مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 397 الملغاة من القانون المدني المقابلة للمادة 17 من قانون الإثبات :
1 - جمع المشروع في هذه المادة ما ورد من الأحكام في المادتين 285، 286 من المشروع الفرنسي الإيطالي. ويراعى أن هذه الأحكام قد استقيت من المادتين 1329، 1330 من التقنين الفرنسي، و المادتين 1328، 1329 من التقنين الإيطالي، والمادة 1328 من التقنين الإسباني، والمادتين 433، 434 من التقنين المراكشي وقد نصت المادة 1919 من التقنين الهولندي على أن الدفاتر التجارية تكون حجة على غير التجار بكمية ما تم توريده من البضائع ونوعها، متى توافرت الشروط الثلاثة الآتية :
( أولاً ) أن يكون التاجر قد اعتاد أن يبيع إلى غير التاجر نسيئة .
( ثانياً ) أن تكون الدفاتر محررة وفقاً لأحكام القانون .
( ثالثاً ) أن يؤكد الدائن صحة دعواه بأداء يمين على ذلك .
ويستخلص من هذه النصوص، مع اختلافها في التعبير، أن حجية الدفاتر التجارية ليست بمجردها مطلقة بأي وجه من الوجوه. ويراعى أن هذه الحجية لا تثبت إلا للدفاتر التي يتعين على التاجر إمساكها، وفقاً لأحكام المواد 11، 13،12 من تقنين التجارة المصري، وهي دفتر اليومية، ودفتر صور الخطابات ( الكوبيا) ودفتر الجرد .
وقد قصد من إلزام التاجر بإمساك هذه الدفاتر، واشتراط ترقيمها وتأشير الموظفين المختصين على أوراقها، إلى رعاية مصلحة المشتغلين بالتجارة. والأصل جواز التمسك بدفاتر التاجر قبله، باعتبار أنها من قبيل الأوراق غير الموقع عليها التي تصدر من جانب واحد، وأن وجوب إمساكها روعيت فيه مصلحة التاجر نفسه. بيد أنه لا يجوز للتاجر أن يستند إلى هذه الدفاتر كدليل لإثبات الالتزام قبل من يتعاقد معه من غير التجار.( إذ من الممتنع أن يصطنع الإنسان دليلاً لنفسه ) ( المادة 108 من التقنين السويسري ) .
2- على أن الفقرة الأولى من المادة 532 قد نصت استثناء على جواز الاحتجاج بالدفاتر التجارية على غير التاجر، ولكنها عقدت ذلك بشروط ثلاثة :
أولها يتعلق بمحل الالتزام، فحكم النص لا ينطبق إلا على ما يورده التاجر .
والثاني يتصل بحجية الدفاتر فهی موكولة لتقدير القاضي، وهو مطلق الخيار في إقرارها أو رفضها، وفقاً لما يتبين من عناصر الدعوى، ولهذه العلة جعلت صيغة النص جوازية، والثالث خاص بقيمة هذه الحجية. فليست تلك الدفاتر سوی عنصر من عناصر الإثبات، ولذلك يتعين على القاضي، متى قرر قبولها، أن يستكمل دلالتها بتوجيه اليمين المتممة من تلقاء نفسه إلى أي من الطرفين .
ولما كانت حجية الدفاتر التجارية موكولة لتقدير القاضي، فليس ثمة ما يدعو إلى النص على وجوب إمساكها بطريقة منتظمة. ومتى كانت هذه الدفاتر منتظمة استند إليها القاضي في توجيه اليمين، باعتبار أن ما ورد بها يعد مبدأ ثبوت بالكتابة ، فإن لم تكن كذلك امتنع على القاضي قبولها بهذا الوصف، إلا أن تستخلص منها مقومات القرينة. وفي هذه الحالة الأخيرة تسري الأحكام المتعلقة بالقرائن، من حيث وجوب استكمالها بأدلة أخرى، ومن حيث قبول الإثبات بمقتضاها .
3- أما التاجر فتعتبر دفاتره حجة عليه، منتظمة كانت أو غير منتظمة، لأنها بمثابة إقرار صادر منه. ويتفرع على ذلك وجوب تطبيق القواعد المتعلقة بالإقرارات في هذا الشأن، ولاسيما قاعدة امتناع تجزئة الإقرار، متى كانت دفاتر التاجر منتظمة .
أما إذا كانت هذه الدفاتر غير منتظمة فللقاضي أن يقدر مضمونها، دون أن يتقيد في ذلك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار. وقد استظهر المشروع هذا الحكم بإضافة عبارة وإذا كانت هذه الدفاتر منتظمة، إلى نص الفقرة الثانية من المادة 532 .
1- الإستدلال بالدفاتر التجارية ليس حقاً مقرراً للتاجر بحيث تلتزم المحكمة بإجابته إليه بل أن الشأن فيه - بحسب نص المادة 17 من قانون التجارة - أنه أمر جوازى للمحكمة إن شاءت قبلته وإن شاءت أطرحته والقاعدة أن كل أمر يجعل القانون فيه للقاضى خيار الأخذ والترك فلا حرج عليه إن مال لجانب دون الآخر من جانبى الخيار ولا يمكن الإدعاء عليه فى هذا بمخالفة القانون ، لما كان ذلك ، وكانت محكمة الإستئناف - إستجابة لطلب البنك الطاعن - قد أصدرت حكمها بتاريخ 1971/2/16 بإعادة المأمورية إلى الخبير لمراجعة كشوف الحساب المقدمة من البنك على القيود الثابتة بدفاتره فإن هذا لا يعنى أنها قد قطعت فى إعتماد هذه الدفاتر كدليل فى الدعوى ولا عليها إن هى أطرحت هذه الدفاتر بعد ذلك ولم تعول عليها كدليل فى الإثبات عند قضائها فى موضوع الدعوى .
(الطعن رقم 610 لسنة 45 جلسة 1983/03/28 س 34 ع 1 ص 806 ق 168)
2- يصح فى الدعاوى التجارية الأخذ بالدفاتر التجارية وبالقرائن وبالأقوال والأعمال التى يطمئن إليها القاضى .
(الطعن رقم 1219 لسنة 48 جلسة 1983/02/07 س 34 ع 1 ص 435 ق 95)
3- إذ كان البين من الأوراق أن الطاعنة قصرت دفاعها على مجرد القول بأنها تمسك دفاتر تجارية منتظمة تركن إليها تصفية حسابها دون أن تقدمها إلى الخبير أو أمام المحكمة ، فلا على المحكمة إن هى إلتفتت عن دفاع الطاعنة العارى عن الدليل .
(الطعن رقم 160 لسنة 47 جلسة 1981/01/26 س 32 ع 1 ص 321 ق 65)
4- إذا كان الطاعن قد أشار فى دفاعه إلى أن الطرفين تاجران ، ويمسكان دفاتر حسابية مبينا بها المبالغ التى يداينون بها الغير ، وكانت هذه الإشارة لا تعتبر طلبا صريحاً منه بتقديم الدفاتر ، بل إن الطلب الذى تلتزم المحكمة ببيان سبب رفضها له أو الرد عليه هو الطلب الذى يقدم إليها فى صيغة صريحة جازمة ، تدل على تصميم صاحبه عليه فإن النعى يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 19 لسنة 37 جلسة 1971/05/20 س 22 ع 2 ص 669 ق 109)
5- إذا كان الثابت أن الطاعن لم يسبق له التحدى أمام محكمة الموضوع بأنه غير تاجر و بعدم جواز الاحتجاج عليه بدفاتر المطعون عليه التجارية ، فإنه لا يجوز له إثارة هذا النعى لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 483 لسنة 35 جلسة 1970/01/15 س 21 ع 1 ص 119 ق 21)
6- إلى ما قبل صدور القانون رقم 253 لسنة 1953 لم يكن القانون رقم 14 لسنة 1939 يفرض على الممول إمساك دفاتر لقيد أرباحه ، ومن ثم فإنه لا يشترط فى هذه الدفاتر توافر ما نص عليه قانون التجارة ، بل يكفى أن تكون مما جرى العرف بامساكه فى كل تجارة أو صناعة .
(الطعن رقم 132 لسنة 29 جلسة 1964/03/11 س 15 ع 1 ص 319 ق 54)
7- مناط تطبيق قاعدة عدم تجزئة الاقرار وإعمالها فى شأن ما يرد بدفاتر التاجر من قيود وبيانات بحيث لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلا لنفسه أن يجزىء ما ورد فيها ويستبعد ما كان مناقضا لدعواه هو أن تكون هذه الدفاتر منتظمة ومؤيدة بالمستندات الدالة على صحة القيود والبيانات الواردة فيها وامانتها وإذ كان الثابت أن الحكم المطعون فيه قد عوّل على بعض بيانات هذه الدفاتر واعتبرها اقراراً مركباً لا تجوز تجزئته بينما لم يكن قد تحقق من انتظام هذه الدفاتر وقضى بتعيين خبير لبحثها وبيان ما إذا كانت منتظمة وتمثل الحقيقة أم لا فانه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه .
(الطعن رقم 248 لسنة 28 جلسة 1963/05/22 س 14 ص 693 ق 98)
8- متى كان يبين من الحكم أن المحكمة لم تأخذ بشرط التعويض الجزائى المتفق عليه بالعقد وقدرت التعويض الذى طلبت المطعون عليها الحكم به على الطاعنين بمبلغ معين بناء على الإعتبارات التى إستمدتها من واقع الأوراق المقدمة فى الدعوى ورأت معها أنه تعويض عادل مناسب للضرر الذى لحق المطعون عليها فإن هذا الذى أخذت به المحكمة لاعيب فيه لدخوله فى سلطتها الموضوعية وإستقلالها بتقديره ولا تثريب عليها إذ هى لم تر وإن كانت المادة تجارية موجباً لتكليف المطعون عليها تقديم دفاترها أو الأخذ بالمقارنات التى أوردها الطاعنان فى مذكرتهما إكتفاء بالإعتبارات التى إستندت إليها فى تقدير التعويض ، إذ الأمر بتقديم الدفاتر فى هذه الحالة جوازى لها .
(الطعن رقم 10 لسنة 20 جلسة 1952/03/27 س 3 ع 2 ص 676 ق 116)
الدفاتر التجارية :
تتميز الدفاتر التجارية بأنها - بسبب الثقة فيها - تعتبر دليل إثبات ليس فقط ضد التاجر الذي نظمها، بل أيضاً لمصلحته. وذلك على النحو التالي :
أ- لمصلحة منظمها : وذلك :
1- في نزاع بينه وبين تاجر آخر يتعلق بعمل تجاری. وعندئذ إذا كانت الدفاتر منتظمة، فإنها تكون دليلاً لمصلحة منظمها على ما دون بها على أن هذا الدليل يقبل إثبات العكس بكافة طرق الإثبات. أما إذا كانت الدفاتر غير منتظمة، فإنها تكون دليلاً جوازياً للقاضي أن يقبله أو أن يرده حسب ظروف القضية. وإذا كان الدفتر منتظمة ويتضمن بياناً عارضه الطرف الآخر في الدعوى بدفتره المنتظم، فعندئذ نكون بصدد دفترين كل منهما يكون دليلاً لصاحبه. ولهذا فإن للقاضي حسب ظروف القضية إما أن يأخذ بأحد الدليلين أو يقرر إسقاطهما معاً .
2- فی نزاع بينه وبين غير تاجر يتعلق بتوريد سلع إلى هذا الأخير، ينص قانون الإثبات في المادة 17 منه على أنه عندئذ تصلح البيانات المثبتة في الدفاتر عما ورده التاجر «أساساً يجيز للقاضي أن يوجه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة».
ب - ضد منظمها :
يعتبر الدفتر دليلاً ضد منظمة سواء كان منتظماً أم لا. ويستوي أن يكون المتمسك به تاجراً أم غير تاجر، كما يستوي أن يتعلق الأمر بعمل تجاري أو بعمل مدنی، وسواء كان هذا الأخير هو توريد سلع أم كان أي عمل آخر. على أنه وفقاً لما تنص عليه المادة 17 من قانون الإثبات ليس لمن يريد التمسك بالدفتر ضد صاحبه أن يجزئ ما ورد فيه. ولأن هذا النص يشبه ما يقرره القانون بالنسبة للإقرار في المادة 104 ق. الإثبات ، فإن الفقه في مصر يذهب إلى أن أساس قوة الدفتر في الإثبات ضد منظمه هو أنه يتضمن إقراراً منه. وهذا الرأي في تقديرناً محل نظر، ذلك أن الإقرار هو إخبار صادر من المقر وموجه إلى القاضي أو إلى شخص آخر، في حين أن ما يدون في الدفتر لا يمكن اعتباره إخباراً إذ هو ليس موجهاً لا إلى القاضي ولا إلى أي شخص، وإنما يكتبه التاجر لنفسه. وهو في هذا يشبه ما يدون في الدفاتر والأوراق المنزلية. ونتيجة لهذا، فإنه يمكن للتاجر إثبات عكس ما جاء في دفتره. وهو ما لا يستطيعه بالنسبة لأي إقرار منه . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 153 )
الدفاتر التجارية
مسألتان : نبحث هنا :
أولاً ما هى الدفاتر التجارية وكيف تنظم .
ثانياً متى يجوز للقاضى الأمر بتقديمها ومتى يجوز له الأمر بالاطلاع عليها .
