مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 395 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 15 من قانون الإثبات :
1- الأصل في الورقة العرفية أن تكون حجة قبل الكافة، فيما عدا التاريخ، فلا تكون له حجية بالنسبة للغير إلا أن يكون ثابتاً ويتفرع على ذلك :
(أ) أن تاريخ الورقة العرفية يعتبر حجة فيما بين المتعاقدين حتى يثبت العكس، شأنه من هذا الوجه شأن سائر ما يدون في هذه الورقة من البيانات ويتعين على من يريد تحصيل الدليل العكسي، في هذه الحالة، أن يلتزم أحكام القواعد العامة في ذلك. ومؤدى هذا وجوب التقدم بدلیل کتابى ، إذ لا يجوز نقض الثابت كتابة إلا بالكتابة .
(ب) وأن هذا التاريخ لا يكون حجة بالنسبة للغير ما لم تتوافر فيه ضمانات خاصة، قوامها إثباته، لكي يزول كل شك في صحته. وقد قصد من هذا الإستثناء إلى حماية الغير من خطر تقديم التاريخ في الأوراق العرفية. ويترتب على ذلك : ( أولاً ) أن المادة 530 من المشروع لا تطبق إذا كان الغير قد كفلت له الحماية بمقتضى نصوص خاصة، كالنصوص المتعلقة باشتراط التسجيل أو التسليم في تمليك المنقولات، أو إذا كان من يحتج عليه بالتاريخ قد إعترف بصحته صراحة أو ضمناً. أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته للواقع. ( ثانياً ) أن أحكام هذه المادة لا تنطبق إلا على الغير، ويقصد بذلك كل من لم يكن طرفاً في الورقة العرفية بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر، متى تمسك قبل من يحتج بتاريخ هذه الورقة بحق يضار فيما لو ثبتت صحة هذا التاريخ في مواجهته. ويستخلص من ذلك أن هذه الأحكام لا تطبق على من يكون بشخصه أو بنائبه طرفاً في الورقة العرفية. ولا على من يخلف هذا أو ذاك خلافة عامة من طريق الميراث أو الوصية، ولا على الدائنين عند مباشرتهم لدعاوی مدینهم ( الدعوى غير المباشرة ) إذ ليس لهؤلاء من الحقوق أكثر مما لهذا المدين .
2- أما وسائل إثبات التاريخ، فقد وردت في التقنين المصري (مادة 294) والتقنين الفرنسي (مادة 1328) على سبيل الحصر، تيسيراً لتثبت الغير من ذلك، ودفعاً لتحكم القضاء .
بيد أن الفقه ينعي على مذهب الحصر هذا جموده، ولا سيما أنه يقتضي بطبيعة الحال عدم التوسع في تفسير النصوص .
وقد توسع التقنين الإيطالي في بيان الوسائل التي تقدمت الإشارة إليها، وذكر من بينها، بوجه خاص، حالة طروء عجز جسماني يحول دون الكتابة ( كبتر الأعضاء أو الشلل الكلى ). أما التقنين المراكشي ( مادة 425 ) والمشروع الفرنسي الإيطالي ( مادة 283 ) فقد آثرا سرد هذه الوسائل على سبيل المثال، حتى يتيسر للقاضي أن يعتد بسائر ما لم يرد في النص من الأمارات البينة الدالة على أسبقية تاريخ الورقة العرفية .
بيد أنه ينبغي التنويه بأن كفالة الغرض الذي كان يرمي إليه التقنين المصرى والتقنين الفرنسي، وسد ذرائع التحكم، يوجبان على القاضي عدم الاجتزاء بتأسيس حكمه على وقائع يترجح معها مجرد إحتمال مطابقة التاريخ للواقع، ويقتضيانه تسبيب حكم وإسناده إلى وقائع قاطعة. ولذلك استظهر المشروع دلالة المقصود في هذا الشأن فنص على أن التاريخ يكون ثابتاً ومن يوم وقوع أي حادث مماثل من حيث الطبيعة يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوع هذا الحادث، محتذياً مثال المادة 425 من التقنين المراکشی .
3- (ومع ذلك، فللقاضي تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات).
وقد سبق أن أشار البعض بوجوب استثناء المخالصات من أحكام ثبوت التاريخ بمقتضى نص خاص، إستناداً إلى ما جرى عليه القضاء .
وقد أقر القضاء من عهد بعيد عرف التعامل في عدم اشتراط قيد المخالصات اقتصاداً للنفقات. بيد أن نطاق هذا العرف يتناول المخالصات العادية فحسب، دون المخالصات التي ترتب حقاً في الحلول. ولذلك احتاط المشروع الفرنسي الإيطالي (المادة 283 ) فجعل للقاضي سلطة تقدير يعتد في إعمالها بما يعرض من ظروف، وقد رئى احتذاء مثال هذا المشروع .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 530 من المشروع واقترح معالي السنهوري باشا إدماج الفقرة الثانية في الفقرة الأولى : وكذلك إدماج الفقرة (هـ) في الفقرة (د) مع إضافة عبارة تجعل حكم الفقرة (هـ) المدمجة حكماً عاماً بعد تخصيص. فوافقت اللجنة على كل ذلك وأصبح نص المادة النهائي ما يأتي :
1- لا تكون الورقة العرفية حجة على الغير في تاريخها إلا منذ أن يكون لها تاريخ ثابت، ويكون تاريخ الورقة ثابتاً :
أ- من يوم أن تقيد بالسجل المعد لذلك.
ب- من يوم أن يثبت مضمونها في ورقة أخرى ثابتة التاريخ .
ج- من يوم أن يؤشر عليها موظف عام مختص .
د- من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة، أو من يوم أن يصبح مستحيلاً على أحد من هؤلاء أن یكتب أو يبصم لعلة في جسمه. وبوجه عام من يوم وقوع حادث آخر يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه .
2- ومع ذلك يجوز للقاضي تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات.
وأصبح رقم المادة 408 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 408 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة دون تعديل و أصبح رقمها 395 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة دون تعديل .
1- المقرر – فى قضاء محكمة النقض – أنه ولئن كان إثبات المحرر فى ورقة رسمية يجعله ثابت التاريخ يوم إثباته بها من الموظف المختص ويكون هذا التاريخ حجة على الغير شأنه شأن إثباته بالسجل المعد لذلك بالشهر العقارى على ما تقضى به المادة 15 من قانون الإثبات إلا أن شرط من يتمسك بعدم الاحتجاج عليه بالمحرر غير الثابت التاريخ أو اللاحق إثبات تاريخه أن يكون هو حسن النية أى غير عالم بسبق حصول التصرف الوارد بهذا المحرر وإلا يكون قد اعترف بتاريخه صراحة أو ضمناً أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته للواقع ، ذلك أن الواقع حقيقة هو المستهدف لتبنى عليه الأحكام وما النصوص القانونية المتعلقة بالإثبات إلا وسيلة للوصول إلى هذا الهدف ، ومن ثم فإن هذه القاعدة بشروطها هذه هى التى يتعين إعمالها للتعرف على عقد الإيجار السابق عند إبرام أكثر من عقد عن ذات العين ليعتد به وحده دون العقد أو العقود اللاحقة التى نص القانون صراحة على بطلانها ووضع جزاء جنائياً على إبرامها فى المادة 76 من ذات القانون رقم 49 لسنة 1977 ولا يغير من انطباق هذه القاعدة فى هذه الحالة وما اشترطه المشرع بالفقرة الأولى من المادة 24 المذكورة من وجوب إبرام عقود الإيجار كتابة وإثبات تاريخها بمأمورية الشهر العقارى الكائنة بدائرتها العين المؤجرة لخلو النص من اشتراط أن يكون العقد الأول ثابت التاريخ لإعمال حكم الفقرة الرابعة من هذه المادة فى ترتيب بطلان العقود اللاحقة جزاء مخالفة الحظر الوارد فيها .
( الطعن رقم 133 لسنة 69 - جلسة 2010/05/06 - س 61 ص 632 ق 103 )
2- استلزمت المادة 15 من قانون الإثبات ألا يكون المحرر العرفى حجية على الغير فى تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت ، فإذا لم يكتسب العقد الذى صدر من المفلس تاريخاً ثابتاً قبل صدور حكم شهر الإفلاس والتاريخ الذى تحدد فيه للتوقف عن الدفع ، فإنه لا يحتج به فى مواجهة دائنيه .
( الطعن رقم 372 لسنة 71 - جلسة 2009/04/28 - س 60 ص 513 ق 86 )
3- النص فى المادة 14 من قانون الإثبات على أنه (يعتبر المحرر العرفي صادراً ممن وقعه ما لم ينكر صراحة ما هو منسوب إليه من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة أما الوارث أو الخلف فلا يطلب منه الإنكار ويكفى أن يحلف يميناً بأنه لا يعلم) فجعل الورقة حجة على موقعها وعلى غيره بإطلاق معنى كلمة الغير لتشمل كل غير الموقعين فيما تضمنته من نسبة التصرف إلى الموقع على الورقة وما جاء فيها من بيانات غير أن المادة 15 من قانون الإثبات المقابلة لنص المادة 395 من القانون المدني قد استثنت طائفة من الغير حماية للثقة العامة فى المعاملات وحرصاً على استقرارها فنصت على أن (لا يكون المحرر العرفي حجة على الغير فى تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت ........) فالمقصود بالغير فى هذا النص هو الخلف الخاص لصاحب التوقيع أي من انتقل إليه مال معين بذاته من الموقع على الورقة الذي تلقى عنه الحق بسند ثابت التاريخ، فالمشرع أراد حماية الخلف الخاص من الغش الذي يحتمل وقوعه من السلف ومن يتعاقدون معه إضراراً به ومن يأخذ حكم الخلف الخاص كالدائن الحاجز على مال معين، لأن المادة 146 من القانون المدني نصت على سريان تصرفات السلف المتعلقة بهذا المال المعين بذاته على الخلف فأراد المشرع تثبيت الثقة العامة فى التصرفات ومنع الغش على ما جاء بالأعمال التحضيرية للقانون المدني ونصوص المواد 305، 604، 1117، 1123 من القانون المدني التي تشترط ثبوت التاريخ لسريان الإيجار أو القبول بحوالة الحق أو الرهن فى حق الخلف الخاص، وما نصت عليه المادتين 408، 409 من قانون المرافعات بشأن سريان عقد الإيجار ومخالصات الأجرة و حوالتها بالنسبة للدائن الحاجز، فثبوت التاريخ فى نص المادة 15 من قانون الإثبات هو شرط لسريان التصرف الوارد بالورقة العرفية على الخلف، ولا يغنى عن ثبوت التاريخ شيء آخر، وجزاء عدم تحقق الشرط الوارد فيها من أسبقية ثبوت التاريخ ألا يسرى هذا التصرف فى حقه حتى ولو ثبتت أسبقيته بعد ذلك، شأنها كالمفاضلة فى انتقال الملكية وسريان الحقوق العينية العقارية لا تكون إلا بأسبقية التسجيل فقط دون غير ذلك .
( الطعن رقم 176 لسنة 64 - جلسة 2000/04/03 - س 51 ع 1 ص 531 ق 94 )
4- لما كان الطاعن ( المشترى ) هو المحكوم عليه ابتدائيا ًوقام باستئناف الحكم وأثناء نظره فرضت الحراسة ومثل المدعى الاشتراكى بعد تعجيل الاستئناف من الانقطاع .... وكان الثابت من الأوراق أن محكمة أول درجة حكمت بتاريخ 1983/3/18 بفسخ عقد البيع الابتدائى المتعلق بالمال محل النزاع وكان هذا القضاء فى حكم التصرف الثابت التاريخ _ وفقاً للمادة 15 من قانون الإثبات _ وكانت الحراسة قد فرضت بتاريخ 1984/8/18 أى فى تاريخ لاحق على الحكم الابتدائى بفسخ العقد _ ومن ثم فإن المال محله يكون بمنأى عن نطاق الحكم المذكور ويظل للطاعن حق التقاضى بالنسبة له وتكون له بالتالى صفة فى الطعن ولا يؤثر فى ذلك اختصام المدعى العام الاشتراكى فى الاستئناف ومن ثم يكون الدفع بعدم قبول الطعن لرفعه من غير ذى صفة على غير أساس .
( الطعن رقم 503 لسنة 57 - جلسة 1997/07/08 - س 48 ع 2 ص 1075 ق 203 )
5- إذ كانت المادة 34 من القانون رقم 95 لسنة 1980 بإصدار قانون حماية القيم من العيب تنص على أن " تختص محكمة القيم دون غيرها بما يأتى " أولاً : .... ثانياً : كافة اختصاصات المحكمة المنصوص عليها فى القانون رقم 34 لسنة 1971 بتنظيم فرض الحراسة وتأمين سلامة الشعب المقررة بالقانون المذكور .... " وكانت هذه المحكمة تختص وفقاً للمادة العاشرة من القانون الأخير بالفصل فى دعاوى فرض الحراسة ومن ثم يخرج عن اختصاصها الدعاوى المتعلقة بالأموال التى لا تشملها الحراسة ، وكانت المادة 18 من ذات القانون تنص على أنه " .... وكذلك لا تشمل الحراسة أى مال تصرف فيه الخاضع إلى الغير ولو لم يكن قد سجل متى كان هذا التصرف قد نفذ أو كان ثابت التاريخ قبل منع التصرف فى المال .... " ، يدل على أن المشرع اشترط للاعتداد بالتصرف الصادر من الخاضع فى هذه الحالة توافر أحد أمرين ، أن يكون التصرف قد نفذ أو أن يكون ثابت التاريخ وذلك قبل صدور قرار المنع من التصرف أو حكم فرض الحراسة .
( الطعن رقم 503 لسنة 57 - جلسة 1997/07/08- س 48 ع 2 ص 1075 ق 203 )
6- للرسائل الموقع عليها قوة الدليل الكتابى من حيث الاثبات فتكون حجة على المرسل بصحة المدون فيها إلى أن يثبت هو العكس بالطرق المقررة فى قانون الاثبات، والزوج فى علاقته بزوجته ليس من الغير فى صدد السرية المقررة للمكاتبات، فإن عشرتهما وسكون كل منهما إلى الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة فى كيانها وسمعتها يخول كل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة الآخر فى سلوكه وغير ذلك مما يتصل بالحياة الزوجية، ومن ثم حق لكل منهما الاحتجاج بما تتضمنه الرسالة الموقعة من الآخر بما تحمله من دليل لصالحه فى شئون الزوجية، دون البحث فيما إذا كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة، لما كان ذلك، وكان الكتاب المرسل من احد الخصوم إلى آخر يخضع لتقدير قاضى الموضوع فله بعد تقدير الظروف التى حرر فيها ان يعتبره دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يؤخذ به أصلا ولا معقب عليه فى ذلك متى كان قدم تقريره على أسباب سائغة، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اقام قضائه بتطليق المطعون ضدها على الطاعن على ما أورد بأسبابه من أن الكتاب المرسل من الطاعن إلى ابنه منها تضمن اتهامها بالتبرج والتفريط فى شرفها والخيانة الزوجية والانحطاط الخلقى، ولم يبد الطاعن ثمة دفع أو دفاع بشأن هذا الكتاب بما تتحقق به المضارة الموجبة للتطليق، وهذه اسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم وتكفى لحمل قضائه وفيها الرد الضمنى المسقط لما ساقه الطاعن، ولا على الحكم إذ اعتمد على ما تضمنته تلك الرسالة ذلك أن المطعون ضدها ليست من الغير فى علاقتها بالطاعن بحسبانها زوجا له، بما لا محل معه لبحث ما إذا كانت قد حصلت عليها بوسيلة مشروعة.
( الطعن رقم 202 لسنة 62 - جلسة 1996/03/25 - س 47 ع 1 ص 550 ق 105 )
7- لئن كان إثبات المحرر فى ورقة رسمية يجعله ثابت التاريخ يوم إثباته بها من الموظف المختص ويكون هذا التاريخ حجه على الغير شأنه شأن إثباته بالسجل المعد لذلك بالشهر العقارى، على ما تقضى به المادة 15 من قانون الإثبات، إلا أن شرط من يتمسك بعدم الاحتجاج عليه بالمحرر غير الثابت التاريخ أو اللاحق إثبات تاريخه أن يكون حسن النية أى غير عالم بسبق حصول التصرف الوارد بهذا المحرر وألا يكون قد اعترف بتاريخه صراحة أو ضمناص أو تناول عن التمسك بعدم مطابقته للواقع ذلك أن الواقع ذلك أن الواقع حقيقة هو المستهدف لتبنى عليه الأحكام وما النصوص القانونية المتعلقة بالإثبات إلا وسيلة للوصول إلى هذا الهدف، ومن ثم فإن هذه القاعدة بشروطها هذه هى التى يتعين إعمالها للتعرف على عقد الإيجار السابق عند إبرام أكثر من عقد ذات العين ليعتد به وحدة دون العقد أو العقود اللاحقة التى نص القانون صراحة على بطلانها ووضع جزاءً جنائياً على إبرامها فى المادة 76 من القانون رقم 49 لسنة 1977 ولا يغير من انطباق هذه القاعدة فى هذه الحالة - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - ما اشترطه المشرع بالفقرة الأولى من المادة 24 المذكورة ومن وجوب إبرام عقود الإيجار كتابة وإثبات تاريخها بمأمورية الشهر العقارى الكائن بدائرتها العين المؤجرة لخلو النص من اشتراط أن يكون العقد الأول ثابت التاريخ لإعمال حكم الفقرة الرابعة من هذه المادة فى ترتيب بطلان العقود اللاحقة جزاء مخالفة الحظر الوارد فيها .
( الطعن رقم 6182 لسنة 62 - جلسة 1995/01/26 - س 46 ع 1 ص 255 ق 51 )
8- تمسك الطاعنين بأن المحرر موضوع النزاع و الذى قدموه للشهر بتاريخ 1981/9/29 هو سبق أن قدمت بشأنه الطلبات أرقام 88 بتاريخ 1976/2/19 ، 80 بتاريخ 1977/2/20 ، 66 بتاريخ 1979/2/11إلى مأمورية الشهر العقارى بالرمل وأثبت مضمونه بدفاتر أسبقية الطلبات وحمل تأشيرات موظفين مختصين فأطرح الحكم المطعون فيه هذا الدفاع قولا منه بأن طلبات الشهر السابقة قد سقطت بمضى المدة واعتبرت كأن لم تكن ، فى حين أن أثر سقوط هذه الطلبات مقصور على أسبقية التسجيل ولا يتعداها إلى أثر إثبات مضمونها بها وتأشيرات الموظفين عليها فى ثبوت تاريخها ، وإذ حجبه ذلك عن تحقيق دفاع الطاعنين فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والإخلال بحق الدفاع .
( الطعن رقم 3962 لسنة 61 - جلسة 1994/02/01 - س 45 ع 1 ص 293 ق 61 )
9- لئن كان إثبات المحرر فى ورقة رسمية يجعله ثابت التاريخ يوم إثباته بها من الموظف المختص، ويكون هذا التاريخ حجة على شأنه شأن إثباته بالسجل المعد لذلك بالشهر العقار ، على ما تقتضي به المادة 15 من قانوناً الإثبات ، إلا أن شرط من يتمسك بعدم الاحتجاج عليه بالمحرر غير الثابت التاريخ أو اللاحق إثبات تاريخه أن يكون هو حسن النية أي غير عالم بسبق حصول التصرف الوارد بهذا المحرر وألا يكون قد اعترف بتاريخه صراحة أو ضمنا أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته للواقع، ذلك أن الواقع حقيقة هو المستهدف لتبنى عليه الأحكام وما النصوص القانونية المتعلقة بالإثبات إلا وسيلة للوصول إلى هذا الهدف، ومن ثم فإن هذه القاعدة بشروطها هذه هى التى يتعين إعمالها للتعرف على عقد الايجاري السابق عند إبرام أكثر من عقد عن ذات العين ليعتد به وحدة دون العقد أو العقود اللاحقة التى نص القانون صراحة على بطلانها ووضع جزاء جنائيا على إبرامها فى المادة 76 من ذات القانون رقم 49 لسنة 1977، ولا يغير من انطباق هذه القاعدة فى هذه الحالة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ما اشترطه المشروع بالفقرة الأولى من المادة 24 المذكور " فى القانون رقم 49 لسنة 1977 " من وجوب إبرام عقود الإيجار كتابة وإثبات تاريخها بمأمورية الشهر العقارى الكائنة بدائرتها العين المؤجرة لخلو النص من اشتراط أن يكون العقد الأول ثابت التاريخ لاعمال حكم الفقرة الرابعة من هذه المادة فى ترتيب بطلان العقود اللاحقة جزاء مخالفة الحظر الوارد فيها.
(الطعن رقم 969 لسنة 56 جلسة 1992/02/24 س 43 ع 1 ص 379 ق 81)
10- لما كان النص فى المادة 15 من قانون الإثبات على أن " يكون المحرر العرفى حجة على الغير فى تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت " لا يتعلق بالنظام العام و كان الطاعنان لم يتمسكا أمام محكمة الموضوع بعدم الإحتجاج قبلهما بالتاريخ الذى حملته المستندات المشار إليها ولم ينازعا فيما حوته من تنازل فإن الحكم المطعون فيه إذ عول على ما جاء فيها كقرينه على ترك المستأجر للعين المؤجرة وتخليه عنها لمطلقته المطعون ضدها فى التاريخ المثبت بها لا يكون قد خالف القانون.
(الطعن رقم 2149 لسنة 53 جلسة 1991/05/05 س 42 ع 1 ص 1001 ق 160)
11- قواعد الإثبات غير متعلقة بالنظام العام فيجوز الإتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً ، كما يجوز لصاحب الحق فى التمسك بها أن يتنازل عنها ، و إذ خلت الأوراق من سبق تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بما تقضى به المادة 15 من قانون الإثبات من إشتراط التاريخ الثابت فى المحرر العرفى ليكون حجة على الغير ، فإنه لا يجوز للطاعن التمسك لأول مرة أمام هذه المحكمة بمخالفة الحكم المطعون فيه لقاعدة من قواعد الإثبات .
