1- إذ كان الثابت من تقرير الخبير فى الدعوى أن ارض النزاع وهى من البحيرات المجففة التي تسرى عليها أحكام القانون رقم 143 لسنة 1981 تحت يد الطاعن ووالده من قبله منذ سنة 73/1974 وقام فى سبيل توفير مصدر ري دائم لها بعمل مسقى تمر بأرض الجيران إلى أن تصل إلى الأرض موضوع الدعوى لتوصيل مياه الري من الترعة العمومية إلى الأرض بواسطة مجموعة ري مشتركة مع آخرين فان ذلك ما تتوفر به - على عكس ما انتهى إليه الخبير - شرط توفير مصدر الري الدائم الذي تستلزمه المادة 18 /3 من القانون 143 لسنة 1981 ........ وإذ تبنى الحكم المطعون فيه هذه النتيجة الخاطئة التي انتهى إليها تقرير الخبير وقضى برفض دعوى الطاعن ( بتثبيت ملكيته لأرض النزاع ) فانه يكون قد اخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 85 لسنة 62 جلسة 1998/05/14 س 49 ع 1 ص 409 ق 100)
2- إذا أخذت محكمة الموضوع بتقرير الخبير المقدم فى الدعوى وأحالت فى بيان أسبابها إليه، وكانت أسبابه لا تصلح رداً على دفاع جوهري تمسك به الخصوم من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي فى الدعوى، فإن حكمها يكون معيباً بالقصور.
(الطعن رقم 3408 لسنة 66 جلسة 1997/11/26 س 48 ع 2 ص 1323 ق 245)
3- لمحكمة الموضوع السلطة التامة فى فهم الواقع فى الدعوى والموازنة بين الأدلة المطروحة عليها لتأخذ بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه، وكان عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات الواقعية فى الدعوى يخضع لتقريرها ولها سلطة الأخذ بما انتهى إليه محمولا على أسبابه متى أقتنعت بكفاية أبحاثه وسلامة الأسس التي بني عليها دون أن تكون ملزمة بالرد على تقرير الخبير الاستشاري أو المستندات المخالفة لما أخذت به لأن فى قيام الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت عليها دليلها الرد الضمني المسقط لما يخالفها.
(الطعن رقم 3705 لسنة 59 جلسة 1994/04/10 س 45 ع 1 ص 668 ق 127)
4- كل طلب أو وجه الدفاع يدلى به لدى محكمة الموضوع ويطلب إليها بطريق الجزم أن تفصل فيه ويكون الفصل فيه مما يجوز أن يترتب عليه تغيير وجه الرأى فى الدعوى يجب عليها أن تجيب عليه بأسباب خاصة وإلا إعتبر حكمها خالية من الأسباب.
(الطعن رقم 1303 لسنة 59 جلسة 1994/03/30 س 45 ع 1 ص 581 ق 114)
5- ندب خبير فى الدعوى هو مجرد وسيلة إثبات يقصد بها التحقيق من واقع معين يحتاج الكشف عنه إلى معلومات فنية خاصة ولا شأن له بالفصل فى نزاع قانونى أو الموازنة بين أقوال الشهود وتقدير شهادتهم فهذا من صميم واجب القاضى لا يجوز له التخلى عنه لغيره.
(الطعن رقم 2362 لسنة 59 جلسة 1994/03/06 س 45 ع 1 ص 464 ق 96)
6- تقرير الخبير لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات فى الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع ، فلا على الحكم المطعون فيه إن إلتفت عن النتيجة التى خلص إليها الخبير بتقريره من أن حجم المفروشات و حالتها بالنسبة لإتساع الفيلا المؤجرة غير كاف للإنتفاع بها على النحو المتعارف عليه و حسب طبيعة التعامل المفروش ، طالما أقام قضاءه بأن العين مؤجرة مفروش على ما يكفى لحمله .
(الطعن رقم 1070 لسنة 50 جلسة 1987/04/29 س 38 ع 1 ص 661 ق 143)
7- عمل الخبير لا يعدو أن يكون عنصراً من عناصر الإثبات الواقعية فى الدعوى يخضع لتقدير محكمة الموضوع التى لها سلطة الأخذ بما إنتهى إليه إذ رأت فيه ما يقنعها و يتفق و ما رأت أنه وجه الحق فى الدعوى ، ما دام قائماً على أسباب لها أصلها و تؤدى إلى ما إنتهى إليه ، و أن فى أخذها بالتقرير محمولاً على أسبابه ما يفيد أنها لم تجد فى المطاعن الموجهة إليه ما يستحق الرد عليه بأكثر مما يتضمنه التقرير دون ما إلزام عليها بتعقب تلك المطاعن على إستقلال و لا إلزام فى القانون على الخبير بأداء عمله على وجه محدد إذ يحسبه أن يقوم بما ندب له على النحو الذى يراه محققاً للغاية من ندبه ما دام عمله خاضعاً لتقدير المحكمة التى يحق لها الإكتفاء بما أجراه ما دامت ترى فيه ما يكفى لجلاء وجه الحق فى الدعوى .
(الطعن رقم 189 لسنة 53 جلسة 1987/02/15 س 38 ع 1 ص 246 ق 57)
8-إذا خلت أوراق الطعن مما يفيد أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع ببطلان عمل الخبير بسبب مخالفته لمنطوق الحكم الصادر بندبه فإنه لا يقبل منه التحدى بهذا البطلان أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 610 لسنة 45 جلسة 1983/03/28 س 34 ع 1 ص 806 ق 168)
9- إذ كان الحكم المطعون فيه قد أورد فى مدوناته أن طلبات المستأنف عليهما (المطعون عليهما) الختامية صحيحة ، وواضحة فى المطالبة بالحكم بما يثبت أنه مستحق لهما بناء على ما ينتهى إليه الخبير بعد فحص الحساب ، مما مفاده أن الحكم قد أعتبر طلبات المطعون عليهما مبينة فى الدعوى و محددة بطلب الحكم بالمبالغ التى يسفر عنها تقرير الخبير ، و من ثم فإن النعى على الحكم بالبطلان - بمقولة أن المطعون عليهما لم تبينا طلباتهما أمام محكمة أول درجة مكتفيتين بطلب الحكم لهما بما ينتهى إليه الخبير مما تكون معه الطلبات مجهلة - يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 731 لسنة 50 جلسة 1981/05/05 س 32 ع 2 ص 1382 ق 251)
10- إذا كان الثابت من تقرير الخبير أن الطاعنين الثانى و الثالث يملكان خمسة قراريط شيوعاً فى سبعة قراريط و أثنى عشر سهماً مسطح القطعة رقم بموجب عقد مسجل صادر لهما من الطاعنة الأولى ، و أن هذه القطعة بأكملها سبق أن بيعت من آخرين للمطعون عليهم بعقد مسجل سابق ، و خلص إلى أن المطعون عليهم هم الملاك لهذا القدر لمجرد أن عقدهم أسبق تسجيلاً و أن الطاعنين الثانى و الثالث يضعان اليد على هذا القدر بغير سند ، مما مفاده أن الخبير قد فصل فى الملكية بين الطرفين و هو ممتنع عليه ، و كان الحكم المطعون فيه قد إكتفى بإعتماد تقرير الخبير فى هذا الخصوص دون أن يفصل فى ملكية هذا القدر و هى مسألة قانونية تخرج عن مأمورية الخبير الذى تقتصر مهمته على تحقيق الواقع فى الدعوى و إبداء رأيه فى المسائل الفنية التى يصعب على القاضى إستقصاء كنهها بنفسه ، و بالتالى يكون الحكم قد أخطأ فى تطبيق القانون و عابه القصور فى التسبيب .