ما هى الدفاتر التجارية وكيف تنظم : لا نطيل في بحث هذه المسألة فهى من مسائل القانون التجارى. وبحسبنا هنا أن نذكر أن التقنين التجارى أوجب على التجار، تنظيماً لحساباتهم وتيسيراً عليهم فى الإثبات، أن يمسكوا دفاتر معينة كانت، بحسب المواد 11 - 13 من التقنين التجارى التى ألغاها القانون رقم 388 لسنة 1953، ما يأتي :
1- دفتر اليومية : كانت المادة 11 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب على كل تاجر أن يكون له دفتر يومية يشتمل على بيان ما له وما عليه من الديون يوماً فيوماً، وعلى بيان أعمال تجارته، وبيان ما اشتراه أو باعه أو قبله أو أحاله من الأوراق التجارية، وعلى بيان جميع ما قبضه وما دفعه. ويكون مشتملاً أيضاً على المبالغ المنصرفة على منزله شهراً فشهراً إجمالاً بغير بيان لمفرداتها ".
ونرى من ذلك أن دفتر اليومية هذا يدون فيه التاجر كل العمليات التى يجريها فى يومه، دون تمييز بين ما هو متعلق بتجارته وما هو غير متعلق بها، حتى الهبات والصدقات والتبرعات، وحق المبالغ المنصرفة على منزلة وإن كان يذكرها إجمالاً شهراً فشهراً. ولكن أهم ما يدون فى دفتر اليومية هو ما يتعلق بأعمال التجارة، فيدون التاجر، يوماً فيوماً، ما إشتراه أو باعه، وما قبضه أو دفعه، وما استجده من حقوق أو استحدثه من ديون، وما قبله من الأوراق التجارية أو أحاله منها، وكل بيان بأى عمل تجارى آخر أجراه .
2- دفتر المراسلات : وكانت المادة 12 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب على التاجر أن يقيد فى دفتر مخصوص صور ما يرسله من الخطابات المتعلقة بالأشغال، وأن يجمع ما يرد إليه منها فى كل شهر ويضعه فى ملف على حدته ".
والأمر هنا مقصور على المراسلات المتعلقة بأعمال التجارة؛ دون المراسلات المتعلقة بالشؤون الخاصة. فيقيد التاجر فى دفتر المراسلات صور جميع المراسلات التى أصدرها متعلقة بعمله التجارى، سواء كانت خطابات أو برقيات أو قوائم أو تذاكر نقل أو تذاكر شحن أو غير ذلك. ويحتفظ بما يتلقاه من مراسلات، أى بالأصول ذاتها، جامعاً ما يرد إليه منها كل شهر فى ملف على حدة. وهذه المراسلات - ما أصدره وما تلقاه - قد تكون مصدراً لإثبات كثير من العقود والأعمال التجارية .
3 - دفتر الجرد : وكانت المادة 13 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب على كل تاجر أن يجرد كل سنة أمواله المنقولة والثابتة، ويحصر ما له وما عليه من الديون، ويقيد صورة قائمة الجرد المذكور فى دفتر بعد ذلك زيادة على الدفترين المذكورين فى المادتين السابقتين ".
فالجرد إذن هو حصر سنوى لأموال التاجر المنقولة والثابتة، وكذلك حصر سنوى لما للتاجر وما عليه من الديون. وتقيد صورة من قائمة هذا الجرد فى دفتر الجرد .
وكانت المادة 14 من التقنين التجارى تنص على أنه " يجب أن تكون هذه الدفاتر خالية من كل فراغ أو بياض أو كتابة فى الحواشى، عدا ما يترك من البياض فى الدفتر الذى تقيد فيه صور الخطابات بطريق الطبع. ويلزم قبل بدء الكتابة فى اليومية ودفتر الجرد أن تنمر كل صحيفة منهما، وتوضع على كل ورقة بدون مصاريف علامة المأمور الذي تعينه المحكمة الإبتدائية لذلك، وفى آخر كل سنة يضع هذه المأمور أيضاً فى الدفترين المذكورين وفى دفتر صور الخطابات التأشير اللازم بحضور التاجر الذى يقدمها، بدون أن يجوز للمأمور المذكور بأى وسيلة كانت الاطلاع على مضمون الدفاتر المقدمة له ولا حجزها عنده ". وقد قصد بتدمير الصفحات منع التاجر من إعدام بعض هذه الصفحات، ومن وضع علامة المأمور - ويكون غالباً رئيس قلم الكتاب بالمحكمة - عليها منع التاجر من تحشير صفحات جدد إلا إذا زور علامة المأمور فيعاقب على جريمة التزوير، ومن وضع التأشير فى نهاية الدفتر منع التاجر من إضافة صفحات جديدة إلا إذا عرض نفسه هنا أيضاً لعقوبة التزوير. وتنص المادة 15 من التقنين التجارى على أن " الدفاتر التي يجب على من يشغل بالتجارة اتخاذها لا تكون حجة أمام المحاكم ما لم تكن مستوفية للإجراءات السالف ذكرها ". فإذا استوفت الدفاتر التجارية هذه الإجراءات، كانت منتظمة، وكان لها من الحجية ما سنذكره فيما يلى. على أن الدفاتر غير المنتظمة، وهى التى لم تستوف هذه الإجراءات كلها أو بعضها، لا يزال لها بعض الحجية كما سنرى .
هذا وقد ألغى المشرع المصرى، بمقتضى القانون رقم 388 لسنة 1953 المنشور فى الوقائع المصرية العدد 64 مكرر الصادر فى 6 أغسطس سنة 1953، المواد 11 – 14 من التقنين التجارى وهى المواد التى تقدم ذكرها، واستبدال بها نصوصاً جديدة تنظم دفاتر التجار تنظيماً أدق وأكثر مسايرة للنظم الحديثة فى إدارة الأعمال. وقد أصبح بموجب هذا القانون الجديد واجباً على التاجر أن يمسك من الدفاتر التجارية العدد الذى تستلزمه طبيعة تجارته وأهميتها، بحيث لا يقل عدد هذه الدفاتر عن اثنين :
1- دفتر اليومية الأصلي : وتقيد فيه جميع العمليات المالية التى يقوم بها التاجر وكذلك مسحوباته الشخصية. ويتم هذا القيد يوماً فيوماً. ويجوز استعمال دفاتر يومية مساعدة، ويكتفى فى هذه الحالة بتقييد إجمالى للعمليات فى دفتر اليومية الأصلي فى فترات منتظمة من واقع هذه الدفاتر .
2ـ دفتر الجرد : وتقيد فيه تفاصيل البضاعة الموجودة فى آخر السنة المالية، أو بيان إجمالى عنها إذا كانت التفاصيل واردة بدفاتر وقوائم مستقلة. وعند ذلك تعتبر هذه الدفاتر والقوائم جزءاً متمماً للدفتر المذكور. ويحتفظ التاجر بصور من المراسلات والبرقيات التي يصدرها وبأصول ما يرد إليه منها، ويقوم هذا مقام دفتر المراسلات. وقد استبقى قانون سنة 1953 تنمير الصفحات وتوقيع الموثق الواقع فى دائرة اختصاصه المحل التجاري بدلاً من رئيس قلم كتاب المحكمة على كل ورقة .
فالقانون التجارى إذن ألزم التجار إتخاذ دفاتر منتظمة يسجلون فيها ما لهم من الحقوق وما عليهم من الديون، ويقيدون جميع ما يرتبط بأعمالهم التجارية. وقد جعل لعدم انتظام هذه الدفاتر جزائين : جزاء مدنياً هو سلب هذه الدفاتر من كثير من قوتها فى الإثبات، وجزاءً جنائياً إذا أفلس التاجر ودفاتره غير منتظمة .
تقديم دفاتر التجار والاطلاع عليها : ولما كان من أهم أغراض دفاتر التجار هو أن تكون أدلة للإثبات، فقد نص التقنين التجارى على وسيلتين لتحقيق هذا الغرض : أولاهما تقديم هذه الدفاتر والأخرى الاطلاع عليها .
أما التقديم، فقد نصت عليه المادة 18 من التقنين التجارى على الوجه الآتى : " يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها فى أثناء الخصومة بتقديم الدفاتر لتستخرج منها ما يتعلق بهذه الخصومة ". وهذه الوسيلة جائزة فى جميع المنازعات التجارية والمدنية، سواء كان الخصم الآخر تاجراً أو غير تاجر، لإطلاق النص. وللمحكمة أن تلجأ إليها من تلقاء نفسها دون طلب من الخصوم. والغرض منها محدود : هو أن تطلع المحكمة - دون الخصوم - على دفاتر التاجر، لا فى جميع أجزائها، بل فى الجزء الذى وردت فيه البيانات المتعلقة بالخصومة. وقد تطلع المحكمة على هذا الجزء بنفسها، أو بواسطة خبير تندبه لذلك وهو الغالب. ويقع إطلاع المحكمة أو الخبير على الدفتر بحضور التاجر صاحبة وتحت رقابته. ويجوز للمحكمة، إذا كانت الدفاتر التى أمرت بتقديمها فى مكان بعيد، أن تطلب من أقرب محكمة القيام بهذه المهمة فتقوم بها وتحرر تقريراً بذلك ترسله إلى المحكمة الأولى .
وأما الاطلاع، فقد نصت عليه المادة 16 من التقنين التجارى على الوجه الآتى : " لا يجوز للمحكمة، فى غير المنازعات التجارية، أن تأمر بالاطلاع على الدفترين المتقدم ذكرهما اليومية والمراسلات ولا على دفتر الجرد إلا فى مواد الأموال المشاعة أو مواد التركات وقسمة الشركات وفى حالة الإفلاس. وفى هذه الأحوال يجوز للمحكمة أن تأمر من تلقاء نفسها بالاطلاع على تلك الدفاتر ". والاطلاع أوسع مدى من التقديم، وأشد خطراً. فيستطيع هذا أن يطلع على جميع محتوياتها بما قد تشتمل عليه من أسرار. ولكنه أضيق نطاقاً : فإنه إذا جاز للمحكمة أن تأمر بالاطلاع من تلقاء نفسها دون طلب من الخصم وهذه هى الحال فى التقديم، فإنها لا تأمر بذلك إلا فى المنازعات التجارية وفى بعض المنازعات المدنية. وينتقد فقهاءً القانون التجارى إطلاق حرية المحكمة فى الأمر بالاطلاع فى جميع المنازعات التجارية، لأن فى الاطلاع إفشاءً لسر التاجر، وكان الواجب فى نظرهم أن يلتزم المشرع المصرى نص المادة 14 من التقنين المدنى الفرنسى وهى لا تجيز الاطلاع إلا فى مواد التركات والذمم المشتركة الناشئة عن الزواج بمقتضى نظام اختلاط الأموال وقسمة الشركات والإفلاس. ولكن لا مناص من احترام النص الصريح، وأجازه الأمر بالاطلاع : أولاً فى جميع المنازعات التجارية. ثانياً فى بعض المنازعات المدنية، وهذه هى :
1 - مواد الأموال المشاعة : والنص الفرنسي لهذه العبارة هو : نظام إختلاط الأموال، وليس الشيوع. فإذا تزوج. فإذا تزوج التاجر على مقتضى نظام إختلاط الأموال، ودخل متجره في الذمة المشتركة، ثم انحلت رابطة الزوجية ووجبت تصفية هذه الذمة، جاز للمحكمة أن تأمر بإطلاع الخصم - الزوجة أو ورثتها أو الزوج أو ورثته - على الدفاتر التجارية ليقرر نصيبه من الذمة المشتركة.
2- مواد التركات : فإذا توفى التاجر وقام نزاع بين ورثته – على تقسيم التركة، جاز للمحكمة إلزام الورثة الذين يحوزون دفاتر مورثهم التجارية بإطلاع بقية الورثة عليها، حتى يستطيع كل منهم أن يقدر نصيبه من التركة. وهذا الحق مقصور على الورثة والموصى لهم بحصة من التركة، دون الموصى له بعين معينة أو الأجنبى .
3 - قسمة الشركات : فإذا انحلت الشركة، جاز للمحكمة أن تأمر بإطلاع كل شريك على الدفاتر التجارية للشركة ليتبين مقدار نصيبه. وهذا الحق مقصور على الشركاء، فلا يشمل دائنى الشركة. وقد نصت المادة 519 من التقنين المدنى الجديد، بالنسبة إلى الشركات المدنية، على أن " الشركاء غير المديرين ممنوعون من الإدارة، ولكن يجوز لهم أن يطلعوا بأنفسهم على دفاتر الشركة ومستنداتها، وكل اتفاق على غير ذلك باطل ". ويسرى هذا النص على الشركاء المتضامنين والشركاء موصين فى شركات التوصية البسيطة والشركات عموماً فى شركات المحاصة، أما الشركاء المساهمون سواء فى شركات المساهمة أو شركات التوصية بالأسهم فلا يجوز لهم طلب الاطلاع على دفاتر الشركة لكثرة عددهم ولتفادى تعطيل أعمال الشركة أو ذيوع أسرارها، ومع ذلك يجوز للمحكمة إستثناء أن تأمر بإطلاع الشريك المساهم على دفاتر الشركة متى كانت له مصلحة جدية فى هذا الاطلاع. ونصت المادة 691 من التقنين المدنى الجديد على أنه " 1ـ إذا نص العقد على أن يكون للعامل فوق الأجر المتفق عليه أو بدلاً منه حق فى جزء من أرباح رب العمل، أو فى نسبة مئوية من جملة الإيراد أو من مقدار الإنتاج أو من قيمة ما يتحقق من وفر أو ما شاكل ذلك، وجب على رب العمل أن يقدم إلى العامل بعد كل جرد بياناً بما يستحقه من ذلك .
