مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 399 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 19 من قانون الإثبات :
1- ليس في هذه المادة من جديد إذا قورنت بما يقابلها في التقنينات الأجنبية . فلأحكامها نظير في المادة 1332 من التقنين الفرنسي ، والمادة 1331 من التقنين الإيطالي ، والمادة 2438 من التقنين البرتغالى ، والمادة 1920 من التقنين الهولندي ، والمادة 1228 من التقنين الكندي . وقد نصت المادة 230 / 295 من التقنين المصري والمادة 439 من التقنين المراكشي ، على هذه الأحكام ذاتها ، مع تحفظ ، قوامه إباحة إقامة الدليل العكسی .
2- وقد جرت العادة بأن يؤشر الدائن بالوفاء الجزئي أو الكلى على سند الدين ويستبقيه في حيازته ( الفقرة الأولى ) أو بأن يؤشر بذلك على نسخة أصلية أخرى من هذا السند ، أو على مخالصة تكون في يد المدين ( الفقرة الثانية ) .
ويراعى أن المشروع قد عنى في النص باستظهار ما يقصد بكلمة نسخة ، فليس يقصد بها مجرد صورة أخرى من سند الدين ، وإنما شفعت هذه الكلمة بنعت «أصلية» تعييناً لدلالة المقصود .
وعلة الإعتداد بالتأشير المتقدم ذكره في الإثبات ، أن الدائن في الحالة الأولى يدلی بإقرار غير قضائي ، لا يمكن إستبعاده من السند الذي يتقدم به لإستيداء حقه ، وأن ما يصدر من الدائن في الحالة الثانية يكون في الواقع بمثابة مخالصة تبقى في يد المدين .
3- ويراعى أن المشروع لا يتطلب توافر أي شرط شكلى في مثل هذا التأشير فهو لا يشترط بیان تاريخ التحرير أو وضع توقيع الدائن ، وهو لا يشترط إيراده في مكان معين من السند أو النسخة الأصلية أو المخالصة ، فقد ورد في ذيل الورقة أو على هامشها أو في ظهرها . بيد أنه يشترط لتوافر حجية التأشير أو قوته في الإثبات أن يكون مكتوبة بخط الدائن في الحالتين اللتين يواجهما النص ، وأن يظل سند الدين في يد الدائن في الحالة الأولى ، وفي يد المدين في الحالة الثانية . والواقع أن من صور الغش ما يتيسر وقوعه في الحالة الأولى لو دخل سند الدين في يد المدين ، إذ يسهل عليه تزوير التأشير ، وكذلك الشأن لو سلم الدائن السند لوکیل فوضه في استيفاء الدين ، فهو يؤشر على هذا السند بالتخالص قبل أن يسلمه لوكيله ، ويقوم هذا برده إليه مما سبق أن دون فيه من تأشيرات ، فما إذا تخلف المدين عن الوفاء عند المطالبة. ولذلك إشترط المشروع في هذه الحالة أن يكون السند قد بقي في يد الدائن ، ولم يخرج منها قط ، فإذا ادعى أن السند خرج من يده ، وقع عليه عبء إقامة الدليل على صحة هذه الدعوى. وقد يتصور في الحالة الثانية أن يكون الدائن قد سلم المخالصة لوكيل مفوض في استيفاء الدين . ولما كان من واجب مثل هذا الوكيل أن يرد إلى الموكل المخالصة التي تسلمها إذا لم يتم له إستيفاء الدين ، فالمفروض أن الدائن يحتفظ بهذه المخالصة لأنه لم يستوف حقه من المدين ، ولهذه العلة اشترط المشروع أن تظل النسخة الأصلية أو المخالصة في يد المدين .
على أن تخلف أحد الشرطين المتقدمين لا يجعل التأشير خلواً من كل فائدة ، فللمدين مثلاً أن ينتفع منه بوصفه مبدأ ثبوت بالكتابة ، متى كان محرراً بخط الدائن. ولم يروجه للنص صراحة على هذا الحكم ، لأنه لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة .
4- ويراعى أن التأشير تقتصر حجيته على الدائن وحده ، ولا يجوز أن ينهض دليلاً لصالحه على وجه الإطلاق ، إذ من الممتنع على ذى الشأن أن يصطنع دليلاً لنفسه ثم إن هذه الحجية لا تتوافر إلا إذا قصد من التأشير إلى إثبات براءة ذمة المدين ، أما ما عدا ذلك ما يؤشر به على سند الدين ، فلا تكون له حجية في الإثبات إلا في حدود القواعد العامة . ومتى تحدد المقصود من التأشير على هذا الوجه ، اعتبر حجة ما جاء فيه (إلى أن يثبت العكس) .
وقد نهج المشروع في إباحه إقامة الدليل العكسي نهج التقنين الراهن ( المادة 230 / 295 ) والتقنين المراكشي ( المادة 439 ) مراعياً في ذلك أن تأشير الدائن لا يعتبر قرينة قاطعة على براءة الذمة ، بل يكون لهذا الدائن أن يثبت أن ما أشر به قد صدر عن غلط منه .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 534 من المشروع واقترح تعديل الفقرة الأولى منها تعديلاً يستفاد منه عدم ضرورة صدور الكتابة من يد الدائن نفسه ، وبهذا تكون العبرة بمجرد التأشير ، ويعتبر بقاء السند في حيازة الدائن قرينة على أنه هو الذي كتب التأشير أو الذي أمر بكتابته فهو على كلا التقديرين صادر منه. فوافقت اللجنة على ذلك، وأثيرت مسألة شطب التأشير سواء كان الدائن قد وقعه أو لم يوقعه ، وقد رئي ترك الحكم للقواعد العامة .
ثم اقترح معالي السنهورى باشا تعديل الفقرة الثانية تعديلاً يجعل المعنى أوضح فوافقت اللجنة وأصبح النص النهائى للمادة ما يأتي :
1- التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس ولو لم يكن التأشير موقعاً منه ما دام السند لم يخرج قط من حيازته .
2- وكذلك يكون الحكم إذا أثبت الدائن بخطه دون توقيع ، ما يستفاد منه براءة ذمة المدين ، في نسخة أصلية أخرى للسند أو في مخالصة وكانت النسخة أو المخالصة في يد المدين .
