لما كان الدفع بالإنكار من شأنه أن يسقط حجية الورقة العرفية ويُحمل المتمسك بها عبء إثبات صدورها من مدعى الإنكار إلا أن ذلك لا يحول دون تكليف المحكمة له بالمثول أمامها بنفسه لاستكتابه وفقاً للحق المخول لها بالمادة 35 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية رقم 25 لسنة 1968 مما لا يعد هذا التكليف نقلاً منها لعبء الإثبات على عاتق المنكر وإنما باعتباره أحد الوسائل التى أتاح القانون للمحكمة استجلائه متى ارتأت فيه ما يُعينها على تحقيق وجه الحق فى هذا الادعاء . لما كان ذلك وكان الحكم المستأنف المؤيد بالحكم المطعون فيه قد استخدم حقه فى تكليف مورث الطاعنين بالحضور بنفسه لاستكتابه ورأى فى امتناعه عن الحضور إلى المحكمة بنفسه لاستكتابه أكثر من مرة دون عذر مقبول ما ينبىء عن عدم جدية طعنه بالإنكار وأعمل سلطته التقديرية فى اعتبار المحرر صحيحاً تبعاً لذلك فإن النعى بهذا السبب لا يعدو فى حقيقته أن يكون جدلاً موضوعياً فى سلطة محكمة الموضوع فى تقدير أدلة الدعوى ينحسر عنها رقابة محكمة النقض .
( الطعن رقم 9579 لسنة 65 - جلسة 2003/05/27 - س 54 ع 1 ص 902 ق 156 )
حضور الخصم وجوبي ولو لم يكن مكلفاً بالإثبات وهو حكم مستحدث وله ما يسوغه لأنه ما دام يجوز إلزام الخصم بالخضوع للاستكتاب فيجب ألا يعفى من واجب تقديم ما لديه من أوراق المضاهاة التي قد تقوم مقام هذا الاستكتاب وهذا النص ضروري لمنع الخصم من أن يشمل التحقيق في القضايا التي تقدم فيها أوراق للمضاهاة. (الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات طبعة 1981 ص 151)
من المقرر أن من ينكر صدور الورقة منه غير مكلف في الأصل بإثبات عدم نسبتها إليه إلا أن النص الذي نحن بصدده ألزم من ينازع في صحة المحرر بالحضور بنفسه للاستكتاب وأجاز للمحكمة أيضاً الحكم بصحة المحرر في حالة امتناعه عن الحضور .
(البيان في شرح قانون الإثبات للأستاذين صلاح حمدي ولبيب حلیم الطبعة الأولى ص 102) . ( الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الأول ، الصفحة : 404 )
رتب المشرع على امتناع الخصم المنازع في صحة الورقة عن الحضور بنفسه بغیر عذر مقبول في الموعد الذي حدده القاضي المنتدب لاستكتابه جواز الحكم بصحة الورقة ، وحضور الخصم للاستكتاب في هذه الحالة وجوبي ولو لم يكن مكلفاً بالإثبات . ( التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء : الأول ، الصفحة : 285 )
الحضور للاستكتاب :
أوجبت المادة على الخصم الذي ينازع في صحة المحرر أن يحضر بنفسه للاستكتاب في الموعد الذي يعينه القاضي لذلك .
وجاء الإلزام للخصم الذي ينازع في صحة المحرر، وهو غير مكلف بإثبات الطعن بالإنكار، لأن الإثبات بحسب الأصل يقع على عاتق التمسك بالمحرر .
وتظهر أهمية استكتاب الخصم الذي ينازع في صحة المحرر أمام القاضي، في حالة عدم إتفاق الطرفين على أوراق المضاهاة العرفية المقدمة، وعدم وجود أوراق رسمية تصلح للمضاهاة (انظر شرح المادة 37).
كما أن الخبير قد لا يكتفي بأوراق المضاهاة التي اعتمدتها المحكمة ، فيطلب لأسباب فنية من القاضي استكتاب هذا الخصم، ليكون استكتابه حديثاً أو بمداد معين، فضلاً عن أنه يتم تحت إشراف القاضي .
امتناع الخصم عن الحضور بغیر عذر مقبول :
إذا امتنع الخصم الذي ينازع في صحة المحرر عن الحضور بنفسه للاستكتاب في الموعد الذي يعينه القاضي، وكان ذلك بدون عذر مقبول أي بدون عذر يقبله القاضي، جاز الحكم بصحة المحرر فالحكم بصحة المحرر جزاء امتناع الخصم عن الحضور وهو جزاء جوازي للقاضي ويخضع لمطلق تقديره . ( موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 761 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 138
(مادة 106) :
على الخصم الذي ينازع في صحة المحرر أن يحضر بنفسه للاستكتاب في الموعد الذي يعينه القاضي لذلك، فإن امتنع عن الحضور بغير عذر مقبول جاز الحكم بصحة المحرر .
