loading

موسوعة قانون المرافعات

المذكرة الإيضاحية

مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 400 الملغاة من القانون المدني والمقابلة للمادة 60 من قانون الإثبات :

1- عني المشروع في الفقرة الأولى من هذه المادة باستظهار ما للإثبات بالبينة من سمة الاستثناء محتذياً في ذلك مثال المادة 215 / 280 من التقنين الحالي في استهلال نصها بأن (الأخصام.. لا يقبل منهم الإثبات بالبينة..) .

(أ) القاعدة العامة : وقد إختارت بعض التقنينات ( المادة 1932 من التقنين الهولندي، والمادة 1244 من التقنين الإسباني، والمادة 2506 من التقنين البرتغالي ) صيغة أخرى في التعبير عن حكم البينة، رغم بقائها على قواعد التشريعات اللاتينية في هذا الشأن، فقضت ( بجواز الإثبات بالبينة في جميع الأحوال التي لا يمنع فيها القانون ذلك )، وقد توحي هذه الصيغة أن حظر الإثبات بالبينة استثناء من حكم الأصل، ولكن الواقع غير ذلك، لأن التقنينات التي تقدمت الإشارة إليها تخص الدليل الكتابي بالصدارة. ولم ير المشروع وجهاً لإتباع مذهب هذه التقنينات، ولا سيما بعد أن أعرض عنه المشروع الفرنسي الإيطالي (المادة 293) لأن الأصل في الدليل الكتابة وحظر الإثبات بالبينة، في حين أن الاستثناء هو إباحة هذا الإثبات بالنسبة للتصرفات القانونية التي لا تجاوز قيمتها نصاباً معيناً فحسب .

ويرجع ما أصاب قيمة حجية البيئة من تطور إلى عدم التيقن من سلامتها .

وقديماً كان الإثبات بالبينة جائزاً في الشرائع اللاتينية دون قيد بسبب شكلية التصرفات القانونية بوجه خاص، وكانت القاعدة السائدة إذ ذاك تقديم البينة على الكتابة، وقد أبق تقنينا المرافعات الألماني والنمساوي على هذه القاعدة، ولكن سلطانها تزعزع في فرنسا من جراء التطور الذي بدأ بصدور أوامر مولن في سنة 1566. وقد عرض واضعو المشروع الفرنسي الإيطالي لمسألة الإثبات بالبينة، وجعلوا منها محلاً لنقاشهم ( أنظر المذكرة الإيضاحية للمشروع الفرنسي الإيطالي ) وانتهوا من ذلك إلى أن العدول عن نظام تقييد الإثبات، وعن إيثار الدليل الكتابي بالصدارة، إن هو إلا نكوص عن المضي في سبيل التقدم .

وليس يقتصر الأمر في توجيه تقييد الإثبات بالبينة على خطر إغراء الشهود والإدلاء بالشهادة زوراً، بل هو يجاوز ذلك بوجه خاص، إلى ما يقع من أخطاء - الشهود بسبب ما قد يعوزهم من دقة الملاحظة، أو قوة الذاكرة، فضلاً عن ندرة احتمال وجودهم إذا كان العهد قد تقادم على الوقائع. والواقع أن تحريف الشهادة أو تلفيقها لا يعتبر أهم خطر يعرض بشأن الإثبات بالبينة، وإنما يتمثل هذا الخطر في انتفاء ضمانات فعلية لا حيلة للقانون فيها. فقد أسفرت أحدث الدراسات النفسية، كما أسفرت تجارب القضاء، عن تناقض أقوال من يسمعون من الشهود في يوم وقوع الحادث، مع القطع بتوافر حسن النية فيهم. فأي ضمان يكفل صحة الشهادة ودقتها إذا سمع الشهود بعد ذلك بعشر سنوات أو أكثر، وأني لذى الشأن بقاء الشهود على قيد الحياة وإلمامه بمصائرهم، إذا قدر إجراء التحقيق بعد زمن طويل؟

والحق أن ما يعد ذوو الشأن من المحررات عند إنشاء التصرف القانوني كفيل بتحامي هذه الأخطار جميعاً، فإذا قرن ذلك بشيوع انعقاد التصرفات بالكتابة، وتأصل الاطمئنان إليها في تقاليد العمل والتشريع، ظهر وجه الإبقاء على قاعدة تقييد الإثبات بالبيئة وإيثار الكتابة .

وتختلف حجية البيئة إختلافاً جوهرياً عن حجية الكتابة. فبينا يعتبر الدليل الكتابي، تفريعاً على تهيئته، حجة بذاته، فيفرض سلطانه على القضاء ما لم يطعن فيه بالتزوير أو ينقض بإثبات العكس، تترك البينة على نقيض ذلك لتقدير القاضي، ويكون له كامل السلطة في تقدير قيمتها، أياً كان عدد الشهود وأياً كانت صفاتهم، دون أن يخضع في تقديره هذا لرقابة محكمة النقض .

بيد أن سلطة القاضي في التقدير لا تتناول إلا تعلق البينة بالوقائع، دون جواز قبول الإثبات بمقتضاها، لأن تعيين حدود هذا الجواز من شأن القانون وحده .

(ب) شروط تطبيق الحكم الوارد في النص : ويشترط لتطبيق الحكم الوارد في المادة 538 من المشروع توافر شرطين : يتعلق أولهما بطبيعة التصرف، الذي يجري إثباته، ويتصل الثاني بقيمة هذا التصرف. ويراعي بالنسبة للشرط الأول، وهو الخاص بطبيعة التصرف، أن التقنين الفرنسي ( المادة 1341) قد استعمل في معرض بيان هذه الطبيعة عبارة (كل شيء)، وأن التقنين المصرى قد جعل من اصطلاح ( جميع المواد ) بديلاً من هذه العبارة، في حين اقتصر المشروع الفرنسي الإيطالي على ذكر (العقود). وقد آثر المشروع الإفصاح عن مراده فصرف النص ( إلى جميع الالتزامات التعاقدية ) .

على أن الفقه والقضاء في مصر متفقان على أن عبارة النص لا تتناول العقود فحسب، بل ينسحب حكمها على سائر التصرفات القانونية، فلا يخرج من نطاقها إلا الوقائع القانونية. وغني عن البيان أن التصرف القانوني ينصرف إلى كل تعبير عن الإرادة يقصد منه إلى ترتيب أثر قانوني. وهو بهذه المثابة لا يقتصر على العقود فحسب بل يشمل الإرادة المنفردة، كالإيجاب والقبول والتنازل عن حق الوفاء والإجازة .

وبديهي أن صاحب الحق لا يعني بتهيئة الدليل وقت انعقاد التصرف القانوني ما لم يكن قد قصد منه إلى ترتيب آثار قانونية لصالحه، أما الوقائع القانونية، وهي التي يستقل القانون بترتيب آثارها ويلتزم محدها دون أن يسعى إلى ذلك، فمن المستحيل في الأصل أن يهيأ دليل کتابی بشأنها، ولذلك أبيح إثبات هذه الوقائع بالبينة، سواء أكانت منشئة لأشباه عقود أو جنح أو أشباه جنح .

وتستخلص من ذلك نتيجتان : (أ) أولاهما أن الوقائع المادية لا ينبغي أن تذكر بين الإستثناءات التي ترد على الحكم المتقدم ذكره، لأن هذا الحكم لا يسرى بشأنها. وقد حاد التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالي ( المادة 1348) عن جادة المنطق بإزاء الإلتزامات الناشئة عن أشباه العقود وأشباه الجنح، بوصفها أمثلة لهذه الاستثناءات. (ب) والثانية التصرفات القانونية غير المعينة القيمة ( أنظر المادة 215 / 280 من التقنين المصرى ) والتصرفات القانونية التي أوجب القانون بالنص إثباتها بالكتابة . 

أما الشرط الثاني فهو يتعلق بالقيمة التي تعتبر نصاباً للشهادة. وقد حدد التقنين الفرنسي والتقنين البلجيكي هذه القيمة بمائة وخمسين فرنكا، وحددها التقنين الإيطالي بخمسمائة ليرة، ثم زيدت إلى خمسمائة فرنك بمقتضى القانون الصادر في سنة 1928 في فرنسا، وإلى 2000 ألفي فرنك بمقتضى القانون الصادر في سنة 1938 في بلجيكا، وإلى ألف ليرة بمقتضى المرسوم الصادر في 20 سبتمبر سنة 1922 في إيطاليا، وجعلها المشروع الفرنسي الإيطالي ( المادة 293) 2000 ليرة أو فرنك، والواقع أن هبوط قيمة النقد أفضى في الدول التي حددت نصاب الشهادة بمبلغ 150 فرنكاً إلى الحيلولة دون تطبيق الأحكام المتعلقة بالإثبات بالبينة عملاً، ولم يبلغ ما طرأ على قيمة النقد المصري من التغيير مبلغ ما أصاب النقد في أوروبا، ولهذا لم ير المشروع وجهاً لرفع نصاب الإثبات بالبينة مع مراعاة التحفظ الآتي :

ج ) الإتفاق على خلاف قواعد الإثبات بالبينة : أشير فيما تقدم إلى أن المشروع نهج نهج التقنين القائم في تقييد الإثبات. ومن الأهمية بمكان تعيين ما إذا كانت القواعد الخاصة بعبء الإثبات وطرق الإثبات تتعلق بالنظام العام. إذ لو قيل بتعلقها به لترتب على ذلك بطلان كل اتفاق مخالف، ولو قيل بغير ذلك لكان للمتعاقدين أن يتفقوا على الخروج عليها .

وقد ذهب فريق من الفقهاء، تبعته طائفة من أحكام القضاء في بلجيكا بوجه عام، إلى إلحاق هذه القواعد بالنظام العام، باعتبار تعلقها بالنظام القضائي، وإنشائها للوصول إلى أمثل طريق لحسم المنازعات. ومؤدى رأى هذا الفريق أن قواعد الإثبات لا يجوز إستبعادها أو تعديلها بمقتضى اتفاق خاص .

وذهب فريق آخر إلى أن قواعد الإثبات لا تكفل إلا حماية مصالح خاصة. ويجوز في منطق هذا الرأي للمتعاقدين أن يعدلوا فيها باتفاقهم ( أنظر استئناف مختلط 31 مایو سنة 1922 ب 34 ص 440، وهو يجيز الإتفاق على الاقتصار في الإثبات على الكتابة دون غيرها ) في بعض الأحوال .

وتعرض الإتفاقات الخاصة بتعديل الوقائع التي يجري إثباتها وتعديل عبء الإثبات، بوجه خاص، في عقود التأمين وعقود الإذعان. أما طرق الإثبات فالخلاف بشأنها يعرض بصدد الشهادة والقرائن .

والظاهر أن القضاء الفرنسي قد جرى، فيما يتعلق بالإثبات بالبينة، على إقرار صحة الاتفاقات المعدلة له، لأن نصاب الشهادة في التقنين الفرنسي وهو 150 فرنكاً، أي ما يعادل جنيه مصرياً، قد أصبح ضئيلاً جداً و انتهى الأمر بذلك إلى الإلزام بتحصيل الدليل الكتابي في جميع المنازعات، وقد اقترح لعلاج هذه الحالة، حظر الاتفاق على خلاف الأحكام الخاصة بعبء الإثبات ورفع نصاب الشهادة .

وقد أجيبت هذه الرغبة فصدر في سنة 1928 قانون رفع نصاب الإثبات بالشهادة إلى خمسمائة فرنك في فرنسا، وصدر في بلجيكا في سنة 1938 قانون رفع هذا النصاب إلى ألفي فرنك. وقد جعل المشروع الفرنسي الإيطالى نصاب البينة ألفي فرنك أو ليرة. وقد كان المشروع بين أن يرفع قيمة نصاب البينة وبين أن يجيز الاتفاق على مخالفة قاعدة وجوب الإثبات بالكتابة، ولاسيما بعد أن قضت محكمة النقض بجواز هذا الاتفاق ( نقض مدني 7 أبريل سنة 1938 مج ر 39 ص 481 رقم  188 و مج نقض 2 ص 316 رقم 107) وقد روى التمشى مع مذهب هذا القضاء على أن أمر الخيار في هذا الشأن لا يزال موكولاً للاستحسان، فليس ثمة ما يحول دون العدول عن هذا المذهب والنص على رفع نصاب الشهادة، مع حظر الاتفاق على خلاف القواعد المتعلقة بالإثبات .

2- وتعرض الفقرة الثانية لتقدير قيمة الإلتزام عند الإثبات. ويراعى أن التقنين الفرنسي ( المواد 1342 - 1345) والتقنين الإيطالى ( المواد 1342 - 1346) والمشروع الفرنسي الإيطالي تناولت جميعاً بیان الأحكام التي تتبع في تقدير قيمة الإلتزام الذي يراد إقامة الدليل بشأنه. بيد أن التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالي والتقنين الهولندي تقرر جميعاً وجوب إضافة الفوائد إلى أصل الدين عند تقدير قيمة النزاع، بينا ينص المشروع الفرنسي الإيطالي على جواز الإثبات بالبيئة، حيث لا تجاوز هذه القيمة نصاب الشهادة إلا من جراء إضافة الفوائد إلى أصل الدين .

وغني عن البيان أن النص الوارد في هذا المشروع يعتبر أدنى إلى العقل والمنطق ، لأن تقدیر وجوب الحصول على دليل كتاب مهيأ ينبغي أو يناط بقيمة التصرف عند انعقاده. ولذلك نصت الفقرة الثانية من المادة 538 من المشروع على قاعدة وجوب الرجوع إلى قيمة الإلتزام وقت تمام التعاقد، جعلت بذلك أصل الدين، دون الملحقات مناطاً للتقدير. ويلاحظ أن هذه الفقرة تتمشي مع نصوص المادة 28 / 30 من تقنين المرافعات المصرى الخاصة بتقدير قيم الدعاوى لتعيين الاختصاص النوعي .

3- أما الفقرة الثالثة من هذه المادة فأحكامها تخالف أحكام المواد 1345 من التقنين الفرنسي والتقنين الإيطالى، 1237 من التقنين الكندي، 297 من المشروع الفرنسي الإيطالي، 30 / 28 فقرة 3 من تقنين المرافعات المصري .

وليس شك في أن حكم هذه الفقرة يتفق مع قاعدة تقدير الالتزام باعتبار قيمته وقت تمام انعقاده، كلما اتحد الخصوم، وكان النزاع متعلقاً بالتزامات من طبيعة واحدة تمت في أوقات مختلفة، لافي وقت واحد، على حد تعبير التقنين الفرنسي. فكل التزام من هذه الالتزامات يجوز إثباته بالبينة متى كانت قيمته لاتجاوز عشرة جنيهات .

وقد أخذ المشروع، تمشياً مع جواز تفريق إثبات الطلبات المتعددة، بجواز تفریق إثبات وفاء الدين دفعة متعددة، فأجاز إثبات كل وفاء لا تجاوز قيمته عشرة جنيهات البينة، ولو كان أصل الدين يجاوز هذه القيمة .

الاحكام

1- إن الواقعة المادية أمر وفعل إرادى محسوس يرتب عليه القانون أثراً يعتد به وهى قد تكون واقعة طبيعية وقد تكون من عمل الإنسان وهى ذات طبيعة تقتضيها الضرورات العملية ولا يقبل استلزام نوع معين من الأدلة عليها وإلا استحال إثباتها فى أغلب الحالات ومن ثم أجاز المشرع إثباتها بكافة طرق الإثبات وإن كان ذلك لا يمتنع بطبيعة الحال من أنه كثيراً ما يحدث أن يلجأ الأفراد فى العمل إلى تقرير واقعة مادية عن طريق الكتابة كتحرير محضر عن طريق رجال الشرطة فى حالة التلبس بجريمة وليس هذا فى الواقع إلا وسيلة للتيسير فى الإثبات وهى فى ذلك كله بعكس التصرف أو الأعمال القانونية فهى على خلاف ذلك إذ الأصل هو إثباتها بالكتابة ويتعين بالنسبة لها تهيئة الدليل مقدماً ولا يجوز فيها الإثبات بالبينة والقرائن إلا استثناءً بالنسبة للتصرفات التى لا يتجاوز نصاب إثباتها بالبينة والقرائن الحد الأقصى الذى حدده القانون لذلك ، وإذ كان يجوز إثبات الواقعة المادية إذا ما كانت غير معترف بها وحسبما سلف بكافة طرق الإثبات إلا أنه يشترط فيها أن تكون متعلقة بالدعوى ومنتجة فيها وجائزاً قبولها .

