات حيازته المادية ويثبت ذلك بجميع طرق الإثبات فإذا ما ثبتت الحيازة المادية كانت هذه الحيازة قرينة على الحيازة القانونية إلا إذا أقام الخصم الآخر الدليل على العكس. أما إذا لم تدحض هذه القرينة وثبتت بذلك الحيازة القانونية فإن هذه الحيازة تكون هي بدورها قرينة على الملكية وذلك بشرط ألا يحتج الحائز بهذه القرينة على من تلقى منه الحيازة وإذا قامت الحيازة القانونية على الملكية فإن الخصم الآخر أن يدحض هذه القرينة بأن يقيم الدليل على أنه هو المالك.

والقاعدة العامة في إثبات الملكية بوجه عام هو أنه إذا عجز المدعى عن إثبات سبب ملكيته فإن ذلك العجز يكون سبباً كافياً لرفض دعواه دون حاجة إلى الخوض في بحث ملكية المدعى عليه .

عبء إثبات الملكية في دعاوى الإسترداد :

أولاً : عبء الإثبات إذا كان المنقول في حيازة المدين :

لما كانت الحيازة في المنقول سند الملكية فإن الخصم الذي يلقى عليه عبء الإثبات يتعين أن تكون الأمتعة المحجوزة في حيازته وقت توقيع الحجز عليها فإن كانت في حيازة المدين المحجوز عليه تعين على المسترد إقامة الدليل على أنه هو مالكا وأنها وجدت في حيازة المدين بطريق الغضب أو بسبب غري ناقل للملكية مثل التأجير أو الإعارة أو الإيداع أو الرهن فالمفروض إن الحجز يقع على المنقولات للمدين في حيازته - أي ليست في حيازة الغير - ثم يدعى طالب الإسترداد ملكيته لها والقاعدة أن المسترد هو المكلف بإثبات هذه الملكية فالمادة 394 تفترض هذا بل توجبه وتوجب عليه أن تشتمل صحيفة دعواه على بیان ملف الأدلة الملكية وتوجب عليه أن يودع عند رفع الدعوى ما لديه من المستندات فالقانون إذن يجعل عبء إثبات الملكية على عاتق المسترد لأنه هو المدعي ويلاحظ هنا أنه إذا ادعی المسترد أن سبب تملكه للمنقولات المحجوزة هو شرائها من المدين فإن عقد البيع ينبغي أن يكون ثابت التاريخ حتى لا يصطنع المدين بالتواطؤ مع المسترد عقد بيع محرر بتاريخ سابق على تاريخ توقيع الحجز وذلك منعاً للإضرار بالحاجز الذي يعتبر من الغير بالنسبة التصرفات المدين المحجوز عليه على أن إلقاء عبء الإثبات على المسترد يفترض أنه يدعى خلاف الظاهر فإذا كان الظاهر أن المنقولات الموجودة في حيازة المدين ليست مملوكة له فلا تنطبق قاعدة أن الحيازة قرينة على الحق وإنما يقع على عاتق الحاجز عبء إثبات ملكية المدين للمنقولات التي يجوزها والتي حجز عليها ومثال هذا أن يوقع الحجز من دائن صاحب محل تصليح ساعات أو أية ألات على ما يدل الظاهر على أنها مملوكة لزبائن المجل وفی هذا الحالة يكفي أن يثبت المسترد هذا الظاهر وعندئذ يكون عبء الإثبات على الحاجز .

ثانياً : عبء الإثبات حالة ما إذا كان المنقول في حيازة المسترد :

أما إذا كانت المنقولات في حيازة المسترد فإنه يكفيه إثبات ذلك ويكون على المدين المدين المحجوز عليه والدائن الحاجز إثبات ما ينفي قرية الملكية المستفادة من الحيازة وقيل بأنه في هذه الحالة فإن المسترد لا يرفع دعوى الإسترداد وإنما يرفع دعوى بطلان الحجز لأنه توقع على منقول مملوك للغير ويكفي في هذا الشأن، أن يثبت المدعى حيازته للمنقولات المحجوزة وقت توقيع الحجز بديهي أنه لا يتقيد عند رفعه لهذه الدعوى بالقيود اللازمة لرفع دعوى الإسترداد .

ويلاحظ في ذلك أن مجرد عدم وجود المنقولات في حيازة المدين وقت الحجز ووجودها في حيازة الغير وهو المسترد يمتنع معه حجزها بطريق حجز المنقول لدى المدين ويتعين حجزها عن طريق حجز ما للمدين لدى الغير فإذا حجزت بغير ذلك كان الحجز باطلاً .

ثالثاً : الحيازة مشتركة بين المدين والمسترد :

قد يحدث أحياناً أن يكون المسترد والمدين المحجوز عليه مشتركين في المعيشة كالإبن وأبيه والأخ وأخيه والزوج وزوجته فلا تكون الحيازة بسبب هذا الاشتراك ثابتة لإحداهما فمن من الخصوم يكون عليه في هذه الصور عبء الإثبات وإقامة الدليل على الملكية ؟

ذهب رأي إلى أنه كلما كان المسترد مشتركاً في المعيشة مع المدين المحجوز عليه كان عبء الإثبات على الدائن الحاجز على إعتبار أنه هو المدعي في واقع الأمر وهو الذي يرمي إلى اقتضاء حقه وهو المكلف بموالاة إجراءات الحجز وعليه أن يثبت صحتها فإن لم يقدم الدليل على أن مدينه هو مالك الأشياء أو حائزها بنية الملك خسر الدعوى ولو لم يثبت المسترد من ناحيته أنه المالك وسند هذا الرأي أنه لا يجوز عقلاً أن يقلب الدائن الحاجز بفعل صادر منه وهو توقيع الحجز عبء الإثبات على المسترد .

كما يذهب الدكتور فتحى والى إلى أنه في حالة الحيازة المشتركة يجب ألا يستفيد أحد من الوضع الظاهر المستمد من الحيازة وإنما يكون عبء الإثبات على مدعي الإسترداد إلا إذا وجد وضع ظاهر آخر يقلب عبء الإثبات وفي حالة الحجز على أثاث المنزل يوجد وضع ظاهر بمصلحة الزوجة مستفاد من العرف الجاري بأن الزوجة مالكة لأثاث المنزل فإذا هي رفعت دعوى الإسترداد فإنها لا تدعى خلاف الظاهر وإنما الحاجز هو الذي يدعى خلافه وعليه لهذا يقع عبء إثبات ملكية المدين .

أما إذا كان الحجز على ما جرى العرف على شراء الزوج له كما لو حجز على ثلاجة كهربائية أو على آلة كاتبة في المنزل وادعت الزوجة ملكيتها لها فعليها يقع عبء الإثبات إذ هي تدعى خلاف الظاهر .

وقد أيد الدكتور نبيل عمر ذلك الرأي وأضاف بأن غير الزوجة لا تستطيع أن تستفيد من القرينة المستمدة من الوضع الظاهر .

وقيل بأن الرأي الراجح في قضاء المحاكم هو أن المسترد هو الذي يقع عليه عبء إثبات ملكية المنقولات المحجوزة في جميع الحالات وهذا الرأي يسرى حتى بالنسبة لمنقولات الزوجة المسلمة المحجوز عليها بمنزل الزوجية لأن القرينة القائمة على أن العرف جرى على دخول الزوجات بجهاز يمتلكه في حقيقتها قرينة قضائية وليست قرينة قانونية وبالتالي فهي لا تكفي بذاتها دليلاً كاملاً على الملكية إلا أنها تعزز الأدلة الأخرى التي تقدمها الزوجة .

ويلاحظ هنا ما نص عليه المادة 1143 من القانون المدني في فقرتها الأولى والثانية من أن أجرة المباني والأراضي الزراعية لسنتين أو لمدة الإيجار إن قلت على ذلك وكل حق للمؤجر يقتضي عقد الإيجار يكون لها جميعا امتیاز على ما يكون موجوداً بالعين المؤجرة ومملوكاً للمستأجر من منقول قابل للحجز ومن محصول زراعي ويثبت الامتياز ولو كانت المنقولات مملوكة للغير ولم يثبت أن المؤجر كان يعلم وقت وضعها في العين المؤجر بوجود حق للغير عليها وذلك دون إخلال بالأحكام المتعلقة بالمنقولات المسروقة أو الضائعة وعلى ذلك فإنه إذا كانت المنقولات مملوكة للزوجة فلا تقبل منها دعوی استرداد بالنسبة لحجز الموقع من المؤجر ضد زوجها المستأجر على المنقولات المملوكة لها إذا أن هذه الحالة من الحالات التي يخضع فيها المال للتنفيذ دون نظر الشخص مالكه .

عبء الإثبات في المسئولية التقصيرية :

تنص المادة 163 من القانون المدني على أن " كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من إرتكبه بالتعويض " وهذه المادة تظهر حكم المسئولية التقصيرية في عناصرها الثلاثة فترتب الإلزام بالتعويض عن كل خطأ سبب ضرراً للغير فلا بد إذن من توافر خطأ وضرر وعلاقة سببية تقوم بينهما ويغني لفظ " الخطأ " في هذا المقام عن سائر النعوت التي تخطر للبعض في معرض التعبير كإصطلاح " العمل غير المشروع " أو " العمل المخالف للقانون " أو " الفعل الذي يحرمه القانون .... إلخ فهو يتناول الفعل السلبي (الإمتناع) والفعل الإيجابي . وتنصرف لدلالته إلى مجرد الإهمال والفعل والعمد على حد سواء وغني عن البيان أن سرد الأعمال التي يتحقق فيها معنى الخطأ في نصوص التشريع لا يكون من ورائه إلا أشكال وجه الحكم ولا يؤدي فقط إلى وضع بیان جامع مانع فيجب أن يترك تحديد الخطأ لتقدير القاضي وهو يسترشد في ذلك بما يستخلص من طبيعة نهى القانون عن الأضرار من عناصر التوصية من ثمة التزام يفرض على الكافة عدم الإضرار بالغير ومخالفة هذا النهي هي التي ينطوي فيها الخطأ ويقتضى هذا الإلتزام تبصراً في التصرف يوجب أعماله بذلك عناية الرجل الحريص.. ولما كان الأصل في المسئولية التقصيرية بوجه عام أن تناط بخطأ يقام الدليل عليه لذلك ألقي عبء الإثبات فيها على عاتق المضرور وهو الدائن. مذكرة المشروع التمهيدي - مجموعة الأعمال التحضيرية الجزء الثاني ص 354 وما بعدها .

ومفاد ذلك أن في المسئولية التقصيرية عن الأعمال الشخصية يتحمل الدائن - طالب التعويض - عبء إثبات الخطأ كما وأنه بالنسبة للضرر فإن عبء إثبات الضرر ومداه يقع على عاتق من يدعيه وذلك وفقاً لما تقضي به القاعدة العامة من أن المدعي هو المكلف بإثبات ما يدعيه البينة على من ادعى " ويكون ذلك بكافة طرق الإثبات بما فيها الكتابة وشهادة الشهود والقرائن وإثبات حصول الضرر أو نفيه من الأمور الواقعية التي تقدرها محكمة الموضوع ولا رقابة فيها المحكمة النقض أما تحديد الضرر وبيان عناصره وموجباته وتكييف نوعه وكلها مبنی التعويض فإنها تخضع جميعاً لرقابة محكمة النقض ولا يكتفي من المدعي بإثبات الضرر الذي أصابه وخطأ المدعى عليه بل عليه أن يثبت أن الضرر الذي يدعيه إنما هو ناشئ عن خطأ المدعى عليه وبعبارة أخرى أن ثمة علاقة مباشرة بينهما وتلك هي علاقة السببية. ( المسئولية المدنية التقصيرية والعقدية للمستشارين حسين عامر وعبد الرحيم عامر الطبعة الثانية ص 350 وما بعدها ) .

عبء الإثبات في المسئولية العقدية :

المسئولية العقدية هي التي تنشأ عن الإخلال بما التزم به المتعاقد ومن ثم فإنه يجب أن تكون المسئولية عقدية أن يكون قد أبرم عقد صحيح بين المسئول والمضرور وأن يكون الضرر ناتجاً عن عدم تنفيذ العقد . ( المستشارين حسين عامر وعبد الرحيم عامر في المسئولية المدنية الطبعة الثانية 1979 ص 38 ) .

الناقل الجوي هو من يتعهد بإسمه بنقل الأشخاص أو البضائع بالطائرة والالتزام الأول في عقد النقل الجوي هو تنفيذ النقل في ميعاد معين فإذا حصل الإتفاق على هذا الميعاد فقد وجب على الناقل إحترامه بحيث إذا تأخر النقل كان الناقل مسئولاً عن الضرر الذي ينشأ من ذلك سواء أكان العقد نقل أشخاص أو عقد نقل بضاعة بطريق الجو ويجب على المتضرر إثبات وقوع الضرر فضلاً عن التأخير في تنفيذ الإلتزام وعلاقة السببية بينهما ويحدث أن يعلن الناقل مقدماً جدولاً بمواعيد الطائرات فيلتزم بإحترام هذه المواعيد ولا يقدح عندئذ في ذلك أن يكون عقد النقل ذاته خالياً من النص على تنفيذ النقل في موعد معين على أنا الذي حدث أحياناً أن ينص الناقل في عقد النقل أن النقل لا يتم في هذه المواعيد بالضبط وأنها مواعيد تقريبية وهذا الشرط صحيح في القواعد العامة لأنه لا يخالف النظام العام أو حسن الآداب كما أنه صحيح في ظل إتفاقية فارسوفيا لأنه لا يرتب إعفاء الناقل من المسئولية أو النزول بها عن الحد الأدنى المقرر بها ويعتبر ذلك في حالة عدم وجود اتفاق بين الناقل والمسافر أو الشاحن على تنفيذ النقل في ميعاد معين ومسئولية الناقل عن التأخير في تنفيذ النقل مسئولية تعاقدية أساسها الإخلال بواحد من الالتزامات التي يتضمنها العقد. وهذه المسئولية مقررة في القواعد العامة في باب العقود في القانون المدني . كما نصت المادة 19 من إتفاقية فارسوفيا على مسئولية الناقل الجوي عن التأخير في تنفيذ النقل أن الناقل يكون مسئولاً عن الضرر الناشئ من التأخير في نقل المسافرين والأمتعة والبضائع ولذلك يفترض خطأ الناقل بمجرد إثبات وقوع التأخير ويكون الناقل مسئولاً عن تعويض الضرر الناشئ عن التأخير إلا أن له دفع هذه المسئولية بإثبات السبب الأجنبي وهذا طبقاً للقواعد العامة في حين أن المادة 20 من إتفاقية فارسوفيا تقرر إعفاء الناقل إذا أثبت أنه هو وتابعوه قد قاموا بكل الإحتياط الضرورية لمنع وقوع الضرر أو كان يستحيل عليهم القيام بها .