(الطعن رقم 1068 لسنة 47 جلسة 1981/04/07 س 32 ع 1 ص 1073 ق 200)
11- المناط فى إتخاذ الحكم من تقرير الخبير فى الدعوى أن يكون قد صدر حكم ندب الخبير و باشر مأموريته بين خصوم ممثلين فيها و ذلك تمكيناً لهم من إبداء دفاعهم و تحقق الغرض من إجراء الإثبات . و لما كان الثابت من مدونات الحكم الإبتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه و أحال إلى أسبابه - أنه أسس قضاءه بإلزام الطاعنة بالمبلغ المحكوم به على هذا التقرير وحده و لم تكن الشركة الطاعنة مختصمة فيها وقت ندب الخبير و تقديم تقريره و من ثم لا تحاج الطاعنة بهذا التقرير ، و إذ خالف الحكم هذا النظر فإنه يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 780 لسنة 45 جلسة 1981/01/26 س 32 ع 1 ص 317 ق 64)
12- إذ كان الثابت من المستندات المقدمة من الطاعنين بملف الطعن أنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بدفاع مؤداه أن الرابطة القانونية بينهم و بين آخر هى مشاركته فى استغلال و إدارة جزء من الورشة المقامة على أرض النزاع و أن هذه مشاركة لا تعد تأجيراً من الباطن أو تنازلاً عن الايجار ، و كان الحكم المطعون فيه قد استند فى النتيجة التى خلص إليها على ما ساقه الخبير فى تقريره للتدليل على أن التصرف القانونى الذى أجراه الطاعن الأول و هو تأجير من الباطن و أن عقد الشركة المقدم هو عقد صورى و رتب الحكم على ذلك قضاءه بفسخ العقد حالة بأن وصف الرابطة بين الخصوم و إسباغ التكييف القانونى عليها - و هى مسألة قانونية بحتة - فلا يجوز للخبير أن يتطرق إليها ، و لا للمحكمة أن تنزل عنها لأنها ولايتها وحدها ، هذا إلى أن الحكم لم يتناول دفاع الطاعنين بالبحث و التمحيص ، و لم يورد أسباباً تكفى لحمل ما انتهى إليه من رفض ما تحاجوا به رغم أن مثل هذا الدفاع لو صح فإنه يؤثر فى النتيجة و يتغير به وجه الرأى مما مقتضاه أن تواجهه محكمة الموضوع صراحة و تفرد أسباباً للرد عليه ، و ما أغنى عنه إستنادها لما أورده الخبير فى هذا الصدد ، و إذ لا غناء عن أن تقول هى كلمتها فى شأنه ، و إذ كان ذلك . و كان الحكم المطعون فيه قد إلتفت عما أثاره الطاعنون من دفاع جوهرى فإنه يكون مشوباً بقصور فى التسبيب جره إلى خطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 69 لسنة 50 جلسة 1980/12/13 س 31 ع 2 ص 2032 ق 378)
13- مجرد إيراد قاعدة قانونية فى الحكم الصادر بندب الخبير دون أن يتضمن فصلاً فى الموضوع أو فى شق منه لا يمكن أن يكون محلاً لقضاء يجوز الحجية لأنه يكون قد قرر قاعدة قانونية مجردة لم يجر تطبيقها على الواقع المطروح فى الدعوى . و من ثم فلا تكون له أية حجية تلتزم بها المحكمة بعد تنفيذه .
(الطعن رقم 857 لسنة 44 جلسة 1980/06/10 س 31 ع 2 ص 1698 ق 317)
14- إذ أخذ الحكم بالنتيجة التى إنتهى إليها تقرير الخبير ، فإنه يعتبر - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - قد أخذ بها محمولة على الأسباب التى بنيت عليها للتلازم بين النتيجة و مقوماتها ، و من ثم فلا يعيبه عدم إشارته إلى الأسباب التى بنى عليها الخبير ، تقريره و يكون قد أقام قضاءه على ما يكفى لحمله و لا عليه إن هو لم يتعقب كل حجة للخصم و لم يرد عليها إستقلالاً .
(الطعن رقم 645 لسنة 42 جلسة 1977/02/05 س 28 ع 1 ص 383 ق 75)
15- متى كان إقرار الطاعنين بوضع يدهم على أطيان النزاع جميعها قد ورد بأقوالهم أمام الخبير أثبته فى محاضر أعماله ، فحسب الحكم أن يشير إلى هذا الإقرار دون حاجة لبيان نصه ما دام أن تقرير الخبير مقدم فى الدعوى .
(الطعن رقم 216 لسنة 42 جلسة 1976/11/09 س 27 ع 2 ص1540 ق 290)
16- لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقارير الخبراء المقدمة فى الدعوى و الجزم بما لم يقطع به الخبير فى تقديره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك و أكدته لديها و تستطيع بنفسها أن تشق طريقها لإيداء الرأى فيها طالما أن المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحت ، و بالتالى فإن الحكم المطعون فيه يكون فى مطلق حقه إذ هو أدخل زمان تكرار الإستعمال ضمن الفترة التى إستغرقتها الحياة الزوجية
(الطعن رقم 19 لسنة 45 جلسة 1976/11/03 س 27 ع 2 ص 1516 ق 286)
17- لا تناقض بين تقدير المحكمة لملاحظات الخبير السابقة على ندبه و وصفها بأنها ملاحظات عابرة لا تؤثر على حيدته فى أداء مهمته و بين أن تستنبط المحكمة منها قرينة قضائية مع قرائن أخرى يتخذها الحكم قواماً لقضائه فى موضوع الدعوى لأن مثل هذه القرائن موكول أمرها إلى تقدير قاضى الموضوع طالما أنها مستقاة من أصول ثابتة فى الدعوى .
(الطعن رقم 456 لسنة 37 جلسة 1972/12/09 س 23 ع 3 ص 1347 ق 211)
18- إذا كان الحكم المطعون فيه قد إعتمد التقرير الذى إنتهى إليه الخبير - بشأن قيمة أعيان التركة - بعد أن إقتنعت المحكمة بكفاية الأبحاث التى أجراها و سلامة الأسس التى بنى عليها رأيه ، و قرر الحكم إنه لا يعول على تقدير مصلحة الضرائب - لهذه الأعيان - لأنه جزافى ، فإن ما يثيره الطاعن بسبب النعى يكون جدلا موضوعيا فى كفاية الدليل الذى إقتنعت به محكمة الموضوع ، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 14 لسنة 38 جلسة 1972/03/01 س 23 ع 1 ص 286 ق 45)
19- متى كان الحكم قد أخذ بتقرير الخبير المنتدب ، و هو فى نتيجته و أسبابه جزء مكمل لأسباب الحكم ، و رد كاف على اعتراضات الخبير الاستشارى الذى لم يطمئن إليه ، و كانت محكمة الموضوع غير ملزمة بإجابة طلب تعيين خبير آخر فى الدعوى أو إحالتها إلى التحقيق لسماع مهندس التنظيم الذى قام بالمعاينة ، متى كانت قد وجدت فى تقرير الخبير المنتدب و فى عناصر الدعوى ما يكفى لتكوين عقيدتها للفصل فيها ، فإن الحكم المطعون فيه و قد جرى فى قضائه على الأخذ بتقرير الخبير السابق ندبه ، دون الالتجاء إلى إجراء آخر فى الدعوى ، لا يكون قد أخطأ فى القانون .
