loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 396 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 16 من قانون الإثبات :

1- لم يعرض تقنين من التقنينات للرسائل بوصفها ضرباً من ضروب الأدلة الكتابية وقد يلتمس للتقنين الفرنسي بعض العذر في إغفالها، إذا روعي أن التعامل بالرسائل كان في سنة 1804 بالغ الندرة .

وقد ذهب بعض من تصدوا لشرح هذا التقنين إلى عدم جواز تشبيه الرسائل بالأوراق العرفية، تفريعاً على رأيهم في مجافاة التوسع في تفسير القواعد المتعلقة بطرق الإثبات .

بيد أنه من المسلم أن التعامل بالرسائل أخذ يتزايد نصيبه من الأهمية، حتى أصاب من سعة النطاق بسطة جديرة بالاعتبار. وليس شك في أن هذا الضرب من التعامل قد أضطر بوجه خاص في المسائل التجارية، لكن المتعاملين من التجار لم يستشعروا ضرورة لحكم تشریعی جدید، نظراً لانتفاء قيود الإثبات في هذه المسائل .

على أن التعامل بالرسائل شمل الروابط المدنية أيضاً، ومن عجب أن يستشعر واضعو المشروع الفرنسي الإيطالى ضرورة تشبيه البرقية بالورقة العرفية في المادة 484، دون أن يشيروا إلى الرسائل .

وقد أقر القضاء والفقه ما تواضع عليه المتعاملون في هذا الشأن، وأنشأ طائفة من القواعد استلهما فيها المبادئ المتعلقة بالأوراق العرفية، رغم خلو التشريع من النص. وقد استندا في ذلك إلى :

(أ) أن القانون لم يشترط شكلاً خاصاً في المحررات العرفية، إلا ما إستثنى منها بالنص .

(ب) وأن الرسائل يتوافر فيها الشرطان الجوهريان اللذان تستمد منهما حجية الورقة العرفية وهما الخط والتوقيع .

فمن الأنسب، والحال كذلك، أن تدرج الرسائل بين طرق الإثبات بالكتابة، وأن يعين مدى حجيتها، وما ينبغي أن يتوافر فيها من الشرائط الشكلية، نزولاً على مقتضى القواعد العامة من ناحية، وتمشياً مع نية المتعاقدين من ناحية أخرى .

ويجب، فيما يتعلق بالشكل، أن يجتمع في الرسالة الشرطان الجوهريان الواجب توافرهما في الأوراق العرفية، وهما الخط والتوقيع. وغنى عن البيان أن توافر هذين الشرطين يكفي من هذه الناحية دون حاجة إلى أي شرط آخر .

أما فيما يتعلق بحجية الرسائل، فمن رأى فريق من الفقهاء أنها تترك لتقدير القاضي، لأن مضمون الرسالة لا يعدو أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة، قد يعتبر من قبيل الإقرار في غير مجلس القضاء .

بيد أن مذهب القضاء قد تطور في هذا الشأن، فعمدت المحاكم إلى إقرار مبدأ التعاون في تحصيل الأدلة، وأجازت للقاضي أن يأمر بتقديم الأدلة التي تثبت حيازة الخصوم لها وإعراضهم عن استعمالها، إذا اقتضى ذلك حسب سير العدالة (إستئناف مختلط 28 نوفمبر سنة 1929 ب 42 ص 66). وقد أقيم المبدأ الذي تقدمت الإشارة إليه على ما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية في تحصيل الدليل. فإذا تم التعاقد بالمراسلة كان من واجب كل من المتعاقدين أن يقدم إلى القاضي ما يكون لديه من الأدلة الكتابية، لأن الإثبات في هذه الحالة لا يتاح إلا بمقارنة الرسائل المتبادلة .

وليس ثمة ما يدعو إلى الإشفاق من إقرار حجية الرسائل، فإذا امتنع أحد المتعاقدين عن تقديم الرسالة الموجهة إليه، فللقاضي أن يلزمه بذلك. ثم إن اشتراط ازدواج النسخ الأصلية في بعض التقنينات يقصد منه إلى تحقيق المساواة بين طرفي التعاقد، وهو غرض لايفوت بداهة من جراء إقرار هذه الحجية. ويراعي أخيراً أن العمل جرى على الإحتفاظ بصور الرسائل، ولا سيما أنها غالباً ما تكتب بالآلة الكاتبة، متى كانت متعلقة بمعاملة من المعاملات، ولو كانت مدنية بطبيعتها .

وتفريعاً على ذلك عمد المشروع إلى إقرار حجية الرسائل، والتسوية في الحكم بينها وبين سائر الأوراق العرفية .

ولو فرض على نقيض ما تقدم، أن رسالة وجهت إلى شخص ثالث، وتمكن أحد الطرفين من تقديمها بعد الحصول عليها بطريق مشروع، ليستخلص منها دليلاً على ما يدعي قبل الطرف الآخر، فحجية مثل هذه الرسالة تترك لتقدير القاضي، وله أن يسترشد في شأنها بالأحكام الخاصة بما يصدر من الإقرارات في غير مجلس القضاء .

2- أما البرقيات، وهي التي تكفلت الفقرة الثانية ببيان حكمها، فهي تختلف عن الرسائل من حيث إيجاز المضمون وسرعة الإبلاغ .

بيد أن ثمة فارقاً آخر يتصل بكيفية الإبلاغ، فالمرسل إليه لا يتسلم أصل البرقية، بل يتسلم صورة منها يتولى تحريرها موظف مصلحة التلغرافات في المكتب المختص بتلقى مضمون الرسالة. ومن المسلم أن صور الأوراق العرفية لا تتوافر لها أي حجية في الإثبات .

بيد أنه رئي من الأنسب أن يفترض القانون مطابقة الصورة المسلمة إلى المرسل إليه لأصلها، إذ ليس لموظف مكتب التلغراف المختص مصلحة في تغيير مضمون هذا الأصل .

وبهذا تنحصر احتمالات مغايرة الصورة للأصل، بوجه عام، فيما قد يقع من هذا الموظف من خطأ. ولهذه العلة أجيز لذى الشأن أن يقيم الدليل على إختلاف الصورة عن أصلها، وهو أمر يسير يكفي فيه تقديم الأصل المحفوظ في مكتب الإرسال. ولا يكون نصيب البرقية من الحجية معادلاً لنصيب الأوراق العرفية منها، إلا بتوافر شرط جوهري، هو توقيع المرسل على الأصل .

بيد أن تخويل مصلحة التلغرافات حق إعدام أصول البرقيات، بعد إنقضاء فترة قصيرة من الزمن، يجعل حجية الرسائل البرقية أدنى إلى التوقيت، وحظها من الاستقرار أقل مما يتوافر للرسائل البريدية .

وقد سوى التقنين المراكشي ( المواد 428 - 430 ) و المشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 248) بين البرقيات وبين سائر الأوراق العرفية من حيث الحجية.

الأحكام

1- لئن كان قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية لم يعرض بالتنظيم لحجية المراسلات التى تتم بين أطرافها عن طريق وسائل الاتصال الحديثة ومنها التلكس مثلما نظم بنص المادة 16 منه حجية الرسائل الموقع عليها والبرقيات حيث جعل للرسائل الموقع عليها والبرقيات المودع أصلها فى مكتب تصديرها وموقعاً عليها من مرسلها قيمة المحرر العرفى واعتبر البرقية مطابقة لأصلها المودع بجهة الإرسال حتى يقوم الدليل على العكس .

(الطعن رقم 4773 لسنة 71 جلسة 2003/05/22 س 54 ع 1 ص 823 ق 142)

2- لم يعتد بالبرقية إذ كان أصلها قد أعدم إلا لمجرد الاستئناس فإنه يتعين الاستهداء بنص المادة 16 من قانون الإثبات فى شأن المراسلات التى تتم بين أطرافها عن طريق جهاز التلكس فلا يكون لهذه المراسلات عند إنكارها ثمة حجية إلا بمقدار مطابقتها لأصلها إن وجد . فإن لم تتم هذه المطابقة فلا يعتد بها إلا لمجرد الاستئناس .

(الطعن رقم 4773 لسنة 71 جلسة 2003/05/22 س 54 ع 1 ص 823 ق 142)

3- للرسائل الموقع عليها قوة الدليل الكتابى من حيث الاثبات فتكون حجة على المرسل بصحة المدون فيها إلى أن يثبت هو العكس بالطرق المقررة فى قانون الاثبات، والزوج فى علاقته بزوجته ليس من الغير فى صدد السرية المقررة للمكاتبات، فإن عشرتهما وسكون كل منهما إلى الآخر وما يفرضه عقد الزواج عليهما من تكاليف لصيانة الأسرة فى كيانها وسمعتها يخول كل منهما ما لا يباح للغير من مراقبة الآخر فى سلوكه وغير ذلك مما يتصل بالحياة الزوجية، ومن ثم حق لكل منهما الاحتجاج بما تتضمنه الرسالة الموقعة من الآخر بما تحمله من دليل لصالحه فى شئون الزوجية، دون البحث فيما إذا كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة، لما كان ذلك، وكان الكتاب المرسل من احد الخصوم إلى آخر يخضع لتقدير قاضى الموضوع فله بعد تقدير الظروف التى حرر فيها ان يعتبره دليلا كاملا أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يؤخذ به أصلا ولا معقب عليه فى ذلك متى كان قدم تقريره على أسباب سائغة، لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد اقام قضائه بتطليق المطعون ضدها على الطاعن على ما أورد بأسبابه من أن الكتاب المرسل من الطاعن إلى ابنه منها تضمن اتهامها بالتبرج والتفريط فى شرفها والخيانة الزوجية والانحطاط الخلقى، ولم يبد الطاعن ثمة دفع أو دفاع بشأن هذا الكتاب بما تتحقق به المضارة الموجبة للتطليق، وهذه اسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها الحكم وتكفى لحمل قضائه وفيها الرد الضمنى المسقط لما ساقه الطاعن، ولا على الحكم إذ اعتمد على ما تضمنته تلك الرسالة ذلك أن المطعون ضدها ليست من الغير فى علاقتها بالطاعن بحسبانها زوجا له، بما لا محل معه لبحث ما إذا كانت قد حصلت عليها بوسيلة مشروعة.