والرأي الراجح في تحديد فترة النقل بالنسبة للمسافرين هي من وقت دخول المطار عند القيام لحين خروجه عند الوصول وبالنسبة لنقل البضائع هي من وقت وضع البضائع في حراسة الناقل لحين إخراجها منها عند الوصول والإلتزام الثاني للناقل الجوي هو كفالة السلامة للمسافر أو للبضاعة .

(الأستاذ محمد عبد الرحيم عنبر في عقد المقاولة دراسة مقارنة بين تشريعات الدول العربية طبعة 1977 ص 390 وما بعدها).

خرج المشرع البحري في إثبات عقد النقل - كما في كثير غيره من العقود البحرية على قواعد الإثبات في المواد التجارية وإستلزم أن يكون إثبات عقد النقل بالكتابة فقد نصت المادة 90 من أن "مشارطة إيجار السفينة وتسمى سند الإيجار يلزم أن تكون محررة بالكتابة " كما نصت المادة 97 على أن سند المشحونات يجوز أن يكون بإسم شخص معين أو تحت إذنه أو إلى حامله - ولكن لأن هذا العقد رضائي والمحرر غير مطلوب للإنعقاد يجوز إثباته باقرار المدعى عليه سواء كان شفوياً أو تضمنته محررات أخرى كخطابات أو بدئ في تنفيذ العقد إذا تضمن هذا التنفيذ إقراراً وتتحدد حجية هذا الإقرار بحدوده فلا تشمل شرط لم يزد في الإقرار . ( الدكتور على جمال الدين عوض في القانون البحري ص 210 ) . 

الكتابة ليست شرطاً لصحة عقد النقل البحري يترتب على إغفالها البطلان وإنما هي شرط للإثبات فحسب، ومن ثم فلا يجوز إثبات عقد النقل البحري بشهادة الشهود والقرائن ولكن يجوز إثباته بما يقوم مقام الكتابة من إقرار أو يمين. الدكتور مصطفى كمال طه في القانون البحرى طبعة 1980 ص 223 . 

وفي ذات المعنى أيضاً قيل بأن إشتراط الكتابة في عقد النقل البحري هو للإثبات وليس لصحة العقد بالعقد رضائي لا يشترط لصحته شكل خاص ويترتب على ذلك أنه يجوز إثباته بأدلة لا تقل قوة عن الكتابة كالإقرار أو اليمين. الدكتور علي البارودي في مبادئ القانون التجاري والبحري ص 343 . 

عبء إثبات وجود قانون أجنبي أو قيام  العرف أو العادة الإتفاقية :

1- عبء إثبات وجود قانون اجنبی :

ثار التساؤل عندما يطلب من القاضي تطبيق قانون أجنبي فهل يجب على الطالب إثبات وجود هذا القانون. فيضحي بذلك مسألة واقع أم يتعين علي القاضي البحث هو من تلقاء نفسه عن ذلك القانون وتطبيقه بحيث تغدو المسألة قانون ؟ ذهب الدكتور السنهوري إلى أنه لا يتردد في اعتبار تطبيق أحكام القانون الأجنبي مسألة قانون لا مسألة واقع القاضى إذا أمره قانونه الوطني بتطبيق أحكام مسألة قانون أجنبي وجب أن يعتبر أحكام هذا القانون الأجنبي بالنسبة إلى القضية التي يطبق فيها هذه الأحكام جزءاً من قانونه الوطني فعليه إذن أن يبحث من تلقاء نفسه عن أحكام القانون الأجنبي الواجبة التطبيق في هذه القضية وله أن يصدر في هذه الأحكام عن علمه الشخصي ولايجوز له أن يمتنع عن تطبيق القانون الأجنبي بدعوى عدم إمكان الاهتداء إليها وإلا عد إمتناعه نكولاً عن أداء العدالة بل ويكون في تطبيقه لأحكام القانون الأجنبي كما هو في تطبيقه لقاعدة الإسناد التي أمرته بتطبيق هذه الأحكام خاضعاً لرقابة محكمة النقض وتفسر هذه المحكمة القانون الأجنبي لا طبقاً لرأيها الشخصي بل وفقاً لما تفسره به محاكم البلد التي ينسب إليها هذا القانون وعلة ذلك أنه لا يصح في تتغير طبيعة القانون فيصبح واقعاً سواء كان هذا القانون قانوناً وطنياً أو كان قانوناً أجنبياً يأمر القانون الوطني بتطبيقه فيصح جزءاً منه في حدود هذا التطبيق. الدكتور عبد الرزاق السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول 1982 ص 76 وما بعدها .

وإلى ذات الاتجاه يذهب الدكتور أحمد أبو الوفا على تقدير أن القاضي الوطني لا يطبق القانون الأجنبي إلا بعد أن يشير بذلك قانونه الوطني (قاعدة الإسناد الوطنية) فيعتبر القانون الأجنبي في نطاق الدعوى القائمة هو القاعدة القانونية الواجبة التطبيق. عملاً بالقانون الوطني فيكون عليه مراجعة الفقه والقضاء في صدد صحة تفسير القانون الأجنبي من ناحية ومخالفة حكمه لهذا القانون توجب نقضه من ناحية أخرى (مؤلفه في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية ص 15) ومن ذات الرأي المستشار أحمد نشأت. ويدلل على ذلك بأن القاضي الذي ينظر الدعوى هو المسئول عن تحقيق العدالة ومسئوليته هذه تقتضي أن يبحث بنفسه كل ما يستوجب هذه المسئولية ولكن الواقع من الناحية العملية فإنه يشق على القاضي تطبيق قانون أجنبي على وجهة ، الصحيح لأن ذلك يتطلب دراسة وافية لذلك القانون كدراسة قانون بلاده إذا ليس من السهل عليه إجراء البحوث اللازمة والاطلاع على الأعمال التحضيرية والمذكرات التفسيرية والكتب الفقهية وأحكام المحاكم (مؤلفه رسالة الإثبات طبعة 1972 الجزء الأول ص 40) وقد رجح الدكتور توفيق حسن فرج الرأي الذي يقول أن القانون الأجنبى من مسائل الواقع لا من مسائل القانون وبالتالي لا يفترض في القاضي العلم به كما يفترض ذلك بالنسبة للقانون الداخلى ذلك أن من المستحيل على القاضي أن يقف على القوانين الأجنبية ولهذا لا يمكن إطلاقاً مساواة القانون الأجنبي بالقانون الوطني والقول بأنه (لا يصح أن تتغير طبيعة القانون فيصبح واقعاً سواء كان هذا القانون قانوناً وطنياً أو كان قانون أجنبياً) ذلك أنه يفترض في القاضي العلم بالقانون الوطني أن إفتراض علمه بالقانون الأجنبي فإنه أمر لا يخلو من المبالغة ومخالفة الحقيقة والواقع (مؤلفه في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 34) وعلى هذا الرأي الأخير إستقرت أحكام محكمة النقض وذهبت إلى أن الإستناد إلى قانون أجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة يجب على الطالب إثباتها .

وخلاصة ذلك أنه إذا كانت القاعدة أن العرف يتساوى مع القاعدة التشريعية في افتراض علم القاضي به إلا أن العمل قد جرى على أن يقوم الخصوم بتأكيده وإثباته جرياً وراء مصالحهم أما العرف المحلي فلا يفترض علم القاضي به ومن ثم يقوم صاحب المصلحة من الخصوم بإثبات شأن الوقائع وتكون الكلمة الأخيرة في تطبيقه أو عدم تطبيقه لقاضي الموضوع. الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص الإثبات الطبعة الثانية ص 14.

وكذلك فإن العادة لا تكون ملزمة إلا إذا تبين من ظروف الإتفاق بين المتعاقدين أنهما قد قصداً إتباعها صراحة أو ضمناً فإذا ما أدخلت العادة الإتفاقية ضمن شروط العقد وثار النزاع بشأنها فإنها تعتبر عنصراً من عناصر الواقع يتعين على من يدعيه إقامة الدليل عليه شأنها في ذلك شأن أي شرط آخر من شروط العقد والتي لا ترجع إلى عادة من العادات. الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات ط 1981 ص35.

وكذلك فإن العادة لا تكون ملزمة إلا إذا تبين من ظروف الاتفاق بين المتعاقدين أنهما قد قصدا إتباعها صراحة أو ضمناً فإذا ما أدخلت العادة الإتفاقية ضمن شروط العقد وثار النزاع بشأنها فإنها تعتبر عنصراً من عناصر الواقع يتعين على من يدعيه إقامة الدليل عليه شأنها في ذلك شأن أي شرط آخر من شروط العقد والتي لا ترجع إلى عادة من العادات. الدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات ط 1981 ص 35. 

ويلاحظ أن المراد إثباته هنا ليس هو أن المتعاقدين قد إرتضيا القاعدة شرطاً من شروط العقد فإن التراضي على لك مفروغ منه بحكم أن القاعدة تقوم على العادة التي ألفها الناس في التعامل. ولكن الإثبات ينصب في هذه الحالة على مجرد وجود العادة الإتفاقية وقيامها المادي وهذه واقعة مادية تثبت بجميع الطرق ومن ثم فإن التعرف على القاعدة التي تقوم على العادة الإتفاقية لا يخضع لرقابة محكمة النقض بل يصبح مسألة واقع لا تعقيب فيه على محكمة الموضوع. الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول طبعة 1981 ص 72 .

عبء الإثبات في الإجراءات :

عند إقامة الدعوى صاحب الإجراءات هو صانع الوضع الظاهر لها - إذ عندما يقيم المدعي دعواه لا يثبت ابتداء أن المحكمة المرفوعة إليها الدعوى مختصة بها إختصاصاً وظيفياً ونوعياً وقيمياً ومحلياً وأن إجراءاتها صحيحة وأنها مقبولة من جميع الوجوه فالظاهر يكون على هذا النحو وإنما هو يتحمل مغبة إختياره للمحكمة التي يقيم إليها دعواه وإختيار الإجراءات التي أتبعها ويكون على خصمه أن يثبت على صورة الدفع - أن المحكمة لا تختص بنظر الدعوى أو أن الدعوى غير مقبولة أو أن إجراءاتها باطلة ويكون للمدعي نفي ما تمسك به خصمه. (الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية 1981 ص 40) .

عبء الإثبات في التنفيذ الجبري :

الأصل هو براءة ذمة المدين والأصل أيضاً أن جميع أموال المدين تدخل في الضمان العام لدائنيه وأنه يجوز توقيع الحجز عليها وبالتالى فلا يجوز التنفيذ الجبرى إلا بمقتضى سند تنفيذي عليه صورة التنفيذ وإنما لا يكلف الدائن بإثبات صحته أو تضمنه لحق مستوف لشروط اقتضائه جبراً... إلخ كما لا يكلف الدائن بإثبات أن الأموال التي يتم التنفيذ عليها مما يجوز توقيع الحجز عليه وإنما يكون عبء إثبات عدم جواز التنفيذ أو بطلانه على المدين فله التمسك بتزوير السند التنفيذي و عليه إثباته وله التمسك بسبق إقتضاء الحق کاملاً وعليه إثباته وله التمسك بسبق التنفيذ الجبري إقتضاء لذات الحق الثابت في السند وعليه إثباته متى كان السند لا يتضمن ما يفيد التنفيذ الجبرى بمقتضاه وله التمسك بعدم جواز التنفيذ العقاري لأن ملكيته في حدود خمسة أفدنة وعليه عبء إثبات ذلك وعليه أيضاً إثبات أن الأموال التي يتم التنفيذ عليها غير قابلة للحجز عليها عملاً بقانون المرافعات أو أي قانون آخر. الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية 1981 ص 46 . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني ، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه ،  طبعة 2014، 2015 ، دار محمود ،  المجلد : الأول ، الصفحة : 11 )

لا شك أن تعيين الخصم الذي يكلف الإثبات أمر بالغ الخطر في سير الدعوى وفي نتيجتها لأنه يلقى على هذا الخصم عبئاً ثقيلاً بجعله في مركز دون مركز خصمه إذ يكلفه أمراً إيجابياً تتوقف عليه نتيجة الدعوى ، بينما يكتفي من خصمه بأن يقف من الدعوى موقفاً سلبياً ، وفي هذا وحده بادرة رجحان كفة الثاني على كفة الأول ، لذلك على المشرع بتحديد من يقع عليه عبء الإثبات مستهدياً في ذلك بالمبدأ العام في الشريعة الإسلامية والذي يقضي بأن " البينة على من ادعى واليمين على من أنكر " والمراد بمن أدعى ليس من رفع الدعوى ، بل كل خصم يدعي على خصمه أمراً لا فرق في ذلك بين شاك ومشكو فالقاعدة " أن البينة على من أدعى " خلاف الظاهر ، والظاهر ثلاثة أنواع : ظاهر أصلاً ، وظاهر عرضاً ، وظاهر فرضاً ، والأول : ما كان ظاهراً بحسب أصله أي حسب طبيعة الأشياء ، مثال ذلك أن الأصل فيما يتعلق بالحقوق الشخصية براءة الذمة وهذا هو الظاهر أصلاً فإذا ادعى شخص ديناً على أخر فإنما يدعي عكس الظاهر أصلاً ويقع عليه عبء إقامة الدليل فإن تمكن من إقامة الدليل أصبح الظاهر عرضاً أن المدعى عليه مدين فإما أن يسلم بالدين وإما أن يدعي إنقضاءه بالوفاء أو بغيره وحينئذ يكون مدعياً خلاف الظاهر عرضاً وينقل إليه عبء الإثبات فيما يتعلق بسبب إنقضاء الدين أما الظاهر فرضاً فهو يحل محل الأصل في نطاق الحقوق الشخصية وذلك بقرينة قانونية يفرض بها المشرع أمراً لم يقم عليه دليل وذلك عن طريق الإستنباط من ثبوت أمور أخرى فمن قامت لصالحه القرينة القانونية أصبح صاحب الحق فرضاً وأعفي من الإثبات وألقي عبء نفي القرينة القانونية على خصمه ، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 587 مدني من أن الوفاء بقسط من الأجر قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة على هذا القسط حتى يقوم الدليل على عكس ذلك (الوسيط للدكتور السنهوري ، الجزء الأول ، الطبعة الثانية ، ص 90 وما بعدها ، وأصول الإثبات في المواد المدنية للدكتور سليمان مرقص " الطبعة الخامسة ، الجزء الأول ص 83 ، وما بعدها ، وأصول الإثبات للدكتور الصدة ص 4).

