loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية
من أهم ما استحدثه المشروع ما أضافه في المادة الخامسة منه إلى المادة 160 المقابلة لها في قانون المرافعات من إعفاء بعض الأحكام الصادرة بالأمر بإجراءات الإثبات من التسبيب مكتفياً في ذلك بمنطوق الحكم وحده أن الأمر في هذه الأحكام موکول لمطلق تقدير القاضي فهو يملك العدول عما أمر به من إجراء الإثبات كما يملك بعد مباشرة إجراء الإثبات ألا يأخذ بنتيجته (المادة 9 من المشروع المقابلة للمادة 165 من قانون المرافعات) .
 ومن جهة أخرى فإن هذه الأحكام لا تقبل بذاتها الطعن مستقلة عن الحكم المنهي للنزاع ، الأمر الذي تنتفي معه الحاجة إلى تسبيب تلك الأحكام على وجه من الوجوه خاصة وأن هذا التسبيب يأخذ من وقت القضاة وجهدهم ما هو في أشد الحاجة لصرفه إلى غيره من الأعباء الجسام الملقاة على عاتقهم ، وذلك كله فضلاً عن أن ما اتجه إليه المشروع يعين على الإسراع في الفصل في القضايا إذا يتيح الأمر بإجراء الإثبات فور توفر العناصر اللازمة لتقدير مناسبته دون حاجة لحجز الدعوى للحكم التحرير الأسباب .
إلا أنه لما كان الحكم بالأمر بإجراء الإثبات قد ينطوى في بعض الصور على قضاء قطعي سواء تعلق ذلك بالمنازعة في جواز الإثبات بطريق معين من طرق الإثبات أو بغير ذلك من المنازعات التي قد تثور قبل الأمر بإتخاذ إجراء الإثبات ، وهو ما تقوم معه الحكمة التي تقتضي تسبيب الأحكام فقد رأی المشروع أن يعود بالأحكام الصادرة باجراء الإثبات التي تنطوي على مثل هذا القضاء القطعى إلى الأصل المقرر في الأحكام من لزوم تسبيبها . 
 
الأحكام

1- النص فى المادة التاسعة من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 مؤداه أن حكم الإثبات لا يحوز قوة الأمر المقضى طالما خلت أسبابه من حسم مسألة أولية متنازع عليه بين الخصوم وصدر بالبناء عليها حكم الإثبات ومن ثم يجوز للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات إذا ما وجدت فى أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها للفصل فى موضوع النزاع كما لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بعد تنفيذه ، والمشرع وإن تطلب فى النص المشار إليه بيان أسباب العدول عن إجراء الإثبات فى محضر الجلسة وبيان أسباب عدم الأخذ بنتيجة إجراء الإثبات الذى تنفذ فى أسباب الحكم إلا أنه لم يرتب جزءاً معيناً على مخالفة ذلك فجاء النص فى هذا الشأن تنظيمياً . لما كان ذلك ، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن محكمة الاستئناف وجدت فى أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها لحسم النزاع دون أن تأخذ بنتيجة التحقيق الذى أجرته وكان هذا منها عدولاً ضمنياً عن الأخذ بنتيجة إجراء الإثبات الذى نفذته فلا يعيب الحكم عدم الإفصاح صراحة فى مدوناته عن أسباب هذا العدول .

( الطعن رقم 182 لسنة 63 - جلسة 1997/06/24 - س 48 ع 2 ص 982 ق 187 ) 

2- الحكم الصادر - قبل الفصل فى الموضوع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لا يقيد المحكمة عند الفصل فى الموضوع إلا أن يكون قد فصل لازماً فى شق من النزاع تستنفذ به المحكمة ولايتها و لا يحوز حجية بالنسبة لما يثيره من وجهات نظر قانونية أو إفتراضات موضوعية ما دام لم يتضمن حسماً لخلاف بين الخصوم ويجوز العدول عنه والإلتفات عما تضمنه من أراء قانونية أو إفتراضات واقعية بقصد إثارة الطريق أمامه لتحقيق المأمورية حتى تتهيأ الدعوى للفصل فى موضوعها .

( الطعن رقم 1193 لسنة 54 - جلسة 1990/02/05 - س 41 ع 1 ص 436 ق 77 )

3- لاسبيل إلى إلغاء أحكام القضاء أو تعديلها إلا بسلوك طرق الطعن المقررة فى القانون واستثناء من هذا الأصل إذا شاب الحكم خطأ مادى بحت فقد ارتأى المشرع الرجوع إلى المحكمة التى أصدرت الحكم طبقا لإجراءات خاصة نظمتها المادة 191 من قانون المرافعات التى نصت على أنه : " تتولى المحكمة تصحيح ما يقع فى حكمها من أخطاء مادية بحته كتابية أو حسابية وذلك بقرار تصدره من تلقاء نفسها أو بناء على طلب أحد الخصوم من غير مرافعة ويجرى كاتب المحكمة هذا التصحيح على نسخة الحكم الأصلية ويوقعه هو ورئيس الجلسة ، ويجوز الطعن فى القرار الصادر بالتصحيح إذا تجاوزت المحكمة فيه حقها المنصوص عليه فى الفقرة السابقة بطرق الطعن الجائزة فى الحكم موضوع التصحيح ، أما القرار الذى يصدر برفض التصحيح فلا يجوز الطعن فيه على إستقلال " . ويتضح من المفهوم المخالف للنص القانون سالف الإشارة أنه قاطع فى أن الأخطاء غير المادية لا يجوز الرجوع فى شأنها إلى ذات المحكمة التى أصدرت الحكم ، والقول بعكس ذلك فيه إبتداع لطريق من طرق الطعن لم يأذن به الشارع - كما أنه إستثناء من هذا الأصل المقرر أباح الشارع للمحكمة العدول عن حكمها فى أحوال معينة نص عليها على وجه الحصر - لحكمة إرتأها فى تلك الحالات - منها ما نصت عليه المادة 242 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه : " إذا حضر الخصم قبل إنتهاء الجلسة التى صدر فيها الحكم عليه فى غيبته ، وجب إعادة نظر الدعوى فى حضوره " وما نصت عليه المادة 86 من قانون المرافعات من أنه : " إذا حضر الخصم الغائب قبل إنتهاء الجلسة إعتبر كل حكم صدر عليه فيها كأن لم يكن " وما نصت عليه المادة 99 منه من حق المحكمة بتوقيع غرامة على من يتخلف من العاملين بها أو من الخصوم عن تنفيذ قرارات المحكمة ثم أجاز المشرع للمحكمة إقالة المحكوم عليه من الغرامة كلها أو بعضها إذا أبدى عذرا مقبولا ، وما نصت عليه المادة 104 من ذات القانون على حق المحكمة فى الحكم بعقوبات عينتها المادة على من يخل بنظام الجلسة و حقها إلى ما قبل إنتهاء الجلسة فى الرجوع عن الحكم ، وما نصت عليه المادة التاسعة من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 من حق المحكمة فى العدول عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر .

( الطعن رقم 5736 لسنة 58 - جلسة 1989/01/05 - س 40 ص 5 ق 1 ) 

4- يدل نص المادة التاسعة من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية والصادر برقم 25 لسنة 1968 على أن حكم الإثبات لا يحوز حجية الأمر المقضى طالما قد خلت أسبابه من حسم مسألة أولية متنازع عليها بين الخصوم وصدر بالبناء عليها حكم الإثبات ، ومن ثم يجوز للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات إذا ما وجدت فى أوراق الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها للفصل فى موضوع النزاع ، كما أن لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بعد تنفيذه ، والمشرع وأن تطلب فى النص المشار إليه بيان أسباب العدول عن إجراء الإثبات فى محضر الجلسة . وبيان أسباب عدم الأخذ بنتيجة إجراء الإثبات الذى تنفذ فى أسباب الحكم إلا أنه لم يرتب جزءاً معيناً على مخالفة ذلك فجاء النص فى هذا الشأن تنظيمياً .

( الطعن رقم 1706 لسنة 52 - جلسة 1986/05/15 - س 37 ع 1 ص 561 ق 117 ) 

5- الأحكام الصادرة بإجراءات الإثبات لا تعتبر أحكاماً قطعية ولا تحوز حجية الأمر المقضى فيجوز للمحكمة العدول عنها بعد إصدارها وقبل تنفيذها وذلك ما لم تتضمن تلك الأحكام فصلاً فى حق من الحقوق إذ تكون بذلك حجة فيما فصلت فيه منها ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية .

( الطعن رقم 1568 لسنة 51 - جلسة 1985/04/29 - س 36 ع 1 ص 703 ق 146 )

6- لما كان مؤدى ما تقضى به المادة التاسعة من قانون الإثبات رقم 1968/25 من أنه يجوز للمحكمة ألا تأخذ بنتيجة إجراء الإثبات بشرط أن تبين أسباب ذلك فى حكمها وعلى ما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة أن القاضى غير مقيد بما يكون قد شف عنه حكم الإثبات من إتجاه فى الرأى ومن ثم فلا يحوز قوة الأمر المقضى بحيث يجوز للمحكمة ألا تأخذ بما أسفر عنه تنفيذ ما أمرت به من إجراءات الإثبات على أن يتضمن الحكم الصادر فى الموضوع أسباب العدول .

( الطعن رقم 698 لسنة 49 - جلسة 1984/12/17 - س 35 ع 2 ص 2135 ق 405 ) 

7- النص فى المادة 9 من قانون الإثبات على أن للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين ذلك فى حكمها " يدل على أن الأحكام الصادرة بإجراءات الإثبات لا تعتبر أحكاماً قطعية ولا تجوز حجية الأمر المقضى فيجوز للمحكمة العدول عنها بعد إصدارها قبل تنفيذها وإذا هى نفذتها بالنتيجة التى أدت إليها وذلك ما لم تتضمن تلك الأحكام فصلاً فى حق من الحقوق ، إذ تكون بذلك حجية فيما فصلت فيه منها ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية .

( الطعن رقم 18 لسنة 45 - جلسة 1980/01/26 - س 31 ع 1 ص 286 ق 60 )

8- الحكم الصادر قبل الفصل فى الموضوع لا يقيد المحكمة عند الفصل فى الموضوع إلا أن يكون قد فصل فصلاً لازماً فى شق من النزاع تستنفذ به المحكمة ولايتها وفيما عدا ذلك فإن المحكمة تكون عقيدتها من مجموع الوقائع والأدلة وأوجه الدفاع المقدمة إليها تقديماً صحيحاً. وإذ يبين من الحكم الصادر بإحالة الدعوى إلى التحقيق أن المحكمة لم تفصل فى الموضوع أو فى شق منه أو قالت كلمتها قاطعة فى شأن عدم كفاية الأدلة المقدمة للإثبات بعد استعراض تلك الأدلة أو مناقشتها فلا تكون قد استنفدت ولايتها فى هذا الشأن ويكون لها أن تحكم فى الموضوع من مجموعة الأدلة التي طرحت عليها طرحاً صحيحاً، وإذ كانت المادة التاسعة من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 تنص على أن للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر وذلك حتى لا يلزم القاضي بتنفيذ إجراء لم يعد يرى ضرورة له ما دام غير مقيد فى حكمه فى الموضوع بما يسفر عنه هذا الإجراء وكان المطعون عليهم كما ورد بالحكم قد تنازلوا عن حكم التحقيق، فإن النعي على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون والتناقض يكون على غير أساس.