(الطعن رقم 202 لسنة 62 جلسة 1996/03/25 س 47 ع 1 ص 550 ق 105)

4- وإن كان للرسائل الموقع عليها قوة الدليل الكتابى من حيث الإثبات إلا أن الإقرار الوارد فى خطاب إقرار غير قضائى يخضع لتقدير القاضى وكان لقاضى الموضوع سلطة الترجيح بين البيانات وإستظهار الواقع فى الدعوى و وجه الحق فيها فإنه لا على الحكم المطعون فيه إن هو رجح بينة الإثبات على بينة النفى وإستخلص أسباب سائغة مما له أصل ثابت بالأوراق توافر الضرر المبيح للتطليق بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة .

(الطعن رقم 33 لسنة 52 جلسة 1981/04/24 س 35 ع 1 ص 1077 ق 205)

5- الحرمة والسرية التى كفلتها المادة 45 من الدستور للمراسلات البريدية إنما تنصرف إلى تلك الرسائل حال وجودها لدى هيئة البريد ، أما بعد وصولها وتسليمها للمرسل إليه ، فإنه يحق له وللغير الاستناد إليها والاستدلال بها إلا إذا انطوات على أسرار حظر القانون أو المرسل إفشاءها .

(الطعن رقم 763 لسنة 43 جلسة 1980/05/26 س 31 ع 2 ص 1488 ق 763)

6- لاعلى الحكم المطعون فيه إذا كان قد استخلص من المراسلات المتبادلة بين الطرفين قيام التعاقد بينهما فى مادة تجارية ، وأن إرداتهما قد تلاقت فى شأن تحديد قدر المتعاقد عليه .

(الطعن رقم 257 لسنة 32 جلسة 1967/12/12 س 18 ع 4 ص 1860 ق 282)

7- الخطاب المرسل من المدعى عليه إلى آخر والذى يتمسك به المدعى - وهو من الغير - يخضع لتقدير القاضى ، فله بعد تقدير الظروف التى صدر فيها أن يعتبره دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو لا يأخذ به أصلاً ، ولا معقب على تقديره فى ذلك متى بنى على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 243 لسنة 31 جلسة 1966/06/14 س 17 ع 3 ص 1359 ق 188)

8- مؤدى نص المادة المادة 196/1 و 2 من القانون المدنى ان الرسائل والبرقيات لها قيمه الورقه العرفيه فى الأثبات متى كانت هذه الرسائل وأصل تلك البرقيات موقعا عليها من مرسلها . وقد قصد المشرع بهذا النص --- على ما افصح عنه فى المذكره الأضاحيه -- أن يستجيب لحاجه التعامل بالرسائل والبرقيات وبوجه خاص فى المسائل التجارية فأدرجها بين طرق الأثبات بالكتابه وجعل لها حجيه الورقه العرفيه للتسويه بينها فى الحكم .

(الطعن رقم 310 لسنة 30 جلسة 1966/01/11 س 17 ع 1 ص 71 ق 9)

9- لا تثريب على المحكمة إن هى إتخذت من الخطابات الصادرة من مورثة الخصوم إلى مستأجر أطيان الروكية التى كانت تقوم بإدارتها لاسيما الخطاب التى تطالب فيه المستأجر المذكور بمبلغ سبق أن طالبته به فى خطاب سابق لحاجتها الشديدة إليه فى العمارة - لا تثريب على المحكمة إن هى إتخذت منها مبدأ ثبوت بالكتابة يقرب إحتمال أن المال الذى أنفق فى شراء الأرض و بناء العمارة التى يدعى الطاعن أنها كانت مملوكة للورثة إنما كان من مال الروكية ولحسابها . ومتى كانت المحكمة قد إستكملت مبدأ الثبوت هذا بقرائن عديدة ساقتها ومن شأنها أن تؤدى إلى ما إستخلصته منها فإن حكمها يكون مطابقاً للقانون وإن لم يذكر القاعدة القانونية التى أقام قضاءه عليها ، إذ بحسبه أن يكون هذا الذى إنتهجه موافقاً للتطبيق الصحيح للقانون . ومن ثم فإن الطعن فيه بالخطأ فى تطبيق القانون إستناداً إلى أنه خالف قواعد الإثبات يكون غير صحيح .

(الطعن رقم 146 لسنة 18 جلسة 1951/02/15 س 2 ع 2 ص 346 ق 66)

شرح خبراء القانون

أحكام خاصة بالرسائل والبرقيات :

(أ) الرسائل : إذا اشتملت الرسالة على توقيع مرسلها، كانت لها نفس قوة المحرر العرفي في الإثبات (16 من قانون الإثبات)، سواء اشتملت على تصرف من جانب واحد أو كانت إيجاباً أو قبولاً في عقد. وذلك مع ملاحظة :

1 ـ أن تاريخ الرسالة يحتج به في مواجهة الغير دون حاجة لثبوته. إذ لا يتصور عادة أن يغير تاريخ الرسالة للإضرار بالغير. على أن يبقى للغير إثبات العكس بكافة طرق الإثبات .

2 ـ أن كاتب الرسالة - ولو أقر بتوقيعه - أن يثبت، بكافة طرق الإثبات، أنه لم يرسل الرسالة ولم يكلف أحداً بإرسالها. وعندئذ لا يكون للتعبير عن الإرادة الذي تشتمل عليه الرسالة أثره القانوني .

3- أنه - خلافاً لما تقدم بالنسبة لصورة المحرر العرفي - إذا كانت الرسالة بسند إيصال (من مصلحة البريد أو من المرسل إليه) ورفض المرسل إليه إبراز الأصل، وكان المرسل محتفظاً بصورة منها، فإنه يمكنه الاستناد إلى الصورة التي تعتبر مطابقة للأصل ما لم يثبت المرسل إليه العكس .

(ب) البرقيات : تختلف البرقية عن الرسالة في أن أصلها يودع فى مكتب التصدير، ولا يتلقى المرسل إليه سوى صورة منها مكتوبة عادة بالآلة الكاتبة بواسطة مكتب الإستلام. ولهذا فإن الذي يحدث التمسك به كدليل هو هذه الصورة. والقاعدة - كما قدمنا - هي أن صورة المحرر العرفي ليست لها قوة في الإثبات، ولو صدرت عن موظف رسمى. وتطبيقاً لهذه القاعدة فإن صورة البرقية لا قوة لها وإنما القوة هي «لأصل البرقية المودع في مكتب التصدير». ويكون لهذا الأصل قوة المحرر العرفي إذا كان موقعاً عليه من مرسل البرقية. ولكن نظراً لأن الصورة تكتب دائمة بواسطة موظف رسمی لا مصلحة له في تغيير مضمونها، فقد حرص القانون المصرى (مادة 16/ 1 ق. الإثبات) على النص على أن البرقية تعتبر مطابقة لأصلها ما لم يقم الدليل على العكس. وهذه القرينة التي تعتبر خروجاً على القاعدة العامة بالنسبة لصور المحررات العرفية، لا تقوم إلا بافتراض وجود الأصل، فإذا كان الأصل قد أعدم، إنهارت قوة البرقية في الإثبات إذ لا قوة لها في ذاتها، وإنما القوة للأصل، فلا يعتد بها إلا لمجرد الاستئناس ( 16/ 2 ق. الإثبات) . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 149 )

قيمة الرسالة فى الإثبات :

تقول المذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي فى هذا الصدد ما يأتي : " لم يعرض تقنيين من التقنينات للرسائل بوصفها ضرباً من ضروب الأدلة الكتابية، وقد يلتمس للتقنين الفرنسى بعض العذر فى إغفالها إذا روعى أن التعامل بالرسائل كان في سنة 1804 بالغ الندرة. بيد أنه من المسلم أن التعامل بالرسائل أخذ يتزايد نصيبه من الأهمية، حتى أصاب من سعة النطاق بسطة جديرة بالاعتبار. وليس شك في أن هذا الضرب من التعامل قد إضطرد بوجه خاص في المسائل التجارية، لكن المتعاملين من التجار لم يستشعروا ضرورة لحكم تشريعى جديد نظراً لانتفاء قيود الإثبات في هذه المسائل. على أن التعامل بالرسائل شمل الروابط المدنية أيضاً، ومن عجب أن يستشعر واضعو المشروع الفرنسي الإيطالى ضرورة تشبيه البرقية بالورقة العرفية المادة 484 دون أن يشيروا إلى الرسائل ".