ويلاحظ أن قواعد عبء الإثبات ليست متعلقة بالنظام العام ، فيجوز للخصوم أن يتفقوا مقدماً على مخالفة عبء الإثبات ، ويقع هذا الإتفاق صحيحاً سواء تم قبل حدوث الواقعة المتنازع عليها أو بعد حدوثها وفي أثناء النزاع بشأنها ، ويجوز للمحكمة أن تحمل عبء الإثبات لمن يتطوع من الخصوم بتحمله خلافاً للقواعد السابقة . 

وفي الحالات التي يجيز القانون فيها تطبيق أحكام العرف على الوقائع المطروحة على المحكمة ، وكذلك في الحالات التي يجيز فيها القانون المصري تطبيق قانون أجنبي فإن العرف والقانون الأجنبي يعتبران من الوقائع التي يتعين على من يتمسك بأعمالها أن يقيم الدليل على وجودها .

ومن المقرر أن العرف يثبت بشهادة الشهود ، أما القانون الأجنبي فيتعين تقديم صورته المترجمة معتمدة من جهة رسمية تمثل الدولة التي أصدرت القانون .

وإذا عجز الخصم المكلف قانوناً بالإثبات عن إقامة الدليل على صحة إدعائه خسر دعواه وكذلك الشأن بالنسبة للدفوع .

وغني عن البيان أنه ليس هناك من حرج على الخصم إن وجد من مصلحته إثبات واقعة معينة أن يثبتها ولو كان عبء إثباتها قانوناً على خصمه .

ويجوز إتفاق الطرفين صراحة أو ضمناً على نقل عبء الإثبات من طرف إلى الأخر ويصح هذا الإتفاق قبل نظر النزاع وفي أثنائه .

وإذا سلم المدعي عليه تسليماً صريحاً بكل أو بعض ما يدعيه خصمه فإنه يتعين على المحكمة في هذا الحالة الإعتداد به وتنتفي الغاية من الإثبات بتسليم الخصم بإدعاء خصمه .

وإقرار الخصم يعفي خصمه من إثبات الواقعة التي أقر بها .

ويجوز للمحكمة أن تستخلص الدليل من الأوراق والمستندات والقرائن الموجودة بملف الدعوى سواء قدمها المدعي أو المدعي عليه ومؤدى ذلك أنه يجوز للمحكمة الإستناد إلى دليل قدمه الخصم غير المكلف بالإثبات .

والمكلف بالإثبات من مصلحته الإقتصار على إثبات ظاهر حقه ليلقي على خصمه عبء إثبات نفي مقومات الحق أو نفي عناصر الوقائع المنشئة له أو نفي صحته أو نفاذه ففي حالة سقوط الخصومة مثلاً من مصلحة المدعى عليه الإقتصار على إثبات وقف السير في الدعوى مدة سنة عملاً بالمادة 134 مرافعات دون أن يثبت أن هذا الوقف بفعل المدعي أو امتناعه وفي هذه الحالة يقع على عاتق المدعي نفي تقاعسه عن السير في دعواه محتجاً في ذلك بأن عدم السير فيها يرجع لفعل المدعي عليه أو لقوة قاهرة كذلك فإن مصلحة المدعي عليه عند التمسك بسقوط الخصومة أن يقتصر على مجرد إثبات وقفهاً مدة سنة ولو كان يعلم أن خصمه قد قطع مدة السقوط بإجراء يدعي أنه قاطع لهذه المدة وذلك حتى يلقي على المدعي عبء إثبات صحة هذا الإجراء وأنه قاطع للمدة أو كان يعلم أن للمدعي ميعاد مسافة يضاف إلى السنة وذلك حتى يلقي عليه عبء إثبات حقه في إضافة هذا الميعاد ( الإثبات للدكتور أبو الوفا ص 29) .

وإخفاق الخصم في الإثبات قد يعد قرينة قضائية لصالح خصمه ويحكم له بمطلوبه ضمن قرائن أخرى .

والأصل في الإنسان هو اكتماله لحواسه وصفاته وأعضائه وعلى مدعي العكس أن يثبت ذلك وإذا اعتمد القاضي على هذا الأصل فلا يكون قد قضى بعلمه الشخصي أو بغير ما في القضية من قرائن .

والأصل في الطبيعة هو بصفاتها حسب إلمام الكافة بها وإعتماد الحكم عليها لا يعد من قبيل المعلومات الشخصية المحظور على القاضي أن يبني حكمه عليها فالأصل في الشتاء في مصر هو البرد وفي الصيف هو الحر والأصل في النهار هو وضوح الرؤية وفي الليالي القمرية هو وضوح الرؤية القريبة والأصل في العقد أو التصرف أو الحكم أو القرار أو الأمر هو صحته أو مشروعيته ما لم يثبت بطلانه أو عدم مشروعيته .

والأصل أن المتعاقد يتمتع بكامل أهليته وأنه يعمل لنفسه وعند تعدد المتعاقدين الأصل أن يكون لكل منهم نصيب مساو في الحقوق والميزات وعليهم نصيب متساو في الالتزامات والأعباء ما لم يثبت العكس . ( المرجع السابق ص 30).

ويعتبر الأصل في العقود أنها حقيقية ما لم يطعن أحد العاقدين فيها بالصورية فيقع عليه عبء إثباتها ، فيكفي أن يقدم المدعي المحرر المثبت للعقد الذي يستند إليه في المطالبة بحقه ، فإذا عن للمدعى عليه أن يطعن فيه بأي طعن كالصورية أو البطلان أو التزوير وقع عليه إثبات ، ما يدعيه ، وذلك فيما عدا الطعن بالإنكار فإن المدعي هو الذي يكلف بإثبات صحة التوقيع على المحرر .

وتأسيساً على ما تقدم إذا طعن المدين بصورية السبب المذكور في العقد ، كان عليه أن يقدم الدليل القانوني على الصورية ، وحينئذ ينتقل عبء إثبات أن للعقد سبباً أخر مشروعاً على عاتق المتمسك به .

وإذا كان العقد ينشئ التزامات متقابلة فإن كل متعاقد يلتزم بإثبات قيامه بما التزم به .

ومؤدي ما سبق أن يلزم المشتري في عقد البيع بإثبات قيامه بسداد ثمن المبيع ويلزم البائع بإثبات، قيامه بنقل ملكية المبيع إلى المشتري سواء كان عقار أو منقولاً ففي المنقول يكفي إثبات قيامه بتسليم المبيع إلى المشتري أما في العقار يلزم البائع بإثبات قيامه بنقل الملكية إلى المشتري .

وفي حالة ما إذا كان الإلتزام بنتيجة كالإلتزام بنقل بضائع إكتفى منه بإثبات الإلتزام فإن أثبته أنتقل إلى المدين عبء إثبات تحقيق تلك النتيجة ، أما إذا كان الإلتزام ببذل عناية وأدعى الدائن أن المدين لم يبذل القدر المطلوب من العناية وقع عليه عبء إثبات ذلك ، ويكفي أن يثبت ما يرجح تقصير المدين فإن أفلح انتقل إلى المدين عبء إثبات أنه بذل في تنفيذ إلتزامه عناية الشخص المعتاد .

والأصل في الحقوق العينية أن من يباشر السلطات المخولة عليها يكون هو صاحب الحق الذي يدعيه فحائز العقار يعتبر صاحب الحق فيه وإذا أدعي آخر ملكيته كان مدعياً خلاف الظاهر ووقع عليه عبء إثبات ما يدعيه فإن عجز رفضت دعواه .

والقاعدة في دعاوى المسئولية المدنية أن مدعي المسئولية يقع عليه إثبات الخطأ الذي وقع من خصمه والضرر الذي أصابه وعلاقة السببية بينهما، أما في المسئولية العقدية فالأصل أن المدين هو الذي أخطأ ويقع عليه عبء نفيه ، ومن ثم يجوز له أن يتخلص من المسئولية إذا أثبت أن عدم قيامه بتنفيذ التزامه يرجع إلى سبب أجنبي .

وإذا تضمن العقد شرطاً جزائياً فإن تحققه سواء بالنسبة للدائن أو المدين يجعل الضرر واقعاً ويقع على الطرف الأخر إثبات أن ضرراً لم يصب المطالب به ، كذلك يترتب على الشرط الجزائي إفتراض تناسب التعويض المتفق عليه مع الضرر الذي لحق الدائن ما لم يثبت من أخل بالعقد خلاف ذلك .

ومما هو جدير بالذكر أنه في حالة ما إذا كانت المسئولية العقدية ناشئة عن فسخ عقد يحمل شرطاً جزائياً فإن فسخ العقد يمحو أثر الشرط الجزائي ، وفي هذه الحالة لا مناص من إخضاع المسئولية للقواعد العامة بما فيها وجوب إثبات الخطأ والضرر وعلاقة السببية بينهما من جانب مدعیه .

والأصل في الإثراء على حساب الغير أن عبء إثبات إثراء المدعي عليه ومقداره يقع على عاتق مدعية الذي يطالب برد قيمته .

والأصل في تقادم المسئولية المدنية عدم علم المضرور بوقوع الضرر وبشخص من أحدثه ، وهو العلم الذي يبدأ من تاريخه سريان التقادم ، فيقع على المدعى عليه في دعوى المسئولية إذا هو تمسك بالتقادم أن يثبت حصول العلم بهذين الأمرين في تاريخ معين .

والأصل في إستعمال الحق خلوه من التعسف وعلى من يدعي التعسف إثباته .

والأصل في الشيك أنه أداة وفاء فلا يثبت للساحب ديناً في ذمة المستفيد ، فإذا أدعي الساحب خلاف ذلك وجب عليه إثباته . والفرض في التعامل حسن النية وعلى من يدعي سوء نية المتعاقد الأخر يقع عليه عبء إثبات ما يدعيه ، ولدائن المتعاقد أن يتمسك بالعقد الظاهر متى كان حسن النية ، والأصل أن الدائن حسن النية وبالتالي لا علم له بالعقد المستتر .

وإذا أقام حائز الأرض منشأت على أرض مملوكة لغيره فيفترض فيه حسن النية وعلى مالك الأرض يقع عبء إثبات سوء نية الباني بأن يثبت وفقاً لنص المادة 925 مدني أنه كان يعلم وقت إقامة المنشأت أن الأرض مملوكة له (أي للمالك) وأنه أقامها دون رضائه.

ويقول الدكتور سليمان مرقص أن الظاهر أصلاً في كل موضوع لا يكون غير أمر واحد ، أما ما يظهر عرضاً فيمكن أن يكون أموراً عدة تثبت على التوالي في أثناء سير الدعوى ، فكلما أثبت أحد الخصمين أمر في صالحه ، وجب على الأخر إثبات أمر غيره يرجح به كفته ، هكذا ينتقل عبء الإثبات بينهما إلى أن يعجز أحدهما عن إثبات خلاف الظاهر عرضاً فيحكم به . ( مؤلفه في الطبعة الخامسة ، الجزء الأول ، ص 115) .

وإذا تمسك أحد الخصمين بقرينة قانونية غير قاطعة وقع على الخصم الآخر عبء إثبات عكسها فإن تمكن هذا من إثبات العكس إنقلب عبء الإثبات إلى الخصم الأول ووجب علمه أن يثبت صحة ادعائه وسنعود لهذا الأمر بشيء من التفصيل .

وخلاصة القول ما قاله العلامة السنهوري بأن من يحمل عبء الإثبات ليس مطالباً في الواقع من الأمر بإثبات کامل قاطع ، وإنما يكتفي منه بأن يقنع القاضي بأن الأمر الذي يدعيه أمر مرجح الوقوع بحيث يكون من المعقول التسليم بوقوعه فعلاً ، ثم ينفي القاضي ما يبقى من شك يحوم حول ذلك الأمر بأن ينقل عبء الإثبات إلى الخصم الأخر ليثبت أنه - بالرغم من المظاهر التي ترجح وقوع هذا الأمر - توجد قرائن أخرى تجعل الراجح مرجوحاً ثم يرد عبء الإثبات إلى الخصم الأول ، ليهدم هذه القرائن بقرائن أخرى تعيد لذلك الأمر كفة الرجحان ، وهكذا يتقاذف الخصمان الكرة ، كل منها يدفعها إلى صاحبه ، إلى أن يعجز أحدهما عن ردها ، فتسقط من يده ويسجل على نفسه الخسارة ( الوسيط ، الجزء الثاني ، ص 84 وما بعدها ). عبء إثبات وقوع ضرر بالزوجة الأولى عند اقتران الزوج بأخرى :

كانت الفقرة الثانية من المادة 6 مكرراً من قانون الأحوال الشخصية الذي صدر بالقرار بقانون رقم 44 لسنة 1979 تنص على أنه " يعتبر إضراراً بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها ولو لم تكن اشترطت عليه في عقد زواجها عدم الزواج عليها وكذلك إخفاء الزوج على زوجته الجديدة أنه متزوج بسواها كما نصت الفقرة الثالثة على أن يسقط حق الزوجة في طلب التفريق بمضي سنة من تاريخ علمها بقيام السبب الموجب للضرر ما لم تكن قد رضيت بذلك صراحة أو ضمناً ، وقد اختلف الرأي بين المحاكم فيمن يتحمل عبء إثبات أن الزوج متزوج بالزوجة الثانية دون رضاء الأولي فذهبت بعض المحاكم إلى أن الزوجة الأولى هي المكلفة بإثبات ذلك طبقاً للقواعد العامة التي تقضي بأن البينة على من ادعى وذهب البعض الآخر إلى أن المادة قد أقامت، قرينة قانونية بسيطة حاصلها أن اقتران الزوج بأخرى فيه إضراراً بالزوجة التي في عصمته وهذه القرينة ألقت على الزوج عبء إثبات رضاء زوجته بزواجه الجديد ومن ثم يقع على الزوج عبء إثبات أن زواجه بأخرى إنما كان برضاء زوجته الصريح أو الضمني فإذا لم يثبت ذلك قضى للزوجة بالطلاق دون أن تكون مكلفة بإثبات عدم رضائها بالزواج الجديد .

