مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 398 الملغاة من القانون المدني المقابلة للمادة 18 من قانون الإثبات:
1- صاغ المشروع هذه المادة على مثال المادة 1331 من التقنين الفرنسي، والمادة 1330 من التقنين الإيطالي، والمادة 2439 من التقنين البرتغالى، والمادة 1228 من التقنين الإسباني، والمادة 438 من التقنين المراكشي، والمادة 1918 من التقنين الهولندي، والمادة 287 من المشروع الفرنسي الإيطالي. وليس يقتصر نطاقها على الدفاتر، بل يتناول كذلك الأوراق المنزلية، أي المحررات الخاصة المتعلقة بغير التجار، كدفاتر الحساب والأجندات والمذكرات. ولا يلزم آحاد الناس، عرفاً أو قانوناً، بتدوين حساباتهم في دفاتر أو أوراق، على نقيض ما تقدم بشأن التجار. وبديهي أن إنتفاء هذا الإلزام لا يتيح بوجه من الوجوه إعتبار هذه الأوراق وتلك الدفاتر طريقة من طرق الإثبات، بل ولا يتيح الإستعانة بها، بوصفها مبدأ ثبوت بالكتابة لصالح من حررها. ولذلك نصت الفقرة الأولى من المادة 533 من المشروع على أن الدفاتر والأوراق المنزلية لاتكون حجة لمن صدرت منه، أما حجيتها عليه فقد تكفلت ببيانها الفقرة الثانية من هذه المادة، وقدرتها على حالتين على سبيل الحصر .
2- ومع ذلك فليس ثمة ما يحول دون اعتداد القاضي بالدفاتر والأوراق التي تقدمت الإشارة إليها، بإعتبارها قرائن تضاف إلى وثائق أخرى أو عناصر أدلة سبق تقديمها، وفقاً للقواعد العامة بشأن الإثبات بالقرائن .
وقد عرضت الفقرة الثالثة من المادة 1918 من التقنين الهولندي لهذا الوضع بالتحديد، فقضت بأن (للقاضي فيما عدا ذلك من الأحوال أن يحكم بما يقضي به القانون).
ولم ير وجه لإيراد نص مماثل لأنه لا يعدو أن يكون مجرد تطبيق للقواعد العامة .
1- مفاد المواد 1/14 ، 18 ، 61 من قانون الإثبات أن إعتبار المحرر العرفى دليلاً كاملاً بما تضمنه من إقرارات هو أن يكون موقعاً عليه ممن أصدره ، وحينئذ يغنى من كانت الإقرارات لصالحه عن تقديم دليل أخر يؤيدها ، ويلقى عبء إثبات عكسها على من وقع المحرر .
(الطعن رقم 2138 لسنة 52 جلسة 1986/03/06 س 37 ع 1 ص 302 ق 66)
2- مناط إعتبار الدليل الكامل ذا حجية مطلقة - أى مانعة أصلاً من إثبات ما يخالفه أو يجاوزه بغير الكتابة - هو أن يكون قد تم تسليمه برضاء من أصدره إلى المستفيد منه ، أما إذا كان المحرر فى حوزة من أصدره أو إنتقل بغير رضاه إلى المتمسك به فإنه يظل فى حكم الورقة المنزلية .
(الطعن رقم 2138 لسنة 52 جلسة 1986/03/06 س 37 ع 1 ص 302 ق 66)
3- الأصل فى الدفاتر غير التجارية وسائر الأوراق المنزلية أن صدورها بخط أو توقيع صاحبها لا يجعل منها دليلاً ضده ، وأن جاز إعتبارها قرينة لا تقوم بذاتها بل تضم إلى غيرها فى الأحوال التى تقبل الإثبات بالقرائن ، إلا أنه فى الحالتين الإستثنائيتين الواردتين فى المادة 18 إثبات تكون الورقة المنزلية دليلاً كاملاً ضد من أصدرها كافياً بذاته لإثبات ما تضمنته من قرارات ، إلا أن حجيته فى الإثبات ليست مطلقة ، وبالتالى يحق لمن صدرت منه الورقة وخلفائه إثبات عكس ما جاء بها بكافة طرق الإثبات كأن يثبت أن ما دون بها صدر عن خطأ أو تلاه من الوقائع ما غير أو عدل مضمونه أو أنه كان مجرد أعداد مسبق لمشروع تعامل لم يتم .