أما التقنين الجديد فلم يترك الأمر إلى تقدير القاضى، بل نص صراحة على أن " تكون للرسائل الموقع عليها قيمة الورقة العرفية من حيث الإثبات ". وكان التقنين الجديد جريئاً فى إيراده لهذا النص، فلم يسبقه إليه تقنين آخر كما تقول المذكرة الإيضاحية. وقد سلب القاضى حريته فى التقدير، فلم يعد هذا يستطيع، إذا رأى أن المرسل لم يحتاط فى رسالته ولم يقصد إلى أن ينتج جميع الآثار القانونية التى تترتب على ما كتبه فى هذه الرسالة، أن يرفع عن الرسالة حجيتها أو أن ينتقض من هذه الحجية كما كان يستطيع فى ظل التقنين السابق. فمتى كانت الرسالة موقعة من المرسل، استوفت شرائط الورقة العرفية، وصار لها حجيتها، حتى لو كانت لم تستوف شرطاً جوهرياً هو أن تكون قد أعدت مقدماً للإثبات فإن هذا الإعداد السابق من شأنه أن يفرض على المرسل الإحتياط والتمعن. بالرغم من ذلك أصبحت الرسالة الموقعة فى التقنين الجديد، كما قدمنا، بمنزلة الورقة العرفية المعدة للإثبات، ولها قيمة الدليل الكامل. فهى حجة على المرسل من حيث صدورها منه، إلا أن ينكر توقيعه أو خطه على النحو الذى قدمناه فى الأوراق العرفية المعدة للإثبات. وهى أيضاً حجة على المرسل بصحة المدون فيها، إلا أن يثبت العكس بالطرق المقررة، وهو لا يستطيع أن يثبت ما يخالف الكتابة أو ما يجاوزها إلا بالكتابة. وهى أخيراً حجة على المرسل من حيث قيام التصرف القانونى الذى تشهد به الرسالة، على أن له أن يدفع هذا التصرف بجميع الدفوع الموضوعية والشكلية التى يسمح بها القانون .

والذى لا يزال يفرق فى نظرنا بين الرسالة الموقعة والورقة العرفية المعدة للإثبات، حتى فى ظل التقنين الجديد، هو أن القاضى عند تفسيره للعبارات الواردة فى الرسالة الموقعة - إذا كانت هذه الرسالة لم تعد مقدماً للإثبات ويندر أن تعد لهذا الغرض فى غير المسائل التجارية - لابد أنه ملق بالاً إلى أن كاتب هذه العبارات لم يصطنع الحيطة المألوفة عند من يقصد أن يرتبط بعباراته ارتباطاً قانونياً، فيفسر الرسالة بما يتلاءم مع الجو الذى كتبت فيه .

أما إذا كانت الرسالة غير موقعة ولكنها مكتوبة بخط المرسل، فهى تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة كما كان الأمر فى التقنين السابق. وصورة الرسالة لا حجية لها كصورة أية ورقة عرفية .

متى يجوز للمرسل إليه أن يحتج بالرسالة : من حق المرسل إليه أن يقدم الرسالة إلى القضاء ليستخلص منها دليلاً لصالحه ضد المرسل متى كانت له مصلحة مشروعة فى ذلك. فإذا تضمنت الرسالة إتفاقاً تم بينه وبين المرسل، أو إلتزاماً تعهد به المرسل، أو مخالصة، أو إبراء، أو إقراراً، أو نحو ذلك، كان للمرسل إليه مصلحة مشروعة فى أن يقدم الرسالة دليلاً على ما تقدم. وكذلك إذا تضمنت الرسالة جريمة فى حق المرسل إليه كتهديد أو احتيال أو قذف أو سب، أو كانت دليلاً على جريمة هو مجنى عليه فيها كجريمة الزنا، كان له أن يقدمها إلى القضاء دليلاً للإثبات .

على ألا يكون فى كل هذا إنتهاك لحرمة السرية. فإذا كانت هناك سرية تنتهك، ولم ينبه المرسل إليه المرسل حتى ييسر له الإثبات من طريق آخر على النحو الذى سبق أن بيناه، فلا يجوز للمرسل إليه أن يقدم الرسالة إلى القضاء، وإن فعل جاز للمرسل أن يطلب استبعادها، وله الرجوع على المرسل إليه بالتعويض .

وينتقل حق المرسل إليه فى الرسالة كدليل إثبات إلى ورثته من بعده. فلهم استعمالها كخلف له فى نفس الحدود التي يجوز فيها ذلك للمرسل إليه : لمصلحة مشروعة وبشرط عدم إنتهاك حرمة السرية .

وهذه الأحكام إنما هى تطبيق للقواعد العامة، وكان معمولاً بها فى ظل التقنين السابق .

متى يجوز للغير أن يحتج بالرسالة : لا يقتصر حق الاحتجاج بالرسالة على المرسل إليه وورثته، بل يمتد هذا الحق إلى الغير، وهو كل شخص غير المرسل إليه وورثته تكون له مصلحة مشروعة فى الاحتجاج بها. مثل ذلك أن تتضمن الرسالة إقراراً من المرسل يفيد الغير، أو تتضمن إشتراطاً لمصلحة هذا الغير. ذلك أن حق الاحتجاج بالرسالة ليس مستمداً من أنها ملك للمرسل إليه ومن أنه فى الاحتجاج بها إنما يستعمل ملكه، ولكنه مستمد من أن الرسالة تنطوى على دليل إثبات، فمن كان فى حاجة إلى هذا الدليل لإثبات دعواه أمام القضاء جاز له أن يطلب تقديم الرسالة. ويتبين من ذلك أن حق الاحتجاج بالرسالة مستمد، لا من حق الملك، بل من الحق فى الإثبات وهو الحق الذى رسمنا مداه فيما تقدم .

وهو حق ضيق فى التشريع المصرى. فقد رأينا أن تقنين المرافعات الجديد م 20 يجيز للخصم – وهو هنا الغير - أن يطلب إلزام خصمه - وهو هنا المرسل إليه إذا كانت الدعوى قائمة بينه وبين الغير – بتقديم أية ورقة منتجة فى الدعوى، ومن ذلك الرسالة التي تتضمن دليلاً لمصلحة الغير، إذا كانت الرسالة محررة لمصلحة الخصمين أو كانت مثبتة لإلتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة أو استند إليها خصمه فى أية مرحلة من مراحل الدعوى. ويجب فوق ذلك ألا يكون فى تقديم الرسالة انتهاك لحرمة السرية، وإلا وجب أيضاً استئذان المرسل قبل تقديمها، هذا ما لم يكن المرسل نفسه هو الخصم الذي طلب تقديم الرسالة .

وهذا كله لو كانت الرسالة فى يد المرسل إليه كما هو الغالب. ولكنها قد تقع فى يد الغير الذى له مصلحة مشروعة فى الاحتجاج بها. فإن وقعت فى يده بطريقة غير مشروعة، كأن كان قد أخذها خلسة أو احتيالاً، فلا يجوز له تقديمها بتاتاً، وإذا قدمها وجب استبعادها. أما إذا وقعت فى يده بطريقة مشروعة، فلا يجوز له كذلك تقديمها إلا بإذن المرسل إليه مالك الرسالة، ما لم يكن له فيها حق الإثبات فى الأحوال التى قدمناها فيجوز له تقديمها بغير إذن المرسل إليه .

وفى جميع الأحوال لا يجوز تقديم الرسالة إذا كان فى تقديمها انتهاك لحرمة السرية إلا بعد استئذان المرسل، ولا تعتبر الرسالة سرية لمجرد أنها موجهة لشخص غير الذى يحتج بها، بل السرية ترجع إلى موضوع الرسالة نفسه، وقاضى الموضوع هو الذي يقدر ذلك .

قوة البرقية فى الإثبات :

والبرقية قوتها في الإثبات كقوة الرسالة الموقعة، بشرط أن يكون أصل البرقية المودع فى مكتب التصدير موقعاً عليه من المرسل. ذلك أن البرقية هى أصل وصورة. فالأصل يكتبه المرسل عادة بخطه ويوقعه، وهو يحفظ فى مكتب التصدير لمدة معينة هى ثلاثة أشهر من تاريخ صدور البرقيات الداخلية وعشرة شهور من الشهر التالى لصدور البرقيات الخارجية وخمسة عشر شهراً من الشهر التالى لصدور البرقيات اللاسلكية. والصورة يكتبها عامل البرق الذى يتلقى البرقية فى مكان وصولها، ويرسل بها إلى المرسل إليه. فلا يكون إذن فى حيازة المرسل إليه كدليل للإثبات إلا هذه الصورة. وهي في ذاتها، كصورة لورقة عرفية، ليست لها قيمة في الإثبات. وإنما تفترض مطابقتها للأصل ما دام الأصل لا يزال موجوداً بمكتب التصدير. فإذا ادعى المرسل أن هذه المطابقة غير متوافرة، فعليه أن يطلب من "مصلحة التلغرافات" تقديم الأصل، وتضاهي عليه الصورة. فإن تحقق التطابق، أن للبرقية حجية الورقة العرفية : من حيث صحة صدورها من مرسلها إلى حد الإنكار، ومن حيث صحة الوقائع الواردة بها إلى حد إثبات العكس، ومن حيث قيام التصرف القانونى الذى تشهد به مع جواز دفعه بجميع الدفوع الموضوعية والشكلية، وكذلك من حيث جواز تمسك المرسل إليه وتمسك لغير بالبرقية على النحو الذى بسطناه في الرسالة. ولكن هذه الحجية مستمدة، لا من الصورة، بل من الأصل الذى وجدت الصورة مطابقة له. ويعتبر تاريخ البرقية تاريخاً ثابتاً، لأن خاتم المكتب الذى يختم به الأصل يحمل تاريخ الإرسال ويمكن التأكد من صحة التاريخ بالرجوع إلى دفتر معد لذلك. فإذا لم تكن الصورة مطابقة للأصل، فالعبرة بالأصل الموقع من المرسل لا بالصورة التى يكون التحريف قد تسرب إليها من عامل البرق .