كذلك فإنه كان من المقرر طبقاً للقانون الأخير أن الزوج هو الذي يقع عليه عبء إثبات أنه أخبر زوجته الجديدة أنه متزوج بسواها فإذا لم يثبت ذلك قضي لها بالطلاق دون أن تكون مكلفة بإثبات أنه أخفى عنها هذه الواقعة، إلا أن المادة 11 مكرراً من القانون رقم 100 لسنة 1985 الذي حل محل القرار بقانون 44 لسنة 1979 نصت في فقرتيها الأولى والثانية على ما يلي :

على الزوج أن يقرر في وثيقة الزواج بحالته الإجتماعية فإذا كان متزوجاً فعليه أن يبين في الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته ومحال أقامتهن ، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول .

ويجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها ولو لم تكن قد إشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها .

ومؤدى ذلك أن المشرع جعل عبء إثبات وقوع ضرر من الزواج الثاني على عاتق الزوجة الأولى ، كما أوجب على المأذون إخطارها بالزواج الجديد .

(ويراجع حكم النقض رقم 140 الصادر في عبء الإثبات ).

القرينة القانونية قد تقلب عبء الإثبات :

القرينة القانونية ليست دليلاً يثبت بها المدعي دعواه ، وإنما هي قاعدة يعفى بها المشرع ذلك الذي توافرت في حقه ظروف معينة من عبء الإثبات كله أو بعضه ، وهي نوعان قطعية وبسيطة والقطعية لا تقبل إثبات العكس والبسيطة تقبل ذلك ويعتبر من توافرت في حقه مدعياً أمراً ظاهراً فرضاً وينتقل عبء إثبات ما يخالفه خصمه ومثاله ما نص عليه في المادة 587 مدني على أن الوفاء بقسط من الأجرة قرينة على الوفاء بالأقساط السابقة على هذا القسط ذلك دليلاً على وفائه بالأقساط السابقة وينتقل إلى المؤجر عبء إثبات العكس ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 917 مدني من إعتبار التصرف، الصادر من المورث إلى أحد ورثته وصية إذا إحتفظ المتصرف بحيازة العين المتصرف فيها وبحقه في الانتفاع بها مدى حياته فإن هذه القرينة تعفي من يطعن في هذا التصرف بأنه يخفي وصية من إثبات هذا الطعن وتنقل عبء إثبات عدم صحته إلى المتصرف إليه ، ومن الأمثلة على ذلك أيضاً ما نصت عليه المادة 177 مدني التي أعفت من أصيب من تهدم البناء من إثبات إهمال في صيانته أو إلى قدمه أو إلى وجود عيب فيه فيعتبر الظاهر فرضاً أن الانهدام راجع إلى أحد هذه العيوب ، فإذا ادعي حارس البناء غير ذلك تحمل هو عبء إثباته .

وسنتعرض لهذا الموضوع بتفصيل أوفى في شرح المادة 100 من قانون الإثبات فيرجع إلى البحث في موضعه .

سكوت المدعى عليه عن نفي الدعوى لا يصلح بذاته للحكم للمدعي بطلباته طالما لم يثبت ما يدعيه :

إذا أقام المدعي دعوى ناسباً إلى المدعى عليه خطأ معيناً وطلب التعويض عنه وحضر المدعي عليه وسكت ولم ينف ما نسب إليه فلا يجوز أن يعد هذا السكوت دليلاً للمدعي للحكم له بطلباته بل لابد من أن يثبت المدعي عناصر دعواه بمعنى أن يثبت الخطأ الذي ينسبه للمدعى عليه والضرر الذي أصابه وعلاقة السببية بينهما فإن لم يفعل وحكم له تأسيساً على سكوت المدعى عليه فإن الحكم يكون قد خالف القانون وشابه فساد في الإستدلال ، وهذا المبدأ يعد تطبيقاً لقاعدة نادي بها الفقهاء في الشريعة الإسلامية بقولهم " لا ينسب لساكت قول " .

عبء إثبات عدم مطابقة دفاتر الممول للحقيقة :

نصت الفقرة الأولى من المادة 36 من القانون 157 لسنة 1981 الخاص بالضرائب على الدخل والتي لم يتناولها القانون 187 لسنة 1993 بأي تغيير أو تعديل على أن " تكون العبرة في الدفاتر والسجلات والمستندات التي يمسكها الممول بأمانتها ومدى إظهارها الحقيقة وإنتظامها من حيث الشكل وفقاً لأصول المحاسبة السليمة وبمراعاة القوانين والقواعد المقررة في هذا الشأن " كما نصت الفقرة الثانية من المادة " ويقع عبء الإثبات على مصلحة الضرائب في حالة عدم الإعتداد بالدفاتر متى كانت ممسوكة على النحو المشار إليه في الفقرة السابقة ومؤدى هذه المادة أنه إذا كانت دفاتر الممول مستوفاة للإجراءات الشكلية المنصوص عليها في القوانين المنظمة لها ورأت مصلحة الضرائب عدم الاعتداد بهذه الدفاتر فإنها هي التي يقع عليها عبء إثبات عدم أمانتها ومخالفتها للحقيقة ، ويكفي أن يقف الممول موقفاً سلبياً فإذا لم تثبت مصلحة الضرائب ذلك كانت الدفاتر حجة عليها .

عبء إثبات صورية الشركات التي تقام بين الأزواج والأصول والفروع :

من المقرر وفقاً للفقرة الأخيرة من المادة 41 من القانون رقم 14 لسنة 1939 المضافة بالقانون رقم 78 لسنة 1973 قيام قرينة قانونية على صورية الشركات التي تقوم بين الأصل وفروعه أو بين الزوج وزوجته أو بين بعضهم البعض القائمة فعلاً في تاريخ العمل بهذا القانون وما ينشأ منها في تاريخ لاحق ويقع كل من هؤلاء إذا أدعى جدية الشركات عبء إثبات جديتها ويجوز له إثبات ذلك بكافة وسائل الإثبات القانونية .

تنازل الخصم عن دفاع له في الدعوى لا يترتب عليه زوال دلیل الإثبات الذي اتخذته المحكمة تحقيقاً لهذا الدفاع :

من المقرر أنه إذا أبدى الخصم دفعاً أو دفاعاً في الدعوى ، كما إذا طعن بالإنكار على توقيعه المنسوب له على العقد سند الدعوى ، وبعد أن حققت المحكمة الطعن سواء بالمضاهاة أو بشهادة الشهود تنازل عن طعنه وطعن بالتزوير على نفس التوقيع فليس هناك ما يمنع المحكمة وهي تقضي فيه أن تعتمد على التحقيق الذي أجرته وهي بصدد تحقيق الدفع بالإنكار ، لأنه من المقرر قانوناً أن تنازل الخصم عن دفاع له في الدعوى لا يترتب عليه زوال دليل الإثبات الذي اتخذته المحكمة تحقيقا لهذا الدفاع .

لا تلزم المحكمة بالسعي إلى إقامة الدليل على وجه دفاع غير مقرون بها يثبته :

من المقرر أن المحكمة ليست ملزمة بالسعي إلى إقامة الدليل على وجه دفاع غير مقرون بما يثبته ، وأنها لا تلزم بالرد على الدفاع الجوهري فقط ، وهو الذي من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى والذي أقام مدعیه الدليل عليه أمام المحكمة أو طلب إليها إثباته وفقاً للأوضاع المقررة في القانون ، أما أوجه الدفاع التي لم يتوافر فيها هذين الشرطين فإن المحكمة لا تكون ملزمة بتحقيقه أو الرد عليه ، فإذا أشار أحد الخصوم في دفاعه إلى محضر إداري مستمداً دليله منه دون أن يقدم صورة رسمية منه أو يأمر بضمه فلا جناح على المحكمة أن إلتفتت عنه بأن أغفلت الرد عليه لأن هذا الطلب لم يتوافر فيه الشرطين السابقين .

قواعد عبء الإثبات ليست متعلقة بالنظام العام :

من المقرر أن قواعد الإثبات ومنها تحديد الخصم الذي يقع عليه عبء الإثبات ليست متعلقة بالنظام العام فيجوز للخصم الذي لم يكن مكلفاً بالأصل بإثبات واقعة معينة أن يطلب من المحكمة إحالة الدعوى للتحقيق ليثبتها هو ، فإذا أجابته المحكمة لطلبة إمتنع عليه بعد ذلك أن يحتج بأنه لم يكن مكلفاً قانوناً بالإثبات .

ومن ناحية أخرى إذا أحالت المحكمة الدعوى للتحقيق من تلقاء نفسها وطلبت من الخصم إثبات واقعة معينة حالة أنه ليس المكلف بإثباتها قانوناً وقبل ذلك وأحضر شهوده وسمعتهم المحكمة فلا يجوز له بعد ذلك أن يحتج عبء الإثبات لا يقع على عاتقه وإنما وسيلته إلى ذلك أن يعترض على الحكم قبل تنفيذه ويثبت ، إعتراضه بمحضر الجلسة حتى لو أحضر شهوده وسمعتهم المحكمة مادام أنه أثبت إعتراضه قبل سماعهم.

تحديد من يحمل عبء الاثبات يخضع لرقابة محكمة النقض :

من المقرر أن تحديد من يحمل عبء الإثبات مسألة قانونية ، وبالتالي تخضع لرقابة محكمة النقض ، فإذا ادعى المدعي على المدعى عليه حقاً أمام محكمة الإستئناف ، فنفي ذلك المدعي عليه إلا أن المحكمة كلفت المدعي عليه بنفي هذا الإدعاء فإنها بذلك تكون قد قلبت عبء الإثبات وكلفت المدعي عليه بنفي واقعة كان المدعي مكلفاً بإثباتها ولم يثبتها ومن ثم يجوز الطعن علي هذا الحكم بالنقض . (التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة :12)

تعريف الإثبات :

الإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي يحددها القانون ، على وجود واقعة قانونية ترتب آثارها .

وهذا هو المعنى القانوني للإثبات القضائي ، تمییزاً له عن الإثبات بالمعنى العام ، وهو ما يقال له الإثبات العلمي أو التاريخي. فالإثبات العلمي ينصب على أمر من الأمور، يقوم البرهان عليه بأية وسيلة ومن أي طريق، ويساهم فيه كل من يريد من الأفراد، وتظل الحقيقة العلمية بعد هذا قابلة للنظر والنقاش على وجه الدوام . ومن هذا يبدو لنا الفارق واضحاً بين الإثبات العلمي والإثبات القضائي ، فهما يشتركان في أن كلاً منهما ينطوي على تقصي حقيقة أمر من الأمور ، ولكنهما يختلفان فيما عدا ذلك من وجوه فالباحث عن الحقيقة العلمية له كل الحرية في بحثه عن هذه الحقيقة ، بينما القاضى يتقيد بعناصر الإقناع التي تقدم له في القضية المعروضة . ولكل من يعنيه الأمر من الأفراد أن يشترك في البحث العلمي ، في حين أن القاضى يمتنع عليه بحسب الأصل أن يساهم في جمع الأدلة في الدعوى المعروضة عليه . والحقيقة العلمية تبقى أبداً محل بحث وإستقصاء ، أما الحقيقة القضائية التي يصل إليها القاضي فتعتبر صحيحة بصفة نهائية .

وهذا الإختلاف بين نوعي الإثبات مرده إلى اختلاف الغرض من كل منهما ، فالإثبات العلمي ينشد الحقيقة المجردة ، ولا ضير أن تظل هذه محل تنقيب على الدوام بينما يرمي الإثبات القضائي إلى الفصل في نزاع بين طرفين على حق يدعيه كل منهما، ولابد في مجتمع منظم أن يكون هناك حد لهذا النزاع حتى لا تتأبد الخصومات ويستقر التعامل .

أهمية الإثبات :

للإثبات أهمية كبرى من الناحية العملية ، لأن الحق يفقد قيمته العملية ، إذا عجز صاحبه - عند المنازعة - أن يقيم الدليل على مصدر هذا الحق بل إن كثيراً من المتقاضين يخسرون دعواهم، ويفقدون بالتالي حقوقهم لأنهم لم يستطيعوا تقديم الدليل الذي يتطلبه القانون لإثبات هذه الحقوق . ولذلك يقال إن الحق إذا لم يقم عليه دليل فإنه يصبح عند المنازعة هو والعدم سواء ، وأن الدليل هو الذي يحمي الحق ويجعله مقيداً .