2 - ويجب على رب العمل فوق هذا أن يقدم إلى العامل، أو إلى شخص موثوق به يعينه ذوو الشأن أو يعينه القاضى، المعلومات الضرورية للتحقق من صحة هذا البيان، وأن يأذن له فى ذلك بالاطلاع على دفاترة ". ومن ذلك نرى أن حق إطلاع الشركاء على دفاتر الشركة ثابت لهم فى أحوال ثلاثة : إذا انحلت الشركة، أو وهى قائمة للشركاء غير المديرين، أو عند اشتراط أن يكون للعامل جزء من الأرباح أو الإيراد أو مقدار الإنتاج أو نحو ذلك .
4 - حالة الإفلاس. فللسنديك الحق فى الاطلاع على دفاتر المفلس حتى يتمكن من تأدية مهمته. ولا يجوز للدائن، بصفته الفردية، أن يطلب هذا الاطلاع، إلا إذا عين مراقباً - هذا ويمكن الآن إضافة حالة خامسة، إذ يجوز لمصلحة الضرائب الاطلاع على دفاتر الممولين لتقدير الضريبة على الأرباح التجارية والصناعية ( قانون رقم 14 لسنة 1939).
وإذا أمرت المحكمة بتقديم أو بالاطلاع عليها، وامتنع الخصم من تنفيذ أمر المحكمة، فإن المادة 24 من تقنين المرافعات الجديد تجيز للمحكمة أن تستخلص من هذا الامتناع معنى الاعتراف بالدين. وكذلك يجوز للمحكمة أن تجبر الخصم على التنفيذ بطريق التهديد المالى .
قوة الدفاتر التجارية في الإثبات
حجية الدفاتر التجارية : لدفاتر التجار حجية في الإثبات حددها القانون. وتتلخص هذه الحجية فى مسألتين :
1 - دفتر التاجر حجة عليه .
2 - وقد يكون حجة له .
دفتر التاجر حجة عليه : رأينا أن الفقرة الثانية من المادة 17 من قانون الإثبات تقضى بأن " تكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه ".
فالقاعدة الجوهرية في هذه المسألة إذن أن دفتر التاجر حجة عليه. ذلك أن هذا الدفتر هو بمثابة إقرار منه مكتوب. والتاجر إما أن يكون قد كتبه بخطه أو بإملائه، أو فى القليل كتب الدفتر بإشرافه وتحت رقابته، فهو صادر منه على كل حال. ونم ثم يكون هذا الدفتر حجة عليه، سواء كان خصمه تاجراً فى نزاع تجارى أن يرد فى دفتر يومية التاجر أو فى دفتر المراسلات بيان بأن تاجر جملة ورد له مقداراً معيناً من البضاعة بسعر معين، فهذا البيان حجة على التاجر صاحب الدفتر لمصلحة تاجر الجملة، وسنرى أن دفتر تاجر الجملة فى مثل هذا النزاع قد يضاهى هو أيضاً على دفتر التاجر الأول. ومثل أن يكون الخصم تاجراً فى نزاع مدنى أن يرد فى دفتر اليومية مثلاً بيان عن صفقة عقدها التاجر مع تاجر مثله وقبل فيها شراء عقار بثمن معين، فهذا البيان يكون حجة على التاجر المشترى لمصلحة التاجر البائع، والنزاع هنا مدنى لأن يتعلق بشراء عقار في غير عمل تجارى. ومثل أن يكون الخصم غير تاجر أن يرد فى دفتر يومية التاجر مثلاً بيان بتوريد سلعة بثمن معين إلى عميل له غير تاجر، فهذا البيان حجة على التاجر، وليس حجة على العميل إلا إذا توافرت شروط معينة سيأتى ذكرها فيما يلى .
على أننا إذ نقرر أن دفتر التاجر حجة عليه على النحو الذى قدمناه ينبغى ألا نغفل أن فى هذا خروجاً على القواعد العامة فى الإثبات من ناحيتين :
1- أن دفتر التاجر ورقة عرفية غير موقعة من التاجر، بل يغلب ألا تكون مكتوبة بخطه، وقد يقع فيه من الأخطاء ما لا قبل للتجار بملفاته .
2- أن هذا الدفتر هو فى حوزة التاجر، ويلزمه القانون كما رأينا أن يقدمه ليستخلص منه دليل ضده، فهو إذن يجبر على أن يقدم دليلاً على نفسه. من أجل هذا روعى هذا الدليل أمران :
الأمر الأول أنه جوازي للقاضي، فله أن يأخذ به وله أن يطرحه. والمادة 17 من التقنين التجارى، وسيرد ذكرها، صريحة فى معنى الجواز. والقاضى يأخذ بهذا الدليل إذا وقع فى نفسه أنه ارتفع عن الشبهات، كأن تكون الدفاتر منتظمة، وأن يكون الدفتر الذى ورد فيه الدليل من الدفاتر الإلزامية التى تمكن مضاهاتها بنظائرها عند التاجر الآخر، وأن يلمس القاضى العناية والدقة فى إمساك الدفتر، بل قد يكون البيان مكتوباً بخط التاجر نفسه. على أنه يجب ألا يفهم من ذلك أن الدفتر إذا كان إختيارياً، ولم يكن مكتوباً بخط التاجر لا يستخلص القاضى منه دليلاً ضده، فإن هذا جائز، وتقدير الأمر مرده إلى القاضى نفسه ومبلغ اقتناعه بقوة الدليل. بل إن الدفاتر قد لا تكون منتظمة، وبالرغم من أن المادة 15 من التقنين التجارى تقضى بأن الدفاتر لا تكون حجة أمام المحاكم ما لم تكن مستوفية للإجراءات، فإن القاضى قد يقتنع بالبيان الوارد فى الدفتر لأنه لا يشعر بأى افتعال بل يبعث على الاطمئنان، فيأخذ بهذا الدليل .
وكل ما يترتب على عدم انتظام الدفتر قانوناً هو أن القاضى يستطيع أن يجزئ الدليل. فإذا كان قد ورد فى دفتر غير منتظم أن التاجر استورد بضاعة معينة وقد دفع ثمنها، فهذا البيان دليل ضده على أنه إستورد البضاعة، ولكن يجوز لمن ورد البضاعة أن يستبعد من هذا الدليل ما يتعلق بدفع الثمن، فيكون بذلك قد أثبت من الدفتر نفسه أن البضاعة وردت، وعلى التاجر صاحب الدفتر أن يثبت أن الثمن قد دفع. أما لو كان الدفتر منتظما، فقد قضت المادة 17 من قانون الإثبات بأنه لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منه دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد فيه ويستبعد ما كان مناقضاً لدعواه. ففى المثل المتقدم، في حالة انتظام الدفتر، يجب على من ورد البضاعة أن يأخذ البيان الوارد فى الدفتر كاملاً، فيكون هذا البيان دليلاً على توريد البضاعة وعلى دفع الثمن فى وقت واحد. فإن أنكر مورد البضاعة أنه قبض الثمن، فعليه هو - لا على التاجر صاحب الدفتر المنتظم - أن يثبت ذلك .
والأمر الثانى أن القاضى إذا رأى أن يأخذ بالدليل المستخلص من الدفتر، فإن لصاحب الدفتر، ولو كان دفتره منتظماً، أن يثبت عكس ما ورد فيه، وذلك بجميع الطرق حتى بالبينة أو بالقرائن. ولا يعترض على هذا الحكم بأنه لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة، فإن الوارد بالدفتر ليس دليلاً كاملاً لأنه ورقة عرفية غير موقعة كما قدمنا، وإنما هو قرينة قابلة لإثبات العكس، هذا إلى أنه إذا كان النزاع تجارياً فإن جميع طرق الإثبات جائزة فيه .
قد يكون دفتر التاجر حجة له : الأصل أن الشخص لا يجوز له أن يصطنع دليلاً لنفسه، حتى لو كان تاجراً، وحتى لو كنت دفاتره منتظمة. فكل ما ورد فى دفتر التاجر، كقاعدة عامة، لا يصلح أن يكون دليلاً له لأنه صادر منه. بل هو لا يكون مبدأ ثبوت بالكتابة لأنه غير صادر من خصمه. وإنما يكون دليلاً ضده هو على النحو الذى قدمناه. ومع ذلك فقد أباح القانون أن يكون دفتر التاجر حجة له إستثناء فى حالتين إثنتين :
الحالة الأولى فى الدعاوى التجارية ما بين تاجر وتاجر .
وقد رأينا أن فى هذه الدعاوى يكون دفتر التاجر حجة عليه، لا فيها فحسب بل وفى الدعاوى التجارية ما بين تاجر وغير تاجر وفى الدعاوى المدنية إطلاقاً. فإذا وقفنا من هذه الأنواع الثلاثة عند الدعاوى التجارية ما بين تاجر وتاجر، وقررنا أن دفتر التاجر يكون حجة عليه، وجب أن نستكمل الحكم فنقرر أن دفتر التاجر - فى الدعاوى التجارية ما بين تاجر وتاجر - كما يكون حجة عليه قد يكون حجة له. وتنص المادة 17 من التقنين التجارى فى هذا الصدد على ما يأتي : " ويجوز للقضاة قبول الدفاتر التجارية لأجل الإثبات فى دعاوى التجار المتعلقة بمواد تجارية إذا كانت تلك الدفاتر مستوفية للشروط المقررة قانوناً ". ففى المثل الذي قدمناه إذا ورد فى دفتر يومية التاجر أو فى دفتر المراسلات مثلاً بيان بأن تاجر جملة ورد له مقداراً معيناً من البضاعة بسعر معين، فهذا البيان كما قدمنا حجة على التاجر صاحب الدفتر لو كان هو الذى ينكر وقوع الصفقة أو لا يسلم بكمية البضاعة أو بمقدار الثمن. وقد يكون هذا البيان نفسه حجة له على تاجر الجملة لو أن هذا التاجر الأخير هو الذى ينكر شيئاً من ذلك. والأخذ بهذا الدليل على هذا النحو متروك لتقدير القاضى، فإن النص لا يوجب الأخذ به بل يقول : " يجوز للقضاة قبول الدفاتر التجارية ".
ومما ييسر على القاضى الأخذ بهذا الدليل حجة للتاجر أن الدعوى تجارية ما بين تاجر وتاجر، فعند تاجر الجملة هو أيضاً دفاتر تجارية ورد فيها البيان الوارد فى دفاتر التاجر الأول. فما على القاضى إلا أن يضاهى ما بين الدفاتر. فإن تطابقت اطمأن إلى هذا التطابق في الأخذ بالدليل. وإن لم تتطابق، فإن كانت دفاتر أحد التاجرين منتظمة رجح أن يأخذ القاضى بها. ومع ذلك قد يأخذ بالدفاتر غير المنتظمة فى هذا البيان بالذات، ويرجحها على الدفاتر المنتظمة. وإن كانت دفاتر كل من التاجرين منتظمة أو غير منتظمة، كان القاضى حراً فى أن يأخذ بدفاتر هذا أو بدفاتر ذاك، وقد لا يأخذ بهذه ولا بتلك، ويتلمس الدليل من طريق آخر .
ويلاحظ فيما قدمناه أمران :
1 - أن القاضى قد يأخذ بدفتر غير منتظم للتاجر حجة له، مع أن المادة 17 من التقنين التجارى يشترط لجواز قبول الدفاتر للإثبات أن تكون منتظمة. وقد قدمنا أن هذا الشرط لم يراع عند ما أخذ القاضى بالدفتر غير المنتظم حجة على التاجر، فلا يراعى هنا أيضاً عند أخذه بالدفتر غير المنتظم حجة للتاجر متى رأى أن البيان يبعث على الإطمئنان ولا يشعر بأى افتعال، فإن كل هذه البيانات ليست إلا قرائن بسيطة لا تقيد القاضى فى الأخذ بها .
2 - ولما كانت البيانات قرائن بسيطة، فإنه يجوز دائماً، عند أخذ بيان فى دفتر تاجر حجة له، أن يثبت خصمه عكس هذا البيان بجميع الطرق، حتى بالبينة والقرائن لما قدمناه من الإعتبارات.
الحالة الثانية فى دعوى التاجر على غير التاجر بالنسبة إلى البيانات الواردة فى دفتر التاجر عما ورده لغير التاجر .
وقد رأينا أن الفقرة الأولى من المادة 397 تقول فى هذا الصدد ما يأتى : " دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار، غير أن البيانات المثبتة فيما عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز للقاضى أن يوجه اليمين المتممة إلى أى من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة ".
فالأصل إذن ألا يكون دفتر التاجر حجة له، لا على التاجر، ولا على غير التاجر من باب أولى. على أنه كما جاز إستثناء أن يكون دفتر التاجر حجة له على التاجر فيما قدمناه، يجوز كذلك إستثناء أن يكون دفتر التاجر حجة له على غير التاجر ولكن بشروط أشد، إذ يجب توافر الشروط الآتية :
1 - أن يكون محل الإلتزام سلعة وردها التاجر لعملية غير التاجر، كالخباز يورد الخبز " والبقال " يورد " خزين " المنزل.
2 - أن يكون الالتزام مما يجوز إثباته بالبينة بالنسبة إلى العميل غير التاجر، أى لا تجاوز قيمته عشرة جنيهات. وهذا الشرط أضافته لجنة المراجعة، فقد كان المشروع التمهيدى لا يشتمل عليه محتذياً فى ذلك التقنين الفرنسى م 1329. وقانون البينات السوري م 14 لا يشتمل هو أيضاً على هذا الشرط.
3 - أن يكمل الدليل باليمين المتممة يوجهها القاضي إلى التاجر الذى يحتج بدفتره، فلا تجوز التكملة هنا بالبينة أو بالقرائن.