(الطعن رقم 2634 لسنة 68 جلسة 2010/12/22 س 61 ص 995 ق 169)

2- قواعد الإثبات ليست من النظام العام فلا يجوز للمحكمة أن ترفض من تلقاء ذاتها طلب الإثبات بالبينة حيث ينص القانون على أن يكون الإثبات بالكتابة بل يجوز للخصم أن يطلب الإثبات بالطريقة التي يراها محققة لمصلحته فى الدعوى، فإن اعترض خصمه على الإثبات بهذه الطريقة تقوم المحكمة بتقدير مدى جدية وقانونية هذا الاعتراض وتجيز الإثبات أو لا تجيزه على ضوء القواعد المقررة فى القانون .

(الطعن رقم 772 لسنة 64 جلسة 2002/12/19 س 53 ع 2 ص 1211 ق 234)

3- عقد الوكالة بالعمولة هو من العقود التجارية بنص القانون التجاري "مواد 81 إلى 89" وقد أجازت المادة 60 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم 25 لسنة 1968 إثبات مثله بالبينة وهو ما تمسك به الطاعن أمام محكمة أول درجة وأصبح واقعاً مسطوراً بأوراق الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر واستلزم الكتابة لإثبات عقد الوكالة بالعمولة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون، بما يعيبه ويوجب نقضه فيما قضى به فى الدعوى المدنية .

(الطعن رقم 22481 لسنة 63 جلسة 2002/06/10 س 53 ص 772 ق 130) 

4- مفاد نص المادة 153 من قانون التجارة البحري رقم 8 لسنة 1990 الذي أدعت المطعون ضدها انعقاد عقد إيجار السفينة فى ظله على أن "لا يثبت عقد إيجار السفينة إلا بالكتابة، عدا تأجير السفينة التي لا تزيد حمولتها الكلية على عشرين طنا". مفاده أن اشتراط المشرع أن يكون عقد إيجار السفينة التي يجاوز حمولتها ذلك القدر محررا بالكتابة هو عدم قبول دليل آخر خلافه لإثبات ذلك العقد استثناء من قاعدة جواز الإثبات بالبينة فى المسائل التجارية "الوارد ذكرها فىالمادة 60 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية. لما كان ذلك وكان الثابت من الأوراق أن الطاعنة قد جحدت الصور الضوئية للمحررات العرفية التي ادعت المطعون ضدها أنها تتضمن ما يفيد تعاقدها على استئجار السفينة المملوكة لها موضوع النزاع وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لأثر عدم تقديم المطعون ضدها لأصل هذه المحررات اكتفاء بما قرره من أن منازعة الطاعنة فى مطابقة الصور لأصولها يستنتج منه علمها بها وهو ما ينطوي على مصادرة لحق الطاعنة فى التمسك بوجوب التحقق من وجود الدليل الكتابي لإثبات عقد إيجار السفينة محل النزاع .

(الطعن رقم 131 لسنة 71 جلسة 2002/04/09 س 53 ع 1 ص 507 ق 96)

5- النص فى المادة 485 من القانون المدنى على أن " تسرى على المقايضة أحكام البيع ، بالقدر الذى تسمح به طبيعة المقايضة ، ويعتبر كل من المتقايضين بائعاً للشئ الذى قايض به ومشترياً للشئ الذى قايض عليه " إنما يدل على أن عقد المقايضة يسرى عليه فى الأصل أحكام البيع من حيث كونه عقداً رضائياً يتم بتوافق الإيجاب والقبول ولا يشترط فيه شكل خاص ويثبت طبقاً للقواعد العامة فى الإثبات ، ومن حيث أركان انعقاده من رضا ومحل وسبب مع مراعاة أن المحل فى عقد المقايضة هو الشيئان المتقايض فيهما .

(الطعن رقم 4770 لسنة 61 جلسة 1997/10/30 س 48 ع 2 ص 1156 ق 215)

6- لما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن قد تمسك فى المذكرة المقدمة منه لمحكمة الدرجة الأولى بتاريخ 1994/6/12 بعدم جواز إثبات دفع مبلغ المهر إلا بالكتابة عملاً بنص المادة 60 من قانون الإثبات وكان من المقرر أن تسليم الخاطب مخطوبته قبل العقد مالاً محسوباً على المهر يعتبر تصرفاً قانونياً يخضع فى إثباته للقواعد العامة فى الإثبات ، وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بجواز إثبات تسليم الخاطب لولى مخطوبته مبلغ المهر ومقداره عشرة آلاف جنيه بشهادة الشهود على سند من أن هذا التسليم يعد واقعة مادية وليس تصرفاً قانونياً واتخذ من أقوال الشهود فى التحقيق الذى أجرته المحكمة عماداً لقضائه برد المهر فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 5208 لسنة 66 جلسة 1997/07/08 س 48 ع 2 ص 1083 ق 204) 

7- ولئن كان لقاضى الموضوع سلطة تقدير أقوال الشهود حسبما يطمئن إليه وجدانه، إلا أن لمحكمة النقض أن تتدخل إذا ما صرح القاضى بأسباب اطمئنانه وكانت هذه الأسباب مبنية على ما يخالف الثابت بالأوراق أو على تحريف لأقوال الشهود أو الخروج بها عما يؤدى إليه مدلولها أو كانت محمولة على أدلة غير صالحة من الناحية الموضوعية للاقتناع بها، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد بنى قضاءه بتأييد الحكم المستأنف بإلزام الطاعن بإداء المبلغ المقضى به على ما قرره من اطمئنانه إلى أقوال شاهدى المستأنف عليه - المطعون عليه _ على قاله اتساقها مع ما جاء بالتقرير الفنى فى الدعوى فى حين سبق للمحكمة أن قضت برد وبطلان إيصال المديونية على سند من تقرير قسم إبحاث التزييف والتزوير مما لا يصح معه اتخاذه سندا تستدل به المحكمة على ثبوت مديونية الطاعن، وإذ خالف قضاء الحكم المطعون فيه هذا النظر واتخذ من تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذى انتهى إلى أن المحرر سند المديونية مزور على الطاعن - دليلا على صحة أقوال شاهدى المطعون عليه فى ثبوت هذه المديونية فإنه يكون معيباً بالفساد فى الاستدلال .

(الطعن رقم 202 لسنة 60 جلسة 1994/04/24 س 45 ع 1 ص 757 ق 143)

8- لمحكمة الموضوع فى الأحوال التى يكون فيها الإثبات جائزاً بالبنية والقرائن أن تعتمد فى تكوين عقيدتها على تحقيق أجراه الخبير وأقوال شهود سمعهم دون حلف يمين كقرينة قضائية .

(الطعن رقم 2988 لسنة 58 جلسة 1993/11/25 س 44 ع 3 ص 278 ق 339)

9- الشهادة ذات حجية متعدية لأن ما يثبت بها لأحد الخصوم يعد ثابتا بالنسبة للخصم الآخر وذلك اعتباراً من صدرت منه الشهادة شخص عدل لا يقصد بها تحقيق مصلحة لأحد أو مضارته ولهذا الأثر للشهادة واعتبارات العدالة فإنه يجب ألا يقوم بالشاهد مانع من موانعها من شأنه أن يدع للميل بشهادته لخصم على آخر سبيلا ومن هذا القبيل أن تكون بين الشاهد ومن يشهد عليه خصومه فقد ورد فى الحديث الشريف " لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى إحفة " وإذ خلت مواد قانون الإثبات المنظمة لشهادة الشهود بالباب الثالث من نص يعالج أثر وجود خصومة بين الشاهد والمشهود عليه فليس أمام القاضي من سبيل إلا أن يلتجئ إلى مبادئ الشريعة الإسلامية التى تقضى بأن قيام هذه الخصومة يعد مانعا للشهادة باعتبار هذه المبادئ المصدر الرئيسي للتشريع بنص المادة الثانية من الدستور والمرجع الأصيل للقضاء عند غياب النص وعدم وجود العرف طبقا لما نصت عليه المادة الأولى من القانون المدنى وينبني على ذلك أنه إذا ما طعن الخصم على أقوال الشاهد بوجود خصومه بينهما مانعة من الإدلاء بأقواله دون ميل وأقام الدليل على ذلك تعين على المحكمة أن تمحص دفاعه وتحققه قبل أن تحكم فى النزاع فإن هى لم تفعل واستندت إلى أقوال هذا الشاهد رغم الطعن بفسادها وقع الحكم باطلاً .

(الطعن رقم 434 لسنة 59 جلسة 1993/11/14 س 44 ع 3 ص 200 ق 324)

10- الشهادة وحدها تكفى دليلاً على إظهار وجه الحق فى الدعوى ، وأن تقدير أقوال شاهد هو مما تستقل به محكمة الموضوع فلها أن تأخذ بأقوال شاهد دون آخر حسبما تطمئن إليه من غير أن تكون ملزمة ببيان أسباب ترجيحها لما أخذت به وإطراحها ما عداه ، إلا أن ذلك مشروط بألا تخرج عن مدلول تلك الشهادة أو أن تنحرف بها عن مفهومها والعبرة فى هذا الخصوص بالمعنى الذى تؤدى إليه تلك الشهادة لا بالألفاظ التى ساقها الشاهد للوصول إلى هذا المعنى .

(الطعن رقم 2001 لسنة 57 جلسة 1992/12/10 س 43 ع 2 ص 1304 ق 266)

11- متى كان خبير تحقيق الشخصية قد إنتهى فى تقريره إلى أن البصمة الموقع بها على المحرر المطعون عليه بالتزوير لا تصلح للمضاهاة لأنها مطموسة مما مفاده أن تحقيق صحة هذه البصمة بطريق المضاهاة غير ممكن بمعرفة مصلحة تحقيق الشخصية، فإنه يبقى مع ذلك أمر تحقيق صحتها متروكا لقواعد الإثبات الأخرى فيجب إثبات حصول التوقيع على المحرر المطعون عليه باعتباره واقعة مادية بجميع طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتأييد الحكم الابتدائي الصادر برفض الدعوى مستدلا على ذلك بالمحرر المنسوب إلى الطاعن التوقيع عليه بالبصمة المطعون عليها بالتزوير أمام محكمة الاستئناف بعد أن انتهى الخبير إلى عدم صلاحيتها للمضاهاة لأنها مطموسة دون أن يحقق صحتها طبقا لقواعد الإثبات الأخرى أو يقول كلمته فى الطعن بالتزوير على المحرر الذى استند إليه فى قضائه فإنه يكون معيباً بالقصور المبطل .

(الطعن رقم 2131 لسنة 57 جلسة 1992/07/26 س 43 ع 1 ص 991 ق 205)

12- إذ كانت مسألة ثبوت العلاقة الإيجارية بين الطاعن والمطعون ضده قد حسمها الحكم الصادر فى الدعوى "..." لسنة 1981 مدنى دمياط الإبتدائية وإذ لم ينازع المطعون ضده - المستأجر - فى ذلك بل أقام دعوى فرعية بطلب إلزام الطاعن - المؤجر - بتحرير عقد إيجار له عن العين محل النزاع فإن الحكم الصادر فى الدعوى سالفة الذكر يقوم مقام العقد المكتوب فى إثبات العلاقة الإيجارية، ومن ثم فإن قضاء الحكم المطعون فيه بعدم قبول دعوى الطاعن لعدم وجود عقد إيجار مكتوب مخالفاً للقانون.

(الطعن رقم 700 لسنة 56 جلسة 1991/12/12 س 42 ع 2 ص 1835 ق 288)

13- إذا كان التصرف حاصلاً بين شخصين وكان بالنسبة لأحدهما مدنياً وبالنسبة للآخر تجارياً فإن قواعد الإثبات فى المواد المدنية هى التى تتبع على من كان التصرف مدنياً بالنسبة إليه و تسرى قواعد الإثبات فى المواد التجارية على من كان التصرف تجارياً بالنسبة إليه .

(الطعن رقم 3398 لسنة 58 جلسة 1990/05/16 س 41 ع 2 ص 144 ق 195)

14- الوفاء بإعتباره تصرفاً قانونياً لا يجوز إثباته بغير الكتابه أو ما يقوم مقامها إذا كانت قيمته تزيد على عشرين جنيهاً طبقاً لنص المادة 60 من قانون الإثبات ، مما تكون العبرة فيه بقيمة الإلتزام الأصلى إذا كان الوفاء جزئياً .

(الطعن رقم 2515 لسنة 52 جلسة 1986/05/27 س 37 ع 1 ص 600 ق 125) 

15- يجوز إثبات الغش - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - بطرق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة وإذ أسست الطاعنة دفاعها أمام محكمة الموضوع على ما هو ثابت بالأوراق أن المطعون ضده - بعد أن تسلم منها المبلغ الثابت بسند المديونية قام بتمزيق ورقة أوهمها أنها السند المذكور ، وكان هذا منه - فيما لو ثبت - يشكل إحتيالاً وغشاً يجوز إثباته بطريق الإثبات القانونية كافة شاملة البينة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه على أن ما تدعيه الطاعنة وفاء وهو بهذه المثابة تصرف قانونى لا يجوز إثباته إلا بالكتابة لا يواجه دفاع الطاعنة آنف الذكر ولا يصلح رداً عليه رغم أنه دفاع جوهرى من شأنه لو ثبت أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فيكون فضلاً عن خطئه فى تطبيق القانون قد شابه القصور فى التسبيب و الإخلال بحق الدفاع .

(الطعن رقم 648 لسنة 52 جلسة 1985/12/26 س 36 ع 2 ص 1209 ق 249)

16- لما كان وضع اليد واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات . وأن العبرة فيها بما يثبت قيامه فعلاً ولو خالف ما هو ثابت فى الأوراق ، وكان الحكم برفض الدفع بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها يقف أثره عند وجوب الإستمرار فى نظر الدعوى ولا يتعداه لينال من حجية ذلك الحكم . فلا يحول دون الإستناد إليه كقرينة على ثبوت الحق محل النزاع أو نفيه متى كان يجوز إثبات هذا الحق بالبينة والقرائن .

(الطعن رقم 676 لسنة 43 جلسة 1982/01/26 س 33 ع 1 ص 199 ق 36)

17- إتفاق الطرفين على القيام بعمل تجارى هو إستغلال مطحن يجعلهما تاجرين وإذ كان تفويض المطعون ضده الأول للطاعن ينطوى على أعمال تتصل بهذا العمل ولازمة له فإن هذه الأعمال تعتبر هى الأخرى أعمالاً تجارية تطبيقاً لمبدأ الأعمال التجارية بالتبعية المنصوص عليها فى الفقرة التاسعة من المادة الثانية من قانون التجارة . وغير صحيح ما يقوله الطاعن من أن العمل التجارى يعتبر مدنياً بالتبعية لتلك الأعمال لأنه هو الأصل والأصل لا يتبع الفرع . ولما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد رتب على هذا النظر بحق إعتبار عقد الوكالة تجارياً وأجاز إثباته بالبينة و رد على دفاع الطاعن فى هذا الصدد فإن النعى عليه بهذين السببين يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 452 لسنة 37 جلسة 1972/10/28 س 23 ع 3 ص 1225 ق 193)

18- قواعد الإثبات ليست من النظام العام فيجوز الإتفاق على مخالفتها صراحة أو ضمناً كما يجوز لصاحب الحق فى التمسك بها أن يتنازل عنه ، ولما كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضده الأول قد إرتضى حكم الإحالة إلى التحقيق الصادر من المحكمة الإبتدائية ونفذه بإعلان شهوده وسماعهم وليس فى الأوراق ما يدل على إعتراضه عليه حتى صدور الحكم فى الموضوع ، فإن ذلك يعد نزولاً منه عن حقه فى التمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة ، فلا يجوز له إثارة هذا الدفع أمام محكمة الإستئناف .