(م (35) إثبات مصري، و(32) بینات سوري، و(29) إثبات سوداني).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 246
حُجِّيَّةُ الْخَطِّ وَالْخَتْمِ :
مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَأَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ لِلإِْمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُعْمَلُ بِالْخَطِّ إِذَا وُثِقَ بِهِ وَلَمْ تُوجَدْ فِيهِ رِيبَةٌ مِنْ مَحْوٍ أَوْ كَشْطٍ أَوْ تَغْيِيرٍ، وَذَلِكَ فِي الأَْمْوَالِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِمَّا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبْهَةِ، كَالطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ. وَهَذَا فِي الْمُعَامَلاَتِ بَيْنَ النَّاسِ.
أَمَّا مَا يَجِدُهُ الْقَاضِي فِي السِّجِلاَّتِ السَّابِقَةِ عَلَى تَوَلِّيهِ فَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَأَحَدُ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ لِلإْمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَعْمَلُ بِمَا فِيهَا إِذَا انْتَفَتِ الرِّيبَةُ.
وَبِالنِّسْبَةِ لِمَا وَجَدَ فِي السِّجِلاَّتِ الَّتِي تَمَّتْ فِي عَهْدِهِ فَالْفُقَهَاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ، وَذَكَرَ الْحَادِثَةَ، فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ وَيَنْفُذُ. وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا أَنْكَرَ السَّنَدَ مَنْ يُدَّعَى عَلَيْهِ بِمَا فِيهِ.
وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَنْ يَرَى أَنَّهُ إِنْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ خَطُّهُ يَعْمَلُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الْحَادِثَةَ .
وَمَنْ يَتَتَبَّعْ أَقْوَالَ الْفُقَهَاءِ جَمِيعًا فِي حُجِّيَّةِ الْخَطِّ وَالْخَتْمِ يَتَبَيَّنْ لَهُ أَنَّ الْمُعَوَّلَ عَلَيْهِ هُوَ الاِسْتِيثَاقُ مِنْ صِحَّةِ الْكِتَابَةِ، وَعَدَمِ وُجُودِ شُبْهَةٍ فِيهَا، فَإِنِ انْتَفَتْ عَمِلَ بِهَا وَنَفَذَتْ، وَإِلاَّ فَلاَ.
وَقَدِ اسْتُحْدِثَتْ نُظُمٌ وَآلاَتٌ يُمْكِنُ بِوَاسِطَتِهَا اكْتِشَافُ التَّزْوِيرِ فِي الْمُسْتَنَدَاتِ. فَإِنْ طُعِنَ عَلَى سَنَدٍ مَا بِالتَّزْوِيرِ أَمْكَنَ التَّحْقِيقُ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا مَا تَجْرِي عَلَيْهِ الْمُحَاكِمُ الآْنَ. وَلَيْسَ فِي قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَطْبِيقِ النُّظُمِ الْحَدِيثَةِ إِذْ هِيَ لاَ تُخَالِفُ نَصًّا شَرْعِيًّا، وَلاَ تُجَافِي مَا وَضَعَهُ الْفُقَهَاءُ مِنْ قَوَاعِدَ وَضَوَابِطَ رَأَوْهَا مُنَاسِبَةً فِي أَزْمِنَتِهِمْ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 51
إِنْكَارٌ
التَّعْرِيفُ :
- الإْنْكَارُ لُغَةً : مَصْدَرُ أَنْكَرَ وَيَأْتِي فِي اللُّغَةِ لِثَلاَثَةِ مَعَانٍ:
الأْوَّلُ : الْجَهْلُ بِالشَّخْصِ أَوِ الشَّيْءِ أَوِ الأْمْرِ. تَقُولُ: أَنْكَرْتُ زَيْدًا وَأَنْكَرْتُ الْخَبَرَ إِنْكَارًا، وَنَكَّرْتُهُ، إِذَا لَمْ تَعْرِفْهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُون.)
وَقَدْ يَكُونُ فِي الإِْنْكَارِ مَعَ عَدَمِ الْمَعْرِفَةِ بِالشَّيْءِ النَّفْرَةُ مِنْهُ وَالتَّخَوُّفُ، وَمِنْهُ قوله تعالي (فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ) أَيْ تُنْكِرُكُمْ نَفْسِي وَتَنْفِرُ مِنْكُمْ، فَأَخَافُ أَنْ تَطْرُقُونِي بِشَرٍّ.