عمومية قواعد الإثبات :

لكن كانت التشريعات قد اختلفت في المكان الذي ينبغي أن توضع فيه قواعد الإثبات ، وكان المشرع المصري ، فيما سبق ، قد أفرد للقواعد الموضوعية باباً خاصاً في القانون المدني ضمن الكتاب الأول من القسم الأول الخاص بالإلتزامات أو الحقوق الشخصية ، إلا أن هذه القواعد الذي قد صارت جزءاً من قانون الإثبات الجديد الذي أصبح يضم القواعد الموضوعية والإجرائية . على أنه إذا كان المشرع قد وضع تلك القواعد فيما سبق ضمن النظرية العامة للالتزام فإنه قد فعل ذلك إتباعاً لما جرت عليه التقاليد ولم يكن وضع قواعد الإثبات على ذلك النحو يعني أنها كانت تعتبر قاصرة فقط على نظرية الإلتزام ، بل إنه نظر إليها على أنها عامة تسري على جميع الوقائع القانونية المبينة للحقوق ، مالية كانت هذه الحقوق أو عينية أو معنوية ، وقد كان من المسلم به أن القواعد الموضوعية للإثبات إنما كانت قواعد عامة تنطبق على الإلتزامات وغيرها من الروابط المالية ، فهي تمتد إلى جميع الآثار القانونية ، سواء تعلقت تلك الآثار بقيام الحقوق أم بإنقضائها أم بإنتقالها ، أو بعبارة أخرى تعتبر نظرية الإثبات عامة شاملة ، تمتد إلى الإلتزامات التعاقدية وغير التعاقدية ، أي بصرف النظر عن طبيعة الإلتزام ، وإلى مصادر الحقوق العينية ومصادر روابط الأسرة ، أي أنها تجاوز القانون المدني ، إلى غيره من القوانين الأخرى ، كما أن من المسلم به أن تلك القواعد تنطبق أمام القضاء المدني والتجاري وغيرهما .

ولذلك فقد أحسن المشرع المصري بإصدار قانون مستقل للإثبات ، فيتحقق بذلك شمول قواعد الإثبات وعموميتها لكي تسري أحكامها في كافة المنازعات المدنية والتجارية .

الأدلة المباشرة والأدلة غير المباشرة :

يصح تقسيم الأدلة إلى نوعين : أدلة مباشرة وأدلة غير مباشرة. فالكتابة وشهادة الشهود والإقرار واليمين الحاسمة والمعاينة تؤدي إلى الحق مباشرة ، فهي أدلة مباشرة . أما القرائن فتؤدي إلى الحق بطريقة غير مباشرة ، لأن الحق يثبت بها إستنتاجاً . ويلاحظ أن المعاينة بمعرفة القاضي دليل مباشر بغیر واسطة إذ يرى القاضی محل النزاع ، أما الكتابة إلخ فدليل مباشر بالواسطة .

قواعد الإثبات والنظام العام :

يشتمل قانون الإثبات على نوعين من القواعد : قواعد موضوعية ، وقواعد شكلية أو إجرائية .

فالقواعد الموضوعية ، هي التي تتناول محل الإثبات وعبئه وطرقه ، وبعبارة أخرى القواعد التي تختص بالواقعة التي يجری إثباتها ومن يتحمل عبء الإثبات والأدلة التي يتحقق بها هذا الإثبات .

أما القواعد الشكلية أو الإجرائية ، فهي التي تحدد الإجراءات التي تتبع عند الإستناد إلى الأدلة الخاصة بنزاع معروض أمام القضاء .

فالقاعدة التي تستلزم الكتابة لإثبات التصرف القانوني الذي تجاوز قيمته ألف جنيه تعد قاعدة موضوعية . أما القواعد التي تحدد طريقة سماع الشهود أو حلف اليمين أو قيام الخبير بعمله ، فتعد قواعد شكلية أو إجرائية .

ومن المتفق عليه أن قواعد الإثبات الشكلية أو الإجرائية تعتبر من النظام العام لأنها تتعلق بنظام التقاضي .

أما قواعد الإثبات الموضوعية فلا تتعلق بالنظام العام لأنها موضوعة أصلاً لحماية الخصوم . فهي وثيقة الصلة بالحق ، فالتنازل عنها أو التعديل فيها يمس الحق من قرب وإذا كان للشخص أن يتنازل عن حقه أو يعدل فيه ، فبدهي أن يكون له ذلك فيما يتعلق بإثباته . وقد فصل قانون الإثبات - ومن قبله القانون المدني - في هذه المسألة بالنسبة إلى القاعدة التي لا تجيز شهادة الشهود في إثبات تصرف قانونی تزيد قيمته على ألف جنيه أو غير محدد القيمة إذا جاز الإتفاق على خلافها (م 60 من قانون الإثبات - م 400 من التقنين المدني - وكان النصاب عشرة جنيهات).

ولا يستثنى من ذلك سوى نوعين من قواعد الإثبات الموضوعية ، يتعلقان بالنظام العام وهما :

1- القواعد المتعلقة بسلطة القاضي في الإثبات ، كما هو الشأن في القواعد التي تعطي للقاضي سلطة توجيه اليمين المتممة في حالات معينة فمثل هذه القواعد لا يجوز الإتفاق على مخالفتها .

2- القواعد المتعلقة بالضمانات الأساسية لحق الدفاع ، كما هو الشأن في قاعدة المجابهة بالأدلة .

3- القواعد التي تتضمن قيوداً على حرية الإثبات ، لأن هذه القيود يمليها اتقاء تحكم القضاء وضمان حسن سير العدالة وإستقرار المعاملات .

وهذه بلا شك إعتبارات تتعلق بالنظام العام ، ومثل ذلك كون الورقة الرسمية حجة على الكافة إلى أن يطعن عليها بالتزوير .

وينبني على كون قواعد الإثبات الموضوعية لا تتعلق بالنظام العام ما يأتي :

1- يجوز الاتفاق على نقل عبء الإثبات من المكلف به أصلاً إلى الطرف الأخر .

فمثلاً تنص المادة 1/574 مدني على أن: «المستأجر مسئول عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت أن الحريق نشأ عن سبب لا يد له فيه». فوفقاً لهذا النص يقع على المستأجر عبء إثبات أن الحريق نشأ عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، ولكن ليس هناك ما يمنع من الاتفاق على نقل عبء الإثبات إلى المؤجر ، فيتفق على أن المستأجر لا يكون مسئولاً عن حريق العين المؤجرة إلا إذا أثبت المؤجر خطأ من جانب المستأجر .

2) أنه يجوز الاتفاق مقدماً على تعديل القواعد المتعلقة بطرق الإثبات ، فيجوز أن يتفق على إثبات التصرفات القانونية التي تجاوز قيمتها ألف جنيه بشهادة الشهود ، مع أن الأصل هو وجوب الكتابة في إثبات هذه التصرفات ، وقد أجاز القانون هذا الاتفاق في المادة 60 من قانون الإثبات في فقرتها الأولي بقولها : «في غير المواد التجارية ، إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على ألف جنيه أو كان غير محدد القيمة ، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو إنقضائه ، ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك ».

3) أنه يجب على الخصم التمسك بعدم جواز الإثبات ، ولا يجوز للقاضي التصدي لذلك من تلقاء نفسه .

4) أنه يجوز التنازل عن الدفع بعدم جواز الإثبات صراحة أو ضمناً. ولا يجوز التمسك بهذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض .

5) إذا قضت المحكمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات تصرف قانونی تجاوز قيمته ألف جنيه ، فإنه يتعين التمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة قبل سماع شهادة الشهود . فإذا سمعت المحكمة شهادة الشهود دون أن يعترض الخصم عد متنازلاً عن الدفع .

6) يجب التمسك بالدفع قبل التكلم في الموضوع وإلا عد الخصم متنازلاً عن الدفع .

الأصل في الحقوق العينية أن يكون الحائز صاحب الحق :

الحق العيني يخول صاحبه سلطة مباشرة على شيء معين ، وتخلق هذه السلطة وضعاً ظاهراً لصالح من يباشره . فمن حاز منزلاً يكون الظاهر أنه مالكه ، ولا يطلب منه إقامة الدليل على ملكيته ، ولذلك فمن يدعي ملكيته شيئاً في حيازة آخر يكون مدعياً خلاف الظاهر وعليه عبء إثبات ما يدعيه . فإذا نجح في إثبات إدعائه المخالف للوضع الظاهر ، أصبح هذا الإدعاء ثابتاً عرضاً ووجب على من يدعى العكس إثبات ذلك .

وقد نصت المادة 964 من التقنين المدني على أن : « من كان حائزاً للحق اعتبر صاحبه حتى يقوم الدليل على العكس » - وجاء بمذكرة المشروع التمهيدي تعليقاً على هذه المادة أنه : « إذا ثبتت الحيازة تكون قرينة على الملكية ، فيفرض أن الحائز مالك حتى يقيم المدعي الدليل على العكس . لذلك كان الحائز مدعى عليه دائماً في دعاوى الملكية ، مع أن الحيازة نفسها قد تكون محل شك في ثبوتها ، لذلك يقتضى الأمر إيجاد قرينة أخرى هي الحيازة المادية ، التي توافرت شروطها من هدوء وإستمرار وظهور ووضوح فمن أثبت أن عنده هذه الحيازة المادية ، تمسك بذلك قرينة على الحيازة القانونية ، وعلى من ينازعه أن يثبت أنه هو الحائز وأن الحيازة المادية هذه إنما كانت لحسابه مثلاً ، أو كانت غير مقترنة بالعنصر المعنوي ، ويتبين من ذلك أن من يستطيع إثبات الحيازة المادية لنفسه أن يتخذ منها قرينة على الحيازة القانونية ثم يتخذ من هذه قرينة على الملكية ذاتها وفي هذا تيسير كبير لإثبات الملكية ».

ويقضي الوضع الظاهر أيضاً بأن الملكية خالية من كل حق للغير كحق إرتفاق أو حق رهن . فالمالك الذي يتمسك بهذا الظاهر لا يطالب بإثباته ، فإذا أدعى شخص خلاف الظاهر بأن له مثلاً ، حق رهن أو حق انتفاع أو حق إرتفاق على العين، فعليه إثبات ما يدعيه .

نظرية متكاملة للأوضاع الظاهرة :

وردت بالتقنين المدني بعض النصوص التي تجعل الحق لصاحب الوضع الظاهر ، فإذا ما أدعى أحد عكس ذلك كان عليه إثباته .

غير أن الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية والأحوال الشخصية بمحكمة النقض أرست بحكمها الصادر بتاريخ 1986/2/16 في الطعن رقم 826 لسنة 54 ق قاعدة عامة في الوضع الظاهر مقتضاها أنه إذا كان صاحب الحق قد أسهم بخطئه - سلباً أو إيجاباً - فی ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه ، مما يدفع الغير حسن النية إلى التعاقد معه ، للشواهد المحيطة بهذا المركز والتي من شأنها أن تولد الاعتقاد الشائع بمطابقة هذا المظهر للحقيقة ، فإن مقتضى ذلك نفاذ التصرف المبرم بعوض يبن صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية في مواجهة صاحب الحق .

والشروط التي وضعها الحكم المذكور للأخذ بالوضع الظاهر تخلص فيما يلي :

(1) أن يسهم صاحب الحق بخطئه سلباً أو إيجاباً في ظهور المتصرف على الحق بمظهر صاحبه مما يدفع الغير على التعاقد معه .

(2) حسن نية الغير .

(3) أن تكون هناك شواهد تحيط بهذا المركز من شأنها أن تولد الإعتقاد الشائع بمطابقة هذا المظهر للحقيقة .

(4) أن يكون التصرف المبرم بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية بعوض وليس على سبيل التبرع .

ومتى توافرت هذه الشروط مجتمعة فإن مقتضى هذا نفاذ التصرف المبرم بعوض بين صاحب الوضع الظاهر والغير حسن النية في مواجهة صاحب الحق .

عدم إلتزام المحكمة بتكليف الخصوم بإقامة الدليل علي دفاعهم . 

تحديد من يتحمل عبء الإثبات يخضع لرقابة محكمة النقض :

من المقرر أن تحديد من يحمل عبء الإثبات مسألة قانونية ، وبالتالي تخضع لرقابة محكمة النقض ، فإذا ادعى المدعي على المدعى عليه حقاً أمام محكمة الإستئناف فنفى ذلك المدعى عليه إلا أن المحكمة كلفت المدعى عليه بنفي هذا الادعاء فإنها بذلك تكون قد قلبت عبء الإثبات وكلفت المدعى عليه بنفي واقعة كان المدعی مكلفاً بإثباتها ولم يثبتها ومن ثم يجوز الطعن على هذا الحكم بالنقض . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات ، المستشار/ محمد عزمي البكري ، طبعة 2017 ، دار محمود ،  المجلد : الأول  ،  الصفحة  : 13 )

الفقه الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 195

أَوَّلاً: الْبَيِّنَةُ عَلَى دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ:

إِذَا تَدَاعَى الرَّجُلاَنِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ بِأَنِ ادَّعَيَا مِلْكَ عَيْنٍ دُونَ سَبَبِ الْمِلْكِيَّةِ مِنَ الإْرْثِ أَوِ الشِّرَاءِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَقَوْلُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْمَاجِشُونِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ، وَلاَ تُعْتَبَرُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ (ذِي الْيَدِ) فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ». فَجَعَلَ جِنْسَ الْبَيِّنَةِ فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعِي فَلاَ يَبْقَى فِي جَنْبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَلأِنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا، كَتَقْدِيمِ بَيِّنَةِ الْجَرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَدَلِيلُ كَثْرَةِ فَائِدَتِهَا أَنَّهَا تُثْبِتُ سَبَبًا لَمْ يَكُنْ، وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ، فَلَمْ تَكُنْ مُفِيدَةً، لأِنَّ الشَّهَادَةَ بِالْمِلْكِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُهَا رُؤْيَةَ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفَ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا، وَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً، قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ صَاحِبِ الْيَدِ (الدَّاخِلِ)، لأِنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ بِيَدِهِ، كَالْخَبَرَيْنِ اللَّذَيْنِ مَعَ أَحَدِهِمَا قِيَاسٌ، فَيُقْضَى لَهُ بِهَا.

قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عِنْدَ التَّكَافُؤِ.

وَهَلْ يُحْكَمُ لِلدَّاخِلِ بِبَيِّنَةٍ مَعَ الْيَمِينِ أَوْ بِغَيْرِ الْيَمِينِ؟ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ بَيِّنَتِهِ فِي الأَْصَحِّ، وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الدُّسُوقِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ. وَذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونَ أَنَّهُ يُحْكَمُ لِلْحَائِزِ مَعَ الْيَمِينِ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ.