(الطعن رقم 468 لسنة 49 جلسة 1979/12/19 س 30 ع 3 ص 324 ق 398)

19- إذا كان التنبيه بالإخلاء هو تعبير عن إرادة أحد طرفى العقد فى إنهاء الإيجار ، فإنه يعتبر بذلك تصرفاً قانونياً من جانب واحد ، يخضع فى إثباته للقواعد العامة ، فإذا كانت قيمة الإيجار تجاوز عشرة جنيهات وجب إثبات التنبيه بالكتابة أو ما يقوم مقامها إلا إذا إتفق الطرفان على خلاف ذلك .

(الطعن رقم 157 لسنة 38 جلسة 1973/04/24 س 24 ع 2 ص 667 ق 117)

20- إذ كان الثابت أن المبلغ الذى طلبته المطعون عليها وقضى به ضد مورث الطاعنين يمثل قيمة ريع أطيان حصلها من المستأجرين وثمن بالتى خيش . وتستند المطعون عليها فى ذلك لا إلى تصرف قانونى بل إلى واقعة مادية هى إستيلاء مورث الطاعنين على هذه المبالغ بغير وجه حق ، ومن ثم فإنه يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات بما فيها البينة .

(الطعن رقم 700 لسنة 42 جلسة 1977/04/26 س 28 ع 1 ص 1040 ق 178)

21- لا يشترط فى الإتفاق على الحلول شكل خاص ، ويخضع فى إثباته للقواعد العامة ، والموفى يحل محل الدائن فى حقه بما لهذا الحق من خصائص وما يلحقه من توابع وما يكفله من تأمينات عينية أو شخصية وما يرد عليه من دفوع ، وهو ما تقضى به المادة 329 من القانون المدنى ويقع الحلول فى التأمينات بحكم القانون دون حاجة لإتفاق الموفى مع الدائن على إحلاله محله فى الرهن أو فى أى تأمين آخر .

(الطعن رقم 388 لسنة 43 جلسة 1977/03/22 س 28 ع 1 ص 745 ق 134)

22- إنه و لئن كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة الخصوم إلى ما يطلبونه من إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ما يجوز إثباته بشهادة الشهود ، إلا أنها ملزمة إذا رفضت هذا الطلب أن تبين فى حكمها ما يسوغ رفضه ، وإذ كان ردها غير سائغ فإن حكمها يكون معيباً بالقصور فى التسبيب والإخلال بحق الدفاع . 

(الطعن رقم 469 لسنة 40 جلسة 1980/03/25 س 31 ع 1 ص 871 ق 172)

23- إذ كانت المادة 224 من القانون المدنى قد أجازت للقاضى أن يخفض مقدار التعويض الإتفاقى إذا أثبت المدين أنه كان مبالغاً فيه إلى درجة كبيرة وكانت الطاعنة قد تمسكت فى مذكرتها المقدمة لمحكمة الإستئناف بأن مقدار التعويض الإتفاقى مبالغ فيه إلى درجة كبيرة وطلبت إحالة الدعوى إلى التحقيق لإثبات ذلك فإن الحكم إذ قضى بالتعويض الإتفاقى دون أن يعرض لهذا الدفاع رغم أنه جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور .

(الطعن رقم 928 لسنة 52 جلسة 1983/03/10 س 34 ع 1 ص 669 ق 141)

24- النص فى المادة 1096 من التقنين المدنى على أن " الرهن الحيازى عقد به يلتزم شخص ، ضماناً لدين عليه ، أو على غيره بأن يسلم إلى الدائن أو إلى أجنبى يعينه المتعاقدان شيئاً يرتب عليه للدائن حقاً عينياً يخوله حبس الشئ لحين إستيفاء الدين ، وأن يتقدم الدائنين العاديين والدائنين التاليين له فى المرتبة فى إقتضاء حقه من ثمن هذا الشىء فى أى يد يكون ، يدل على أن الرهن الحيازى عقد تابع يستلزم وجود إلتزام أصلى يضمنه ويتبعه فى وجوده وإنقضائه وأوصافه فإذا كان الإلتزام الأصلى تجارياً إعتبر الرهن عملاً تجارياً ولما كان من المقرر أن جميع أعمال البنوك تعتبر أعمالاً تجارية طبقاً لنص الفقرتين 4 ، 5 من المادة الثانية من قانون التجارة ولو تمت بصفة منفردة أو لصالح شخص غير تاجر ، وكان فتح الإعتماد هو عقد يتم بين البنك وعميل يتعهد فيه البنك بوضع مبلغ معين تحت تصرف العميل خلال مدة معينة فيكون لهذا الأخير حق سحبه كله أو بعضه بالكيفية التى يراها فإذا كان الإعتماد مصحوباً برهن حيازى لضمان رد المبالغ التى يسحبها العميل من الإعتماد المفتوح لصالحه إعتبر الرهن فى هذه الحالة عملاً تجارياً لا يسرى عليه ما يتطلبه القانون المدنى من إجراءات لنفاذه فى حق الغير بل يجوز إثباته بكافة طرق الإثبات سواء بالنسبة للمتعاقدين أو بالنسبة للغير ذلك أنه طبقاً للمادة 76 من القانون التجارى بعد تعديلها بالقانون رقم 655 لسنة 1954 يثبت الرهن الذى يعقد ضماناً لدين تجارى بكافة طرق الإثبات المقبولة فى المواد التجارية سواء بالنسبة للمتعاقدين أو الغير ، ومن ثم فإن القانون التجارى يكفى لنفاذ الرهن فى حق الغير بإنتقال حيازة الشئ المرهون إلى الدائن المرتهن أو من يعنيه المتعاقدان وفقاً لما تقضى به المادة 77 من قانون التجارة ولا يستلزم ثبوت تاريخ عقد الرهن ولا تدوين هذا العقد فى أية ورقة .

(الطعن رقم 692 لسنة 49 جلسة 1983/03/28 س 34 ع 1 ص 825 ق 171)

25- قواعد الإثبات - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ليست من النظام العام ، فإذا سكت عنها من يريد التمسك بها ، عد ذلك تنازلاً منه عن حقه فى الإثبات بالطريق الذى رسمه القانون ، ولا يجوز التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 726 لسنة 41 جلسة 1977/03/20 س 28 ع 1 ص 718 ق 131)

26- لا تتصل قاعدة عدم جواز الإثبات بالبينة فى الأحوال التى يجب فيها الأثبات بالكتابة بالنظام العام ، ولذلك يجوز للخصوم الإتفاق على مخالفتها كما يجوز لصاحب الحق فى التمسك بها أن يتنازل عنه . فإذا كان الثابت من الحكم الصادر من المحكمة الإبتدائية بإجراءات الإثبات أن الطاعن قد طلب تكليف خصومة بإثبات ما يدعيه بشهادة الشهود مما يقطع برضائه الإثبات بهذا الطريق فإن الحكم المطعون فيه إذ أقام قضاءه برفض الدفع بعدم جواز الإثبات بالبينه على أساس نزول الطاعن عن حقه فى طلب الإثبات بالكتابة ، لا يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 163 لسنة 27 جلسة 1962/11/15 س 13 ع 2 ص 1031ق 159)

27- مؤدى نص المادة 23 من القانون رقم 52 لسنة 1969 ، أن المشرع لم يكتف بمجرد الحصول على ترخيص خاص من المالك بالتأجير من الباطن ليحول دونه ودون طلب الإخلاء ، بل شرط كذلك أن يكون الترخيص كتابة ، مما مؤداه أنه فى الأصل لا يجوز عند المنازعة فى حصوله إثباته بغير هذه الوسيلة التى حددها المشرع فإثبات الإذن بالتنازل الصريح يجب أن يكون كتابة أو ما يقوم مقامها من يمين أو إقرار . غير أن الكتابة فى الأذن الخاص ليست - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ركناً شكلياً بل هى مطلوبة لإثبات التنازل عن الشرط المانع لا لصحته ، فيمكن الإستعاضة عنها بالبينة أو بالقرائن فى الحالات التى تجيزها القواعد العامة إستثناء فيجوز إثبات التنازل الضمنى بالبينة إعتباراً بأن الإرادة الضمنية تستمد من وقائع مادية وهى تثبت بجميع الوسائل . ولما كان البين من الحكم الإبتدائى أنه أحال الدعوى إلى التحقيق لإثبات التنازل الضمنى عن الشرط المانع بإثبات الوقائع المادية التى تستخلص منها ، فإن إستخلاص الحكم المطعون فيه للتنازل من واقع أقوال الشهود لا ينطوى بذاته على خطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 226 لسنة 44 جلسة 1978/04/26 س 29 ع 1 ص 1133 ق 223)

28- الوارث لا يعتبر فى حكم الغير بالنسبة للتصرف الصادر من المورث - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إلا إذا كان طعنه على هذا التصرف هو أنه وإن كان فى ظاهره بيعاً منجزاً إلا أنه فى حقيقته يخفى وصية إضراراً بحقه فى الميراث أو أنه صدر فى مرض موت المورث فيعتبر إذ ذاك فى حكم الوصية لأنه فى هاتين الصورتين يستمد الوارث حقه من القانون مباشرة حماية له من تصرفات مورثه التى قصد بها الإحتيال على قواعد الإرث التى تعتبر من النظام العام .

(الطعن رقم 1636 لسنة 49 جلسة 1983/03/24 س 34 ع 1 ص 738 ق 156)

29- تحديد أجرة الأماكن طبقاً للقوانين المحددة للإيجارات هو من مسائل النظام العام ولا يجوز الإتفاق على ما يخالفها ، ومن ثم يجوز إثبات التحايل على زيادة هذه الأجرة بكافة طرق الإثبات .

(الطعن رقم 315 لسنة 39 جلسة 1974/11/19 س 25 ع 1 ص 1243 ق 211)

30- إن حق الإنسان فى سلامة جسمه من الحقوق التي كفلها الدستور والقانون ، وجرم التعدي عليها ، بما مؤداه أن المساس بسلامة الجسم بأي أذى ، من شأنه الإخلال بهذا الحق ، ويتوافر به الضرر المادي المستوجب للتعويض ، سواء نتجت عنه إصابة أم لا ، وهو من الوقائع المادية التي يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات ومنها البينة .

(الطعن رقم 2220 لسنة 63 جلسة 2000/11/15 س 51 ع 2 ص 1000 ق 190)

31- يعد تصرفاً قانونياً كل عمل إرادى يأتيه الشخص بقصد إحداث أثر قانونى ، سواء اتخذ هذا العمل صورة التعاقد أو يكون صادراً عن إرادة منفردة ، أو يؤدى إلى إحداث أى أثر قانونى آخر أما الوقائع المادية فهى كالفعل الضار والفعل النافع ووضع اليد .

(الطعن رقم 1725 لسنة 67 جلسة 2010/05/18 س 61 ص 707 ق 117)

32- النص فى المادة التاسعة من القانون المدنى على أنه ‘‘ تسرى فى شأن الأدلة التى تعد مقدماً النصوص المعمول بها فى الوقت الذى أعد فيه الدليل أو فى الوقت الذى كان ينبغى فيه إعداده يدل على أن القانون الذى نشأ التصرف فى ظله هو الذى يجب أن يحكمه من حيث إثباته . ’’ وإذ كان عقد البيع المؤرخ 1964/7/26 الذى إستند إليه المطعون عليه فى شراء حصة الطاعن فى الجرار موضوع النزاع قد أبرم قبل صدور قانون الإثبات رقم 25 لسنة 1968 فإنه يخضع فى إثباته للأحكام الواردة فى القانون المدنى .

(الطعن رقم 502 لسنة 42 جلسة 1976/06/28 س 27 ع 1 ص 1444 ق 275)

33- المقرر في قضاء هذه المحكمة أن نص المادة 60 من قانون الإثبات المنطبق على الواقعة جرى على أنه (في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على خمسمائة جنيه أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضى بغير ذلك...) يدل على أن المشرع وضع قاعدة عامة غير متعلقة بالنظام العام مفادها عدم جواز إثبات التصرفات القانونية المدنية إلا بالكتابة فيما زادت قيمته على خمسمائة جنيه، أو كان غير محدد القيمة أو إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها إلا بالكتابة، وهي تجرى على جميع العقود المنشئة للالتزام كالبيع وغيرها من العقود، وبالتالي فال يجوز طلب الإحالة للتحقيق لإثبات التصرفات التي تزيد قيمتها على خمسمائة جنيه طالما أن الخصم الآخر قد تمسك بجواز الإثبات بالبينة، كما أنه من المقرر أيضا أن الغش المفسد للرضا يجب أن يكون وليد إجراءات احتيالية أو وسائل من شأنها التغرير بالمتعاقد بحيث تشوب إرادته ولا تجعله قادراً على الحكم على الأمور حكماً سليماً، وأن مجرد الكذب لا يكفي للتدليس ما لم يثبت بوضوح أن المدلس عليه لم يكن يستطيع استجلاء الحقيقة بالرغم من هذا الكذب، فإذا كان يستطيع ذلك فلا يتوافر التدليس.

(الطعن رقم 1090 لسنة 74جلسة 19 / 6 / 2023 )

34- المقرر - في قضاء هذه المحكمة - وعلى ما نصت عليه المادة 60 من قانون الإثبات أنه في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على ألف جنيه أو كان غير محدد القيمة فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو انقضائه ما لم يوجد اتفاق أو نص يقضي بغير ذلك يدل على أن المشرع وضع قاعدة عامة غير متعلقة بالنظام العام مفادها عدم جواز إثبات التصرفات القانونية المدنية إلا بالكتابة فيما زادت قيمته على ألف جنيه أو كان غير محدد القيمة أو إثبات ما يخالف الكتابة أو يجاوزها إلا بالكتابة وبالتالي فلا يجوز الإحالة للتحقيق لإثبات التصرفات التي تزيد قيمتها على ألف جنيه طالما أن الخصم الآخر قد تمسك بعدم جواز الإثبات بالبينة . 

( الطعن رقم 17401 لسنة 90 ق - جلسة 5 / 6 / 2024 )

35- إذ كان الثابت أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة أول درجة بجلسة 20/5/2019 وقبل بداية التحقيق بعدم جواز إثبات ما يخالف الثابت بالكتابة إلا بالكتابة عملاً بالمادة 60 من قانون الإثبات ولم يثبت أن الطاعن قد تخلى في أي مرحلة من مراحل الدعوى عن هذا الدفع أو تنازل عنه، وكان من المقرر في قضاء هذه المحكمة أنه يترتب على رفع الاستئناف نقل موضوع النزاع برمته إلى محكمة الاستئناف بما سبق أن أبداه المستأنف عليه أمام محكمة أول درجة من دفوع وأوجه دفاع وتعتبر مطروحة أمام محكمة الاستئناف ويتعين عليها أن تفصل فيها ولو لم يعاود المستأنف عليه التمسك بها طالما أنه لم يتنازل عنها صراحةً أو ضمناً، ومن ثم فإن ما تمسك به الطاعن أمام محكمة أول درجة من عدم جواز إثبات ما يخالف الثابت بالكتابة إلا بالكتابة يكون مطروحاً على محكمة الاستئناف ويتعين أن تقيم قضاءها على هدى من هذا الدفع، ولما كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وقضى بإلغاء الحكم المستأنف وبرفض الدعوى الأصلية متخذاً من أقوال الشهود في التحقيق الذي أجرته محكمة أول درجة عماداً لقضائه واستخلص منها أن المطعون ضده الأول لم يتسلم أي مبالغ من الطاعن وأن الإيصال سند الدعوى تم بطريق الغش والتدليس دون أن يشير إلى هذا الدفع آنف البيان، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون .

( الطعن رقم 17401 لسنة 90 ق - جلسة 5 / 6 / 2024 )

شرح خبراء القانون

اولا تعريف الشهادة
الشهادة هي اخبار شخص امام القضاء بعد حلف اليمين بما يعرفه عن واقعة معينة وهي اما شهادة مباشرة بما رآه او سمعه او شهادة سماعية او شهادة بالتسامع او شهادة بالشهرة العامة

ثانيا قوة الشهادة في الاثبات
الشهادة كانت في الماضي اقوى الادلة لكن مع انتشار الكتابة اصبحت الكتابة اقوى وعيب الشهادة انها تعتمد على ذاكرة الشاهد وقد يكذب لذلك وضع القانون قيود وضمانات على قبولها

ثالثا قيود قبول الشهادة
١ سلطة القاضي التقديرية حيث يملك القاضي رفض سماع الشهود او رفض الاخذ باقوالهم
٢ بعض الوقائع لا تقبل الشهادة مثل التصرفات التي يشترط القانون كتابتها والتصرفات التي تزيد قيمتها على الف جنيه

رابعا انواع الشهادة
١ الشهادة المباشرة وهي ان يشهد الشاهد بما رآه او سمعه بنفسه
٢ الشهادة السماعية وهي شهادة شخص سمع من غيره عن الواقعة
٣ الشهادة بالتسامع وهي شهادة بما يتناقله الناس عن الواقعة وهي غير مقبولة الا في حالات محددة
٤ الشهادة بالشهرة العامة وهي اوراق رسمية يدون فيها شهود ما عرفوه عن واقعة بطريق الشهرة العامة مثل اعلام الوراثة

خامسا سلطة القاضي في تقدير الشهادة
القاضي يقدر هل الاثبات بالشهادة مقبول وهل الوقائع مرتبطة بالدعوى وهل الشهادة كافية وله ان يقبل بشاهد واحد ويرفض اكثر ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك

سادسا الفرق بين التصرف القانوني والواقعة المادية
التصرف القانوني يحتاج غالبا لكتابة لانه تعبير دقيق عن ارادة اما الواقعة المادية يمكن اثباتها بجميع طرق الاثبات ومنها الشهادة

سابعا التصرفات التجارية
يجوز اثبات التصرفات التجارية بالشهادة والقرائن مهما كانت قيمتها بسبب ما يقتضيه التعامل التجاري من سرعة وبساطة

ثامنا القواعد العامة في المادة ٦٠ اثبات
١ لا تجوز الشهادة في التصرفات المدنية التي تزيد قيمتها على الف جنيه
٢ حرية الاثبات في المواد التجارية
٣ العبرة بقيمة الالتزام وقت صدور التصرف لا وقت المطالبة
٤ العبرة بالاصل دون الفوائد والملحقات
٥ اذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة كل طلب لا يزيد عن الف جنيه يجوز اثباته بالشهادة ولو زاد المجموع
٦ العبرة في الوفاء الجزئي بقيمة الالتزام الاصلي
٧ يجوز الاتفاق على مخالفة قواعد الاثبات فيجوز الاتفاق على الاخذ بالشهادة حتى لو زادت القيمة على الف جنيه او الاتفاق على اشتراط الكتابة

تاسعا الشهادة في الشريعة الاسلامية
الشهادة اخبار بحق لغيره على غيره وتختلف عن الاقرار ولها شروط مثل العقل والبلوغ والبصر والعدالة وعدم المصلحة ويختلف النصاب باختلاف الموضوع كالنسب والطلاق والزنا وغيرها