(الطعن رقم 210 لسنة 36 جلسة 1971/03/18 س 22 ع 1 ص 322 ق 52)
20- محكمة الموضوع غير ملزمة برأى الخبير الذى ندبته لإثبات حقيقة الحال فى الورقة المدعى تزويرها ، و لها أن تأخذ بتقرير الخبير الإستشارى الذى تطمئن إليه متى أقامت حكمها على أدلة صحيحة من شأنها أن تؤدى عقلا إلى النتيجة التى إنتهت إليها ، كما لها أن تبنى قضاءها على نتيجة المضاهاة التى تقوم بإجرائها بنفسها لأنها هى الخبير الأعلى فيما يتعلق بوقائع الدعوى المطروحة عليها
(الطعن رقم 101 لسنة 36 جلسة 1970/04/28 س 21 ع 2 ص 714 ق 116)
حجية رأي الخبير:
تطبيقاً للقواعد العامة بشأن سلطة القاضي في الإثبات ، من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في تقدير عمل الخبير باعتباره عنصراً من عناصر الإثبات في الدعوى، على أن ممارسة المحكمة سلطتها التقديرية وفقاً للمادة 156 إثبات يتطلب منها أن تمحص تقرير الخبير ومحاضر أعماله وما قدمه إليه الخصوم من مستندات وما سمعه من شهود لتراقب عمله وتقيمه، فلا يجوز لها أن تأخذ بنتيجة التقرير دون تمحيص رغم إعوجاج أسبابها بل عليها إما تقويمها بنفسها أو إعادة فحصها بأي طريق من طرق الإثبات . فرأى الخبير لا يقيد المحكمة (156 إثبات) . ولهذا :
أ- للمحكمة أن تعتمد تقرير الخبير إذا أطمأنت إلى سلامة أبحاثه، ولها أن تأخذ ببعض ما جاء بالتقرير وتطرح البعض الآخر حسب ما تراه، ولا تلتزم عند أخذها بالتقرير أو بجزء منه بأن ترد استقلالاً على الطعون الموجهة من الخصوم ضده. وليس لأي خصم أن يجادل في تقدير المحكمة التقرير الخبير أمام محكمة النقض ، ولهذا ليس للخصم أن ينعي على الحكم الذي استند إلى تقرير الخبير أن هذا الخبير لا خبرة له في الفن الذي أخذ رأيه بشأنه ، أو أن يناقش كفاية الأبحاث التي قام بها الخبير أو سلامة الأسس التي بني عليها تقريره. وإذا اطمأنت المحكمة إلى تقرير الخبير ووجدت فيه الكفاية لتكوين عقيدتها ، أو رأت في الدعوى ما يكفي لتكوين هذه العقيدة فهي ليست ملزمة بإحالة الدعوى إلى التحقيق، أو بالاستعانة بخبير آخر مرجح ، أو باستدعاء الخبير لمناقشته ، أو بإعادة المأمورية إلى الخبير ولو طلب الخصم ذلك .
وإذا أخذت المحكمة بتقرير الخبير محمولاً على أسبابه ، اعتبرت هذه الأسباب جزءاً مكملاً لأسباب حكمها يسري عليها ما يسري على الحكم من ضرورة كفاية الأسباب لحمل قضاء الحكم.
ب- للمحكمة ألا تأخذ بتقرير الخبير ، فتطرحه وتقضي بناء على الأدلة المقدمة في الدعوى متى وجدت فيها ما يكفي لتكوين اقتناعها. ويشترط عندئذٍ وفقاً للمادة 9 إثبات أن تبين أسباب عدم أخذها برأي الخبير ، على أنها ليست ملزمة بإيراد أسباب مستقلة للرد على تقرير الخبير . فهى متى انتهت إلى الحقيقة التي اقتنعت بها وأوردت دليلها تكون قد سببت حكمها بما يتضمن التعليل الضمني المسقط التقرير الخبير، فإذا تعددت التقارير ، فإن للمحكمة أن توازن بينها وتأخذ بالبعض دون البعض الآخر، ولها عندئذٍ ألا تأخذ بتقرير الخبير الذي ندبته وتأخذ برأي الخبير الاستشاري إذا اطمأنت إليه، كما أن لها على العكس أن تطرح تقرير الخبير الاستشاري وتأخذ برأي الخبير المنتدب ، دون أن تكون ملزمة بمناقشة تقرير الخبير الذي لم تأخذ به مادامت - قد سببت حكمها في الدعوى تسبيباً كافياً، ويدخل هذا الأمر في سلطتها التقديرية الكاملة لا معقب عليها فيه، على أنه إذا قدم للمحكمة تقريراً خبرة متناقضين ، فإستندت إلى التقريرين معا رغم اختلافهما ، فان على المحكمة أن تبين في حكمها كيف واءمت بين التقريرين رغم تفاوتهما الظاهر واستحالة الجمع بينهما ، وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور.
جـ - للمحكمة أن تأمر باستدعاء الخبير في جلسة تحددها لمناقشته في تقريره ، وذلك إذا لم تكون رأياً قاطعاً من التقرير تطمئن إليه ، ويدخل هذا الأمر في سلطتها التقديرية الكاملة لا معقب عليها فيه، وإذا استدعت المحكمة الخبير ، فإنها تطلب من الخبير إبداء أسباب رأيه وتوجه إليه ما تراه - أو ما يطلب الخصم توجيهه إليه - من الأسئلة المفيدة في الدعوى (153 إثبات).
د - للمحكمة أن تعيد المأمورية إلى الخبير ليتدارك ما تبينه له من وجوه الخطأ أو النقص في عمله أو بحثه (154 إثبات) . ولها أن تعيد المأمورية إلى الخبير ، سواء بعد مناقشته أو بغير استدعائه لمناقشته . والأمر هنا أيضاً جوازي للمحكمة لا تلتزم به ، ولو طلبه الخصم .
هـ- للمحكمة أن تأمر بندب خبير آخر أو ثلاثة خبراء آخرين.
ولهؤلاء الاستعانة بمعلومات الخبير السابق . على أن المحكمة لا تلتزم بإجابة طلب الخصم ندب خبير آخر متى اطمأنت إلى تقرير الخبير السابق ، أو وجدت في أوراق الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها في الدعوى .(المبسوط في قانون القضاء المدني علماً وعملاً، الدكتور/ فتحي والي، طبعة 2017 دار النهضة العربية، الجزء : الثاني ، الصفحة : 261)
رأي الخبير لا يقيد المحكمة فلا تلتزم بأن تأخذ به بل لها مطلق التقدير في هذه الحالة ولها أن تقضي بالرأي المعارض لما أبداه الخبير إذا تبين لها أن الحق في جانبه أو أن استنتاجات الخبير غير صحيحة أو غير مطابق للواقع مناقض للمستندات المقدمة من الخصوم وحقها هذا في عدم الأخذ بتقرير الخبير وعدم التقيد برأيه ثابت لها ولو كانت المسألة من المسائل التي لا تستطيع المحكمة استيعابها معتمدة على معارفها الخاصة وذلك لأن تقارير الخبراء لا تلزم المحكمة وإنما يقصد بها تمكينها من الوصول إلى الحقيقة وهي ليست ملزمة أن تذكر الأسباب التي صرفتها عن الأخذ بتقرير الخبير ويكفي بأن تقول بأنها لا تأخذ به لتعارضة مع حقيقة ما وصل إليه اقتناعها مادام أن هذا الاقتناع قد استند إلى أسس مقبولة - ويتعين لكي تعتمد المحكمة على تقدير الخبير ولكي تعمل سلطتها حياله أن تكون هي التي ندبت هذا الخبير وأن يكون التقرير مقدماً بصدد الدعوى التي تنظرها المحكمة ولا يصح الاحتجاج بتقرير الخبير على من لم يكن خصماً في الدعوى الذي ندب فيها هذا الخبير، كذلك يتعين أن يكون التقرير الذي تستند إليه المحكمة سليمة لا يشوبه بطلان ومع ذلك فقد جرى القضاء على أن للمحكمة أن تستقي بعض معلومات الفصل في النزاع من تقرير باطل أو مخالف للإجراءات القانونية بشرط ألا يكون هذا التقرير الباطل هو الأساس الوحيد الذي بني عليه الحكم. (العشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثاني ص 594 وما بعدها)
ثانيا: والواقع أن الحكم الوارد بالمادة 156 من قانون الإثبات ليس إلا تطبيقاً للمادة 9 من ذات القانون التي تقضي بأن المحكمة أن تعدل عما أمرت به من إجراءات الإثبات بشرط أن تبين أسباب العدول بالمحضر ويجوز لها ألا تأخذ بنتيجة الإجراء بشرط أن تبين أسباب ذلك في حكمها فتقرير الخبير ليس إلا نتيجة الإجراء الذي أمرت به المحكمة وهو الحكم بتعيين الخبير و لذلك يجوز للمحكمة - وفقاً للمادة و إثبات - أن تأخذ به أو تتركه على أن تبين في حكمها إذا هي تركته أسباب عدم الأخذ به ولكن ليس معنى هذا أن تطرح المحكمة رأي الخبير جانباً دون أن تفنده وتأخذ برأي شاهد دون أن تدعمه قرائن خاصة إذا كان رأي الخبير قد بني على اعتبارات سائغة في هذه الأحوال عليها أن تناقش هذه الاعتبارات وتهدمها لتصل إلى هدم التقرير برمته وعندئذٍ تملك الأخذ بما ترى الأخذ به من الأدلة وإلا تكون قد أخلت بحقوق الخصوم وأخلت بنص المادة 9 المشار إليها. الدكتور عبد الودود يحيى في الموسوعة العلمية لأحكام محكمة النقض الجزء الثاني ص 245 ).