( الطعن رقم 895 لسنة 44 - جلسة 1978/06/22 - س 29 ع 1 ص 1520 ق 293 ) 

9- الحكم بتحقيق الدعوى سواء أكان بندب خبير أو بأى طريق آخر لا يحوز حجية بالنسبة لما يثيره من وجهات نظر قانونية أو إفتراضات موضوعية ما دام لم يتضمن حسماً لخلاف بين الخصوم و يجوز العدول عنه والإلتفات عما تضمنه من أراء قانونية أو إفتراضات واقعية بقصد إنارة الطريق أمام التحقيق المأمور به حتى تتهيأ الدعوى للفصل فى موضوعها .

( الطعن رقم 754 لسنة 40 - جلسة 1978/01/25 - س 29 ع 1 ص 309 ق 63 )

شرح خبراء القانون

سلطة القاضي في الإثبات :

تخضع سلطة القاضي بالنسبة للإثبات للقواعد التالية :

أولاً : ليس للقاضي جمع أدلة الإثبات : فليس للقاضي البحث عن الوسائل التي تكشف له عن حقيقة الوقائع المقدمة له كما أنه ليس علی القاضى تكليف الخصوم بإقامة الدليل على ما قدموه من وقائع ، فالإثبات يتم بالوسائل التي يقدمها أو يقترحها الخصوم .

على أن هذا المبدأ يرد عليه إستثناءان :

1- خول القانون للقاضي بعض السلطات التي تمكنه من تكملة ورقابة عمل الخصوم في الإثبات ، حتى لا يتمكن الخصوم من إخفاء الحقيقة عنه. ويزداد هذا الإتجاه في التشريع الحديث نتيجة لإعتبار الخصومة من أنظمة القانون العام . ونجد تطبيقات لهذا الإتجاه في قانون الإثبات المصري بالنسبة لشهادة الشهود والإستجواب واليمين المتممة والمعاينة والخبرة ، إذ للمحكمة أن تأمر بأي إجراء منها من تلقاء نفسها . ومن المقرر أن الأمر بالإجراء في هذه الأحوال جوازي للمحكمة حسب تقديرها ، فإن رأت عدم إستعمال سلطتها فليس للخصم أن يعيب عليها هذا ولا معقب عليها من محكمة النقض .

2- وفقاً لمبدأ أن الأدلة المقدمة تعتبر ملكاً للقضية ، يستطيع القاضى إستعمال أدلة الإثبات المقدمة من الخصوم لكى يستخلص منها نتائج تكون إقتناعه دون التقيد بما أراده الخصم عند تقديم الدليل .

ثانياً : للقاضى حرية تقدير الأدلة : ونتيجة لهذا :

1- لقاضي الموضوع السلطان المطلق في تقدير كل دليل أو مستند يقدم إليه لكي لا يبني حكمه إلا على الدليل الذي يطمئن إليه وجدانه وشعوره . ولهذا لا تجوز المجادلة أمام محكمة النقض في تقدير محكمة الموضوع لشهادة شاهد اطمأنت إليه ، أو لتقرير خبير أخذت به محكمة الموضوع للأسباب الواردة به. كذلك لا تجوز المجادلة في إستنباط محكمة الموضوع للقرائن القضائية في الدعوى. على أن هذه السلطة يرد عليها قيدان .

(أ) بالنسبة لأدلة الإثبات القانوني ، كالإقرار ، لا يستطيع القاضي تقدير الدليل بل تنحصر سلطته في التأكد من توافره . وعندئذ عليه إعمال أثره ، إذ يحل محل تقدير القاضي تقدير مسبق للمشرع لهذا الأثر .

(ب) الحرية لا تعني التعسف وانما تعني إستعمال المنطق والإحساس وخبرة الحياة من أجل تقدير معنى الدليل وفاعليته في الإقناع . ولهذا فان تقدير القاضي يجب - لكي لا يخضع لرقابة النقض - أن يكون تقديراً يستند إلى أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي إنتهت إليها . فليس له في تقدير أقوال الشهود أن يستند إلى ما يخرج بها عما يؤدي إليه مدلولها ، أو ما يتضمن تحريفاً لها ، أو ما ينبني على مخالفة للثابت من الأوراق . فإن فعل هذا وظهر من حكمه ، كان لمحكمة النقض أن تعمل رقابتها . وتطبيقاً لهذا حكم بأنه إذا تمسك المشهود عليه بوجود عداوة بينه وبين الشاهد تمنع من ترجيح صدقه ، وقدم الدليل على ذلك ، تعين على القاضي أن يورد دفاعه ويمحصه ويقول كلمته فيه قبل أن يطمئن إلى صدق الشاهد ويأخذ بشهادته وإلا كان حكمه مشوباً بالقصور المبطل ولا يكفيه القول بأن تقدير أقوال الشهود أمر يستقل به قاضي الموضوع. كما حكم بأنه إذا قدم للقاضي حكم قضائي كمستند في الدعوى ، فإن له سلطة تفسير الحكم الذي يحتج به ، شأنه شأن تفسير سائر المستندات التي تقدم إليه ، فله أن يأخذ بالتفسير الذي يراه مقصوداً منه ، ولكن بشرط أن يبين في حكمه الإعتبارات المؤدية إلى التفسير الذي ذهب إليه ، وألا يكون ذلك مخالفاً لما ورد بمنطوق الحكم وأسبابه المكملة له .