وأصبح رقم المادة 412 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 412 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 399 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة دون تعديل .
1- تقضى المادة 1/399 من القانون المدنى بأن التأشير على سند بما يستفاد منه براءة ذمة المدين حجة على الدائن إلى أن يثبت العكس ولو لم يكن التأشير موقعاً منه ما دام لم يخرج قط من حيازتة ، والتأشير المشطوب يبقى حافظاً لقوته فى الإثبات وتقوم به قرينة الوفاء على الرغم من الشطب إلا إذا نقضها الدائن بإثبات عدم حصول الوفاء وإن الشطب كان بسبب مشروع .
(الطعن رقم 286 لسنة 30 جلسة 1965/03/25 س 16 ع 1 ص 405 ق 63)
2- التأشير على سند الدين بخط المدين لا يكون حجة على الدائن، وإنما الذي يكون حجة عليه التأشير الحاصل بخطه هو أو بخط وكيله. فإذا سلم الدائن سند الدين إلى المدين ليؤشر على ظهره بسداد المبلغ الذي دفعه من مقدار الدين فإنه يكون قد وكله فى إجراء هذا التأشير نيابة عنه ويكون تأشير المدين فى هذه الحالة حجة على الدائن. ومن هنا يتأتى الضرر لأن كل ما يحرره المدين بطريق الوكالة عن الدائن يلتزم به الدائن نفسه باعتباره حاصلاً بإذنه. فإذا هو أشر بأكثر مما أراد الدائن التأشير به، فإن هذا يعد تزويراً معنوياً من المدين بتغيير إقرار أولي الشأن منطبقاً على المادتين 181 و183 عقوبات.
(الطعن رقم 1273 لسنة 6 جلسة 1936/05/18 س ع ع 3 ص 603 ق 473)
المحررات غير الموقعة :
المحرر رسمياً أو عرفياً ، إنما يستمد قوته في الاثبات من التوقيع عليه ممن ينسب إليه . ولهذا فإن القاعدة هي أن المحرر غير الموقع ليست له قوة في الإثبات . على أن القانون إستثنى من هذه القاعدة بعض المحررات غير الموقعة وهذه هي :
أ - التأشير ببراءة الذمة : يجري العمل - خاصة بالنسبة للديون التي توفي على أقساط - أن يؤشر الدائن باستيفائه القسط على سند الدين دون إعطاء مخالصة كاملة إنتظاراً للوفاء بباقي الأقساط . فإذا كان التأشير موقعاً من الدائن ، فلا مشكلة إذ تكون له قوة المحرر العرفي في الإثبات ، أما إذا لم يكن موقعاً منه فقد رأى القانون إعطاءه قوة معينة في الإثبات وذلك في حالتين : (مادة 19 ق . الإثبات ) :
أ- إذا كان الدائن قد كتب التأشير بخطه على نسخة الورقة التي بيد المدين أو على ورقة أخرى أعدت لكي تكون سند إيصال لتسجيل ما يدفعه المدين .
ب- إذا لم يكن التأشير بخط الدائن ، ولم تكن نسخة الورقة التي تحمل التأشير قد خرجت من حيازته . ذلك أنه إذا كان الدائن قد إحتفظ بنسخة السند ، فإن الفرض أن التأشير - ولو كان بغير خطه - قد تم وفقاً لرغبته .
ومن البديهي أن للتأشير قوته في هذه الحالة - من باب أولى - إذا كان بخط الدائن . ويكون التأشير - في هاتين الحالتين - دليلاً على الوفاء بالقدر المؤشر به . على أنه لأن التأشير غير موقع ، فإنه يمكن - على خلاف الحكم بالنسبة للمحرر العرفي - إثبات عكس مضمونه بكافة طرق الإثبات . ( المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً ، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 151 )
يستخلص من نص التقنين الجديد أن التأشير على سند بما يفسر براءة ذمة المدين ، دون توقيع من الدائن ، يكون قرينة على الوفاء . وهى بعد قرينة قابلة لإثبات العكس . والذى يقف بالدائن عادة عن التوقيع هو أن يكون الوفاء جزئياً . فيدفع المدين الفوائد أو قسطاً من الدين ، ومن ثم يكتفى الدائن بالتأشير بذلك إما فى سند الدين الذى بيده ، وإما فى نسخة أصلية أخرى للسند فى يد المدين ، وإما فى مخالصة يحتفظ بها المدين ليؤشر فيها الدائن تباعاً بما يقوم به المدين من دفعات متوالية. ولا يوقع الدائن هذا التأشير ببراءة ذمة المدين إنتظاراً للوفاء ببقية الدين، فإذا تم الوفاء بالدين كله أعطى المدين مخالصة نهائية ، أو سلمه سند الدين على أن هذا لا يمنع من أن يكون التأشير ببراءة ذمة المدين من الدين كله .
وقد رأينا أن نص التقنين الجديد يميز بين حالتين :
1- التأشير على سند فى يد الدائن .
2- التأشير على سند أو مخالصة فى يد المدين . فنبحث كلا منهما .
التأشير على سند فى يد الدائن
شرطان : يشترط حتى تتوافر الحجية للتأشير على سند فى يد الدائن ، شرطان :
1- أن يكون هناك تأشير ببراءة ذمة المدين على سند الدين .
2- أن يبقى السند دائماً فى حيازة الدائن .
الشرط الأول
تأشيرة ببراءة ذمة المدين على سند الدين :
يجب أن يكون التأشير مكتوباً فى سند الدين ذاته . فإذا كتب فى ورقة أخرى غير هذا السند ، فى صورة للسند أو فى ورقة مستقلة عنه ، لم تقم قرينة الوفاء . ذلك أن أصل السند هو الذى يحتج به الدائن ، ويطالب المدين بمقتضاه . فالتأشير ببراءة ذمة المدين فى هذا الأصل بالذات يمنع الدائن أن يبرز السند لمطالبة المدين به دون أن يكون التأشير ببراءة ذمة المدين ثابتاً فى نفس السند الذي يطالب به . أما إذا كتب التأشير فى صورة للسند أو فى ورقة مستقلة عنه ، فإنه يسهل على الدائن إخفاء هذه أو تلك ، ثم يطالب المدين بمقتضى السند الأصلى وهو لا يحمل أي تأشير . ولهذا يحرص المدين على أن يكون التأشير فى سند الدين ذاته . ومن هنا تقوم قرينة الوفاء .