أما إذا كان الأصل الموقع عليه قد أعدم بعد انقضاء المدة المعينة، أو كان غير موجود بأن سرق أو إحترق أو ضاع أو فقد لأى سبب آخر، فلا عبرة بالصورة، لأن الحجية إنما هى كما قدمنا مستمدة من الأصل. ولا تصلح الصورة فى هذه الحالة إلا لمجرد الاستئناس، وهذا ما تنص عليه صراحة الفقرة الثالثة من المادة 16 وقد تقدم ذكرها. ولا تعتبر الصورة مبدأ ثبوت بالكتابة لأنها ليست بخط المرسل، ولا يعتد بأنها صدرت من موظف عام لأنه ليس من شأنه أن يتحقق من شخصية مرسل البرقية، ويقع كثيراً أن يكتب البرقية ويتولى إرسالها شخص غير صاحبها .

بقيت حالة ما إذا كان الأصل غير موقع عليه من المرسل. وهذه تخضع للقواعد العامة، إذ لم يرد نص خاص فى شأنها. وتقضى القواعد العامة فى هذه الحالة أن تكون العبرة بالأصل لا بالصورة كما قدمنا. فإذا لم يوجد الأصل عبر الموقع، فالصورة لا تصلح إلا لمجرد الاستئناس وفى كثير من الحذر لأن الأصل لم يوقع عليه. وإذا وجد الأصل غير الموقع، فهو أيضاً لا يكون دليلاً كاملاً لإنعدام التوقيع، ولكنه قد يكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان مكتوباً بخط المرسل.على أن أحكام نفسها التى أوردها التقنين الجديد فى شأن البرقيات ليست إلا تطبيقاً للقواعد العامة، وقد كان معمولاً بها فى ظل التقنين السابق دون نص . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول، الصفحة : 343 )

احتجاج المرسل إليه بالرسالة :

من حق المرسل إليه أن يقدم الرسالة إلى القضاء ليستخلص منها دليلاً لصالحه ضد المرسل متى كانت له مصلحة مشروعة في ذلك على إلا يكون في كل هذا إنتهاك لحرمة السرية فإذا كانت هناك سرية تنتهك ولم ينبه المرسل إليه المرسل حتى ييسر له الإثبات من طريق آخر فلا يجوز للمرسل إليه أن يقدم الرسالة إلى القضاء وأن فعل جاز للمرسل أن يطلب استبعادها وله الرجوع على المرسل إليه بالتعويض. «الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 349 وما بعدها». وفي ذلك يقول المستشار أحمد نشأت في أنه يصح للمرسل إليه التمسك بالخطاب ولو حوى أمراً سرياً مع تعاقد رغم كون السر يبقى بطبيعته على ملك صاحبه ولا تعتبر عند المرسل إليه إلا وديعة أؤتمن عليها وذلك لأن المرسل إذا كان سيء النية يمكنه دائماً أن يكتب عن أشياء سرية ليمنع المرسل إليه من التمسك بالخطاب عند حصول نزاع على ذلك التعاقد الذي تم به ويجعل الخيار لنفسه في تنفيذه ولا يصح أن يساعد على الغش وقد يكون في الخطاب أقرار صريح بدين أو تخالص إلا أنه يجب على المرسل إليه قبل تقديمه الخطاب للمحكمة أن ينذر المرسل بأنه إذا لم ينفذ إلتزامه سيقدم الخطاب إلى القضاء رغم ما فيه من سر فإذا لم يفد ذلك كان المرسل إليه في حل من التمسك بالخطاب وعدم إحترام السر وهذا يوفق بين وجوب كتمان السر واحترامه أي بين مصلحة المرسل وبين مصلحة المرسل إليه وفي الأحوال التي تكون فيها الخطابات ملك المرسل إليه تنتقل ملكيتها بطبيعة الحال إلى ورثته كما كان يملكها وهو بذات القيود السابقة . «المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابقة ص 511 وما بعدها» .

احتجاج الغير بالرسالة :

يجوز للغير أن يتمسك بالرسالة بشرط أن يثبت أولاً : أن المرسل إليه قد سلمه الرسالة وأذنه صراحة أو ضمناً في استعمالها الأمر الذي يستفاد منه أنه حصل على الرسالة بطريقة مشروعة .

وثانياً : عدم سرية الرسالة أو موافقة مرسلها على تقديمها إلى القضاء أو إنذار مرسلها لضرورة تمكينه من الإثبات من غير طرفيها وفي جميع الأحوال تخضع حجية الرسالة التي يتمسك بها الغير لتقدير القاضي فيكون له بعد تقدير الظروف التي صدرت فيها الرسالة أن يعتبرها دليلاً كاملاً أو مبدأ ثبوت بالكتابة أو مجرد قرينة أو أن لا يأخذ بها أصلاً ولا معقب على تقديره في ذلك متى بني على أسباب سائغة وذلك خلافاً لما تقدم عن حجيتها عند تمسك المرسل إليه نفسه بها . «الدكتور سليمان مرقص في أصول الإثبات وإجراءاته الجزء الأول ص 429 وما بعدها».

حجية الرسائل في إثبات جريمة الزنا :

إذا تضمنت الرسالة دليلاً على جريمة الزنا كان للمجني عليه فيها وهو الزوج الحق في تقديمها إلى القضاء دليلا للإثبات وفي جريمة الزنا لا يتقيد الحق في تقديم الرسالة دليلاً على هذه الجريمة بأي قيد لا بإذن المرسل ولا بوجوب احترام سرية الرسالة ولا يوجب الحصول على الرسالة بطريق مشروع . «الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول هامش صفحة 349».

كما يقول المستشار أحمد نشأت بأن الخطابات التي يراد بها إثبات الزنا فإنه يجوز التمسك بها في جميع الأحوال مدنية وجنائية مراعاة لحرمة عقد الزواج ومحافظة على الأسرة التي هي أساس كيان المجتمع إذ لا يصح أن يقام وزن بجانب ذلك لحرمة سرية الخطابات فلكل من الزوجين حق البحث والتفتيش في أمتعة زوجة أو زوجته للحصول على دليل الزنا وأشار إلى حكم لإحدى المحاكم الجزئية منشور بالمحاماة س 21 ص 116 تقول فيه أن الأصل في المحررات والمكاتيب الخاصة أن لها حرمة لا يجوز المساس بها وأنه لا يمكن تقديم خطاب ما إلى القضاء إلا برضاء من أرسله وقبوله غير أن القضاء والفقه رأيا أن هذا المبدأ إذا طبق في قضايا الطلاق والتفرقة المبينة على الادعاء بوقوع الزنا من الزوجة يجعل إثبات هذا الزنا عسيراً أن لم يكن مستحيلاً ويمنع الزوج من أن يقدم للقضاء ما يكون قد وصل إليه من المراسلات التي تبادلت بين الزوجة وشريكها ويرد القضاء وشراح القانون المدني والقانون الجنائي هذا الرأي بأن حرمة عقد الزواج والمحافظة على كيان الأسرة هي أساس كيان المجتمع يجب أن تصغر أمامها حرمة المراسلات الخاصة وأن الزوج بما له من الولاية على زوجته بصفته رئيس الأسرة الحق في مراقبة سلوك زوجته والإطلاع على المحررات التي تتبادلها مع الغير وتفتيش متاعها للحصول على الأدلة التي تؤيد أو تنفي شكوكه والتي تثبت الجريمة التي تلمت شرفه أو التي توصله إلى إنكار ابن منسوب إليه زوراً. «المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة ص 520 وهامشها» وعلى ذلك فإنه يجوز للزوج أن يتمسك بخطاب اختلسه من زوجته يثبت عليها جريمة الزنا. أو يكون قد حصل عليه منها بالقوة. كما له أن يتمسك بخطاب كتبته زوجته للغير الذي سلمه للزوج أو سلم إليه على وجه الخطأ إذ أن جريمة الزنا تشجب ما عداها من هذه الأفعال حتى ولو كانت مكونة لبعض الجرائم .

البرقية قوتها في الإثبات كقوة الرسالة الموقعة بشرط أن يكون أصل المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من المرسل ذلك أن البرقية هي أصل وصورة فالأصل يكتبه المرسل عادة بخطه ويوقعه وهو يحفظ في كتب التصدير لمدة معينة هي ثلاثة أشهر من تاريخ صدور البرقيات الداخلية وعشرة شهور من الشهر الثاني لصدور البرقيات اللاسلكية وذلك عملاً بنص المادة 76 من دليل التلغراف وأما الصورة فيكتبها عامل البرق الذي يتلقى البرقية في مكان وصولها ويرسل بها إلى المرسل إليه فلا يكون إذن في حيازة المرسل إليه كدليل للإثبات إلا هذه الصورة وهي في ذاتها كصورة لورقة عرفية ليست لها قيمة في الإثبات وإنما تفترض مطابقتها للأصل مادام الأصل لا يزال موجوداً بمكتب التصدير «الدكتور السنهوري المرجع السابق ص 353 وما بعدها» .

وذلك حتى يقوم الدليل على عكس ذلك ويقع عبء إثبات ذلك على المتحدي بعدم المطالبة وإذا أعدم أصل البرقية فلا يعتد بها إلا لمجرد الاستئناس ويسري على البرقيات ما يسري على الرسائل من حيث احتجاج المرسل إليه والغير بها مع مراعاة الشروط السالف ذكرها في البرقيات حتى يصح الاحتجاج بها .