(الطعن رقم 2138 لسنة 52 جلسة 1986/03/06 س 37 ع 1 ص 302 ق 66)
4- الإستدلال بالدفاتر التجارية ليس حقاً مقرراً للتاجر بحيث تلتزم المحكمة بإجابته إليه بل أن الشأن فيه - بحسب نص المادة 17 من قانون التجارة - أنه أمر جوازى للمحكمة إن شاءت قبلته وإن شاءت أطرحته والقاعدة أن كل أمر يجعل القانون فيه للقاضى خيار الأخذ والترك فلا حرج عليه إن مال لجانب دون الآخر من جانبى الخيار ولا يمكن الإدعاء عليه فى هذا بمخالفة القانون ، لما كان ذلك ، وكانت محكمة الإستئناف - إستجابة لطلب البنك الطاعن - قد أصدرت حكمها بتاريخ 1971/2/16 بإعادة المأمورية إلى الخبير لمراجعة كشوف الحساب المقدمة من البنك على القيود الثابتة بدفاتره فإن هذا لا يعنى أنها قد قطعت فى إعتماد هذه الدفاتر كدليل فى الدعوى ولا عليها إن هى أطرحت هذه الدفاتر بعد ذلك ولم تعول عليها كدليل فى الإثبات عند قضائها فى موضوع الدعوى .
(الطعن رقم 610 لسنة 45 جلسة 1983/03/28 س 34 ع 1 ص 806 ق 168)
الدفاتر والأوراق المنزلية :
إذا قام شخص بتدوين بيانات في مذكرة أو دفتر أو ورقة في منزله، فإن هذه الكتابة رغم أنها غير موقعة تكون دليل إثبات ضده في حالتين :
أ- إذا أفادت أنه قد استوفى ديناً. فهی عندئذ دليل على الوفاء. ووفقاً للمادة 18 ق. الإثبات، يجب أن يذكر الوفاء صراحة، فلا يستفاد ضمناً .
ب- إذا أثبتت ديناً لشخص فإنها تعتبر دليلاً على هذا الدين. وهنا أيضاً توجب المادة 18 ق. إثبات أن يذكر الدائن «صراحة أنه قصد بما دونه «... أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقاً لمصلحته». وفي الحالتين، تكون الدفاتر والأوراق المنزلية دليلاً سواء كتبت بخط صاحبها أو بخط غيره، ذلك أنها – بطبيعتها - في حيازته. على أنه نظراً لأن هذه الكتابة غير موقعة، فإنه يمكن إثبات عكس مضمونها بكافة طرق الإثبات .
ولأن هذه الدفاتر والأوراق المنزلية تكون دليلاً - في الحالتين المشار إليها - ضد من يحتفظ بهما ؛ فلا يمكن التمسك بها إلا حيث يجوز إلزام شخص بتقديم دليل ضد نفسه وفقاً لما سيلي بيانه، أو حيث يجرى نقلها في محضر رسمي . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني، الصفحة : 152 )
ويتبين من هذه النص أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون بوجه عام حجة لصاحبها. ولكنها قد تكون حجة عليه. فعندنا مسائل ثلاث :
1- ما هى الدفاتر والأوراق المنزلية .
2- الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون حجة لصاحبها .
3- الدفاتر والأوراق المنزلية قد تكون حجة على صاحبها .
ما هى الدفاتر والأوراق المنزلية : الدفاتر والأوراق المنزلية تشمل ما ألف الناس تدوينه فى مذكرات خاصة عن شؤونهم المالية والمنزلية : ما قبضوه أو دفعوه من مال، وما أنفقوا على معيشتهم، وما قاموا به من ضروب التعامل، وما ارتبطوا به من التزامات، وما لهم من حقوق عند غيرهم وما عليهم من ديون، وما ينوون القيام به من أعمال ومشروعات .
وليس لهذه الدفاتر والأوراق المنزلية شكل خاص أو أغراض معينة أو أسماء معروفة كما رأينا ذلك فى دفاتر التجار. ولا يلتزم أحد بتدوين هذه الدفاتر والأوراق أو بحفظها كما يلتزم التجار بإمساك الدفاتر التجارية على النحو الذي بيناه .