الفقه الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 73 ، 74 ، 82 ، 83 ، 84 ، 75 ، 76 ، 77 ، 39 ، 40 ، 78 ، 79 ، 80 ، 81 ، 82 ، 93 ، 105 حجيتها : 1- الشهادة طريق من طرق الإثبات أمام القضاء . قال تعالى: (وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) [الطلاق: 2] وقال تعالى: ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) [البقرة: 282] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : - « لا تجوز شهادة خائن ، ولا خائنة ، ولا ذي غمر على أخيه ، ولا تجوز شهادة القانع لأهل البيت » . رواه أحمد ، وأبو داود . و«الغمر» (بكسر الغين المعجمة وسكون الميم ثم راء): أي: صاحب حقد على أخيه. و«القانع» : الخادم والتابع . وإنها ترد شهادته للتهمة بجلب النفع لنفسه . ( بلوغ المرام رقم (1202) ص (218) ) . - « لا تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية » . رواه أبو داود وابن ماجه. ( بلوغ المرام رقم (1203) ص (218) - (219) ) . - عن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد . أخرجه مسلم وأبو داود ، والنسائي، وقال: إسناده جيد. ( بلوغ المرام رقم (1207) و (1208) ص (219) ). قال في المبسوط : إن القياس يأبی كون الشهادة حجة في الأحكام ؛ لأنها خبر محتمل للصدق والكذب ، والمحتمل لا يكون حجة ملزمة ، ولكنا تركنا ذلك بالنصوص : قال تعالى : (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) [البقرة: 282]. وقال تعالى: (فاستشهدوا عليهن أربعة منكم) [النساء: 15]. وقال صلى الله عليه وسلم : « شاهداك أو يمينه ». وقال: «البينة على المدعي». ولأن حاجة الناس داعية إلى ذلك ؛ لأن المنازعات والخصومات تكثر بين الناس ، وتتعذر إقامة الحجة الموجبة للعلم في كل خصومة ، والتكليف إنما يكون بحسب الوسع ، ونظيره القياس في الأحكام بغالب الرأي في موضع الإجتهاد. ( أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (284) ). 2- وقد رئي جعل عنوان هذا الفصل «الشهادة» وليس «البينة»، كما فعل القانون المدني المصري ؛ لأن البينة وإن كانت مرادفة للشهادة عند عامة الفقهاء ، إلا أنها عند البعض ليست مقصورة على الشهادة ، وإنها هي إسم لكل ما يبين الحق ويظهره ، فالمراد بها الحجة والدليل والبرهان مفردة ومجموعة ، فيدخل فيها القرائن عند القائلين بأنها من طرق القضاء. ( انظر: ابن القيم، الطرق الحكمية ، ص (13) و(24) ، وكذلك ابن فرحون ، تبصرة الحكام ، (1) : (202) ، والسنهوري ، الوسيط، ج (2)، البند (160) ، ص (311)، والبند (165) ، ص (319) ) . وكانت الشهادة من أقوى الأدلة ، بل كانت هي الدليل الغالب في وقت لم تكن فيه الكتابة منتشرة ، وكانت الأمية متفشية ، وكان العلم بالرواية واللسان لا بالكتابة والقلم، حتى كانت الشهادة هي التي تستأثر بإسم «البينة» دلالة على أن لها المقام الأول في البينات فلما انتشرت الكتابة ، وتقلص ظل الأمية ، بدأت الكتابة تسود ، ثم أخذت المكان الأول في الإثبات ، ونزلت الشهادة إلى المكان الثاني لما تنطوي عليه من عيوب ظاهرة فالشهادة تقوم على أمانة الشهود ، والشهود حتى إذا هم لم يكذبوا معرضون للنسيان ، ثم إن الدقة تنقصهم هذا إلى أنه إذا أفسح المجال للإثبات بالشهادة ، وأصبح اعتاد القضاء عليه - كثرت القضايا الكيدية لسهولة الحصول على شهود زور يشهدون بالباطل . أما الكتابة فكفتها راجحة ، ومتى كانت بعيدة عن التزوير فهي أدق أداء وأكثر ضبطا للوقائع ثم هي لا يرد عليها النسيان ، فهي دليل هيئ مقدما ؛ ليحيط بالواقعة المراد إثباتها إحاطة شاملة ؛ لأنها إنما أعدت لهذا الغرض . على أن هناك إتجاها في العصر الحاضر من شأنه أن يرد للشهادة إعتبارها ، ففي التقنينات الجرمانية وفي بعض التقنيات اللاتينية يجوز في المسائل المدنية - على غرار المسائل التجارية - الإثبات بالشهادة ، حيث يجوز الإثبات بالكتابة ، ويذهب بعض كبار الفقهاء من أمثال تالير إلى تحبيذ هذا الإتجاه ، والقضاء الفرنسي ذاته ، في خلال القرن الأخير ، يساير هذه النزعة فيتوسع في قبول الشهادة عن طريق التوسع في تفسير معنى «مبدأ الثبوت بالكتابة»، ومعنى «تعذر الحصول على الكتابة». ( السنهوري، الوسيط، ج (2) البند (165) ص (319) والبند (189) ص (356) وما بعدهما ) . والفقه الإسلامي يغلب الشهادة على الكتابة ، بل هناك من يمنع العمل بالكتابة دليلا في الإثبات . ( انظر: أحمد إبراهيم ، طرق القضاء، ص (61) وما بعدها ) . ويلاحظ أن الكتابة تكون في الغالب إقرارا أو شهادة . ( راجع المذكرة الإيضاحية للمادة (14) من هذا المشروع ) . (مادة 40) : يجوز إثبات الدعوى بالشهادة ما لم يوجد نص بغير ذلك . ( م (172) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، و(49) إثبات سوداني ، وم (400) مدني مصري ، و(60) إثبات مصري ، و (52) بینات سوري ، و(486) مدني عراقي ) . المذكرة الإيضاحية : 1- قررت هذه المادة مبدأ قبول الشهادة في الدعوى . 2- وقد رئي أن يضاف إلى النص «ما لم يوجد نص بغير ذلك» ؛ ذلك أن هناك قيودا ترد على الإثبات بالشهادة. ( انظر فيها بعد المادة التالية (42) التي لا تجيز الإثبات بالشهادة في التصرفات القانونية المدنية إذا زادت قيمة التصرف على قدر معين من المال «عشرين جنيها» ) . (مادة 41) : 1- في غير المواد التجارية ، إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على عشرين جنيها ، أو كان غير محدد القيمة ، فلا تسمع عند الإنكار الشهادة ، في إثبات وجوده أو إنقضائه ، ما لم يوجد إتفاق أو نص يقضي بغير ذلك . 2- ويقدر الإلتزام بإعتبار قیمته وقت صدور التصرف . ويجوز سماع الشهادة إذا كانت زيادة الإلتزام على عشرين جنيها لم تأت إلا من ضم الملحقات إلى الأصل . 3- وإذا اشتملت الدعوى على طلبات متعددة ناشئة عن مصادر متعددة - جاز سماع الشهادة في كل طلب لا تزيد قيمته على عشرين جنيها ، ولو كانت هذه الطلبات في مجموعها تزيد على هذه القيمة ، ولو كان منشؤها علاقات بين الخصوم أنفسهم أو تصرفات من طبيعة واحدة ، وتكون العبرة في الوفاء إذا كان جزئيا بقيمة الإلتزام الأصلي . ( م (60) إثبات مصري ، و(400) مدني مصري ، و(52) - (54) بنات سوري ، و(486) - (488) مدني عراقي . وفي قانون الإثبات السوداني نص في المادة (13) - (14) أنه «يجوز في جميع الأحوال إثبات إنقضاء الإلتزام بأي طريق من طرق الإثبات» ) . المذكرة الإيضاحية : 1- تعرض هذه المادة لتقييد الإثبات بالشهادة عن طريق سماع الشهادة ، فتقضي بأنه لا تسمع الشهادة في التصرفات القانونية المدنية التي تجاوز قيمتها عشرين جنيها . وبذلك يخرج عن نطاق هذا الحظر : (أ) الوقائع القانونية المادية : ذلك أن الكثرة الغالبة منها لا يتيسر إثباتها بالكتابة ، ولأن الخطير من هذه الوقائع کالميلاد والوفاة يوجب القانون تسجيلها بالكتابة على نحو خاص، ولأن هذه الوقائع تحدث ويراها الناس فلا تختلف أفهامهم كثيرا في روايتها كما وقعت؛ إذ إنها ليست من الدقة والتعقيد بحيث يصعب على الشهود إستیعاب تفاصيلها. (ب) التصرفات القانونية التجارية : ذلك لما يقتضيه التعامل التجاري من السرعة ، وما يستلزمه من البساطة وما يستغرقه من وقت قصير في تنفيذها بخلاف المعاملات المدنية، فتستغرق وقتا طويلا في التنفيذ ، فكانت الحاجة إلى الكتابة. ويلاحظ أن من المسائل التجارية ما لا يستقيم إلا بالكتابة مثل الأوراق التجارية والمسائل التجارية التي تستغرق وقتا طويلا وتنطوي على أهمية خاصة كما هو الأمر في عقود الشركات التجارية ( م (40) - (46) تجاري ) ، وفي عقود بيع السفن ( م (3) بحري ) ، وفي إيجارها (م (90) بحري)، وفي التأمين عليها أو على البضائع (م (174) بحري) ، وفي القروض البحرية (م (150) بحري) . (ج) التصرفات القانونية المدنية التي لا تزيد قيمتها على عشرين جنيها : وذلك لقلة قیمتها ولجريان العادة عدم إثباتها بالكتابة . ( انظر السنهوري ، الوسيط ، ج (2) ، البند (181) ص (340) وما بعدها ) . 2- وتختلف حجية الشهادة جوهريا عن حجية الكتابة. فبينما يعتبر الدليل الكتابي حجة بذاته ؛ فيفرض سلطانه على القضاء ما لم يطعن فيه بالتزوير أو ينقض بإثبات العكس ، تترك الشهادة على نقيض ذلك لتقدير القاضي ، بيد أن سلطة القاضي في التقدير لا تتناول إلا تعلق الشهادة بالوقائع ، دون جواز قبول الإثبات بمقتضاها؛ لأن تعيين حدود هذا الجواز من شأن القانون وحده . 3- الإتفاق على مخالفة قواعد الإثبات بالشهادة : من الأهمية بمكان تعيين ما إذا كانت القواعد الخاصة بطرق الإثبات وعبئه تتعلق بالنظام العام أم أنها مسألة خاصة ، فإذا قيل بالأول ترتب على ذلك بطلان كل إتفاق مخالف، ولو قيل بالثاني صح إتفاق المتعاقدين على الخروج عليها . وقد ذهب البعض إلى إلحاق هذه القواعد بالنظام العام لتعلقها بالنظام القضائي ، ولأنها شرعت للوصول إلى أمثل طريق لحسم المنازعات ومؤدى هذا الرأي أن قواعد الإثبات لا يجوز إستبعادها أو تعديلها بمقتضى إتفاق خاص . وذهب رأي آخر إلى أن قواعد الإثبات لا تكفل إلا حماية مصالح خاصة ، ويجوز في منطق هذا الرأي للمتعاقدين أن يعدلوا فيها بإتفاقهم . وتعرض الإتفاقات الخاصة بتعديل الوقائع التي يجري إثباتها ، وتعدیل عبء الإثبات بوجه خاص، في عقود التأمين وعقود الإذعان ، أما طرق الإثبات فالخلاف بشأنها يعرض بصدد الشهادة والقرائن . وقد قضت محكمة النقض المصرية بجواز هذا الإتفاق . وقد رئي التمشي مع هذا القضاء ، ومقتضاه وجوب التمسك بعدم سماع الشهادة في هذه الحالة؛ لأن في إغفال ذلك تنازلا عن التمسك به. 4- وتعرض الفقرة الثانية لتقدير قيمة الإلتزام عند الإثبات ، وقضت بأن مناطه هو قيمة التصرف عند إنعقاده فجعلت بذلك أصل الدين دون الملحقات مناطا للتقدير ، ويلاحظ أن هذه الفترة تتمشى مع تقنين المرافعات المصري الخاصة بتقدير قيم الدعاوی لتعيين الإختصاص التوهمي . 5- أما الفقرة الثالثة من هذه المادة فتعرض لتقدير قيمة الإلتزام عند تعدد الطلبات ، فقضت بأنه إذا كان النزاع متعلقا بإلتزامات من طبيعة واحدة تمت في أوقات مختلفة لا في وقت واحد - فكل إلتزام من هذه الإلتزامات يجوز إثباته بالشهادة متى كانت قيمته لا تجاوز عشرين جنيها . وقد أخذ القانون بذات المبدأ الذي سار عليه قانون الإثبات المصري الحالي من أن العبرة في إثبات الوفاء بالشهادة هي بقيمة الإلتزام الأصلي ، ولو كان الوفاء جزئيا وذلك وفقا لما وجه من نقد لحكم تفريق إثبات وفاء الدين دفعات متعددة كل واحدة لا تجاوز العشرين جنيها ؛ لأن في ذلك تحللا من شرط الإثبات بالكتابة وتحايلا لا يجوز إقراره. (مادة 35) : الشهادة هي الإخبار بحق أحد في ذمة الآخر في مجلس القاضي ، ومواجهة الخصمين . المذكرة الإيضاحية : الغرض من الشهادة الحكم بموجبها ؛ فلا بد أن تكون بحضرة القاضي في مجلس حكمه الذي نصب ليفصل فيه بين المتنازعين ، فلو أخبر بها في غير ذلك المجلس فلا تعتبر ولو كان القاضي حاضرا . وقد نص في المادة (1687) من المجلة أنه : «لا تعتبر الشهادة التي تقع في خارج مجلس المحاكمة» . وأما المحكم فليس له مجلس معين كالقاضي ذي الولاية العامة ، بل كل مجلس حكم فيه كان مجلس حكمه . ويشترط على كل حال أن تكون الشهادة في المجلس الذي نصب فيه نفسه للحكم . ويشترط أن تكون الشهادة بمواجهة الخصمين إذا كانا حاضرين بمجلس القاضي ، مع إشارة الشاهد عند أداء الشهادة إلى كل منهما ، ولا حاجة إلى ذكر إسمها ونسبها في هذه الحالة ؛ لأن الإشارة أبلغ في التعريف بالشخص من تعريفه بإسمه ونسبه؛ لأنه في الحالة الأولى معين تعيينا ينتفي معه كل إحتمال ، بخلاف الحالة الثانية مهما بولغ فيها ، فالإحتمال قائم وإن كان ضعيفا ، وعلى ذلك لو عرفهما بإسمها ونسبهما وهما حاضران ولم يشر إليها - لا يكتفي منه بهذا التعريف لما ذكر . أما إذا كانا غائبين أو أحدهما فلا سبيل إلى تعريف الغائب منها إلا بإسمه ونسبه ، وتكون الشهادة حينئذ بمواجهة من ينوب شرعا مناب الغائب منهما من وكيل أو وصي . وهل يشترط أن يؤدي الشاهد شهادته بلفظ «أشهد»؟ اختلف في ذلك ، فقال البعض بأنه يشترط بل جعله البعض «رکن» الشهادة( التنوير والتبيين والهداية والفتح والبدائع ). وقال البعض : لا يشترط. وعلى الأول سارت المجلة (م (1684) و(1689)) . وعلى الثاني سارت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، م (175) ونصها: «ولا يشترط في قبولها لفظ «أشهد». وقد رئي في القانون الأخذ بالأخير ؛ استنادا إلى ما قاله ابن القيم في الطرق الحكمية (ص - (204)) : «قال شيخنا : فاشتراط لفظ الشهادة لا أصل له في كتاب الله، وسنة رسوله ولا قول أحد من الصحابة ، ولا يتوقف إطلاق لفظ الشهادة لغة على ذلك» . ( وانظر: أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، (309) - (314) ). واشتراط الشهادة في مجلس القاضي وفي مواجهة الخصمين - تفترض سبق الدعوى من صاحب الحق المتعلق بها المشهود به ، وموافقة الشهادة للدعوى . ( انظر : أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ص (347) و(355) - (356) ) . وقد نص في المادة (1696) من المجلة أنه : « يشترط سبق الدعوى في الشهادة بحقوق الناس». (مادة 36) : نصاب الشهادة في حقوق العباد المالية رجلان أو رجل وامرأتان . ويكفي في قبول الشهادة أن تطابق شهادة أحد الشاهدين شهادة الآخر في المعنى وإن اختلفت الألفاظ . وتقبل شهادة النساء وحدهن فيما لا يطلع عليه الرجال عادة . ( م (1685) و (1712) - (1715) من المجلة ، م (175) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ) . المذكرة الإيضاحية : 1- تبين هذه المادة نصاب الشهادة في حقوق العباد من الأموال . والسند في هذا التحديد قوله تعالى : (وأشهدوا ذوي عدل منكم) [الطلاق: 2]. وقوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) [البقرة: 282] وقال صلى الله عليه وسلم: «شاهداك أو يمينه» . والقياس أن يكتفى بشهادة الواحد ؛ لأن رجحان جانب الصدق يظهر في خبر الواحد العدل موجبا للعمل في رواية الحديث وكما لا يثبت القطع بخبر الواحد كذلك لا يثبت بخبر الإثنين ، ولا بخبر الأربعة ، بل يثبت بالعدد البالغ حد التواتر وإذن لا معنى لإشتراط رجلين أو رجل وامرأتين لعدم الفائدة ، لكن ترك ذلك بالنصوص المبينة للعدد من الكتاب والسنة ، وحاشا أن يكون التقدير في النصوص خاليا من الفائدة ؛ فإن فيه معنى طمأنينة القلب وذلك عند إخبار العدد أظهر منه في خبر الواحد ثم في العدد معنى التوكيد ، إذ التزوير والتلبيس في الخصومات يقع بكثرة، فيشترط العدد في الشهادات ؛ صيانة للحقوق من الضياع . ( السرخسي ، المبسوط ، (16): (112) . وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء ص (284) - (285) ) . 2- وقد رئي قطعا لكل شك أن ينص على الإكتفاء في قبول الشهادة بمطابقة شهادة أحد الشاهدين شهادة الآخر في المعنى وإن اختلفت الشهادتان في الألفاظ . ( انظر : أحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (364) - (365) ) . (مادة 5) : للقاضي في حدود ما نص عليه في هذا القانون تقدير البينات ، والأخذ منها بما يراه محققا للعدل . المذكرة الإيضاحية : 1- وظيفة القاضي هي إحقاق الحق ، ومن ثم وجب إتاحة الفرصة له كي ينظر فيها يقدم إليه من الأدلة ، وأن يتحقق من صدقها ، وأن يأخذ منها ما يراه محققا للعدل ، ولكن في حدود ما نص عليه في هذا القانون . 