ويكتب التأشير فى أى مكان من السند ، فى ذيله أو على هامشه أو فى ظهره أو فى أى مكان آخر .
ويكون مضمون هذا التأشير هو براءة ذمة المدين . وأية عبارة تفيد هذا المعنى تكفى ، فلا يشترط لفظ معين .
فالتأشير بأن ذمة المدين قد برئت من الدين ، أو أبرئت ، أو أن الدين قد إنقضى ، أو أن لمدين قد قام بالوفاء ، أو أنه قد تخالص ، أو أنه قام بوفاء مبلغ كذا ، أو بوفاء قسط معين ، أو نحن ذلك من العبارات التى تفيد براءة ذمة المدين براءة كلية أو جزئية ، كل هذا يصلح أن يكون تأشيراً بالمعنى المقصود .
ولا يكون التأشير موقعاً من الدائن كما قدمنا ، وإلا لصلح أن يكون دليلاً كاملاً دون حاجة إلى نص . وكونه غير موقع من الدائن هو الذى يكشف عن وجه الاستثناء فى هذه المسألة ، إذ يكون القانون قد جعل من ورقة صادرة من شخص معين دليلاً كاملاً على هذه الشخص مع أن الورقة غير موقعة منه .
بل ليس ضرورياً أن يكون التأشير مكتوباً بخط الدائن . وهذا هو أيضاً حكم التقنين المدنى السابق م 230/ 295 . أما التقنين المدنى الفرنسى م 1332 فقرة أولى فقد اشترط أن يكون التأشير مكتوباً بخط الدائن . ولم ير التقنين المدنى المصرى الجديد – أسوة بالتقنين المدنى المصرى القديم – أن يضع هذا الشرط ، وذلك لعدم انتشار الكتابة إنتشاراً كافياً . ومن ثم يصح أن يكون التأشير مكتوباً بخط أجنبى ، بل بخط المدين نفسه ، ما دام السند فى حيازة الدائن كما سيأتى . ولكن إذا لم يكن من الضرورى أن يكون التأشير مكتوباً بخط الدائن ، فإنه يجب على الأقل أن يكون مكتوباً بإملائه أو بموافقة منه حتى يكون صادراً عنه ويكون هناك محل لقيام القرينة على الوفاء . ويفرض دائماً أن التأشير قد كتب برضاء الدائن ، حتى يثبت هو أنه كتب بغير رضائه .
وسواء كتب التأشير بخط الدائن أو كتب بخط غيره ، فقد يحدث أن هذا التأشير يمحى أو يشطب. فهل تزول قوة التأشير فى الإثبات بهذا المحو أو الشطب ، أو هى تبقى بالرغم من ذلك؟ انقسم الفقه الفرنسى فى هذه المسألة. وقد أثيرت المسألة فى لجنة المراجعة فرؤى تركها للقواعد العامة . ويبدو أن التأشير الممحو أو المشطوب يجب أن يبقى حافظاً لقوته فى الإثبات ، فتقوم قرينة الوفاء بالرغم من المحو أو الشطب . والدائن هو الذى يثبت أن القرينة فى الحقيقة غير قائمة ، بأن يثبت أن المحو أو الشطب كان بسبب مشروع ، كأن يكون قد كتب التأشير مقدماً متوقعاً الوفاء فلم يتم ، فمحا التأشير تبعاً لذلك . ولو قلنا بالرأى الآخر ، وبأن التأشير تزول قوته بالمحو أو الشطب ، لسهل على الدائن بعد التأشير ببراءة ذمة المدين فى سنده بيده وفى حيازته أن يمحو هذا التأشير أو يشطبه.
الشرط الثانى - بقاء السند دائماً فى حيازة الدائن :
ويجب حتى تقوم قرينة الوفاء أن يكون سند الدين الذى يحمل التأشير باقياً فى يد الدائن ، لم يخرج قط من حيازته . فإذا كان قد خرج من حيازته ولو لحظة واحدة ، منع ذلك من قيام قرينة الوفاء ، إذ يحتمل أن التأشير – وقد رأينا أنه لا يشترط فيه أن يكون بخط الدائن – قد كتب بخط أجنبى أو بخط المدين نفسه فى هذه اللحظة بالذات التى خرج فيها السند من حيازة الدائن . فإذا ما استرد الدائن حيازة السند ، لم تبق له حيلة فى التأشير إلا المحو أو الشطب ، وقد رأينا أنهما لا يزيلان قرينة الوفاء .
وقد كان التقنين المدنى السابق لا يشترط هذا الشرط ، وهو فى الوقت ذاته لا يشترط – كما رأينا – أن يكون التأشير بخط الدائن .
فقد كانت المادة 230/ 295 من هذا التقنين ، وقد سبق ذكرها ، تجرى على الوجه الآتى :
" التأشير على سند الدين بما يفيد براءة المدين منه يكون حجة على الدائن ولو لم يكن ممضى منه ، إلا إذا أثبت الدائن خلاف ذلك " . ومن ثم كان الخطر كبيراً فى ظل هذا التقنين السابق من قيام قرينة الوفاء على غير أساس من الواقع . فكان لا يبقى أمام الدائن إلا دحض القرينة بالدليل العكسى بعد قيامها . والظاهر أنه كان يكفيه فى ذلك أن يثبت أن السند قد خرج من حيازته فترة من الزمن ، حتى ينتقل عبء الإثبات إلى المدين ليثبت أن التأشير لم يكتب فى اللحظة التى خرج منه سند الدين من حيازة الدائن . ولما كان التقنين الجديد قد إستحدث شرط بقاء السند فى حيازة الدائن ، فالعبرة بتاريخ خروج السند من حيازة الدائن لمعرفة القانون الذى يسرى . فإن كان السند قد خرج من حيازة الدائن قبل يوم 15 من أكتوبر سنة 1949 ، فالتقنين القديم هو الذى يسرى ، ولا يمنع خروج السند من حيازة الدائن أن تقوم قرينة الوفاء وفقاً لهذا التقنين . وإن كان السند قد خرج من حيازة الدائن فى تاريخ غير سابق على 15 من أكتوبر سنة 1949 ، فالتقنين الجديد هو الذى يسرى ، وتسقط قرينة الوفاء .