2 ـ لقاضي الموضوع ، في تقديره للأدلة ، أن يوازن بينها مفضلاً بعضها على بعض فيأخذ ببعضها الذي اطمأن إليه ويطرح ما عداه مما لم يطمئن إليه ، وذلك دون رقابة لمحكمة النقض . ولا يلتزم قاضي الموضوع في هذا الشأن بإبداء أسباب ترجيحه دليلاً على دليل ، كما أنه لا يلتزم بالرد إستقلالاً على الأدلة التي لم يأخذ بها ، مادام حكمه يقوم على أسباب تكفي لحمله وتسويغ النتيجة التي إنتهى إليها . ولمحكمة الموضوع هذه السلطة ولو كان الدليل الذي طرحته هو نتيجة إجراء أمرت به . على أنه وفقاً للمادة 9 إثبات على المحكمة إذا لم تأخذ بنتيجة الإجراء الذي أمرت به أن تبين أسباب ذلك في حكمها . وتطبيقاً لذلك ، للمحكمة ، إذا كلفت خصماً بإثبات دعواه بالبينة فعجز ، أن تحكم في الدعوى لصالحه مادامت قد أقامت قضاءها على أدلة كافية .

لقاضي الموضوع سلطة تقدير كفاية الأدلة التي يقيم عليها قضاءه دون رقابة لمحكمة النقض ، مادامت هذه الأدلة تؤدي إلى النتيجة التي إستخلصها منها ونتيجة لهذا ، فإن محكمة الموضوع ليست ملزمة بإجابة الخصم إلى أي طلب يتعلق بالإثبات متى رأت في ظروف الدعوى والأدلة المقدمة فيها ما يكفي لتكوين عقيدتها  وذلك إلا إذا تعلق الأمر بدفاع جوهري من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى ، إذ يعتبر علم إجابته إخلالاً بحق الدفاع .

على أن سلطة المحكمة في قبول الطلب أو رفضه لا يعني أن لها تجاهله . فعلى المحكمة إذا قدم لها أي طلب باجراء من إجراءات الاثبات أن تقبله أو ترفضه . فإن هي أغفلته رغم جوهريته - ولم ترد عليه ، كان حكمها مخالفاً للقانون . وتطبيقاً لهذا حكم بأنه إذا تمسك المدعى عليه بصورية عقد البيع سند الدعوى وطلب إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات هذا الدفاع ، إلا أن الحكم أغفل هذا الدفاع ولم يعن بفحصه وتمحيصه رغم كونه دفاعاً جوهرياً من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى وقضى بتأييد الحكم إستناداً إلى ما لا يواجه هذا الدفاع أو يحمل رداً يغني عن بحثه وتحقيقه ، فإن الحكم يكون معيباً بالقصور في التسبيب المبطل .

للقاضي العدول عما أمر به من إجراءات الإثبات : (مادة 9 من قانون الإثبات) : فللقاضي أن يأمر بإجراء من إجراءات الإثبات ثم يعدل عنه ولا ينفذه . وعلة هذا أنه قد تقدم بعد الأمر بإجراء ما أدلة إثبات أخرى تغنى عن الدليل الذي أمر القاضي بالإجراء المتعلق به ، وتكون هذه الأدلة الأخرى كافية لتكوين إقتناعه ، أو قد يتبين للقاضي أن في الدعوى من الأدلة الأخرى ما فيه الغناء . وليس هناك معقب على محكمة الموضوع في ذلك . على أنه وفقاً للمادة 9 إثبات على المحكمة أن تبين أسباب عدولها عن الإجراء الذي أمرت به ، وأن يرد هذا البيان في محضر الجلسة. ومن ناحية أخرى ، ليس للقاضي العدول عما أمر به من إجراء إذا كان حكمه يتضمن فصلاً في حق من الحقوق . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية،  الجزء : الثاني ،  الصفحة :  124 )

إشترطت المادة التاسعة من قانون الإثبات على المحكمة إذا عدلت عن إجراء الإثبات أو لم تأخذ بنتيجته يجب عليها أن تبين أسباب ذلك في حكمها لأنها في الحالة الأولى قد أكسبت من صدر الحكم لصالحه حق الإثبات فلا يصح العدول عن ذلك إلا بإبداء أسبابه ليقتنع من صدر الحكم لصالحه أن العدول أقيم على أسباب سليمة وكذلك في الحالة الثانية وهي عدم الأخذ بنتيجته من باب أولى ولا يخفى أن العدول عن إجراء الإثبات أو عدم الأخذ بنتيجته قد يكون سببه أدلة قوية تقتضى ذلك كأوراق أو مستندات وقد يكون العدول عن الإجراء لمصلحة صاحب الحق فيه إذا أغنت تلك الأدلة عنه . وهنا تكون الأسباب لإقناع الخصم الآخر الذي له حق النفي وجاء في نص المادة 9 أن أسباب العدول عن الإجراء تبين في المحضر وأسباب العدول عن النتيجة تبين في الحكم . ( رسالة الإثبات المستشار أحمد نشأت الطبعة السابعة ص 91 )