(الطعن رقم 2124 لسنة 55 جلسة 1990/12/19 س 41 ع 2 ص 948 ق 320)
12- لا يشترط قانوناً فى البيع الذى تجوز فيه الشفعة أن يكون بعقد مسجل أو ثابت التاريخ - لما كان ذلك وكان الثابت بالأوراق أن عقد البيع الصادر من الطاعن - المشترى الأول للعقار المشفوع فيه - إلى المطعون ضده الأخير - المشترى الثانى - قد تم بتاريخ .... أى قبل تاريخ إعلان الرغبة الموجه من الشفيع - المطعون ضده الأول- إلى الطاعن والبائعين له فى - والذى تم تسجيله فى .... وكان الطاعن قد دفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على ذى صفة وأدخل المطعون ضده الأخير المشترى منه فى الدعوى . كما تمسك المدخل أيضاً بالدفع بعدم قبول الدعوى لعدم توجيه طلب الشفعة إلى البيع الثانى الصادر إليه من المشترى الأول فى .... والسابق على تاريخ إعلان الشفيع رغبته بالأخذ بالشفعة الموجه إلى المشترى الأول و البائعين له فى .... وعلى تاريخ تسجيله فى .... وكان الشفيع المطعون ضده الأول و إن ذهب رداً على ذلك الدفع أمام محكمة الدرجة الأولى إلى العزوف صراحة عن الطعن على البيع الثانى بالصورية بمقولة إنه لا حاجة لذلك - وهو ما سجله عليه الحكم الإبتدائى وقضى على أساسه برفض دعواه إلا أنه عاد أمام المحكمة الإستئنافية إلى التمسك بأن العقد المذكور غير ثابت التاريخ ومن ثم فلا يحتج به عليه بإعتباره من الغير ، هذا إلى أنه عقد صورى صورية مطلقة دون حاجة إلى طلب تحقيق ذلك إكتفاءاً بما أورده من أنه من صورة واحدة وغير موقع عليه من أى شاهد و أنه مقدم من البائع ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب فى رده على هذا الدفع إلى القول بأنه يشترط لتطبيق نص المادة 938 من القانون المدنى أن يكون البيع للمشترى الثانى ثابتاً ثبوتاً قاطعاً على نحو ما توجبه المادة 15 من قانون الإثبات قبل تسجيل إعلان الرغبة فى الأخذ بالشفعة وأن كلاً من الطاعن والمطعون ضده الأخير لم يوردا أى دفاع أو طلبات بشأن عدم ثبوت تاريخ العقد المذكور مما يقتضى الإلتفات عنه لإنتقاء الدليل على أنه سابق على تسجيل إنذار الشفعة الحاصل فى .... لما كان ما تقدم وكان هذا الذى ذهب وإنتهى إليه الحكم يخالف صحيح القانون الذى لا يشترط فى البيع الذى تجوز فيه الشفعة أن يكون بعقد مسجل أو ثابت التاريخ و أوجب على الشفيع فى هذه الحالة أن يوجه طلب الأخذ بالشفعة إلى البيع الثانى متى كان سابقاً لإعلان الرغبة أو تسجيله فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 864 لسنة 51 جلسة 1985/02/12 س 36 ع 1 ص 259 ق 58)
13- الوارث لا يعتبر فى حكم الغير بالنسبة للتصرف الصادر من المورث - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا إذا كان طعنه على هذا التصرف هو أنه وإن كان فى ظاهره بيعاً منجزاً إلا أنه فى حقيقته يخفى وصية إضراراً بحقه فى الميراث أو أنه صدر فى مرض موت المورث فيعتبر إذ ذاك فى حكم الوصية لأنه فى هاتين الصورتين يستمد الوارث حقه من القانون مباشرة حماية له من تصرفات مورثه التى قصد بها الإحتيال على قواعد الإرث التى تعتبر من النظام العام .
(الطعن رقم 1636 لسنة 49 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 738 ق 156)
14- نص المادة 16 من القانون رقم 52 لسنة 1969 فى شأن إيجار الأماكن وتنظيم العلاقة من المؤجرين والمستأجرين يدل على أن القانون لم يشترط فى عقود الإيجار إلا أن تكون مكتوبة و لم يشترط إثبات تاريخها وأن يكون هذا الإثبات لدى مأمورية معينة من مأموريات الشهر العقارى ومن ثم فليس هناك ما يمنع المطعون ضده الأول فى ظل هذا القانون - من إثبات تاريخ عقده فى أى مأمورية من هذه المأموريات وفقاً لأحكام المادة 15 من القانون رقم 25 لسنة 1968 بشأن الإثبات والتى لم تشترط مأمورية لذلك - ومن ثم يضحى عقده صحيحاً ومنتجاً لآثاره القانونية ، وتقع عقود الإيجار التالية له باطلة ، ولو كانت ثابتة التاريخ فى المأمورية التى تتبعها العين المؤجرة ويكون عقد إيجار الطاعنة الذى حرر فى تاريخ لاحق فى .... - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - باطلاً بطلاناً مطلقاً متعلقاً بالنظام العام ولا محل لإعمال حكم المادة 573 من القانون المدنى بإجراء المفاضلة بين العقدين . ولا يغير من هذا النظر ما نصت عليه المادة 24 من القانون رقم 49 لسنة 1977 فى شأن تأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر . ذلك أن هذا النص لم يعمل به إلا إعتباراً من 1977/9/9 اليوم التالى لنشر القانون رقم 49 لسنة 1977 سالف الذكر ومن ثم فإنه وأياً كان وجه الرأى فى المخاطب به - لا ينطبق على عقد إيجار المطعون ضده الأول الذى أثبت تاريخه فى 1976/3/25 وتسرى عليه أحكام القانون رقم 1969/52 .
(الطعن رقم 1057 لسنة 52 جلسة 1982/12/30 س 33 ع 2 ص 1271 ق 230)
15- إذا استلزم القانون لسريان التصرف على الغير إتباع إجراءات معينة لنفاذه فى مواجهة جماعة الدائنين كاشتراط ثبوت التاريخ ، ولم تتم هذه الإجراءات حتى صدور حكم إشهار الإفلاس فإنه لا يسرى فى مواجهة جماعة الدائنين ولما كانت المادة 15 من قانون الإثبات قد نصت على أن المحرر العرفى لا يكون حجة على الغير فى تاريخه إلا منذ أن يكون له تاريخ ثابت فإذا لم يكتسب العقد العرفى الذى صدر من المفلس هذا التاريخ قبل صدور حكم إشهار الإفلاس فإنه لا يحتج به فى مواجهة جماعة الدائنين ، وهو ما يتفق والحكمة التشريعية التى تغياها المشرع من اشتراط ثبوت التاريخ بالنسبة للغير وهى منع ما يقع فى المحررات العرفية عن طريق تقديم تواريخها غشاً أو إضراراً بالغير . لما كان ما تقدم ، وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى بأن بيع عين التداعى للطاعنة بالمزاد العلنى الحاصل بتاريخ 24/12/1985 قد تم فى فترة الريبة ورتب على ذلك بطلانه وعدم سريانه فى حق جماعة الدائنين دون أن يعتد بحصول هذا البيع بالمزاد العلنى بمعرفة مصلحة الضرائب وثبوت تاريخه على وجه رسمى ودون أن يفطن إلى أن هذا التصرف لم يقع من المدين المفلس وإنما من مصلحة الضرائب نفاذاً للحجز الإدارى الموقع على المدين المفلس استيفاء لحقوقها فلا يناله البطلان المنصوص عليه بالمواد 227 إلى230 من قانون التجارة القديم المنطبق على واقعة النزاع فإنه يكون معيباً ( بالخطأ فى تطبيق القانون ) .
(الطعن رقم 460 لسنة 48 جلسة 1980/12/22 س 31 ع 2 ص 2078 ق 387)
16- إذ كان الأصيل لا يعتبر من الغير بالنسبة إلى المحرر العرفى الذى وقعه نائباً أياً كانت صفته فى النيابة ، و يكون المحرر حجة عليه وفق المادة 15 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 ، فإن إيصالات سداد الأجرة محل النعى تكون حجة على الطاعن فى تاريخها ولو لم يكن نائبا طالما لم يقم الدليل على عدم صحة هذا التاريخ بإعتباره طرفاً فيها بواسطة وكيله .
(الطعن رقم 969 لسنة 44 جلسة 1978/03/15 س 29 ع 1 ص 762 ق 150)
17- إذ كانت الغيرية فى التسجيل يقصد بها إعمال جزاء عدم سريان التصرف فى حق من يعتبر غيرا فى نطاقه ، وكان قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 سنة 1946 أورد نصوصاً تنظم هذا الجزاء ، و كان المقصود بالغير فى التسجيل كل من يثبت له على العقار حق عينى مصدره تصرف قانونى يخضع للشهر وأن يقوم من آل إليه فعلاً بشهره ، وكان من ثم لا يعتبر غيرا فى هذا المجال من يتلقى الملكية أو الحق العينى بحكم القانون ، وبالتالى فإن الدولة إنما تؤول إليها أموال الخاضعين السابقين لحراسة الطوارئ وفق أحكام القانون 150 لسنة 1964 نزولاً على حكم القانون وليس بموجب تصرف واجب الشهر ولا تعتبر من الغير بالمعنى المقصود فى التسجيل وإن كانت قاعدة التفضيل على أساس الأسبقية فى التاريخ تظل مطبقة ، بمعنى أن الدولة تملك التمسك بغيريتها فى ثبوت التاريخ فلا تسرى فى حقها التصرفات التى أجراها الخاضع السابق للحراسة قبل أيلولة ممتلكاته إلى الدولة طالما لم تكن ثابتة التاريخ قبل العمل بالقانون الذى نقل ممتلكاته إلى الدولة .
(الطعن رقم 441 لسنة 42 جلسة 1977/02/09 س 28 ع 1 ص 400 ق 78)
18- إذ كان ما تقضى به المادة 395 من القانون المدنى المنطبقة على واقعة الدعوى والمقابلة للمادة 15 من قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 من إشتراط التاريخ الثابت فى المخالصات لتكون حجة على الغير بتاريخها ، هذه القاعدة - قاعدة ثبوت التاريخ - ليست من قواعد النظام العام وإنما و ضعت لحماية الغير ، وكان الطاعنان لم يتمسكا فى صحيفة الطعن بالنقض بعدم ثبوت التاريخ و إقتصرا على وجوب التسجيل ، فإنه يكفى التاريخ العرفى لتكون الورقة حجة على الغير رغم عدم وجود التاريخ الثابت ، أخذاً بأنهما قد نزلا عن حقهما فيه وقد أوردت المذكرة الإيضاحية أن هذه المادة لا تطبق إذا كان من يحتج عليه بالتاريخ قد إعترف بصحته صراحة أو ضمناً أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته للواقع .
(الطعن رقم 441 لسنة 42 جلسة 1977/02/09 س 28ع 1 ص 400 ق 78)
19- إذا إدعى الأصيل - أو وارثه - عدم صحة التاريخ المدون بالورقة - العرفية - وأنه قدم غشا حتى لا ينكشف أن التصرف الذى أجراه الوكيل صدر فى وقت كانت وكالته فيه قد زالت فإنه يكون لذلك الأصيل - أو وارثه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يثبت مدعاه بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن إذ المضرور بالغش لم تكن له خبرة فيه فلا وجه للتضييق عليه فى الإثبات بحصره فى طريق دون آخر .
(الطعن رقم 167 لسنة 39 جلسة 1974/03/26 س 25 ع 1 ص 575 ق 92 )
20- متى كان الثابت أن الطاعنة - النقابة - قد تمسكت فى دفاعها أمام محكمة الاستئناف بأن السند - موضوع الدعوى - صورى ولا يحتج به عليها لأن المطعون عليه الثانى - الممثل السابق للنقابة - قد حرره بعد عزله ، وإذ كان تاريخ السند عرفيا غير ثابت رسميا ، وقد نازعت الطاعنة فى صحته إستنادا إلى أن محرره قد أصدره بعد عزله من رئاسة الرابطة وفقده الصفة فى تمثيلها ، و أنها تبعا لا تحاج به ، وكان الحكم المطعون فيه اعتد بهذا التاريخ دون بحث هذه المنازعة والوقوف على حقيقتها رغم انطوائها على دفاع جوهرى يحتمل معه أن يتغير وجه الرأى فى الدعوى ، فإنه يكون معيباً بالقصور بما يستوجب نقضه .
(الطعن رقم 481 لسنة 36 جلسة 1971/05/27 س 22 ع 2 ص 702 ق 115)
21- الوارث بحكم كونه خلفا عاما لمورثه لا يعد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- من الغير طبقا للمادة 395 من القانون المدنى ، بل حكمه بالنسبة إلى المحررات غير الرسمية التى يكون المورث طرفا فيها هو حكم مورثه ، و يكون تاريخها - بحسب الأصل - حجة عليه ، ولو لم يكن ثابتا ثبوتاً رسمياً ، سواء أكانت الورقة صادرة إلى وارث أو إلى غير وارث ما لم يقم الدليل على عدم صحته .
(الطعن رقم 383 لسنة 36 جلسة 1971/04/20 س 22 ع 2 ص 506 ق 78)
22- إثبات التاريخ لا يكون إلا بإحدى الطرق التى عينها القانون ، ولا يحتج على الورثة الذين يطعنون على التصرف بأنه صدر فى مرض الموت بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً ، إلا أن هذا التاريخ يظل حجة عليهم إلى أن يثبتوا هم عدم صحته وأن التصرف صدر فى تاريخ آخر توصلاً منهم إلى إثبات أن صدوره كان فى مرض الموت .
(الطعن رقم 816 لسنة 43 جلسة 1977/12/06 س 28 ع 2 ص 1742 ق 299)
23- إذ كانت الشركة الطاعنة رغم تأميمها جزئياً ثم كلياً لم تفقد شخصيتها المعنوية التى كانت لها قبله فإنها لا تعتبر غيرا بالنسبة لتاريخ الورقة العرفية فى معنى المادة 395 من القانون المدنى بإعتبارها طرفاً فيها و تحاج به ، و يكون الحكم قد أصاب حين قرر أن جدية عقد الإيجار - الصادر من الشركاء بصفتهم الشخصية للشركة - لا تستلزم ثبوت تاريخه .
(الطعن رقم 380 لسنة 43 جلسة 1977/03/30 س 28 ع 1 ص 837 ق 148)
قوة المحررات العرفية في الإثبات :
يعتبر المحرر العرفي دليلاً على ما تضمنه من عقد أو تصرف قانونی أياً كان، بإعتبار إنه يحمل توقيع الملتزم، وهو ما يعني صدور التصرف عنه. لأن التوقيع هو لشخص خاص، فإن الوقائع التي يثبتها المحرر لا يمكن أن تكون لها نفس مرتبة الوقائع التي يثبتها موظف عام محل ثقة. ولهذا، فإنه بينما تكون هذه الوقائع في محرر رسمي ثابتة حتى يثبت تزويره، فإنها في المحرر العرفي تكون ثابتة حتى يثبت من يتمسك ضده عكسها دون حاجة للادعاء بالتزوير. ويكون إثبات العكس - وفقاً للقواعد العامة - بمحرر عرفي مضاد. فإذا كان الاحتجاج بالمحرر العرفي ضد شخص من الغير، فإنه يمكنه إثبات العكس بكافة طرق الاثبات. وهذا بدیهی إذ يتعذر عليه الحصول على ورقة ضد .
وقوة المحرر العرفي كدليل إثبات تكون لجميع البيانات والوقائع التي يتضمنها المحرر العرفي باستثناء تاريخه. فالتاريخ إن كان له في مواجهة أطراف المحرر نفس قوة البيانات الأخرى، فليس له نفس هذه القوة في مواجهة الغير. فقد خشي القانون أن يقوم الأطراف بتغيير التاريخ الذي حررت فيه الورقة إضراراً بالغير الذي يكتسب حقاً يتأثر بالتصرف الذي يتضمنه المحرر إن كان تاريخه سابقاً على هذا الحق، فقرر ألا يحتج على هذا الغير بتاريخ المحرر العرفي. وهو ما يعني أن الغير لا يجب عليه إثبات عكس التاريخ التي يتضمنه المحرر، بل يكفيه مجرد إنكاره. ويعتبر غيرة في هذا الصدد كل من الخلف الخاص لأحد طرفي المحرر كالمشتري، والدائن الذي حجز على المال محل التصرف الثابت في المحرر أو تدخل في هذا الحجز؛ لأن كلاً منهما يضار لو غير الطرفان تاريخ المحرر. فإذا إشتري شخص منقولاً معيناً من آخر، فإنه يعتبر من الغير بالنسبة للتصرف الذي يبرمه البائع مع شخص آخر بشأن هذا المنقول، لأن القول بغير هذا يمكن البائع من تقديم تاريخ التصرف الثانى بحيث يجعل تاريخه سابقاً على تاريخ التصرف الأول مما يؤدي إلى إعتبار المتصرف إليه بموجبه مشترياً مالاً غير مملوك لبائعه. كذلك الأمر بالنسبة للدائن الحاجز. وعلى العكس، لا يعتبر من الغير - في هذا الصدد - كل من الخلف العام لأحد طرفی المحرر أو الدائن العادي لأحدهما، إذ ليس لأيهما حق محدد على مال معين من أموال السلف أو المدين .
فإذا تحققت أحد الظروف التي تجعل من المستحيل على طرفي المحرر تغيير تاريخه، كان التاريخ حجة على الغير. وعندئذ يقال إن للمحرر تاريخاً ثابتاً. ووفقاً للمادة 15 من قانون الإثبات، لا يكون تاريخ المحرر العرفى ثابتاً إلا في الحالات التالية :
أ- إذا قيد تاريخه في السجل المعد لذلك. ويكون التاريخ الثابت للمحرر هو تاريخه في هذا السجل .
ب- إثبات المحرر العرفي أو مضمونه في محرر آخر ثابت التاريخ، إذ عندئذ يكون تاريخ المحرر العرفي ثابتاً بغير شك قبل تاريخ هذا المحرر فيحتج بهذا التاريخ على الغير .
ج- إذا أشر موظف عام مختص على المحرر العرفي، فيعتبر تاريخه هو تاريخ هذا التأشير .
د- وفاة أحد ممن لهم على المحرر أثر معترف به من خط أو إمضاء أو بصمة، أو إذا أصبح مستحيلاً على أيهم أن يكتب أو يبصم لعلة في جسده، إذ التاريخ يكون من الثابت أنه قبل الوفاة، أو قبل تحقق الإستحالة .
هـ- إذا وقع أى حادث آخر يكون قاطعاً في أن الورقة العرفية قد صدرت قبل وقوعه. وهي حالة تتسع للحالة السابقة ولغيرها من الحالات دون حصر .
وتستثنى من شرط ثبوت تاريخ المحرر العرفي للاحتجاج به في مواجهة الغير :
1- المخالصات : وتنص عليها المادة 15 فقرة أخيرة ق. إثبات مصری «.... يجوز للقاضي تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات».وذلك مراعاة للتخفيف على الناس إذ لم تجر العادة على إثبات تاريخ المخالصات .
2 - المواد التجارية : على أساس أن الكتابة ليست واجبة في إثباتها. ولهذا فإنه حيث تلزم الكتابة في المواد التجارية بنص خاص، يجب ثبوت التاريخ للاحتجاج به في مواجهة الغير . (المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 143)
من هو المقصود بالغير فى تاريخ الورقة العرفية :
ليس الغير بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية هو نفس الغير بالنسبة إلى حجية البيانات الأخرى الواردة فى هذه الورقة. فقد رأينا أن الغير فى الحالة الثانية هو بوجه عام الخلف العام والخلف الخاص والدائن، أى كل شخص يجوز أن يحتج عليه بها. أما الغير بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية فهو أخص من ذلك. ويجب أن نستمد تحديد منطقته من الوضع الذى هو فيه .
ويحسن قبل أن نحدد هذا الغير أن نحدد أولاً من لا يعتبر غيراً، ثم ننتقل بعد ذلك إلى تحديد الغير .
من لا يعتبر غيراً بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية : لا يعتبر غيراً، فيحتج عليه بتاريخ الورقة العرفية وذلك إلى أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ، كل من كان ممثلاً فى التصرف الذي تشهد به الورقة .
ومن ثم لا يعتبر غيراً :
الطرفان فى الورقة العرفية، فهذان يكون التاريخ العرفى للورقة حجة عليهما. فاذا كان أحدهما قاصراً أو محجوراً عليه، وإتفق الطرفان على تأخير التاريخ حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر، أو على تقديمه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت القصر، أو على تقديمه حتى لا ينكشف أن التصرف قد صدر وقت الحجر، كان التاريـخ المؤخر أو المقدم حجة عليهما، إلا أن يثبت ذو المصلحة منهما أن التاريخ غير صحيح. ولما كان تأخير التاريخ أو تقديمه قد وقع هنا تهرباً من أحكام القانون، فإنه يجوز إثبات ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن .
الأصل إذا كان أحد أطراف الورقة العرفية هو نائبه، سواء كانت النيابة إتفاقية كالوكيل أو قضائية كالحارس القضائى أو قانونية كالولي والوصي والقيم. فتاريخ الورقة العرفية التي يوقعها النائب يكون حجة على الأصيل ولو لم يكن تاريخاً ثابتاً، إلا إذا أثبت الأصيل عدم صحة التاريخ وأنه قدم مثلاً حتى لا ينكشف أن التصرف صدر فى وقت كانت النيابة فيه قد انقضت، وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن بسبب ما انطوى عليه تقديم التاريخ من الغش. وهو لا يعتبر غيراً لأنه كان ممثلاً فى التصرف الذى أبرمه النائب لحسابه، فيكون التاريخ العرفى لهذا التصرف حجة عليه إلى أن ثبت أنه غير صحيح .
الوارث وكل خلف عام كالموصى له بحصة من التركة. ذلك أن الخلف العام يعتبر مثلاً فى جميع العقود التى يبرمها السلف، فتسرى فى حقه هذه التصرفات أياً كان تاريخها إلى يوم موت المورث. وما دام أنه كان ممثلاً فى التصرف، فلا يعتبر غيراً بالنسبة إلى تاريخه. فالبيع المدون فى ورقة عرفية الصادر من المورث يكون حجة فى تاريخه العرفى على الوارث كما هو حجة على المورث، ومن ثم لا تعتبر العين المبيعة جزءاً من التركة يمتد إليها حق الوراث. وإذا باع شخص داراً بورقة عرفية غير ثابتة التاريخ، وكان هذا التاريخ يكون حجة على السفيه وعلى ورثته جميعاً، ولا يستطيع أحد منهم أن ينقضى هذه الحجية إلا إذا أثبت أن التاريخ قد قدم عمداً حتى يصور البيع واقعاً فى وقت لم يكن فيه البائع محجوراً عليه، وأن التاريخ الحقيقى كان بعد تسجيل قرار الحجر م 114 ـ 115 مدنى. ولما كان تقديم التاريخ فى هذه الحالة يعتبر غشاً، فيجوز للوارث إثبات عدم صحته بجميع الطرق .