ثالثا: محكمة الموضوع إما أن:
(1) تأخذ برأي الخبير برمته وبأسبابه.
(2) وإما أن تأخذ بالنتيجة التي انتهى إليها مع بناء رأيها على أسباب أخرى.
(3) وإما أن تأخذ ببعض ما تضمنه التقرير من الآراء والمباحث وتطرح الباقي .
(4) وإما ألا تأخذ به بجملته وتحكم بالرأي الذي يتعارض مع ما أثبته بشرط أن تبين في حكمها الأسباب التي حدتها إلى ذلك أو الأسباب التي جعلتها تنسى اعتقادها على غير الأساس الذي انتهى إليه الخبير في عمله.
(5) وإما أن تأمر من تلقاء نفسها أو بناء على طلباً لخصوم باستدعاء الخبير لجلسة تحددها لمناقشته في تقريره
(6) وإما أن تعيد المأمورية إلى الخبير ليتدارك ما تبينه له المحكمة من وجود النقض أو الخطأ في عمله.
(7) وإما أن تبطل عمل الخبير لمخالفته للقانون فإذا كان البطلان نسبية تحكم به المحكمة بناء على طلب ذوي المصلحة فيه من الخصوم بشرط أن يبدي الدفع بالبطلان قبل أوجه الدفاع الأخرى وقبل تنازله عنه صراحة أو ضمناً وذلك طبقاً للقواعد العامة في البطلان وإذا كان البطلان متعلقاً بالنظام العام يجوز للمحكمة أن تقضي به من تلقاء نفسها وفي أي حالة كانت عليها الدعوى، وإذا حكمت المحكمة بالبطلان فليست مقيدة بالرجوع الرأي للخبراء مرة أخرى بل يجوز لها أن تفصل في الدعوى أو أن تعمد لأي طريقة أخرى من طرق الإثبات الجائزة وإذا رأت أن تعود لرأي الخبراء يجوز لها الرجوع لرأي الخبير نفسه أو إنتداب خبير أو خبراء أخرين.
(الدكتور أحمد أبو الوفا في التعليق على نصوص قانون الإثبات الطبعة الثانية ص375 ، والعشماوي في قواعد المرافعات الجزء الثاني ص 595 وما بعدها).(الشرح والتعليق على قانون الإثبات المدني، المستشار/ مصطفى مجدي هرجه، طبعة 2014، 2015 دار محمود، المجلد : الثاني ، الصفحة : 502)
لا تتقيد المحكمة في حكمها برأى الخبير فلا تلتزم بأن تأخذ به بل لها مطلق التقدير في هذه الحالة ولها أن تقضى بالرأي المعارض لما أبداه الخبير إذا تبين لها أن الحق في جانبه أو أن استنتاجات الخبير غير صحيحة أو غير مطابقة للواقع أو مناقشة المستندات المقدمة من الخصوم وحقها في هذا ثابت لها، ولو كانت المسألة من المسائل التي لا تستطيع المحكمة استيعابها معتمدة على معارفها الخاصة، وذلك لأن تقارير الخبراء لا تلزم المحكمة وإنما يقصد بها تمكينها من الوصول إلى الحقيقة.
هذا ومن الملاحظ أن نص هذه المادة ما هو إلا تطبيق القاعدة العامة الواردة في المادة 9 من قانون الإثبات والتى تنص على أن للمحكمة ألا تأخذ بنتيجة ما أمرت به من إجراءات الإثبات، ومقتضى هذا القول أن المحكمة إذا لم تأخذ برأي الخبير وجب عليها أن تبين أسباب ذلك في حكمها وتأسيساً على ذلك ليس للمحكمة أن تطرح جانباً رأى خبير في الدعوى دون أن تفنده وتأخذ برای شاهد دون أن تدعمه أية قرائن، خاصة إذا كان رأي الخبير قد بني على اعتبارات سائغة، ففي هذه الأحوال عليها أن تناقش هذه الاعتبارات وتهدمها لتصل إلى هدم التقرير برمته وعندئذ تملك الأخذ بما ترى الأخذ به من الأدلة وألا تكون قد أخلت بحقوق الخصوم وأخلت بنص المادة 9 سالفة الذكر.
ومفاد كل ما تقدم بإن المحكمة أن تسلك إزاء تقرر الخبير أحد ثمانية مسالك:
1- أن تأخذ به في حكمها ويعتبر أخذ المحكمة بالنتيجة التي انتهى إليها الخبير أخذاً بالأساس التي استخلصت منها هذه النتيجة ما دام أن المحكمة لم توضح أسباب أخرى لهذه النتيجة إذ للمحكمة أن تكتفي برأي الخبير متى اقتنعت بصحته .
2- أن تأخذ ببعض ما تضمنه من الآراء والمباحث وتطرح الباقي.
3- يجوز للمحكمة أن تجزم بما لم يجزم به الخبير في تقريره ويجوز لها أن تستند في ذلك إلى أدلة مقبولة، غير أنه لا يجوز لها ذلك إذا كانت المسألة التي لم يجزم بها الخبير مسألة فنية بحتة فيتعين عليها في هذه الحالة إما أن تندب خبيراً غيره، وإما أن تعيد المأمورية لنفس الخبير المنتدب وتطلب منه أن يجزم بهذا الأمر، إلا أنه من ناحية أخرى إذا صرح الخبير المنتدب بأنه لا يستطيع الجزم بهذا الذي طلب منه من الناحية الفنية كان للمحكمة في هذه الحالة أن ترجح الرأي الذي تراه ولها أن تستعين في ذلك بالقرائن أو أقوال شهود حتى ولو كانوا الشهود الذين سمعوا أمام الخبير، مثال ذلك أن تقيم الزوجة دعوى ضد زوجها للضرر تأسيساً على أنه يأتيها في غير موضع الحرث فيقدم الطبيب الشرعي تقريره بإتيانها في ذلك الموضع عدة مرات فيثير محامي الزوج بأن الخبير لم يجزم بأن ذلك حدث بعد الزواج أو قبله فيتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تعيد المأمورية إليه لتوضيح ذلك فإن جزم بما هو مطلوب منه قضى الأمر وإن لم يستطع الجزم كان لها أن تؤيد الرأي الذي تنتهي فيه بالأدلة الأخرى على النحو السابق بيانه (حكم النقض رقم 53). ويجوز للمحكمة أن تجتزئ ما تقنع به من تقارير الخبرات المتناقضة، ذلك أن التناقض بين تلك التقارير لا يوجب عليها أن تلجأ إلى إجراءات خبرة جديدة لإزالته ما دام في وسعها استخلاص الحقيقة من تلك الخبرات وترجيح إحداها على الأخرى.