ثَانِيًا: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُضَافِ إِلَى سَبَبٍ:

إِذَا كَانَتِ الدَّعْوَى عَلَى مِلْكٍ مُسْتَنِدٍ إِلَى سَبَبٍ مِنَ الإْرْثِ، أَوِ الشِّرَاءِ، أَوْ غَيْرِهِمَا فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ فِي الْجُمْلَةِ، لَكِنِ اخْتَلَفَتْ آرَاؤُهُمْ بِاخْتِلاَفِ الصُّوَرِ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

أ - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ سَبَبَ الْمِلْكِ إِذَا كَانَ قَابِلاً لِلتَّكْرَارِ، كَالشِّرَاءِ، وَنَسْجِ ثَوْبِ الْخَزِّ، وَزَرْعِ الْحُبُوبِ وَنَحْوِهَا تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ دَعْوَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ. إِلاَّ إِذَا ادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ شَخْصٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: إِنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ زَيْدٍ مَثَلاً. فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ سَبَبُ الْمِلْكِ غَيْرَ قَابِلٍ لِلتَّكْرَارِ، كَالنِّتَاجِ، أَوْ نَسْجِ ثَوْبِ الْقُطْنِ مَثَلاً، فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ، لأِنَّ مَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَمْرٌ زَائِدٌ لاَ تَدُلُّ عَلَيْهِ الْيَدُ فَتَعَارَضَتَا، فَتَرَجَّحَتْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْيَدِ. وَلِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اخْتَصَمَ إِلَيْهِ رَجُلاَنِ فِي دَابَّةٍ أَوْ بَعِيرٍ، فَأَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَتَهُ بِأَنَّهَا لَهُ نُتِجَهَا، فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي فِي يَدِهِ».

وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَرْجِيحُ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ (ذِي الْيَدِ) إِذَا تَسَاوَتَا فِي الْعَدَالَةِ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الدَّعْوَى فِي مِلْكٍ مُطْلَقٍ أَوْ فِي مِلْكٍ مُضَافٍ إِلَى سَبَبٍ يَتَكَرَّرُ أَوْ لاَ يَتَكَرَّرُ. وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لاَ يَنْتَفِعُ الْحَائِزُ (الدَّاخِلُ) بِبَيِّنَتِهِ، وَبَيِّنَةُ الْمُدَّعِي أَوْلَى.

أَمَّا إِذَا ذَكَرَتْ إِحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ سَبَبَ الْمِلْكِ مِنْ نِتَاجٍ أَوْ زِرَاعَةٍ، وَالأْخْرَى لَمْ تَذْكُرْ سِوَى مُجَرَّدِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ مَنْ ذَكَرَ السَّبَبَ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ إِلَى تَقْدِيمِ بَيِّنَةِ ذِي الْيَدِ (الدَّاخِلِ) فِي الْمِلْكِ الْمُضَافِ إِلَى سَبَبٍ أَيْضًا، كَمَا فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ، إِلاَّ إِذَا أَطْلَقَ الدَّاخِلُ دَعْوَى الْمِلْكِ، وَأَقَامَ بَيِّنَةً. وَقَيَّدَهُ الْخَارِجُ بِقَوْلِهِ: (اشْتَرَيْتُهُ مِنْكَ)، وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ فَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، لِزِيَادَةِ عِلْمِهَا، لَكِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ تُسْمَعُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ إِلاَّ بَعْدَ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ، لأِنَّ الأْصْلَ فِي جَانِبِهِ الْيَمِينُ فَلاَ يَعْدِلُ عَنْهَا مَا دَامَتْ كَافِيَةً.

أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلَهُمْ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ: الأْولَى:

وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عِنْدَهُمْ تَقْدِيمُ بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي (الْخَارِجِ)، وَعَدَمُ سَمَاعِ بَيِّنَةِ الدَّاخِلِ بِحَالٍ، سَوَاءٌ أَشَهِدَتْ بِأَنَّ الْعَيْنَ لَهُ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوْ قَطِيعَةُ الإْمَامِ أَمْ لاَ، إِلاَّ إِذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنَ الآْخَرِ فَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ.

وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهُ إِذَا شَهِدَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَقَالَتْ: إِنَّ الْعَيْنَ نَتَجَتْ فِي مِلْكِهِ، أَوِ اشْتَرَاهَا، أَوْ نَسَجَهَا.. قُدِّمَتْ، وَإِلاَّ قُدِّمَتْ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي (الْخَارِجِ).

وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (الدَّاخِلِ) تُقَدَّمُ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُسْتَنِدَةً إِلَى سَبَبٍ أَمْ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ، لأِنَّ جَنْبَةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى، لأِنَّ الأْصْلَ مَعَهُ وَيَمِينُهُ تُقَدَّمُ عَلَى يَمِينِ الْمُدَّعِي، فَإِذَا تَعَارَضَتِ الْبَيِّنَتَانِ وَجَبَ إِبْقَاءُ يَدِهِ عَلَى مَا فِيهَا، كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا. وَحَدِيثُ جَابِرٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُ إِنَّمَا قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ لِيَدِهِ.

ثَالِثًا: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ:

إِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكِ عَيْنٍ وَذَكَرَ التَّارِيخَ، فَبَيِّنَةُ مَنْ تَارِيخُهُ مُقَدَّمٌ أَوْلَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، مَثَلاً إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ أَنَّ الْعَرْصَةَ الَّتِي فِي يَدِ غَيْرِهِ مَلَكَهَا هُوَ مُنْذُ سَنَةٍ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ (الدَّاخِلُ): إِنَّهُ مَلَكَهَا مُنْذُ سَنَتَيْنِ، تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ.

وَإِنْ قَالَ الدَّاخِلُ: (مَلَكْتُهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، وَذَلِكَ لأِنَّ بَيِّنَةَ مَنْ يَكُونُ تَارِيخُهُ مُقَدَّمًا تُثْبِتُ الْمِلْكَ لَهُ وَقْتَ التَّارِيخِ، وَالآْخَرُ لاَ يَدَّعِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لاَ يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ، إِذِ الأْصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ.

وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذَا الأْصْلِ دَعْوَى النِّتَاجِ، فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مُطْلَقًا، دُونَ اعْتِبَارِ التَّارِيخِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَتِ الْيَدُ لِمُتَقَدِّمِ التَّارِيخِ قُدِّمَتْ قَطْعًا، وَإِذَا كَانَتْ لِمُتَأَخِّرِ التَّارِيخِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُقَدَّمُ أَيْضًا، لأِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فِي إِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَيَتَسَاقَطَانِ فِيهِ، وَتَبْقَى الْيَدُ فِيهِ مُقَابِلَةَ الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لاَ تُزَالُ بِهَا.

وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي: يُرَجَّحُ السَّبْقُ، وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: يَتَسَاوَيَانِ.

وَفِي الرِّوَايَةِ الأْخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَلاَ اعْتِبَارَ لِلتَّارِيخِ.

وَالدَّعْوَى فِي الاِصْطِلاَحِ: قَوْلٌ يَطْلُبُ بِهِ الإْنْسَانُ إِثْبَاتَ حَقٍّ عَلَى الْغَيْرِ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي أَوِ الْمُحَكَّمِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

لَمَّا كَانَتِ الدَّعْوَى فِي حَقِيقَتِهَا إِخْبَارًا يُقْصَدُ بِهِ طَلَبُ حَقٍّ أَمَامَ الْقَضَاءِ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ، فَمِنَ الْبَدَهِيِّ أَنْ تَكُونَ مُحَرَّمَةً إِذَا كَانَتْ دَعْوَى كَاذِبَةً، وَكَانَ الْمُدَّعِي يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَوْ يَغْلِبُ ذَلِكَ عَلَى ظَنِّهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِي دَعْوَاهُ، فَهِيَ عِنْدَئِذٍ تَصَرُّفٌ مُبَاحٌ، فَلَهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، إِلاَّ إِذَا كَانَ يَقْصِدُ بِهَا الضِّرَارَ، فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً، كَمَا لَوْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ غَرِيمَهُ لاَ يُنْكِرُ حَقَّهُ، وَأَنَّهُ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِتَوْفِيَتِهِ إِيَّاهُ، فَيَرْفَعُ الدَّعْوَى لِلتَّشْهِيرِ بِهِ، فَتَكُونُ مُحَرَّمَةً.

أَرْكَانُ الدَّعْوَى:

أَرْكَانُ الدَّعْوَى عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ هِيَ: الْمُدَّعِي، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعَى، وَالْقَوْلُ الَّذِي يَصْدُرُ عَنِ الْمُدَّعِي يَقْصِدُ بِهِ طَلَبَ حَقٍّ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمَنْ يُمَثِّلُهُ. وَلِكُلِّ رُكْنٍ مِنْ هَذِهِ الأْرْكَانِ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ سَيَأْتِي ذِكْرُهَا فِيمَا بَعْدُ.

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ رُكْنُ الدَّعْوَى هُوَ التَّعْبِيرُ الْمَقْبُولُ الَّذِي يَصْدُرُ عَنْ إِنْسَانٍ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَقْصِدُ بِهِ طَلَبَ حَقٍّ لَهُ أَوْ لِمَنْ يُمَثِّلُهُ، مِثْلُ قَوْلِ الرَّجُلِ: لِي عَلَى فُلاَنٍ أَوْ قِبَلَ فُلاَنٍ كَذَا، أَوْ قَضَيْتُ حَقَّ فُلاَنٍ، أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْ حَقِّهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرُّكْنَ هَلْ هُوَ مُجَرَّدُ التَّعْبِيرِ الطَّلَبِيِّ مِنْ قَوْلٍ أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ إِشَارَةٍ، أَوْ أَنَّهُ هُوَ مَدْلُولُ ذَلِكَ التَّعْبِيرِ، أَوْ أَنَّهُ كِلاَ الأْمْرَيْنِ جَمِيعًا، وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى هَلْ رُكْنُ الدَّعْوَى هُوَ الدَّالُّ أَوِ الْمَدْلُولُ أَوْ كِلاَهُمَا؟ وَقَدْ ذَهَبَ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأْقْوَالِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ.

كَيْفِيَّةُ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

تَمْيِيزُ الْقَاضِي الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُعْتَبَرُ مِنْ أَهَمِّ الأْمُورِ الَّتِي تُعِينُهُ عَلَى إِصَابَةِ الْحَقِّ فِي الأْحْكَامِ الَّتِي يُصْدِرُهَا، ذَلِكَ أَنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ عِبْءَ الإْثْبَاتِ فِي الدَّعْوَى عَلَى الْمُدَّعِي. وَعِبْءَ دَفْعِهَا بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ الْمُدَّعِي إِثْبَاتَهَا بِالْبَيِّنَةِ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ الْعِبْءَ الأْوَّلَ أَثْقَلُ مِنَ الْعِبْءِ الثَّانِي، فَإِنْ أَخْطَأَ الْقَاضِي فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّهُ سَيُحَمِّلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعِبْءَ الأْثْقَلَ، وَيَجْعَلُ عَلَى الْمُدَّعِي الْعِبْءَ الأْخَفَّ، مِمَّا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ وَالظُّلْمِ فِي الْقَضَاءِ.

لِذَلِكَ اجْتَهَدَ الْفُقَهَاءُ فِي وَضْعِ الضَّوَابِطِ الَّتِي تُعِينُ الْقُضَاةَ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي أَيَّةِ خُصُومَةٍ، وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، وَيُمْكِنُ حَصْرُ أَقْوَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي اتِّجَاهَيْنِ:

الاِتِّجَاهُ الأْوَّلُ: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَاعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى النَّظَرِ إِلَى جَنَبَةِ كُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ: فَمَنْ كَانَتْ جَنَبَتُهُ قَوِيَّةً بِشَهَادَةِ أَيِّ أَمْرٍ مُصَدِّقٍ لِقَوْلِهِ كَانَ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالآْخَرُ مُدَّعِيًا. وَمَعَ اتِّفَاقِ أَصْحَابِ هَذَا الاِتِّجَاهِ عَلَى هَذَا الأْصْلِ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ الأْمْرِ الْمُصَدِّقِ الَّذِي إِذَا تَجَرَّدَ عَنْهُ قَوْلُ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ كَانَ هُوَ الْمُدَّعِي، فَتَبَايَنَتْ - بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ - تَعْرِيفَاتُهُمْ لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

أَوَّلاً: ذَهَبَ مُعْظَمُ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ مَنْ تَجَرَّدَتْ دَعْوَاهُ عَنْ أَمْرٍ يُصَدِّقُهُ. وَزَادَ بَعْضُهُمْ: أَوْ كَانَ أَضْعَفَ الْمُتَدَاعِيَيْنِ أَمْرًا فِي الدَّلاَلَةِ عَلَى الصِّدْقِ.

وَفَسَّرَ آخَرُونَ مِنْهُمْ هَذَا الأْمْرَ الْمُصَدِّقَ بِقَوْلِهِمِ: الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ قَوْلُهُ بِمَعْهُودٍ أَوْ أَصْلٍ. وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَكْسُهُ. وَالْمَعْهُودُ هُوَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ وَالْغَالِبُ.

وَرَأَى بَعْضُهُمْ تَقْيِيدَ التَّعْرِيفِ السَّابِقِ لِلْمُدَّعِي بِقَوْلِهِ «حَالَ الدَّعْوَى»، أَيْ أَنَّ: التَّجَرُّدَ الْمَقْصُودَ هُوَ الَّذِي يَكُونُ حَالَ الدَّعْوَى، وَقَبْلَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ «بِمُصَدِّقٍ غَيْرِ بَيِّنَةٍ»، أَيْ أَنْ لاَ يَكُونَ الأْمْرُ الْمُصَدِّقُ الَّذِي تَجَرَّدَ عَنْهُ قَوْلُ الْمُدَّعِي هُوَ الْبَيِّنَةُ، فَإِنَّهُ يَظَلُّ مُدَّعِيًا وَلَوْ لَمْ يَتَجَرَّدْ قَوْلُهُ مِنْهَا.