والوارث لا يعتبر غيراً بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية كما قدمنا، يستوى فى ذلك أن يدفع البيع الصادر من مورثه بمقولة إنه صدر بعد تسجيل قرار الحجر للسفه، أو بمقولة أنه صدر من المورث وهو فى مرض الموت. فى الحالتين معاً يكون التاريخ غير الثابت حجة عليه. وفى الحالتين معاً يستطيع أن يثبت عدم صحة التاريخ بجميع طرق الإثبات، ما دام أن هذا التاريخ قد قدم غشاً لإخفاء أن البيع إنما صدر بعد تسجيل قرار الحجر أو صدر فى مرض الموت .
ولا يعتد فى صدد حجية التاريخ ـ بأن الوارث فى حالة الحجر إنما يهاجم البيع باعتباره خلفاً لمورثه فيستمد منه هذا الحق كما لو كان المورث هو الذى يهاجم البيع، وهو فى حالة مرض الموت إنما يهاجم البيع بمقتضى حق له خاص استمده من القانون ضد المشترى والمورث جميعاً. لا يعتد بهذا الفرق، قلنا، فى صدد حجية التاريخ، وإنما يعتد به فى صدد سريان البيع. فإذا أثبت الوارث أن البيع قد صدر بعد تسجيل قرار الحجر، جاز له، بإسم مورثه، أن يطلب إبطال البيع للسفه. أما إذا أثبت أن البيع قد صدر فى مرض الموت، جاز له، بإسمه هو لا بإسم مورثه، أن يطلب عدم سريان البيع فى حقه فيما زاد على ثلث التركة. وهذا بخلاف حجية التاريخ، فيستوى فيها أن يهاجم الوراث التصرف الصادر من مورثه المحجور بمقتضى حق استمده منه وخلفه عليه، أو يهاجم التصرف الصادر من مورثه وهو فى مرض الموت بمقتضى حق شخصي استمده من القانون. ففى الحالتين توافرت له المصلحة فى مهاجمة التصرف. وإذا كانت هذه المصلحة قد استمدها من مورثه فى الحالة الأولى ومن شخصه فى الحالة الثانية، فإن هذا لا يمنع من أنه ليس غيراً فى الحالتين، فيحتج عليه فيهما معاً بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من مورثه إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح .
والذى أوقع اللبس فى هذه المسألة هو الخلط ما بين الغيرية فى سريان التصرف والغيرية فى ثبوت التاريخ. فالوارث فى تصرفات مورثه الصادرة فى مرض الموت، يعتبر غيراً من ناحية سريان هذه التصرفات فى حقه، فهى لا تسرى عليه فيما يجاوز ثلث التركة. ولا يعتبر غيراً من ناحية ثبوت التاريخ، فيحتج عليه بالتاريخ العرفى للتصرف الصادر من مورثه إلى أن يثبت أن هذا التاريخ غير صحيح .
أما القضاء المصرى فى هذه المسألة فهو متردد مضطرب. بدأ يأخذ بالرأي الصحيح. ثم رجع عنه إلى الرأي الخاطئ. ثم وقف بين الرأيين : فهو من الناحية العملية على هدى من أمره إذ يجعل تاريخ التصرف الصادر فى مرض الموت حجة على المورث إلى أن يثبت عدم صحته، وهو من الناحية الفقهية يبدو أنه خلط ـ ولا يزال يخلط ـ بين الغيرية فى سريان التصرف والغيرية في ثبوت التاريخ .
وتأثر التقنين المصرى الجديد بهذا القضاء فى مرحلته الأخيرة .
فنصت الفقرة الثانية من المادة 916 على ما يأتى : وعلى ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو فى مرض الموت، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق. ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً. فالأصل أن الوارث يحتج عليه بتاريخ التصرف الصادر من مورثه، ولو لم يكن هذا التاريخ ثابتاً. ولكن إذا ادعى أن التصرف قد صدر من مورثه وهو في مرض الموت، كانت له مصلحة فى إثبات عدم صحة التاريخ وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق، ومنها البينة والقرائن، لما ينطوى عليه تقديم تاريـخ التصـرف من غش أريد به الإخلال بحقه الشخصى فى الميراث. إلى هنا ونص التقنين الجديد مستقيم. لكن تأتى بعد ذلك العبارة الأخيرة : ولا يحتج على الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً. وهى عبارة غير صحيحة على إطلاقها. إن أريد بها ـ كما هو ظاهر العبارة ـ إن التاريخ العرفى للتصرف الصادر من المورث لا يحتج به على الورثة، فهذا غير صحيح , وقد رأينا أن هذا التاريخ حجة على الوارث إلى أن يثبت عدم صحته. وإن أريد بها ـ كما هو التأويل المستخلص من سياق النص ـ أن التاريخ العرفى لا يحتج به على الوارث إلى الحد الذى يمنعه من إثبات العكس صحيح ولكن فيم الحاجة إلى إيراد هذا الحكم البديهي فمن المسلم أن كل شخص يكون العرفى حجة عليه ولو كان هو المتعاقد نفسه يستطيع أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ .
العرفية التى صدرت من مدينه ويكون هذا التاريخ حجة عليه ذلك أنه لا يدعي حقاً خاصاً على مال بالذات لمدينه فليس له إلا حق الضمان العام على جميع أموال المدين فكل تصرف يبرمه المدين في أمواله يسرى في حق الدائن العادي إذ ينتقص التصرف من هذا الضمان العام أو يزيد فيه فيعتبر الدائن ممثلاً في التصرف ويكون التاريخ العرفي حجة عليه كما هو حجة على المدين على أن الدائن العادي بوجه عام لا يعنيه تاريخ التصرف الصادر من مدينه ، فسواء صدر هذا التصرف قبل نشوء حقه أو بعد ذلك فالتصرف سار في حقه وينتقص من ضمانه العام أو يزيد فيه حسب الاحوال مثل ذلك أن يبيع المدين داراً يملكها فخروج هذه الدار من ملكه انتقص من ضمان الدائن ويستوي في ذلك أن يكون البيع قد صدر قبل نشوء الدائن أو بعده ومن ثم كان التاريخ العرفى الذي تحمله ورقة البيع حجة على الدائن أو بعده ومن ثم كان التاريخ العرفي الذي تحمله ورقة البيع حجة على الدائن بقدر ما هى حجة على المدين. ويستطيع الدائن - كما يستطيع المدين - أن يثبت عدم صحة التاريخ العرفي إذا كانت له مصلحة في ذلك. وفي المثل السابق لا مصلحة له وتكون له مصلحة لو أن المدين باع الدار وهو محجور عليه وقدم تاريخ البيع الى وقت سابق على تسجيل قرار الحجر فهذا التاريخ العرفي حجة على الدائن كما هو حجة على المدين ويستطيع كل منهما - المدين بمقتضى حقه الأصيل والدائن ويستطيع كل منهما - أن يثبت تقديم التاريخ بجميع الطرق كما قدمنا لإبطال البيع الذى صدر من المدين وهو محجور عليه .
ونرى من ذلك أن الدائن العادي قد يعنيه التاريخ الذي صدر فيه تصرف مدينه، ولكن لا ليكون "غيراً" ما دام المدين قد مثله في هذا التصرف، بل لأن له مصلحة تخول له، مع بقاء التاريخ العرفي حجة عليه، أن يثبت عدم صحته. ويتحقق ذلك في دعويين : الدعوى غير المباشرة والدعوى البوليصية .
أما في الدعوى غير المباشرة فالدائن يطالب بحق لمدينه المعسر، تعمد هذا المدين عدم المطالبة به إضراراً بدائنه، أو في القليل أهمل في المطالبة غير مبال بما يترتب على هذا الإهمال من مساس بالضمان العام الذي لدائنه على أمواله. هنا يتقدم الدائن، نائباً عن المدين والنيابة أضفيت عليه بحكم القانون، لمطالبة مدين مدينه بهذا الحق. فهو يعمل بمقتضى ماله من ضمان عام على أموال مدينه، ولا يزال باقياً في هذه المرحلة التمهيدية لم يجتازها إلى مرحلة التنفيذ، ومن ثم لا يكون الدائن في هذه الحالة "غيراً" إلى تاريخ الأوراق العرفية الصادرة من مدينه إلى مدين المدين. فإذا تقدم مدين المدين، في الدعوى غير المباشرة، بورقة عرفية صادرة من المدين تفيد إبراءه من الدين مثلاً، كان التاريخ العرفي لهذه الورقة حجة على الدائن كما هو حجة على المدين. فالدائن ليس "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ هذه الورقة، ولا يشترط أن يكون هذا التاريخ ثابتاً ليكون حجة عليه، وذلك لسببين : أولهما أن الدائن إنما يعمل نائباً عن المدين فما يحتج به على المدين يحتج به على الدائن. والسبب الثاني أن الدائن في الدعوى غير المباشرة لم يفعل غير أن يحافظ على ضمانه العام، فهو لم ينتقل كما قدمنا إلى مرحلة التنفيذ كما هو شأن الدائن الحاجز الذي انتقل بالحجز إلى هذه المرحلة، فإذا سلم أن الدائن الحاجز يصبح بالحجز "غيراً" كما سنرى، فإن ذلك لا يستتبع أن يكون الدائن الذي يباشر الدعوى غير المباشرة من " الغير ". على أنه يلاحظ أن الدائن إذا لم يكن "غيراً" في الدعوى غير المباشرة، وأنه يحتج عليه بالتاريخ العرفي للورقة المثبتةالإبراء الصادرة من مدينه، إلا أنه يستطيع – كما يستطيع المدين – أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ وأنه قدم حتى يقع الإبراء في وقت سابق على رفع الدعوى غير المباشرة. وله في هذه الحالة أن يثبت تقديم التاريخ بجميع الطرق ومنها البينة والقرائن لما انطوى عليه من الغش. وبعد ذلك يستطيع أن يطعن في الإبراء بالدعوى البوليصية ليجعله غير سار في حقه .
وننتقل الآن إلى الدعوى البوليصية. وفيها أيضاً لا يعتبر الدائن من " الغير ". فهو، وإن لم يكن يعمل في هذه الدعوى – كما كان يعمل في الدعوى غير المباشرة – كنائب عن المدين، بل يعمل بإسمه الشخصي، إلا أنه لا يزال دائناً عادياً لم ينتقل بعد إلى مرحلة التنفيذ. صحيح هو يعمل بمقتضى حق خاص أعطاه له القانون، ولكن شأنه في ذلك هو شأن الوارث الذي طعن في تصرفات مورثه الصادرة في مرض الموت، كلاهما يعمل بمقتضى حق خاص به وهذا الحق الخاص هو الذي تقوم عليه مصلحته في الطعن. ولا يزال الدائن الذي يباشر الدعوى البوليصية واقفاً عند مرحلة التمهيد للتنفيذ، شأنه في ذلك شأن الدائن الذي يباشر الدعوى غير المباشرة، كلاهما يعمل بمقتضى حق الضمان العام، وكلاهما دون مرتبة الدائن الحاجز الذي إنتقل بالحجز إلى مرحلة التنفيذ. وفي المثال المتقدم إذا أبرأ المدين مدينه من الدين بورقة عرفية تاريخها غير ثابت، كان هذا التاريخ حجة على الدائن، لا عند مباشرته الدعوى غير المباشرة فحسب، بل أيضاً عند مباشرته للدعوى البوليصية. ويستطيع الدائن هنا أيضاً أن يثبت عدم صحة التاريخ، بجمع الطرق، ليصل إلى إثبات أن تاريخ الإبراء متأخر - لا عن تاريخ مباشرته للدعوى غير المباشرة كما كان يفعل عندما كان يباشر هذه الدعوى – بل عن تاريخ نشوء حقه وهو الآن يباشر الدعوى البوليصية. ونرى من ذلك أن الدائن في الدعوى البوليصية ليس "غيراً"، فيحتج عليه بالتاريخ العرفي لتصرف مدينه، إلى أن يثبت عدم صحته. ونطبق هذا الحكم على مثل آخر : بيع المدين بورقة عرفية سيارة يملكها، فيطعن الدائن في هذا التصرف بالدعوى البوليصية. فلا الدائن يعتبر "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية، ولا المشترى يعتبر "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية لما قدمناه. وينبني على ذلك أن هذا التاريخ يكون حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً، وذلك إلى أن يقيم الدليل على أنه قد قدم غشاً ليكون سابقاً علي حقه تفادياً للدعوى البوليصية. وأما أن المشترى لا يعتبر "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ نشوء حق الدائن، فذلك لأن المشتري قد تركز حقه في السيارة التي إشتراها ولم يتركز حق الدائن في هذه السيارة بالذات، إذ هي لا تعدو أن تكون داخلة في ضمانه العام وليس له عليها حتى الآن حق الدائن الحاجز. فليس ثمة تعارض بين حق الدائن وحق المشترى الذي تركز في السيارة بعينها، وهذا التعارض شرط في " الغير كما سنرى. وينبني على أن المشترى لا يعتبر "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ نشوء حق الدائن أن هذا التاريخ يكون، هو أيضاً، حجة عليه ولو لم يكن ثابتاً، وذلك إلى أن يقيم الدليل على أنه قد قدم غشاً ليكون سابقاً على تاريخ بيع السيارة تمكيناً للدائن من مباشرة الدعوى البوليصية .
من يعتبر "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية :
بعد أن استعرضنا من لا يعتبر "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية، ننتقل الآن إلى من يعتبر " غيراً. ونبادر إلى القول إن " الغير "، الذي يتطلب القانون أن يكون تاريخ الورقة العرفية ثابتاً ليكون حجة عليه، يجب ألا يكون ممثلاً في التصرف الذي تشهد به الورقة. وقد رأينا أن الأصيل والوارث والدائن العادي : كلهم ممثلون في التصرف فلا يعتبرون من " الغير " ولم يبق الآن إلا الخلف الخاص، وهو من انتقل إليه من السلف مال معين بالذات. ويسرى في حقه، كما رأينا في الجزء الأول من هذا الوسيط، تصرفات السلف المتعلقة بهذا المال إذا كانت سابقة على انتقال المال إلى الخلف، ولا تسري إذا كانت لاحقة. فتاريخ التصرف إذن له أهمية بالغة، بل هو المحور الذي يدور عليه سريان التصرف في حق الخلف أو عدم سريانه. ولما كان من اليسير على السلف أن يضيع على الخلف حقه، بأن يعطي لغيره حقاً يتعارض مع هذا الحق، وحتى يجعل تصرفه سارياً على الخلف يؤخر تاريخ التصرف بحيث يصبح سابقاً على تاريخ انتقال المال للخلف، لذلك اشترط القانون، تفادياً لهذا الغش الذي يعظم ضرره بقد ما يسهل وقوعه وبقدر ما يصعب تجنبه، أن يكون تاريخ التصرف ثابتاً حتى يحتج به على الخلف .
فالغير إذن في تاريخ الورقة العرفية هو الخلف الخاص. والخلف الخاص هو الذي يتلاءم وضعه مع " الغيرية " فيما نحن بصدده : شخص يخلف آخر في مال معين بالذات، وتكون تصرفات السلف نافذة في حقه على هذا المال قبل تاريخ معين، فلا يكون تاريخ هذه التصرفات حجة عليه إلا إذا كان ثابتاً وسابقاً على هذا التاريخ .
ويلحق بالخلف الخاص، في هذه " الغيرية "، الدائن إذا تركز حقه في مال للمدين معين بالذات. فيصبح "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ التصرفات التي تصدر من المدين في هذا المال. ولا يتركز حق الدائن في مال للمدين معين بالذات إلا إذا حجز الدائن على هذا المال. والحجز هو الحلقة الأولى في مرحلة التنفيذ. أما قبل الحجز، حتى لو باشر الدائن الدعوى غير المباشرة أو الدعوى البولصية، فإنه لا يزال في مرحلة سابقة على مرحلة التنفيذ، وإن كانت تمهد لها. ذلك أن الدائن في الدعوى غير المباشرة وفي الدعوى البوليصية لم يتركز حقه بعد على مال للمدين معين بالذات، بل هو لا يزال يستعمل حقه في الضمان العام على أموال مدينه، فلا يعتبر من الغير كما قدمنا. فإذا إنتقل إلى مرحلة التنفيذ بأن حجز على المال الذي باشر بالنسبة إليه الدعوى غير المباشرة أو الدعوى البوليصية اعتبر من الغير. ووضعه، كوضع الخلف الخاص، يتلاءم مع هذه " الغيرية ". فهو مثله قد تركز حقه في مال معين بالذات هو المال الذي حجزه ويخشى من تلاعب المدين في هذا المال بالتصرف فيه وتقديم تاريخ التصرف ليصير سابقاً على الحجز، فاشترط القانون ليسرى التصرف في حق الدائن الحاجز أن يكون ثابت التاريخ وسابقاً على تاريخ الحجز.
أما الدائن لمدين شهر إفلاسه أو إعساره فهذا لم يصل بعد إلى مرحلة التنفيذ، ومن ثم لا يكون غيراً بالنسبة إلى تاريخ التصرفات التي تصدر من مدينة المفلس أو المعسر .
ونرى من ذلك أن الغير، بالنسبة إلى تاريخ الورقة العرفية، هو الخلف الخاص، ويلحق به الدائن الحاجز، ولا تعتبر غيراً دائن المدين المفلس أو المعسر. فنتكلم في كل من هؤلاء .
الخلف الخاص يعتبر من الغير : نفرض أن صاحب سيارة باعها من آخر بعد ثابت التاريخ. فالمشتري يكون، في هذه السيارة، خلفاً خاصاً للبائع. ولا يحتج عليه بأي تصرف آخر في السيارة يصدر من البائع إذا كان تاريخه غير ثابت. فلو أن بائع السيارة باعها مرة أخرى إلى مشتر ثان، فإن المشتري الأول يكون من الغير بالنسبة إلى تاريخ هذا التصرف. ومن ثم فإن تاريخ البيع الثاني إذا كان عرفياً لا يحتج به بتاتاً على المشترى الأول، ويفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن هذا البيع الثاني قد صدر بعد البيع الأول، حتى لو كان تاريخه سابقاً على ذلك. وإذا كان تاريخ البيع الثاني ثابتاً، احتج به على المشتري الأول. فإن كان سابقاً على تاريخ عقده، فضل المشترى الثاني، و إلا فضل المشترى الأول. فإذا لم يكن تاريخ البيع الأول ثابتاً، وكان البيع الثاني تاريخه هو الثابت، فضل المشتري الثاني لأنه هو الذي تعتبر "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ البيع الأول، ولا يكون هذا التاريخ حجة عليه لأنه تاريخ غير ثابت. فإذا لم يكن أي من البيعين تاريخ ثابت، لم يعتبر أن من المشترين "غيراً" فيحتج على كل منهما بالتاريخ العرفي الصادر للآخر، ولكن يكون لكل منهما أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ ليدل بذلك على أنه هو صاحب التاريخ الأسبق. وغنى عن البيان إن كل هذا إنما يكون إذا لم يسلم البائع السيارة لأحد من المشتريين، فإن تسلمها أحدهما ملكها، إما بعقد البيع إذا كان هو السابق، وإما بالحيازة في المنقول إذا كان هو اللاحق .
وقد أورد التقنين المدني جملة من التطبيقات التشريعية للخلف الخاص الذي يعتبر من الغير، نذكر منها :
1- نصت الفقرة الأولى من المادة 604 على أنه " إذا إنتقلت ملكية العين المؤجرة إختياراً أو جبراً إلى شخص آخر، فلا يكون الإيجار نافذاً في حق هذا الشخص إذا لم يكن له تاريخ ثابت سابق على التصرف الذي نقل الملكية ". فهنا انتقلت ملكية العين المؤجرة إلى خلف خاص، فلا يحتج عليه بتاريخ الإيجار إلا إذا كان ثابتاً .
2- نصت المادة 1117 على أنه " يشترط لنفاذ رهن المنقول في حق الغير، إلى جانب إنتقال الحيازة، أن يدون العقد في ورقة ثابتة التاريخ يبين فيها المبلغ المضمون بالرهن والعين المرهونة بياناً كافياً، وهذا التاريخ الثابت يحدد مرتبة الدائن المرتهن ". فإذا ارتهن المنقول دائنان، متعاقبان، كان كل منهما "غيراً" بالنسبة إلى تاريخ الآخر، فلا يحتج عليه إلا بالتاريخ الثابت، ومن ثم كان التاريخ الثابت هو الذي يحدد مرتبة الدائن المرتهن .
3- نصت المادة 305 في حوالة الحق على أنه " لا تكون الحوالة نافذة قبل المدين أو قبل الغير إلا إذا قلبها المدين أو أعلن بها، على أن نفاذها قبل الغير بقبول المدين يستلزم أن يكون هذا القبول ثابت التاريخ ". فالمحال له خلف خاص في الحق الذي إنتقل إليه من المحيل، ولا يحتج عليه في حوالة أخرى صادرة من المحيل إلا بالتاريخ الثابت لهذه الحوالة. فإن تمت الحوالة الأخرى بإعلان إلى المدين فهذا الإعلان تاريخه ثابت لا محالة. وإن تمت بقبول المدين، فالتاريخ الثابت لهذا القبول هو الذي يعتد به .
4– نصت المادة 1123 على أنه " 1 – لا يكون رهن الدين نافذاً في حق المدين إلا بإعلان هذا الرهن إليه أو بقبوله له وفقاً للمادة 305 / 2 ولا يكون نافذاً في حق الغير إلا بحيازة المرتهن لسند الدين المرهون، وتحسب للرهن مرتبته من التاريخ الثابت للإعلان أو القبول ". وليس رهن الدين إلا تطبيقاً لحوالة الحق. فصاحب الحق يتصرف فيه بالحوالة بيعاً أو رهناً أو بأي تصرف آخر. وهنا أيضاً المحال له، وهو الدائن المرتهن، خلف خاص في الحق إلا بالتاريخ الثابت على النحو الذي قدمناه في حوالة الحق .
ويحسن، قبل أن نترك " الخلف الخاص "، أن نلاحظ أننا لم نجعله في الأمثلة التي قدمناها خلفاً خاصاً في عقار، بل عيناه مشترياً أو مرتهناً لمنقول أو دين لأن العقار يستلزم إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ، هي التسجيل أو القيد، وسنرى أنه يشترط في التجرد " للغيرية " ألا يكون القانون قد تطلب إجراءات أخرى إلى جانب التاريخ الثابت .
الدائن الحاجز يعتبر من الغير :
قدمنا أن الدائن الحاجز، في المال المحجوز، يكون في وضع الخلف الخاص على هذا المال. وهو إن لم يكن كالخلف الخاص ذا حق عيني في المال المحجوز إذ لا يزال حقه شخصياً، إلا أنه ركز حقه في هذا المال بالحجز، وأصبح القانون يحميه من تصرفات مدينه التالية للحجز كما يحمي الخلف الخاص .