وفى جميع الأحوال التى يسرى فيها التقنين الجديد ، يفترض دائماً أن السند لم يخرج من حيازة الدائن . فإذا إدعى هذا أنه خرج من حيازته في أية لحظة ، فعليه عبء إثبات ذلك . وعلى هذا الوجه يتيسر إثبات واقعة مطلقة كالواقعة التى نحن بصددها . وإذا تمكن الدائن من إثبات أن السند خرج من حيازته فإنه يكون بذلك قد أثبت عدم قيام قرينة الوفاء ، ولم يقتصر على دحضها بالدليل العكسى بعد قيامها .
حجية التأشير على السند إذا توافر الشرطان : وردت الفقرة الأولى من المادة 19 من قانون الاثبات نصاً خاصاً يقرر حجية هذا التأشير . ولكن قبل أن نعرض لهذا النص الخاص ، نبادر إلى القول إن التأشير على سند الدين بما يفيد براءة ذمة المدين قد تكون له حجية معينة إذا طبقت القواعد العامة فى الإثبات بقطع النظر عن هذا النص الخاص . فهو إذا كان مكتوباً بخط الدائن . أمكن أن يعتبر مبدأ ثبوت بالكتابة ضده ، ولو لم يتوافر فيه الشرطان اللذان تقدم ذكرهما . مثل ذلك أن يكتب الدائن بخطه التأشير ببراءة ذمة المدين فى ورقة مستقلة عن سند الدين أو فى صورة لهذا السند ، أو أن يكتب هذا التأشير بخطه فى سند الدين ذاته ولكن يخرج هذا السند من حيازته . ففى هذه الأحوال لا يكون التأشير دليلاً كاملاً ضد الدائن ، لأن الشرطين اللذين تطلبهما القانون فى ذلك لم يتوافر . ولكن هذا التأشير ، ما دام أنه مكتوب بخط الدائن ، يصح إعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمله المدين بالبينة أو بالقرائن ليثبت أنه قد وفى الدين .
أما إذا توافر الشرطان على النحو الذى تقدم ذكره ، فإن التأشير على سند الدين يكون حجة كاملة على الدائن ، ولا حاجة للمدين بإستكمالها ليثبت أنه وفى الدين . ويقع عبء الإثبات هنا على الدائن لا على المدين ، فهو الذى عليه أن يدحض قرينة الوفاء التى قامت بإستيفاء التأشير لشرطيه ، فإذا لم يدحضها بالدليل العكسى فقد تم للمدين إثبات أنه قد قام بوفاء الدين .
وعندنا أن حجية التأشير تقوم على أساس ورقة عرفية غير موقعة ، هى هذا التأشير ذاته . ولا يمنع ذلك من القول بأن هذه الورقة العرفية يستخلص القانون منها قرينة على وفاء الدين ، وهى قرينة قابلة لإثبات العكس . فإذا نحن قلنا إن القرينة هنا قرينة قانونية بسيطة ، وقلنا إنها فى الوقت ذاته تقوم على ورقة عرفية غير موقعة ، فلا تعارض ما بين القولين . فجميع الأوراق العرفية غير الموقعة – دفاتر التجار والأوراق المنزلية وغيرها - هى فى هذا الوضع : أوراق عرفية غير موقعة تستخلص منها قرائن قانونية بسيطة .
فمتى وجد التأشير على سند الدين مستوفياً لشرطيه ، إستخلصت منه قرينة قانونية بسيطة على وفاء المدين بالدين . وكان التأشير حجة على الدائن ، ولكنها حجة قابلة للدحض . ذلك أن علة الإعتداء بهذا التأشير هى أن الدائن يقر في سند الدين ذاته أن إستوفى حقه ، وهذا الإقرار هو بمثابة " إقرار غير قضائى لا يمكن استبعاده من السند الذي يتقدم به لاستيفاء حقه ولكن يجوز مع ذلك هذا الإقرار غير مطابق للواقع .
فيرجع سند الدين فى هذه الحالة وهو يحمل تأشير الدائن ببراءة ذمة المدين ، دون أن يكون الدائن قد إستوفى الدين . ومن ذلك نرى أن القرينة هنا قد يقوم من الواقع دليل على عكسها . ومن أجل ذلك عندما أقام القانون هذه القرينة ، جعل حجيتها قابلة للدحض . فيجوز للدائن ، بالرغم من التأشير ببراءة ذمة المدين ، أن يقيم الدليل على العكس ، أى على أن ذمة المدين لا تزال مشغولة بالدين .
وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، حتى بالبينة أو بالقرائن . ولا يعترض عليه أنه يثبت ما يخالف الكتابة بغير الكتابة ، فإن التأشير الذى يثبت عكسه هنا هو ورقة عرفية غير موقعة يجوز إثبات عكسها بجميع الطرق ، وسيأتى تفصيل ذلك .
التأشير على سند أو مخالصة فى يد المدين
شرطان : يشترط هنا أيضاً ، حتى تتوافر الحجية للتأشير على سند أو مخالصة فى يد المدين ، شرطان :
1- أن يكون هناك بخط الدائن تأشير ببراءة ذمة المدين على نسخة أصلية أخرى لسند الدين أو على مخالصة .
2 - أن تقع نسخة السند أو المخالصة فى حيازة المدين .
الشرط الأول - تأشير بخط الدائن على نسخة أصلية للسند أو على مخالصة ببراءة ذمة المدين :
يجب أن يكون التأشير هنا مكتوباً إما فى نسخة أصلية لسند الدين تكون بيد المدين وإما فى مخالصة يحتفظ بها المدين . والنسخة الأصلية لسند الدين ليست صورة للسند ، بل هى أصل كسند الدين ذاته . ويفهم من ذلك أن سند الدين كتب من نسختين أصليتين إحداهما بيد الدائن والأخرى بيد المدين . وفى هذه النسخة الأصلية الأخرى التى بيد المدين يقع تأشير الدائن .