وللمحكمة أن تضيف إلى رأي الخبير أي دليل آخر تراه كأن تستند إلى تقرير الخبير في المضاهاة وتضيف إليها أنها أجرت المضاهاة بنفسها وتبين لها أن ما انتهى إليه هو الصحيح، كما أن لها أن تأخذ بتقرير خبير مقدم في دعوى سابقة متى كان مضموماً للدعوى المنظورة لأنه بذلك يصبح ورقة من أوراقها ويجوز للخصوم أن يتناضلوا في دلالتها.
4 - ألا تأخذ به بجملته وتحكم بالرأي الذي يتعارض مع ما أثبته بشرط أن تبين في حكمها الأسباب التي حدتها إلى ذلك أو الأسباب التي جعلتها تبنى اعتقادها على غير الأساس الذي انتهى إليه الخبير في عمله، غير أنه لا يكفي لإطراح رأى فنى للخبير المعين في مسألة فنية بحتة الاستناد إلى أقوال الشهود .
أن تأمر باستدعاء الخبير لمناقشته طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة 153 .
أن تعيد المأمورية للخبير طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة 154.
أن تعهد بالمأمورية من جديد إلى خبير آخر أو إلى ثلاثة وفقاً لنص المادة 154 .
للمحكمة أن تبطل أعمال الخبير لمخالفتها القانون ذلك أن البطلان هنا بطلان نسبی تحكم به بناء على طلب من له مصلحة فيه من الخصوم بشرط أن يبدى الدفع قبل تنازله عنه صراحة أو ضمناً إذ أنه ليس متعلقاً بالنظام العام.
هذا ويلاحظ أنه يتعين لكي تعتمد المحكمة على تقرير الخبير وتعمل سلطتها حياله أن تكون هي التي ندبت الخبير، وأن يكون التقرير مقدماً بصدد الدعوى التي تنظرها ولا يصح الاحتجاج بتقرير الخبير على من لم يكن خصماً في الدعوى التي ندب فيها هذا الخبير.
كذلك يتعين أن يكون التقرير الذي تستند إليه المحكمة سليماً لا يشوبه بطلان، ومع ذلك فقد جرى القضاء على أن للمحكمة أن تستقي بعض معلوماتها للفصل في النزاع من تقرير باطل أو مخالف للإجراءات القانونية بشرط ألا يكون هذا التقرير الباطل هو الأساس الوحيد الذي بني عليه الحكم .
مراجع البحث:
(مرافعات العشماوي، الجزء الثاني ص 594 وما بعدها، ونظرية الأحكام لأبو الوفا بند 92 ، 93 ، 96 ، والتعليق على نصوص قانون الإثبات لنفس المؤلف ص 349 وأصول الإثبات لسليمان مرقس في أصول الإثبات، الطبعة الرابعة الجزء الثاني ص 383 وما بعدها.
تقرير الخبير الاستشاري:
وقد سبق أن بيناً في شرح المادة 153 من أنه يجوز للخصم الذي تبين أن تقریر الخبير المنتدب ليس في صالحه أن يقدم للمحكمة تقريراً استشارياً، كما يجوز له أن يطلب من المحكمة الاستعانة بخبير استشاري وليست المحكمة ملزمة بإجابة هذا الطلب إذا اقتنعت بتقرير الخبير المنتدب أو رأت في أوراق الدعوى وسائر الأدلة الأخرى ما يكفي لتكوين عقيدتها.
وإذا قدم الخصم تقريراً استشارياً فإن لها أن تأخذ به دون أن تناقض تقرير الخبير المنتدب ودون أن تكون ملزمة بالاستجابة لطلب الخصوم مواجهة الخبيرين أو مناقشتها أو الاستعانة في الترجيح بغيرهما، غير أنه يجب عليها في هذه الحالة أن تقيم حكمها على أسباب سائغة من شأنها أن تؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها، أما إذا أخذت المحكمة بتقرير الخبير المنتدب فليست ملزمة بالرد على ما جاء بالتقرير الاستشارى بأسباب خاصة، إذ أن في أخذها بتقرير الخبير المنتدب ما يفيد أن المحكمة اطمأنت إليه ولم تر في التقرير الاستشاری ما يغير وجه الرأي في الدعوى ولا يجوز للمحكمة أن تبني حكمها على تقرير خبير قدم في دعوى أخرى لم يكمن المحكوم عليه خصماً فيها وإن كان يجوز لها أن تعتبره قرينة، كذلك يجوز للمحكمة أن تبني حكمها على تقرير قدم في دعوى أخرى متى كان الخصوم قد مثلوا فيها.
هل يجوز الأخذ بتقرير خبير قبل خصم تدخل في الدعوى أو أدخل فيها بعد تقديمه. وقد استقر قضاء النقض على أنه إذا تدخل خصم في الدعوى أو أدخل فيها بعد أن قدم الخبير تقريره، فلا يجوز للمحكمة أن تقضي على أيهما استناداً لهذا التقرير وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور، ويتعين على المحكمة في هذه الحالة أن تبعد المأمورية إلى الخبير لإعادة مباشرتها في مواجهة الخصم الجديد.
تقرير الخبير ومحاضر أعماله أوراق رسمية:
وبالنسبة للتقرير الذي يحرره الخبير، وكذلك محاضر أعماله، فهي أوراق رسمية يحررها شخص مكلف بخدمة عامة، فتكون لها حجية الأوراق الرسمية، ومن ثم لا يجوز دحض حجيتها بالنسبة لما أثبته فيها الخبير باعتبار أنه قام به بنفسه أو عاينه أو سمعه في حدود مأموريته وما رخص له فيه بشأنه إلا بطريق الطعن بالتزوير، ويشمل ذلك تاريخ التقرير أو محاضر أعماله وما أثبته فيها الخبير من انتقال إلى محل النزاع أو إلى جهات أخرى تصرح له بالانتقال إليها واطلاعه على مستندات معينة وحضور الخصوم أمامه، أو غيابهم والأقوال التي أدلوا بها أمامه وكذلك أقوال شهودهم والمستندات التي قدموها أما تقديره الأقوال الخصوم وما أدلى به شهودهم فيجوز دحضها طبقاً للقواعد العامة ولو كان الخبير قد استند إليها فيما انتهى إليه من رأى في تقريره .
إذا ندبت المحكمة خبيراً غير متخصص في المسألة التي ندب من أجلها، وبعد أن قدم تقريره طلب أحد الخصوم ندب آخر متخصص ولم تجبه المحكمة ولم تقم بالرد على طلبه فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور .
من المقرر أن القصد من ندب خبير في الدعوى هو الاستعانة برأيه في مسألة فنية لا يستطيع القاضي البت فيها ولازم ذلك أن تندب المحكمة خبيراً متخصصاً لإبداء رأيه في هذه المسألة، فإذا فات على المحكمة ذلك وندبت خبيراً غير متخصص وبعد أن قدم تقريره نعي عليه أحد الخصوم وبين ما به من عيوب فنية، وطلب ندب خبير أخر متخصص إلا أن المحكمة لم تجب هذا الطلب ولم ترد عليه وقضت في الدعوى مستندة الحكم الخبير فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور جديراً بالنقض.