ومن ثم يصبح "غيراً" في تاريخ الورقة العرفية الصادرة من المدين لتشهد على تصرفه في المال المحجوز، فلا يحتج عليه بهذا التاريخ إلا إذا كان ثابتاً، ولا يحتج عليه بالتاريخ العرفي، بل يفرض فرضاً غير قابل لإثبات العكس أن هذا التاريخ تالٍ للحجز فلا ينفذ التصرف في حقه حتى لو كان التاريخ العرفي المدون في الورقة سابقاً على الحجز ويستوي فيما قدمناه أن يكون الحجز على منقول أو على دين للمدين في ذمة الغير حجز ما للمدين لدى الغير أو على عقار .
أما في الحجز على المنقول فتنص المادة 362 من تقنين المرافعات على أنه " تصبح الأشياء محجوزة بمجرد ذكرها في محضر الحجز ولو لم يعين عليها حارس ". فكل تصرف يصدر من المدين في المال المحجوز بعد حجزه على هذا النحو لا يكون تاريخه حجة على الدائن الحاجز إلا إذا كان ثابتاً وسابقاً على توقيع الحجز. فإن كان التاريخ غير ثابت، أو كان ثابتاً ولكنه تال لتوقيع الحجز، فإن التصرف لا ينفذ في حق الدائن الحاجز .
وفي حجز ما للمدين لدى الغير يحصل الحجز بإعلان إلى المحجوز لديه ينهاه فيه الدائن عن الوفاء بما في يده إلى المحجوز عليه أو تسليمه إياه م 329 مرافعات. ومن ذلك الوقت يصبح الدائن الحاجز "غيراً"، وكل تصرف يصدر من المدين في الحق المحجوز لا يكون تاريخه حجة على الدائن الحاجز إلا إذا كان ثابتاً سابقاً على توقيع الحجز. فإذا أبرز المحجوز لديه ورقة عرفية تتضمن إبراءه من الدين أو قبولاً منه بحوالة صدرت من المحجوز عليه أو غير ذلك من التصرفات وكان تاريخ هذه الورقة العرفية غير ثابت أو كان ثابتاً ولكنه تال لتوقيع الحجز، فإن التصرف لا ينفذ في حق الدائن الحاجز. وهناك رأي يذهب إلى لا أن الدائن الحاجز في حجز ما للمدين لدى الغير لا يعتبر "غيراً"، ولكن هذا الرأي أصبح اليوم مرجوحاً بعد صدور التقنين المدني الجديد وفيه نصان يقضيان يجعل الدائن الحاجز في مرتبة تضاهي مرتبة الخلف الخاص مع مراعاة طبيعة حقه من أنه ليس بحق عيني. النص الأول يجعل الدائن الحاجز يشترط مع المحال له إذا سبق حجزه الحوالة، إذ تقضي الفقرة الأولى من المادة 314 بأنه " إذا وقع تحت يد المحال عليه حجز قبل أن تصبح الحوالة نافذة في حق الغير، كانت الحوالة بالنسبة إلى الحاجز بمثابة حجز آخر ". وهذا النص، وكان موجوداً في تقنين المرافعات القديم، يعتبر فوق ذلك أن الدائن الحاجز هو من الغير بالنسبة إلى المحال له. والنص القانوني يجعل حجز ما للمدين لدى الغير مانعاً من المقاصة بالدين المحجوز، إذ تقضي المادة 367 بأنه " 1 – لا يجوز أن تقع المقاصة إضراراً بحقوق كسبها الغير 2 – فإذا أوقع الغير حجزاً تحت يد المدين، ثم أصبح المدين دائناً لدائنه، فلا يجوز له أن يتمسك بالمقاصة أضراراً بالحاجز ". ولا يكون ذلك إلا إذا كان للدائن الحاجز حق كسبه على الدين المحجوز يمنع من وقوع المقاصة، وهذا الحق قد صرح به النص : " حقوق كسبها الغير "، وهو ذاته الذي يجعل الدائن الحاجز في مرتبة تضاهي مرتبة الخلف الخاص مع مراعاة طبيعة حقه من أنه حق شخصي لا حق عيني كما قدمنا .
وفي الحجز على العقار يكسب الدائن الحاجز على العقار المحجوز حقوقاً صريحة واضحة تجعله في مرتبة الخلف الخاص وتمنحه الحماية ذاتها فيعتبر "غيراً"، ولا يحتج عليه بتاريخ التصرف الصادر من المدين إلا إذا كان ثابتاً. فإن كان التاريخ غير ثابت، أو كان ثابتاً ولكنه تال للحجز، لم يسر التصرف في حق الدائن الحاجز، شأنه في ذلك شأن الخلف الخاص. وتطبيقاً لهذه القاعدة تنص الفقرة الأولى من المادة 405 من تقنين المرافعات على أنه " يترتب على تسجيل التنبيه اعتبار العقار محجوزاً ". ثم تنص الفقرة الأولى من المادة 406 من هذا التقنين على أنه " لا ينفذ تصرف المدين أو الحائز في العقار ولا بما يترتب عليه من رهن أو اختصاص أو امتياز في حق الحاجزين ولو كانوا دائنين عاديين، ولا في حق الدائنين المشار إليهم في المادة 418، ولا الراسي عليه المزاد، إذا كان التصرف أو الرهن أو الاختصاص أو الامتياز قد حصل شهرة بعد تسجيل تنبيه نزع الملكية " ثم تنص المادة 409 على أن " عقود الإيجار الثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه تنفذ في حق الحاجزين والدائنين المشار إليهم في المادة 418 والراسي عليه المزاد، وذلك بغير إخلال بأحكام القانون المتعلقة بعقود الإيجار الواجبة الشهر. أما عقود الإيجار غير ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه فلا تنفذ في حق من ذكروا إلا إذا كانت من أعمال الإدارة الحسنة. وتنص أخيراً المادة 410 على أن " المخالصات عن الأجرة المعجلة والحوالة بها يحتج بها على الدائن الحاجز والدائنين المشار إليهم في المادة 418 والراسي عليه المزاد، إذا كانت ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه، وذلك بغير إلا بأحكام القانون المتعلقة بالمخالصات الواجبة الشهر، فإذا لم تكن ثابتة التاريخ قبل تسجيل التنبيه فلا يحتج بها إلا لمدة سنة ".
ويلاحظ أن الدائن المرتهن في الرهن الرسمي، في خصوص الإيجار الصادر من الراهن وفي خصوص المخالصات عن الأجرة المعجلة والحوالة بها، يعامل معاملة الدائن الحاجز ( م 1045 و 1046) مدني، لأن الراهن لا تغل يده بالرهن الرسمي عن إيجار العقار المرهون ولا عن قبض الأجرة المعجلة والحوالة بها، فيصبح شأن الدائن المرتهن في هذه التصرفات شأن الدائن العادي، وكالدائن العادي أيضاً لا يكون له حق خاص على العقار المرهون يتعارض مع الإيجار وقبض الأجرة والحوالة بها إلا إذا بدأ التنفيذ فيجل التنبيه. أما الدائن المرتهن في الرهن الحيازي فيعليه أن يستثمر الشيء المرهون إستثماراً كاملاً ويتولى إدارته (م 1104 و 1106) مدني، ومن ثم يتعارض وضعه هذا مع حق الراهن في إنفجار وقبض الأجرة، فيعتبر "غيراً" في هذه التصرفات منذ تسلم الشيء المرهون، ولا يحتج عليه بالتاريخ إلا إذا كان ثابتاً .
الدائن إذا أفلس مدينه أو أعسر لا يعتبر من الغير :
متى أفلس المدين التاجر وشهر إفلاسة، رفعت يده عن إرادة أمواله ( م 216 تجاري ) وتصرفاته، في خلال المدة السابقة على الحكم بشهر الإفلاس منذ العشرة الأيام السابقة على تاريخ توقفه عن الدفع، الخاصة بتبرعات أو بوفاء دون غير حالة على أي وجه كان هذا الوفاء أو بوفاء ديون حتى بغير النقود أو الأوراق التجارية أو بترتيب حقوق رهن أو إختصاص على أمواله، تكون كلها باطلة (م 227 تجاري). أما وفاء الديون الحالة بنقود أو أوراق تجارية والمعاوضات فتكون قابلة للإبطال إذا وقعت بعد تاريخ التوقف عن الدفع (228 تجاري)- ولكن بالرغم من كل ذلك لا نرى أن دائن التفليسة يعتبر من الغير في التصرفات الصادرة من المدين المفلس. فالحكم بشهر الإفلاس ليس إلا تمهيداً للتنفيذ الجماعي. ودائن المفلس، لمجرد شهر إفلاس مدينه، لم يدخل بعد في مرحلة التنفيذ، كما دخل الدائن الحاجز. والإفلاس لا يعدل الحجز، وكل ما نتج عنه أن غلت يد المفلس في إدارة أمواله، وحل محله الدائنون الذين تكتلوا في مجموعة يمثلها السنديك. وهذا لا يغير من مركزهم كدائنين عاديين لم يصلوا بعد إلى مرحلة التنفيذ، فهم لا يزالون يستعملون حقهم العام في الضمان، شأنهم في ذلك شأن الدائن الذي يباشر الدعوى البوليصية .
ومن ثم يكون التاريخ العرفي للتصرفات الصادرة من المدين المفلس حجة على دائنيه، ولو كانت تصرفات مدنية أي غير تجارية. ويكون لهؤلاء، بداهة، الحق في إثبات عدم صحة هذا التاريخ وإثبات التاريخ الحقيقي لهذه التصرفات فيعطي عندئذ لكل تصرف حكمه القانوني : ما صدر في المدة المشتبه فيها، وما صدر بعد توقف المدين عن الدفع، وما صدر بعد الحكم بشهر الإفلاس. وكالإفلاس والإعسار. وقد نصت المادة 257 من التقنين المدني على أنه " متى سجلت صحيفة دعوى الإعسار، فل يسري في حق الدائنين أي تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد في التزاماته ؛ كما لا يسرى في حقهم أي وفاء يقوم به المدين ". ويتبين من ذلك أن حكم شهر الإعسار له أثر حكم شهر الإفلاس في غل يد المدين عن التصرف في أمواله. ولكننا لا نرى – هنا أيضاً – أن دائن المدين المعسر يعتبر من الغير في التصرفات الصادرة من مدينة. فالحكم بشهر الإعسار، كالحكم بشهر الإفلاس، ليس إلا تمهيداً للتنفيذ، ولم يدخل الدائنون بعد في مرحلة التنفيذ لمجرد الحكم بشهر إعسار مدينهم. بل لعل إنعدام " الغيرية " في الإعسار أولى منه في الإفلاس، إذ ليس في الإعسار تصفية جماعية كما في الإفلاس، بل يبقى كل دائن موكولاً إلى الأجراءات الفردية التي يتخذها وحده، فلا يتكتل الدائنون في مجموعة يمثلها السنديك. وما الإعسار، على الوجه الذي نظم به في التقنين المدني الجديد، إلا الدعوى البوليصية، أحكم تنظيمها، ورتبت مراحلها، وحددت مواعيدها، ويسر فيها عبء الإثبات، فإنضبطت آثارها، و وضحت معالمها. فإذا كان الدائن في الدعوى البوليصية لا يعتبر من " الغير " كما قدمنا، فليس غريباً إلا يعتبر أيضاً من " الغير " في الإعسار. ومن ثم يكون التاريخ العرفي للتصرف الصادر من المدين المعسر حجة على دائنه. ويكون للدائن الحق في إثبات التاريخ الحقيق لهذا التصرف، فإن كان لاحقاً لتسجيل صحيفة دعوى الإعسار، لم يسر في حقه .
الشروط الواجب توافرها في توافرها في " الغير " :
يخلص مما قدمناه أن " الغير " في ثبوت التاريخ آل يعدو أن يكون الخلف الخالص أو الدائن الحاجز. ويشترط في " الغير "، خلفاً كان أو دائناً، شروط ثلاثة :
1- أن يكون هو نفسه ذا تاريخ ثابت. وقد رأينا فيما اسلفناه أن الخلف الخاص، حتى لا يحتج عليه بغير التاريخ الثابت، يجب أن يكون تاريخه هو ثابتاً، فإذا تنازع المشتريان للمنقول، ولم يكن أي من المشتريين أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ فإذا لم يكن " الغير " خلفاً خاصاً، كان دائناً حاجزاً، ومن الواضح أن الدائن الحاجز له دائماً تاريخ ثابت.
2- أن يكون القانون آل يتطلب إجراءات أخرى غير ثبوت التاريخ. ومن أجل ذلك تركنا عمداً، كنا سبقت الإشارة، عند الكلام في الخلف الخاص، مشتري العقار والمرتهن له. ذلك أن القانون يتطلب في بيع العقار إجراء آخر هو التسجيل، وفي رهن العقار إجراء آخر هو القيد. ومن ثم كانت المفاضلة بين المشترين لعقار واحد ليست بالأسبقية في التاريخ الثابت بل بالأسبقية في التسجيل، وكان المفاصلة بين المرتهنين لعقار واحد ليست هي أيضاً بالأسبقية في التاريخ الثابت بل بالأسبقية في القيد .
3- أن يكون " الغير "، خلفاً كان أو دائناً، حسن النية فإذا أسرع المشتري الثاني للمنقول في إثبات تاريخ البيع الصادر له وهو يعلم أن البيع الأول سابق على عقده وأن لم يكن ثابت التاريخ، فالمفاضلة لأول وهلة بين المشترين تقضي بتفضيل المشتري الثاني ثابت التاريخ على المشتري الأول غير ثابت التاريخ. ولكن إذا إستطاع المشتري الأول أن يثبت علم المشتري الثاني وقت شرائه المنقول بسبق بيعه من آخر، فإنه يثبت بذلك أن المشترى الثاني ليس حسن النية، فيختل في هذا المشتري الثاني شرط من شروط " الغير " ومن ثم يحتج عليه بتاريخ البيع الأول وأن لم يكن ثابتاً .
ثالثاً الأوراق العرفية التي تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ :
يخضع لقاعدة ثبوت التاريخ كل ورقة عرفية تعد للإثبات مقدماً كدليل كامل، على أن يكون الدليل الكتابي واجباً، وعلى أن يستثنى من ذلك المخالصات.
ومن ثم لا تسرى هذه القاعدة في الأحوال الآتية :
1- إذا لم تكن هناك ورقة عرفية أصلاً لإثبات التصرف القانوني. وذلك كما لو وجد تصرف قانون غير مكتوب وأشير إليه في البيانات الواردة في ورقة رسمية، فلا يقال إن لهذا التصرف القانون تاريخاً ثابتاً هو تاريخ الورقة الرسمية، لأن التصرف دانه غير ثابت في ورقة عرفية.
2 - إذا كانت هناك ورقة عرفية دليلاً كتابياً على التصرف، ولكن هذه الورقة لم تعد مقدماً للإثبات. فدفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية لا تسرى عليها قاعدة ثبوت التاريخ. أما الرسائل فإذا أعدت مقدماً للإثبات سرت عليها القاعدة، وكذلك إذا لم تعد مقدماً للإثبات متى مصلحة أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً فإنها تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ استثناء مما تقدم .
3- إذا كانت هناك ورقة عرفية، ولكنها ليست دليلاً كاملاً. وذلك كمبدأ الثبوت بالكتابة، فهو، كقاعدة عامة لا يشترط فيه التاريخ الثابت على النحو المقرر في الدليل الكامل، ليكون حجة على الغير. وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في مبدأ الثبوت بالكتابة .
4- إذا كانت هناك ورقة عرفية تعتبر دليلاً كاملاً، ولكن الدليل الكتابي يكون غير واجب. ويتحقق ذلك في المسائل التجارية، فهذه يجوز فيها دائماً الإثبات بالبينة والقرائن، فإذا وجدت ورقة عرفية إتخذت دليلاً كتابياً فلا يشترط أن يكون تاريخها ثابتاً ليكون حجة على الغير. ويتحقق ذلك أيضاً في الورقة العرفية المعدة لإثبات إلتزام قيمته لا تزيد على عشرة جنيهات، لأن الإثبات الكتابي هنا أيضاً غير واجب. ويتحقق ذلك أخيراً فيما إذا كانت الورقة العرفية تثبت واقعة مادية لا تصرفاً قانونياً، أو تصرفاً قانونياً يسري في حق الغير باعتباره واقعة مادية، ففي إثبات الوقائع المادية لا يجب الدليل الكتابي .
5- إذا كان الورقة العرفية التي يقدمها الخصم دليلاً كتابياً كاملاً هي مخالصة من دين، فلا يشترط في المخالصات التاريخ الثابت لتكون حجة على الغير بتاريخها. وقد كان القضاء المصري في ظل التقنين المدني القديم، وكذلك القضاء في فرنسا، يستثني المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ، لما في اشتراط التاريخ الثابت في المخالصات من صعوبات عملية. فمن إشترى داراً مؤجرة سرى في حقه المخالصات بالأجرة الصادرة من البائع للمستأجر ولو لم تكن ثابتة التاريخ، إلا إذا كانت الأجرة عن مدة مستقبلة تزيد على ثلاث سنوات فيشترط التسجيل. والدائن الذي يحجز تحت يد مدين المدين حجز ما للمدين لدى الغير يحتج عليه بالتاريخ العرفي للمخالصات الصادرة من المدين، فتسرى هذه المخالصات في حقه إذا كان تاريخها سابقاً على الحجز. وفي جميع الأحوال يجوز للغير الذي يحتج عليه بالتاريخ العرفي للمخالصة أن يثبت بجميع الطرق أن هذا التاريخ غير صحيح وأنه قدم أو أخر غشاً من طرفي المخالصة للإضرار بحقه. وقد أقر التقنين المدني الجديد هذا الاستثناء بنص صريح، في الفقرة من قانون الإثبات الثانية من المادة 395 التي ألغيت و حلت محلها المادة 15 من قانون الإثبات وهي تنص على أنه على أنه " يجوز للقاضي، تبعاً للظروف، ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات ". فجعل النص التقدير إلى القاضي في خصوص المخالصات، إن رأى أن هناك صعوبات عملية كافية تمنع من توافر التاريخ الثابت لم يطلبه، وإلا أخضع المخالصات كغيرها من الأوراق العرفية على الغير .
رابعاً : الطرق القانونية التي يصبح بها التاريخ ثابتاً :
الأصل أن التاريخ العرفي للورقة جزء من هذه الورقة العرفية، فمضمونه هو أيضاً جزء من الإتفاق الذي تشهد به هذه الورقة. فطرفاً الورقة قد اتفقا، فيما اتفقا عليه، على أن يكون تاريخ اتفاقهما هو كذا. ومن ثم كان هذا التاريخ العرفي حجة عليهما، شأنه شأن سائر أجزاء الإتفاق. ولكل منهما أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ بالطرق المقررة قانوناً كما سبق القول. أما الغير، على التحديد الذي يتمناه، فهذا التاريخ العرفي، بالنسبة إلى الغير، ليس صحيحاً. ولا يستطيع الطرفان إثبات التاريخ الصحيح في مواجهة الغير إلا بطريق من الطرق التي عينها القانون، وهي الطرق التي يصبح بها التاريخ ثابتاً فيكون حجة على الغير .
وقد ذكر التقنين الجديد من هذه الطرق خمسة على وجه التحديد، ثم عم أحد هذا التخصيص فذكر أن التاريخ يكون ثابتاً من يوم وقوع أي حادث آخر فيكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه. ومن ثم يكون التاريخ ثابتاً على وجه من الوجوه الآتية :
1 ـ من يوم أن تقيد الورقة العرفية بالسجل المعد لذلك. وقد نظمت اللائحة التنفيذية لقانون التوثيق الطريق العادي لإثبات التاريخ على هذا الوجه. فنصت المادة 31 من هذه اللائحة على أن تقوم مكاتب التوثيق بعد أداء الرسم المقرر بإثبات تاريخ المحررات العرفية بكتابة محضر يثبت فيه تاريخ تقديم المحرر ورقم إدراجه في الدفتر المعد لذلك، ويختم بخاتم المكتب، ويوقعه الموثق. ذلك أن هناك في مكتب التوثيق دفتراً تدرج فيه المحررات التي أثبت تاريخها بأرقام متتابعة، ويبين في هذا الدفتر أسماء ذوى الشأن ومحال إقامتهم وموضوع المحرر وأداء الرسم، ويوقعه الموثق وصاحب الشأن عند تسلم المحرر (م32) من اللائحة، كما يوجد فتر هجائي للفهارس (م 33) من اللائحة. ويسلم مكتب التوثيق شهادة لمن يطلبها بحصول إثبات تاريخ الورقة العرفية م 34 من اللائحة .
هذه هي الإجراءات العادية لإثبات التاريخ من طريق قيد الورقة العرفية بسجل معد لذلك. وتوجد طرق أخرى لقيد الورقة العرفية في سجل رسمي فيكون تاريخها ثابتاً من يوم هذا القيد، نذكر منها طريقين : التصديق على التوقيعات والتسجيل.
وقد نظم قانون التوثيق أيضاً التصديق على التوقيعات. فقضت المادة 21 من لائحته بأن يقوم الموثق بالتصديق على توقيعات ذوى الشأن في المحررات العرفية، بحضور شاهدين بالغين عاقلين معروفين له يتأكد بشهادتهما من شخصية ذوي الشأن. ويوقع هؤلاء أمام الموثق على الورقة العرفية، ويكتب الموثق محضراً في ذيل الورقة يذكر فيه أسماءهم ومحال إقامتهم وحصول التوقيع منهم أمامه وأسماء الشهود ومهنهم ومحال إقامتهم. ويوقع هذا المحضر الشهود والموثق، ثم يوضع عليه خاتم المكتب ورقم إدراجه في دفتر تدرج فيه محاضر التصديق على التوقيعات بأرقام متتابعة (م 24 - 25) من اللائحة. وعند إتمام التصديق تسلم الورقة العرفية إلى صاحب الشأن، ويصبح تاريخ المحضر المدون بذيلها هو تاريخها الثابت .
والتسجيل إجراء آخر لإثبات التاريخ، عن طريق قيد الورقة العرفية في سجل معد لذلك. وهنا القيد يكون كاملاً، ويتم التسجيل الآن بالتصوير الفوتوغرافي. فكل ورقة عرفية مسجلة تكون ثابتة التاريخ من يوم تسجيلها على الأقل. بل إنه لما كان التسجيل لا يكون إلا بعد التصديق على التوقيع، فتاريخ الورقة المسجلة يثبت من يوم التصديق على التوقيع، ولا يتأخر إلى يوم التسجيل .