غنى عن البيان أن عبارة " النسخة الأصلية " قد تسربت إلى التقنين المصرى من التقنين المدنى الفرنسى ، إذ يشترط هذا التقنين الأخير أن يكون سند العقد الملزم للجانبين من نسخ أصلية متعددة كما رأينا . ففى عقد البيع توجد نسخة من العقد فى يد الباع ونسخة أخرى فى يد المشترى . فإذا دفع المشترى قسطاً من الثمن ، أشترط البائع في نسخة المشتري ببراءة ذمة المدين من هذا القسط . وهذا ما يقع أيضاً فى مصر بحكم الضرورة لا بمقتضى النص ، بل كان النص موجوداً كما رأينا فى المشروع الأول الذي سبق المشروع التمهيدى . ويصح أن يقع التأشير ، لا على النسخة الأخرى لسند الدين ، بل على مخالصة أعدت لتسجيل ما يقوم المدين بدفعه وإحتفظ بها المدين إثباتاً لهذا الوفاء.
ويتبين من ذلك أن التأشير إذا وقع على صورة للسند أو على رقة أخرى مستقلة عن نسخة السند ، وأمكن إعتبار هذه أو تلك بمثابة مخالصة أعدت لتسجيل ما يقوم المدين بدفعه ، كان التأشير صحيحاً وقامت قرينة الوفاء.
ويكتب التأشير فى أى مكان من الورقة ، وبأية عبارة تفيد معنى براءة الذمة ، ولا يكون موقعاً عليه من الدائن ، وذلك كله على النحو الذى قدمناه فى التأشير على سند فى حيازة الدائن .
ولكن التأشير هنا يجب أن يكون بخط الدائن ، وهذا على خلاف ما قررناه فى التأشير على سند فى حيازة الدائن من جواز أن يكون هذا التأشير بخط غير خطه . وهذا هو أيضاً حكم التقنين المدنى الفرنسى م 1332 ، بل إن هذا التقنين يشترط كما رأينا أن يكون التأشير دائماً بخط الدائن ، سواء وقع على سند فى حيازة المدين أو قع على سند فى حيازة الدائن . أما التقنين المدنى المصرى السابق فالأرجح أنه لم يكن يدخل في حسابه ، عندما أورد المادة 230/ 295 ، إلا التأشير على سند فى حيازة الدائن ، وقد ترك التأشير بخط الدائن على سند فى حيازة المدين تسرى عليه القواعد العامة ، وسنعود إلى هذه المسألة بعد قليل .
وإشتراط أن التأشير على سند فى حيازة المدين يكون بخط الدائن أمر واضح ، إذا لو سمح القانون أن يكون التأشير بخط غير الدائن ، لسهل على المدين ، والسند فى حيازته ، أن يستكتب أى شخص عبارة الإبراء ، فتقوم قرينة الوفاء على غير أساس من الواقع . فقوة القرينة إذن هى فى أن التأشير بالإبراء قد كتب بيد الدائن واحتفظ به المدين .
وإذا أنكر الدائن خطه ، وجب على المدين أن يلجأ إلى إجراءات تحقيق الخطوط لإثبات أن التأشير بخط الدائن . فإذا ما ثبت ذلك ، جاز للدائن بعد هذا أن يسلك طريق الطعن بالتزوير.
وإذا محى التأشير أو شطب ، زالت قوته فى الإثبات . ذلك أن السند موجود فى حيازة المدين ، فلا يمكن حمل المحو أو الشطب إلا على أن الوفاء لم يتم ، فمحا الدائن التأشير أو شطبه ، وقبل منه المدين ذلك بأن إحتفظ بالسند فى يده والتأشير فيه ممحو أو مشطوب . وهذا بخلاف ما رأيناه فى المحو أو الشطب عندما يكون السند فى حيازة الدائن ، فقد تقدم أن الفقه الفرنسى منقسم في هذه المسألة ، ورجحنا الرأي القائل بأن المحو أو الشطب لا يزيل قوة الإثبات التي للتأشير .
الشرط الثانى - وقوع نسخة السند أو المخالصة فى حيازة المدين :
والأصل أن نسخة السند أو المخالصة التى أشر عليها الدائن بخطه تكون فى حيازة المدين . ولكن لا يشترط هنا أن تكون باقية دائماً فى حيازته ، بل يكفى أن تكون قد وقعت فى حيازته ولو خرجت بعد ذلك من يده . ذلك أن التأشير يجب أن يكون بخط الدائن كما قدمنا ، فوقوع هذا التأشير بخط الدائن فى حيازة المدين ولو لحظة واحدة يكفى لقيام قرينة الوفاء . ومتى قامت القرينة على هذا الوجه ، كان للدائن أن يدحضها كما سنرى .
والذى يقع عادة أن المدين يبرز الورقة التى تحمل تأشير الدائن بخطه ليحتج بها . فيكون بذلك قد أثبت أنها قد وقعت فى حيازته . أما إذا لم تكن الورقة فى يده ، وإستطاع أن يحصل على أمر بتقديمها فقدمت ، فعليه أن يثبت أنها وقعت فى حيازته وقتاً ما حتى تقوم قرينة الوفاء .
حجية التأشير إذا توافر الشرطان :
هنا أيضاً نبادر إلى القول إن هذا التأشير ، ولو لم يتوافر شرطاه ، له حجية معينة إذا طبقت القواعد العامة فى الإثبات ، بقطع النظر عن نص المادة 399 من التقنين المدنى . فهو ما دام مكتوباً بخط الدائن يصح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة ، ولو لم يتوافر فيه ما قدمناه من الشروط الأخرى . مثل ذلك أن يكتب التأشير فى نسخة أصلية ثالثة ليست فى حيازة الدائن ولا فى حيازة المدين ، أو أن يعجز المدين عن إثبات أن الورقة التى كتب فيها التأشير قد وقعت فى حيازته ، أو نحو ذلك . ففى هذه الأحوال لا يصلح التأشير دليلاً كاملاً ، ولكن يصح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة يستكمل بالبينة أو بالقرائن .