فتارة تكون الأوراق المنزلية دفاتر كاملة منظمة كدفاتر الحساب، وهذه تبعث عادة على الإطمئنان عند تقدير قوتها في الإثبات. وطوراً تكون فى صورة " أجندات " ويوميات. وأخرى تكون فى صورة مذكرات بعضها يكتب فى دفاتر وبعضها فى أوراق منثورة. وهذه الدفاتر والأوراق قد تكون موقعة من صاحبها، والغالب ألا تكون موقعة. والأصل أن صاحبها يكتبها بخطه، ولكن قد يعهد فى كتبابتها إلى أمين سر خاص أو إلى كاتب فى خدمته. وقد تكتب بالمداد أو بالرصاص أو بالآلة الكاتبة. والبارز فى شأنها أنها دفاتر وأوراق خاصة كتبها صاحبها، دون أن يتقيد بشكل معين، محتفظاً بها للرجوع إليها عند الاقتضاء .
الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون حجة لصاحبها : والأصل أن أحداً لا يستطيع أن يصطنع دليلاً لنفسه. ومن ثم لا تكون هذه الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لصاحبها، إذ هى صادرة منه. بل هى لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة لمصلحته، لأنها غير صادرة من خصمه. فإذا قدم الدائن دليلاً على حقه دفتراً منزلياً أثبت فيه هذا الحق، أو قدم المدين دليلاً على براءة ذمته من الدين ورقة منزلية أثبت فيها أنه وفى به، فلا يجوز أن يؤخذ هذا دليلاً لا على وجود الحق ولا على براءة الذمة ، بل لا يجوز اعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة كما قدمنا. ويترتب على ذلك أن المدين إذا دفع بتقادم الدين ، فلا يجوز لدائنه أن يتمسك بإنقطاع التقادم بحجة أنه أثبت فى أوراقه المنزلية أن المدين كان يقوم بدفع أقساط الدين أو بدفع فوائده مما يعد إعترافاً بالدين قاطعاً للتقادم .
على أنه قد يقع أن يكون ما دون فى الأوراق المنزلية قرينة قضائية على صحة إدعاء الدائن، كما لو كان طبيباً واعتاد أن يدون فى مذكراته الخاصة على نحو منظم ما يقوم به من زيارات للمرضى، ولو فيما يجاوز نصاب البينة لقيام المانع الأدبى. ولا تعدو القرينة هنا أن تكون قيمة قضائية يؤخذ بها أو لا يؤخذ، وهى على كل حال قابلة لإثبات العكس. ثم إنه يجوز أن يقبل الخصم الإحتكام برضاه إلى ما دون في مذكرات خصمه وأوراقه المنزلية، فإذا كانت هذه المذكرات والأوراق قد دونت بقدر كاف من العناية والدقة جاز أن تكون دليلاً لصاحبها .
وليس فى كل ما قدمناه إلا تطبيق للقواعد العامة لا حاجة فيه إلى نص. ولم يشتمل التقنين القديم ولا التقنين الجديد على نص في ذلك. فالأحكام في هذه المسألة واحدة في ظل التقنيين .
الدفاتر والأوراق المنزلية قد تكون حجة على صاحبها :
إما أن تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة على صاحبها، فهذا جائز من ناحيتين :
ناحية تطبيق القواعد العامة وناحية وجود نص خاص يقضى بذلك .
ولكن قد نتساءل - قبل الدخول فى هذه التفصيلات - كيف يتأتى أن يبرز الشخص دفاتر وأوراقاً منزلية تكون حجة عليه، وهو لا يجبر أن يقدم دليلاً على نفسه؟ يحدث ذلك، بحكم القانون، فى الحالات التى يجوز فيها للخصم إلزام خصمه بتقديم أية ورقة منتجة فى الدعوى تكون تحت يده. ويتحقق هذا فى حالة ما إذا كانت الأوراق المنزلية مشتركة بين الخصمين كما هو الأمر فى التركات والشركات، وفى حالة ما إذا كان الخصم قد استند إليها فى أية مرحلة من مراحل الدعوى م 20 من قانون الاثبات. ويحدث ذلك أيضاً، بحكم الواقع، فى محضر حصر التركة، إذ يدون فى المحضر عادة ما ورد من بيانات فى دفاتر المورث وأوراقه المنزلية عما له من حقوق وما عليه من ديون وعن بعض التفصيلات التى تتعلق بتركته. وفى غير ذلك لا يجوز إلزام الشخص بتقديم دفاتره وأوراقه المنزلية أو الأمر بالإطلاع عليها، كما جاز فى دفاتر التجار على ما رأينا .