ويؤخذ من عبارة المادة 9 من قانون الإثبات التي أقرت حق المحكمة في أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر أي محضر الجلسة أنه لا يلزم صدور حكم من المحكمة بالعدول عما حكمت به من الإحالة على التحقيق أو أمرت به من إجراءات الإثبات وإنما يكفي أن تقرر المحكمة العدول عن ذلك وأن الحكم في هذه الحالة لا يقبل الطعن بأن طريق وإنما يكون للخصوم عند الطعن في الحكم الصادر في الدعوى أن يعيبوا على المحكمة عدم تسبيبها لذلك العدول أو اضطراب هذا التسبيب لذلك العدول أو إضطراب هذا التسبيب أو عدم كتابته مما قد يقيدهم في الدفاع عن وجهة نظرهم ويلاحظ أن حق المحكمة في العدول عما أمرت به من إجراءات الإثبات قاصر على هذه الحقوق فلا يتعدى إلى ما قد تكون المحكمة قد أصدرته من أحكام بإتخاذ إجراءات الإثبات إذا كانت هذه الأحكام قد تضمنت قضاءً قطعياً في مسألة تتعلق بجواز الإثبات أو عدم جوازه. فإذا كانت في حكمها بالإحالة على التحقيق قد فصلت في أن للمدعى الحق في إثبات دعواه بشهادة الشهود فإنها لا تملك بعد ذلك العدول عن هذا الحكم لأنه لا يقتصر على اتخاذ إجراءات إثبات وإنما يتضمن فضلاً عن ذلك حكماً قطعياً في جواز أو عدم جواز الإثبات بهذا الطريق وكذلك أجازت المادة حق إطراح نتيجة الإثبات إذا لم ترتح إلى ما شهد به الشهود أو انتهى إليه الخبير ولها أن تتلمس طريقاً آخر لتكوين عقيدتها وبحسب الخصوم ضمانة أن القانون قد إشترط لإطراح نتيجة الإجراء أن تبين المحكمة في حكمها الأسباب التي دعتها إلى ذلك ليفتح لهم بذلك سبيل مناقشة هذه الأسباب إذا ما طعنوا في الحكم الصادر في الدعوى بطريق الطعن الذي يقبله . ( قواعد المرافعات في التشريع المصرى والمقارن للأستاذ محمد العشماوي والدكتور عبد الوهاب العشماوى الجزء : الثاني ص 485 ومابعدها )

جزاء مخالفة نص المادة 9 من قانون الإثبات :

ذهب رأي في الفقه أن نص المادة 9 من قانون الإثبات لم يرتب جزاءاً معيناً صريحاً عند مخالفتها ولكن هذا لا يعني أن نصها قد جاء تنظيمياً فعدم تنفيذ إجراء إثبات أمرت به المحكمة أو عدم الأخذ بنتيجة إجراء أمرت به يتطلب بيان أسباب ذلك في الحالتين وإلا تكون المحكمة قد أخلت بحقوق الدفاع لأن عدم تنفيذ إجراء التحقيق أو عدم الأخذ بنتيجة الإجراء يتعلق بدفاع جوهري قد يكون من شأنه أن يتغير به وجه الرأي في الدعوى كما وأنه إذا خلت أسباب الحكم من الإجابة على التساؤل بصدد عدم تنفيذ حكم الإثبات أو عدم الأخذ بنتيجة التحقيق وكان هذه أو ذاك يعد دفاعاً جوهرياً للخصم فإنه يكون قابلاً للطعن بالنقض لقصور في أسبابه وخلص هذا الرأي إلى أن عدم تنفيذ حكم إثبات أو عدم الأخذ بنتيجة إجراء إثبات هو من مدونات الحكم ومن جزيئات أسبابه التي تحكمها القواعد العامة في تسبيب الأحكام مراعاة لحقوق الدفاع حتى تأتي الأحكام ناطقة بعد الإنتهاء وإلا كانت باطلة . ( الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات في الطبعة الثانية 1981 ص 63 ومابعدها )

كما قيل بأن المشرع أوجب على المحكمة أن تذكر أسباب عدولها عن تنفيذ ما أمرت به من إجراءات الإثبات وأسباب عدم الأخذ بنتيجة الإجراء على أن تذكر الأسباب في الحالة الأولى في المحضر وفي الحالة الثانية تفكر في الحكم إذ يجب أن تناقش أسباب الحكم النتائج المستخلصة من التحقيقات ومن المستندات والأدلة المقدمة في الدعوى وخضوع قضاء المحكمة في هذا الصدد لرقابة محكمة النقض فإن هي أهملت ذکر الأسباب في أي حالة من الحالتين السابقتين كان الحكم قابلاً للطعن بالنقض ويصبح الحكم في الموضوع في الحالة الأولى باطلاً لبنائه على حكم صادر قبله لم يسبب إذ القانون يستلزم تسبيب الحكم الخاص بالإثبات عندما تعدل المحكمة عن إجراءات سابقة ويترتب على عدم التسبيب هنا البطلان ويستتبع البطلان هنا بطلان الحكم الصادر في الموضوع بناءاً عليه كنتيجة له أما في الحالة الثانية فيكون الحكم في الموضوع باطلاً لقصور أسبابه لكن لمحكمة الموضوع أن تقدر ظروف الدعوى كما تشاء دون رقابة عليها من محكمة النقض كما أن تقدير الدليل فهو من المسائل التي تستقل محكمة الموضوع بها متى كان ذلك بأسباب سائغة " ( البيان في شرح قانون الإثبات للأستاذين صلاح حمدي ولبيب حليم الطبعة الأولى ص 44 ومابعدها )

ولكن قضاء محكمة النقض قد استقر على أن هذا النص قد جاء تنظيمياً ولم يرتب جزاءاً معيناً على مخالفته وقد إستقرت أحكامها على هذا المبدأ .

حالات يتقيد فيها القاضي بنتيجة الحكم التمهيدي :

يتقيد القاضي بنتيجة تنفيذ الحكم التمهيدي إذا كان مضمونه أمراً بحضور أحد الخصوم شخصياً أو بإستجوابه عن وقائع معينة وأدى هذا الإجراء إلى إقراره بحق خصمه ففي هذه الحالة يتقيد القاضي بهذا الإقرار لأنه دليل كامل لا سلطان للقاضي في تقديره كذلك إذا وجهت المحكمة اليمين الحاسمة إلى أحد الخصوم تقيد القاضي أيضاً بنتيجة حلفها أو ردها أو النكول عنها .