فإذا توافرت هذه الشروط، فإنه يبقى بعد ذلك أمران :
1- أن الأخذ بهذا الدليل جوازي للقاضى، فله أن يأخذ به أو لا يأخذ، كما هى الحال فى سائر الأدلة التى تستخلص من دفاتر التجار. وهو لا يأخذ به غالباً إذا كان الدفتر غير منتظم.
2- أن للقاضى أن يسمح لغير التاجر بنقض الدليل المستخلص ضده من دفتر التاجر، ويكفى فى هذا النقض البينة أو القرائن. بل إن للقاضى بأن يستنبط من القرائن فى نقض هذا الدليل ما يكتفى معه بتوجيه اليمين المتممة إلى غير التاجر لا إلى التاجر، لتفنيد الدليل لا لتأييده .
ويلاحظ أن هذا الحكم وحده - دون سائر الأحكام التى قدمناها - هو الذى استحدثه التقنين المدنى الجديد، نقلاً عن التقنين المدني الفرنسي. ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد : الأول، الصفحة : 359 )
دفاتر التاجر حجة عليه :
تنص المادة 17/ 2 من قانون الإثبات على أنه «وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه» وعلى ذلك فإن دفاتر التجار تكون حجة على هؤلاء التجار والعلة في ذلك هي أن الدفتر يعتبر إقرار مكتوباً صادراً من التاجر والتاجر أما أن يكون قد كتبه بخطه أو بإملائه أو في القليل كتب الدفتر بإشرافه وتحت رقابته فهو صادر منه على كل حالة ومن ثم يكون هذا الدفتر حجة عليه سواء كان خصمه تاجر أو غير تاجر وسواء كان النزاع تجارياً أو مدنياً وهذا المبدأ فيه خروج على القواعد العامة في الإثبات وذلك من ناحيتين الأولى أن دفتر التاجر ورقة عرفية ولكنها غير موجودة ومع ذلك فإنه يعتبر حجة والثانية أن القانون يلزم التاجر بتقديم الدفتر وفي هذا خروج على القاعدة التي تقضي بأنه لا يجبر الشخص على تقديم دليل ضد نفسه وعلى ذلك فإنه يراعى في هذا الدليل أمران.
1) أنه جوازي للقاضي له أن يأخذ به أو لا يأخذ به والقاضي يأخذ به إذا اطمأن إليه إلا أنه إذا كانت دفاتر التاجر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يتخذ منها ليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويستبعد منها ما كان مناقضاً لدعواه.
2) الدليل المستمد من الدفتر في هذه الحالة يقبل إثبات العكس حتى ولو كان الدفتر منتظماً فلصاحب الدفتر الذي يحتج به عليه أن يثبت عكس ما جاء فيه بكل طرق الإثبات. «الدكتور السنهوري في الوسيط الجزء الثاني المجلد الأول ص 369 وما بعدها. وقواعد الإثبات الدكتور توفيق حسن فرج طبعة 1981 ص 87 وما بعدها». الوجيز في النظرية العامة للالتزامات الطبعة الثالثة ص 1083 وما بعدها»
أما إذا كان الخصم غير تاجر أي في حالة الدعوى بين تاجر وغير تاجر فالقاعدة في هذه الحالة أن دفاتر التاجر لا تكون حجة له ولكن القانون المصري استثنى من ذلك حالة واحدة تكون لدفاتر التاجر فيها حجية على بغیر التاجر وأن كانت في الواقع حجية ناقصة تصلح أساساً يجيز للقاضي أن يوجه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين وهذا الإستثناء قاصر على حالة ما يورده التاجر لعملائه غير التجار كالبقال الذي يورد البضاعة لعميل له ويشترط أن يكون الإثبات بشهادة الشهود جائزة أي ينبغي ألا يتجاوز قيمة البضاعة بعشرين جنيهاً مع مراعاة تكملة الدليل في هذه الحالة باليمين المتممة التي يوجهها القاضي إلى أي من الطرفين وعلى أية حال فهذا الدليل أيضاً جوازي للقاضي ولذلك لا يلزم أن تكون الدفاتر منتظمة كما يجوز لغير التاجر نقض الدليل المستمد من الدفتر بإثبات العكس وبشهادة الشهود والقرائن. «الدكتور توفيق فرج في قواعد الإثبات طبعة 1981 ص 89 وما بعدها».
وقيل أن القاضي مطلق التقدير في قبول البيانات المشار إليها في المادة 17/ 1 إثبات أو في عدم قبولها وإنما إذا قرر قبولها فعليه أن يستكمل دلالتها بتوجيه اليمين المتممة من تلقاء نفسه إلى أي من الطرفين ولا يملك إستكمال دلالتها بشهادة الشهود أو بالقرائن ويعمل بالنص المتقدم في مواجهة التاجر وغير التاجر فمن الجائز أن يستند التاجر إلى دفاتر في صدد ما قررته المادة 17/ 1 ولو في مواجهة غير التاجر.
(الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ص 123 ). ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015، دار محمود، المجلد : الأول، الصفحة : 318 )
كانت المواد 11 إلى 13 من القانون التجاري تنظم دفاتر التجار ثم ألغيت بالقانون رقم 388 لسنة 53 الذي نظمها تنظيماً أدق وأكثر مسايرة للنظم الحديثة في إدارة الأعمال والذي أوجب على التاجر أن يمسك من الدفاتر التجارية، العدد الذي تستلزمه طبيعة تجارته وأهميتها بحيث لا يقل عدد هذه الدفاتر عن أثنين هي :
1- دفتر اليومية الأصلي، وتقيد فيه جميع العمليات المالية التي يقوم بها التاجر وكذلك مسحوباته الشخصية ويتم هذا القيد يوماً فيوم ويجوز استعمال دفاتر اليومية الأصلي في فترات منتظمة من واقع هذه الدفاتر .
2 ـ دفتر الجرد وتقيد فيه تفاصيل البضاعة الموجودة في آخر السنة المالية، أو بيان إجمالي عنها إذا كانت التفاصيل واردة بدفاتر وقوائم مستقلة وعند ذلك تعتبر هذه الدفاتر والقوائم جزءاً متمماً للدفتر المذكور ويحتفظ التاجر بصور من المراسلات، والبرقيات التي يصدرها وبأصول ما يرد إليه منها ويقوم هذا مقام دفتر المراسلات وقد استبقى القانون رقم 388 لسنة 53 ترقيم الصفحات، وتوقيع الموثق الواقع في دائرة إختصاص المحل التجاري على كل ورقة.
ولما كان من أهم أغراض دفاتر التجار هو أن تكون أدلة للإثبات، فقد نص التقنين التجاري على وسيلتين لتحقيق هذا الغرض أولهما : تقديم هذه الدفاتر، والأخر : الاطلاع عليها ( المادتان 16، 18 من القانون التجاري).
والقواعد التي تنظم حجية الدفاتر تختلف في الدعاوى التجارية عن الدعاوى المدنية على التفصيل الآتي :
أولاً : في الدعاوى التجارية :
تعتبر الدفاتر التجارية المنتظمة عندما تقدم لأي محكمة حجة على التاجر بما دون فيها، أي أن لها في ذاتها الحجية فلا تخضع حجيتها لتقدير القاضي، ولا يشترط أن يكون ما دون في هذه الدفاتر بخطه بل يكفي أن يكون بخط موظف عنده أو حتى بالآلة الكاتبة، وقد جرى الفقه على التفرقة بين الدعاوى التجارية التي تكون بين تاجر وتاجر والدعاوى التجارية التي تكون بين تاجر وغير تاجر ففي النوع الأول وهي التي ينطبق عليها نص المادة 17 تجاري (أي أن تكون منتظمة وأن تتعلق بعمل تجاري) تعتبر دفاتر التاجر المنتظمة حجة عليه في جميع الأحوال، وبالتالي تصلح لأن تكون دليلاً كاملاً كافياً وحده ليقيم عليه القاضي حكمه ولكن لا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ويطلب الأخذ بما يؤيد دعواه واستبعاد ما يناقضها، أما حجيتها ضد تاجر آخر فلا تكون لها حجية قبله إلا إذا كانت مطابقة فيما يتعلق بموضوع الدعوى لدفاتر الأخير المنتظمة أو كانت دفاتره غير منتظمة، فإذا كانت دفاتر الطرفين منتظمة وغير متطابقة تهاترت الحجتان وكان للقاضي أن يأخذ بما يرجحه، وله أن يعتمد في ذلك على دفاتر أيهما أو على أي طريق أخر يطمئن إليه وجدانه .
أما دفاتر التاجر غير المنتظمة فإنها لا تصلح بذاتها أن تكون دليلاً كاملاً بأي حال من الأحوال، وإن كانت تصلح لأن يستخلص منها القاضي قرائن تعينه على الفصل في الدعوى، كما يجوز للخصم أن يجزئ ما يراه في صالحه، وأن يستبعد منها ما كان مناقضاً لدعواه عملاً بالفقرة الثانية من المادة، بل يجوز أن يقبل حجيتها عليه صراحة، وله أيضاً أن يقبل حجيتها ضمناً كما إذا وافق على تعيين خبير لمراجعتها .
وبالنسبة للنوع الثاني وهي القضايا التجارية التي تكون بين تاجر وغير تاجر فلا يسري عليها حكم المادة 17 تجاري، بل تطبق عليها الفقرة الثانية من المادة 17 إثبات، ومؤداها أنه يجوز للمحكمة أن تعتبر دفاتر التاجر حجة عليه سواء كانت منتظمة أو غير منتظمة ولا يجوز تجزئة ما ورد بها إن كانت منتظمة، ولا يجوز أن تكون حجة للتاجر على غير التاجر وأن البيانات المثبتة فيها عما ورده التجار تصلح أساساًَ يجيز للقاضي أن يوجه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين فيما يجوز إثباته بالبينة، اللهم إلا إذا رفض غير التاجر حجيتها .
ويدل نص الفقرة الأولى من المادة 17 إثبات بوضوح أنه يجعل حجية دفاتر التاجر على غير التاجر مقصورة فقط على البيانات المتعلقة بما يورده التاجر لغير التاجر فيما لا يجاوز نصاب الشهادة وهو خمسمائة جنيه .
وننبه إلى أمر غاية الأهمية وهو أنه في جميع الأحوال التي يجوز فيها اعتبار دفاتر التاجر حجة بما ورد سواء له أو عليه فإن حجيتهما قابلة لإثبات العكس بطرق الإثبات كافة بما فيها شهادة الشهود والقرائن لأن الأصل أنه في المواد التجارية لا يتقيد فيها بوجوب إثبات ما يخالف الكتابة الموقعة بالكتابة، ومن باب أولى لا يتقيد فيها ذلك بالنسبة إلى إثبات ما يخالف الكتابة غير الموقعة الواردة في الدفاتر التجارية .
وإذا رفض التاجر تقديم دفارته للمحكمة فإنه يجوز لخصمه أن يطلب من المحكمة إلزامه بتقديمها على النحو الذي سنوضحه، وللمحكمة أن تجيبه لطلبه ولها أن ترفضه بشرط أن تؤسس قضاءها في الحالين على أسباب سائغة .
وفي حالة ما إذا كان خصم التاجر غير تاجر وأراد أن يدفع بعدم جواز الإحتجاج عليه بدفاتر خصمه التجارية فيتعين إبداء هذا الدفع أمام محكمة الموضوع، ولا يجوز أن يبديه لأول مرة أمام محكمة القانون ( محكمة النقض).
ثانياً : الدعاوى المدنية :
تسري على الدعاوى المدنية القواعد العامة في الإثبات المنصوص عليها في المادة 60، ومن ثم يجب الإثبات بالكتابة في التصرفات التي تزيد على خمسمائة جنيه، أو تكون غير مقدرة القيمة، وبالتالي لا تصلح دفاتر التاجر دليلاً في هذه الحالة على التصرفات التي تجاوز نصاب الإثبات بالبينة لأنها محررات غير موقعة، حتى لو كانت الدعوى بين تاجرين أو بين تاجر وغير تاجر إذا العبرة بنوع الدعوى لا بصفة الخصوم .
وقد استقر الرأي على حجية دفتر التاجر بما قيده فيه من بيانات ضد نفسه، فيجوز إعتبار قيام التاجر بقيد تعهد عليه في دفاتر يحتفظ بها بمثابة إقرار منه بهذا التعهد وذلك عملاً بالمادة 17/ 2 إثبات.
وسواء أكانت دفاتر التاجر منتظمة أم غير منتظمة فإن حجيتها في الدعاوى المدنية على صاحبها يجيز له نقضها بإثبات عكسها بكافة الطرق بما في ذلك القرائن وشهادة الشهود ومن ثم لا يحتاج صاحبها لتقديم دليل كتابي ينقض ما يثبت في هذه الدفاتر ولو كانت المعاملة مما يخضع لقواعد الإثبات المدنية لأن الدليل المستفاد من دفاتر التاجر لا يعتبر دليلاً كتابياً بمعنى الكلمة - سواء كان أو عليه - إذ أن هذه الدفاتر - كما ذكرنا أنفا - لیست موقعة من التاجر ولم تعد لأن تكون دليلاً عليه، ولا يعتبر لها القانون حجية ملزمة وإنما جعل قيمتها متروكة لتقدير القاضي، وكما يقول الشراح فإنها لا تعدو أن تكون دليلاً إفتراض الشارع ثبوته عن طريق قرينة قانونية فإن حكمه يكون حكم سائر القرائن القانونية، وبالتالي يجوز إثبات عكسها بكافة الطرق، فإذا أدعي التاجر أمراً يخالف ما هو ثابت في دفتر من دفاتره فإنه يقع عليه عبء إثباته ولو بالبينة والقرائن، غير أنه إذا عجز عن ذلك فليس هناك ما يمنعه من أن يوجه إلى خصمه اليمين فيما ادعاه .