فإذا تقدمت الأوراق المنزلية إلى القضاء عن طريق من الطرق المتقدمة، فإن القواعد العامة تقضى بأن ما ورد فيها من البيانات قد يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ضد صاحبها إن كانت قد كتبت بخطه. وقد يعتبرها القضاء دليلاً كاملاً إذا كانت تحمل توقيع صاحبها وكانت لا تدع مجالاً للتشكيك في صحتها. فالأمر متروك لتقدير القضاء، إذ قد لا يطمئن القاضى إلى حجية ورقة منزلية لم تعد للإثبات وقد وقعها صاحبها على عجل أو عن خطأ أو قبل أن يتم الأمر الذى ورد البيان فى شأنه. وفى كل هذا لا فرق ما بين التقنين الجديد والقديم .
ولكن التقنين الجديد استحدث - فوق ما تقدم ذكره - نصاً يقضى بأن الدفاتر والأوراق المنزلية تكون حجة على من صدرت منه فى حالتين :
1- إذا ذكر فيها صراحة أنه استوفى ديناً .
2- وإذا ذكر صراحة أنه قصد بما دونه فى هذه الأوراق أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقاً لمصلحته .
والجديد فى هذا النص أنه ليس من الضرورى أن تكون الأوراق وفى هاتين الحالتين تحمل توقيع صاحبها، وإلا جاز أن يكون ذلك دليلاً كاملاً بالتطبيق للقواعد العامة من غير حاجة إلى نص خاص. بل ليس من الضرورى أن تكون هذه الأوراق مكتوبة بخط صاحبها، ويكفى أن تكون مكتوبة بخط أمين سره أو كاتب عنده أو مدير لأعماله، بل قد تكون مكتوبة بخط المدين الذى كتب البيان لصالحه إذا كان قد فعل ذلك تحت بصر الدائن وبموافقته. وبالرغم من أن الأوراق غير موقعة ولا مكتوبة بخط صاحبها، فهى تصلح مع ذلك أن تكون دليلاً كاملاً ضده بإستيفاء الدين أو بالمديونية. وهذا هو وجه الإستثناء من القواعد العامة، ومن ثم قامت الحاجة إلى نص خاص ينشئ هذا الحكم .
ولابد فى تطبيق هذه الإستثناء من أن يذكر صاحب الأوراق صراحة أنه استوفى الدين إذا كان دائناً، أو أنه قصد أن يعترف بدين عليه لا يوجد به سند فى يد الدائن وأن تقوم الأوراق مقام هذا السند غير الموجود إذا كان مديناً. ولا يكفى أن يفهم ذلك ضمناً من البيان الذى يكتبه ولو كان موقعاً منه. وإذا ذكر صراحة أنه استوفى الدين، ثم محا ما كتبه أو شطبه بحيث أصبح غير مقروء، فإن حجية البيان تزول. أما إذا بقى البيان المشطوب مقروءاً، فإنه يستمر حافظاً لحجيته. وهذا بخلاف البيان الذى يذكر فيه صاحبه صراحة أنه يعترف بدين عليه وقد قصد أن تقوم الأوراق مقام السند، فإن محو هذا البيان أو شطبه يزيل حجيته، سواء أصبح البيان غير مقروء أو بقى مقروءاً. والفرق بين الحالتين أن الإعتراف بالدين أمر ذو خطر، فأى محو أو شطب يلحقه يكفى لإزالة حجيته حتى لو بقى مقروءاً بعد المحو أو الشطب. وإذا كان البيان المكتوب تتعارض أجزاؤه وينقض بعضها بعضاً، كان على القاضى أن يفسره بما يزل هذا التعارض . ولا تجوز تجزئة البيان والأخذ بجزء منه دون جزء، فإذا جاء فى البيان أن الدائن قد استوفى الدين مقاصة فلا يجوز أن يتمسك المدين بأن الدين قد إستوفى نقداً، بل يجب أن يستبعد البيان بجملته ويتقدم لإثبات أنه وفى الدين نقداً .