( الدكتور أحمد الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية ص 71 ) . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه،  طبعة 2014، 2015 دار محمود،  المجلد :  الأول ، الصفحة : 178 )

إبتغي المشرع من ذلك ألا يلزم القاضي بتنفيذ إجراء لم يعد يري ضرورة له خصوصاً أنه غير مقيد في حكمه في الموضوع بما يسفر عنه تنفيذ هذا الإجراء ، كما أنه ليس أبغض إلي نفس القاضي من حملة على تنفيذ إجراء لم يعد يرى له ضرورة ، ومن العبث وضياع الوقت والجهد الإصرار على تنفيذ إجراء إتضح للمحكمة أنه غير مفيد أو غير منتج ، هذا فضلاً عن أن جميع الأحكام الصادرة أثناء سير الدعوى ولا تنتهي بها الخصومة لا يجوز الطعن فيها إلا بعد صدور الحكم المنهي للخصومة كلها وذلك عملاً بالمادة 212 مرافعات - عدا الحالات المستثناة بنص تلك المادة - فيجوز للقاضي أن يقضي في موضوع الدعوى برأي مخالف لما كشف عنه حكمه التمهيدي . فالحكم الصادر بتعيين خبير لتقدير الريع لا يفيد تقرير المسئولية عن هذا الريع ، بل يبقي للمحكمة رغم صدور هذا الحكم وتنفيذ حق النظر في أصل النزاع ، وعلى ذلك فليس من اللازم للعدول عن الحكم الصادر باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات إصدار حكم مستقل إنما يكفي النطق به وإثبات أسبابه في المحضر ، أما بالنسبة لعدم أخذ المحكمة بما أسفر عنه تنفيذ ما أمرت به من إجراءات الإثبات فيجب أن يتضمن الحكم الصادر في الموضوع أسباب العدول .

وقد ذهب بعض الشراح إلى أن عدم بيان أسباب العدول عن إجراء الإثبات في محضر الجلسة ، وكذا عدم بيان أسباب عدم الأخذ بنتيجة إجراء الإثبات الذي تنفذ في أسباب الحكم يترتب عليه البطلان ( الإثبات للدكتور أبو الوفا ص 75، ومحمد عبد اللطيف ، الجزء الأول ص 64 ) ، غير أن محكمة النقض قضت في حكم حديث لها بعكس هذا الرأي وقررت بانتفاء البطلان وحجتها في ذلك أن هذا النص تنظيمي ولا يترتب على مخالفته أي بطلان ( راجع حكم النقض رقم 4). غير أنها عادت في حكمين لاحقين وقضت بأن المحكمة لا تلتزم ببيان أسباب العدول إذا كانت قد أمرت باتخاذ إجراء الإثبات من تلقاء نفسها دون طلب من الخصوم ، ومؤدي ذلك أنها إذا كانت قد أمرت بإتخاذ الإثبات ، بناء على طلب الخصوم فيتعين عليها أن تبين سبب العدول وحجتها في ذلك أنه لا يتصور في هذه الحالة أن يمس العدول أي حق للخصوم مما لا يلزم معه ذكر أي تبرير .

وغني عن البيان أن عدول المحكمة عن حكمها الذي أمرت فيه بإجراء من إجراءات الإثبات مقيد بألا يكون هذا الحكم قد تضمن قضاءً قطعياً في مسألة تتعلق بجواز الإثبات أو عدم جوازه ، فإذا كانت المحكمة قد فصلت في حكمها الذي أمرت فيه بالإحالة إلى التحقيق في أمر جواز إثبات الواقعة موضوع التحقيق بشهادة الشهود فإنها لا تملك العدول عن هذا الحكم لأنه لم يقتصر علي الأمر بإجراء التحقيق فحسب بل تضمن أيضاً قضاءً قطعياً بجواز الإثبات بهذه الوسيلة.

وإذا أصدرت المحكمة حكماً بالإستجواب فصلت في أسبابه في تكييف العقد بأنه وصية لا يجوز لها العدول عنه لأنه قضاء قطعي في هذا الأمر .

ويجوز للمحكمة من باب أولي بدلاً من بيان أسباب العدول بمحضر الجلسة أن تبنيه في أسباب حكمها ، فإن ذلك يكون أكثر تحقيقاً لمراد الشارع . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية،  الجزء : الأول ،  الصفحة : 86 )

حق المحكمة في العدول عن الحكم التمهيدي وعدم الأخذ بنتيجة الإجراء :  

أجاز النص للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر ، كما أجاز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين أسباب ذلك فى حكمها فالمحكمة إذا كانت قد قضت بالإحالة إلى التحقيق مثلاً ، كان لها أن تعدل عن هذا الحكم فلا تقوم بتنفيذه وإذا كانت قد باشرت التحقيق كان لها ألا تأخذ بنتيجة التحقيق .

ويبرر هذا أن العدول عن حكم الإثبات قد يكون لأن المحكمة رأت بالدعوى أدلة قوية تقتضى ذلك كأوراق أو مستندات .

وقد يكون العدول عن التحقيق لمصلحة صاحب الحق فيه إذا أغنته تلك الأدلة عنه .

وكذلك في الحالة الثانية وهي عدم الأخذ بنتيجته من باب أولى .