وإذا ادعى خصم التاجر أمراً يخالف الثابت بدفاتر التاجر فيكون له إثباته بكافة الطرق بشرط ألا يجزئ ما ورد في الدفاتر .
ومن البديهي أنه في حالة ما إذا كان ما دونه التاجر في دفترة موقعاً عليه منه يعتبر دليلاً كاملاً للإثبات ضده ويعد بمثابة إقرار غير قضائي فإما أن يؤخذ بأكمله أو يطرح بأكمله، أما إذا كان ما دونه التاجر في دفتره الموقع عليه منه لصالحه، فإنه يجوز تجزئة ما ورد فيه على النحو السابق
.
ويكون دفتر التاجر حجة له خلافاً للأصل العام في الإثبات الذي يقضي بأن الشخص لا يجوز له أن يصطنع دليلاً لنفسه حتى لو كان تاجراً وحتى لو كانت دفاتره منتظمة، وقد أجاز المشرع ذلك في حالتين، الحالة الأولى : في الدعاوى التجارية ما بين تاجر وتاجر، وذلك وفقا لنص المادة 17 من التقنين التجاري، وفي هذه الحالة يجوز للقاضي اعتبار دفاتر التاجر دليلاً كاملاً لصالحه إذا توافرت ثلاثة شروط، أولها : أن يكون طرفاً الخصومة تاجرين. وثانيهما : أن يكون النزاع متعلقاً بعمل تجاري، وثالثهما : أن تكون دفتر التاجر الدائن منتظمة وعلى ذلك إذا كان النزاع بين تاجرين، ولكنه متعلق بعمل مدني کشراء التاجر سلعاً لاستعماله الشخصي فلا يصح إعتبار الدفاتر دليلاً كاملاً حتى ولو كانت منتظمة .
الحالة الثانية : في دعوى التاجر على غير التاجر بالنسبة إلى البيانات الواردة في دفتر التاجر عما ورد لغير التاجر، وفي هذه الحالة يشترط :
1- أن يكون محل الالتزام سلعة وردها التاجر لعميله غير التاجر .
2ـ أن يكون الالتزام مما يجوز إثباته بالبينة بالنسبة إلى العميل غير التاجر أي لا تجاوز قيمته خمسمائة جنيه .
3ـ أن يكتمل الدليل باليمين المتممة يوجهها القاضي إلى أي من الطرفين، فلا يجوز التكملة بالبينة أو بالقرائن، فإذا توافرت هذه الشروط، فالأخذ بهذا الدليل جوازي للقاضي كما أن القاضي أن يسمح لغير التاجر بنقض الدليل المستخلص ضده من دفاتر التاجر .
ويجوز للقاضي أن يسمح لغير التاجر أن يثبت عكس الدلالة المستفادة من دفتر التاجر بشهادة الشهود والقرائن مادام أن المبلغ المدعى به ضده قيمته لا تزيد على خمسمائة جنيه، وذلك وفقاً لما نصت عليه المادة غير أنه إذا أطرح القاضي دفاتر التاجر جاز له أن يأمر بالإثبات بالبينة ويقع على التاجر عباء إثبات ما يدعيه بشهادة الشهود ويصرح لخصمه أن ينفي ذلك بذات الطريق .
والمبدأ المقرر في المادة 17 من أن دفاتر التاجر لیست حجة على غير التاجر، لا يتعلق بالنظام العام فهو مقرر لمصلحة الخصم غير التاجر فيجوز له أن يقبل صراحة أو ضمناً أن تكون دفاتر التاجر حجة عليه .
وبالنسبة لكيفية تقديم التاجر لدفاتره، فهو إما أن يقدمها من تلقاء نفسه كدليل يثبت به دعواه سواء أكان مدعياً وأراد أن يثبت إدعاءه قبل الغير أم كان مدعى عليه وأراد إثبات التخلص من الدين المخاصم من أجله، فإذا قدمها مختاراً جاز لخصمه أن يتمسك بما ورد طبقاً للقواعد التي سبق أن وضحناها تفصيلاً، وإذا قدم التاجر دفاتره للخبير الذي ندبته المحكمة فإن ذلك يعد بمثابة تقديمها للمحكمة ولا يلزم بتقديمها لها من جديد اللهم إذا كان تقرير الخبير محل طعن ورأت المحكمة ضرورة اطلاعها بنفسها على الدفاتر. وفي حالة ما إذا لم يقدم التاجر دفاتره للمحكمة من تلقاء نفسه فيجوز لخصمه أن يطلب من المحكمة إلزامه بتقديمها وفقاً لنص المادتين 16، 18 من قانون التجارة أو في نطاق ما تخولها له المادة 20 إثبات. ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الأول، الصفحة : 208 )
ارتباط المادة (17) من قانون الإثبات بالمادة (70) من قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 (المعدل) :
ترتبط المادة (17) من قانون الإثبات بالمادة (70) من قانون التجارة الجديد.
ولذلك سنتناول بالشرح المادتين معاً.
والمادة الأخيرة تنص على أن :
يجوز قبول الدفاتر التجارية للإثبات في الدعاوى المقامة من التجار أو المقامة عليهم متى كانت متعلقة بأعمالهم التجارية، وذلك وفقاً للقواعد الآتية :
أ) تكون البيانات الواردة بالدفاتر حجة على صاحبها ومع ذلك لا يجوز لمن يريد أن يستخلص من هذه الدفاتر المطابقة لأحكام القانون دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد بها من بيانات .
ب) تكون البيانات الواردة بالدفاتر المطابقة لأحكام القانون حجة لصاحب هذه الدفاتر على خصمه التاجر، إلا إذا نقضها الخصم ببيانات واردة بدفاتره المطابقة لأحكام القانون أو أقام الدليل بأي طريق آخر على عدم صحتها .
ج) إذا كانت دفاتر كل من الخصمين مطابقة لأحكام القانون وأسفرت المطابقة بينها عن تناقض بياناتها، وجب على المحكمة أن تطلب دليلاً آخر .
د) إذا اختلفت البيانات الواردة بدفاتر الخصمين وكانت دفاتر أحدهما مطابقة لأحكام القانون ودفاتر الآخر غير مطابقة، فالعبرة بما ورد بالدفاتر المطابقة إلا إذا أقام الخصم الدليل على خلاف ما ورد بها.
ويسري هذا الحكم إذا قدم أحد الخصمين دفاتر مطابقة ولم يقدم الأخر أية دفاتر.
المقصود بدفاتر التجار المنصوص عليها بالمادة (17) من قانون الإثبات : المقصود بدفاتر التجار المنصوص عليها بالمادة (17) من قانون الإثبات الدفاتر التي ألزم قانون التجارة التجار بامسكها وذلك لتنظيم حسابات التجار والتيسير عليهم في الإثبات إذ نصت المادة 21 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 (المعدل علی أن: «على كل تاجر يجاوز رأس ماله المستثمر في التجارة عشرين ألف جنيه أن يمسك الدفاتر التي تستلزمها طبيعة تجارته وأهميتها وعلى وجه الخصوص دفترى اليومية والجرد بطريقة تكفل بيان مركزه المالى وما له من حقوق وما عليه من ديون متعلقة بالتجارة». فهذه المادة لم تبين الدفاتر التي يلزم التاجر بإمساكها بيان حصر وإنما أوردت مثالين لهذه الدفاتر هما : دفتر اليومية ودفتر الجرد وذلك عكس ما كان يفعل قانون التجارة القديم، ذلك أن هذا التحديد قد يقصر عن بلوغ الهدف في بعض الأحيان، وقد لا تبرره ظروف الإستغلال التجاري في أحيان أخرى.
ولذلك جعل الالتزام مرناً مع وضع بعض الضوابط التي تحكمه، فنقل عن القانون رقم 388 لسنة 1953 إلتزام التاجر بمسك الدفاتر التي تستلزمها طبيعة تجارته وأهميتها بطريقة تكفل بيان مركزه المالي بالدقة وبيان ماله وما عليه من الديون المتعلقة بتجارته .
غير أنه أوجب الإمساك بدفترين هما : دفتر اليومية ودفتر الجرد، جعلهما الحد الأدنى للدفاتر التي يلتزم التاجر بامساكها .
أما الدفاتر الأخرى، فتحديدها يتوقف على طبيعة التجارة وحجمها، فالدفاتر التي يجب على صاحب مصنع مسكها تختلف عن الدفاتر التي يمسكها تاجر يعمل في التصدير والإستيراد، وعن الدفاتر التي يمسكها تاجر بيع المنسوجات أو الملابس أو الأحذية كما تختلف عن الدفاتر التي تلتزم البنوك يمسكها. ويرجع في تحديد الدفاتر التجارية التي تستلزمها طبيعة التجارة وأهميتها إلى العرف المحاسبي السائد، بحيث يتعين على التاجر أن يمسك الدفاتر التي يمكن اعتبارها مرآة صادقة لنشاطه التجاري والتي تكشف عن حقيقة مركزه المالى وفقاً لأصول فن المحاسبة. وهي مسألة تقدرها محكمة الموضوع إذا قام نزاع أمامها بشأنها، ولها أن تستعين في ذلك بتقرير من خبراء المحاسبة والمراجعة، والعرف التجاري .
ويتبنى على ذلك أنه إذا كانت طبيعة وأهمية التجارة تحتاج إلى إمساك دفاتر أخرى غير دفترى اليومية والجرد تستلزمها ضرورة بيان المركز المالي للتاجر أو المشروع بالدقة المطلوبة فإن هذه الدفاتر الأخرى تصبح إلزامية وليست اختيارية .
ولذا يرى البعض عدم دقة تسمية الدفاتر التجارية الأخرى بالاختيارية فهي اختيارية فقط عندما لا تحتاجها طبيعة وأهمية التجارة، أما إذا كان حجم التجارة وطبيعتها تستلزم هذه الدفاتر فإنها تصبح إلزامية وتأخذ نفس حكم دفتري اليومية والجرد .
وقد أجازت الفقرة الثانية من المادة 22 من قانون التاجر التاجر استعمال دفاتر يومية مساعدة. ومن أهم الدفاتر التجارية التي يمسكها التاجر دفتر الأستاذ ودفتر التسويدة ودفتر المخزن (دفتر المشتريات والمبيعات ودفتر الخزانة (دفتر الصندوق، ودفتر الأوراق التجارية (دفتر أوراق القبض أو الدفع).
قبول الدفاتر التجارية في الإثبات :
أجازت المادة (70) قبول الدفاتر التجارية في الإثبات، إلا أن المشرع لم يشأ أن يسبغ على الدفاتر التجارية حجية كاملة في الإثبات لاحتمال صدور الغش من التاجر في تحريرها، ولأن إجازة الاستناد إلى الدفاتر في الإثبات تعتبر شذوذاً عن القواعد العامة .
ففي السماح للتاجر بالإستناد إلى الدفاتر التجارية التي يحررها مروق على القاعدة التي تقول بأنه لا يجوز لشخص أن يصطنع دليلاً لنفسه، وإلا أصبح من السهل على الشخص أن ينصب نفسه دائناً ولا يكلفه هذا سوى أن يدون بدفاتره مديونية من يشاء وفقاً لرغباته. وفي إجازة الاعتماد على الدفاتر الاستخلاص أدلة ضد التاجر شذوذ عن القاعدة التي تقضي بأنه لا يجوز إجبار شخص على تقديم دليل ضد نفسه؟. لهذا فرق الشارع بين فروض مختلفة ووضع لكل منها الحل الملائم، ونعرض لها فيما يلى :
الحالة الأولى :
حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة تاجر ضد تاجر :
يشترط لثبوت هذه الحجية توافر الشروط الثلاثة الاتية :
(1) - أن يكون النزاع بين تاجرين :
يشترط أن يكون النزاع بين تاجرين أي بمعنى أن يكون الخصم الآخر تاجراً، والحكمة من تطلب هذا الشرط تكمن في أنه طالما كان طرف النزاع تاجرين فإنهما يلتزمان على وجه المساواة بإمساك الدفاتر التجارية لتدوين جميع العمليات التي يقومان بها طالما تتعلق بشئون تجارتهما، وعلى ذلك يكون من السهل التحقق من صحة البيانات الواردة بدفاتر التاجرين عن طريق مضاهاة أو مقارنة دفاتر کل من الخصمين بدفاتر الآخر .
وهذا ما يبرر الخروج على القاعدة التي تقضي بأنه لا يجوز للشخص أن يصنع دليلاً لنفسه إذ طالما أن كلاً من الخصمين يمسك دفاتر تجارية تقيد بها جميع العمليات المتصلة بنشاطه التجاري تستطيع المحكمة أن تقارن القيود الواردة بدفاترهما .
ويترتب على ذلك أن الخصم غير التاجر، أو الخصم التاجر غير الملزم بمسك دفاتر تجارية (إذا كان رأس ماله المستثمر في التجارة لا يتجاوز عشرين ألف جنيه). لا يتمسك في مواجهته بما جاء بدفتر التاجر وذلك لعدم احتفاظه بدفاتر تجارية يمكن مضاهاتها بدفاتر خصمه التاجر .
على أن ذلك لا يمنع القاضي في مثل هذه الحالات أن يستند إلى ما جاء بدفاتر التاجر بوصفها قرائن تكملها أدلة أو مستندات أخرى .