على أن الحجية التى أضفاها القانون على البيان الوارد فى الأوراق المنزلية ليست مطلقة. بل يجوز لصاحب هذه الأوراق أن يثبت أن البيان الوارد فيها غير صحيح، وأنه إنما كتب خطأ أو قبل أن يتم الأمر الذى ورد البيان فى شأنه أو نحو ذلك. ويجوز إثبات ذلك بجميع الطرق، حتى بالبينة أو بالقرائن. ولا يقال هنا إنه لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة، فإن البيان المكتوب ليس ورقة عرفية موقعة ولم يعرض مقدماً للإثبات، فيجوز إثبات عكسه بغير الكتابة. وسنعود إلى هذه المسألة بتفصيل أوفى . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني المجلد الأول، الصفحة : 378 )
وإعمال هذا النص نادر في التطبيق العملي ذلك لأنه يقرر إستثناء من القواعد العامة أن تكون الدفاتر المنزلية حجة على أصحابها في الحالتين المذكورتين في المادة وإذن لا يتصور أن يتقدم بها هو نفسه لتكون حجة على نفسه وإنما قد يكون محل تطبيقها عند الوفاة وحصر التركة إذ عندئذ قد تنكشف من بين أوراق المتوفى ما قد يفيد من تعامل معه وحتى في هذه الحالة يصعب أن تصل هذه الأوراق إليه ولا يتصور الإلزام بتقديمها عملاً بالمادة 20 من قانون الإثبات لعدم توافر شروط ذلك وواضح من النص أن الدفاتر المنزلية «المفكرات والأجندات» لا تكون بأي حال من الأحوال حجة لصاحبها إذ لا يجوز للشخص أن يصطنع دليلاً بنفسه وواضح أيضاً أنها لا تكون حجة عليه إلا في الحالتين المذكورتين في المادة وبعدئذ يستوي أن تكون بخطه أو بخط أحد أقاربه أو بخط سكرتير خاص ويفترض بداهة ألا تكون الأوراق موقعة ممن صدرت عنه وألا أصبحت بمثابة أوراق عرفية لها دليل كامل في الإثبات ولا ينبغي تجزئه البيان المدون فيها فأما أن يؤخذ بأكمله وأما أن يطرح بأكمله ويجوز أن تستكمل الدلالة المستفادة منه بالبينة والقرائن ويجوز دحضهما بهما أيضاً. (الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية ص 125) . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الأول، الصفحة : 324 )
الدفاتر والأوراق المنزلية تشمل ما ألف الناس تدوينه في مذكرات خاصة عن شئونهم المالية والمنزلية، وليس لها شكل خاص أو أغراض معينة أو أسماء معروفة ولا يلزم أحد بتدوينها أو بحفظها والأصل أنها لا تكون حجة لصاحبها لأن أحداً لا يستطيع أن يصطنع دليلاً لنفسه على أنه قد يقع أن يكون ما دون في الأوراق المنزلية قرينة قضائية على صحة ادعاء الدائن وتقديرها متروك للمحكمة، وهذا تطبيق القواعد العامة غير أنها تكون حجة على صاحبها في الحالتين المنصوص عليهما في المادة وليس من الضروري أن تحمل الأوراق توقيع صاحبها، والأصح أن يكون ذلك دليلاً كاملاً على أن الحجية التي أضفاها القانون على البيان الوارد في الأوراق المنزلية ليست مطلقة، بل يجوز لصاحب هذه الأوراق أن يثبت بكافة الطرق بما فيها البينة والقرائن أن البيان الوارد فيها غير صحيح .
والأصل أن الشخص لا يجبر على تقديم دليل ضد نفسه غير أن الخصم قد يجبر على تقدير الدفاتر والأوراق المنزلية في الحالات التي يجوز فيها للخصم إلزام خصمه بتقديم ورقة تحت يده إذا توافرت الشروط المنصوص عليها في المادة 20 من قانون الإثبات، وقد يحدث ذلك بحكم الواقع عند حصر تركة أو جردها إذ يدون في المحضر عادة ما ورد من بيانات في دفاتر المورث وأوراقه المنزلية عما له من حقوق وما عليه من ديون . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الأول، الصفحة : 217 )
المقصود بالدفاتر والأوراق المنزلية :
المقصود بالدفاتر والأوراق المنزلية، المحررات الخاصة المتعلقة بغير التجار والتي قد يحتفظ بها الشخص في منزله كدفاتر الحسابات والأجندات والمذكرات، وهذه الدفاتر والأوراق يحتفظ بها الشخص دون إلزام من القانون أو العرف .