2- وقد بين ذلك ابن القيم في كتابه الطرق الحكمية ، ومما قاله في هذا الصدد: «وقد صرح الفقهاء كلهم بأن الحاكم إذا ارتاب بالشهود ، فرقهم وسألهم : كيف تحملوا الشهادة؟ وأين تحملوها؟ وذلك واجب عليه متى عدل عنه أثم وجار في الحكم ، وكذلك إذا ارتاب بالدعوى سأل المدعي عن سبب الحق وأين كان؟ ونظر في الحال ، هل يقتضي صحة ذلك؟ وكذلك إذا ارتاب بمن القول قوله والمدعى عليه ، وجب عليه أن يستكشف الحال ويسأل عن القرائن التي تدل على صورة الحال» . (ص (24) وما بعدها ) . « والذي اختص به إياس وشريح مع مشاركتهما لأهل عصرهما في العلم : الفهم في الواقع والإستدلال بالأمارات وشواهد الحال ، وهذا الذي فات كثيرا من الحكام فأضاعوا كثيرا من الحقوق» (ص (34) ). والمقصود أن الشريعة لا ترد حقا ، ولا تكذب دليلا ، ولا تبطل أمارة صحيحة ، وقد أمر الله سبحانه بالتثبت والتبين في خبر الفاسق ، ولم يأمر برده جملة». (ص (24)). ( وانظر أيضا من نفس الكتاب ص (61). والسنهوري ، الوسيط، ج (2) ص (35) ). 3- والمقصود بالبينات هنا طرق الإثبات ، سواء كانت الشهادة أو غيرها ، كما ورد في المذكرة الإيضاحية الخاصة بالمادة (3) من هذا القانون ، وانظر ابن القيم ، الطرق الحكمية ص (12) و(24) ) . 4- وقد روعي أيضا مع إطلاق حرية القاضي في تقدير الأدلة - تحديد هذه الحرية ، وذلك بالقيود التي نص عليها في هذا القانون ، فمثال ذلك أنه لا يجوز إثبات عكس الثابت بالكتابة إلا بالكتابة ؛ وذلك تطبيقا للمذهب المختلط الذي أخذ به القانون في الإثبات جمعا بين الإطلاق والتقييد ، کما سلف البيان في المذكرة الإيضاحية العامة للقانون . (مادة 38) : 1- يشترط لقبول الشهادة ألا يكون الشاهد متهما فيها ، بأن كانت تجر له مغنما أو تدفع عنه مغرما . 2- فلا تقبل شهادة الشخص لفرعه ، أو أصله ، أو زوجه ، أو أخيه . 3- وإذا كان بين الشاهد وأحد الخصمين علاقة صداقة أو عداوة ونحوهما - فللمحكمة أن تقبل الشهادة أو تردها وفقا لما تراه . ( انظر من المجلة المواد من (1700) إلى (1703) ، ومن القانون المدني العراقي المواد من (496) إلى (498) ، وابن القيم ، إعلام الموقعين ، ج(1) ص (60) - (96)، أحمد إبراهيم ، طرق القضاء، ص (133) - (135) ) . المذكرة الإيضاحية : يشترط إنتفاء التهمة عن الشاهد ؛ لترجيح جانب الصدق على جانب الكذب في الشهادة ، فيشترط ألا يكون فيها جر مغنم للشاهد ، أو دفع مغرم عنه ؛ لأن الأصل في بناء الأحكام القضائية على الشهادة التي لا تفيد إلا ظنا – إنما هو دفع حاجة الناس وإضطرارهم في إثبات حقوقهم إليها ، فوجب أن يراعى في خبر الشهود وفي أحوالهم - ما يرجح صدقهم فيها يشهدون به بالقدر المستطاع . وعلى ذلك قال أبو حنيفة وأصحابه رحمهم الله : لا تقبل شهادة الأصل لفرعه ، ولا الفرع لأصله ، ولا أحد الزوجين لصاحبه ، ولا الشريك لشريكه فيها هو من شرکتها ، ولا الأجير الخاص لمستأجره ، ولا الصديق لصديقه إذا وصلت صداقتهما إلى درجة أن يتصرف أحدهما في مال الآخر بلا ممانعة ، فإذا لم تصل الصداقة إلى هذا الحد قبلت الشهادة قالوا : وذلك لتمكن التهمة ، فيغلب على الظن كذب الشاهد ويشترط أيضا ألا يكون بين الشاهد والمشهود عليه عداوة دنيوية ؛ لأن العداوة لأجل الدنيا حرام ، فمن إرتكبها لا يؤمن من التقول عليه. أما إذا كانت العداوة دينية فإنها لا تمنع ؛ لأنها تدل على کمال دین الشاهد وعدالته ؛ لأن المعاداة قد تكون واجبة بأن رأى فيه منكرا شرعا ونهاه فلم ينته . وتعرف العداوة الدنيوية بالعرف. قالوا: ومن ذلك ألا يكون الشاهد خصما ، فلا تصح شهادة الوصي لليتيم ، والوكيل للموكل ؛ لأن كل واحد منهما يكون مدعيا وشاهدا ويلحق بهذا شهادة المولى لعبده ؛ لأنها في المعنى شهادة لنفسه. وجعلوا من هذا أيضا شهادة الإنسان على فعل نفسه ، فلو قال الوكيل بالبيع أو الدلال : كنا بعنا هذا المال الذي يدعي المشتري أنه ملكه بسبب الشراء. لا تقبل شهادتهما ، أما لو شهدا بأن العين ملك المدعي ولم يصرحا بقولهما : کنا بعنا . قبلت الشهادة. ( انظر : الدر وتكملة رد المحتار ، والهداية، وشروحها ، وتبيين الحقائق ، والمجلة ، وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء : ص (330) ، (331 ) ). وفي التبصرة وابن جزي ما حاصله : من موانع قبول الشهادة تهمة الشاهد فيها يشهد به ولو كان في ذاته عدلا، ومن ذلك أن يكون في الشهادة جر مغنم له أو دفع مغرم عنه ، كأن يشهد الوصي بدين الميت ، والمنفق عليه بال للمنفق على غيره ، وکشهادة المدين المعسر لرب الدين ، وكأن يشهد من له دين على مفلس أن للمفلس دينا على غيره ؛ ليصل بذلك إلى دينه ، أو يكون في الشاهد ميل طبيعي للمشهود له فلا تقبل شهادة الولد لوالديه ، ولا لأجداده و جداته ، ولا شهادة واحد منهم له ، ولا شهادة الزوج لإمرأته ، ولا شهادتها له، ولا شهادة وصي لمحجوره واختلف في شهادة الأخ لأخيه ، وقيل : تقبل إذا كان عدلا مبررا وقيل : إذا لم يكن تحت صلته واختلف في شهادة الصهر لصهره ، والصديق لصديقه ، وفي شهادة الرجل لابن إمرأته ، وفي شهادة المرأة لإبن زوجها ، وفي شهادة الوالد لأحد ولديه على الآخر ، وفي شهادة الولد لأحد والديه على صاحبه ، أو يكون في الشاهد ميل على المشهود عليه فلا تقبل شهادة العدو على عدوه إذا كانت العداوة في أمر دنيوي من مال ، أو جاه ، أو منصب ، أو خصام ، أو ما في معنى ذلك بخلاف الدينية إلا أن يؤدي إلى إفراط الأذى من الفاسق المعادي لفسقه لمن غضب عليه وهجره الله تعالى ؛ لأن ذلك ربما أورث الشحناء ، وكذا لا تقبل شهادة الخصم على خصمه وكل من لا تقبل شهادته عليه تقبل له ، كالخصم بالنسبة إلى خصمه ، وكل من لا تقبل شهادته له تقبل عليه کالأب بالنسبة إلى إبنه . ( انظر التبصرة، (1): (223) وما بعدها ) . وفي المهذب : ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا ، ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا وقال المزني وأبو ثور : تقبل ، ووجهه قوله تعالى : (واستشهدوا شهيدين من رجالكم)، فعم ولم يخص، ولأنهم كغيرهم في العدالة فكانوا كغيرهم في الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي إحنة». (الظنين: المتهم، والإحنة : الحقد). وهذا متهم ؛ لأنه يميل إليه ميل الطبع (والطبع هو السجية بها جبل عليه الإنسان من أصل الخلقة)، ولأن الولد بضعة من الوالد، والآية تخصها با ذکرناه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر في جميع الحقوق. قال : ومن أصحابنا من قال : لا تقبل شهادة الولد على الوالد في إيجاب القصاص وحد القذف ؛ لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ، ولا حد القذف بقذفه ؛ فلم يلزمه ذلك بقوله. والمذهب الأول لأنه إنها ردت شهادته له للتهمة ، ولا تهمة في شهادته عليه . ومن عدا الوالدين والأولاد من الأقارب کالأخ والعم وغيرهم - تقبل شهادة بعضهم لبعض ؛ لأنه لم يجعل نفس أحدهما كنفس الآخر في العتق ، ولا ماله كاله في النفقة وكذا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ؛ لأن النكاح سبب لا يعتق به أحدهما على الآخر بالملك ، فلم يمنع من شهادة أحدهما للآخر ، كقرابة ابن العم ولا تقبل شهادة الزوج على زوجته في الزنا ؛ لأن شهادته دعوى خيانة في حقه فلم تقبل کشهادة المودع على المودع بالخيانة في الوديعة ، ولأنه خصم لها فيما يشهد به فلم تقبل ، كما لو شهد عليها أنها جنت عليه . وقال ابن القيم في إعلام الموقعين ((1)، (95) - (96)) ما ملخصه : «شهادة القريب لقريبه لا تقبل مع التهمة ، وتقبل بدونها هذا هو الصحيح ، وقد اختلف الفقهاء في ذلك : فمنهم من جوز شهادة القريب لقريبه مطلقا ، کالأجنبي ، ولم يجعل القرابة مانعة من الشهادة بحال كما يقول أبو محمد بن حزم وغيره من أهل الظاهر ، وهؤلاء يحتجون بالعمومات التي لا تفرق بين أجنبي وقريب. ومنهم طائفة منعت شهادة الأصول للفروع ، والفروع للأصول خاصة ، وجوزت شهادة سائر الأقارب بعضهم لبعض ، وهذا مذهب الشافعي ، وأحمد قال : وليس مع هؤلاء نص صحيح بالمنع. ثم ساق أدلة الشافعي وافية ، وقد تقدم بعضها ثم رد عليها . وقبل ذلك أورد أدلة المجوزين وهي الإستدلال بالنصوص العامة ، كما صنع المزني وأبو ثور فيها تقدم ، ثم نقل عن عمر بن الخطاب وشريح وعمر بن عبد العزيز وغيرهم من السلف الصالح وتابعيهم - قبول شهادة الأصل للفرع ، والفرع للأصل ، والقريب لقريبه ، وأحد الزوجين للآخر . وقال فيما قاله نقلا عن الزهري: لم يكن يتهم سلف المسلمين الصالح في شهادة الوالد لولده ، ولا الولد لوالده ، ولا الأخ لأخيه ، ولا الزوج لإمرأته . ثم ظهر بعد ذلك من الناس أمور حملت الولاة على إتهامهم، فتركت شهادة من يتهم إذا كانت من قرابة ، وصار ذلك من الولد والوالد ، والأخ والزوج والمرأة - لم يتهم إلا هؤلاء في آخر الزمان . والصحيح : أنه تقبل شهادة الإبن لأبيه، والأب لإبنه فيما لا شبهة فيه ، وهذا أحد أقوال ثلاثة للإمام أحمد. وقال المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم في طرق القضاء، ص (335) : أقول: وعلى هذا فتقدير الشهادة ، وتعرف وجه التهمة فيها - موکول إلى القاضي ، فيرد ما يرى فيه تهمة ، ويقبل ما يراه بريئا منها ، وهذا من الصعوبة بمكان ، والأول أضبط وأسلم. والله أعلم». ( انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء، ص (330) - (335 ) ) . وقد رئي الإكتفاء بما ورد في هذه المادة إقتباسا من جملة هذه النصوص . (مادة 39) : لا تقبل الشهادة التي يكذبها الحس ، أو التي تخالف المتواتر . ( م (1697) و (1698) من المجلة ) . المذكرة الإيضاحية : يشترط لقبول الشهادة ألا يكذبها الحس . فإن كذبها الحس فلا تقبل ، ولا يجوز أن يبنى عليها قضاء . وذلك لأن الحس يفيد علما قطعيا ، والشهادة تفيد خبرا ظنيا ، والظني لا يعارض القطعي . وذلك كالبينة التي تقام على موت شخص وحياته مشاهدة ، أو على خراب دار وهي قائمة يشهد العيان بعمارتها ، وكذا الشهادة التي تخالف المتواتر ؛ لأن المتواتر یفید علم اليقين ، والشهادة ظنية يدخلها الشك . ( انظر أحمد إبراهيم ، طرق القضاء، ص (29) - (32) و (317). والفتاوى المهدية ، وتبصرة الحكام، (1): (204) - (205 ) ) . (مادة 49) : إذا قال المدعي : ليس لي شاهد أصلا ثم أراد أن يأتي بشهود ، أو قال ليس لي شاهد سوى فلان وفلان . ثم قال : لي شاهد آخر . لا يقبل قوله الأخير . ( م (1753) من المجلة ) . المذكرة الإيضاحية : قصد بهذا النص منع الدعاوى الكيدية والباطلة ، وحض المدعي على تحضير بينته كاملة قبل رفع الدعوى . وليس للمدعي أن يطلب الإستشهاد بشهود بعد أن نفى أن له شهودا ، ولا أن يزيد في عددهم بعد تحديدهم وبيانهم . (مادة 77) : إذا لم توافق الشهادة الدعوى ، أو لم تتوافق أقوال الشهود مع بعض - أخذت المحكمة من الشهادة بالقدر الذي تقتنع بصحته في حدود موافقة الشهادة للدعوى بعد تکامل نصاب الشهادة . ( م (501) عراقي . وانظر المواد من (1706) إلى (1715) من المجلة . وأحمد إبراهيم ، طرق القضاء ، ص (364) وما بعدها ) . قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري،قانون التقاضى والإثبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434ه، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 45 ، 46 ، 47 ، 48 (مادة 14) : طرق القضاء هي : الإقرار ، والإستجواب ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والقرائن ، والمعاينة ، والخبرة. المذكرة الإيضاحية : اختلف الفقهاء في بيان أدلة ثبوت الدعوى ( أي: الحجج الشرعية أو طرق القضاء). وقد حصرها البعض في سبعة هي : البينة ، والإقرار ، واليمين ، والنكول ، والقسامة ، وعلم القاضي ، والقرينة القاطعة (الدر، ورد المحتار). وقال في التكملة : والحاصل أن القضاء في الإقرار مجاز (لأن الحق يثبت به بدون حكم ، وإنما يأمره القاضي بدفع ما لزمه بإقراره، وليس لزوم الحق بالقضاء ، فجعل الإقرار من طرق القضاء إنما هو بحسب الظاهر ، وإلا فالحق يثبت به لا بالقضاء)، والقسامة داخلة في اليمين ، وعلم القاضي مرجوح، والقرينة مما انفرد به ابن الفرس ، فرجعت الحجج التي هي أسباب الحكم إلى ثلاث - أي البينة واليمين والنكول . (انظر أحمد إبراهيم، طرق القضاء، ص (7) - (11) و(219) وما بعدها) وذكر ابن القيم في الطرق الحكمية خمسة وعشرين طريقا ترجع عند النظر، إلى : القرائن والعلامات الظاهرة، الشهادة، اليمين، النكول، اليد (أي الحيازة)، الإنكار، الإقرار، الخط، القرعة، القافة (أي: الخبرة في أمور النسب). وذكر ابن فرحون في التبصرة : الشهادة والخط والإقرار والقرائن والقرعة والقافة . وفي مجلة الأحكام العدلية نجد أن طرق القضاء هي : الإقرار ، والشهادة ، واليمين ، والنكول ، والخط ، والقرينة القاطعة . وقد ذكرت لائحة ترتيب المحاكم الشرعية الصادر بها المرسوم بقانون رقم (78) لسنة 1931 في المادة (123) أربعة أدلة ، هي: الإقرار ، والشهادة ، والنكول عن الحلف، والقرينة القاطعة ولكنها تكلمت في الباب الثالث الخاص بالأدلة على الأدلة الخطية (في الفصل الثاني بعد الإقرار) ، ثم على اليمين والنكول (في الفصل السادس) ، وعلى المعاينة (في الفصل السابع) ، وعلى الخبرة في الفصل الثامن) ، كما تكلمت على إستجواب الخصوم (في الفصل السابع من الباب الثاني م (115) وما بعدها) وبذا زادت الأدلة فيها على الأربعة المذكورة في المادة (123) وذلك على خلاف ما ذهب إليه المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم ؛ إذ قال في طرق القضاء (ص (9) - (10)) : «أقول : إن الناظر فيما جاء في اللائحة في حجية الأوراق الرسمية والعرفية ، وفي استجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة - يراه لا يخرج عن هذه الحجج الثلاث ؛ إذ كله يرجع إلى الإقرار ، وأن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان ، وهو الذي يجب التعويل عليه كما سيأتي». ولكن بالرجوع إلى المادة (134) من تلك اللائحة نجد أنها نصت على أن الأوراق الرسمية - أكانت سندات أم محررات - تكون حجة على أي شخص كان فيها تدون بها مما لا يدخلها دائما في الإقرار ، وكذلك إستجواب الخصوم ومعاينة المحكمة وأهل الخبرة لا تدخل دائما في الإقرار . وبالرجوع إلى القوانين العربية الخاصة بالإثبات نجد أنها : الأدلة الكتابية ، والشهادة ، والقرائن ، والإستجواب ، والإقرار ، واليمين ، والمعاينة ، والخبرة . (م (1) من قانون البينات السوري ، و(11) من قانون الإثبات السوداني ، وقانون الإثبات المصري ، وانظر السنهوري ، الوسيط ، ج (2) ص (89) وما بعدها) . وإذا ألقينا نظرة فاحصة وجدنا أن طرق إثبات الدعوى ترجع إلى: الإقرار ، والشهادة ، والكتابة ، واليمين ، والنكول ، والقرينة ، والمعاينة ، والخبرة . أما القسامة - وهي خاصة بالقضاء بالدية - فهي يمين. وأما علم القاضي فالفتوى على أنه ليس طريقا للقضاء لفساد الزمان وهو ما أخذ به هذا القانون في المادة (6) منه. وأما القافة فهي خاصة بالنسب وهو من الأحوال الشخصية وخارج عن نطاق هذا القانون . وقد جرت بعض التقنينات على عدم النص على طرق القضاء بإعتبار أن ذلك من عمل الفقه ، ولكن تقنينات أخرى جرت على النص عليها ، کلائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وقانون البينات السوري ، وقانون الإثبات السوري ، وقد روعي إتباع نهج التقنينات الأخيرة في هذا القانون زيادة في البيان . وقد سار القانون على معالجة طرق القضاء بالترتيب الآتي : 1- الإقرار . 