سماع الخبير للشهود لا يعد تحقيقاً:
من المقرر أن التحقيق الذي يصح اتخاذه سنداً أساسياً للحكم هو الذي يجری وفقاً للأحكام التي رسمها القانون لشهادة الشهود في المادة 68 وما بعدها من قانون الإثبات والتي تقضي بأن يحصل التحقيق أمام المحكمة ذاتها أو بمعرفة قاضي تنتدبه لذلك، أما ما يجريه الخبير من سماع شهود ولو أنه يكون بناء على ترخيص من المحكمة لا يعد تحقيقاً بالمعنى المقصود، إذ هو إجراء ليس الغرض منه إلا أن يهتدي به الخبير في أداء المهمة المنوطة به.
وقد لفت نظرنا أثناء تتبعنا لقضاء المحاكم أنه في معظم دعاوى تثبيت الملكية التي يستند فيها رافعوها للحيازة كسبب لكسب الملكية سواء كانت الحيازة المدة الطويلة أم المدة القصيرة ويركنون الشهادة الشهود فإن القضاة يندبون الخبراء التحقيق وضع اليد فيقوم الخبير بسماع الشهود، ثم يبني تقريره على ما استخلصه من أقوالهم، والأجدر بالمحكمة أن تسمع الشهود بنفسها، إذ أن خبرتنا الطويلة في القضاء قد علمتنا أن القاضي - خصوصاً المحنك - غالباً ما يكون رأيه في شهادة الشاهد بمجرد الإنتهاء منها على عكس الخبير الذي لا تتوافر لديه مثل هذه الملكة في التقدير.
لا يجوز الاستناد لتقرير الخبير لإثبات واقعة أو نفيها قدم دليلها بعد تقديمه:
في حالة ما إذا باشر الخبير المأمورية التي كلفته بها المحكمة وقدم تقريره إلا أن أحد الخصوم تمسك بعد ذلك بدفاع معين وقدم دليله فلا يجوز للمحكمة أن تلتفت عن هذا الدليل مستندة إلى تقرير الخبير وإلا كان حكمها مشوباً بالقصور والصحيح هو إما أن تعيد المحكمة المأمورية إلى الخبير لإعادة فحصها على ضوء ما قدمه الخصم من دليل وإما أن تتعرض لهذا الدليل بالفحص والتمحيص وتنتهي إلى نتيجة معينة بشأنه.
تقرير الخبير لا يصلح أسباباً للرد على دفاع جوهرى للخصوم:
في حالة ما إذا تقدم أحد الخصوم بدفاع جوهري فلا يجوز للمحكمة أن تكتفي بالرد عليه بأنها أخذت بتقرير الخبير أو اقتنعت بها جاء به أو غير ذلك من العبارات التي تحمل معنى الإستناد لتقرير الخبير في الرد على هذا الدفاع فإذا - قدم الخبير تقريراً انتهى فيه إلى أن شخصاً معيناً وضع يده على أرض النزاع مدة معينة ودفع أحد الخصوم بأن هذا الشخص كان يحوز لحساب غيره فإن تقرير الخبير لا يصلح رداً على هذا الدفاع الجوهري فإن لم تقسطه المحكمة حقه في الرد كان حكمها معيباً بالقصور.(التعليق على قانون الإثبات، المستشار/ عز الدين الديناصوري، والأستاذ/ حامد عكاز، بتعديلات الأستاذ/ خيري راضي المحامي، الناشر/ دار الكتب والدراسات العربية، الجزء الرابع ، الصفحة : 1580)
رأي الخبير لا يقيد المحكمة:
رأى الخبير لا يقيد المحكمة فهى الخبير الأعلى في القضية.
فلا تلتزم بأن تأخذ به، بل لها مطلق التقدير في هذه الحالة. ولها أن تقضي بالرأي المعارض لما أبداه الخبير إذا تبين لها أن الحق في جانب هذا الرأي المعارض أو أن استنتاجات الخبير غير صحيحة أو غير مطابقة للواقع أو مناقضة للمستندات المقدمة من الخصوم، وحقها هذا في عدم الأخذ بتقرير الخبير وعدم التقيد برأيه، ثابت لها ولو كانت المسألة من المسائل التي لا تستطيع المحكمة استيعابها معتمدة على معارفها الخاصة، وذلك لأن تقارير الخبراء لا تلتزم المحكمة وإنما يقصد بها تمكينها من الوصول إلى الحقيقة.
والمحكمة ليست ملزمة أن تذكر الأسباب التي صرفتها عن الأخذ بتقرير الخبير. ويكفي أن تقول أنها لا تأخذ به لتعارضة مع حقيقة ما وصل إليه اقتناعها ما دام أن هذا الاقتناع قد استند إلى أسباب مقبولة.
ونص المادة ما هو إلا تطبيق للقاعدة العامة الواردة في المادة التاسعة من قانون الإثبات والتي تنص على أن للمحكمة ألا تأخذ بنتيجة ما أمرت به من إجراءات الإثبات.
ومما تقدم يمكن القول بأن للمحكمة أن تسلك إزاء تقرير الخبير أحد المسالك الآتية:
أ) أن تأخذ به في حكمها، ويعتبر أخذ المحكمة بالنتيجة التي انتهى إليها الخبير أخذاً بالأسس التي استخلص منها هذه النتيجة، وجزءاً مكملاً لحكمها ما دام أن المحكمة لم توضح أسباباً أخرى لتلك النتيجة. ويلاحظ أن للمحكمة أن تكتفي برأي الخبير متى اقتنعت بصحته، ولكن لا يسوغ للمحكمة أن تبنی حكمها على تقرير الخبير إذا قام تعارض بين الأسباب والنتيجة التي انتهى إليها ما لم تورد المحكمة في أسباب حكمها ما يرفع هذا التعارض.
والمحكمة متى اطمأنت إلى تقرير الخبير وإلى الأسس والأسباب التي قام عليها، فإنها لا تلتزم بالرد استقلالاً على كل الطعون الموجهة إليه.
(ب) أن تأخذ ببعض ما تضمنه التقرير من الآراء والمباحث وتطرح الباقي.
ج) ألا تأخذ بالتقرير بجملته وتحكم بالرأي الذي يتعارض مع ما أثبتته بشرط أن تبين في حكمها الأسباب التي حلت بها إلى ذلك، أو الأسباب التي جعلتها تبنى اعتقادها على غير الأساس الذي انتهى إليه الخبير في عمله.
غير أنه لا يكفي لإطراح رأى فنى للخبير المعين في مسألة فنية بحتة الاستناد إلى أقوال الشهود .
(د) أن تأمر باستدعاء الخبير لمناقشته طبقاً لما تنص عليه المادة (153).
هـ) أن تعيد المأمورية للخبير طبقاً لما هو منصوص عليه في المادة (154).
و) أن تعهد بالمأمورية من جديد إلى خبير آخر أو إلى ثلاثة خبراء طبقاً لنص المادة (154).
تقرير الخبير الاستشاري:
للخصم أن يقدم للمحكمة تقريراً من خبير استشاري إذا رأى أن تقرير الخبير الحكومي في غير صالحه، ولا يلزم إذن القاضي بتقديم هذا التقرير.
وللمحكمة أن تأخذ بهذا التقرير إذا اطمأنت إليه وأقامت حكمها على أدلة صحيحة من شأنها أن تؤدي عقلاً إلى النتيجة التي إنتهى إليها .