أما إذا توافر الشرطان على النحو الذى تقدم ذكره ، فإن التأشير يكون دليلاً كاملاً ضد الدائن ، ولا حاجة للمدين بإستكماله ليثبت أنه وفى الدين ، وذلك بمقتضى نص خاص هو نص المادة 19 من قانون الإثبات . وحجية التأشير تقوم هنا أيضاً على أساس ورقة عرفية غير موقعة هى هذا التأشير ذاته ، على النحو الذى قدمناه فى التأشير على سند فى حيازة الدائن .
ثم إن علة الإعتداد بالتأشير هنا هى أن هذا التأشير قد كتب بخط الدائن نفسه ، وقد ترك الورقة التى تحمل التأشير فى يد المدين ، فتركه إياها فى يد من له مصلحة فى الاحتجاج بها قرينة على أنه إستوفى الدين . فالتأشير فى هذه الحالة " يكون في الواقع بمثابة مخالصة تبقى فى يد المدين " . ولكن هذه القرينة ، هنا أيضاً ، قد يقوم من الواقع دليل على عكسها.
فإذا سلم الوكيل ، بالرغم من ذلك ، المخالصة للمدين ولم يستوفى منه الدين ، وعجز عن إسترداد المخالصة ، فإنها ، وهى تحمل تأشير الدائن ، تكون فى يد المدين دون أن يكون هذا قد برئت ذمته . وفى هذا دليل من الواقع يدحض القرينة .
من أجل ذلك عندما أقام القانون هذه القرينة ، جعل حجيتها هنا أيضاً قابلة للدحض . فيجوز للدائن ، بالرغم من تأشيره بخطه ببراءة ذمة المدين ،أن يقيم الدليل على العكس ، فيثبت أن ذمة المدين لا تزال مشغولة بالدين .
وله أن يثبت ذلك بجميع الطرق ، حتى بالبنية أو بالقرائن . ذلك أن التأشير الذى يثبت عكسه هو ورقة عرفية غير موقعة يجوز إثبات عكسها بجمع الطرق ، وقد تقدم بيان ذلك .
التأشير على سند فى حيازة المدين فى التقنين المدنى السابق : قدمنا أن المادة 230 / 295 من التقنين المدنى السابق كانت تنص على أن " التأشير على سند الدين بما يفيد براءة المدين منه يكون حجة على الدائن ولو لم يكن ممضى منه ، إلا إذا أثبت الدائن خلاف ذلك " . وكان بعض الفقهاء فى مصر يذهب إلى أن هذا النص يشمل الحالتين اللتين وردتا بعد ذلك فى المادة 399 من التقنين المدنى الجديد ثم في المادة 19 من قانون الإثبات : حالة التأشير على سند فى حيازة الدائن وحالة التأشير على سند فى حيازة المدين . ولكن يصعب القول إن المقصود من عبارة " سند الدين " التى وردت فى نص التقنين السابق هو سند آخر غير السند الذى يحتفظ الدائن به عادة فى حيازته ، وأن هذه العبارة مقصود بها أيضاً " نسخة أصلية أخرى للسند " . فالأرجح أن يكون المقصود هو النص على حالة واحدة من الحالتين ، هي حالة التأشير على سند الدين وهو فى حيازة الدائن ، وأن الحالة الأخرى قد تركت للقواعد العامة تسرى عليها . ويزيد هذا الترجيح قوة أن نلاحظ أن نص التقنين المدنى السابق لم يشترط أن يكون التأشير بخط الدائن ، مع أن قرينة الوفاء فى التأشير على سند فى حيازة المدين إنما تستمد من أن هذا التأشير يكون بخط الدائن . وهذا الرأي الذي نرجحه هو الرأى الذى سار عليه الفقه فى مصر .
ومن ثم يكون التقنين المدنى الجديد قد إستحدث حكماً لم يكن موجوداً في التقنين القديم ، بأن جعل للتأشير بخط الدائن على سند فى حيازة المدين حجية كاملة ، ولم يقتصر على إعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة كما تقضي بذلك القواعد العامة فى الإثبات . فإذا أشر الدائن بخطه على سند فى حيازة المدين ببراءة ذمته ، فإن كان التأشير قد كتب فى تاريخ سابق على يوم 15 من شهر أكتوبر سنة 1949 فإن التقنين القديم هو الذى يسرى ، ولا يكون هذا التأشير إلا مبدأ ثبوت بالكتابة . أما إذا كان التأشير قد كتب فى تاريخ بعد ذلك ، فإن التقنين الجديد يسرى فى هذه الحالة ، ويعتبر التأشير دليلاً لا حاجة إلى إستكماله بدليل آخر ، على النحو الذي بيناه فيما تقدم . ( الوسيط في شرح القانون المدني للدكتور/ عبد الرزاق السنهوري، تنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، الطبعة الثانية 1982 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، المجلد : الأول ، الصفحة : 388 )
يلاحظ أن تأشير الدائن يعتبر أنه حصل بأمر من الدائن ما دام السند لم يخرج من حيازته أي من حيازة الدائن - فلا يكلف المدين بإثبات صدور هذا الأمر للمؤشر أو توكيله بذلك ما دام القانون قد إعتبر مجرد التأشير سواء حصل من الدائن أو من غيره قرينة قانونية غير قاطعة على البراءة على أنه يحسن أن يلاحظ أن التأشير على سند تحت الإذن بما يفيد براءة المدين ولو كان لا يزال تحت يد الدائن لا يصح للمدين أن يتمسك به في المواد التجارية إذ جرت العادة بين التجار على أن يؤشر الدائن بهذه البراءة عند الاستحقاق ليستطيع المحضر إعلان البروتستو أو ليكلف الدائن بهذه البراءة عند الإستحقاق ليستطيع المحضر إعلان البروتستو أو ليكلف الدائن من يحصل له قيمة السند من المدين - كما يلاحظ أيضاً أنه بالنسبة للفقرة الثانية منه براءة المدين في نسخة أصلية أخرى من السند ولكن ليس معنى أن تأشير الدائن بخطه على صورة غير أصلية لا يكون له قيمة كلية بل يصح إعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة مادام هو بخط الدائن وإذا وقع عليه كانت له قيمة كاملة كأي تخالص مستقل وهذا هو الفرق بين تأشير الدائن على النسخة الأصلية التي تحت يد الدائن والنسخة الأصلية تحت يد المدني إذا التأثير في الحالة الأولى يعتبر إقرار غير قضائي وفي الحالة الثانية يعتبر مخالصة . ( المستشار أحمد نشأت في رسالة الإثبات الطبعة السابعة ص 444 وما بعدها ) .