2- إستجواب الخصوم . 3- الشهادة . 4- الكتابة . 5- اليمين . 6- القرائن . 7- المعاينة . 8- الخبرة . وقد روعي في هذا الترتيب نظرة الفقه الإسلامي من تقديم الإقرار بوصفه أقوى الأدلة ، يليه الإستجواب بوصفه وسيلة للإقرار ، ثم الشهادة ، ويليها الكتابة لأنها في الغالب إما أن تكون إقرارا أو شهادة، ثم اليمين ، وبقية الأدلة . وقد خصص باب لكل طريق من هذه الطرق . الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 274 - الالتزام : أصل الالتزام اللزوم، ومعنى اللزوم في اللغة الثبوت والدوام، يقال لزم الشيء يلزم لزوما أي ثبت ودام، ولزمه المال وجب عليه، ولزمه: وجب حكمه، وألزمته المال والعمل فالتزمه، والالتزام أيضا الاعتناق. والالتزام أيضا: إلزام الشخص نفسه ما لم يكن لازما له، أي ما لم يكن واجبا عليه قبل، وهو بهذا المعنى شامل للبيع والإجارة والنكاح وسائر العقود. وهذا المعنى اللغوي جرت عليه استعمالات الفقهاء حيث تدل تعبيراتهم على أن الالتزام عام في التصرفات الاختيارية، وهي تشمل جميع العقود سواء في ذلك المعاوضات والتبرعات، وهو ما اعتبره الحطاب استعمالا لغويا. قال الحطاب: والالتزام في عرف الفقهاء هو إلزام الشخص نفسه شيئا من المعروف مطلقا أو معلقا على شيء، فهو بمعنى العطية، فدخل في ذلك الصدقة والهبة والحبس (الوقف) والعارية، والعمرى، والعرية، والمنحة، والإرفاق والإخدام، والإسكان، والنذر، قال الحطاب في كتابه تحرير الكلام: وقد يطلق في العرف على ما هو أخص من ذلك، وهو التزام المعروف بلفظ الالتزام. الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 214 شهادة التعريف : - من معاني الشهادة في اللغة: الخبر القاطع، والحضور والمعاينة والعلانية، والقسم، والإقرار، وكلمة التوحيد، والموت في سبيل الله. يقال: شهد بكذا إذا أخبر به وشهد كذا إذا حضره، أو عاينه إلى غير ذلك. وقد يعدى الفعل (شهد) بالهمزة، فيقال: أشهدته الشيء إشهادا، أو بالألف، فقال: شاهدته مشاهدة، مثل عاينته وزنا ومعنى. ومن الشهادة بمعنى الحضور: قوله تعالي فمن شهد منكم الشهر فليصمه) قال القرطبي في تفسير هذه الآية: «وشهد بمعنى حضر. ومن الشهادة بمعنى المعاينة: قوله تعالي وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون) قال الراغب الأصفهاني في شرح معناها: «وقوله( أشهدوا خلقهم) ، يعني مشاهدة البصر. ومن الشهادة بمعنى القسم أو اليمين: قوله تعالي فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين). قال ابن منظور: «الشهادة معناها اليمين هاهنا. ومن الشهادة بمعنى الخبر القاطع: قوله تعالي وما شهدنا إلا بما علمنا. واستعمالها بهذا المعنى كثير. ومن الشهادة بمعنى الإقرار: قوله تعالي شاهدين على أنفسهم بالكفر). أي مقرين فإن الشهادة على النفس هي الإقرار. وتطلق الشهادة أيضا على كلمة التوحيد. (وهي قولنا: لا إله إلا الله) وتسمى العبارة (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) بالشهادتين. ومعناهما هنا متفرع عن مجموع المعنيين (الإخبار والإقرار)، فإن معنى الشهادة هنا هو الإعلام والبيان لأمر قد علم والإقرار الاعتراف به، وقد نص ابن الأنباري على أن المعنى هو: «أعلم أن لا إله إلا الله. وأبين أن لا إله إلا الله، وأعلم وأبين أن محمدا مبلغ للأخبار عن الله عز وجل وسمي النطق بالشهادتين بالتشهد، وهو صيغة (تفعل) من الشهادة. وقد يطلق (التشهد) على (التحيات) التي تقرأ في آخر الصلاة. جاء في حديث ابن مسعود: «أن النبي. صلي الله عليه وسلم كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم القرآن. ومن الشهادة بمعنى العلانيةقوله تعالي عالم الغيب والشهادة). أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قال في معنى هذه الآية: «السر والعلانية. ومن الشهادة بمعنى الموت في سبيل الله: قوله تعالي فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين). فهو شهيد قد رزقه الله الشهادة، جمعه شهداء. وفي الاصطلاح الفقهي: استعمل الفقهاء لفظ الشهادة في الإخبار بحق للغير على النفس، وبيان ذلك في مصطلح (إقرار). واستعملوا اللفظ في الموت في سبيل الله وبيانه في مصطلح (شهيد). واستعملوه في القسم كما في اللعان، (وبيانه في اللعان). كما استعمل الفقهاء لفظ الشهادة في الإخبار بحق للغير على الغير في مجلس القضاء، وهو موضوع البحث في هذا المصطلح. واختلفوا في تعريف الشهادة بهذا المعنى. فعرفها الكمال من الحنفية بأنها: إخبار صدق لإثبات حق بلفظ الشهادة في مجلس القضاء. وعرفها الدردير من المالكية: بأنها إخبار حاكم من علم ليقضي بمقتضاه. وعرفها الجمل من الشافعية بأنها: إخبار بحق للغير على الغير بلفظ أشهد. وعرفها الشيباني من الحنابلة بأنها: الإخبار بما علمه بلفظ أشهد أو شهدت. وتسميتها بالشهادة إشارة إلى أنها مأخوذة من المشاهدة المتيقنة، لأن الشاهد يخبر عن ما شاهده والإشارة إليها بحديث ابن عباس – رضي الله عنهما - قال: «ذكر عند رسول الله صلي الله عليه وسلم الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس وأومأ رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده إلى الشمس. وتسمى «بينة» أيضا؛ لأنها تبين ما التبس وتكشف الحق في ما اختلف فيه. وهي إحدى الحجج التي تثبت بها الدعوى. ألفاظ ذات صلة : الإقرار : الإقرار عند جمهور الفقهاء: الإخبار عن ثبوت حق للغير على المخبر. الدعوى: الدعوى: قول مقبول عند القاضي يقصد به طلب حق قبل الغير أو دفع الخصم عن حق نفسه. فيجمع كلا من الإقرار والدعوى والشهادة، أنها إخبارات. والفرق بينها: أن الإخبار إن كان عن حق سابق على المخبر، ويقتصر حكمه عليه فإقرار، وإن لم يقتصر، فإما أن لا يكون للمخبر فيه نفع، وإنما هو إخبار عن حق لغيره على غيره فهو الشهادة، وإما أن يكون للمخبر نفع فيه لأنه إخبار بحق له فهو الدعوى، انظر: الموسوعة الفقهية مصطلح (إقرار) (6 67. البينة: البينة: عرفها الراغب بأنها: الدلالة الواضحة عقلية أو محسوسة. وعرفها المجدوي البركتي بأنها: الحجة القوية والدليل. وقال ابن القيم: البينة في الشرع: اسم لما يبين الحق ويظهره. وهي تارة تكون أربعة شهود، وتارة ثلاثة بالنص في بينة المفلس، وتارة شاهدين وشاهدا واحدا وامرأة واحدة ونكولا ويمينا أو خمسين يمينا أو أربعة أيمان، وتكون شاهد الحال (أي القرائن) في صور كثيرة. وبذلك تكون البينة على هذا أعم من الشهادة. الحكم التكليفي. تحمل الشهادة وأداؤها فرض على الكفاية، لقوله تعالي ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا). ). وقوله تعالي ).وأقيموا الشهادة لله). وقوله (ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه). ولأن الشهادة أمانة فلزم أداؤها كسائر الأمانات. فإذا قام بها العدد الكافي (كما سيأتي) سقط الإثم عن الجماعة، وإن امتنع الجميع أثموا كلهم. وإنما يأثم الممتنع إذا لم يتضرر بالشهادة، وكانت شهادته تنفع. فإذا تضرر في التحمل أو الأداء، أو كانت شهادته لا تنفع، بأن كان ممن لا تقبل شهادته، أو كان يحتاج إلى التبذل في التزكية ونحوها، لم يلزمه ذلك، لقوله تعالي ولا يضار كاتب ولا شهيد.. وقوله صلي الله عليه وسلم : «لا ضرر ولا ضرار. وإن كان ممن لا تقبل شهادته لم يجب عليه؛ لأن مقصود الشهادة لا يحصل منه. وقد يكون تحملها وأداؤها أو أحدهما فرضا عينيا إذا لم يكن هناك غير ذلك العدد من الشهود الذي يحصل به الحكم، وخيف ضياع الحق. وهذا الحكم هو في الشهادة على حقوق العباد، أما حقوق الله فتنظر في مصطلح أداء ف 26 ح 2 ص 340 لبيان الخلاف في أفضلية الشهادة أو الستر. مشروعية الشهادة: ثبتت مشروعية الشهادة بالكتاب والسنة والإجماع والمعقول. أما الكتاب. فقوله تعالى:(واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء). وقوله: (وأشهدوا ذوي عدل منكم). وقوله(ولا تكتموا الشهادة). وأما السنة: فأحاديث كثيرة منها حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه - أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: «شاهداك أو يمينه. وحديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنه - أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه». والبينة هي الشهادة. «قد انعقد الإجماع على مشروعيتها لإثبات الدعاوى». أما المعقول: فلأن الحاجة داعية إليها لحصول التجاحد بين الناس، فوجب الرجوع إليها. أركان الشهادة: أركان الشهادة عند الجمهور خمسة أمور: الشاهد، والمشهود له، والمشهود عليه، والمشهود به، والصيغة. وركنها عند الحنفية: اللفظ الخاص، وهو لفظ (أشهد) عندهم. سبب أداء الشهادة: سبب أداء الشهادة طلب المدعي الشهادة من الشاهد، أو خوف فوت حق المدعي إذا لم يعلم المدعي كونه شاهدا. حجية الشهادة: الشهادة حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه ولكن توجب على الحاكم أن يحكم بمقتضاها لأنها إذا استوفت شروطها مظهرة للحق والقاضي مأمور بالقضاء بالحق. شروط الشهادة : للشهادة نوعان من الشروط: شروط تحمل. وشروط أداء. فأما شروط التحمل: فمنها: أن يكون الشاهد عاقلا وقت التحمل، فلا يصح تحملها من مجنون وصبي لا يعقل؛ لأن تحمل الشهادة عبارة عن فهم الحادثة وضبطها، ولا يحصل ذلك إلا بآلة الفهم والضبط، وهي العقل. أن يكون بصيرا، فلا يصح التحمل من الأعمى عند الحنفية. وذهب المالكية والشافعية والحنابلة وزفر من الحنفية إلى صحة تحمله فيما يجري فيه التسامع إذا تيقن الصوت وقطع بأنه صوت فلان. أن يكون التحمل عن علم، أو عن معاينة للشيء المشهود به بنفسه لا بغيره: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ذكر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم «الرجل يشهد بشهادة، فقال لي: يا ابن عباس، لا تشهد إلا على ما يضيء لك كضياء هذه الشمس وأومأ رسول الله صلي الله عليه وسلم بيده إلى الشمس. ولا يتم ذلك إلا بالعلم، أو المعاينة، إلا فيما تصح فيه الشهادة بالتسامع، كالنكاح، والنسب، والموت، وغير ذلك مما نص عليه الفقهاء أما ما سوى ذلك فتشترط فيه المعاينة. ونص الفقهاء على أنه لا يجوز للشاهد أن يشهد بما رآه من خط نفسه إلا إذا تذكر ذلك وتيقن منه، لأن الخط يشبه الخط، والختم يشبه الختم، كثيرا ما يقع التزوير، فلا معول إلا على التذكر. وذهب أبو يوسف ومحمد إلى جواز شهادته على ما يجده من خط نفسه وعن أحمد في ذلك روايتان. وهذه المسألة مبنية على مسألة القاضي يجد في ديوانه شيئا لا يحفظه، كإقرار رجل أو شهادة شهود، أو صدور حكم منه وقد ختم بختمه، فإنه لا يقضي بذلك عند أبي حنيفة، وعندهما يقضي به. ولا يشترط للتحمل: البلوغ، والحرية، والإسلام، والعدالة، حتى لو كان الشاهد وقت التحمل صبيا عاقلا، أو عبدا، أو كافرا، أو فاسقا، ثم بلغ الصبي، وأعتق العبد، وأسلم الكافر، وتاب الفاسق، فشهدوا عند القاضي قبلت شهادتهم. الشهادة بالسماع والتسامع: الشهادة بالتسامع عند التحقيق تنقسم إلى ثلاث مراتب باعتبار درجة العلم الحاصل بها: المرتبة الأولى: تفيد علما جازما مقطوعا به وهي المعبر عنها: بشهادة السماع المتواتر كالسماع بوجود مكة والمدينة وبغداد والقاهرة والقيروان ونحوها من المدن القديمة التي ثبت القطع بوجودها سماعا عند كل من لم يشاهدها مشاهدة مباشرة فهذه عند حصولها تكون - من حيث وجوب القبول والاعتبار - بمنزلة الشهادة إجماعا. المرتبة الثانية: تفيد ظنا قويا يقرب من القطع وهي المعبر عنها: بالاستفاضة من الخلق الغفير: كالشهادة بأن نافعا مولى ابن عمر وأن عبد الرحمن بن القاسم من أوثق من أخذ عن الإمام مالك، وأن أبا يوسف يعتبر الصاحب الأول لأبي حنيفة، وقد ذهب الفقهاء إلى قبول هذه المرتبة ووجوب العمل بمقتضاها من ذلك قولهم: إذا رئي الهلال رؤية مستفيضة من جم غفير وشاع أمره بين أهل البلد لزم الفطر أو الصوم من رآه، ومن لم يره دون احتياج إلى شهادة عند الحاكم ودون توقف على إثبات تعديل نقلته. ومن هذا القبيل أيضا استفاضة التعديل والتجريح عند الحكام، والمحكومين: فمن الناس من لا يحتاج الحاكم إلى السؤال عنه لاستفاضة عدالته عنده سماعا، ومنهم من لا يسأل عنه لاشتهار جرحته، وإنما يطالب بالكشف عمن لم يشتهر لا بهذه ولا بتلك. وقد تناقل الفقهاء، وأصحاب التراجم، أن ابن أبي حازم شهد عند قاضي المدينة فقال له القاضي: أما الاسم فاسم عدل ولكن من يعرف أنك ابن أبي حازم؟ فدل هذا على أن عدالة ابن أبي حازم لا تحتاج إلى السؤال عنها، وهي مشهورة عند القاضي وغيره من الناس مع أنه لا يعرف شخصه. المرتبة الثالثة: تفيد ظنا قويا دون الظن المذكور في المرتبة السابقة يكون مصدرها سماعا مستفيضا لم يبلغ في استفاضته حد الأولى، وهذه المرتبة هي المقصود بكلام الفقهاء عند إطلاقهم الحديث على شهادة السماع، أو الشهادة بالسماع، أو بالتسامع. وهي التي قالوا في تعريفها: إنها لقب لما يصرح الشاهد فيه باستناد شهادته لسماع من غير معين فتخرج - بذلك - شهادة البت والنقل وقد اتفقوا على جواز اعتمادها قضاء للضرورة، أو الحاجة في حالات خاصة اختلفت كما باختلاف المذاهب في تحديد مواضع الحاجة، وضبط القيود التي تعود إليها، والثابت عند الدارسين أن أكثر المذاهب الإسلامية تسامحا في الأخذ بها هو المذهب المالكي. وأفاض المالكية في القول فيها أكثر من غيرهم، حيث بين غير واحد منهم أن النظر في شهادة السامع يتناول الجوانب التالية: الأول: الصفة التي تؤدى بها: الراجح عند المالكية الذي عليه المعول أن يقول الشهود - عند تأديتها - «سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدالة وغيرهم أن هذه الدار - مثلا - صدقة على بني فلان»، أي: لا بد من الجمع بين العدول، وغير العدول في المنقول عنهم. ويرى بعضهم أن عليهم أن يقولوا: «إنا لم نزل نسمع من الثقات، أو سمعنا سماعا فاشيا من أهل العدل». وهو رأي مرجوح عندهم؛ لأن حصر مصدر سماعهم في الثقات والعدول يخرجها من السماع إلى النقل وهو موضوع آخر. قال ابن فرحون: ولا يكون السماع بأن يقولوا: «سمعنا من أقوام بأعيانهم» يسمونهم أو يعرفونهم، إذ ليست - حينئذ - شهادة تسامع بل هي شهادة على شهادة، فتخرج عن حد شهادة السماع. وظاهر المدونة الاكتفاء بقولهم: «سمعنا سماعا فاشيا» دون احتياج إلى إضافة «من الثقات وغيرهم» حيث لا عبرة بذكر العدول في المنقول عنهم خلافا لما يراه مطرف وابن ماجشون. والثاني: شروط قبولها: وأهمها باختصار: (1) أن تكون من عدلين فأكثر ويكتفى بهما على المشهور، خلافا لمن نص على أنه لا يكتفى فيها إلا بأربعة عدول. (2) السلامة من الريب: فإن شهد ثلاثة عدول مثلا على السماع وفي الحي أو في القبيلة مائة رجل في مثل سنهم لا يعرفون شيئا عن المشهود فيه، فإن شهادتهم ترد للريبة التي حفت بها، فإذا انتفت الريبة قبلت، كما إذا شهد على أمر ما، شيخان قد انقرض جيلهما، فلا ترد وإن لم يشهد بذلك غيرهما من أهل البلد وكذلك لو شهد عدلان طارئان باستفاضة موت، أو ولاية، أو عزل، قد حدث ببلدهما وليس معهما - في الغربة - غيرهما، فإن شهادتهما مقبولة للغرض نفسه. (3) أن يكون السماع فاشيا مستفيضا، وهذا القدر محل اتفاق بين الفقهاء داخل المذهب المالكي وخارجه( ). إلا أنهم قد اختلفوا كما تقدم في إضافة: «من الثقات وغيرهم» أو «من الثقات» فقط، أو عدم إضافتهما. (4) أن يحلف المشهود له: فلا يقضي القاضي لأحد بالشهادة بالتسامع إلا بعد يمينه، لاحتمال أن يكون أصل السماع الذي فشا وانتشر منقولا عن واحد، والشاهد