ويضاف إلى ذلك ما جاء بالمذكرة التفسيرية لقانون المرافعات الملغي، من أنه ليس أبغض إلى نفس القاضي من حمله على تنفيذ إجراء لم يعد له ضرورة ، ومن العبث وضياع الوقت والجهد الإصرار على تنفيذ إجراء اتضح للمحكمة أنه غير مفيد أو غير منتج ، هذا فضلاً عن أن تلك الأحكام لم يعد جائزاً الطعن فيها إلا مع الطعن في الحكم الصادر في الموضوع .

وقد إشترطت المادة إذا عدلت المحكمة عن إجراء الإثبات ، أن تبين أسباب ذلك في محضر الجلسة ، ويجوز أن تكون هذه الأسباب في أسباب الحكم الصادر في الموضوع من باب أولى، والسبب في ذلك أن المحكمة قد أكسبت من صدر لصالحه حق الإثبات فلا يصح العدول عن ذلك إلا بإبداء أسبابه ليقتنع من صدر الحكم لصالحه أن العدول قد أقيم على أسباب سليمة. وكذلك في الحالة الثانية وهي عدم الأخذ بنتيجة التحقيق من باب أولى ، والتي يتعين عليها فيها أن تبين في أسباب حكمها أسباب عدم أخذها بها .

أما إذا كان الحكم التمهيدي عبارة عن قضاء قطعی کالفصل في جواز الإثبات بطريق معين من طرق الإثبات (الكتابة أو شهادة الشهود مثلاً) أو الفصل في مسئولية المدعى عليه أو عدمها أو في مسألة تثار قبل إصدار الحكم التمهيدي كالاختصاص وعدمه وقبول الدعوى وعدم قبولها أو صفات الخصوم فإن الفصل في ذلك يعتبر حكماً قطعياً وإن جاء في الأسباب فقط غير ظاهر صراحة في المنطوق ، وقيل إن مثل هذا الحكم يعتبر قضاء مزدوجاً يحتوى في منطوقه على قرار باتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات وفي أسبابه على حكم قطعي في مسألة من مسائل الدعوى .

لا إلتزام ببيان أسباب العدول إذا كانت المحكمة هي التي اتخذت إجراءات الإثبات من تلقاء نفسها :

إيجاب بيان أسباب العدول عن إجراء الإثبات بمحضر الجلسة لا ينصرف إلا إلى إجراءات الإثبات التي اتخذت بناء على طلب الخصوم ، أما إذا كانت المحكمة هي التي أمرت به من تلقاء نفسها دون طلب فهي تملك العدول عنه دون ذكر أسباب العدول إذ لا يمس العدول في هذه الحالة أي حق للخصوم مما لا يلزم ذكر أي تبرير له .

جزاء مخالفة حكم المادة :

رأينا أن المادة نصت على حكمين أولهما : أنه إذا عدلت المحكمة عما أمرت به من إجراءات الإثبات فعليها أن تبين أسباب العدول بالمحضر . وثانيهما : أن المحكمة إذا لم تأخذ بنتيجة إجراء من إجراءات الإثبات فعليها أن تبين أسباب ذلك في حكمها .

غير أن النص لم يضع ثمة جزاء على مخالفة هذين الحكمين ، ومن ثم فإن النص يضحي نصاً تنظيمياً ، ولا يترتب على مخالفة هذين الحكمين ثمة جزاء .

حالتان يتقيد فيهما القاضي بنتيجة الحكم التمهيدي :

يتقيد القاضي بنتيجة الحكم التمهيدي في حالتين :

الأولى : إذا كان خاصاً باستجواب أحد الخصوم عن وقائع معينة وأدى هذا الإجراء إلى إقراره بحق خصمه ففي هذه الحالة يتقيد القاضي بهذا الإقرار لأنه دليل كامل لا سلطان للقاضي في تقديره .

الثانية : إذا وجهت المحكمة اليمين الحاسمة إلى أحد الخصوم يتقيد القاضي بنتيجة حلفها أوردها أو النكول عنها . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود،  المجلد : الأول  ،  الصفحة  : 323 ) 

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة:45    

(مادة 13) :

 للمحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات ، بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر ، ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء ، بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها . 

(م (9) إثبات مصري، وانظر المادة (8) - (2) و (3) إثبات سوداني) .

 المذكرة الإيضاحية : 

 

يقصد بهذه المادة عدم إلزام القاضي بتنفيذ إجراء لم يعد يرى ضرورة له ، وبخاصة وهو غير مقيد في حكمه في الموضوع بما يسفر عنه تنفيذ هذا الإجراء ؛ إذ من العبث وضياع الوقت والجهد الإصرار على تنفيذ إجراء تبين للمحكمة أنه غير منتج ، وليس من اللازم للعدول عن الحكم الصادر بإتخاذ إجراء من إجراءات الإثبات - إصدار حكم مستقل ، إنما يكفي النطق به وإثبات أسبابه في المحضر ، أما في حالة عدم أخذ المحكمة بها أسفر عنه تنفيذ ما أمرت به من إجراءات الإثبات ، فيجب أن يتضمن الحكم الصادر في الموضوع أسباب العدول . 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 78

اعْتِبَارُ الْفِرَاسَةِ مِنْ وَسَائِلِ الإْثْبَاتِ:

لِلْمُتَفَرِّسِ الْمُؤْمِنِ الأْخْذُ بِفِرَاسَتِهِ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى مَحْظُورٍ شَرْعِيٍّ.