وتفضل البرقية الرسالة من ناحية ثبوت تاريخها رسمياً بختم مكتب البريد وتكون لها قيمة الورقة العرفية بشرط أن يكون أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من مرسلها فإذا كان الأصل لا يحمل توقيع المرسل أو من له صفة النيابة عنه في إرسالها فلا تكون للبرقية قيمة في الإثبات - ويملك من تلقي برقية ويخشى أن يعدم مكتب التصدير أصلها أن يختصم من تشهد عليه البرقية بأنها صادرة منه بشرط أن يكون موضوعها محل نزاع محتمل وذلك عملاً بالمادة 45 من قانون الإثبات «الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ص 120 ». ويأخذ الفاكس والتلكس ذات حكم البرقيات . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الأول، الصفحة : 307 )

قوة الرسائل في الإثبات :

الأصل في الدليل الكتابي أن يكون معداً للإثبات على أنه توجد بعض أوراق عرفية لم تعد مقدماً للإثبات ومع ذلك يجعل لها القانون بنص خاص حجية معينة ومنها الرسائل والبرقيات ومتى كانت الرسالة موقعاً عليها من مرسلها كانت دليل إثبات كامل إلى أن ينكر توقيعه عليها أو يطعن عليه بالتزوير، ويصح إعتبار الرسالة مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كان من شأنها أن تجعل وجود التصرف المدعى به قريب الإحتمال، أو كانت مكتوبة بخط المرسل، ولكنها لم توقع منه .

وللمرسل إليه وللغير الذي يستفيد من الرسالة أن يحتج بها على المرسل إذا كانت تتضمن دليلاً لصالحه ضد المرسل غير أنه يشترط للاحتجاج بها ألا يكون في تقديمها للقضاء انتهاك لحرمة السرية، فإذا كانت هناك سرية تنتهك ولم ينبه المرسل إليه المرسل حتى ييسر له الإثبات عن طريق أخر فلا يجوز للمرسل إليه أن يطلب استبعادها، وإذا كانت الرسالة محررة بخط المرسل وغير موقع عليها منه فإنها لا تعتبر دليلاً كتابياً كاملاً وإن جاز اعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة .

ولا يصح التعاقد بالمراسلة فيما أوجبه القانون من أن يكون في محرر رسمي کالهبة، ولا تعتبر المحافظة على سرية الرسائل من النظام العام فهي مقررة لصالح الأفراد فلا يجوز للقاضي أن يحكم من تلقاء نفسه باستبعاد رسالة تضمنت سراً من الأسرار إلا إذا حصل التمسك أمامه باستبعاد الرسالة، وقد يستفاد التنازل الضمني من مناقشة المرسل لموضوع الرسالة، أو المرافعة في الدعوى رغم علم المرسل بوجود الرسالة بملف القضية، كما أن مناقشة الرسالة أمام محكمة لدرجة الأولى تمنع من التمسك بالسرية أمام المحكمة الإستئنافية غير أن السكوت عن الدفع بسرية الرسالة أمام محكمة الدرجة الأولى لا يمنع التمسك بهذا الدفع أمام محكمة الاستئناف إذا استبان للقاضي من ظروف الدعوى أن المرسل لم يتمكن من تهيئة دفاعه أمام محكمة الدرجة الأولى، إذ لا يعتبر سكوته في هذه الحالة بمثابة تنازل منه عن التمسك بالسرية، وإذا تليت الرسالة في جلسة علنية في إحدى الدعاوى فإن الرسالة تفقد سريتها .

وملكية الرسائل تنتقل إلى الخلف العام بنفس القيود التي كانت للسلف .

والبحث في كون الرسالة تحتوي أموراً سرية هي من مسائل الواقع التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع وإذا لم تحتو الرسالة سراً من الأسرار ولكن المرسل حظر على المرسل عليه إستعمالها كدليل ضده أو كلفه بإعدام الرسالة بعد قراءتها، فإن ذلك لا يمنع المرسل إليه من تقديمها إلى القضاء كدليل ضد المرسل متى كانت له مصلحة في ذلك .

ويجوز للمرسل إليه أن يقدم الرسالة كمستند ضد شخص غير المرسل متى كانت لا تتضمن سراً يتعلق بالمرسل، إما إذا كانت تحتوي سراً فيلزم في هذه الحالة موافقة المرسل أو تخييره بأن يهيئ للمرسل إليه سبيل الإثبات من غير طريق الرسالة .

ويجوز لغير المرسل إليه أن يتمسك بالرسالة في إثبات حق يدعيه أمام القضاء والمقصود بالغير هو كل شخص غير المرسل إليه أو ورثته تكون له مصلحة مشروعة في التمسك بالرسالة كما لو كانت تتضمن إقراراً من المرسل أو اشتراطاً لمصلحة الغير، غير أنه يشترط لذلك ثلاثة شروط، أولها : أن يكون الغير قد تلقى الرسالة من المرسل إليه بطريقة مشروعة ، وثانيها : أن يكون المرسل إليه قد أذن للغير بتقديمها كمستند أمام القضاء. وثالثها : ألا تتضمن الرسالة أموراً سرية تتعلق بالمرسل إليه والغير فإن من حق الغير أن يقدمها إلى القضاء بغير حاجة إلى استئذان المرسل إليه متى كان الغير قد حصل عليها بطريقة مشروعة .

وتمسك الغير بالرسالة يخضع لتقدير القاضي فله أن يعتبرها دليلاً كاملاً أو مجرد قرينة أو لا يأخذ بها أصلاً غير أن نطاق السرية في الرسائل بين الزوجين المقرر محافظة على كيان الأسرة يتضاءل بينهما في النزاع الشديد، ففي دعاوى الطلاق وإنكار البنوة المبنية على الزنا يجوز للزوج أن يثبت واقعة الزنا من الرسائل المتبادلة بينها وبين شريكها حتى ولو حصل عليها بطريقة غير مشروعة كالسرقة، كما أن للزوجة نفس هذا الحق .

( راجع في كل ما تقدم الوسيط للسنهوري الطبعة الثانية الجزء الثاني، المجلد الأول ص 342، والإثبات لنشأت الجزء الأول ص 365 وما بعدها والإثبات للصدة ص 164 والإثبات لمحمد عبد اللطيف الجزء الأول ص 191 وما بعدها )

قوة البرقية في الإثبات :

قوة البرقية في الإثبات كقوة الرسالة الموقعة بشرط أن يكون أصل البرقية المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من المرسل ذلك أن الحجية مستمدة من أصل البرقية الموقع عليها، فإذا أعدم الأصل أو ضاع أو فقد لأي سبب آخر فلا عبرة بالصورة ولا قيمة لها إلا لمجرد الاستئناس والأصل أن البرقية مطابقة لأصلها، أما إذا دفع بعد المطابقة كان على المحكمة أن تضم الأصل وتطابقه بالصورة، ويجوز الطعن على التوقيع الوارد على أصل البرقية بالإنكار لأنها ليست ورقة رسمية .

وإذا تبين أن أصل البرقية غير موقع عليه من المرسل ولكنه مكتوب بخطه، ففي هذه الحالة يجوز إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة ويجوز للغير أن يحتج بالبرقية على المرسل إذا كانت له مصلحة في ذلك، وذلك بشروط ثلاثة، أولها : أن يكون الغير قد حصل على البرقية بطريقة مشروعة، وثانيها : ألا تكون البرقية قد تضمنت أموراً سرية تتعلق بالمرسل، وثالثها : أن يأذن المرسل إليه للغير بتقديمها إلى القضاء .

ويرى المستشار محمد عبد اللطيف أن أصل البرقية يعتبر حجة في إثبات التاريخ، ويعلل ذلك بأنه يختم بخاتم مكتب التصدير وقت تقديمه ويحتوي هذا الخاتم على تاريخ تقديم البرقية ثم يكتب الموظف المختص على أصل البرقية وقت تقديمها بالساعة والدقيقة مع ترقيمها، ثم تقيد جميع البرقيات الصادرة في يوم واحد في حافظة وتختم هذه الحافظة بخاتم ذي تاريخ، وكذلك عندما تصدر البرقية إلى مكتب الجهة المرسل إليها، فإنه يختم عليها بالختم المؤرخ، وفي هذا من الضمانات ما يكفي لاعتبار البرقيات تحمل تاريخاً ثابتاً . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الأول، الصفحة : 200 )

 حجية الرسائل :

للرسائل أهميتها في الإثبات خصوصاً فيما يتعلق بالمعاملات التجارية، فهي وإن كانت أوراقاً لم تعد للإثبات، إلا أنها تتضمن شرطي الكتابة والتوقيع الذين يتطلبهما القانون بالنسبة للمحررات العرفية، ولذلك سوى المشرع بينها وبين المحررات العرفية، إذ نصت الفقرة الأولى من المادة 16 من قانون الإثبات على أن : « تكون للرسائل الموقع عليها قيمة المحرر العرفي من حيث الإثبات».. وواضح من النص أن الرسالة يجب أن تكون موقعة من مرسلها، أما إذا لم تكن موقعة فيمكن اعتبارها مبدأ ثبوت الكتابة إذا كانت بخط من يحتج عليه بها » والرسالة قد تكون دليلاً كاملاً إذا كانت تحيط بموضوع النزاع، وتارة أخرى تكون مبدأ ثبوت بالكتابة إذا لم تدل عليه بصورة كاملة .

وقد لا يرى القاضي فيها ما يفيد في الدعوى وليس معنى ذلك أن الرسالة تخضع لتقدير القاضي فإن لها حجية المحرر العرفى، وإنما يتوقف الأمر على مقدار ما فيها من بيانات دالة على موضوع الدعوى .

ونظراً لأن الرسائل غير معدة أصلاً للإثبات، فإنه يجب على القضاء عند تفسير عباراتها، مراعاة أن كاتبها لم يأخذ حيطة الشخص الذي يقصد الإرتباط بعباراته إرتباطاً قانونياً، وينبغي أن يدخل ذلك في تقدير القاضي عند تقدير قيمة الرسالة في الإثبات .

وإذا لم تكن الرسالة موقعة ولكنها مكتوبة بخط المرسل فإنها تصلح مبدأ ثبوت بالكتابة كما ذكرنا سلفاً ويكون تاريخ الرسالة حجة على مرسلها وخلفه ولو لم يكن ثابتاً. ولا تكون الرسالة حجة في تاريخها على الغير إلا من الوقت الذي يصبح فيه هذا التاريخ ثابتاً .