وللمحكمة ألا تأخذ بهذا التقرير، وتعول على تقرير الخبير الذي ندبته، ولا تكون ملزمة في هذه الحالة بالرد بأسباب خاصة على ما ورد في التقرير الاستشارى إذ أن في أخذها بتقرير خبير الدعوى ما يفيد أن المحكمة لم تر في التقرير الاستشاري ما ينال من صحة التقرير الذي اطمأنت إليه.(موسوعة البكري القانونية في قانون الإثبات، المستشار/ محمد عزمي البكري، طبعة 2017، دار محمود، المجلد : الرابع ، الصفحة : 2257)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون التقاضي والإثبات ، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 188 .
(مادة 175):
رأي الخبير لا يقيد المحكمة.
م (156) إثبات مصري، و م (240) من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية: «لا تكون المحكمة مقيدة برأي أهل الخبرة»: و م (155) بینات سوري ونصها: «رأي الخبير لا يقيد المحكمة، وإذا حكمت المحكمة خلافاً لرأي الخبير، وجب عليها بيان الأسباب التي أوجبت إهمال هذا الرأي كله أو بعضه». وم (94) إثبات سوداني: « رأي الخبير لا يقيد المحكمة، وعليها إذا قضت بخلاف رأيه أن تضمن حكمها الأسباب التي أوجبت عدم الأخذ برأي الخبير كله أو بعضه»).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع عشر ، الصفحة / 17
خِبْرَةٌ
التَّعْرِيفُ :
- الْخِبْرَةُ فِي اللُّغَةِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَضَمِّهَا - الْعِلْمُ بِالشَّيْءِ، وَمَعْرِفَتُهُ عَلَى حَقِيقَتِهِ، مِنْ قَوْلِكَ: خَبَرْتُ بِالشَّيْءِ إِذَا عَرَفْتُ حَقِيقَةَ خَبَرِهِ. وَمِثْلُهُ الْخِبْرُ وَالْخُبْرُ، وَالْمَخْبُرَةُ. وَالْمُخْبِرَةُ. وَالْخَبِيرُ بِالشَّيْءِ، الْعَالِمُ بِهِ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، مِثْلُ عَلِيمٍ، وَقَدِيرٍ، وَأَهْلُ الْخِبْرَةِ ذَوُوهَا
وَاسْتُعْمِلَ فِي مَعْرِفَةِ كُنْهِ الشَّيْءِ وَحَقِيقَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ( فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) وَالْخَبِيرُ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى. وَهُوَ الْعَالِمُ بِكُنْهِ الشَّيْءِ الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقِيقَتِهِ. هَذَا فِي الأْصْلِ. وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ فِيمَا غَمُضَ مِنَ الأْشْيَاءِ وَلَطُفَ، وَفِيمَا تَجَلَّى مِنْهُ وَظَهَرَ.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَقَدْ عَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْخِبْرَةِ بِلَفْظِ الْبَصِيرَةِ، كَمَا عَبَّرُوا عَنْهَا بِلَفْظِ الْمَعْرِفَةِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْعِلْمُ وَالْمَعْرِفَةُ :
أَوَّلاً: الْعِلْمُ :
- الْعِلْمُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ: مِنْهَا مَا يَصِيرُ بِهِ الشَّيْءُ مُنْكَشِفًا، وَمِنْهَا الصُّورَةُ الْحَاصِلَةُ مِنَ الشَّيْءِ عِنْدَ الْعَقْلِ، وَمِنْهَا الإْدْرَاكُ، وَمِنْهَا الاِعْتِقَادُ الْجَازِمُ الْمُطَابِقُ لِلْوَاقِعِ.
ثَانِيًا: الْمَعْرِفَةُ :
- أَمَّا الْمَعْرِفَةُ فَهِيَ إِدْرَاكُ الشَّيْءِ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، وَهِيَ مَسْبُوقَةٌ بِجَهْلٍ، بِخِلاَفِ الْعِلْمِ . وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْخِبْرَةِ، أَنَّ الْخِبْرَةَ الْعِلْمُ بِكُنْهِ الْمَعْلُومَاتِ عَلَى حَقَائِقِهَا، فَفِيهَا مَعْنًى زَائِدٌ عَلَى الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ
ب - التَّجْرِبَةُ :
- التَّجْرِبَةُ مَصْدَرُ جَرَّبَ، وَمَعْنَاهُ الاِخْتِبَارُ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، وَعَلَى ذَلِكَ فَالتَّجْرِبَةُ اسْمٌ لِلاِخْتِبَارِ مَعَ التَّكْرَارِ؛ لأِنَّهَا مِنَ التَّجْرِيبِ الَّذِي هُوَ تَكْرِيرُ الاِخْتِبَارِ وَالإْكْثَارُ مِنْهُ، وَلاَ يَلْزَمُ فِي الْخِبْرَةِ التَّكْرَارُ .
ح - الْبَصَرُ أَوِ الْبَصِيرَةُ :
- الْبَصِيرَةُ لُغَةً: الْعِلْمُ وَالْخِبْرَةُ، يُقَالُ: هُوَ ذُو بَصَرٍ وَبَصِيرَةٍ، أَيْ ذُو عِلْمٍ وَخِبْرَةٍ. وَيُعْرَفُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ مِمَّا أَوْرَدَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِ الْقِيمَةِ إِلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ وَهُمْ أَهْلُ النَّظَرِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي قِيمَةِ الشَّيْءِ .
د - الْقِيَافَةُ :
- الْقِيَافَةُ مَصْدَرُ قَافَ الأَْثَرَ قِيَافَةً إِذَا تَتَبَّعَهُ. وَالْقَائِفُ هُوَ مَنْ يَعْرِفُ الآْثَارَ وَيَتَتَبَّعُهَا، وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُلِ بِأَخِيهِ، وَأَبِيهِ، وَالْجَمْعُ الْقَافَةُ. وَتُسْتَعْمَلُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ فِي نَفْسِ الْمَعْنَى. قَالَ فِي الْمُغْنِي: الْقَافَةُ قَوْمٌ يَعْرِفُونَ الإْنْسَانَ بِالشَّبَهِ.
هـ - الْحِذْقُ :
- الْحِذْقُ الْمَهَارَةُ، يُقَالُ: حَذَقَ الصَّبِيُّ الْقُرْآنَ وَالْعَمَلَ يَحْذِقُهُ حِذْقًا وَحَذْقًا إِذَا مَهَرَ فِيهِ، وَحَذِقَ الرَّجُلُ فِي صَنْعَتِهِ أَيْ مَهَرَ فِيهَا، وَعَرَفَ غَوَامِضَهَا وَوَقَائِعَهَا .
فَالْحِذْقُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَهَارَةِ فِي الصَّنْعَةِ غَالِبًا، وَهُوَ لِهَذَا الاِعْتِبَارِ أَخَصُّ مِنَ الْخِبْرَةِ
و - الْفِرَاسَةُ :
- الْفِرَاسَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ هِيَ التَّثَبُّتُ وَالتَّأَمُّلُ لِلشَّيْءِ وَالْبَصَرُ بِهِ، يُقَالُ: إِنَّهُ لَفَارِسٌ بِهَذَا الأْمْرِ إِذَا كَانَ عَالِمًا بِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ: « اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ » .
وَيَقُولُ ابْنُ الأْثِيرِ: الْفِرَاسَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِإِلْهَامٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ تُتَعَلَّمُ بِالدَّلاَئِلِ وَالتَّجَارِبِ وَالْخُلُقِ وَالأْخْلاَقِ فَتُعْرَفُ بِهِ أَحْوَالُ النَّاسِ. يَقُولُ ابْنُ فَرْحُونَ: الْفِرَاسَةُ نَاشِئَةٌ عَنْ جَوْدَةِ الْقَرِيحَةِ وَحِدَّةِ النَّظَرِ وَصَفَاءِ الْفِكْرِ .