أَمَّا فِيمَا يَتَّصِلُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْفِرَاسَةِ مِنْ وَسَائِلِ الإْثْبَاتِ فِي الْقَضَاءِ أَوْ عَدَمِ اعْتِبَارِهَا:

فَذَهَبَ الطَّرَابُلُسِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْعَرَبِيِّ

وَابْنُ فَرْحُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْحُكْمِ بِالْفِرَاسَةِ؛ لأَِنَّهُ حُكْمٌ بِالظَّنِّ وَالْحَزْرِ وَالتَّخْمِينِ، وَوُصِفَ الْحَاكِمُ الَّذِي يَعْتَمِدُ ذَلِكَ فِي أَحْكَامِهِ بِالْفِسْقِ وَالْجَوْرِ، لأِنَّ الظَّنَّ يُخْطِئُ وَيُصِيبُ، وَلأِنَّ مَدَارِكَ الأْحْكَامِ مَعْلُومَةٌ شَرْعًا مُدْرَكَةٌ قَطْعًا، وَلَيْسَتِ الْفِرَاسَةُ مِنْهَا.

وَذَهَبَ قَاضِي الْقُضَاةِ الشَّامِيُّ الْمَالِكِيُّ بِبَغْدَادَ إِلَى الأْخْذِ بِالْفِرَاسَةِ وَالْحُكْمِ بِهَا، جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي قَضَائِهِ، وَذَهَبَ إِلَى هَذَا ابْنُ الْقَيِّمِ وَقَالَ: وَلَمْ يَزَلْ حُذَّاقُ الْحُكَّامِ وَالْوُلاَةِ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ بِالْفِرَاسَةِ وَالأْمَارَاتِ، فَإِذَا ظَهَرَتْ لَمْ يُقَدِّمُوا عَلَيْهَا شَهَادَةً تُخَالِفُهَا وَلاَ إِقْرَارًا.

مَقَايِيسُ الْفِرَاسَةِ:

الْفِرَاسَةُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ مِنَ الْمَعْرِفَةِ تَحْصُلُ لِلإِْنْسَانِ دُونَ سَبَبٍ، فَهِيَ ضَرْبٌ مِنَ الْحَدْسِ، وَنَوْعٌ يَكُونُ نَتِيجَةَ التَّعَلُّمِ وَالتَّجْرِبَةِ.

أَمَّا الأْوَّلُ فَلَيْسَتْ لَهُ مَقَايِيسُ يَسْتَعْمِلُهَا الْمُتَفَرِّسُ، وَإِنَّمَا تَتِمُّ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ بِنُورِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ النَّبَوِيِّ السَّابِقِ، وَمِنْ شُرُوطِهَا الاِسْتِقَامَةُ وَغَضُّ النَّظَرِ عَنِ الْمَحَارِمِ، فَإِنَّ الْمَرْءَ إِذَا أَطْلَقَ نَظَرَهُ تَنَفَّسَتْ نَفْسُهُ الصُّعَدَاءَ فِي مِرْآةِ قَلْبِهِ فَطَمَسَتْ نُورَهَا (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ).

 وَالْحَقُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُجَازِي الْعَبْدَ عَلَى عَمَلِهِ مِنْ جِنْسِهِ، فَمَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ عَوَّضَهُ إِطْلاَقَ نُورِ بَصِيرَتِهِ، قَالَ الْبَعْضُ: مَنْ غَضَّ بَصَرَهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَكَفَّ نَفْسَهُ عَنِ الشَّهَوَاتِ، وَعَمَّرَ بَاطِنَهُ بِالْمُرَاقَبَةِ، وَتَعَوَّدَ أَكْلَ الْحَلاَلِ، لَمْ تُخْطِئْ فِرَاسَتُهُ، فَكُلَّمَا زَادَتْ تَقْوَى الْمُؤْمِنِ أَلْهَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى التَّبَصُّرَ بِالأْمُورِ وَسُرْعَةَ الْفَهْمِ، فَكَانَتْ فِرَاسَتُهُ أَثْبَتَ مِمَّنْ كَانَ أَقَلَّ تَقْوَى مِنْهُ؛ لأِنَّ هَذَا النَّوْعَ لاَ يَعْتَمِدُ فِيهِ الْمُتَفَرِّسُ عَلَى عَلاَمَاتٍ مَحْسُوسَةٍ.

وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي، وَهُوَ الْفِرَاسَةُ الْمُكْتَسَبَةُ، فَإِنَّهَا تَنْطَلِقُ مِنْ مُلاَحَظَةِ الصِّفَاتِ الظَّاهِرَةِ فِي أَبْدَانِ النَّاسِ، وَتَتَبُّعِ حَرَكَاتِهِمْ لِلتَّعَرُّفِ مِنْ خِلاَلِهَا عَلَى أَحْوَالِهِمُ الْبَاطِنَةِ، وَهِيَ وَإِنِ اشْتَرَكَتْ مَعَ النَّوْعِ الأْوَّلِ فِي بَعْضِ هَذَا فَإِنَّهَا تَخْتَلِفُ عَنْهَا بِمَا وَضَعَهُ لَهَا الْقَائِلُونَ بِهَا مِنْ مَقَايِيسَ وَعَلاَمَاتٍ.

عَلَى أَنَّ الأْحْكَامَ الْمُتَوَصَّلَ إِلَيْهَا بِالْفِرَاسَةِ ظَنِّيَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يُصَدِّقَهَا الْوَاقِعُ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْهَا أَوْ عَكْسُهَا.

وَفِي كُلِّ الأْحْوَالِ فَإِنَّهُ لاَ تَأْثِيرَ لَهَا فِي حَيَاةِ النَّاسِ بِالتَّفَاؤُلِ أَوِ التَّشَاؤُمِ وَالشُّعُورِ بِالشَّقَاءِ أَوِ السَّعَادَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُسْتَعْمَلَ فِيمَا يَنْفَعُ النَّاسَ فِي حُدُودِ مَا أَجَازَهُ الشَّرْعُ.

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