(2) - أن يتعلق النزاع بعمل تجاري
يشترط أن يتعلق النزاع بعمل تجاري، وذلك بالنسبة لطرفي النزاع، كما لو باع التاجر بضاعة إلى تاجر آخر لأجل بيعها، أما إذا تعلق النزاع بعمل مدنى فلا يجوز للتاجر أن يحتج بدفاتره التجارية في الإثبات ضد خصمه غير التاجر، كما إذا اشتری التاجر سلعة لمنزله أو لاستعماله الشخصي فلا يجوز الإحتجاج بدفاتره التجارية. والحكمة في ذلك أنه - من ناحية - يؤخذ بمبدأ حرية الإثبات في المواد التجارية دون المدنية - ومن ناحية أخرى - فإن الدفاتر التجارية معدة أصلاً لإثبات البيانات المتعلقة بالنشاط التجاري، أما المسائل الأخرى التي تتصل بحياة التاجر فلا يرد ذكرها في دفاتره التجارية. إذ استقر العمل على أن مصروفات ومسحوبات التاجر الشخصية لا تذكر في الدفاتر التجارية إلا بطريقة إجمالية دون ذكر تفصيل مفرداتها بما يتعذر معه مقارنة دفاتر كل من التاجرين .
(3) - أن تكون الدفاتر التي يريد التاجر التمسك بها منتظمة :
لكي يستطيع التاجر أن يتمسك بدفاتره التجارية لابد أن تكون منتظمة. وتكون الدفاتر منتظمة إذا كانت مستوفاة للشروط الواردة بالمادة 25 من قانون التجارة والقانون رقم 388 لسنة 1953 فى شأن الدفاتر التجارية، فيجب أن تكون الدفاتر خالية من أي فراغ أو شطب أو محو أو كتابة في الهوامش أو بين السطور، وأن يرقم دفترا اليومية والجرد قبل استعمالهما، وأن يوقع كل صفحة مكتب السجل التجاري وأن يوضع على كل صفحة خاتم مكتب السجل مع بيان عدد صفحات الدفتر .
وإذا كانت دفاتر كل من التاجرين منتظمة، وجاءت بياناتها متطابقة، فلا صعوبة في الأمر إذ يكون تمسك التاجر ببيانات دفاتره على أساس سليم. وإذا كانت دفاتر كل من الخصمين منتظمة، وأسفرت المطابقة بينهما عن تناقض بياناتهما، وجب على المحكمة أن تطلب دليلاً آخر، فلا يكون للقاضى حرية الأخذ بأي من الدفترين في هذه الحالة. وفي هذا يقضى البند (ب) من المادة بأن تكون البيانات الواردة بالدفاتر المطابقة لأحكام القانون حجة الصاحب هذه الدفاتر على خصمه التاجر، إلا إذا نقضها الخصم ببيانات واردة بدفاتره المطابقة لأحكام القانون أو أقام الدليل بأي طريق آخر على عدم صحتها».
وتقضي الفقرة (ج) من المادة بأنه إذا كانت دفاتر كل من الخصمين مطابقة لأحكام القانون وأسفرت المطابقة بينهما عن تناقض بياناتها، وجب على المحكمة أن تطلب دليلاً آخر».
والمقرر أنه سواء كانت دفاتر التاجر منتظمة أم غير منتظمة، واستطاع خصم التاجر نقضها وإثبات عكسها ببيانات مقيدة بدفاتره المنتظمة أيضاً أو قدم أدلة أخرى على عدم صحتها، فإن دفاتر التاجر الذي يرغب في الإحتجاج بها لصالحه لا تكون حجة على خصمه التاجر .
وبمعنى آخر إذا كانت دفاتر كل من الخصمين التاجرين منتظمة ومع ذلك متناقضة أو قدمت أدلة عكسها فلا حجية لدفاتر الخصم على خصمه الآخر، ولا يلزم الخصم التاجر بأن يقدم دليلاً كتابياً يدحض ما جاء بالدفاتر التجارية، وإنما يكون له إثبات عكسها بكافة الطرق بشرط ألا يجزئ ما ورد في الدفاتر .
كما أن الاستدلال على التاجر بدفاتره التجارية ليس حقاً مقرراً لخصمه التاجر واجباً على المحكمة إنالته إياه متى طلبه، بل إنه أمر جوازى للمحكمة .
الحالة الثانية :
حجية الدفاتر التجارية في الإثبات لمصلحة التاجر ضد غير التاجر :
رأينا أن الأصل العام يقضي بأنه لا يجوز للشخص سواء كان تاجراً أو غير تاجر أن يصنع دليلاً لنفسه، ولكن المشرع التجاري خرج عن هذا الأصل العام بصفة استثنائية إذا كان النزاع بين تاجر وتاجر وأعطى للتاجر الحق في التمسك بما دون في دفاتره التجارية ضد خصمه التاجر وقيد هذا الحق بتوافر شروط معينة - عرضنا لها فيما تقدم - وقد رأينا مبرراً للخروج على هذه القواعد العامة في أن كلا الخصمين على قدم المساواة ويحتفظ كل منهما بدفاتر تجارية يلتزم بأن تكون مطابقة للقانون .
أما إذا كان الشخص غير تاجر، فإنه لا يكون لديه دفاتر تجارية تتضمن بيانات يمكنه الإستناد إليها، ومن ثم فإنه يجب الرجوع إلى الأصل العام وهو عدم جواز صنع الشخص دليلاً لنفسه .
وقد نصت على ذلك المادة 17 من قانون الإثبات بقولها: دفاتر التاجر لا تكون حجة على غير التاجر»، وهذا النص لم يلغ بصدور القانون التجاري الجديد لأنه لا يتعارض مع أحكامه ويظل سارياً طبقاً للمادة الأولى من قانون إصدار القانون التجاري الجديد .
غير أن المشرع راعى أن التاجر قد يبيع سلعة لعملائه ولا يتسلم ثمنها، وإنما يثبت ثمن البيع في دفاتره على أن يحاسب العميل ويقوم بالسداد على فترات دورية، كأن يدفع ما عليه - غالباً - كل أول شهر. وفي هذه الحالات الغالبة في العمل لا يملك التاجر دليلاً ضد عميلة سوى ما قيده في دفتره التجاري، ومن ثم فقد استجاب الشارع لهذا الوضع العملي وأورد إستثناء على الأصل العام سالف الذكر في الفقرة الأولى من المادة 17 من قانون الإثبات فبعد أن نص فيها على أن دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار أردف «غير أن البيانات المثبتة فيها عما ورده التجار تصلح أساساً يجيز القاضي أن يوجه اليمين المتممة إلى أي من الطرفين وذلك فيما يجوز إثباته بالبينة» .
فيشترط لإعمال هذا النص توافر الشروط الآتية :
1) أن تكون البيانات المثبتة بالدفاتر التجارية - والدفاتر التى يقصدها القانون في الدفاتر المنتظمة - متعلقة بتوريدات أي بضائع وردها التاجر إلى غير التاجر كالحاجات الشخصية أو المنزلية وغيرها. أما إذا كانت البيانات متعلقة بأمر آخر كقرض قدمه التاجر لعميله، فلا يجوز أن يكون دفتر التاجر فيما أثبت به من بيانات حجة على عميله غير التاجر .
2) أن يكون الدين المقيد بالدفتر مما يجوز إثباته بشهادة الشهود، إما لأن قيمته لا تجاوز ألف جنيه (م60 من قانون الإثبات)، أو تجاوز هذا القدر ويوجد مانع مادي أو أدبى يحول دون الحصول على دليل كتابى (م 63 من قانون الإثبات)، كما لو كان العميل قريبا للتاجر، أو يتعامل مع التاجر منذ زمن بعيد وهناك ثقة متبادلة بينهما، أو كان العميل من ذوي المراكز الاجتماعية المرموقة .
3) أن يكمل القاضى ما دون بالدفاتر التجارية باليمين المتممة .
فالمشرع لم يعط الدفاتر التجارية حجية مطلقة في الإثبات، وجعل الأمر جوازي للقاضي، إن شاء اعتمد على هذه الدفاتر كأساس في الإثبات وإن شاء طرحها جانباً واعتمد على غيرها من الأدلة .
فإذا إعتمد القاضي على هذه الدفاتر، فإنها لا تصلح دليلاً كاملاً في الإثبات وإنما تعتبر مجرد أساس يجوز للقاضي تعزيزه بأن يوجه اليمين المتممة إلى التاجر أو إلى خصمه على السواء .
فإذا إنتهى القاضى إلى أن دفاتر التاجر منظمة ودلالتها قوية ومعبرة عما جاء بها ومال إلى الفصل في النزاع لمصلحة التاجر فإنه يوجه له اليمين المتممة لإكتمال اقتناعه. ولكن إذا كان القاضي لم يقتنع بدفاتر التاجر ومال إلى جانب المدعى عليه غير التاجر فإنه يوجه اليمين المتممة إلى الأخير حتى يمكنه رفض دعوى التاجر إلا أنه لا يجوز للقاضى تكملة الدليل المستخلص من الدفتر بالشهادة أو القرائن.
وتوجيه اليمين جوازي للمحكمة لا للخصوم، فلا يجوز للخصم أن يطلب من القاضي توجيهها.
وعلى هذا نصت المادة 119 من قانون الإثبات بقولها : «للقاضي أن يوجه اليمين المتممة من تلقاء نفسه إلى أي من الخصمين ليبني على ذلك حكمه في موضوع الدعوى أو في قيمة ما يحكم به».
الحالة الثالثة :
حجية الدفاتر التجارية في الإثبات ضد التاجر :
تنص الفقرة (أ) من المادة (70) على أن: «تكون البيانات الواردة بالدفاتر حجة على صاحبها».
وتنص الفقرة الثانية من المادة 17 من قانون الإثبات على أن: «وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار... الخ» - وهذه الفقرة باقية لم تلغ بصدور قانون التجارة الجديد لعدم تعارضها مع أحكامه إعمالاً للمادة الأولى من قانون إصداره التي تقضي بإلغاء كل حكم يتعارض مع أحكام هذا القانون .
وهذان النصان وإن وردا على خلاف الأصل الذي يقضي بأن الشخص لا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه، إلا أنه يبررها أن التاجر يجرى البيانات الثابتة بدفاتره التجارية إما بنفسه وإما عن طريق تابعه، ومن ثم فإن ما قيده التاجر بدفاتره يعد حجة عليه، لأن في قيده لتصرف معين بدفاتره باختياره وإرادته إنما أقر بوجود هذا التصرف والإلتزام الناشئ عنه في ذمته، لذلك كان ما يقيده التاجر في دفتره من التزامات إقراراً كتابياً صادراً من التاجر صاحب الدفتر .
وقد جاء نص الفقرتين سالفتي الذكر مطلقاً، لم يفرق بين الدفاتر المنتظمة وغير المنتظمة ولم يشترط أن يكون الدفتر منتظماً إلا لعدم تجزئة مضمون ما جاء به كما سنرى والقول بغير ذلك يؤدي إلى أن يستفيد التاجر من خطئه، وهذا لا يجوز لتعارضه مع مبدأ حسن النية والثقة فى التعامل والائتمان الذي يسود العلاقات التجارية. فضلاً عن تعارضه مع هدف المشرع من إلزام التاجر يمسك الدفاتر التجارية الذي يرمي إلى تنظيم مهنته التجارية وبث الثقة والائتمان سواء كان التعامل بين التاجر وتاجر آخر أو بين فرد مدنی .
وإذ كانت البيانات الواردة بدفتر التاجر تعتبر بمثابة إقرار صادر منه على صحة هذه البيانات، فإنه ينبغي أن تطبق على البيانات الواردة بدفاتر التاجر القواعد الخاصة بالإقرار، وبصفة خاصة القاعدة التي تقرر أنه لا تجوز تجزئة البيانات الواردة بالإقرار التي تنص عليها المادة 104 من قانون الإثبات بقولها: «الإقرار حجة قاطعة على المقر. ولا يتجزأ الإقرار على صاحبه إلا إذا انصب على وقائع متعددة وكان وجود واقعة منها لا يستلزم حتماً وجوده في الوقائع الأخرى». وبالتالي يكون للغير أن يعتمد على دفاتر التاجر كلية أو ينبذها كلية، فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلاً لنفسه، أن يجزئ ما ورد فيها فيأخذ منها ما يؤيد دعواه ويستبعد منها ما كان مناقضاً لدعواه، فإذا قيد التاجر في دفتر اليومية مثلاً أنه باع بضاعة إلى أحد الأشخاص وأنه لم يستوف الثمن، فلا يستطيع أن يستند على دفتر التاجر بالنسبة لشق العملية الأول دون الثاني فيطالب التاجر بالبضاعة استناداً إلى ثبوت البيع في الدفتر، ونبذ الشق الآخر الذي يتعلق بأنه لم يدفع الثمن فهو بالخيار بين أن يتمسك بما ورد في الدفتر کاملاً أو أن يطرحه كاملاً ويقدم دليلاً آخر .
وقد رأينا أن يشترط لإعمال قاعدة عدم تجزئة الإقرار أن تكون دفاتر التاجر منتظمة، أما إذا كانت غير منتظمة جاز للقاضي أن يجزئ الإقرار وأن يأخذ بما يطمئن إليه من البيانات تاركاً ما يرى عدم صحته دون تقيد في ذلك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار. فعدم انتظام الدفاتر التجارية قرينة على عدم صحة ما ورد فيها كله أو بعضه .
وكما أوضحنا سلفاً فإن قوة الدفاتر التجارية في الإثبات ليست مطلقة بل تترك دائماً لتقدير القاضي الذي له أن يعتد بها وفقاً الظروف الدعوى. فللقاضي أن يستخلص الدليل من دفتر التاجر سواء كان منتظماً أو غير منتظم، ومع ذلك فللتاجر أن يثبت عكس ما ورد في دفاتره وذلك بكافة طرق الإثبات فله أن يثبت خطأها بأن قيدها وقع عن خطأ أو فسادها بأن يثبت أن القيد وقع قبل إتمام العملية نهائياً. وبالجملة فإن له أن يثبت بكافة الطرق ما يكون قد وقع فيه عن خطأ أو سهو .