إذا أثبت الدائن في الحالتين المشار إليهما بالمادة 19 إثبات أي تحفظ أو حق فلا يجزأ عليه إقراره أو بيانه فأما أن يؤخذ بأكمله أو يطرح بأكمله ويملك المدين عملاً بالمادة (20) إثبات إلزام دائنة بتقديم سند دينه إذا ادعى المدين أنه مؤشر عليه من خصمه بما يفيد براءة ذمته كما أن الدائن يملك إلزام مدينه بتقديم نسخة أخرى لسند المديونية إذا ادعى الدائن أنه قد أشر عليه ببراءة ذمة مدينه مع تحفظات معينة . ( الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية 1981 ص 127 ). ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الأول ، الصفحة : 332 )
يستفاد من نص المادة أن التأشير على سند بما يفسر براءة ذمة المدين ، دون توقيع من الدائن يكون قرينة على الوفاء ، وهي تعد قرينة قابلة لإثبات العكس .
والنص يميز بين حالتين :
1- التأشير على سند في يد الدائن .
2- التأشير على سند أو مخالصة في يد المدين .
وبالنسبة للحالة الأولى فإنه يشترط حتى تتوافر الحجية للتأشير على سند في يد الدائن شرطان ، الأول : يجب أن يكون التأشير مكتوباً في سند الدين ذاته ، فإذا كتب في ورقة أخرى غير السند لا تقوم القرينة في هذه الحالة ويكتب التأشير في أي مكان في السند ويكون مضمونه هو براءة المدين وأية عبارة تفيد هذا المعنى تكفي ، ولا يشترط أن يكون التأشير موقعاً من الدائن وإلا لصح أن يكون دليلاً كتابياً كاملاً ، وسواء كتب التأشير بخط الدائن أو بخط غيره تقوم القرينة في هذه الحالة ، والشرط الثاني : أن يكون سند الدين الذي يحمل التأشير باقياً في يد الدائن لم يخرج قط من حيازته ، فإذا كان قد خرج من حيازته ولو لحظة واحدة منع ذلك من قيام قرينة الوفاء ، ولا يعتبر السند قد خرج من حيازة الدائن إذا هو إنتقل إلى وكيل له أو إلى مودع عنده ، أو أي مدير أعماله أو إلى دائن مرتهن أو إلى شخص عهد إليه في تحصيل قيمته . ويفترض دائماً أن السند لم يخرج من حيازة الدائن فإذا ادعى عكس ذلك وقع عليه عبء إثبات ما يدعيه .
فإذا توافر الشرطان على النحو الذي تقدم فإن التأشير على سند الدين يكون حجة كاملة على الدائن ولا حاجة للمدين باستكمالها ليثبت أنه وفي الدين ويقع عبء الإثبات في هذه الحالة على الدائن لا على المدين إلا أن هذه الحجية قابلة لإثبات العكس ، والرأي الراجح فقهاً وقضاءً أنه يجوز إثبات عكس هذه القرينة بجميع الطرق حتى بالبينة والقرائن ولا يعترض عليه أنه يثبت ما يخالف الكتابة بغير الكتابة لأن الكتابة هنا لا تعد دليلاً كتابياً في مفهوم المادة 61 إثبات التي تشترط لقيام الدليل الكتابي التوقيع عليه إذ الورقة هنا غير موقعة ممن تشهد عليه وهناك رأي أخر يذهب إلى أن هذا النص لا يقتصر على إنشاء قرينة قانونية على البراءة وإنما هو يعطي هذه الكتابة غير الموقعة قيمة الكتابة الموقعة ، ومؤدى ذلك أن تسري على التأشير قواعد حجية الورقة العرفية الموقعة فيجوز إثبات عكس ما تضمنه على أن يكون ذلك بالكتابة أو بما يقوم مقامها أو بالبينة والقرائن في الأحوال التي يوجد فيها ما يسوغ الإثبات بها إستثناء .
على أن تخلف أحد الشرطين المتقدمين لا يجعل التأشير خلواً من أية فائدة فللمدين أن ينتفع منه بإعتباره مبدأ ثبوت بالكتابة متى كان محرراً بخط الدائن .
وبالنسبة للحالة الثانية الخاصة بالتأشير على سند أو مخالصة في يد المدين فإنه يشترط حتى تتوافر الحجية شرطان ، أولهما : أن يكون التأشير مكتوباً إما في نسخة أصلية لسند الدين تكون بيد المدين ، وإما في مخالصة يحتفظ بها المدين ، والنسخة الأصلية للسند ليست صورة بل هي أصل كسند الدين ذاته ويكتب التأشير في أي مكان من الورقة ولكن يجب أن يكون بخط الدائن وهذا على خلاف التأشير على سند في حيازة الدائن .
وإذا أنكر الدائن خطه وجب على المدين أن يلجأ إلى إجراءات تحقيق الخطوط .