ورغم عدم وجود نص في التقنين المدني القديم على حجية الرسائل في الإثبات فقد كان الفقه والقضاء مستقرين على ثبوت حجية الأوراق العرفية لهذه الرسائل، إذا كان موقعاً عليها من مرسلها، أو إعتبارها مبدأ ثبوت بالكتابة إذا كانت صادرة بخط مرسلها دون توقيع .

والرسالة قد يحتج بها المرسل إليه وقد يحتج بها الغير ونعرض لذلك تفصيلاً فيما يلي :

أولاً : احتجاج المرسل إليه بالرسالة :

لا شك أن للمرسل إليه التمسك بالرسالة لأن المرسل قد ملكه إياها بإرسالها إليه وتسليمها له بواسطة مصلحة البريد أو غيرها إذ يأخذ ذلك على الأقل هبة المنقول التي تتم بالقبض. وعلى ذلك يحق للمرسل إليه أن يتخذ من الرسالة دليلاً إذا كان له في ذلك مصلحة مشروعة، كأن يثبت بها حقاً له، أو براءة ذمته من دين، أو تعاقداً أو إقراراً أو يستند إليها في المطالبة بالتعويض عن ضرر أصابه من إهانات وردت فيها. وهذا الحق ينتقل إلى الخلف .

وللمرسل إليه تقديم الرسالة للقضاء حتى لو طلب منه المرسل أن يعدمها بعد قراءتها فحق المرسل إليه في الإثبات لا تحد منه رغبة من جانب المرسل .

وهذا ما يستفاد من قضاء محكمة النقض إذ قضت بأن : «الحرمة والسرية التي كفلتها المادة 45 من الدستور للمراسلات البريدية إنما تصرف إلى تلك الرسائل حال وجودها لدى هيئة البريد، أما بعد وصولها وتسليمها للمرسل إليه، فإنه يحق له وللغير الاستناد إليها والاستدلال بها إلا إذا انطوت على أسرار حظر القانون أو المرسل إفشاءها». (طعن رقم 763 لسنة 43 ق جلسة 1980/5/26).

غير أن ملكية المرسل إليه للرسالة ليست مطلقة، وإنما مقيدة. فإذا حوت الرسالة سراً عائلياً أو مهنياً - كان عدم إفشاء هذا السر واجباً على المرسل إليه ولئن كان ذلك يتعارض مع حق المرسل إليه في الاحتجاج بالرسالة، وهو ما قد يسمح للمرسل بأن يضمن الرسالة التي إلتزم بها أمراً يعتبر سراً فيمنع المرسل إليه من تقديمها للقضاء وللتغلب على هذه الصعوبة، أجاز الفقه للمرسل إليه إنذار المرسل بأن ييسر له الإثبات عن طريق آخر غير هذه الرسالة أو يضطر هو لتقديمها للقضاء بالرغم مما تتضمنه من سر .

فإذا لم يقم المرسل إليه بهذا الإجراء وقدم الرسالة إلى القضاء كان للمرسل أن يعترض على استعمال خصمه لرسالة تنطوي على سر خاص به ويطلب سحبها من أوراق الدعوى .

وكون الرسالة ذات طابع سرى أو لا مسألة واقعية تخضع لتقدير قاضي الموضوع يجريه وفقاً لمعيار موضوعی ووفقاً لقصد كاتب الرسالة .

ثانياً : احتجاج الغير بالرسالة :

المقصود بالغير هنا هو غير المرسل إليه وورثته، وتكون له مصلحة مشروعة في الاحتجاج بالرسالة .

ويشترط لاحتجاج الغير بالرسالة أن تكون الرسالة قد وصلت إليه بطريق مشروع فلا يجوز له استعمال الرسالة في الإثبات إن كان قد حصل عليها بطريق السرقة أو الأعمال الاحتيالية أو إن كانت قد وقعت في يده بطريق الغلط .

ويجب بالإضافة إلى ذلك أن يحصل على موافقة المرسل إليه الصريحة أو الضمنية في إستعمال الرسالة في الإثبات فإذا كان المرسل إليه قد أودع الرسالة عند الغير ليحفظها لا ليستعملها في الإثبات أو إشترط عليه ألا يستعملها في الإثبات، فلا يجوز له بناء على ذلك أن يستعملها في الإثبات فإن استعملها كان للمرسل إليه أن يعترض على ذلك ويطلب سحبها من الدعوى لما له من حق ملكية على الرسالة .

ومن هذا القبيل ما ذهبت إليه محكمة النقض من أن الإيصال المعطى للبائع لمن استرد منه عقد البيع الذي كان قد أودعه إياه يجوز للمشتري أن يعتمد عليه في إثبات حصول البيع له إذا كان حصوله عليه برضاء المودع لديه .

إنما إذا كان الغير شريكاً للمرسل إليه في خطاب أمكنه تقديمه بغير إذنه بشرط ألا يكون قد حصل عليه بطريقة غير مشروعة .

وإذا كان الخطاب ليس تحت يده أمكنه إلزام المرسل إليه بتقديمه للقضاء بمقتضى المادة 20 من قانون الإثبات. وتستفاد شركة الغير مع المرسل إليه في الخطاب من موضوع الخطاب أو من خطابات أخرى أرسلت إليه وأشير إليه فيه، وكذلك من باب أولى إذا كان الخطاب كتب من أجله أو ليبلغ إليه .

وقد قضت محكمة النقض بأن :تنص المادة 396 من القانون المدني على أن تكون الرسائل الموقع عليها قيمة الورقة العرفية. ومقتضى ذلك أن تكون لهذه الرسائل قوة الدليل الكتابي فتكون حجة على المرسل بصحة المدون فيها إلى أن يثبت هو العكس بالطرق المقررة قانوناً للإثبات. وحق الاحتجاج بالرسالة الموقع عليها غير مقصور على المرسل إليه بل إن لكل من تتضمن الرسالة دليلاً لصالحه أن يحتج بها على المرسل متى كان قد حصل عليها بطريقة مشروعة». (طعن رقم 115 لسنة 30 ق جلسة 1965/1/14).

أما إذا كانت الرسالة تحوي سراً فلا يمكن للغير استعمالها حتى ولو أذن بذلك المرسل إليه، بل لابد من رضاء المرسل أيضاً .

وإذا اعترض المرسل على تمسك الغير بالرسالة كان على المحكمة الالتفات عنها. ويجوز للغير أن يستعمل الرسالة فی الإثبات رغم اعتراض المرسل بناء على أن الرسالة ذو طابع سرى، إذا كان طابع السرية قد زال لسبق إستعمال الرسالة أمام القضاء في قضية سابقة أو لسبق نشره في الجرائد وكذلك القول إذا كانت الرسالة تضمن إلتزاماً لمصلحة الغير .

لا حجية لصور الرسائل :

الأصل ألا يكون لصور الرسالة حجية في الإثبات شأنها فی ذلك شأن صور المحرر العرفي غير أن قانون التجارة جعل لصور المراسلات التي يرسلها التاجر أو يتسلمها لشئون تجارته نفس حجية الأصل في الإثبات، إذ روعي في إعدادها وحفظها واسترجاعها القواعد والضوابط التي يصدر بها قرار وزير العدل .

فقد نصت المادة 24 من القانون رقم 17 لسنة 1999 (المعدل) على أنه : على التاجر أن يحتفظ بصورة من المراسلات والبرقيات وغيرها من الوثائق التي يرسلها أو يتسلمها لشئون تتعلق بتجارته. ويكون الحفظ بطريقة منتظمة تسهل معها المراجعة .

كما نصت الفقرة الثانية من المادة 26 على أن : « وعليهم أيضاً (التاجر أو ورثته حفظ صور المراسلات والبرقيات وغيرها مدة خمس سنوات من تاريخ استلامها أو تسلمها ويجوز لهم الاحتفاظ للمدة المذكورة بالصور المصغرة (ميكروفيلم) بدلاً من الأصل ويكون لتلك الصور حجية الأصل في الإثبات إذا روعي في إعدادها وحفظها واسترجاعها القواعد والضوابط التي يصدر بها قرار من وزير العدل ».

والضوابط التي يصدر بها قرار وزير العدل - كما صرح السيد رئيس مجلس الشعب حال مناقشة المادة بالمجلس - لیست ضوابط حجية وإنما ضوابط حفظ. وقد جاء ذلك مسايرة من المشرع للوسائل التكنولوجية الحديثة .

ومدة خمس السنوات ليست مدة تقادم، بل مجرد حد زمني للإلتزام بتقديم الدفاتر التجارية والوثائق الأخرى إلى القضاء في حالة طلبها، فيعتبر انقضاؤها قرينة على أن التاجر أعدمها، وهي قرينة مقررة لمصلحة التاجر، فيستطيع أن يتمسك بها إذا طلب منه تقديم صور المراسلات والبرقيات إلى القضاء أو أن يتنازل عنها فيقدمها لإثبات حق له بعد انقضاء السنوات الخمس. على أنه يجوز دحض هذه القرينة بإقامة الدليل على أن الصور لا تزال موجودة وحينئذ يلتزم التاجر بتقديمها عندما يطلب منه القضاء ذلك » .