الثَّانِي : نَفْيُ الشَّيْءِ الْمُدَّعَى، أَوِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ.
وَالثَّالِثُ : تَغْيِيرُ الأَْمْرِ الْمُنْكَرِ وَعَيْبُهُ وَالنَّهْيُ عَنْهُ. وَالْمُنْكَرُ هُوَ الأَْمْرُ الْقَبِيحُ، خِلاَفُ الْمَعْرُوفِ. وَاسْمُ الْمَصْدَرِ هُنَا (النَّكِيرُ)، وَمَعْنَاهُ (الإِْنْكَارُ) أَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فَيَرِدُ اسْتِعْمَالُ (الإِْنْكَارِ) بِمَعْنَى الْجَحْدِ، وَبِمَعْنَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ، وَلَمْ يُسْتَدَلَّ عَلَى وُرُودِهِ بِمَعْنَى الْجَهْلِ بِالشَّيْءِ فِي كَلاَمِهِمْ.
الإِْنْكَارُ بِمَعْنَى الْجَحْدِ
الْمُقَارَنَةُ بَيْنَ الإِْنْكَارِ بِهَذَا الْمَعْنَى وَالْجَحْدِ وَالْجُحُودِ :
- سَاوَى بَعْضُ عُلَمَاءِ اللُّغَةِ فِي الْمَعْنَى بَيْنَ الإِْنْكَارِ وَبَيْنَ الْجَحْدِ وَالْجُحُودِ. قَالَ فِي اللِّسَانِ: الْجَحْدُ وَالْجُحُودُ نَقِيضُ الإِْقْرَارِ، كَالإِْنْكَارِ وَالْمَعْرِفَةِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْجُحُودُ الإِْنْكَارُ مَعَ الْعِلْمِ. يُقَالُ: جَحَدَهُ حَقَّهُ وَبِحَقِّهِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - النَّفْيُ :
النَّفْيُ يَكُونُ بِمَعْنَى الإِْنْكَارِ أَوِ الْجَحْدِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الإِْيجَابِ: وَقِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّفْيِ وَبَيْنَ الْجَحْدِ أَنَّ النَّافِيَ إِنْ كَانَ صَادِقًا سُمِّيَ كَلاَمُهُ نَفْيًا وَلاَ يُسَمَّى جَحْدًا، وَإِنْ كَانَ كَاذِبًا سُمِّيَ جَحْدًا وَنَفْيًا أَيْضًا، فَكُلُّ جَحْدٍ نَفْيٌ. وَلَيْسَ كُلُّ نَفْيٍ جَحْدًا. ذَكَرَهُ أَبُو جَعْفَرٍ النَّحَّاسُ. قَالُوا: وَمِنْهُ قوله تعالي وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا .
ب - النُّكُولُ :
النُّكُولُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنَ الْحَلِفِ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فِي الدَّعْوَى، بِقَوْلِهِ: أَنَا نَاكِلٌ، أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي: احْلِفْ، فَيَقُولَ: لاَ أَحْلِفُ. أَوْ سَكَتَ سُكُوتًا يَدُلُّ عَلَى الاِمْتِنَاعِ.
ج - الرُّجُوعُ :
الرُّجُوعُ عَنِ الشَّيْءِ تَرْكُهُ بَعْدَ الإْقْدَامِ عَلَيْهِ.
فَالرُّجُوعُ فِي الشَّهَادَةِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ أَبْطَلْتُ شَهَادَتِي، أَوْ فَسَخْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا. وَقَدْ يَكُونُ الرُّجُوعُ عَنِ الإِْقْرَارِ بِادِّعَاءِ الْغَلَطِ وَنَحْوِهِ.
د - الاِسْتِنْكَارُ :
الاِسْتِنْكَارُ يَأْتِي بِمَعْنَى عَدِّ الشَّيْءِ مُنْكَرًا، وَبِمَعْنَى الاِسْتِفْهَامِ عَمَّا تُنْكِرُهُ، وَبِمَعْنَى جَهَالَةِ الشَّيْءِ مَعَ حُصُولِ الاِشْتِبَاهِ.
وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ الاِسْتِنْكَارَ يُوَافِقُ الإِْنْكَارَ فِي مَجِيئِهِمَا بِمَعْنَى الْجَهَالَةِ، وَيَنْفَرِدُ الإِْنْكَارُ بِمَجِيئِهِ بِمَعْنَى الْجَحْدِ، وَيَنْفَرِدُ الاِسْتِنْكَارُ بِمَجِيئِهِ بِمَعْنَى الاِسْتِفْهَامِ عَمَّا يُنْكَرُ.