2- من يوم أن يثبت مضمون الورقة العرفية في ورقة أخرى ثابتة التاريخ وذلك بأن تذكر الورقة العرفية، مع تحديد موضوعها تحديداً معيناً لها مانعاً للبس، في ورقة رسمية - لأن الورقة الرسمية ثابتة التاريخ بحكم رسميتها كما قدمنا - أو في أية ورقة عرفية تكون ثابتة التاريخ بوجه من الوجوه القانونية. وعند ذلك تكسب الورقة العرفية تاريخاً ثابتاً هو التاريخ الثابت للورقة الأخرى التي جرى فيها ذكر الورقة الأولى. مثل ذلك أن يذكر في ورقة تثبت عقد بيع – رسمية وعرفية مصدق فيها على التوقيع – توكيل عرفي صادر من البائع إلى وكيل بيع بالنيابة عنه، فهذا التوكيل العرفي إذا كانت غير ثابت التاريخ يصبح، بذكره في ورقة البيع ثابتة التاريخ، ذا تاريخ ثابت هو تاريخ ورقة البيع .
3- من يوم أن يؤشر على الورقة العرفية موظف عام مختص. مثل ذلك أن تقدم الورقة العرفية في قضية فيؤشر عليها القاضي أو كاتب الجلسة، أو تقدم في تحقيق فيؤشر عليها المحقق، أو تقدم في جرد رسمي فيؤشر عليها مندوب الجرد، أو تقدم لصرف نقود بها فيؤشر عليها مندوب الخزانة العامة. وتكسب المراسلات المسجلة تاريخاً ثابتاً هو تاريخ ختم مصلحة البريد إذا أمكن التثبت منه بالرجوع إلى السجلات الرسمية التي سجلت فيها هذه المراسلات. أما المراسلات غير المسجلة فلا يثبت تاريخها من ختم مصلحة البريد، لأنه لا توجد سجلات رسمية يمكن الرجوع إليها للتثبت من صحة التاريخ. والتاريخ الذي يضعه المحكمون في أحكامهم لا يعتبر تاريخاً ثابتاً، وكذلك تأشير الخبير على ورقة عرفية وذكره الورقة في محضر أعماله لا يكسبها تاريخاً ثابتاً، لأن المحكمين والخبراء لا يعتبرون موظفين عامين ولا يمكن التثبت من صحة التاريخ الذي وضعوه على الورقة العرفية. هذا ما لم يكن الخبير على ورقة عرفية وذكره الورقة في محضر أعماله لا يكسبها تاريخاً .
4- من يوم وفاة أحد ممن لهم على الورقة العرفية أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة أصبع. أما الخط والإمضاء المعترف بصدورهما من الشخص المتوفى فأمرهما واضح، ذلك أن الورقة العرفية التي تحمل خطاً أو إمضاء لشخص متوفي لا بد أن تكون قد صدرت قبل وفاة هذا الشخص، فتاريخها ثابت من وقت الوفاة. ويستوي أن يكون الشخص المتوفى طرفاً في الورقة أو شاهد أو كفيلاً أو غير ذلك، فالحكمة قائمة في جميع هذه الأحوال. على أن مجرد وجود خط لشخص متوفى في الورقة لا يكفي لإثبات التاريخ، بل يجب أيضاً أن تكون الورقة قد وقعت منذ وجود هذا الخط، إذ يحتمل أن يعهد إلى شخص في كتابة ورقة عرفية فيكتبها، ولكنها تبقى مشروعاً دون توقيع إلى أن يتوفى الكاتب، ثم يوقع ذوو الشأن الورقة بعد وفاته، فلا تكون الورقة ثابتة التاريخ من يوم الوفاة. وهذا ما لم تكن الورقة تعتبر دليلاً من غير توقيع، كالتأشير على سند الوفاء .
بقى الختم وبصمة الإصبع. أما أن الختم يثبت تاريخ الورقة التي تحمل بصمته، فأمر كان مقرراً في التقنين المدني الأهلي السابق، وتابعه في ذلك التقنين المدني الجديد. وهو محل للنظر، إذ أن بقاء الختم بعد وفاة صاحبه واحتمال التوقيع بهذا الختم بعد الوفاة شيء يقع. وقد كان التقنين المدني المختلط لا يذكر أن ختم المتوفى يثبت تاريخ الورقة العرفية. ومهما يكن من أمر فإنه يجوز، بالرغم من وجود بصمة الختم في الورقة، إثبات أن التوقيع بالختم لم يتم إلا بعد الوفاء .
على أن قانون الإثبات الجديد قد تلقى هذا العيب إذا أسقط بصمة ختم المتوفى من بين الدلائل المثبتة لتاريخ الورقة وذلك لاحتمال أن يكون الختم لم يجبر بعد وفاة صاحبه أو ان يكون قد زور عليه .
وبصمة الاصبع أدق من بصمة الختم، فهي أقرب إلى إثبات تاريخ الورقة العرفية التي تحمل هذه البصمة لشخص متوفى. على أن احتمال توقيع الورقة العرفية ببصمة شخص متوفى بعد وفاته لا يزال قائماً وإن كان إحتمالاً بعيداً، وهو أبعد على كل حال من إحتمال التوقيع بالختم بعد وفاة صاحبه .
5- من يوم أن يصبح مستحيلاً على أحد ممن لهم على الورقة العرفية أثر معترف به من خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة إصبع أن يكتب أو يبصم لعلة في جسمه. والمثل المألوف لهذه الحالة أن تبتر يد شخص في تاريخ معروف، فتكون الورقة العرفية التي وقعها بيده قبل أن تبتر ذات تاريخ ثابت هو تاريخ هذا البتر. وهذا صحيح بالنسبة إلى الخط والإمضاء وبصمة الإصبع. أما الختم فيمكن التوقيع به بعد بتر اليد، بل بعد بتر اليدين معاً، إذ يجوز أن يوقع به غير صاحبه، فلا تكسب الورقة منه تاريخاً ثابتاً في المثال المتقدم
وقد تكون العلة في الجسم التي تستحيل معها الكتابة شيئاً آخر غير البتر كالشلل .
وقد عمم التقنين المدني الجديد بعد التخصيص كما قدمنا، فذكر أن الورقة العرفية تكون ثابتة التاريخ من يوم وقوع أي حادث آخر - غير الحوادث التي تقدم ذكرها - يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه. مثل ذلك الجنون العارض، فقد يوقع شخص سليم العقل ورقة عرفية، ثم يصاب بالجنون بعد ذلك، فمن يوم ثبوت عزله في مستشفى أو في مكان آخر يكون تاريخ الورقة ثابتاً، مع أن الجنون ليس علة في الجسم - وهذا ما اقتصر النص على ذكره - بل هو علة في العقل .
وقد كان التقنين المدني السابق يفسره الفقه والقضاء على النحو الذي قدمناه. فهو، بالرغم من أنه لم يورد في المادة 229/ 294 إلا بعض طرق إثبات التاريخ – قيد الورقة في سجل عام وأثر معترف به لشخص متوفى وتأشير على الورقة من موظف عام مختص – فإن هذه الطرق لم تحمل على إنها وردت على سبيل الحصر. ومن ثم لا يكون هناك فرق بين التقنين القديم والتقنين الجديد في طرق إثبات التاريخ .
أما التقنين المدني الفرنسي فقد اقتصر على طرق ثلاثة لإثبات التاريخ، ذكرها على سبيل الحصر، وهي :
1- تسجيل الورقة العرفية وفقاً لإجراءات معينة .
2 - ذكر مضمون الورقة العرفية في ورقة رسمية .
3 - توقيع معترف به من شخص متوفى، طرفاً كان أو شاهداً .
ومتى ثبت التاريخ على وجه من الوجوه المتقدمة الذكر في التقنين المدني المصري، صار هذا التاريخ الثابت هو الحجة على الغير، لا التاريخ العرفي الذي يسبقه. ولكن تصبح حجيته على الغير أقوى من حجية التاريخ العرفي على طرفي الورقة، ذلك أن الغير لا يستطيع أن يدحض حجية التاريخ الثابت إلا عن طريق الطعن بالتزوير، أما من كان طرفاً في الورقة فيستطيع أن يدحض حجية التاريخ العرفي بإثبات أن هذا التاريخ غير صحيح دون حاجة إلى الطعن بالتزوير. وإذا قام تنازع بين ورقتين لهما تاريخ ثابت في يوم واحد، فإن أمكن تعيين الورقة الأسبق فضل صاحبها. ويتحقق ذلك إذا كان طريق ثبوت التاريخ بالقيد في السجل، وعينت ساعة القيد أو أعطيت الورقتان رقمين مسلسلين، فالورقة الأسبق في الساعة أو في الرقم المسلسل هي التي يفضل صاحبها. وإذا لم يمكن تعيين الورقة الأسبق، كما لو كانت الورقتان قد وقعهما شخص واحد توفى واتخذ تاريخ وفاته تاريخاً ثابتاً لكل من الورقتين نفس صاحب الورقة المكلف بإثبات اسبقيته يتقدم عليه صاحب الورقة الأخرى لأن الأول قد عجز عن إثبات هذه الأسبقية.
حجية الورقة العرفية فيما يتعلق بالصور
الأصل ألا حجية لصور الأوراق العرفية : رأينا فيما تقدم أن صور الأوراق الرسمية لها قوة متفاوتة في الإثبات، مع أن الصورة لا تحمل توقيع من صدرت منه الورقة والتوقيع هو الذي تتركز فيه قوة الإثبات. وتعليل ذلك كما رأينا يرجع إلى أن صورة الورقة الرسمية هي أيضاً ورقة رسمية يقوم بتحريرها موظف رسمي مختص، فتضفى عليها رسميتها من الثقة ما يجعل لها قيمة في الإثبات تتفاوت قوة وضعفاً .
أما صورة الورقة العرفية فليست لها في الأصل أية قيمة في الإثبات، ولو كمبدأ ثبوت بالكتابة. فهي لا تحمل توقيع من صدرت منه الورقة. وهي في الوقت ذاته ليست ورقة رسمية حتى تضفي عليها رسميتها شيئاً من الثقة. ولا قيمة لصورة الورقة العرفية إلا بمقدار ما تهدى إلى الأصل إذا كان موجوداً، فيرجع إليها، وتكون الحجية للأصل لا الصورة. أما إذا كان الأصل غير موجود، فلا سبيل للاحتجاج بالصورة، لما قدمناه من إنها لا تحمل التوقيع ومن إنها ليست ورقة رسمية، ولجواز أن تكون الصورة محرفة أو أن يكون الأصل مزوراً فلا يتيسر الاهتداء إلى التزوير بالاقتصار على الصورة. وهذا صحيح حتى لو كانت الصورة المأخوذة من الأصل صورة فوتوغرافية .
وغني عن البيان أن صور الصور للورقة العرفية ليست لها هي أيضاً، من باب أولى، أية قيمة في الإثبات .
إستثناءان تكون فيهما لصورة الورقة العرفية قيمة في الإثبات :
على أن هناك استثنائين من المبدأ الذي قدمناه تكون فيهما لصورة الورقة العرفية قيمة معينة في الإثبات :
الإستثناء الأول في حالة التسجيل ، فقد تكون لصورة الورقة المسجلة قيمة في الإثبات، ونميز في ذلك بين عهدين : العهد السابق على قانون التسجيل رقمي 18 و 19 لسنة 1923 وعهد قانون التسجيل الذي حل محله القانون رقم 114 لسنة 1946 الخاص بالشهر العقاري .
ففي العهد الأول كان التسجيل يتم بنقل صورة حرفية من الورقة المقدمة للتسجيل في سجل عام، ثم يختم الأصل بختم يدل على حصول التسجيل ويعاد إلى صاحبه. فإذا أعطيت صورة من الورقة المسجلة كانت هذه الصورة رسمية، لأن موظفاً عاماً مختصاً كان هو الذي ينقل هذه الصورة، لا عن الأصل فهو عند صاحبه كما قدمنا، ولكن عن الصورة الرسمية لهذا الأصل العرفي وهي الصورة المدونة في السجل العام. ولما كانت صورة الصورة هذه هي صورية رسمية لصورة رسمية، فقد كان القضاء في البداية يعتد بها، في حالة فقد الأصل، كدليل كامل أو على الأقل كمبدأ ثبوت بالكتابة. ثم رجع عن ذلك، وأنكر حجية هذه الصورة الرسمية حتى كمبدأ ثبوت بالكتابة، لما رأى ما لجأ إليه بعض الناس، من تقديم أوراق مزورة للتسجيل وإعدام الأصل المزور، والتقدم بعد ذلك بصورة رسمية منقولة عن الصورة المدونة في السجل العام، فلا يظهر التزوير لا في صورة الصورة ولا في الصورة الأصلية، إذ أن الموظف العام لم يكن من اختصاصه ولا فى إمكانه التحقق من سلامة الأوراق التى تقدم للتسجيل .
وفي العهد الثاني، عهد قانون التسجيل ثم الشهر العقارى وهو العهد الحالي، اتخذ المشرع احتياطات دقيقة. وتتخلص هذه الاحتياطات في وجوب التصديق على التوقيع قبل تسجيل المحرر، وفى هذا ضمان كاف لعدم تزوير الأوراق ولصحة صدورها من موقعها، ثم فى طريقة التسجيل ذاتها فقد صار الأصل هو الذى يحفظ بمكتب الشهر ويعطى لأصحاب الشأن صور فوتوغرافية من هذا الأصل. هذه الصور الفوتوغرافية، التى تمكن إعادة أخذها فيما بعد منقولة دائماً عن الأصل وإعطاؤها لأصحاب الشأن إذا احتاجوا إليها، هي صور رسمية دقيقة من أصل محفوظ فى مكتب السجل العقاري، فقيمتها فى الإثبات لا شك فيها. ذلك أنه إذا كان الأصل موجوداً وهو الغالب، ولم ينازع الخصم فى مطابقة الصورة الفوتوغرافية للأصل، اكتفى بالصورة دليلاً كاملاً فى الإثبات. فإن نازع الخصم فى المطابقة، أمكنت مضاهاة الصورة على الأصل المحفوظ بمكتب الشهر، وكانت الحجية للأصل لا للصورة. أما إذا فقد الأصل - وهذا نادر ولكنه يقع أحياناً لقوة قاهرة كحريق أو سرقة - فإن دقة الصورة الفوتوغرافية ورجحان سلامة الأصل من التزوير بعد التصديق على التوقيع، كل ذلك يسمح بإعطاء هذه الصورة الفوتوغرافية قوة إثبات كاملة أو فى القليل يجعلها مبدأ ثبوت بالكتابة .
الإستثناء الثانى فى حالة ما إذا كانت صورة الورقة العرفية مكتوبة بخط المدين، فتكون لهذه الصورة بعض القيمة فى الإثبات. ويلاحظ أن هذه الصورة المكتوبة بخط المدين لا تحمل توقيعه، وإلا صارت إما نسخة ثانية، لا مجرد صورة، فتكون لها حجية الأصل كالنسخة الأولى، وإما سنداً مؤيداً وسيأتى بيان قيمته فى الإثبات. فالصورة التى نحن بصددها هى إذن مكتوبة بخط المدين ولا تحمل توقيعه، ويمكن فى هذه الحالة إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة لأنها صادرة من المدين ما دامت بخطة، وتستكمل بالبينة أو القرائن .
على أنه ليس من الضرورى أن تكون صورة الورقة العرفية مكتوبة بخط المدين نفسه لاعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة، بل يكفى أن تكون صادرة من نائب المدين. مثل ذلك أن يعلن محضر - وهو نائب المعلن - ورقة عرفية إلى المعلن إليه. فالصورة التى يتركها المحضر بخطه أو المفروض أنها بخطة لأنها صادرة منه تصلح أن تكون مبدأ ثبوت بالكتابة يتمسك به الخصم ضد المعلن، إذ أن هذه الصورة مكتوبة بخط نائب المدين وهو المحضر، فكأنها صادرة من المدين .
السند المؤيد وقيمته فى الإثبات : وبين الأصل والصورة يوجد سند، لا هو مجرد صورة لأنه يحمل توقيع المدين، ولا هو نسخة ثانية من الأصل لأنه غير معاصر للأصل بل يكتب بعده. فهو إذن أضعف من الأصل، وأقوى من الصورة. هذا هو السند المؤيد أو السند الجديد وهو سند يتضمن إقراراً بحق سبق إثباته فى محرر يسمى بالسند الأصلى. ويتميز السند المؤيد عن مطلق الإقرار بالحق بأنه لا يتضمن إقراراً على إطلاقه، بل يشير إلى أن الحق المقر به قد سبق إثباته فى سند أصلى. ومن ثم إذا تعارض السند المؤيد مع السند الأصلى، كان السند الأصلي هو المعتبر. ولو كان السند المؤيد إقراراً محضاً لأخذ به دون السند الأصلي .
والسند المؤيد، على هذا النحو، يصلح من الناحية القانونية لقطع التقادم، ومن الناحية العملية لتوفير دليل الإثبات عند فقد السند الأصلى إذا كان هذا معرضاً للفقد. ويغلب أن يكون ذلك فى الديون الطويلة الآجال وفى الإيرادات المؤيدة، حيث يحتاج الدائن من وقت إلى آخر أن يحصل على سند مؤيد لسنده الأصلى لقدم العهد بالسند الأصلي، فيقطع التقادم ويجدد الدليل.
وقد تضمن التقنين المدنى الفرنسى نصاً يقرر قيمة السند المؤيد فى الإثبات. فنصت المادة 1337 من هذا التقنين على ما يأتي : " السندات المؤيدة لا تعفى من تقديم السند الأصلي، إلا إذا كان نص السند الأصلى قد دون خصيصاً فى السند المؤيد. وما اشتمل عليه السند المؤيد زائداً على السند الأصلى إذا وجدت جملة من السندات المؤيدة المتطابقة، تدعمها الحيازة، ويكون تاريخ أحد هذه السندات يرجع إلى ثلاثين سنة ".
ويتبين من هذا النص أن السند المؤيد، فى التقنين الفرنسي، لا يصلح فى ذاته دليلاً كاملاً. وهناك فرضان :
الفرض الأول أن السند الأصلي موجود. وفى هذه الحالة لا يكون السند المؤيد دليلاً أصلاً، بل يجب على الدائن إبراز السند الأصلى. فإذ كان هناك خلاف بينه وبين السند المؤيد فالعبرة بالسند الأصلى، إلا إذا تبين من الظروف أن السند المؤيد ليس فى حقيقته إلا تجديداً للدين فتكون العبرة بالدين الجديد .
الفرض الثاني أن السند الأصلي غير موجود. وفى هذه الحالة لا يكون للسند المؤيد قوة فى الإثبات كدليل كامل، ولكنه يكون مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة وبالقرائن. ومع ذلك قد لا يكون دليلاً كاملاً فى حالتين :
1- إذا كان نص السند الأصلى مدوناً بأكمله فى السند المؤيد.
2- إذا تعددت السندات المؤيدة، وكانت متطابقة، ودعمتها الحيازة، وكان أحدها يرجع تاريخه إلى ثلاثين سنة على الأقل. فيجوز للقاضى فى هذه الحالة، إذا كان السند الأصلى قد فقد، أن يعد السندات المؤيدة دليلاً كاملاً، ويترك ذلك إلى تقديره. وهذه الأحكام ينتقدها الفقه فى فرنسا، لأنها لا تتفق مع القواعد العامة .
فإن هذه تقضى - وهذا ما يجب إتباعه فى مصر ما دام لا يوجد نص فى هذه المسألة - بأنه إذا وجد سند مؤيد لسند سابق، اعتد بالسند المؤيد كدليل إثبات كامل، إذ هو موقع من المدين وليس مجرد صورة لورقة عرفية، سواء في ذلك اشتمل على نص السند الأصلي أو لم يشتمل، وتعددت السندات المؤيدة أياً كان تاريخها أو لم تتعدد. ولكن لما كان السند المؤيد يشير إلى سند أصلى، فالمفروض أن السند المؤيد مطابق للسند الأصلى، إلى أن يثبت المدين العكس بإبرازه السند الأصلي. وبهذا تقضى المادة 292 من المشروع الفرنسي الإيطالي. وقد كان المشروع التمهيدى للتقنين الجديد يحتوى على نص مماثل، إذ كانت المادة 537 من هذا المشروع تنص على ما يأتى : " السند المؤيد لسند سابق يكون حجة على المدين. على أنه يجوز للمدين أن يثبت عدم صحة هذا السند بتقديم السند الأصلي ". ولكن لجنة المراجعة حذفت هذا النص، ويغلب أن يكون ذلك إكتفاء بالقواعد العامة . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد : الأول، الصفحة : 275 )
المقصود بالغير في معنى المادة 15 إثبات :
المقصود بالغير في معنى المادة 15 من قانون الإثبات هو - وکما جاء بمذكرة المشروع التمهيدي تعليقاً على نص المادة 395 مدني المقابلة لنص المادة 15 إثبات - كل من لم يكن طرفاً في الورقة العرفية بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر متى تمسك قبل من يحتج بتاريخ هذه الورقة بحق يضار فيما لو ثبتت صحة هذا التاريخ في مواجهته. وعلى ذلك فإن الأشخاص الذين يعتبرون من الغير بالمعنى المحرر العرفي بوجه رسمي ولا يطالبون بإقامة الدليل على عدم صحته فهم كل شخص لم يكن طرفاً في المحرر ولا ممثلاً فيه وكان حاصلاً - بمقتضى تصرف صادر من أحد المتعاقدين بذلك المحرر أو بمقتضى نص في القانون - على حق خاص متعلق بمال معين من أموال الشخص الملتزم بهذا المحرر بحيث يؤثر في هذا الحق التصرف المدون في المحرر العرفي ولو صح أن تاريخه سابق على تاريخ هذا الحق «الدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات وإجراءاته الجزء الأول ص 297» وقيل في ذلك بأن الغير هو كل شخص لم يكن طرفاً في العقد ولكنه نال من أحد المتعاقدين أو اكتسب بمقتضى القانون حقاً شخصياً أو عينياً بحيث يضره العقد إذا قدم تاريخه ولذلك قرر الشارع عدم سريان تاريخ العقد عليه إلا إذا كان ثابتاً . « المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة ص 2326».
ومن ثم فإن الغير في مفهوم المادة 15 من قانون الإثبات يشمل :
1) الخلف الخاص وهو الذي يتلاءم وضعه مع «الغيرية» فيما نحن بصدده إذ هو شخص يخلف آخر في مال معين بالذات وتكون تصرفات السلف نافذة في حقه على هذا المال قبل تاريخ معين فلا يكون تاريخ هذه التصرفات حجة عليه إلا إذا كان ثابتاً وسابقة على هذا التاريخ .
فمشتري المنقول مثلاً خلف للبائع فإن باعه صاحبه إلى مشتر آخر فإن هذا البيع الثاني لا يحتج به على المشتري الأول إلا إذا كان له تاريخ ثابت، وقد يحدث أن يتواطأ البائع مع المشتري الثاني فيقدمان تاريخ العقد إضرار بالمشتري الأول ولذلك يلزم ثبوت التاريخ في البيع الثاني حماية للمشتري الأول من تواطؤهما .