هل تعد سرية الرسالة من النظام العام ؟

سرية الرسالة ليست من النظام العام لأن السر مصلحة خاصة لصاحبه فإذا كان المرسل حاضراً في الدعوى وتمسك المرسل إليه أو الغير بالخطاب فقبله المرسل وناقشه لا يصح للمحكمة إستبعاده أو عدم الأخذ بما يستفاد منه، وإذا حصل ذلك (أي قبول الرسالة ومناقشتها أمام محكمة أول درجة لا يصح التمسك بالسرية أمام الدرجة الثانية وكذلك لا يصح التمسك بها أمام محكمة النقض إذا حصل ما تقدم أمام المحكمة الإبتدائية أو الإستئنافية إنما يلاحظ أنه لا يكفي مجرد السكوت على تقديم الخطاب ولا يصح للقاضي أن يعتبره رضاءً ضمنياً إذ يجب التأكد من الرضا وعدم التمسك بالسرية. وإذا حصل التمسك بالخطاب أمام محكمة الدرجة الأولى أو أمام المحكمة الإستئنافية بدون علم صاحب الخطاب جاز له الإعتراض على التمسك به لأول مرة أمام المحكمة الإستئنافية أو أمام محكمة النقض .

(طعن رقم 697 لسنة 11 ق جلسة 1941/5/19)

حجية البرقيات :

إن التلغراف الذي يعلم المرسل إليه ليس كالخطاب وارداً إليه من المرسل رأساً وعليه توقيعه ، بل وليس دائماً صورة صحيحة للأصل الذي كتب، وما هو إلا ترجمة مكرره - ترجمة مكتبة المرسل إلى الاصطلاحات التلغرافية في مكتب الصادر، ثم ترجمة هذه الإصطلاحات إلى الألفاظ العادية في مكتب الوارد. الجائز حصول خطأ في التلغراف عند الترجمة أو عند تبليغ الإصطلاحات التلغرافية ذاتها أو تلقيها وخصوصاً إذا مر التلغراف على أكثر من مكتب. لذلك يجب الرجوع دائماً إلى الأصل ما دام موجوداً بما لم يوافق المرسل على شئ مما ورد في ورقة التلغراف التي تشملها المرسل إليه وكان يتوقف على ذلك الفصل في الدعوى .

غير أن أصول التلغرافات لا تحفظها المصلحة إلا لمدة معينة ثم تعدمها. فإذا أعدم أصل التلغراف وأنكر المرسل صدوره منه فلا قيمة للتلغراف كدليل كتابي لأنه ليس عليه توقيعه، ولا حتى كمبدأ ثبوت بالكتابة لأنه ليس بخطه ولا يصح اعتباره كصورة رسمية العقد رسمي بناء على أن الأصل استلمه موظف، والصورة حررها موظف أيضاً، إذ فضلاً عن جواز حصول الخطأ فيه على النحو المتقدم في الفترة السابقة، فإنه ليس هناك من ضمانات العقد الرسمي، فموظف التلغراف فضلاً عن أنه لا شأن له بالعقود الرسمية وصورها ولا اختصاص له فيها وعمله بعيد عنها فإنه لا يتحقق من شخصية المرسل، وهو يقبل الأصل من أي إنسان، وليس هناك شهود أيضاً، ولا يراعى فيه استيفاء أي شرط من باقي شروط تحریر العقد الرسمي .

أما إذا إقتصر المرسل على المنازعة في بعض عبارات التلغراف فيكون للقاضي حرية واسعة في تقدير قيمته حسب ظروف كل دعوى، ويمكن إعتباره مبدأ الثبوت بالكتابة، إذ أن الإعتراف ببعض ما فيه يدل على صدوره منه فيعتبر مستنداً كتابياً غير وافٍ ".

وقد نصت المادة 16 من قانون الإثبات على أن: «تكون للرسائل الموقع عن قيمة المحرر العرفي من حيث الإثبات، وتكون البرقيات هذه القيمة أيضاً كان أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً عليه من مرسلها. وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك. وإذ أعدم أصل ترقية، فلا يعتد بالبرقية إلا لمجرد الاستئناس».

فإعطاء البرقية حجية الورقة العرفية مشروط به وجود أصل البرقية موقع عليه من المرسل. فإذا أعدم أصل البرقية فلا يعتد بالبرقية إلا لمجرد الاستئناس، أي تعد قرينة فحسب أما إذا فقد الأصل في غضون المدة التي تحتفظ فيها مصلحة التلغراف بأصول البرقيات، فإنه لا تكون البرقية قيمة ما في الإثبات .

ويستطيع من بيده برقية، ويخشى إعدام أصلها قبل أن تصبح محل نزاع محتمل أن يختصم من تشهد عليه تلك البرقية ليقر أنها صادرة منه .

وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك. فقد أقام القانون قرينة بسيطة مؤداها أن صورة البرقية مطابقة للأصل حتى يقوم الدليل على عكس ذلك بأن يثبت الخصم أنها مخالفة للأصل. بإعتبار أن الموظف المختص بإرسال البرقيات ليست له مصلحة في تغيير مضمونها فإذا ادعى صاحب الشأن أن الصورة غير مطابقة للأصل فعليه أن يطلب من المصلحة المختصة إبراز الأصل کی يمكن إجراء المطابقة بينهما .

من يمكنه التمسك بالتلغراف؟

نصت المادة 77 من دليل التلغراف طبعة 1927 بالانجليزية على أن «أصول التلغرافات أو صورها لا يصح إظهارها إلا لمرسلها أو المرسلة إليه فقط بعد إثبات شخصية طالب الاطلاع عليها منهما أو لوكيل مفوض من أي منهما». 

ونصت المادة 78 من الدليل على أن «المحاكم الجنائية يمكنها أن تطلب تسليمها أصول التلغرافات، وأن أعضاء النيابة يمكنهم أن يحصلوا على صورها ويمكنهم أيضاً طلب الأصول بإذن كتابي من القاضي الجزئي». 

ونصت المادة 79 على أن «مرسل التلغراف أو المرسل إليه أو الوكيل عن أحدهما له الحق في أخذ صورة رسمية من التلغراف سواء كانت طبق الأصل أو طبق النسخة التي سلمت إلى المرسل إليه بشرط أن يقدم طلباً بذلك في بحر المدة المقررة لحفظ الأوراق ».

فيفهم من هذه المواد أن المحاكم المدنية لا يمكنها أن تطلع على أصول التلغرافات إلا برضاء المرسل أو المرسل إليه، وكذلك لا يمكنها الحصول على صورها إلا بواسطة أحدهما .

فإذا تمسك المرسل إليه ضد المرسل أو المرسل ضد المرسل إليه بالتلغراف يستطيع أن يجعل المحكمة تطلع على الأصل ويستطيع أن يقدم صورته. أما الغير فلا يملك ذلك إلا برضائه أي برضاء المرسل إليه أو رضاء المرسل، وهذا نادر إذ قلما يسمح للغير بالتمسك بأصل التلغراف أو صورته ضده .

ثبوت تاريخ البرقية :

« تاريخ البرقية يعتبر تاريخاً ثابتاً، لأن الأصل يختم بخاتم للمكتب يحمل تاريخ الإرسال، وذلك بواسطة موظف مختص، ويمكن التأكد من هذا التاريخ بالرجوع إلى دفتر (حافظة) معد لذلك، كما أن صورة البرقية تختم أيضاً في مكتب الجهة المرسل إليها بختم مؤرخ ». ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الأول، الصفحة : 565 )

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 121 ، 122 ، 123 ، 124     

(مادة 87) : 

1- تكون للرسائل الموقع عليها قيمة المحرر العرفي من حيث الإثبات . 

2- وتكون للبرقيات هذه القيمة أيضاً إذا كان أصلها المودع في مكتب التصدير موقعاً  عليه من مرسلها وتعتبر البرقية مطابقة لأصلها حتى يقوم الدليل على عكس ذلك . 

3- وإذا أعدم أصل البرقية فلا يعتد بالبرقية إلا لمجرد الإستئناس . 

( م (396) مدني مصري ، و(16) إثبات مصري ، و(19) سوداني ، و(12) سوري ) . 

المذكرة الإيضاحية : 

1- إن التعامل بالرسائل أخذ يتزايد نصيبه من الأهمية ، حتى أصاب من سعة النطاق بسطة جديرة بالإعتبار وليس شك في أن هذا الضرب من التعامل قد اضطرد بوجه خاص في المسائل التجارية ، لكن المتعاملين من التجار لم يستشعروا ضرورة لحكم تشريعي جدید؛ نظراً لإنتقاء قيود الإثبات في هذه المسائل . 

على أن التعامل بالرسائل شمل الروابط المدنية أيضاً . 

وقد أقر القضاء والفقه ما تواضع عليه المتعاملون في هذا الشأن ، وأنشأ طائفة من القواعد إستلهما فيها المبادئ المتعلقة بالأوراق العرفية ، رغم خلو التشريع من النص ، وقد استندا في ذلك إلى :

 1- أن القانون لم يشترط شكلاً خاصاً في المحررات العرفية إلا ما إستثنى منها بنص خاص . 

2- أن الرسائل يتوافر فيها الشرطان الجوهريان اللذان تستمد منها حجية المحررات العرفية ، وهما الخط والتوقيع فمن الأنسب - والحال كذلك - أن تدرج الرسائل بين طرق الإثبات بالكتابة، وأن يعين مدى حجيتها ، وما ينبغي أن يتوافر فيها من الشرائط الشكلية ، نزولاً على مقتضى القواعد العامة من ناحية ، وتمشياً مع نية المتعاقدين من ناحية أخرى . 

ويجب فيما يتعلق بالشكل أن يجتمع في الرسالة الشرطان الجوهريان الواجب توافرهما في المحررات العرفية ، وهما الخط والتوقيع وغني عن البيان أن توافر هذين الشرطين يكفي من هذه الناحية دون الحاجة إلى شرط آخر . 

أما فيما يتعلق بحجية الرسائل ، فمن رأي فريق من الفقهاء أنها تترك لتقدير القاضي ؛ لأن مضمون الرسالة لا يعدو أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، قد يعتبر من قبيل الإقرار في غير مجلس القضاء . 