الواحد لا بد معه من اليمين في الدعاوى المالية. الثالث: محالها: أي: المواضع التي تقبل فيها شهادة السماع. سلك فقهاء المالكية بالخصوص - لتحديد هذه المحال المروية في المذهب - ثلاث طرق: أحدها: للقاضي عبد الوهاب الذي يروي أنها مختصة بما لا يتغير حاله، ولا ينتقل الملك فيه، كالموت، والنسب، والوقف، ونص على قولين في النكاح. الثانية: لابن رشد الجد: حكى فيها أربعة أقوال: تقبل في كل شيء، لا تقبل في شيء، تقبل في كل شيء ما عدا النسب، والقضاء والنكاح والموت، إذ من شأنها أن تستفيض استفاضة يحصل بها القطع لا الظن، ورابع الأقوال عكس السابق، لا تقبل إلا في النسب والقضاء، والنكاح والموت. والثالثة: لابن شاس، وابن الحاجب، وجمهور الفقهاء قالوا: إنها تجوز في مسائل معدودة، أوصلها بعضهم إلى عشرين، وبعضهم إلى إحدى وعشرين، وبعضهم إلى اثنتين وثلاثين وأنهاها أحدهم إلى تسع وأربعين. منها: النكاح، والحمل، والولادة، والرضاع، والنسب، والموت، والولاء، والحرية، والأحباس، والضرر، وتولية القاضي وعزله، وترشيد السفيه، والوصية، وفي الصدقات، والأحباس التي تقادم أمرها، وطال زمانها، وفي الإسلام والردة، والعدالة، والتجريح، والملك للحائز. أما بقية الأئمة فقد أجمعوا على صحة شهادة التسامع في النسب والولادة للضرورة، قال ابن المنذر: أما النسب، فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه، ولو منع ذلك لاستحالت معرفة الشهادة به، إذ لا سبيل إلى معرفته قطعا بغيره ولا تمكن المشاهدة فيه، ولو اعتبرت المشاهدة لما عرف أحد أباه ولا أمه ولا أحدا من أقاربه. واختلفوا فيما وراء ذلك: فقال الحنابلة وبعض أصحاب الشافعي: تجوز - بالإضافة إلى المسألتين الأوليين - في تسعة أشياء: النكاح، والملك المطلق، والوقف ومصرفه، والموت، والعتق، والولاء، والولاية، والعزل، معللين رأيهم بأن هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها غالبا بمشاهدتها أو مشاهدة أسبابها، فلو لم تقبل فيها الشهادة بالتسامع لأدى ذلك إلى الحرج والمشقة، وتعطيل الأحكام وضياع الحقوق. ويرى البعض الآخر من أصحاب الشافعي: أنها لا تقبل في الوقف، والولاء، والعتق والزوجية؛ لأن الشهادة ممكنة فيها بالقطع حيث إنها شهادة على عقد كبقية العقود. وقال أبو حنيفة: لا تصح إلا في النكاح والموت والنسب، ولا تقبل في الملك المطلق؛ لأن الشهادة فيه لا تخرج عن كونها شهادة بمال، وما دام الأمر كذلك فهو شبيه بالدين، والدين لا تقبل فيه شهادة السماع، وأما صاحباه فقد نصا على قبولها في الولاء مثل عكرمة مولى ابن عباس. الشهادة على الشهادة: قد لا يستطيع الشاهد المقبول الشهادة أن يؤدي الشهادة بنفسه أمام القضاء، لسفر، أو مرض، أو عذر من الأعذار، فيشهد على شهادته شاهدين تتوفر فيهما الصفات التي تؤهلهما للشهادة، ويطلب منهما تحملها والإدلاء بها أمام القضاء، فيقوم هذان الشاهدان مقامه، في نقل تلك الشهادة إلى مجلس القضاء بلفظها المخصوص في التحمل والأداء؛ لأن الحاجة تدعو إلى ذلك فلا تقبل الشهادة على الشهادة إلا عند تعذر شهود الأصل باتفاق الفقهاء. ويشترط الشافعية والحنابلة دوام تعذر شهود الأصل إلى حين صدور الحكم، فمتى أمكنت شهادة الأصول قبل الحكم وقف الحكم على سماعها، ولو بعد سماع شهادة الفروع؛ لأنه قدر على الأصل فلا يجوز الحكم بالبدل. ومما يجيز للشاهد أن يشهد على شهادته أن يخاف الموت فيضيع الحق. هذا على وجه العموم، وإن كانت آراء الفقهاء متباينة فيما يجوز من الشهادة على الشهادة وما لا يجوز. فقد ذهب مالك، وأبو ثور، وهو أحد قولي الشافعي: إلى أن الشهادة على الشهادة جائزة في سائر الأمور مالا أو عقوبة. وذهب الحنفية والحنابلة إلى أنها: جائزة في كل حق لا يسقط بشبهة، فلا تقبل فيما يندرئ بالشبهات كالحدود والقصاص. قال الحنفية وإنما قلنا بذلك استحسانا. وجه القياس أنها عبادة بدنية وليست حقا للمشهود له والنيابة لا تجزئ في العبادة البدنية، ووجه الاستحسان أن الحاجة ماسة إليها، إذ شاهد الأصل قد يعجز عن أداء الشهادة لمرض أو موت أو بعد مسافة، فلو لم تجز الشهادة على الشهادة أدى إلى ضياع الحقوق، وصار كتاب القاضي إلى القاضي. وذهب الشافعية إلى: جواز تحمل الشهادة على الشهادة وأدائها، وإلى قبول الشهادة على الشهادة لعموم قوله تعالي( وأشهدوا ذوي عدل منكم) ولأن الحاجة تدعو إليها؛ لأن الأصل قد يتعذر؛ ولأن الشهادة حق لازم، فيشهد عليها كسائر الحقوق؛ ولأنها طريق يظهر الحق كالإقرار فيشهد عليها، لكنها إنما تقبل في غير عقوبة مستحقة لله تعالى، وغير إحصان، كالأقارير، والعقود، والنسوخ، والرضاع، والولادة، وعيوب النساء. سواء في ذلك حق الآدمي وحق الله تعالى كالزكاة، وتقبل في إثبات عقوبة الآدمي على المذهب كالقصاص، وحد القذف. أما العقوبة المستحقة لله تعالى كالزنى، وشرب الخمر، فلا تقبل فيها الشهادة على الشهادة على الأظهر. وذهب جمهور الفقهاء إلى أنه: إذا شهد شاهد واحد على شهادة أحد الشاهدين، وشهد آخر على شهادة الشاهد الثاني، لم يجز ذلك؛ لأنه إثبات قول بشهادة واحد. خلافا للحنابلة فإنهم يجوزون الشهادة على هذه الصورة. وإن شهد شاهدان على شهادة شاهد، ثم شهدا على شهادة الشاهد الثاني في القضية نفسها، فقد ذهب الحنفية والحنابلة - وهو قول عند الشافعية - إلى جواز ذلك. مستدلين بقول علي – رضي الله عنهما .لا يجوز على شهادة رجل إلا شهادة رجلين. والقول الثاني: عند الشافعية: أنه يشترط لكل من الأصلين اثنان؛ لأن شهادتهما على واحد قائمة مقام شهادته، فلا تقوم مقام شهادة غيره. ولا يصح تحمل شهادة مردود الشهادة؛ لسقوطها. وذهب الحنفية والشافعية إلى أنه: لا يصح تحمل النسوة للشهادة على الشهادة، لأن شهادة الفرع تثبت الأصل لا ما شهد به؛ ولأن التحمل ليس بمال ولا المقصود منه المال، وهو مما يطلع عليه الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء كالنكاح. وذهب المالكية إلى جواز شهادة النساء على شهادة غيرهن، فيما تجوز فيه شهادتهن، إن كان معهن رجل، ومنع من ذلك أشهب، وعبد الملك مطلقا، وأجاز أصبغ نقل امرأتين عن امرأتين فيما ينفردن به. قال ابن رشد: وقال ابن القاسم: لا يجزئ في ذلك إلا رجل وامرأتان، ولا تجزئ فيه النساء، ولا تجوز شهادة النساء على شهادة رجل، ولو كن ألفا، إلا مع رجل؛ لأن الشهادة لا تثبت إلا برجلين أو رجل وامرأتين. وذهب الحنابلة: إلى صحة شهادة النساء، حيث يقبلن في أصل وفرع، وفرع فرع؛ لأن المقصود إثبات ما يشهد به الأصول فدخل فيه النساء، فيقبل رجلان على رجل واحد وامرأتين، ويقبل رجل وامرأتان على مثلهم أو رجلين أصلين أو فرعين في المال وما يقصد به، وتقبل امرأة على امرأة فيما تقبل فيه المرأة. وإذا فسق الشاهد الأصيل أو ارتد، أو نشأت عنده عداوة للمشهود عليه امتنع القاضي من قبول شهادة الفرع؛ لسقوط شهادة الأصل ولو حدث الفسق أو الردة بعد الشهادة وقبل الحكم امتنع الحكم. الاسترعاء في الشهادة على الشهادة: ذهب الفقهاء إلى أنه يشترط الاسترعاء في الشهادة على الشهادة، والاسترعاء هو: طلب الحفظ، أي: بأن يقول شاهد الأصل لشاهد الفرع: اشهد على شهادتي واحفظها، فللفرع ولمن سمعه يقول ذلك، أن يشهد على شهادته ولو لم يخصه بالاسترعاء، واستثنوا من ذلك ما إذا سمع شاهد الفرع الأصل شهادة الشاهد الأصل أمام القاضي، فإنه يجوز له أن يشهد على شهادته وإن لم يسترعه. واستثنى الشافعية والحنابلة أيضا ما إذا سمع الفرع الأصل يذكر سبب الحق بأن يقول: أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع أو كقرض أو غير ذلك. وذهب الحنفية إلى عدم اشتراطه؛ لأن من سمع إقرار غيره حل له الشهادة وإن لم يقل له اشهد. ويؤدي شاهد الفرع شهادته على الصفة التي تحملها من غير زيادة ولا نقص، فإن سمعه يشهد بحق مضاف إلى سبب يوجب الحق ذكره، وإن سمعه يشهد عند الحاكم ذكره، وإن أشهده شاهد الأصل على شهادته أو استرعاه، قال: أشهد أن فلانا يشهد أن لفلان على فلان كذا وأشهدني على شهادته وهكذا. ولا يشترط أن يقوم شاهد الفرع بتعديل شاهد الأصل، ويقوم القاضي بالبحث عن العدالة، فإن عدله الفرع وهو أهل للتعديل جاز ذلك. وذهب محمد بن الحسن، إلى أنه لا تقبل شهادة الفرع ما لم يعدل شاهد الأصل، فإذا لم يعرف عدالته لم ينقل الشهادة عنه. وإن أنكر شهود الأصل الشهادة لم تقبل شهادة شهود الفرع؛ لأن التحميل لم يثبت، للتعارض بين الخبرين. أجاز المالكية القضاء بشهادة الاسترعاء على بعض التصرفات التي يقوم بها الإنسان اضطرارا، كالطلاق والوقف والهبة، والتزويج ونحو ذلك، وصورتها أن يكتب المسترعى كتابا سرا؛ بأنه إنما يفعل هذا التصرف لأمر يتخوفه على نفسه، أو ماله، وأنه يرجع فيما عقد عند أمنه مما يتخوفه ويشهد على ذلك شهود الاسترعاء. وقد أورد صاحب تبصرة الحكام أمثلة لما يقوله المسترعي، في وثيقة الاسترعاء فيما تجوز فيه شهادة الاسترعاء. فقال نقلا عن ابن العطار: يصدق المسترعى في الحبس (يعني الوقف) فيما يذكره من الوجوه التي يتوقعها ويكتب في ذلك: أشهد فلان شهود هذا الكتاب بشهادة استرعاء، واستخفاء للشهادة: أنه متى عقد في داره بموضع كذا تحبيسا على بنيه أو على أحد من الناس فإنما يفعله لأمر يتوقعه على نفسه، أو على ماله المذكور، وليمسكه على نفسه ويرجع فيما عقد فيه عند أمنه مما تخوفه، وأنه لم يرد بما عقده فيه وجه القربة، ولا وجه الحبس بل لما يخشاه وأنه غير ملتزم لما يعقده فيه من التحبيس وأشهد عليه بذلك في تاريخ كذا وكذا. ومما ذكروه أيضا أنه إذا خطب من هو قاهر لشخص بعض بناته فأنكحه المخطوب إليه، وأشهد شهود الاسترعاء سرا: أني إنما أفعله خوفا منه وهو ممن يخاف عداوته. وأنه إن شاء اختارها لنفسه لغير نكاح فأنكحه على ذلك فهو نكاح مفسوخ أبدا. وإذا بنى ظالم أو من يخاف شره غرفة محدثة بإزاء دار رجل وفتح بابا يطلع منه على ما في داره على وجه الاستطالة لقدرته، وجاهه، فيشهد الرجل أن سكوته عنه لخوفه منه على نفسه أن يضره أو يؤذيه، وأنه غير راض بذلك وأنه قائم عليه بحقه متى أمكنه، وتشهد البينة لمعرفتهم وأن المحدث لذلك ممن يتقى شره، وينفعه ذلك متى قام بطلب حقه. وفي أحكام ابن سهل: من له دار بينه وبين أخيه فباع أخوه جميعها ممن يعلم اشتراكهما فيها وله سلطان، وقدرة، وخاف ضرره إذا تكلم في ذلك، فاسترعى أن سكوته عن الكلام في نصيبه وفي الشفعة في نصيب أخيه لما يتوقعه من تحامل المشتري عليه، وإضراره به، وأنه غير تارك لطلبه متى أمكنه. فإذا ذهبت التقية، وقام من فوره بهذه الوثيقة أثبتها، وأثبت الملك، والاشتراك، وأعذر إلى أخيه وإلى المشتري، قضي له بحقه وبالشفعة ما يجوز الاسترعاء فيه: قال ابن فرحون من المالكية: يجوز الاسترعاء في التصرفات التي هي من باب التطوع: كالطلاق، والتحبيس والهبة، قال المالكية: ولا يلزمه أن يفعل شيئا من ذلك، وإن لم يعلم السبب إلا بقوله، مثل أن يشهد أني إن طلقت فإني أطلق خوفا من أمر أتوقعه من جهة كذا، أو حلف بالطلاق وكان أشهد أني إن حلفت بالطلاق فإنما هو لأجل إكراه ونحو ذلك فهذا وما ذكرناه معه لا يشترط فيهما معرفة الشهود والسبب المذكور. ولا يجوز الاسترعاء في البيوع مثل أن يشهد قبل البيع أنه راجع في البيع وأن بيعه لأمر يتوقعه؛ لأن المبايعة خلاف ما تطوع به. وقد أخذ البائع فيه ثمنا، وفي ذلك حق للمبتاع إلا أن يعرف الشهود الإكراه على البيع أو الإخافة فيجوز الاسترعاء إذا انعقد قبل البيع وتضمن العقد شهادة من يعرف الإخافة والتوقع الذي ذكره. الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 263 التخدير من الأعذار المجيزة الشهادة على الشهادة ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من شروط وجوب أداء الشهادة: أن لا يكون الشاهد معذورا لمرض ونحوه ككون المرأة مخدرة مثلا. فإن كان المدعو للشهادة امرأة مخدرة لم يلزمها الأداء، وتشهد على شهادتها غيرها، أو يبعث القاضي إليها من يسمعها دفعا للمشقة عنها. الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 ه - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 136 الشهادة على المنقبة: قال بعض مشائخ الحنفية: تصح الشهادة على المتنقبة، ولو أخبر العدلان أن هذه المقرة فلانة بنت فلان تكفي هذه الشهادة على الاسم والنسب عندهما، وعليه الفتوى، فإن عرفها باسمها ونسبها عدلان، ينبغي للعدلين أن يشهدا الفرع على شهادتهما، كما هو طريق الإشهاد على الشهادة حتى يشهدا عند القاضي على شهادتهما بالاسم والنسب، ويشهدا بأصل الحق أصالة، فتجوز وفاقا. قال المالكية: لا تجوز الشهادة على امرأة مجهولة للشهود منتقبة حتى ترفع النقاب عن وجهها ويشهدوا على عينها، لتتعين المرأة المشهود عليها لتأدية الشهادة التي تحملوها عليها إذا طلبوا بها عند الحاكم، وإن قال الشهود وقت الأداء: أشهدتنا هذه المرأة على نفسها بكذا حال كونها متنقبة، وكذلك حال كونها متنقبة نعرفها ولا تشتبه علينا بغيرها فنؤدي الشهادة عليها متنقبة - صدقوا واتبعوا في ذلك، وقال ابن عرفة: إن قالت البينة: أشهدتنا وهي متنقبة وكذلك نعرفها ولا نعرفها بغير نقاب، فهم أعلم بما تقلدوا، وإن كانوا عدولا وعينوها كما ذكرت وقطع بشهادتهم. سأل ابن حبيب سحنون عن امرأة أنكرت دعوى رجل عليها فأقام عليها بينة، قالوا: أشهدتنا على نفسها وهي متنقبة بكذا وكذا، ولا نعرفها إلا متنقبة وإن كشفت وجهها فلا نعرفها، فقال: هم أعلم بما تقلدوا، فإن كانوا عدولا، وقالوا: عرفناها، قطع بشهادتهم. وقال الشافعية: لا يصح تحمل شهادة على متنقبة اعتمادا على صوتها، فإن الأصوات تتشابه، فمن لم يسمع صوتها ولم يرها بأن كانت من وراء ستر أولى بالمنع، ولا يمنع الحائل الرقيق على الأصح. فلا يصح التحمل على المتنقبة ليؤدي ما تحمله اعتمادا على معرفة صوتها، أما لو شهد اثنان أن امرأة متنقبة أقرت يوم كذا لفلان بكذا، فشهد آخران أن تلك المرأة التي حضرت وأقرت يوم كذا هي هذه ثبت الحق بالبينتين، كما لو قامت بينة أن فلان بن فلان الفلاني أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان بن فلان ثبت الحق، ويستثنى من ذلك ما لو تحقق صوتها من وراء نقاب كثيف ولازمها حتى أدى على عينها كما أشار إليه الرافعي بحثا كنظيره من الأعمى. فإن عرفها بعينها، أو باسم ونسب جاز التحمل عليها، ولا يضر النقاب، بل يجوز كشف الوجه حينئذ كما في الحاوي وغيره، ويشهد المتحمل على المتنقبة عند الأداء بما يعلم مما ذكر، فيشهد في العلم بعينها إن حضرت، وفي صورة علمه باسمها ونسبها إن غابت أو ماتت ودفنت، فإن لم يعلم شيئا من ذلك كشف وجهها عند التحمل عليها وضبط حليتها وكشفه أيضا عند الأداء، ويجوز استيعاب وجهها بالنظر للشهادة عند الجمهور، وصحح الماوردي أن ينظر ما يعرفها به فقط، فإن عرفها بالنظر إلى بعضه لم يتجاوزه، وهذا هو الظاهر، ولا يزيد على مرة، سواء قلنا بالاستيعاب أم لا، إلا أن يحتاج للتكرار. ولا يجوز التحمل على المرأة - متنقبة أم لا - بتعريف عدل أو عدلين أنها فلانة بنت فلان على الأشهر المعبر به في المحرر وفي الروضة وأصلها عند الأكثرين بناء على أن المذهب في أن التسامع لا بد فيه من جماعة يؤمن تواطؤهم على الكذب، وقيل: يجوز بتعريف عدل لأنه خبر، وقيل: بتعريف عدلين بناء على جواز الشهادة على النسب بالسماع منهما، والعمل على خلاف الأشهر، وهو التحمل بما ذكر، ولم يبين أن مراده العمل على التحمل بتعريف عدل فقط.

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