2) الدائن الحاجز يعتبر هو الآخر من الغير بمجرد توقيع الحجز وذلك في صدد الأموال والحقوق التي وقع الحجز عليها ولما كان الحجز يتم بمقتضى ورقة رسمية ثابتة التاريخ فإن أي تصرف يتم من جانب المدين المحجوز عليه ويتمسك بصحته ونفاذه لا يعتد به إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل توقيع الحجز - هذا ما لم يتطلب القانون تسجيل التصرف أو قيده وإن الأصل في تصرفات المحجوز عليه غير ثابتة التاريخ قبل الحجز أنها قد تمت بعد توقيع الحجز وهذا الفرض غير قابل لإثبات العكس حتى ولو كان المحرر يحمل تاريخاً عرفياً سابقة على الحجز أو غير الحاجز من دائني المدين فإن تصرفه الذي يتم - ولو بعد الحجز يسري وينفذ من حقهم «الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثالث المجلد الأول ص 196 والدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 78 - والدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ص 116».
ويذهب الرأي الراجح في مصر إلى أنه يعتبر من الغير بمجرد إشهار إفلاس مدينه أو شهر إعساره يجب حتى ينفذ تصرف المدين في حقه أن يكون ثابت التاريخ قبل شهر الإفلاس أو شهر الإعسار «الدكتور أحمد أبو الوفا المرجع السابق ص 116» بينما يرى الدكتور السنهوري أن الدائن المدين شهر إفلاسه أو إعساره فهذا لم يصل بعد إلى مرحلة التنفيذ ومن ثم لا يكون غير بالنسبة إلى تاريخ التصرفات التي تصدر من مدينه المفلس أو المعسر «الدكتور السنهوري المرجع السابق ص 297».
أشخاص لا يعتبرون من الغير في « مفهوم المادة 15 إثبات» :
لا يعتبر من الغير في مفهوم المادة 15 من قانون الإثبات ولا تطبق عليهم أحكامها كل من كان بشخصه أو بنائبه طرفاً في الورقة العرفية ولا على من يخلف هذا أو ذاك خلافه من طريق الميراث أو الوصية ولا على الدائنين عند مباشرتهم لدعاوی مدينهم «الدعوى غير المباشر» إذ ليس لهؤلاء من الحقوق أكثر مما لهذا المدين. «مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 395 مدني المقابلة 15 من قانون الإثبات» ومفاه ذلك أنه لا يعتبر من الغير في مفهوم المادة 15 إثبات من كان ممثلاً في التصرف الذي تشهد به المحررات العرفية وبالتالي لا يستلزم ثبوت التاريخ بالنسبة له وعلى ذلك لا يعتبر من الغير المتعاقد وكذلك الأصيل بالنسبة للمحرر الذي يوقعه النائب وكذلك الوارث وكل خلف عام كالموصي له بحصة من الشركة فالخلف العام يعتبر ممثلاً في جميع العقود التي يبرمها السلف فتسري في حقه أياً كان تاريخها إلى يوم موت المورث كذلك الدائنون العاديون فلا يعتبرون من الغير لما لهم من حق الضمان العام إذ أن كل تصرف يبرمه المدين يسري عليهم فيعتبرون ممثلين فيه، ويكون التاريخ حجة عليهم ولو لم يكن ثابتاً. (الدكتور توفيق فرج المرجع السابق ص 77).
شروط الغير في مفهوم المادة 15 إثبات :
يشترط في الغير خلفاً كان أو دائناً في مفهوم المادة 15 من قانون الإثبات ثلاثة شروط :
1 ) أن يكون هو نفسه ذا تاريخ ثابت. فإذا تنازع المشتريان للمنقول ولم يكن أي من البيعين ثابت التاريخ كان تاريخ كل منهما حجة على المشتري الآخر ولكل من المشترين أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ فإذا لم يكن الغير خلفاً خاصاً كان دائناً حاجزاً ومن الواضح أن الدائن الحاجز له دائماً تاريخ ثابت .
2) ألا يتطلب القانون إجراء آخر غير ثبوت التاريخ كما في حالة مشتري العقار فالقانون يتطلب في بيع العقار إجراء آخر هو التسجيل والمفاضلة بين المشترين العقار واحد ليست بالتاريخ الثابت بل للأسبق في التسجيل وبالنسبة لرهن العقار تكون المفاضلة بين المرتهنين لعقار واحد بالأسبقية في القيد .
3) أن يكون الغير الذي يتمسك بعدم ثبوت التاريخ حسن النية أي أن يكون وقت نشوء الحق الذي أكسبه صفة الغير لم يعلم بوجود ذلك المحرر الذي إحتج عليه به فيما بعد لأن المشروع لا يحمي سوء النية ولم يقصد بتشريع المادة 15 إثبات حماية الأشخاص الذين يتخذون من القانون ستاراً لارتكاب الغش. «الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 314 والدكتور توفيق حسن فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 79. والدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات وإجراءاته الجزء الأول ص 225 ».
الأوراق العرفية التي تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ :
يخضع لقاعدة ثبوت التاريخ كل ورقة عرفية تعد للإثبات مقدماً كدليل كامل على أن يكون الدليل الكتابي واجباً وعلى أن يستثني من ذلك المخالصات ومن ثم تسري هذه القاعدة في الأحوال الآتية :
1) إذا لم تكن هناك ورقة عرفية أصلاً لإثبات التصرف القانوني .
2) إذا كان هناك ورقة عرفية دليلاً كتابياً على التصرف ولكن هذه الورقة لم تعد مقدماً للإثبات فدفاتر التجار والدفاتر والأوراق المنزلية لا تسري عليها قاعدة ثبوت التاريخ أما الرسائل فإذا أعدت مقدماً للإثبات سرت عليها القاعدة وكذلك إذا لم تعد مقدماً للإثبات متى صلحت أن تكون دليلاً كتابياً كاملاً فإنها تخضع لقاعدة ثبوت التاريخ استثناء مما تقدم .
3) إذا كانت هناك ورقة عرفية ولكنها ليست دليلاً كاملاً وذلك كمبدأ الثبوت بالكتابة فهو كقاعدة عامة لا يشترط فيه التاريخ الثابت على النحو المقرر في الدليل الكامل ليكون حجة على الغير .
4) إذا كانت هناك ورقة عرفية تعتبر دليلاً ولكن الدليل الكتابي يكون واجب كما في المسائل التجارية .
5) إذا كانت الورقة العرفية التي يقدمها الخصم دليلاً كتابياً كاملاً هي مخالصة من مدين فلا يشترط في المخالصات التاريخ الثابت ليكون حجة على الغير بتاريخها . (الوسيط للدكتور السنهوري الجزء الثاني المجلد الأول ص 316 وما بعدها).
ثبوت التاريخ العرفي لا يتعلق بالنظام العام :
اشتراط التاريخ الثابت في المحررات العرفية حتى تكون حجة على الغير ليس من النظام العام ذلك أن القصد منه وكما جاء بمذكرة المشروع التمهيدي تعليقاً على نص المادة 395 مدني المقابلة لنص المادة 15 من قانون الإثبات هو حماية الغير من خطر تقديم التاريخ في الأوراق العرفية وأنه لا مجال لإعمال هذا النص إذا كان من يحتج عليه بالتاريخ قد إعترف بصحته صراحة أو ضمناً أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقة ذلك التاريخ للواقع .
الطرق التي يثبت بها التاريخ :
بينت المادة 15 من قانون الإثبات طرق إثبات المحررات العرفية وهي :
أ- قيد المحرر العرفي بالسجل المعد لذلك :
فمن اليوم الذي يقيد فيه المحرر العرفي بالسجل المعد لذلك في مكاتب التوثيق يعتبر تاريخه ثابتاً من ذلك الحين وسواء تم ذلك عن طريق القيد بسجل معد لذلك أم عن طريق آخر كما في حالة التصديق على التوقيع والتسجيل. «الدكتور توفيق فرج المرجع السابق ص 81».
ب - إثبات مضمون الورقة في ورقة أخرى ثابتة التاريخ :
قد يذكر مضمون عقد غير ثابت التاريخ في عقد ثبت تاريخه يترتب على ذلك أن الأول يعتبر ثابت التاريخ في اليوم الذي أثبت فيه تاريخ الآخر وكذلك ذكر مضمون ورقة في عقد رسمي أو عقد عرفي صدق على توقيعاته يجعل تاريخ تلك الورقة ثابتة من يوم تحرير العقد الرسمي أو من يوم التصديق على توقيعات العقد العرفي. ولا عبرة بداهة بكتابة عقد أو مضمون عقد في ذيل العقد الذي أثبت تاريخه أو على ظهره مهما كان قديماً وأخيراً يجب أن يكون المضمون الذي يذكر في الورقة ثابتة التاريخ من شأنه أن يعين العقد الأول تعييناً كافياً ولا ضرورة أن يكون مكتوباً كله ما دام الشارع قال «مضمون الورقة» «رسالة الإثبات للمستشار أحمد نشأت الطبعة السابعة ص 415».
ج- التأشير على المحرر العرفي من موظف عام مختص :
يعتبر تاريخ المحرر العرفي ثابتاً من يوم أن يؤشر عليه موظف عام مختص كأن يقدم المحرر إلى المحكمة فيؤشر عليه القاضي أو في لجنة الإصلاح الزراعي فيؤشر عليه رئيس اللجنة أو في تحقيق فيؤشر عليه المحقق أو إلى المحصل فيؤشر عليه بتحصيل الرسوم المستحقة «الدكتور محمود جمال الدين زكي في الوجيز في النظرية العامة للالتزامات الطبعة الثالثة ص 1078»
د- وجود خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص توفى أو أصبح عاجزاً عن الكتابة أو البصم :
لا شك في أن وجود إمضاء شخص توفي على ورقة عرفية يقطع بأن توقيعها كان قبل وفاة ذلك الشخص فيكسبها تاريخاً ثابتاً من وقت وفاته إذ تتعدم شبهة توقيعها بعد ذلك الوقت ولا يشترط أن يكون إمضاء الشخص على الورقة بإعتباره ملتزماً أو متعاقداً بها بل يكفي إمضاؤه إياها بصفته شاهداً أو وكيلاً أو غير ذلك إذ الغرض من وجود إمضاء المتوفى أن يكون أثراً مادياً قاطعاً في وجود الورقة وقت وفاته وإذا وجد للمتوفي خط على محرر عرفي دون إمضاء منه فإن كان المحرر من الأوراق التي يجعل لها القانون قيمة في الإثبات دون أن تكون موقعة كالتأشير على سند الدين بوفائه أو بتأجيله «المادة 19 إثبات» كسبت الورقة تاريخاً ثابتاً بوفاة صاحب الخط وألا فلا يعتبر لها تاريخ ثابت ولو كانت الورقة موقعة من شخص آخر هو الذي إلتزم بها وذلك لأن المعول عليه في الورقة الموقعة إنما هو تاريخ توقيعها لا تاريخ كتابتها ولأن وجود خط المتوفى مع توقيع غيره أن كان يقطع بكتاب الورقة قبل وفاته فإنه لا يقطع بتوقيعها قبل الوفاة «الدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات وإجراءاته الجزء الأول ص 270 وما بعدها».
بالنسبة لوجود ختم لشخص توفي فإن مجرد وجود بصمة ختم لا تكفي الإثبات التاريخ إلا إذا ثبت أن الموقع بالختم صاحبه أو حصل التوقيع بعلمه ورضائه أو بإذنه لجواز التوقيع به من الغير بعد الوفاة والتوقيع بالختم بعد الوفاة مسألة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق «رسالة الإثبات للمستشار أحمد نشأت الطبعة السابعة ص 424، 426». أما بصمة الإصبع فهي أقرب إلى إثبات تاريخ الورقة العرفية التي تحمل هذه البصمة لشخص متوفى وأن كان احتمال توقيع الورقة العرفية ببصمة شخص متوفي بعد وفاته لا يزال قائماً وأن كان إحتمالاً بعيداً «الدكتور محمود جمال الدين زكي المرجع السابق ص 1079».
ولا يلزم أن يكون الشخص الذي وجد له على الورقة العرفية أثر معترف به من خط أو إمضاء أو بصمة قد توفي بل يستوي فيما يتعلق بثبوت التاريخ أن يكون ذلك الشخص قد توفي أو أصبح مستحيلاً عليه أن يكتب أو يبصم لعلة في جسمه كما إذا بترت يده أو شلت شللاً كلياً وكان ذلك ثابتاً بورقة رسمية «الدكتور سليمان مرقص المرجع السابق ص 273». وقيل في ذلك بأنه يجب التأكد من الأمر وذلك بالإستعانة بعلم الطب والخبراء في هذا الأمر «المستشار أحمد نشأت المرجع السابق ص 427».
هـ - وقوع أي حادث آخر :
يكون للمحرر تاريخ ثابت من يوم وقوع أي حادث آخر يكون قاطعاً في أن الورقة قد صدرت قبل وقوعه «م 15/ هـ» مثل ذلك الجنون العارض فقد يوقع شخص سليم العقل ورقة عرفية ثم يصاب بالجنون بعد ذلك فمن يوم ثبوت عزله في مستشفى أو في مكان آخر يكون تاريخ الورقة ثابتاً مع أن الجنون ليس علة في الجسم بل هو علة في العقل. كما يكفي في ثبوت التاريخ تقديم الورقة في قضية بحيث تتناولها المرافعة ولو لم يؤشر عليها بما يفيد ذلك ويعتبر التاريخ الثابت للورقة في هذه الحالة وقت تقديمها إلى المحكمة ويثبت ذلك بشهادة من قلم الكتاب ويمكن القول أن ثبوت علم الغير بالورقة العرفية يجعل لها تاريخاً ثابتاً له حجيته على هذا الغير من وقت علمه بالورقة ومما يساعد على هذا القول هو أن قاعدة ثبوت التاريخ ليست من النظام العام فيجوز أن يعترف الغير بصحة التاريخ غير الثابت أو ينزل عن التمسك بوجوب أن يكون التاريخ ثابتاً . «الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني الأول ص 328 وهامش ص 329».
المخالصات :
نصت المادة 15 من قانون الإثبات في فقرتها الأخيرة على أنه «ومع ذلك يجوز للقاضي تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات». ومن ثم فإنه يجوز للقاضي إستثناء المخالصات من أحكام ثبوت التاريخ تبعاً لظروف الدعوى وقد أقر القضاء من عهد بعيد عرف التعامل في عدم اشتراط قید المخالصات إقتصاداً للنفقات بيد أن نطاق هذا العرف يتناول المخالصات العادية فحسب. دون المخالصات التي ترتب حقاً في الحلول «مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 395 مدني المقابلة لنص المادة 15 إثبات».
ليس للمحرر العرفي قوة تنفيذية :
لا يعتبر المحرر العرفي في أية حالة سنداً تنفيذياً ويتعين من ثم الحصول وفقاً لقواعد قانون المرافعات على حكم بمقتضاه يكون محلاً للتنفيذ الجبري «الدكتور محمود جمال الدين زكي المرجع السابق ص 1079» وفي ذلك قيل بأنه لا قوة تنفيذية للعقد العرفي سواء كان مصدقاً على توقيعاته أو غير مصدق عليها ولا يمكن تنفيذه إلا بعد حكم واجب النفاذ ذلك لأن العقد العرفي هو من عمل طرفين لا يميز الشارع بينهما ولا يفضل أحدهما عن الآخر وهذا بخلاف العقد الرسمي الذي يحرره موظف عمومي مختص لا مصلحة له في تحريره وتوضع عليه الصيغة التنفيذية بخلاف العقد العرفي الذي لا توضع عليه هذه الصيغة ولا يغير من الأمر شيئاً التصديق على العقد العرفي لأن هذا التصديق مقصور على صحة محتويات العقد كما هو مفروض في العقد الرسمي «المستشار أحمد. نشأت المرجع السابق ص 438 وما بعدها».( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الأول، الصفحة : 293 )
الأصل في الأعمال القانونية الصحيحة أنه تنتج أثرها بصرف النظر عن تاريخ حصولها ومن ثم فهي تلزم المتعاقدين حتى لو كانت خالية من التاريخ، كما ينصرف أثرها مهما كان تاريخها إلى الخلف العام ويتعدى إلى الدائنين الذين ليس لهم إلا حق الضمان العام .
ومن ناحية أخري فإن هناك أشخاصاً يؤثر تاريخ التصرف عليهم وهم الخلف الخاص أي الذين صدر إليهم تصرف في مال معين فأي تصرف يصدر من شخص معين لا ينصرف أثره إلي خلفه الخاص إلا إذا كان سابقاً على انتقال المال إلي هذا الخلف، فإذا باع شخص منزله إلي أخر ثم أجره إلي ثالث فإن عقد الإيجار لا ينفذ في حق المشتري وهو خلف خاص لأنه صدر من البائع بعد إنتقال ملكية المنزل إلى المشتري، أما إذا كان عقد الإيجار قد صدر من البائع قبل تاريخ البيع انصرف أثره إلى المستأجر، لذلك كان من الأهمية بمكان تعيين التصرفات الصادرة من السلف. وقد رأى المشرع أن سهولة إمكان قيام السلف بتقديم التاريخ في المحررات العرفية والضرر البليغ الذي قد يصيب الخلف الخاص وصعوبة عبء إثبات عدم صحة التاريخ الذي يحمله المحرر طبقاً للقاعدة العامة في الإثبات، كل ذلك يقتضي حماية استثنائية للخلف الخاص ومن في حكمه من الغش، لذلك نص على الاستثناء الوارد في المادة 15/ 1 من قانون الإثبات على أن المحرر العرفي لا يكون له حجية علي الغير في ثبوته إلا بإثبات تاريخه، ثم بينت الفقرة الثانية من المادة كيفية ثبوت التاريخ ومقتضى هذين النصين أن الورقة العرفية لا يحتج بها على الغير وهو الخلف الخاص ومن في حكمه بتاريخ المحرر العرفي إلا منذ أن يثبت وجودها بوجه رسمي، لذلك كان من الأهمية القصوى أن يبادر المتعاقدون بأوراق عرفية إلي إثبات تاريخها حتي لا يتعرضوا لتصرفات تؤثر في حقوقهم بل تؤدي للقضاء عليها .
ويشترط في المحرر الذي يتعين إثبات تاريخه وفقاً لما تقضي به المادة 15 من قانون الإثبات أن يكون عرفياً معداً للإثبات، فلا يسري النص على الأوراق غير الموقعة أو التي لا تعتبر إلا مبدأ ثبوت بالكتابة، كما لا يسري على المواد التالية للمادة 15، إذ أنها ليست أوراقاً عرفية بالمعنى المقصود بالمادتين 14، 15 بل هي أوراق من نوع خاص جعل لها المشرع قيمة الأوراق العرفية ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 16 إثبات عن الرسائل، فهي في حقيقتها ليست أوراقاً عرفية بالمعنى المقصود في المادتين 14، 15، إثبات ولكن المشرع جعل لها قيمة الأوراق العرفية إستثناءً، ومن ثم فيجوز إثبات تاریخ هذه المحررات وفقاً للقواعد العامة .
ويجب أن يكون العمل القانوني الذي أعد المحرر لإثباته عملاً مدنياً، ذلك أن الأعمال التجارية لا تخضع للقواعد العامة في الإثبات .
وقد اختلف الرأي فيما إذا كان يشترط لإثبات تاريخ المحرر أن يكون العمل القانوني الذي أفرغ مما يجب إثباته بالكتابة أي يجاوز قيمته خمسمائة جنيه، فذهب رأي إلي أن المحرر المكتوب الذي تقل قيمته عن خمسمائة جنيه لا يخضع لقواعد ثبوت التاريخ ( السنهوري الجزء الثاني من الوسيط ص 236 ونشأت بند 275 وذهني الجزء الأول ص 249)، وذهب الرأي الآخر إلي أنه متى وجدت كتابة معدة لأن تكون دليلاً، فإن حجيتها تخضع لحكم المادة 15/ 1 بصرف النظر عما إذا كان القانون يوجب إثباتها كتابة أم لا. ( سليمان مرقص الجزء الأول، الطبعة الخامسة ص 279 هامش رقم 113).
وإذا كان الرأي الأول هو الراجح إلا أننا نناصر الرأي الثاني لأن نص المادة 15/ 1 ورد عاماً ، ومن ثم فلا مبرر لقصره علي نوع معين من المحررات دون البعض الآخر، إذ أن ذلك تخصيص له بغير مخصص كما أن هذا الرأي أسلم للمعاملات وأحوط للتصرفات خصوصاً في الوقت الراهن الذي ضعفت فيه الأخلاق وفسدت الذمم .
الغير بالنسبة لثبوت التاريخ :
استعمل القانون لفظ الغير في مواضع عدة وجعل له في كل منها معني يختلف عنه في المواضع الأخرى، فالغير في قانون الشهر العقاري مثلاً يختلف عنه في الصورية، والغير في الصورية يختلف عنه فيما يتعلق بأثر التصرفات، والغير بالنسبة إلي أثر التصرف يختلف عنه في ثبوت التاريخ، فلابد من تعيين الأشخاص الذين يعتبرون من الغير في هذا المعنى الأخير، ومما يساعد على التعيين الاسترشاد بالحكمة التشريعية التي دعت إلى اشتراط ثبوت التاريخ بالنسبة إلي الغير، وهي منع ما يقع في المحررات العرفية من طريق تقديم تواريخها، وعلى ذلك فلا يعتبر من الغير .
أولاً : الأشخاص الذين وقعوا المحرر سواء كان توقيعهم إياه بصفتهم الشخصية أم بالنيابة عن أشخاص آخرين أم كشهود عند الأحتجاج عليهم بالتاريخ .
ثانياً : الأشخاص الذين كانوا ممثلين في توقيع المحرر وهم :
(أ) الأصيل بالنسبة إلي المحرر الذي وقعه نائبه أيا كانت صفته في النيابة کالموكل بالنسبة للمحرر الذي وقعه وكيله إلا أنه يشترط لذلك أن يكون التصرف الذي أجراه النائب في حدود النيابة المخولة له .
فإذا تجاوز النائب حدود نيابته فإن التصرف لا ينقذ في حق الأصيل، ومؤدي ذلك أن تاريخ الورقة العرفية التي يوقعها النائب في حدود نيابته تكون حجة علي الأصيل ولو لم يكن ثابتاً بوجه رسمي إلي أن يثبت الأصيل أنه غير صحيح كان يثبت أنه قدم عن التاريخ الحقيقي حتي لا ينكشف أن التصرف تم بعد انقضاء النيابة .