والشرط الثاني : أن تكون النسخة قد وقعت في حيازة المدين ولو خرجت بعد ذلك من يده والذي يقع عادة أن المدين يبرز الورقة التي تحمل تأشير الدائن بخطه ليحتج بها ، أما إذا لم تكن الورقة في يده وإستطاع أن يحصل على أمر بتقديمها فقدمت فعليه أن يثبت أنها وقعت في حيازته ( أي المدين ) وقتاً ما حتى تقوم قرينة الوفاء . وإذا توافر الشرطان على النحو المتقدم فإن التأشير يكون دليلاً كاملاً ضد الدائن إلا أن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس بكافة طرق الإثبات كما سلف القول في الحالة الأولى ، وإن لم يتوافر الشرطان فإن هذا التأشير تكون له حجية معينة إذ طبقت القواعد العامة في الإثبات فهو مادام مكتوباً بخط الدائن يصح أن يكون مبدأ ثبوت بالكتابة يكمل بالبينة . وفي الحالة الأولى التي يكون فيها سند الدين في حيازة الدائن وتأشر عليه ببراءة ذمة المدين إلا أن هذه التأشيرة شطبت أو محيت بعد ذلك فإن الرأي الراجح فقهاً وقضاءً أن الشطب أو المحو لا يزيل قوة التأشيرة في الإثبات ويظل التأشير منتجاً لكافة آثاره القانونية وتظل قرينة الوفاء قائمة إلى أن يثبت الدائن أن الشطب أو المحو له ما يبرره كأن يثبت أنه أشر على السند مقدماً بعد أن وعد المدين بالوفاء إلا أنه أخل بوعده ، ويجوز له إثبات ذلك بجميع طرق الإثبات لأنه لا يثبت ما يخالف الكتابة إنما هو يدحض قرينة الوفاء المستمدة من التأشير على السند ، وفي الحالة الثانية إذا محي التأشير أو شطب وكان السند في حيازة المدين فإنه يفقد قوة التأشير في الإثبات . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 220 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 126 ، 127
(مادة 90) :
1- التأشير على سند الدين بما يستفاد منه براءة ذمة المدين - حجة على الدائن ، إلى أن يثبت العكس ، ولو لم يكن التأشير موقعاً منه ما دام السند لم يخرج قط من حيازته .
2- وكذلك يكون الحكم إذا أثبت الدائن بخطه دون توقيع ما يستفاد منه براءة ذمة المدين في نسخة أصلية أخرى للسند أو في مخالصة ، وكانت النسخة أو المخالصة في يد المدين .
( م (399) مدني مصري ، و (19) إثبات مصري ، و(19) سوري ) .
المذكرة الإيضاحية :
1- جرت العادة بأن يؤشر الدائن بالوفاء الجزئي أو الكلي على سند الدين ، ويستبقيه في حيازته ( الفقرة الأولى) أو بأن يؤثر بذلك على نسخة أصلية أخرى من هذا السند ، أو على مخالصة في يد المدين ( الفقرة الثانية ) .
ويراعى أن المشروع قد عني في النص بإستظهار ما يقصد بكلمة نسخة ، فليس يقصد بها مجرد صورة أخرى من سند الدين ، وإنما شفعت هذه الكلمة بنعت «أصلية» تعييناً لدلالة المقصود .
وعلة الإعتداد بالتأشير المتقدم ذكره في الإثبات : أن الدائن في الحالة الأولى يدلي بإقرار غير قضائي ، لا يمكن إستبعاده من السنة الذي يتقدم به لإستیفاء حقه ، وأن ما يصدر من الدائن في الحالة الثانية يكون في الواقع بمثابة مخالصة تبقى في يد المدين .
2- ويراعى أن المشروع لا يتطلب توافر أي شرط شكلي في مثل هذا التأشير ، فهو لا يشترط بیان تاريخ التحرير أو وضع توقيع الدائن ، وهو لا يشترط إيراده في مكان معين من السند أو النسخة الأصلية أو المخالصة ، فقد يرد في ذيل الورقة أو على هامشها أو ظهرها بيد أنه يشترط لتوافر حجية التأشير أو قوته في الإثبات أن يكون مكتوباً بخط الدائن في الحالتين اللتين يواجهها النص ، وأن يظل سند الدين في يد الدائن في الحالة الأولى ، وفي يد المدين في الحالة الثانية ، والواقع أن من صور الغش ما يتيسر وقوعه في الحالة الأولى لو دخل سند الدين في يد المدين ؛ إذ يسهل عليه تزوير التأشير ، وكذلك الشأن لو سلم الدائن السند لوکیل فوضه في إستيفاء الدين ، فهو يؤشر على هذا السند بالتخالص قبل أن يسلمه لوكيله ، ويقوم هذا برده إليه بما سبق أن دون فيه من تأشيرات ، فيما إذا تخلف المدين عن الوفاء عند المطالبة ، ولذلك إشترط المشروع في هذه الحالة أن يكون السند قد بقي في يد الدائن ولم يخرج قط ، فإذا ادعى أن السند خرج من يده وقع عليه عبء إقامة الدليل على صحة هذه الدعوى وقد يتصور في الحالة الثانية أن يكون الدائن قد سلم المخالصة لوكيل مفوض في إستيفاء الدين .
ولما كان من واجب مثل هذا الوكيل أن يرد إلى الموكل المخالصة التي تسلمها إذا لم يتم له إستيفاء الدين ، فالمفروض أن الدائن يحتفظ بهذه المخالصة لأنه لم يستوف حقه من المدين ، ولهذه العلة إشترط المشروع أن تظل النسخة الأصلية أو المخالصة في يد المدين .
على أن تخلف أحد الشرطين المتقدمين لا يجعل التأشير خلواً من كل فائدة ، فللمدين مثلاً أن ينتفع منه بوصفه مبدأ ثبوت بالكتابة متى كان محرراً بخط الدائن ولم يروجه للنص صراحة على هذا الحكم ؛ لأنه لا يعدو أن يكون تطبيقاً للقواعد العامة .
3- ويراعى أن التأشير تقتصر حجته على الدائن وحده ، ولا يجوز أن ينهض دليلاً على وجه الإطلاق ، إذ من الممتنع على ذي الشأن أن يصطنع دليلاً لنفسه ثم إن هذه الحجية لا تتوافر إلا إذا قصد من التأشير إثبات براءة ذمة المدين ، أما ما عدا ذلك مما يؤشر به على سند الدين ، فلا تكون له حجية في الإثبات إلا في حدود القواعد العامة. ومتى تحدد المقصود من التأشير على هذا الوجه ، إعتبر حجة بما جاء فيه إلى أن يثبت العكس ، مراعي في ذلك أن تأشير الدائن لا يعتبر قرينة قاطعة على براء الذمة ، بل يكون لهذا الدائن أن يثبت أن ما أشر به قد صدر منه عن غلط أو نحوه .