وهناك شبه إلى حد ما بين الدفاتر التجارية وبين الدفاتر والأوراق المنزلية، إذ في الدفاتر التجارية يدون التاجر ما يتعلق بتجارته ، كما أنه في الدفاتر والأوراق المنزلية يدون الشخص ما يتعلق بأعماله الخاصة. ولكن فرق بين هذه وتلك، فثقة المشرع بالدفاتر والأوراق المنزلية أدنى بكثير من ثقته بدفاتر التجار، وهذا معقول لأن هذه الأخيرة يتوفر لها من الأوضاع والضمانات ما لا يتوافر للأولى، ولهذا كان التفاوت كبيراً بين هذين النوعين من أوراق فيما يتعلق بالحجية .
لا حجية للدفاتر والأوراق المنزلية لصاحبها :
الأصل أن أحد لا يستطيع أن يصطنع دليلاً لنفسه. ولما كانت الدفاتر والأوراق المنزلية صادرة من صاحبها فإنها لا تكون حجة له . كما أنها لا تكون مبدأ ثبوت بالكتابة لمصلحته لأنها غير صادرة من خصمه .
وإذا أثبت الدائن بدفاتره أو أوراقه أن مدينه دفع له جزءاً من الدين، فلا يجوز للدائن التمسك بانقطاع التقادم بحجة أنه يعد إعترافاً بالدين قاطعاً للتقادم. لأن هذا الإعتراف عمل من جانبه .
تكون الدفاتر والأوراق المنزلية حجة لصاحبها إستثناء في حالتين :
ذكرنا في البند السابق أن الدفاتر والأوراق المنزلية لا تكون بحسب الأصل حجة لصاحبها، غير أن المادة أوردت على هذا الأصل إستثنائين، إذ ذكرت حالتين تكون لهذه الدفاتر والأوراق فيهما حجية على من صدرت منه، نعرض لهما فيما يلي :
الحالة الأولى :
إذا ذكر في الدفاتر والأوراق المنزلية أن الشخص استوفى ديناً :
ذلك أنه لا يعقل أن شخصاً يدون هذا في مذكراته دون أن يكون قد استوفى دينه وهذا منه بمثابة إقرار .
ويجب أن يؤخذ استيفاء الدين هنا بالمعنى الواسع فهو يتضمن أي وفاء مبرئ للذمة، كأن يوفي الدين بدفع مبلغ من النقود، أو بثمن مبيع، أو بأجر كان يستحقه، كما ينطبق على أي سبب من أسباب براءة الذمة، كالمقاصة والتجديد .
ويلاحظ أن ذكر استيفاء الدين في مذكرات الدائن الخاصة يختلف في دلالته عن المخالصة التي توجد بين أوراقه فهذه المخالصة مفروض فيها أن تسلم إلى المدين، فبقاؤها بين أوراق الدائن يؤخذ منه أنها حررت إنتظاراً لوفاء لم يتم أما ذكر استيفاء الدين في المذكرات الخاصة فالمعقول بالنسبة إليه أنه لا يصدر من الدائن إلا بعد تمام الوفاء. ويعدل ذكر استيفاء الدائن أن يكون الدائن قد شطب الكتابة التي يقول فيها إن له ديناً في ذمة المدين .
وإذا ذكر الدائن أنه استوفى ديناً ثم شطب ما كتبه، وكانت الكتابة ما تزال تقرأ، فإننا نكون أمام دلالتين متعارضتين ترجح منهما دلالة الكتابة .
إذ يعتبر الشطب أنه قد أجرى لمنع المدين من الاحتجاج بما كتب ولكن يبقى للدائن أن يثبت بجميع الطرق أن الشطب صحيح .