(ب) ورثة المتعاقد لأنهم بعد وفاته يخلفونه في حقوقه وفي مركزه فيجري عليهم ما كان يجري عليه، فالتصرف الصادر من المورث حجة علي الوارث ولو لم يكن هذا التاريخ ثابتاً .
وقد حمل الدكتور سليمان مرقص لواء المناداة بخطأ الرأي الذي كان سائداً في الفقه من إعتبار الوارث من الغير في التصرفات الصادرة من مورثه في مرض الموت، وقال شارحاً لرأيه بأنه لو إدعى الورثة أن المحرر العرفي قد صدر من مورثهم في مرض موته خلافاً لما يشهد به تاريخه فإن إدعاءهم هذا لا يجعلهم من الغير في حكم المادة 15 إثبات ولا يجوز لهم عدم الاعتداد بالتاريخ العرفي لمجرد عدم ثبوته بوجه رسمي، وكل ما يترتب علي هذا الإدعاء أنه بعد ثبوت صحته قضاء فإن ذلك يجعل التصرف المطعون فيه في حكم الوصية بمعنى أن لا ينفذ في حق الورثة فيما زاد علي ثلث التركة وينتهي إلي أن ذلك يجعل الورثة في هذه الحدود من الغير بالنسبة إلى أثر ذلك التصرف فيما يجاوز ثلث التركة لا من الغير بالنسبة إلي حجية التاريخ العرفي، ويستطرد أن نص المادة 916/ 2 مدني التي تقضي بأن " علي ورثة من تصرف أن يثبتوا أن العمل القانوني قد صدر من مورثهم وهو في مرض الموت، ولهم إثبات ذلك بجميع الطرق، ولا يحتج علي الورثة بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً "، لا يمكن أن يشكك في صحة رأيه لأن هذا النص أريد به تقنين قضاء المحاكم فجاء مرآة صادقة لما كان يشوب القضاء آنذاك من ترد وغموض وتناقض، وأنه لا يمكن رفع التناقض الذي لا يشوب النص إلا بالرجوع إلى المبادئ الصحيحة على النحو الذي وضحه آنفاً ويستشهد في التدليل على صحة رأيه بعديد من أحكام النقض (الحكم الصادر 15/ 4/ 43، 21/ 10 / 48 )، ويتعرض للحكمين رقمي ( 21/ 12/ 1950، 9/ 4/ 1964 ) قائلاً أن ما قررته المحكمة في هذين الحكمين لا يتعارض مع الأحكام السابقة لأنها لم تقل فيهما أن الوارث يعتبر من الغير في معني ثبوت التاريخ بالذات، وإنما قررت فقط أنه يعتبر في حكم الغير، وهي تقصد بذلك إعتباره في حكم الغير بالنسبة لحجية الورقة العرفية بوجه عام وهي الغيرية المقصود بها السماح لمن ثبت له بنقض حجية الورقة العرفية بكافة الطرق. لا تلك الغيرية المقصود بها عدم الاعتداد بتاريخ الورقة العرفية إلا إذا كان ثابتاً بوجه رسمي.
ومجمل القول أن الغيرية التي يقع الخلط بينها في هذا الموضوع ثلاثة أنواع، الأولي : غيرية بالنسبة إلي أثر التصرف أو بالنسبة إلي تسريانه، والثانية : غيرية بالنسبة إلي مدي حجية المحرر العرفي بمضمونه كله وكيفية نقض هذه الحجية، وما إذا كان ذلك لا يجوز إلا بالكتابة فقط كما هو الأصل بين الطرفين، أم بكافة الطرق كما هو الشأن بالنسبة لغير الطرفين باعتبار أن الأجنبي عن العقد يكون لديه مانع مادي من الحصول على كتابة مثبتة له، والثالثة : غيرية بالنسبة إلي ثبوت تاريخ الورقة العرفية وهذه الأخيرة هي موضوع بحثه هذا .
ويعلق الدكتور سليمان مرقص على حكم النقض رقم 24 الصادر في 6/ 12/ 77 قائلاً أنه يبدو أن المحكمة تأثرت فيه بالصياغة الخاطئة لنص المادة 916 مدني أنفة البيان، حينما قررت أن إثبات التاريخ لا يكون إلا بإحدى الطرق التي عينها القانون ولا يحتج علي الورثة الذين يطعنون علي التصرف بأنه صدر في مرض الموت بتاريخ السند إذا لم يكن هذا التاريخ ثابتاً، وأن هذا التاريخ يظل حجة عليهم إلي أن يثبتوا هم عدم صحته وأن التصرف صدر في تاريخ أخر توصلاً منهم إلي إثبات أن صدوره كان في مرض الموت، وأيدت المحكمة الحكم المطعون فيه فيما خلص إليه في حدود سلطته التقديرية من أن تاريخ العقدين غير صحيح، وأنهما حررا في تاريخ واحد، وفي خلال فترة اشتداد المرض على المورث، وأن هذا المرض إنتهى بوفاته ويستطرد الفقيه المذكور قائلاً أنه يبين - لحسن الحظ - من وقائع الدعوى أن سبب عدم نفاذ التصرفات المورث في حق الورثة لم يكن لمجرد عدم ثبوت تاریخها بوجه رسمي قبل مرض الموت، كما قد يتبادر إلى الذهن من هذا المبدأ، وإنما بني علي عدم نفاذها في حقهم ( مؤلفه في الإثبات هامش ص 292).
ويجدر صاحب الرأي السابق من الانزلاق من الغيرية الأولي إلي الثالثة وهو أمر يراه سهلاً، كما يحذر أيضاً من الانزلاق من الثانية إلى الثالثة مقرراً أن الخلط بينهما أكثر وقوعاً وأصعب تجنباً (المرجع السابق هامش ص 288).
(جـ) الموصى له بحصة في تركة أحد العاقدين، إذ أنه کالورثة يعتبر من الخلف العام ويختلف الموصي في حقوقه ومركزه وبذلك يتقيد بما صدر منه من محررات .
(د) دائنو المتعاقد العاديون أي الذين ليس لهم إلا حق الضمان العام ما دام لم يترتب لهم من طريق توقيع الحجز أو تسجيل تنبيه نزع الملكية حق خاص على المال موضوع التصرف المدون في المحرر العرفي الصادر من مدينهم، وذلك لأن هؤلاء الدائنين يتعدى إليهم إثر تصرفات مدينهم من حيث إنها تزيد أو تنقص في مشتملات ذمته المالية بصرف النظر عن تاريخ هذه التصرفات، وكونها سابقة أو تالية لحق الدائنين فلا خطر عليهم من تقديم التاريخ أو تأخيره ما دام التصرف مسلماً بحصوله وبجديته وصحته، فيكون المحرر حجة عليهم بكل ما دون به بما في ذلك تاريخه إلي أن يتمكنوا من إثبات عدم صحته وفقاً للقواعد العامة .
وبالنسبة للدائن رافع الدعوى البوليصية، أو دعوى عدم نفاذ التصرف، فقد اختلف الفقه في شأنه، فقد ذهب الرأي السائد في الفقه أن يعتبر من الغير فيكتفي منه بالتمسك بهذه المادة لاعتبار التصرف المطعون فيها تالياً لحقه (محمد عبد اللطيف، الجزء الأول ص 157، الصده ص 134 وعبد السلام ذهني في الأدلة، الجزء الأول ص 213).
وسایر رأي أخر الرأي السابق في اعتبار هذا الدائن من الغير، ولكنه مع ذلك أوجب عليه إثبات عدم صحة التاريخ العرفي السابق علي حقه ( أحمد نشأت، فقرة 221).
واتجه رأي أخير إلى أن الدائن لا يعتبر غيراً في الدعوى البوليصية ( سليمان مرقص، الجزء الأول الطبعة الخامسة ص 293، والسنهوري الوسيط، الجزء الثاني، ص 210 وما بعدها).وهذا الرأي الأخير هو الذي يتفق وصحيح القانون .
(هـ) دائنو المتعاقد المرتهنون وغيرهم من ذوي الحقوق المقيدة علي عقاره المتعلق به التصرف المدون في المحرر العرفي، طالما أنهم لم يسجلوا تنبيه نزع الملكية علي هذا العقار وذلك لان حقوقهم المقيدة على هذا العقار لا تتعارض مع حق المدين في التصرف فيه وفي استغلاله وإدارته، فهي لا تتأثر بتصرفاته ولا تؤثر فيها .
(و) ومن تحصيل الحاصل القول بأنه لا يعتبر من الغير في معني المادة 15، الأشخاص الذين لا تربطهم بأحد المتعاقدين ولا يضارون بها فلا يتصور الإحتجاج عليهم بالمحررات العرفية المثبتة لها، ومع ذلك فقد أثار نص المادة 936 مدني الذي يخول الجار أن يأخذ بالشفعة ما يبيعه جاره خلافاً في الفقه إذا يشترط لتطبيق هذا النص أن تكون ملكية الشفيع ثابتة في تاريخ بيع العقار. المشفوع فيه فثار التساؤل عما إذا كان يحتج علي الشفيع بالتاريخ العرفي لعقد بيع العقار إذا كان التاريخ سابقاً على ثبوت ملكيتهم أم لا يعتد به ما دام لم يثبت بوجه رسمي، وقد ذهب الرأي الراجح بعدم إعتبار الشفيع الطرق عدم صحته، وحجته في ذلك أن الشفيع أجنبي عن عقد البيع وأن مزية الشفعة ليس من شأنها أن تحيله من أجنبي عن طرفي العقد إلى خلف خاص لأحدهما ( سليمان مرقص في الجزء الأول من الطبعة الخامسة ص 297 وما بعدها، والسنهوري في الوسيط الجزء الثاني هامش 231، وقارن الرأي العكسي لمحمد عرفة في الملكية، الجزء الثاني بند 274، والبدراوي بند 428)، كذلك ثار التساؤل عن البيع الثاني الذي يصدر من المشتري الأول، وعما إذا كان الشفيع الذي سجل رغبته في الأخذ منه بالشفعة غيراً بالنسبة إلي تاريخ عقد البيع الثاني أم لا، وقد حسمت محكمة النقض هذا الأمر وقضت بعدم اعتباره كذلك، وإمكان التمسك ضده بالتاريخ العرفي للعقد الثاني، ولو لم يكن ثابتاً، وإنما يكون له أن يثبت عدم صحة هذا التاريخ بكافة الطرق. نقض 4/ 3/ 1954، المكتب الفني سنة 5 ص 583 قاعدة 92).
وحجية الورقة العرفية على أطرافها تنصرف إلى كافة بياناتها بما في ذلك التاريخ فلا يجوز لهؤلاء إثبات ما يخالفه إلا بالكتابة تطبيقاً للقواعد العامة في الإثبات .
أما الأشخاص الذين يعتبرون من الغير بالمعني المقصود في المادة 15 أي الذين يكتفي منهم بالتمسك بعدم ثبوت تاريخ المحرر العرفي بوجه رسمي ولا يطالبون بإقامة الدليل على عدم صحته فهم كل شخص لم يكن طرفاً في المحرر ولا ممثلاً فيه، وكان حاصلاً بمقتضى تصرف صادر من أحد المتعاقدين بالمحرر أو بمقتضى نص في القانون علي حق خاص متعلق بمال معين من أموال الشخص الملتزم بهذا المحرر بحيث يؤثر في هذا الحق التصرف المدون في المحرر العرفي لو صح أن تاريخه سابق علي تاريخ هذا الحق ويشمل ذلك .
أولاً : الخلف الخاص لأنه بحسب تعريفه شخص تلقي من أخر حقاً متعلقاً بمال معين من أموال ذلك الآخر، ولأن مركزه بالنسبة إلي أثر تصرفات سلفه المتعلقة بهذا المال ذاته يتوقف على تاريخ تلك التصرفات، فإن كانت سابقة على تلقيه حقه إعتبر خلفاً للمتصرف وتعدي إليه أثرها وإلا اعتبر من الغير بالنسبة إليها ولم ينصرف إليه أثرها فيهم إذن تعيين تواريخ تلك التصرفات ويضار بالغش الذي يقع من طريق تقديم هذه التواريخ، ولحمايته من هذا الغش اشترط القانون ثبوت التاريخ، ومؤدي ذلك أن مشتري العقار يعتبر من الغير فيما يتعلق بتاریخ عقود الإيجار العرفية الصادرة من البائع إلي أخرين فلا تنفذ هذه العقود في حقه إلا إذا كان لها تاريخ ثابت سابق على التاريخ الثابت للبيع عملاً بالمادة 604 مدني .
وإذا أحال الدائن حقه إلي آخر وقام المحال إليه بالإعلان المدين بالحوالة، أو حصل من هذا الأخير على قبول بالحوالة ثابت التاريخ فإنه يعتبر غيراً بالنسبة لثبوت تاريخ قبول المدين نفسه لحوالة أخري، عملاً بالمادة 305 مدني، ولا يحتج عليه بالتاريخ العرفي غير الثابت لقبول تلك الحوالة الأخرى .
ثانياً : الدائنون العاديون الذين اتخذوا إجراء يرتب عليه القانون تعلق حقهم بمال من أموال المدين ويدخل في ذلك :
(أ) الدائن الحاجز، ويشمل ذلك أيضاً الدائن في حجز ما للمدين تحت يد الغير فله أن يتمسك بقاعدة ثبوت التاريخ بالنسبة للتصرفات التي يجريها المدين في المال المحجوز فلا يجوز للمحجوز لديه أن يتمسك قبل الدائن الحاجز بأنه أو في الدين المحجوز عليه أو أبراه منه، أو أن يتمسك بإنقضاء الدين بالمقاصة أو الاستبدال إلا إذا كان ثابتاً في محرر عرفي يحمل تاريخاً سابقاً على الحجز.
ويعتبر الحاجز من الغير بمجرد توقيع الحجز وذلك في خصوص الأموال والحقوق التي وقع الحجز عليها، ونظراً لأن الحجز يتم بمقتضى ورقة رسمية ثابتة التاريخ فإن أي تصرف يتم من جانب المدين المحجوز عليه ويتمسك بصحته ونفاذه لا يعتد به إلا إذا كان ثابت التاريخ قبل توقيع الحجز، أما غير المدائن الحاجز من دائني المدين فإن تصرفه الذي يتم ولو بعد الحجز يسري وينفذ في حقهم .
(ب) الدائن الذي يتدخل في إجراءات التنفيذ بعد توقيع الحجز من غيره على مال معين من أموال مدينه واعتبر طرفاً في الإجراءات طبقاً لنص المادة 470 مرافعات .
(ج) الدائن الذي يستعمل حقوق مدينه عن طريق رفع الدعوى غير المباشرة ضد مدين مدينه، فإذا أدعي مدين المدين أن المدين قد أبراه من هذا الدين، وجب أن يثبت ذلك بورقة ثابتة التاريخ قبل رفع الدعوى غير المباشرة.
(د) الدائن الذي يعارض في قسمة المال الشائع دون تدخل، إذ أوجب القانون علي الشركاء عملاً بالمادة 842 مدني إدخاله في إجراءات القسمة، ولذلك يعتبر بمجرد أن يوجه معارضة في القسمة إلي جميع الشركاء، بمثابة حاجز على حصة مدينه لدى سائر الشركاء وبالتالي فلا يجوز لمدينه أن يحتج عليه بتاريخ المحررات العرفية الصادرة منه في نصيبه في المال الشائع ما دام لم تثبت بوجه رسمي .
(هـ) دائنو المفلس بالنسبة إلي المحررات الصادرة منه بمعاملات مدينه، وقد اختلف الرأي في أثر تصرفات المدين المفلس على دائنيه، فذهب الرأي الراجح في مصر إلي أن الدائن يعتبر من الغير بمجرد إشهار إفلاس مدينه أو شهر إعساره، ويذهب الرأي الأخر إلي أن التاريخ العرفي للتصرفات الصادرة من المدين المفلس حجة علي دائنيه ويكون لهؤلاء الحق في إثبات عدم صحة هذا التاريخ ( راجع تأييد الرأي الأول الإفلاس للدكتور محمد صالح، فقرة 50 وأصول الإثبات للدكتور سليمان مرقص، الجزء الأول، الطبعة الخامسة ص 307 والإثبات للدكتور الصدة فقرة 127، راجع في تأييد الرأي الثاني الوسيط للسنهوري، الجزء الثاني، الطبعة الثانية، المجلد الأول ص 297 والإثبات لنشأت فقرة 228 ).
ويسري هذا المبدأ على دائني المعسر عملاً بالمادة 257 مدني التي تنص على أنه متى سجلت صحيفة دعوى الإعسار، فلا يسري في حق الدائنين أي تصرف للمدين يكون من شأنه أن ينقص من حقوقه أو يزيد في إلتزاماته، كما لا يسري في حقهم أي وفاء يقوم به المدين .
وهناك ثلاثة شروط يجب توافرها في الغير الذي يتمسك بقاعدة ثبوت تاريخ المحررات العرفية التي يحتج بها عليه طبقاً للمادة 15 :
أولها : أن يكون حقه ثابتاً في محرر ثابت التاريخ فإن لم يكن كذلك فلا يجوز له أنه يتمسك بعدم ثبوت تاريخ المحرر العرفي الذي يحتج به عليه .
وثانيها : أن يكون حسن النية فإذا كان سيء النية فلا يجوز له التمسك بقاعدة ثبوت وتاريخ المحررات العرفية التي يحتج بها عليه، ويتوافر سوء النية بمجرد العلم بحصول التصرف، في وقت نشوء التصرف الذي اكسبه صفة الغير، ولا يشترط التواطؤ، ويعتبر مسالة العلم واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة الطرق .
وثالثهما : ألا يكون الغير ممن كفل له الشارع حماية حقوقه بطريق أخر غير قاعدة ثبوت التاريخ، كما إذا كان المحرر الذي يحتج به عليه يوجب القانون شهره كما في تسجيل عقود بيع العقار كذلك لا محل للتمسك بعدم ثبوت التاريخ في المحررات العرفية إذا كان من يحتج عليه بالمحرر العرفي ممن يجوز له الاحتماء بقاعدة الحيازة في المنقول سند الملكية .
الأوراق التي تخضع لإثبات التاريخ :
ويخضع لقاعدة ثبوت التاريخ كل ورقة عرفية تعد للإثبات مقدماً كدليل كامل، على أن يكون الدليل الكتابي واجباً، وقد استندت الفقرة الثالثة من المادة 15 المخالصات من قاعدة ثبوت التاريخ فأجازت للقاضي ألا يطبق حكم الفقرة الأولي من المادة على المخالصات العادية إذا ما رأي أن الظروف تبرر إعفاء الموفي من اتخاذ الإجراءات اللازم لثبوت التاريخ والأمر جوازي له إن شاء اتخذه وإن شاء لم يعتمد المخالصة لعدم ثبوت تاريخها، فهي مسألة تقديرية محضة لا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك .
ولا تسري قاعدة ثبوت تاريخ المحرر في الأحوال الآتية :
1- إذا لم تكن هناك ورقة عرفية أصلاً لإثبات التصرف القانوني ذلك أن ثبوت التاريخ يكون للمحرر ولا ينصب على التصرف .
2- إذا كانت هناك ورقة عرفية دليلاً كتابياً على التصرف، ولكن هذه الورقة لم تعد مقدماً للإثبات كدفاتر التجارة والأوراق المنزلية .
3- إذا كانت هناك ورقة عرفية تعتبر دليلاً كاملاً، ولكن الدليل الكتابي يكون غير واجب ويتحقق ذلك في المسائل التجارية، وأيضاً في الورقة العرفية لإثبات التزام مدني لا تجاوز قيمته مائة جنيه لأن الإثبات الكتابي في هذه الحالات غير واجب .
4- إذا كانت الورقة العرفية التي يقدمها الخصم دليلاً كتابياً كاملاً هي مخالصة من دین، ذلك أن المشرع جعل التقدير في لزوم ثبوت التاريخ أو عدم لزومه في خصوص المخالصات للقاضي، فإن رأى أن هناك صعوبات عملية كافية تمنع من توافر التاريخ الثابت لم يطلبه وإلا أخضع المخالصات كغيرها من الأوراق العرفية للقاعدة العامة وطلب فيها التاريخ الثابت لتكون حجة بهذا على النحو الذي سبق أن بيناه، فالقاضي أن يعتمد المخالصات رغم عدم ثبوت تاريخها فإذا أدعي المحجوز لديه أنه أو في الدين المحجوز من أجله وقدم مخالصة بذلك فللقاضي أن يعتمد هذه المخالصة رغم أنه ليس لها تاريخ ثابت إذا تبين له صدق المحجوز لديه وإلا فلا، وكل هذا لا ينفي حق الحاجز في إثبات التواطؤ والغش يف كل الأحوال وبكل الوسائل القانونية بما فيها شهادة الشهود والقرائن .
طرق إثبات التاريخ :
أورد المشرع طرق إثبات الأربعة في المادة على سبيل المثال لا على سبيل الحصر وبناء علي ذلك يمكن أن يقاس عليها أي أمر أخر يكون قاطعاً في الدلالة على أن الورقة صدرت قبل وقوعه وهو ما أكده المشرع في الفقرة (هـ) من المادة .
والطرق الأربعة التي نصت عليها المادة لإثبات التاريخ هي ما يلي :
1- قيد المحرر العرفي في سجل ويتم ذلك إما بنقل صورة كاملة منه في سجل عام معد لذلك وهذا هو تسجيل بذاته، وإما بإيراد ذكره وتدوين ملخصه في سجل معد لذلك، وهذا هو تسجيل التاريخ، وإما عن طريق التصديق على التوقيع بأن يتم التوقيع على المحرر العرفي أمام الموثق المختص .
2 - إثبات مضمون المحرر العرفي في محرر ثابت التاريخ بمعنى أن الورقة غير ثابتة التاريخ تكسب تاريخاً ثابتاً من وقت إثبات مضمونها في ورقة ثابتة التاريخ فلا يعتبر لها وجود إلا من وقت التاريخ الثابت للورقة الأخرى سواء كانت رسمية أو عرفية، وظاهراً من عبارة النص أنه لا يكفي مجرد ذكر الورقة العرفية في الورقة ثابتة التاريخ، بل لابد من أن يذكر في الأخيرة مضمون الأولى ألي مخلصها والبيانات المهمة فيها أي اللازمة لتعيينها تعييناً كافياً نافياً للجهالة، غير أنه من ناحية أخري لا يشترط إيراد نصها کاملاً، فإذا باع شخص لأخر عقاراً بعقد مسجل وكان الوكيل هو الذي قام بالبيع نيابة عن البائع وذكر في العقد رقم التوكيل وتاريخ صدوره وموضوعه، فإن ذلك يكفي لإعتبار التوكيل ثابت التاريخ من تاريخ التصديق على توقيع للبيع .