مدى حجية الدفاتر التجارية غير المنتظمة في الإثبات :
رأينا أن المادة 17 من قانون الإثبات والمادة 70 من قانون التجارة الجديد تشترطان لثبوت الحجية في الإثبات الدفاتر التجارية أن تكون هذه الدفاتر منتظمة بمعنى أن تستوفي الشروط التي نص عليها القانون رقم 388 لسنة 1953 الخاص بالدفاتر التجارية. وهو ما يستفاد منه أن الدفاتر التجارية غير المنتظمة لا يكون لها أي حجية في الإثبات. والحكمة من حرمان التاجر من الإستفادة بما ورد بدفاتره غير المنتظمة واضحة في حث التجار على الاهتمام بتنظيم دفاترهم التجارية حتى تكون عوناً لهم في إثبات معاملاتهم التجارية .
ومع هذا رأينا أن المشرع لم يهمل كلية حجية الدفاتر التجارية غير المنتظمة إذ يجوز طبقاً للمادة 2/17 من قانون الإثبات والمادة 70 / أ من قانون التجارة الجديد اعتبار البيانات الواردة بالدفتر حجة على صاحبها سواء كانت منتظمة أو غير منتظمة بإعتبار أن قيد التاجر لهذه البيانات في دفاتره هو نوع من الإقرار بها، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد بها من بيانات، ويعني هذا بمفهوم المخالفة أنه تجوز التجزئة إذا كانت الدفاتر غير منتظمة. ذلك أن عدم إنتظام الدفاتر التجارية قرينة على عدم صحة ما ورد فيها كله أو بعضه، وللقاضی مطلق الحرية في الأخذ أو عدم الأخذ بها .
الاستدلال بدفاتر الخصم التجارية :
تنص المادة (88) من قانون التجارة الجديد على أن :
1) يجوز للمحكمة بناء على طلب الخصم أو من تلقاء ذاتها أن تأمر التاجر بتقديم دفاتره إليها لاستخلاص ما يتعلق بالنزاع المعروض عليها. وللمحكمة أن تطلع على الدفاتر بنفسها أو بواسطة خبير تعينه لذلك .
2) لا يجوز للمحكمة أن تأمر التاجر بإطلاع خصمه على دفاتره إلا في المنازعات المتعلقة بالتركات ومواد الأموال المشاعة والشركات .
3) تسلم الدفاتر في حالة الإفلاس أو الصلح الواقي منه للمحكمة أو لأمين التفليسة أو لمراقب الصلح .
4) إذا امتنع التاجر دون عذر مقبول عن تقديم دفاتره للإطلاع عليها جاز للمحكمة اعتبار ذلك قرينة على صحة الوقائع المطلوب إثباتها .
ونعرض فيما يلي لتفصيل ذلك.
طريقة الاطلاع على الدفاتر التجارية :
يتم الاطلاع على الدفاتر التجارية بإحدى طريقتين التقديم والاطلاع : والمقصود بالتقديم هو قيام المحكمة بالاطلاع على الدفاتر التجارية بنفسها أو بواسطة خبير تندبه لذاك.
أما الاطلاع فهو أن تأمر المحكمة بتسليم الدفاتر إلى الخصم للإطلاع عليها. ونعرض لهاتين الطريقتين بالتفصيل فيما يلي :
أولاً التقديم :
يجوز للمحكمة تكليف التاجر بتقديم الدفاتر التجارية الخاصة بتجارته لاستخلاص ما يتعلق بالنزاع المعروض أمامها .
ويتم هذا التكليف إما من المحكمة من تلقاء نفسها وإما بناء على طلب خصم التاجر، ويكون ذلك بناء على حكم يصدر من المحكمة .
ويحسن بالمحكمة أن تدقق في ظروف الدعوى، فلا تصدر حكمها بتقديم الدفاتر التجارية إلا إذا حامت الشكوك حول حقيقة الحق المدعى به. فإذا كانت عناصر الدعوى تنبئ عن وهمية هذا الحق أو إذا أبانت عن ثبوته وتأكيده، فلا محل للحكم بتقديم الدفاتر، إذ تستطيع المحكمة في كلتا الحالتين أن تستشف الحقيقة بغير الإستعانة بها .
وطلب الخصم من المحكمة إلزام خصمه بتقديم دفاتره التجارية للإطلاع عليها والذي تلتزم المحكمة بالرد عليه هو الطلب الذي يقدم إليها في صيغة صريحة جازمة، تدل على تصميم صاحبه عليه .
ويجب على الخصم أن يعين في طلبه المسائل التي يبغى إثباتها بهذه الدفاتر، فلا يكفي طلبه الاطلاع على الدفاتر ليتمكن من إبداء دفاعه في الدعوى. والمحكمة غير ملزمة بإجابة الخصم إلى طلبه، إذا رأت عدم وجود حاجة لذلك على النحو الذي أوضحناه في سلطة المحكمة في الاطلاع. والدفاتر التي يلتزم التاجر بتقديمها إلى المحكمة الدفاتر الإلزامية وحدها وهي دفتر اليومية والجرد والدفاتر الأخرى التي تستلزمها طبيعة تجارته وأهميتها، دون الدفاتر الاختيارية إلا إذا قدمها التاجر بإرادته ذلك أنها تعد أوراقاً شخصية له .
ويجوز الحكم على التاجر بتقديم دفاتره سواء كان خصمه تاجراً أم غير تاجر وسواء كان النزاع متعلقاً بعمل تجاري أم بعمل مدنی، وسواء كانت الدعوى مرفوعة أمام محكمة تجارية أو مدنية .
ويحصل إطلاع على المحكمة على الدفاتر بنفسها أو بواسطة خبير تندبه لذلك - وهذا هو الغالب - وذلك بحضور التاجر صاحب الدفتر وتحت إشرافه في الحالتين .
وإذا كانت الدفاتر التجارية المطلوب تقديمها في مكان بعيد عن دائرة المحكمة المعروض عليها النزاع، جاز للمحكمة أن تطلب من أقرب محكمة الاطلاع على الدفاتر المذكورة فتقوم المحكمة بهذا الاطلاع وتحرر تقريراً بذلك ترسله إلى المحكمة التي تفصل في النزاع .
وتتقيد المحكمة أو الخبير المنتدب بالاطلاع على القيود المتعلقة بالموضوع المتنازع فيه وحده دون غيره من القيود إلا إذا اقتضت الضرورة ذلك، كما إذا ارتبطت هذه القيود بقيود سابقة أو يكون التاجر صاحب الدفتر قد حاول تجهيل إثبات البيانات المطلوبة في الدفتر .
إلا أنه لا يجوز تسليم الدفاتر إلى الخصم لإجراء البحث المطلوب حتى لا يتمكن من الاطلاع على أسرار خصمه .
ثانياً : الاطلاع :
المقصود بالاطلاع إجبار التاجر على التخلي عن دفاتره وتسليمها لخصمه ليبحث فيها عن الأدلة التي تؤيد دعواه، وللخصم في سبيل هذا الغرض الاطلاع على الدفتر بأكمله .
ولم ينص قانون التجارة على كيفية حصول الاطلاع، ومن ثم فإنه يكون قد ترك للمحكمة التي تنظر الدعوى تحديد كيفية حصوله .
وعلى ذلك يجوز للمحكمة أن تأمر بتسليم الدفتر للخصم مقابل إيصال أو بإيداعه قلم كتاب المحكمة ليطلع الخصم عليه ، أو بتسليمه لشخص آخر ليتم الاطلاع لديه أو تأمر بأن يتم الاطلاع في محل التاجر ذاته .
ولما كان إطلاع الخصم على دفاتر التاجر فيه إفشاء أسراره ويضر بسمعته التجارية فقد حرصت التشريعات على الحد من الحالات التي يسمح فيها للخصم بالاطلاع على الدفاتر التجارية .
وقد سار المشرع المصري في هذا الإتجاه، وقصرت المادة 28 الاطلاع على الدفاتر التجارية على المنازعات المتعلقة بالتركات ومواد الأموال المشاعة والشركات. ونعرض لهذه الحالات التي يجوز فيها الاطلاع تفصيلاً فيما يلي :
1- المنازعات المتعلقة بالتركات :
يقصد بالتركات الأموال التي تؤول إلى أكثر من شخص بطريق الميراث أو الوصية، فإذا توفي التاجر، جاز لكل وارث أو موصى له بحصة من تركته أن يطلب الاطلاع على دفاتر التاجر إذا كانت بحوزة أحد الورثة حتى يستطيع تحديد طبيعة ومدى الحقوق التي آلت إليه من التاجر طالما كانت الدفاتر لازمة لهذا التحديد .
2 - المنازعات المتعلقة بمواد الأموال المشاعة :
كانت المادة 16 من القانون التجارة الملغي تنص على أنه لا يجوز للمحكمة من غير المنازعات التجارية أن تأمر بالاطلاع على الدفترين المتقدم ذكرهما ولا على دفتر الجرد إلا في مواد الأموال المشاعة.... الخ».
وقد قصر جانب من الفقه عبارة (مواد الأموال المشاعة) على حالة التاجر أو التاجرة الذي تزوج بمقتضى نظام اختلاط الأموال، وكان محله التجاري يدخل في الذمة المشتركة، فمتى انحلت رابطة الزوجية بالوفاة أو الطلاق، وجبت تصفية هذه الذمة. فإذا شجر خلاف بشأن القسمة، كان الزوج الذي لا يحوز دفاتر المحل - أو أورثته في حال وفاته - أن يطلب من المحكمة الإذن له بتسليم الدفاتر والاطلاع عليها ليقرر نصيبه من هذه الذمة. وذلك استناداً إلى أن لفظ الذي استخدمه كل من القانون الفرنسي والنص الفرنسي للقانون المصري يقتصر عادة على حالة الذمة المشتركة عن الزواج بمقتضى نظام اختلاط الأموال، خصوصاً وأن الاطلاع في ذاته استثناء فيجب عدم التوسع في تفسيره .
وقد نادى بعض الفقهاء بهذا الرأي في ظل قانون التجارة الجديد. إلا أن رأياً أخر ذهب - بحق - في ظل القانون الملغى والقانون الجديد - إلى الأخذ بعموم النص، وبأن المقصود بالأموال المشاعة أن يملك أثنان أو أكثر شيئاً غير مفرزة حصة كل منهم فيه طبقاً للمادة 825 مدني .
وبالتالي يجوز طلب الاطلاع من كل مالك على الشيوع یرید إطلاع على الدفاتر الخاصة بهذا المال والتي في حيازة مشاع أخر ، كأن يتعلق النزاع بقسمة أموال مشتركة بين عدد من التجار نتيجة اشتراكهم على الشيوع في شرائها، أو نتيجة إختلاط الأموال بين الزوجين .
3- المنازعات المتعلقة بالشركات :
يقصد بالمنازعات المتعلقة بالشركات كل ما يتعلق بخلافات الشركاء بسبب صفتهم كشركاء في الشركة أياً كان شكل الشركة أو طبيعة نشاطها كالخلاف على توزيع الأرباح أو توزیع موجودات الشركة على الشركاء بمناسبة تصفيتها أو حلها فلكل شريك في الشركة أن يطالب بقية الشركاء بحقه في الاطلاع على دفتر الشركة لتحديد حقوقه في مواجهة الشركة والشركاء .
وقد ورد النص على ذلك أيضاً بالمادة 519 من القانون المدني التي تقضي بأن : «الشركاء غير المديرين ممنوعين من الإدارة ولكن يجوز لهم أن يطلعوا بأنفسهم على دفاتر الشركة ومستنداتها، وكل اتفاق على غير ذلك باطل».
ويقتصر هذا الحق على الشركاء المتضامنين والشركاء الموصين في شركات التوصية البسيطة والشركاء عموماً في شركات المحاصة. أما الشركاء المساهمون سواء في شركات المساهمة أو في شركات التوصية بالأسهم فلا يجوز لهم طلب الاطلاع على دفاتر الشركة بسبب كثرة عددهم وما ينتج من تدخلهم في شئون الإدارة من ضرر بليغ للشركة واحتمال إذاعة أسرارها. ولا يثبت حق الاطلاع في هذا النوع من الشركات إلا لهيئة المراقبين. ومع ذلك يجوز للمحاكم استثناء أن تأمر للشريك المساهم بالاطلاع على دفاتر الشركة متى كانت له مصلحة جدية في هذا الاطلاع، وهي مسألة موضوعية يترك تقديرها للمحكمة المعروض عليها الأمر .
وحق الاطلاع قاصر على الشركاء أنفسهم دون دائني الشركة طالما أن الشركة لم يشهر إفلاسها، كما لا يجوز لدائني الشركاء الشخصيين الاطلاع على دفاتر الشركة .
حالة الإفلاس :
إذا حكم بشهر إفلاس التاجر لتوقفه عن دفع ديونه التجارية إثر اضطراب أعماله المالية (مادة 1/550 من قانون التجارة الجديد).
جاز للمحكمة أن تأمر بالاطلاع على دفاتر التاجر لمعرفة أصوله وخصومه تمهيداً لتحديد نصيب كل دائن عند قسمة أموال المفلس .
كما يجوز لأمين التفليسة الاطلاع على جميع دفاتر المفلس لأنه لا يستطيع مباشرة مهمته على الوجه الأكمل إلا بمراجعة هذه الدفاتر مراجعة دقيقة .