ثُمَّ إِنَّ الأْمْرَ الْمُصَدِّقَ الَّذِي إِذَا اعْتَضَدَ بِهِ جَانِبُ أَحَدِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ كَانَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُمْكِنْ أَنْ يَكُونَ أَحَدَ شَيْئَيْنِ هُمَا:

الأْصْلُ وَالظَّاهِرُ:

أَمَّا الأْصْلُ فَهُوَ الْقَاعِدَةُ الشَّرْعِيَّةُ الْمَعْمُولُ بِهَا فِي الْوَاقِعَةِ الْمَخْصُوصَةِ، أَوِ الدَّلاَلَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ، أَوِ اسْتِصْحَابُ الْحَالِ الأْوَّلِ. وَقَدْ ذَكَرُوا مِنَ الأْصُولِ:

الأْصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنَ الْحُقُوقِ قَبْلَ عِمَارَتِهَا:

فَمَنِ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى آخَرَ، فَأَنْكَرَ الْمَطْلُوبُ كَانَ الْمُنْكِرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، لأِنَّ الأْصْلَ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، وَقَدْ عَضَّدَهُ هَذَا الأْصْلُ، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ تَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ. وَلَوِ اعْتَرَفَ الْمَطْلُوبُ بِالدَّيْنِ وَادَّعَى الْقَضَاءَ، لَكَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذَا الدَّفْعِ، لأِنَّ الأْصْلَ اسْتِصْحَابُ عِمَارَةِ الذِّمَّةِ بَعْدَ ثُبُوتِ شُغْلِهَا، فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ بِيَمِينِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلآْخَرِ بَيِّنَةٌ.

الأصْلُ فِي الإْنْسَانِ الصِّحَّةُ قَبْلَ ثُبُوتِ مَرَضِهِ، وَيَكُونُ مُدَّعِي الْمَرَضِ مُدَّعِيًا خِلاَفَ الأْصْلِ، فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ، فَإِذَا وَقَعَ طَلاَقُ رَجُلٍ لِزَوْجَتِهِ طَلاَقًا بَائِنًا، ثُمَّ مَاتَ، فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ تَدَّعِي أَنَّهُ طَلَّقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لِكَيْ تَرِثَ مِنْهُ، فَأَنْكَرَ الْوَرَثَةُ ذَلِكَ، كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُدَّعِيَةً خِلاَفَ الأْصْلِ الَّذِي يَقْضِي بِأَنَّ الإْنْسَانَ سَلِيمٌ حَتَّى يَثْبُتَ مَرَضُهُ، فَعَلَيْهَا الْبَيِّنَةُ وَالْقَوْلُ لِلْوَرَثَةِ.

الأْصْلُ عَدَمُ الْمَضَارَّةِ وَالتَّعَدِّي، فَلَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى الطَّبِيبِ الْعَمْدَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمَأْذُونِ فِيهِ، فَادَّعَى الطَّبِيبُ الْخَطَأَ، فَإِنَّ الْقَوْلَ لَهُ.

الأْصْلُ فِي الإْنْسَانِ الْجَهْلُ بِالشَّيْءِ حَتَّى يَقُومَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ بِالْعِلْمِ، فَإِذَا قَامَ الشَّرِيكُ يَطْلُبُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ بِالشُّفْعَةِ مِمَّنِ اشْتَرَاهَا، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ مُرُورِ عَامٍ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ، فَادَّعَى الْمُشْتَرِي عِلْمَ الشَّرِيكِ بِالْبَيْعِ، وَادَّعَى هُوَ جَهْلَهُ بِذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الشَّرِيكِ، وَالْمُشْتَرِي هُوَ الْمُدَّعِي، وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ الَّتِي تَشْهَدُ أَنَّ الشَّرِيكَ كَانَ عَلَى عِلْمٍ بِالْعَقْدِ.

الأْصْلُ فِي الإْنْسَانِ الْفَقْرُ، لِسَبْقِهِ، حَيْثُ يُولَدُ خَالِيَ الْيَدِ، فَيَكْتَسِبُ بِعَمَلِهِ، فَيُصْبِحُ غَنِيًّا، غَيْرَ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ النَّاسَ مَحْمُولُونَ عَلَى الْمُلاَءِ لِغَلَبَتِهِ، فَهَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا تَعَارَضَ فِيهِ الأْصْلُ وَالْغَالِبُ، وَقُدِّمَ الأْخِيرُ فِيهِ، وَفَرَّعُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ زَاعِمَ الإْعْسَارِ يُعْتَبَرُ مُدَّعِيًا، وَإِنْ وَافَقَهُ الأَصْلُ الَّذِي هُوَ الْفَقْرُ، فَهُوَ الْمُدَّعِي وَالْمَطَالِبُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الإْعْسَارِ.

وَأَمَّا الظَّاهِرُ فَيُسْتَفَادُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: الْعُرْفُ، وَالْقَرَائِنُ الْمُغَلِّبَةُ عَلَى الظَّنِّ.

الأْوَّلُ: الْعُرْفُ، وَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمُ الْمَعْهُودَ وَالْغَالِبَ وَالْعَادَةَ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى حُجِّيَّتِهِ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ).

وَقَدْ قَالُوا: الْعُرْفُ مُقَدَّمٌ عَلَى الأْصْلِ، وَكُلُّ أَصْلٍ كَذَّبَهُ الْعُرْفُ، رُجِّحَ هَذَا الأْخِيرُ عَلَيْهِ، وَاسْتُثْنِيَ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُ الْمَسَائِلِ، مِنْهَا مَا لَوِ ادَّعَى الصَّالِحُ التَّقِيُّ الْعَظِيمُ الْمَنْزِلَةَ أَوِ الشَّأْنَ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ عَلَى أَفْسَقِ النَّاسِ وَأَدْنَاهُمْ عِلْمًا وَدِينًا دِرْهَمًا وَاحِدًا، فَإِنَّ الْغَالِبَ صِدْقُهُ، وَالأْصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَيُقَدَّمُ الأْصْلُ عَلَى الْغَالِبِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

الأْمْرُ الثَّانِي: الْقَرَائِنُ وَظَوَاهِرُ الْحَالِ وَغَلَبَةُ الظَّنِّ، فَمَنْ حَازَ شَيْئًا مُدَّةً يَتَصَرَّفُ فِيهِ، ثُمَّ ادَّعَاهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُرَجَّحُ قَوْلُ الْحَائِزِ فِي دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ، وَيَكُونُ الآْخَرُ مُدَّعِيًا، لأِنَّ قَوْلَهُ يُخَالِفُ الظَّاهِرَ الْمُسْتَنْبَطَ مِنَ الْوَاقِعِ وَالْقَرَائِنِ، فَيُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَقَعَتْ دَعْوَاهُ بِيَمِينِ الْحَائِزِ.

وَقَدِ اسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنَ الْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْضَ الْمَسَائِلِ، إِمَّا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ، وَإِمَّا لِلضَّرُورَةِ: كَمَا فِي قَوْلِ الأْمَنَاءِ فِي تَلَفِ الأْمَانَاتِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ أَنَّ الأْصْلَ عَدَمُهُ، لأِنَّهُ أَمْرٌ عَارِضٌ، وَإِنَّمَا قُبِلَ كَيْلاَ يَزْهَدَ النَّاسُ فِي قَبُولِ الأْمَانَاتِ، فَتَفُوتُ هَذِهِ الْمَصْلَحَةُ. وَكَمَا فِي قَوْلِ الْغَاصِبِ بِتَلَفِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مَعَ يَمِينِهِ، لِلضَّرُورَةِ، وَيُعْتَبَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، إِذْ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَاعْتُبِرَ مُدَّعِيًا لَكَانَ مَصِيرُهُ الْخُلُودَ فِي السِّجْنِ.

ثَانِيًا: ذَهَبَ مُعْظَمُ فُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ: مَنْ يَلْتَمِسُ خِلاَفَ الظَّاهِرِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ: مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ. وَالظَّاهِرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ نَوْعَانِ: ظَاهِرٌ بِنَفْسِهِ، وَظَاهِرٌ بِغَيْرِهِ، وَيُطْلِقُونَ كَثِيرًا لَفْظَ «الأْصْلِ» عَلَى النَّوْعِ الأْوَّلِ، وَإِذَا ذَكَرُوا الظَّاهِرَ فِي مُقَابَلَةِ الأْصْلِ كَانَ الْمَقْصُودُ بِهِ النَّوْعَ الثَّانِيَ، وَهُوَ الظَّاهِرُ بِغَيْرِهِ. وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي التَّعْرِيفِ الْمُتَقَدِّمِ لِلْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُقْصَدُ بِهِ النَّوْعَانِ جَمِيعًا.

وَالظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ هُوَ أَقْوَى أَنْوَاعِ الظَّاهِرِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مَا يَكُونُ مُسْتَفَادًا مِنَ الأْصُولِ، كَالظَّاهِرِ الْمُسْتَفَادِ مِنَ الْبَرَاءَةِ الأْصْلِيَّةِ: بَرَاءَةِ الذِّمَمِ مِنَ الْحُقُوقِ، وَالأْجْسَادِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ وَبَرَاءَةِ الإْنْسَانِ مِنَ الأْفْعَالِ وَالأْقْوَالِ جَمِيعِهَا.

وَالظَّاهِرُ بِغَيْرِهِ عِنْدَهُمْ هُوَ مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْعُرْفِ وَالْعَوَائِدِ، أَوْ مِنَ الْقَرَائِنِ وَدَلاَئِلِ الْحَالِ.

وَإِذَا تَعَارَضَ الظَّاهِرُ بِنَفْسِهِ مَعَ الظَّاهِرِ بِغَيْرِهِ فَغَالِبًا مَا يُقَدِّمُ الشَّافِعِيَّةُ الأْوَّلَ، وَيَكُونُ الَّذِي يَدَّعِي خِلاَفَهُ مُدَّعِيًا يُكَلَّفُ بِالْبَيِّنَةِ إِنْ لَمْ يُقِرَّ خَصْمُهُ، وَالآْخَرُ مُدَّعًى عَلَيْهِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوِ ادَّعَتْ عَلَى زَوْجِهَا الْحَاضِرِ أَنَّهُ لاَ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، فَالأْصْلُ يَقْضِي بِعَدَمِ الإِْنْفَاقِ، وَالظَّاهِرُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ قَرَائِنِ الْحَالِ يَقْضِي بِأَنَّهُ يُنْفِقُ عَلَيْهَا، وَالشَّافِعِيَّةُ يُقَدِّمُونَ الأْوَّلَ عَلَى الثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الزَّوْجِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، حَيْثُ يَجْعَلُونَ الْمَرْأَةَ مُدَّعِيَةً، وَالزَّوْجُ مُدَّعًى عَلَيْهِ.

أَمَّا إِذَا تَعَارَضَ ظَاهِرَانِ فِي قُوَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَأَنْ يَكُونَا مُسْتَفَادَيْنِ مِنْ أَصْلٍ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَصْلَيْنِ فِي قُوَّةٍ وَاحِدَةٍ، كَانَ كُلٌّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مُدَّعِيًا مُكَلَّفًا بِالْبَيِّنَةِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي كِتَابِ الأْمِّ مَا نَصُّهُ: إِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَكْرَاهُ بَيْتًا مِنْ دَارٍ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ، وَادَّعَى الْمُكْتَرِي أَنَّهُ اكْتَرَى الدَّارَ كُلَّهَا ذَلِكَ الشَّهْرَ بِعَشَرَةٍ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعٍ عَلَى صَاحِبِهِ، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةُ.

وَيَظْهَرُ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الشُّقَّةَ لَيْسَتْ بَعِيدَةً بَيْنَ الْمِعْيَارِ الَّذِي قَالَ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ أَجْلِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَبَيْنَ الْمِعْيَارِ الَّذِي قَالَ بِهِ الشَّافِعِيَّةُ، بَلْ إِنَّهُمَا يَكَادَانِ يَتَشَابَهَانِ، وَالْخِلاَفُ بَيْنَهُمَا مُنْحَصِرٌ فِي التَّطْبِيقِ، وَذَلِكَ عِنْدَمَا يَتَعَارَضُ أَمْرَانِ مِنْ أُمُورِ الظَّاهِرِ: فَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ الأْصْلَ أَقْوَى مَنَابِعِ الظُّهُورِ غَالِبًا، وَالْمَالِكِيَّةُ يَرَوْنَ أَنَّ دَلاَئِلَ الْحَالِ مِنْ عُرْفٍ وَقَرَائِنَ أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدَّمَ الأْقْوَى فِي نَظَرِهِ، وَجَعَلَ مُخَالِفَهُ مُدَّعِيًا وَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ.

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، وَبَعْضُ فُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، وَهُوَ تَعْرِيفُ الْمُدَّعِي بِأَنَّهُ: مَنْ إِذَا تَرَكَ الْخُصُومَةَ لاَ يُجْبَرُ عَلَيْهَا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ. مَنْ إِذَا تَرَكَهَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا. وَمِثْلُهُ قَوْلُ الْحَنَابِلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى اشْتِقَاقِ تَعْرِيفِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ تَعْرِيفِ الدَّعْوَى نَفْسِهَا: فَالْمُدَّعِي - عِنْدَهُمْ - هُوَ مُنْشِئُ الدَّعْوَى، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ تَوَجَّهَتْ ضِدُّهُ الدَّعْوَى، وَلِذَلِكَ قَالَ بَعْضُهُمْ:

الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يُضِيفُ إِلَى نَفْسِهِ اسْتِحْقَاقَ شَيْءٍ عَلَى الآْخَرِ وَإِذَا سَكَتَ تُرِكَ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ يُضَافُ اسْتِحْقَاقُ شَيْءٍ عَلَيْهِ وَإِذَا سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يُطَالِبُ غَيْرَهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُطَالِبُهُ غَيْرُهُ بِحَقٍّ يَذْكُرُ اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُدَّعِي هُوَ مَنْ يَلْتَمِسُ قِبَلَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ عَيْنًا أَوْ دَيْنًا أَوْ حَقًّا، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ يَدْفَعُ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ.

الْفَائِدَةُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ:

أَهَمُّ مَا يُسْتَفَادُ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ تَعْيِينُ الطَّرَفِ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ عِبْءُ الإِْثْبَاتِ، وَالطَّرَفُ الَّذِي لاَ يُكَلَّفُ إِلاَّ بِالْيَمِينِ عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لِلطَّرَفِ الأْوَّلِ. وَهَذَا الأْمْرُ هُوَ مَدَارُ الْقَضَاءِ وَعَمُودُهُ، إِذْ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ لاَ يَبْقَى عَلَى الْقَاضِي سِوَى تَطْبِيقِ الْقَوَاعِدِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الْبَيِّنَاتِ وَالتَّرْجِيحِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ عَرَفَ الْمُدَّعِي مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَمْ يَلْتَبِسْ عَلَيْهِ مَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا.

وَإِنَّمَا جُعِلَتِ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، لأِنَّ جَانِبَهُ ضَعِيفٌ، إِذْ هُوَ يُرِيدُ تَغْيِيرَ الْحَالِ الْمُسْتَقِرِّ بِمَا يَزْعُمُهُ، وَفِي هَذَا يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: فَالْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ، هُوَ أَنَّ لَهُ سَبَبًا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ دُونَ الْمُدَّعِي فِي مُجَرَّدِ دَعْوَاهُ، وَهُوَ كَوْنُ السِّلْعَةِ بِيَدِهِ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى فِي شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، أَوْ كَوْنُ ذِمَّتِهِ بَرِيئَةً عَلَى الأْصْلِ فِي بَرَاءَةِ الذِّمَمِ إِنْ كَانَتِ الدَّعْوَى فِيمَا فِي ذِمَّتِهِ.

وَالْمَعْنَى الَّذِي وَجَبَ مِنْ أَجْلِهِ عَلَى الْمُدَّعِي إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ هُوَ تَجَرُّدُ دَعْوَاهُ مِنْ سَبَبٍ يَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ فِيمَا يَدَّعِيهِ.

وَيَشْهَدُ لِصِحَّةِ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة:  27   

المذكرة الإيضاحية لمشروع قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية : 

أهمية قواعد الإثبات : 

تحتل قواعد الإثبات أهمية خاصة ؛ إذ إن الحق - وهو موضوع التقاضي - يتجرد من كل قيمة في الحياة إذا لم يقم الدليل على المصدر الذي نشأ عنه ، فالدليل هو قوام حياته ومعقد النفع فيه ، حتى صدق القول بأن الحق مجرداً عن دليله يصبح عند المنازعة فيه هو والعدم سواء ، من هنا يتعين أن تلقى قواعد الإثبات الموضوعية منها والإجرائية عناية خاصة ؛ إذ إنها الوسيلة التي يتوصل بها صاحب الحق إلى إقامة الدليل على قيام هذا الحق ، وتقديمه إلى القضاء ليمكنه منه . 

وتشتمل طائفة القواعد الموضوعية على سبيل المثال على الأحكام المتعلقة بمحل الإثبات وبيان من يقع عليه عبؤه ، وتفصيل طرقه ، وأحوال إعمال كل من هذه الطرق، وغني عن البيان أنه يقصد من هذه الأحكام بوجه عام إنتقاء المنازعات ، وتأمين ما ينبغي للتعامل من إستقرار . 

وتشمل طائفة القواعد الإجرائية على سبيل المثال أيضاً ما يتصل منها بالشكل والإجراءات ، ولا سيما ما يقوم من هذه الطرق على التحقيق والخبرة . 

وإذا كانت تلك هي أهمية الإثبات في سائر النظم ، فإن هذه الأهمية تبدو أكثر وضوحاً في النظام الإسلامي الذي لا يكتفي بتقرير الحقوق ، بل يحرص على إعداد وسيلة إثباتها ، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282) وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)) [البقرة: 282 ، 283]. وغير ذلك من الآيات والأحاديث الخاصة بإعداد الدليل . 

كما يحرص النظام الإسلامي أيضاً على تمكين أصحاب الحقوق من التمتع بها بقضاء عادل ، فيقول الله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء: 58]، وعلى حض الخصم على ألا يأخذ غير حقه حتى ولو قضي له به، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض؛ فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً ، فإنما أقطع له قطعة من النار» متفق عليه. 

( بلوغ المرام ، رقم (193) ص(17 ) ) . 

 

ومن ثم يكون من المتعين في ظل هذا النظام ألا تقف شكلية الدليل المهيأ ، أو إجراءات تقديم الأدلة للقضاء - عائقاً يحول دون تمتع أصحاب الحقوق بحقوقهم . 

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 35 ، 36 ، 37 ، 40 ، 41      

(مادة 3) : 

1- البينة على المدعي واليمين على من أنكر . 

2- والمدعي : من يلتمس قبل غيره لنفسه عيناً أو ديناً أو حقاً ، والمدعى عليه : من يدفع ذلك عن نفسه . 

(م (4) و(5) و(8) و(9) و(10) و (11) و (76) و (77) من المجلة ، ومن م (444) إلى م (448) من القانون المدني العراقي ، و م (389) مدني مصري ، و(1) إثبات مصري ، و(376) مدني ليبي) . 

المذكرة الإيضاحية : 

1- يتعين أن يقام الدليل على كل واقعة قانونية يدعى بها متی نوزعت هذه الواقعة أو أنكرت صحتها ، وقد بين في هذه المادة المبدأ العام ، وهو أن المدعي هو الذي عليه أن يثبت دعواه ، فإن كان ما يطالب به مالاً فعليه أن يثبت ذلك بإثبات المصدر الذي أنشأ الحق الذي يدعيه ، وهذا هو الجوهري في هذا الصدد. والمقصود بالمصدر الشرعي للحق معناه العام ، وهو المصدر الذي يرتب الحق في ذمة المكلف سواء أكان إيجاباً من المكلف نفسه على نفسه (بعقد أو بتصرف إنفرادي) ، أو إيجاباً من الشارع كحقوق الجوار ، فهذا المصدر سواء من إيجاب المكلف على نفسه أو إيجاب الشارع - هو الذي يكون محلاً للإثبات ، وقد تقررت هذه القاعدة في الفقه الإسلامي منذ البداية في عصر لم تكن معروفة فيه في أوربا مما يكشف عما للفقه الإسلامي من فضل التقدم . (السنهوري، الوسيط ج (2)، الهامش (3) ص (67) - (68)) . 

2- وهذه المادة تقابل المادة الأولى من قانون الإثبات المصري ، ونصها : «على الدائن إثبات الإلتزام ، وعلى المدين إثبات التخلص منه». وقد فضلت عبارة الفقه الإسلامي (م (76) من المجلة) على عبارة القانون: «إثبات الالتزام. الواردة في القانون المشار إليه؛ إتساقاً مع مصطلحات الفقه الإسلامي ، ولأن الإثبات في نطاق القانون المدني والتجاري ليس مقصوراً على إثبات الالتزام (الحق الشخصي) ، بل يتناول الحق الشخصي والحق العيني معاً في نشوئها وإنقضائها. (السنهوري ، الوسيط ، ج (2) البند (14) ص (20) وما بعدها). 

3- والفقرة الأولى سندها حديث رواه البيهقي بإسناد صحيح : «البينة على المدعي ولكن اليمين على المدعى عليه». متفق عليه وعن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن البينة على المدعي». رواه البخاري ومسلم (انظر بلوغ المرام، البند (1209) ص (219)، وابن القيم، الطرق الحكمية، ص (94) وما بعدها، وأحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (16)). 

4- والمقصود بالبينة «كل ما يبين الحق ويظهره». ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد - لم يوف مسماها حقه ولم تأت البينة قط في القرآن مراداً بها الشاهدان ، وإنها أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان ، مفردة ومجموعة . وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : «البينة على المدعي». المراد به أن عليه ما يصحح دعواه ليحكم له ، والشاهدان من البينة. ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدعي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد. والبينة، والدلالة، والحجة، والبرهان ، والآية ، والتبصرة ، والعلامة ، والأمارة - متقاربة في المعنى . (ابن القيم ، الطرق الحكمية، ص (12)، وانظر أيضاً ص (24)) . 

5- وقد رئي تعريف المدعي والمدعى عليه بياناً لها ، وهو تعريف عام ينصرف إلى المدعي في دعواه ، وكذا إلى المدعى عليه إذا سلك مسلك المدعي في دفاعه . وقد اختلفت عبارات الفقهاء في ذلك؛ لأن تعيين المدعي من المدعى عليه له أهمية خاصة في الفصل بين الخصوم ، ولذلك جاءت تعريفات كثيرة في هذا الصدد . (انظر في تفصيل ذلك: البدائع ج (6) ص (224)، وتبصرة الحكام ج (1)، ص (122) - (124)، والمغني ج (9) ص (271) - (272))

6- وفي القانون المدني العراقي وردت النصوص الآتية أخداً عن المجلة : 

م (444) : الأصل براءة الذمة . م (445) : اليقين لا يزول بالشك . م (446) : يضاف الحادث إلى أقرب أوقاته . م (447) : 1- الأصل بقاء ما كان على ما كان ، والأصل في الصفات العارضة العدم . 2- وما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه. م (448) : 1 - البينة على من ادعى واليمين على من أنكر . 2 - والمدعي هو من يتمسك بخلاف الظاهر ، والمنكر هو من يتمسك بإبقاء الأصل» . وهذه المواد مأخوذة عن المجلة (انظر من المجلة المواد (8)، (4)، (511)، (109)، (76)، (77)) . 

وهذه النصوص تتلخص أحكامها في أمرين : 

1- أن البينة على من ادعى ، والمدعي هو من يتمسك بخلاف الظاهر ، واليمين على من أنكر ، والمنكر هو من يتمسك بإبقاء الأصل . 

2- فالأصل هو براءة الذمة ، وبقاء ما كان على ما كان . وتطبيقاً لذلك يكون الأصل في الصفات العارضة العدم ولا يزول بالشك ، ويضاف الحادث إلى أقرب أوقاته ، وما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد دليل على خلافه . 

وهذه الأحكام تلقي الضوء وتوافق ما تقرره هذه المادة ، وتوافق القانون المصري بنصه في المادة (389) مدني ، والمادة (1) إثبات ، من أن على الدائن إثبات الإلتزام ، وعلى المدين إثبات التخلص منها ، ولكن بعبارة أخصر وأبين وأشمل .(انظر السنهوري، الوسيط، ج (2)، البند (45) ص (65) وما بعدها) . 

(مادة 6) :

 لا يحكم القاضي بعلمه الشخصي .

 ( م (2) بينات سوري ، و(2) إثبات سوداني ) . 

 المذكرة الإيضاحية : 

1- تضمنت هذه المادة قاعدة عدم جواز الحكم بالإستناد إلى علم القاضي الشخصي ، بمعنى أن لا يحكم القاضي في النزاع بالإستناد إلى الوقائع التي اطلع عليها بصورة شخصية ، كما لو حضر مجلس العقد مثلاً ، وأما ما يطلع عليه من الوقائع بحكم ولايته بعد عرض النزاع على المحكمة ، وما يستنبطه منها من وجوه الحكم - فليس من هذا القبيل؟ لأن علمه بها لم يكن شخصاً ، وإنما حصل بصورة رسمية بعد عرض الدعوى على المحكمة. ( انظر المذكرة الإيضاحية للمادة الثانية من قانون البينات السوري ) . 

2- وقد اختلف في هذه المسألة بين الفقهاء المسلمين ، فعلى قول المتقدمين : يجوز للقاضي في غير الحدود الخالصة لله تعالى أن يقضي في ذلك بعلمه أخذاً برواية الأصول . وعلى قول المتأخرين : لا يجوز له القضاء بعلمه في شيء من ذلك ؛ أخذاً برواية ابن سماعة عن محمد. (انظر حاشية الحموي) . وقال في الأشباه : إن الفتوى ، على قول محمد المرجوع إليه في أنه لا إعتبار لعلم القاضي . قال في جامع الفصولين : وعليه الفتوى ، وعليه مشايخنا رحمهم الله . 

استدل المتقدمون بأن القضاء بالبينة جائز بالإجماع ، فيجوز القضاء بعلم القاضي بطريق الأولى ؛ لأن المقصود بالبينة ليس عينها بل حصول العلم للقاضي بالحادثة ، وعلمه الحاصل بالمعاينة أقوى من علمه الحاصل بالشهادة ؛ لأن الحاصل بالشهادة غالب الرأي وأكبر الظن ، والحاصل بالحس والمشاهدة علم القطع واليقين ؛ فكان هذا أقوى، فكان القضاء به أولى ، إلا أنه لا يقضي به في الحدود الخالصة ؛ لأن الحدود يحتاط في درئها ، وليس من الإحتياط فيها الإكتفاء بعلم نفسه ، ولأن كل واحد من المسلمين يساوي القاضي في هذا العلم لو اطلع على ما يوجب حداً خالصاً ، ولكن غير القاضي إذا علم لا يمكنه إقامة الحد فكذا هو . 

وفي رواية عن الشافعي أنه يجوز للقاضي أن يقضي بعلمه في كل شيء ، حتى في الحدود الخالصة لله تعالى ؛ لأنه يجوز له أن يقضي بالبينة في ذلك ؛ فلا فرق بين علم يتعلق بالحدود وعلم يتعلق بغيرها . 

وقد عدل المتأخرون عن قول المتقدمين ، وأجمعوا على الفتوى بخلافه لعلة واحدة هي فساد الزمان . 

( انظر المبسوط ، والبدائع ، ونيل الأوطار . وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (33) وما بعدها . والسنهوري ، ج (2) ص (33) - (34) ) . 

3- ولم ير في القانون حاجة لإيراد ما نص عليه في قانون الإثبات السوداني لسنة 1972 في الفقرة الثانية من المادة السابعة منه وهو : «مع ذلك للقاضي أن يأخذ بها حصله من علمه بالشئون العامة المفروض إلمام الكافة بها» ؛ فإن مبدأ عدم جواز حكم القاضي بعلمه لا يمنع من أن يستعين القاضي في قضائه بما هو معروف بين الناس، ولا يكون علمه خاصاً به مقصوراً عليه ، وذلك كالمعلومات التاريخية والجغرافية والعلمية والفنية الثابتة . السنهوري، الوسيط، جـ (2)، الهامش (3) ص (33) ) . 

 

وهذا الحكم وإن لم يكن قد نص عليه صراحة في القانون المصري إلا أنه مسلم به . 

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