ولا جدال في أن ثبوت التاريخ بهذه الوسيلة قاصر علي المحررات التي يورد مضمونها في محرر ثابت التاريخ، ولا يكون مطلقاً للتصرف ذاته التي يرد مضمونه في محرر ثابت التاريخ دون ذكر المحرر الذي كتب فيه هذا التصرف، لأن إثبات التاريخ المنصوص عليه في المادة 15 إثبات معني به إثبات تاريخ المحرر المثبت للتصرف وليس إثبات تاريخ التصرف غير المدون في المحرر .
3- التأشير على المحرر من موظف مختص ويكفي أي كتابة موقعة يضعها علي المحرر العرفي موظف عام أو شخص مكلف بخدمة يكون المحرر قد عرض عليه في أثناء تأدية وظيفته أو بسببها مثال ذلك تأشير القاضي علي مستند قدم إليه بالإطلاع عليه، وتأشير المحقق كوكيل النيابة أو ضابط الشرطة باطلاعه على المحرر، وتأشير الخبير على ورقة قدمت إليه أثناء تأدية مأمورية ندب لها من المحكمة أو النيابة ولا يشترط أن يثبت في محضر أعماله تقديمها إليه، وتأشير المحكم على مستند عرض عليه في النزاع الذي حكم فيه، غير أنه يشترط أن يكون التأشير قد حدث في ظروف لا تدع مجالاً للشك في صحة تاريخه .
وجدير بالذكر أنه إذا لم يكن الموظف العام الذي أشر علي المحرر بالنظر قد فعل ذلك في حدود اختصاصه أو في أثناء مباشرة وظيفته أو الخدمة العامة الموكولة إليه، فإن تأشيره علي المحرر لا يكسبه تاريخاً ثابتاً .
ومن الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه إذا كان عرض الورقة على الموظف الذي أشر عليها متصلاً بعمل من أعمال وظيفته يقضي تحرير محضر به، تعين عليه أن يثبت إطلاعه على تلك الورقة في محضره هذا فضلاً عن التأشير عليها بالنظر، فإذا أغفل إثبات ذلك في المحضر الذي حرره، أو أطلع عليها دون أن يحرر محضراً بذلك فإن تأشيرته لا أثر لها، أما إذا حرر محضراً أثبت فيه اطلاعه عليها وأغفل التأشير على الورقة بالنظر، فإن الورقة تكسب تاريخاً ثابتاً من ذكرها في المحضر إذا تضمن المحضر تعريفاً وافياً لها مثل ذلك تذاكر البريد والخطابات الموصى عليها إذ يتعين إدراجها في سجل المراسلات الذي أعد خصيصاً لذلك .
وبالنسبة لختم البريد على التذاكر البريدية أو على مظروفات الخطابات العادية فإنه ليس كافياً لإثبات تلك الخطابات والتذاكر، أما الخطابات غير المنفصلة عن مظاريفها والتذاكر الموصي عليها أو البرقيات فإنها تكسب تاريخاً لا من الختم الموضوع عليها في ذاته بل من إدراجها في السجل المعد لذلك .
4 - وجود خط أو إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص توفي أو أصبح عاجزاً عن الكتابة أو البصم أذ أن وجود إمضاء لشخص توفي على ورقة عرفية يقطع بأن توقيعها كان قبل وفاة ذلك الشخص، وتثبت الوفاة بشهادة مستخرجة من سجل الوفيات، فإذا لم تكن قد قيدت في هذا السجل فإنه يجوز وفقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 30 من القانون المدني إثباتها بجميع طرق الإثبات بما في شهادة الشهود .
ولا يشترط أن يكون توقيع الشخص على الورقة باعتباره ملتزماً بالتصرف الوارد بها بل يكفي أن يكون قد وقع عليها بصفته شاهداً أو ضامناً .
وفي حالة ما إذا وجد للمتوفي خط علي محرر عرفي دون توقيع منه فلا يعتبر لها تاريخ ثابت ما لم يكن المحرر من الأوراق التي يجعل لها القانون قيمة في الإثبات دون أن تكون موقعة منه كالتأشير على سند الدين بوفائه أو بتأجيله .
ويبقى فرض أخير وهو وجود ختم الإنسان توفي، فإنه يكسب الورقة تاريخاً ثابتاً من وقت الوفاة ما دام قد ثبت أن صاحب الختم قد وقع به شخصياً، وإلا فإن الوفاة لا تقید ثبوت التاريخ .
أثر ثبوت التاريخ :
إذا توافر ثبوت التاريخ بإحدى الوسائل أنفة البيان أصبح محققاً وجود المحرر العرفي في تاريخ حدوث الواقعة وأصبح هذا التاريخ هو الذي يحاج به الغير، وليس له من أثر رجعي ولا يترتب عليه تأييد التاريخ المدون في المحرر، فإذا كان تاريخ المحرر في أول مارس لسنة 1992 إلا أن تاريخه لم يثبت إلا في يوليو سنة 1994 فإن هذا التاريخ الأخير هو الذي يحاج به الغير، أما التاريخ الأول فليس له من أثر إلا بين طرفي المحرر ومن يمثلانهما .
والجدير بالذكر أن حجية التاريخ الثابت بالنسبة إلي الغير تختلف عن حجية التاريخ غير الثابت فيما بين المتعاقدين، فالأولي أكثر قوة من الثانية لأن الأخيرة يمكن إثبات عكسها بالطرق العامة، فيجوز إقامة الدليل علي عدم صحة التاريخ الذي يحمله المحرر طبقاً للقواعد العامة في الإثبات، أما ثبوت تاريخ الورقة فلا يجوز إثبات عكسه إلا بطريق الطعن بالتزوير .
تؤكد على أن التمسك بعدم ثبوت التاريخ ليس متعلقاً بالنظام العام، فيجوز الاتفاق على مخالفة هذه القاعدة، ويجوز لمن تقررت لصالحه - بصحة التاريخ العرفي غير الثابت، غير أنه يتعين أن تكون إرادته في ذلك واضحة لا لبس فيها ولا غموض، وبالتالي يجوز لمشتري العين المؤجرة أن يتمسك ضد المستأجر بعقد الإيجار العرفي الصادر إلي الأخير من البائع، رغم أن هذا العقد غير ثابت التاريخ، ولا يجوز للمستأجر أن يواجه ذلك بأن القول عقد إيجاره غير مسجل لأن القاعدة كما سبق أن ذكرنا مقررة لصالح الغير .
هذا ويلاحظ أن ثبوت التاريخ يختلف عن التسجيل المنصب عن الحقوق العينية العقارية المنصوص عليه في القانون رقم 114 لسنة 1946، فلكل منها مجاله وأثره فقواعد إثبات التاريخ لا تفيد في الحقوق العينية العقارية والعبرة فيها بالأسبقية في التسجيل دون إعتبار لاسبقية ثبوت التاريخ .
كما أن قاعدة إثبات التاريخ لا أثر لها بالنسبة لقاعدة الحيازة في المنقول سند الحائز المنصوص عليها في المادة 976 مدني، وعلي ذلك فلا يجوز للمشتري الأول للمنقول أن يتمسك بعقده ضد المشتري الثاني ولو كان عقد المشتري الأول ثابت قبل شراء الثاني ما دام المشتري الثاني قد تسلم المنقول، وكان حسن النية .
(رسالة الإثبات للأستاذ نشأت الطبعة الخامسة ص 241، 242) . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الأول، الصفحة : 173 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 120 ، 121
(مادة 86) :
1- لا يكون المحرر العرفي حجة على الغير في تاريخه إلا منذ أن يكون له تاریخ ثابت ، ويكون للمحرر تاريخ ثابت :
(أ) من يوم أن يقيد بالسجل المعد لذلك .
(ب) من يوم أن يثبت مضمونه في محرر آخر ثابت التاريخ .
(ج) من يوم أن يؤشر عليه موظف عام مختص .
(د) من يوم وفاة أحد ممن لهم على المحرر أثر معترف به من خط ، أو إمضاء ، أو ختم ، أو بصمة ، أو من يوم أن يصبح مستحيلاً على أحد من هؤلاء أن يكتب أو يبصم لعلة في جسمه، وبوجه عام .
(هـ) من يوم وقوع أي حادث آخر يكون قاطعاً في أن المحرر قد صدر قبل وقوعه .
2- ومع ذلك يجوز للقاضي تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات .
( م (395) مدني مصري ، و(15) إثبات مصري ، و(11) سوري ، و (137) و (138) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ) .
المذكرة الإيضاحية :
1- الأصل في المحرر العرفي أن يكون له حجية قبل الكافة ، فيما عدا التاريخ ، فلا تكون له حجية بالنسبة للغير ، إلا أن يكون ثابتاً. ويتفرع على ذلك :
(أ) أن تاريخ المحرر العرفي يعتبر حجة فيها بين المتعاقدين حتى يثبت العكس ، شأنه من هذا الوجه شأن سائر ما يدون في هذا المحرر من البيانات .
ويتعين على من يريد تحصيل الدليل العكسي في هذه الحالة - أن يلتزم أحكام القواعد العامة في ذلك ومؤدى هذا وجوب التقدم بدلیل کتابي ؛ إذ لا يجوز نقض الثابت كتابة إلا بالكتابة .
(ب) وأن هذا التاريخ لا يكون حجة بالنسبة للغير ما لم تتوافر فيه ضمانات خاصة ، قوامها إثباته ، لكي يزول كل شك في صحته . وقد قصد من هذا الإستثناء إلى حماية الغير من خط تقديم التاريخ في الأوراق العرفية . ويترتب على ذلك :
أولاً : أن هذه المادة لا تطبق إذا كان الغير قد كفلت له الحماية بمقتضى نصوص خاصة ، کالنصوص المتعلقة بإشتراط التسجيل أو التسليم في تمليك المنقولات ، أو إذا كان من يحتج عليه بالتاريخ قد إعترف بصحته صراحة أو ضمناً ، أو تنازل عن التمسك بعدم مطابقته للواقع .
ثانياً : أن أحكام هذه المادة لا تنطبق إلا على الغير ويقصد بذلك كل من لم يكن طرفاً في الورقة العرفية بطريق مباشر أو بطريق غير مباشر ، متى تمسك قبل من يحتج بتاريخ هذه الورقة بحق يضار فيها لو ثبتت صحة هذا التاريخ في مواجهته . ويستخلص من ذلك أن هذه الأحكام لا تطبق على من يكون بشخصه أو بنائبه طرفاً في المحرر العرفي ولا على من يخلف هذا أو ذاك خلافة عامة من طريق الميراث أو الوصية ولا على الدائنين عند مباشرتهم الدعاوی مدینهم (الدعوى غير المباشرة)، وليس لهؤلاء في الحقوق أكثر مما لهذا المدين .
2- أما وسائل إثبات التاريخ فقد وردت على سبيل الحصر ؛ تيسيراً لتثبت الغير من ذلك ودفعاً لتحكم القضاء .
3- ومع ذلك فللقاضي تبعاً للظروف ألا يطبق حكم هذه المادة على المخالصات، وقد سبق أن أشار البعض بوجوب إستثناء المخالصات من أحكام ثبوت التاريخ بمقتضى نص خاص ؛ إستناداً إلى ما جرى عليه القضاء. وقد أقر القضاء من عهد بعيد عرف التعامل في عدم اشتراط قيد المخالصات ؛ إقتصاداً للنفقات بيد أن نطاق هذا العرف يتناول المخالصات العادية فحسب ، دون المخالصات التي ترتب حقاً في الحلول ولذلك إحتاط المشروع ، فجعل للقاضي سلطة تقدير يعتد في أعمالها بما يعرض من ظروف .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العشرون ، الصفحة / 197
الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمِلْكِ الْمُؤَرَّخِ:
- إِذَا أَقَامَ كُلٌّ مِنَ الدَّاخِلِ وَالْخَارِجِ بَيِّنَةً عَلَى مِلْكِ عَيْنٍ وَذَكَرَ التَّارِيخَ، فَبَيِّنَةُ مَنْ تَارِيخُهُ مُقَدَّمٌ أَوْلَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، مَثَلاً إِذَا ادَّعَى أَحَدٌ أَنَّ الْعَرْصَةَ الَّتِي فِي يَدِ غَيْرِهِ مَلَكَهَا هُوَ مُنْذُ سَنَةٍ، وَقَالَ ذُو الْيَدِ (الدَّاخِلُ): إِنَّهُ مَلَكَهَا مُنْذُ سَنَتَيْنِ، تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ.
وَإِنْ قَالَ الدَّاخِلُ: (مَلَكْتُهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) تُرَجَّحُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ، وَذَلِكَ لأِنَّ بَيِّنَةَ مَنْ يَكُونُ تَارِيخُهُ مُقَدَّمًا تُثْبِتُ الْمِلْكَ لَهُ وَقْتَ التَّارِيخِ، وَالآْخَرُ لاَ يَدَّعِيهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَإِذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لاَ يَثْبُتُ لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ، إِذِ الأْصْلُ فِي الثَّابِتِ دَوَامُهُ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ هَذَا الأْصْلِ دَعْوَى النِّتَاجِ، فَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ فِيهَا أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْخَارِجِ مُطْلَقًا، دُونَ اعْتِبَارِ التَّارِيخِ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ كَانَتِ الْيَدُ لِمُتَقَدِّمِ التَّارِيخِ قُدِّمَتْ قَطْعًا، وَإِذَا كَانَتْ لِمُتَأَخِّرِ التَّارِيخِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُقَدَّمُ أَيْضًا، لأِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَتَانِ فِي إِثْبَاتِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ فَيَتَسَاقَطَانِ فِيهِ، وَتَبْقَى الْيَدُ فِيهِ مُقَابِلَةَ الْمِلْكِ السَّابِقِ، وَهِيَ أَقْوَى مِنَ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمِلْكِ السَّابِقِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا لاَ تُزَالُ بِهَا.
وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي: يُرَجَّحُ السَّبْقُ، وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ: يَتَسَاوَيَانِ.
وَفِي الرِّوَايَةِ الأْخْرَى عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَلاَ اعْتِبَارَ لِلتَّارِيخِ.
وَهُنَاكَ صُوَرٌ وَفُرُوعٌ أُخْرَى يُرْجَعُ لِحُكْمِهَا وَأَدِلَّةِ الْفُقَهَاءِ فِيهَا فِي مُصْطَلَحَاتِ: (دَعْوَى، شَهَادَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والأربعون ، الصفحة / 360
وَثِيقَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الْوَثِيقَةُ فِي اللُّغَةِ: الإْحْكَامُ فِي الأْمْرِ، يُقَالُ: أَخَذَ بِالْوَثِيقَةِ فِي أَمْرِهِ أَيْ بِالثِّقَةِ، وَتَوَثَّقَ فِي أَمْرِهِ مِثْلَهُ، وَالْجَمْعُ وَثَائِقُ.
وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ: «وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ»مِنْ وَثُقَ الشَّيْءُ وَثَاقَةً: قَوِيَ وَثَبُتَ فَهُوَ وَثِيقٌ ثَابِتٌ مُحْكَمٌ، وَالأْنْثَى وَثِيقَةٌ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُتَّخَذُ لِتَأْمِينِ الْحُقُوقِ عَنِ الْفَوَاتِ عَلَى أَصْحَابِهَا بِجَحْدٍ، أَوْ نِسْيَانٍ أَوْ إِفْلاَسٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَخَاطِرِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْحُجَّةُ:
الْحُجَّةُ - بِضَمِّ الْحَاءِ - لُغَةً الدَّلِيلُ وَالْبُرْهَانُ، وَالْجَمْعُ حُجَجٌ.
وَاصْطِلاَحًا: مَا دَلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى كَالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ أَوِ الإْقْرَارِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحُجَّةِ وَالْوَثِيقَةِ: هِيَ الْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ.
مَشْرُوعِيَّةُ الْوَثِيقَةِ:
الأْصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ).
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الزَّعِيمُ غَارِمٌ».
أَنْوَاعُ الْوَثَائِقِ:
الْوَثَائِقُ بِالْحُقُوقِ الْمَنْصُوصَةِ فِي الآْيَتَيْنِ ثَلاَثَةٌ:
- شَهَادَةٌ، وَرَهْنٌ، وَكِتَابَةٌ.
وَالضَّمَانُ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ.
فَالشَّهَادَةُ لِخَوْفِ الْجَحْدِ، وَالضَّمَانُ وَالرَّهْنُ لِخَوْفِ الإْفْلاَسِ، وَالْكِتَابَةُ لِخَوْفِ النِّسْيَانِ.
مَا تَدْخُلُهُ الْوَثَائِقُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ:
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ مِنَ الْعُقُودِ مَا يَدْخُلُهُ الرَّهْنُ وَالضَّمَانُ وَالشَّهَادَةُ، كَالْبَيْعِ، وَالسَّلَمِ، وَالْقَرْضِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ الْمُسْتَقِرَّةِ.
وَمِنْهُ مَا يُسْتَوْثَقُ مِنْهُ بِالشَّهَادَةِ لاَ بِالرَّهْنِ: وَهُوَ الْمُسَاقَاةُ، لأِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ. وَنُجُومُ الْكِتَابَةِ لاَ رَهْنَ فِيهَا وَلاَ ضَمِينَ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَقِرٍّ، وَكَذَا الْجَعَالَةُ، وَحَكَى ابْنُ الْقَطَّانِ وَجْهًا أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُهَا الضَّمِينُ.
وَمِنْهُ الْمُسَابَقَةُ إِذَا اسْتَحَقَّ رَهْنُهَا جَازَ الرَّهْنُ وَالضَّمِينُ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْخِلاَفِ عَلَى أَنَّهُ جَائِزٌ أَوْ لاَزِمٌ.
وَمِنْهُ مَا يَدْخُلُهُ الضَّمِينُ دُونَ الرَّهْنِ، وَهُوَ ضَمَانُ الدَّرْكِ.
وَقَدِ اسْتَدْرَكَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى حَصْرِ الْوَثَائِقِ فِيمَا سَبَقَ بِأُمُورٍ مِنْهَا:
الْحَبْسُ عَلَى الْحُقُوقِ إِلَى الْوَفَاءِ أَوْ حُضُورِ الْغَائِبِ، وَإِفَاقَةِ الْمَجَانِينِ، وَبُلُوغِ الصِّبْيَانِ.
وَمِنْهَا حَبْسُ الْمَبِيعِ، حَتَّى يُقْبَضَ الثَّمَنُ، وَمِنْهَا: امْتِنَاعُ الْمَرْأَةِ عَنْ تَسْلِيمِ نَفْسِهَا، حَتَّى تَقْبِضَ الْمَهْرَ، وَغَيْرُ ذَلِكَ.
حُكْمُ الْوَثَائِقِ:
أ- الشَّهَادَةُ:
الشَّهَادَةُ مِنْ أَهَمِّ الْوَثَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حُكْمِ الإْشْهَادِ سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي عُقُودِ النِّكَاحِ أَمْ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَهَادَة ف 30، تَوْثِيق ف 7)
ب- الْكِتَابَةُ:
كِتَابَةُ الْمُعَامَلاَتِ الَّتِي تُجْرَى بَيْنَ النَّاسِ وَسِيلَةٌ لِتَوْثِيقِهَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الأْمْرُ بِهَا فِي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَاتَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ).
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْكِتَابَةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الأْمْرَ بِالْكِتَابَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ. وَقَالُوا: إِنَّنَا نَرَى جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ فِي جَمِيعِ دِيَارِ الإْسلاَمِ يَبِيعُونَ بِالأْثْمَانِ الْمُؤَجَّلَةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابَةٍ وَلاَ إِشْهَادٍ، وَذَلِكَ إِجْمَاعٌ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهَا، وَالأْمْرُ نَدْبٌ إِلَى حِفْظِ الأْمْوَالِ وَإِزَالَةِ الرَّيْبِ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ كَتْبَ الدُّيُونِ وَاجِبٌ عَلَى أَرْبَابِهَا فَرْضٌ بِهَذِهِ الآْيَةِ بَيْعًا كَانَ أَوْ قَرْضًا لِئَلاَّ يَقَعَ جَحْدٌ أَوْ نِسْيَانٌ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ.
(ر: تَوْثِيقٌ ف 12).
حِكْمَةُ الْكِتَابَةِ وَالشَّهَادَةِ:
أَمَرَ اللَّهُ فِي آيَةِ الْمُدَايَنَةِ بِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْكِتَابَةُ بِقَوْلِهِ (فَاكْتُبُوهُ)، وَالثَّانِي: الاِسْتِشْهَادُ، بِقَوْلِهِ: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ) وَفَائِدَةُ الْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ أَنَّ مَا يَدْخُلُ فِيهِ الأْجَلُ وَتَتَأَخَّرُ فِيهِ الْمُطَالَبَةُ يَتَخَلَّلُهُ النِّسْيَانُ، وَيَدْخُلُهُ الْجَحْدُ، فَصَارَتِ الْكِتَابَةُ كَالسَّبَبِ لِحِفْظِ الْمَالِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، لأِنَّ صَاحِبَ الدَّيْنِ إِذَا عَلِمَ أَنَّ حَقَّهُ قَدْ قُيِّدَ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ عَلَيْهَا تَحَرَّزَ عَنْ طَلَبِ الزِّيَادَةِ وَمِنْ تَقْدِيمِ الْمُطَالَبَةِ عَلَى حُلُولِ الأْجَلِ، وَمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ إِذَا عَرَفَ ذَلِكَ تَحَرَّزَ مِنَ الْجُحُودِ، وَأَخَذَ قَبْلَ حُلُولِ الأْجَلِ فِي تَحْصِيلِ الْمَالِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهِ وَقْتَ حُلُولِ الأْجَلِ، فَلَمَّا حَصَلَ فِي الْكِتَابَةِ وَالإْشْهَادِ هَذِهِ الْفَوَائِدُ أَمَرَ اللَّهُ بِهِ.
ج- الرَّهْنُ:
الرَّهْنُ هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُجْعَلُ وَثِيقَةً بِالدَّيْنِ لِيُسْتَوْفَى مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ تَعَذَّرَ اسْتِيفَاؤُهُ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ.
وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (رَهْن ف 4، تَوْثِيق ف 14)
د - الضَّمَانُ:
الضَّمَانُ: هُوَ مِنْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ، وَهُوَ ضَمُّ ذِمَّةِ الضَّامِنِ إِلَى ذِمَّةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ فِي الاِلْتِزَامِ بِالْحَقِّ فَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِمَا جَمِيعًا.
وَلِصَاحِبِ الْحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَلاَ جَرَمَ أَنَّ هَذَا يَزِيدُ الثِّقَةَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (ضَمَان ف 28، تَوْثِيق ف 15)