الحالة الثانية :
أن يذكر صراحة أنه قصد بما دونه في الدفاتر والأوراق المنزلية أن تقوم مقام السند لمن أثبتت حقاً لمصلحته :
وهذه الحالة قليلة الوقوع في الحياة العملية إذ يندر أن شخصاً يداين آخر دون أن يطلب سنداً بحقه، وإذا حصل الوفاء فالغالب ألا يعطى الدائن مخالصة، وإنما يكتفي بإرجاع سند الدين إلى المدين. وقد بعدم المدين السند دون أن يتنبه إلى شطب ما كتبه في مذكراته عن دين في ذمته ولهذا اشترط القانون أن يكون ما كتبه المدين في مذكراته صريحاً في أن هذه الكتابة أريد بها أن تكون سنداً للدائن .
ولا يشترط في الحالتين السابقتين أن تحمل الأوراق توقيع صاحبها، وإلا جاز أن يكون ذلك دليلاً كاملاً بالتطبيق للقواعد العامة من غير حاجة إلى نص بل ليس من الضروري أن تكون هذه الأوراق مكتوبة بخط صاحبها، ويكفي أن تكون مكتوبة بخط أمين سره أو كاتب عنده أو مدير أعماله، بل قد تكون مكتوبة بخط المدين الذي كتب البيان لصالحه، إذا كان قد فعل ذلك تحت بصر الدائن وبموافقته .
فما دام تدوين البيانات قد تم برضاء صاحب الأوراق، فإنها تكون لها حجيتها .
مدى حجية الدفاتر والأوراق المنزلية في الحالتين الإستثنائيين :
الحجية التي أضفاها القانون على البيانات الواردة بالدفاتر والأوراق المنزلية في الحالتين سالفتي الذكر ليست مطلقة، لأن القانون قد أضفى هذه الحجية على إعتبار أن ما ورد بها يكون بمثابة إقراره. ويترتب على ذلك أن من يتمسك بما جاء في هذه الدفاتر والأوراق لا يمكنه أن يجزئ ما جاء فيها فيأخذ ما ينفعه ويترك ما يضره، وإنما يتعين عليه أن يأخذها مجملة كما هی، وهذا هو مقتضى قاعدة عدم تجزئة الإقرار .
كما يستطيع من صدرت منه هذه البيانات أن يثبت عكس ما ورد فيها، كأن يثبت مثلاً أنها حررت عن غلط منه أو إنتظاراً لوفاء أو لغرض لم يتم . ويجوز إثبات ذلك بكافة الطرق حتی بشهادة الشهود والقرائن، ولا يقال هنا إنه لا يجوز إثبات ما يخالف الكتابة إلا بالكتابة، لأن هذه الأوراق ليس موقعاً عليها من المدين ولم تعد مقدماً للإثبات .
إمكان إستخلاص قرينة من الدفاتر والأوراق المنزلية :
في غير الحالتين الإستثنائيتين الواردتين بالنص، يمكن للقاضي أن يستخلص من الدفاتر والأوراق المنزلية قرينة ضد من صدرت منه، وفقاً للقواعد العامة في الإثبات أي يجوز للقاضي أن يتخذ منها قرينة موضوعية كلما جاز له الأخذ بشهادة الشهود والقرائن .
تقديم الدفاتر والأوراق المنزلية إلى القضاء :
سنرى أنه لا يجوز إلزام شخص بأن يقدم مستند ضد نفسه، سيما إذا كان هذا المستند دفاتر أو أوراقاً منزلية خاصة به .
غير أن المادة (20) من قانون الإثبات أجازت للخصم أن يطلب إلزام خصمه بتقديم أي محرر منتج في الدعوى يكون تحت يده في حالات ثلاث هي :
1) إذا كان القانون يجيز مطالبته بتقديمه أو تسليمه .
2) إذا كان مشتركاً بينه وبين خصمه، ويعتبر المحرر مشترکاً على الأخص إذا كان المحرر لمصلحة الخصمين أو كان مثبتاً لالتزاماتهما وحقوقهما المتبادلة .
3) إذا استند إليه خصمه في أية مرحلة من مراحل الدعوى .
وهذه الدفاتر والأوراق تكون مشتركة بين الخصمين، كما هی الحال في التركات والشركات، أو يكون صاحبها قد استند إليها في الدعوى، ففي هاتين الحالتين يجوز للخصم أن يطلب إلزام صاحبها بتقديمها . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الثاني، الصفحة : 652 )