ويجوز للمحكمة الاطلاع على هذه الدفاتر إذا ما تقدم التاجر بطلب الصلح الواقي من الإفلاس مع دائنيه ، حتى يستطيع الوقوف على توافر شروط الصلح وما إذا كان التاجر يستطيع تنفيذ الالتزامات الناشئة عن عقد الصلح من عدمه .
ويجوز لأمين الصلح الاطلاع على هذه الدفاتر حتى يتمكن من إيداع التقرير المبين بالمادة 752 من قانون التجارة، وهو تقرير عن حالة المدين المالية وأسباب اضطرابها... إلخ .
غير أنه لا يجوز للدائنين بصفتهم الشخصية طلب تسليم الدفاتر التجارية للإطلاع عليها .
وواضح أنه في الحالات الثلاث الأولى تنتفي حكمة الحفاظ على أسرار التاجر بالنسبة لخصمه لأن هذا الخصم بدوره يحرص على الحفاظ على هذه الأسرار فهى مشتركة بينهما .
أما في الحالة الأخيرة وهي حالة الإفلاس فإن المشروع التجارى يكون قد انهار بأسره ولم يعد فيه سر .
أما في ظل قانون التجارة الملغي فكانت تنص المادة 16 منه على أنه : «لا يجوز للمحكمة في غير المنازعات التجارية أن تأمر بالاطلاع على الدفترين المتقدم ذكرهما ولا على دفتر الجرد إلا في مواد الأموال المشاعة أو مواد التركات وقسمة الشركات وفي حالة الإفلاس» - والمعنى المباشر للنص هو أن الاطلاع جائز في جميع المنازعات التجارية وأن حصر الحالات المذكورة هو بالنسبة للمنازعات المدنية، وهذا المعنى لم يقل به المشرع الفرنسي الذي نقل عنه واضعو المادة .
ورغم نقد الفقه لهذا النص، إلا أنه لم يملك سوى التسليم به إزاء صراحته، وقد تلافي المشرع في القانون الجديد ما كان يعيب نص المادة 16 من القانون القديم سالفة الذكر .
هل يجوز للقضاء المستعجل ندب خبير للاطلاع على الدفاتر التجارية؟
لا يملك القضاء المستعجل ندب خبير للاطلاع على دفاتر الخصوم لأن الفصل في هذا الطلب يستوجب مبدئياً التحقق من جدية النزاع القائم بين الطرفين الأمر الذي يستتبع حتماً ترجيح كفة أحدهما على الآخر وهو الأمر الممنوع على القضاء المستعجل . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الثاني، الصفحة : 615 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 124 ، 125
(مادة 88) :
1- دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار ، غير أن البيانات المثبتة فيها عما ورده التجار يسري عليها قواعد الإثبات المقررة في هذا القانون .
2- وتكون دفاتر التجار حجة على هؤلاء التجار ، ولكن إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة فلا يجوز لمن يريد أن يستخلص منها دليلاً لنفسه أن يجزئ ما ورد فيها ، ويستبعد منه ما كان مناقضاً لدعواه .
( م (397) مدني مصري ، و(17) إثبات مصري ، و(1608) من المجلة ، و(20) سوداني ، و(14) سوري ) .
المذكرة الإيضاحية :
1- الأصل جواز التمسك بدفاتر التاجر قبله ، بإعتبار أنها من قبيل الأوراق غير الموقع عليها ، التي تصدر من جانب واحد ، وأن وجوب إمساكها روعيت فيه مصلحة التاجر نفسه بيد أنه لا يجوز للتاجر أن يستند إلى هذه الدفاتر كدليل لإثبات الإلتزام قبل من يتعاقد معه من غير التجار ؛ إذ من الممتنع أن يصطنع الإنسان دليلاً لنفسه وقد قصد من إلزام التاجر بإمساك هذه الدفاتر (دفتر اليومية ، ودفتر صور الخطابات (الكوبيا) ، ودفتر الجرد حسب م (11) و (12) و (13) من تقنين التجارة المصري) ، واشتراط ترقيمها وتأشير الموظفين المختصين على أوراقها إلى رعاية مصلحة المشتغلين بالتجارة .
2- تقضي الفقرة الأولى بأن دفاتر التجار لا تكون حجة على غير التجار وتخضع البيانات المثبتة فيها الخاصة بها يوردونه للقواعد العامة في الإثبات، ومن أهمها قاعدة ((البينة على المدعي واليمين على من أنكره المنصوص عليها في المادة الثالثة من المشروع )) .
3- أما التاجر فتعتبر دفاتره حجة عليه ، منتظمة كانت أو غير منتظمة ؛ لأنها بمثابة إقرار صادر منه ، ويتفرع على ذلك وجوب تطبيق القواعد المتعلقة بالإقرارات في هذا الشأن، ولا سيما قاعدة إمتناع تجزئة الإقرار متى كانت دفاتر التاجر منتظمة أما إذا كانت هذه الدفاتر غير منتظمة فللقاضي أن يقدر مضمونها ، دون أن يتقيد في ذلك بقاعدة عدم جواز تجزئة الإقرار وقد استظهر المشروع هذا الحكم بإضافة عبارة: «إذا كانت هذه الدفاتر منتظمة». إلى نص الفقرة الثانية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 22
دَلِيلٌ
التَّعْرِيفُ:
الدَّلِيلُ لُغَةً: هُوَ الْمُرْشِدُ وَالْكَاشِفُ، مِنْ دَلَلْتُ عَلَى الشَّيْءِ وَدَلَلْتُ إِلَيْهِ.
وَالْمَصْدَرُ دُلُولَةٌ وَدَلاَلَةٌ، بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَضَمِّهَا. وَالدَّالُّ وَصْفٌ لِلْفَاعِلِ.
وَالدَّلِيلُ مَا يُتَوَصَّلُ بِصَحِيحِ النَّظَرِ فِيهِ إِلَى الْعِلْمِ بِمَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ وَلَوْ ظَنًّا، وَقَدْ يَخُصُّهُ بَعْضُهُمْ بِالْقَطْعِيِّ.
وَلِذَلِكَ كَانَ تَعْرِيفُ أُصُولِ الْفِقْهِ بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ» جَارِيًا عَلَى الرَّأْيِ الأَْوَّلِ الْقَائِلِ بِالتَّعْمِيمِ فِي تَعْرِيفِ الدَّلِيلِ بِمَا يَشْمَلُ الظَّنِّيَّ؛ لأَِنَّ أُصُولَ الْفِقْهِ الَّتِي هِيَ أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةِ تَشْمَلُ مَا هُوَ قَطْعِيٌّ، كَالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْمُتَوَاتِرَةِ، وَمَا هُوَ ظَنِّيٌّ كَالْعُمُومَاتِ وَأَخْبَارِ الآْحَادِ وَالْقِيَاسِ وَالاِسْتِصْحَابِ. وَمِنْ هُنَا عَرَّفَهُ فِي الْمَحْصُولِ وَفِي الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّهُ: «طُرُقُ الْفِقْهِ»؛ لِيَشْمَلَ الْقَطْعِيَّ وَالظَّنِّيَّ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الأَْمَارَةُ:
الأَْمَارَةُ فِي اللُّغَةِ: الْعَلاَمَةُ وَزْنًا وَمَعْنًى - كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ - وَهِيَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ: مَا أَوْصَلَ إِلَى مَطْلُوبٍ خَبَرِيٍّ ظَنِّيٍّ.
وَلَمْ يُفَرِّقِ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ الأَْمَارَةِ وَالدَّلِيلِ. وَعِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ: الأَْمَارَةُ مَا يُؤَدِّي النَّظَرُ الصَّحِيحُ فِيهِ إِلَى الظَّنِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَقْلِيًّا أَمْ شَرْعِيًّا. أَمَّا الْفُقَهَاءُ فَالأَْمَارَاتُ الْعَقْلِيَّةُ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ كَذَلِكَ.
ب - الْبُرْهَانُ:
الْبُرْهَانُ: الْحُجَّةُ وَالدَّلاَلَةُ، وَيُطْلَقُ خَاصَّةً عَلَى مَا يَقْتَضِي الصِّدْقَ لاَ مَحَالَةَ. وَهُوَ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ مَا فَصَلَ الْحَقَّ عَنِ الْبَاطِلِ، وَمَيَّزَ الصَّحِيحَ مِنَ الْفَاسِدِ بِالْبَيَانِ الَّذِي فِيهِ.
ج - الْحُجَّةُ:
الْحُجَّةُ: الْبُرْهَانُ الْيَقِينِيُّ، وَهُوَ مَا تَثْبُتُ بِهِ الدَّعْوَى مِنْ حَيْثُ الْغَلَبَةُ عَلَى الْخَصْمِ.
وَالْحُجَّةُ الإِْقْنَاعِيَّةُ، هِيَ الَّتِي تُفِيدُ الْقَانِعِينَ الْقَاصِرِينَ عَنْ تَحْصِيلِ الْمَطَالِبِ بِالْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَرُبَّمَا تُفْضِي إِلَى الْيَقِينِ بِالاِسْتِكْثَارِ
الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ:
الأَْدِلَّةُ الْمُثْبِتَةُ لِلأَْحْكَامِ نَوْعَانِ: مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ. فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ وَهِيَ: الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، الَّتِي تَرْجِعُ إِلَيْهَا أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ كَثِيرٌ جَمَعَهَا الْقَرَافِيُّ فِي مُقَدِّمَةِ الذَّخِيرَةِ، مِنْهَا: الاِسْتِحْسَانُ، وَالْمَصَالِحُ الْمُرْسَلَةُ، وَسَدُّ الذَّرِيعَةِ، وَالْعُرْفُ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَغَيْرِهَا وَيُقْصَدُ بِالأَْحْكَامِ: الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الْخَمْسَةُ: الْوُجُوبُ، وَالنَّدْبُ، وَالإِْبَاحَةُ، وَالْكَرَاهَةُ، وَالْحُرْمَةُ. وَالأَْحْكَامُ الْوَضْعِيَّةُ: كَالشَّرْطِ، وَالْمَانِعِ، وَالسَّبَبِ وَنَحْوِهَا.
الدَّلِيلُ الإِْجْمَالِيُّ وَالدَّلِيلُ التَّفْصِيلِيُّ:
عَرَّفَ الأُْصُولِيُّونَ أُصُولَ الْفِقْهِ لَقَبًا بِأَنَّهُ «أَدِلَّةُ الْفِقْهِ الإِْجْمَالِيَّةُ» مِنْ حَيْثُ إِنَّ مَوْضُوعَهُ الأَْدِلَّةُ الإِْجْمَالِيَّةُ، وَهِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ وَالْقِيَاسُ، وَهِيَ الأَْدِلَّةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ أَدِلَّةٍ مُخْتَلَفٍ فِيهَا إِلاَّ أَنَّهَا تَرْجِعُ إِلَى الأَْرْبَعَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ الاِسْتِحْسَانُ، وَالاِسْتِصْحَابُ، وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالاِسْتِصْلاَحُ. وَعِلْمُ أُصُولِ الْفِقْهِ يَبْحَثُ فِي إِثْبَاتِ حُجِّيَّةِ الأَْدِلَّةِ وَطُرُقِ دَلاَلَتِهَا عَلَى الأَْحْكَامِ.
وَالدَّلِيلُ إِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا، وَإِنْ نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ حَيْثُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنَ الأَْحْكَامِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا. وَمِثَالُ ذَلِكَ قوله تعالي وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ. فَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ، وَأَنَّ الأَْمْرَ يُفِيدُ الْوُجُوبَ، كَانَ دَلِيلاً إِجْمَالِيًّا.
وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهُ أَمْرٌ يَتَعَلَّقُ بِوُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى وَجْهِ الْخُصُوصِ كَانَ دَلِيلاً تَفْصِيلِيًّا.
الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ وَالدَّلِيلُ الظَّنِّيُّ:
تَنْقَسِمُ الأَْدِلَّةُ السَّمْعِيَّةُ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْ حَيْثُ الثُّبُوتُ وَالدَّلاَلَةُ:
قَطْعِيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي لَمْ يُخْتَلَفْ فِيهَا، كَقَوْلِهِ تَعَالَى ( تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ).
وَقَطْعِيُّ الثُّبُوتِ ظَنِّيُّ الدَّلاَلَةِ، كَبَعْضِ النُّصُوصِ الْمُتَوَاتِرَةِ الَّتِي يُخْتَلَفُ فِي تَأْوِيلِهَا.
وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ قَطْعِيُّ الدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ ذَاتِ الْمَفْهُومِ الْقَطْعِيِّ.
وَظَنِّيُّ الثُّبُوتِ وَالدَّلاَلَةِ، كَأَخْبَارِ الآْحَادِ الَّتِي مَفْهُومُهَا ظَنِّيٌّ.
وَرَتَّبَ أُصُولِيُّو الْحَنَفِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ ثُبُوتَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ دَلِيلِهِ:
فَبِالْقِسْمِ الأَْوَّلِ يَثْبُتُ الْفَرْضُ، وَبِالْقِسْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ، وَبِالْقِسْمِ الرَّابِعِ يَثْبُتُ الاِسْتِحْبَابُ وَالسُّنِّيَّةُ.
وَهَذَا التَّقْسِيمُ جَارٍ عَلَى اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ. وَيُنْظَرُ فِي تَفْصِيلِ مَا تَقَدَّمَ: الْمُلْحَقُ الأُْصُولِيُّ فِي مَوَاضِعِهِ. وَكَذَلِكَ مُصْطَلَحُ: «اسْتِدْلاَل» «وَتَرْجِيح».