بيد أن مذهب القضاء قد تطور في هذا الشأن ، فعمدت المحاكم إلى إقرار مبدأ التعاون في تحصيل الأدلة ، وأجازت للقاضي أن يأمر بتقديم الأدلة التي تثبت حيازة الخصوم لها، وإعراضهم عن إستعمالها، إذا إقتضى ذلك حسب سير العدالة . 

وقد أقيم المبدأ الذي تقدمت الإشارة إليه على ما ينبغي أن يسود التعامل من حسن النية في تحصيل الدليل ، فإذا تم التعاقد بالمراسلة كان من واجب كل من المتعاقدين أن يقدم إلى القاضي ما يكون لديه من الأدلة الكتابية ؛ لأن الإثبات في هذه الحالة لا يتاح إلا بمقارنة الرسائل المتبادلة . 

وليس ثمة ما يدعو إلى الإشفاق من إقرار حجية الرسائل ، فإذا إمتنع أحد المتعاقدين عن تقديم الرسالة الموجهة إليه ، فللقاضي أن يلزمه بذلك ثم إن إشتراط إزدواج النسخ الأصلية في بعض التقنينات يقصد منه إلى تحقيق المساواة بين طرفي التعاقد ، وهو غرض لا يفوت بداهة من جراء إقرار هذه الحجية ويراعى أخيراً أن العمل جرئ على الإحتفاظ بصور الرسائل ، ولا سيما أنها غالباً ما تكتب بالآلة الكاتبة ، متى كانت متعلقة بمعاملة من المعاملات ، ولو كانت مدنية بطبيعتها . 

وتفريعاً على ذلك عمد المشروع إلى إقرار حجية الرسائل والتسوية في الحكم بينها وبين سائر المحررات العرفية . 

ولو فرض على نقيض ما تقدم أن رسالة وجهت إلى شخص ثالث ، وتمكن أحد الطرفين من تقديمها بعد الحصول عليها بطريق مشروع ، ليستخلص منها دليلاً على ما يدعي قبل الطرف الآخر ، فحجية مثل هذه الرسالة تترك لتقدير القاضي ، وله أن يسترشد في شأنها بالأحكام الخاصة بها صدر من الإقرارات في غير مجلس القضاء . 

2- أما البرقيات - وهي التي تكفلت الفقرة الثانية ببيان حكمها - فهي تختلف عن الرسائل من حيث إيجاز المضمون وسرعة الإبلاغ . 

بيد أنه رئي من الأنسب أن يفترض القانون مطابقة الصورة أصل البرقية ، بل يتسلم صورة منها يتولى تحريرها موظف مصلحة التلغرافات في المكتب المختص بتلقي مضمون الرسالة ومن المسلم أن صور المحررات العرفية لا تتوافر لها أي حجية في الإثبات . 

بيد أنه رئي من الأنسب أن يفترض القانون مطابقة الصورة المسلمة إلى المرسل إليه لأصلها ؛ إذ ليس لموظف مكتب التلغراف المختص مصلحة في تغيير مضمون هذا الأصل . 

وبهذا تنحصر إحتمالات مغايرة الصورة للأصل ، بوجه عام ، فيما قد يقع من هذا الموظف من خطأ ولهذه العلة أجيز لذي الشأن أن يقيم الدليل على إختلاف الصورة عن أصلها ، وهو أمر يسير ، يكفي فيه تقديم الأصل المحفوظ في مكتب الإرسال . 

ولا يكون نصيب البرقية من الحجية معادلاً لنصيب الأوراق العرفية منها ، إلا بتوافر شرط جوهري ، هو توقيع المرسل على الأصل . 

بيد أن تخويل مصلحة التلغرافات حق إعدام أصول البرقيات ، بعد إنقضاء فترة قصيرة من الزمن يجعل حجية الرسائل البرقية أدنى إلى التوقيت ، وحظها من الإستقرار أقل مما يتوافر للرسائل البريدية .

 

وقد سوى التقنين المراكشي بين البرقيات وبين سائر الأوراق العرفية من حيث الحجية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون ، الصفحة / 22

دَلِيلٌ

التَّعْرِيفُ:

الدَّلِيلُ لُغَةً: هُوَ الْمُرْشِدُ وَالْكَاشِفُ، مِنْ دَلَلْتُ عَلَى الشَّيْءِ وَدَلَلْتُ إِلَيْهِ.

وَالْمَصْدَرُ دُلُولَةٌ وَدَلاَلَةٌ، بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا. وَالدَّالُّ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ.

وَالدَّلِيلُ مَا يُتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ وَلَوْ ظَنًّا، وَقَدْ يَخُصُّهُ بَعْضُهُمْ بِالْقَطْعِيِّ.

وَلِذَلِكَ كَانَ تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ» جَارِيًا عَلَى الرَّأْيِ الأَْوَّلِ الْقَائِلِ بِالتَّعْمِيمِ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ بِمَا يَشْمَلُ الظَّنِّيَّ؛ لأَِنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةِ تَشْمَلُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ، كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَمَا هُوَ ظَنِّيٌّ كَالْعُمُومَاتِ وَأَخْبَارِ الآْحَادِ وَالْقِيَاسِ وَالاِسْتِصْحَابِ. وَمِنْ هُنَا عَرَّفَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّهُ: «طُرُقُ الْفِقْهِ»؛ لِيَشْمَلَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ.

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الأَْمَارَةُ:

الأَْمَارَةُ فِي اللُّغَةِ: الْعَلاَمَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى - كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ - وَهِيَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: مَا أَوْصَلَ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ ظَنِّيٍّ.

وَلَمْ يُفَرِّقِ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الأَْمَارَةِ وَالدَّلِيلِ. وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ: الأَْمَارَةُ مَا يُؤَدِّي النَّظَرُ الصَّحِيحُ فِيهِ إِلَى الظَّنِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْلِيًّا أَمْ شَرْعِيًّا. أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَالأَْمَارَاتُ الْعَقْلِيَّةُ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ كَذَلِكَ.

ب - الْبُرْهَانُ:

الْبُرْهَانُ: الْحُجَّةُ وَالدَّلاَلَةُ، وَيُطْلَقُ خَاصَّةً عَلَى مَا يَقْتَضِي الصِّدْقَ لاَ مَحَالَةَ. وَهُوَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ مَا فَصَلَ الْحَقَّ عَنِ الْبَاطِلِ، وَمَيَّزَ الصَّحِيحَ مِنَ الْفَاسِدِ بِالْبَيَانِ الَّذِي فِيهِ.

ج - الْحُجَّةُ:

الْحُجَّةُ: الْبُرْهَانُ الْيَقِينِيُّ، وَهُوَ مَا تَثْبُتُ بِهِ الدَّعْوَى مِنْ حَيْثُ الْغَلَبَةُ عَلَى الْخَصْمِ.

وَالْحُجَّةُ الإِْقْنَاعِيَّةُ، هِيَ الَّتِي تُفِيدُ الْقَانِعِينَ الْقَاصِرِينَ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَرُبَّمَا تُفْضِي إِلَى الْيَقِينِ بِالاِسْتِكْثَارِ

الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ:

الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ نَوْعَانِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، الَّتِي تَرْجِعُ إِلَيْهَا أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَثِيرٌ جَمَعَهَا الْقَرَافِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الذَّخِيرَةِ، مِنْهَا: الاِسْتِحْسَانُ، وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ، وَالْعُرْفُ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَغَيْرِهَا وَيُقْصَدُ بِالأَْحْكَامِ: الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الْخَمْسَةُ: الْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ، وَالإِْبَاحَةُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْحُرْمَةُ. وَالأَْحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ: كَالشَّرْطِ، وَالْمَانِعِ، وَالسَّبَبِ وَنَحْوِهَا.

الدَّلِيلُ الإِْجْمَالِيُّ وَالدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ:

عَرَّفَ الأُْصُولِيُّونَ أُصُولَ الْفِقْهِ لَقَبًا بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ» مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَوْضُوعَهُ الأَْدِلَّةُ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، وَهِيَ الأَْدِلَّةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ أَدِلَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا إِلاَّ أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الأَْرْبَعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الاِسْتِحْسَانُ، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالاِسْتِصْلاَحُ. وَعِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ يَبْحَثُ فِي إِثْبَاتِ حُجِّيَّةِ الأَْدِلَّةِ وَطُرُقِ دَلاَلَتِهَا عَلَى الأَْحْكَامِ.

وَالدَّلِيلُ إِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا، وَإِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا. وَمِثَالُ ذَلِكَ قوله تعالي  وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ، وَأَنَّ الأَْمْرَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ، كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا.

وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا.

الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ وَالدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ:

تَنْقَسِمُ الأَْدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَالدَّلاَلَةُ:

قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ).

وَقَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي يُخْتَلَفُ فِي تَأْوِيلِهَا.

وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ قَطْعِيُّ الدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ ذَاتِ الْمَفْهُومِ الْقَطْعِيِّ.

وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ.

وَرَتَّبَ أُصُولِيُّو الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ:

فَبِالْقِسْمِ الأَْوَّلِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ، وَبِالْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ، وَبِالْقِسْمِ الرَّابِعِ يَثْبُتُ الاِسْتِحْبَابُ وَالسُّنِّيَّةُ.

وَهَذَا التَّقْسِيمُ جَارٍ عَلَى اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ. وَيُنْظَرُ فِي تَفْصِيلِ مَا تَقَدَّمَ: الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ فِي مَوَاضِعِهِ. وَكَذَلِكَ مُصْطَلَحُ: «اسْتِدْلاَل» «وَتَرْجِيح».

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