فَهِيَ بِهَذَا الْمَعْنَى قَرِيبَةٌ لِمَعْنَى الْخِبْرَةِ.
حُكْمُ الْخِبْرَةِ :
- تَكَلَّمَ الْفُقَهَاءُ عَنِ الْخِبْرَةِ وَاعْتَمَدُوا عَلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ وَيَخْتَلِفُ حُكْمُهَا تَبَعًا لِمَوْطِنِهَا.
وَفِيمَا يَلِي بَيَانُهَا:
الْخِبْرَةُ فِي التَّزْكِيَةِ :
- ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ حَالَ الشُّهُودِ يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مَنْ يُزَكِّيهِمْ عِنْدَهُ لِيَعْلَمَ عَدَالَتَهُمْ، لقوله تعالي : ( مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ السِّرِّ ضَرُورِيَّةٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَيَرَى بَعْضُهُمْ تَزْكِيَةَ الشَّاهِدِ، التَّزْكِيَةُ الْعَلاَنِيَةُ أَيْضًا.
وَتَزْكِيَةُ الشُّهُودِ تَكُونُ بِاخْتِيَارِ الْقَاضِي مَنْ هُمْ أَوْثَقُ النَّاسِ عِنْدَهُ، وَأَوْرَعُهُمْ دِيَانَةً، وَأَدْرَاهُمْ بِالْمَسْأَلَةِ وَأَكْثَرُهُمْ خِبْرَةً، وَأَعْلَمُهُمْ بِالتَّمْيِيزِ فِطْنَةً، فَيَكْتُبُ لَهُمْ أَسْمَاءَ وَأَوْصَافَ الشُّهُودِ، وَيُكَلِّفُهُمْ تَعَرُّفَ أَحْوَالِهِمْ مِمَّنْ يَعْرِفُهُمْ مِنْ أَهْلِ الثِّقَةِ وَالأْمَانَةِ، وَجِيرَانِهِمْ وَمُؤْتَمَنِي أَهَالِي مَحَلَّتِهِمْ، وَأَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهِمْ، وَمِمَّنْ يُنْسَبُونَ إِلَيْهِ مِنْ مُعْتَمَدِي أَهْلِ صَنْعَتِهِمْ (أَيْ نَقِيبِ الْحِرْفَةِ مَثَلاً). فَإِذَا كَتَبُوا تَحْتَ اسْمِ كُلٍّ مِنْهُمْ: (عَدْلٌ، وَمَقْبُولُ الشَّهَادَةِ) يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ وَإِلاَّ فَلاَ .
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الْمُزَكِّيَ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ أَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، وَمَعْرِفَةُ خِبْرَةِ بَاطِنِ مَنْ يُعَدِّلُهُ، لِخِبْرَةٍ، أَوْ جِوَارٍ، أَوْ مُعَامَلَةٍ لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ بِمَا يَشْهَدُ. وَلأِنَّ عَادَةَ النَّاسِ إِظْهَارُ الصَّالِحَاتِ وَإِسْرَارُ الْمَعَاصِي، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ ذَا خِبْرَةٍ بَاطِنَةٍ، رُبَّمَا اغْتَرَّ بِحُسْنِ ظَاهِرِهِ وَهُوَ فَاسِقٌ فِي الْبَاطِنِ .
هَذَا فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ، أَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلاَنِيَةِ فَتَحْصُلُ فِي حُضُورِ الْحَاكِمِ وَالْخَصْمَيْنِ. وَبِمَا أَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلاَنِيَةِ تُعْتَبَرُ شَهَادَةً، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنَ التَّعَدُّدِ وَالْعَدَالَةِ وَغَيْرِهِمَا . أَمَّا تَزْكِيَةُ السِّرِّ فَفِيهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (تَزْكِيَةٌ، وَشَهَادَةٌ).
الْخِبْرَةُ فِي الْقِسْمَةِ :
- الْقِسْمَةُ تَحْتَاجُ إِلَى قَاسِمٍ، وَقَدْ يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ الشُّرَكَاءُ أَنْفُسُهُمْ إِذَا كَانُوا ذَوِي أَهْلِيَّةٍ وَمِلْكٍ وَوِلاَيَةٍ، فَيَقْسِمُونَ الْمَالَ بَيْنَهُمْ بِالتَّرَاضِي، وَقَدْ يَتَوَلَّى الْقِسْمَةَ غَيْرُ الشُّرَكَاءِ مِمَّنْ يُعَيِّنُونَهُ أَوْ يُنَصِّبُهُ الْحَاكِمُ .
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْقَاسِمِ بِجَانِبِ سَائِرِ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا، عَالِمًا بِالْقِسْمَةِ، عَارِفًا بِالْحِسَابِ وَالْمِسَاحَةِ، لِيُوصِلَ إِلَى كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ؛ لأِنَّهَا مِنْ جِنْسِ عَمَلِ الْقَضَاءِ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الاِعْتِمَادِ عَلَى قَوْلِهِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْقِسْمَةِ، وَذَلِكَ بِالأْمَانَةِ وَالْعِلْمِ .
وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا الشَّرْطِ بَيْنَ الْقَاسِمِ الَّذِي عَيَّنَهُ الشُّرَكَاءُ، وَالَّذِي نَصَّبَهُ الإْمَامُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ حَيْثُ قَالُوا: لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي مَنْصُوبِ الشُّرَكَاءِ لأَنَّهُ وَكِيلٌ عَنْهُمْ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَاسِمُ مُتَعَدِّدًا، فَيَكْفِيَ أَنْ يَكُونَ شَخْصًا وَاحِدًا ذَا مَعْرِفَةٍ وَخِبْرَةٍ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ طَرِيقَهُ الْخَبَرُ عَنْ عِلْمٍ يَخْتَصُّ بِهِ قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، كَالْقَائِفِ وَالْمُفْتِي وَالطَّبِيبِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْقِسْمَةِ تَقْوِيمٌ لِلسِّلْعَةِ فَيَجِبُ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ قَاسِمَانِ؛ لأِنَّ التَّقْوِيمَ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّعَدُّدُ
وَجَاءَ فِي فَتْحِ الْعَلِيِّ الْمَالِكِ: إِذَا اطَّلَعَ أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ عَلَى عَيْبٍ فِيمَا خَصَّهُ، وَلَمْ يَعْلَمَا بِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ خَفِيٌّ ثَبَتَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ، فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ فِي أَكْثَرِ نَصِيبِهِ، خُيِّرَ بَيْنَ إِمْسَاكِ النَّصِيبِ وَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَبَيْنَ رَدِّ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ كَانَ النَّصِيبَانِ قَائِمَيْنِ رَجَعَا شَائِعَيْنِ بَيْنَهُمَا كَمَا كَانَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ. وَإِنْ فَاتَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ بِنَحْوِ صَدَقَةٍ أَوْ بِنَاءٍ، أَوْ هَدْمٍ، رَدَّ آخِذُهُ قِيمَةَ نِصْفِهِ، وَكَانَ النَّصِيبُ الْقَائِمُ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ فَاتَا تَقَاصَّا .
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (قِسْمَةٌ، وَخِيَارُ الْعَيْبِ).
الْخِبْرَةُ فِي الْخَارِصِ :
- الْخَرْصُ: الْحَزْرُ وَالتَّحَرِّي، وَهُوَ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِ الشَّيْءِ (مِنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ) لِمَعْرِفَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ فِيهِ. فَإِذَا بَدَا صَلاَحُ الثِّمَارِ مِنَ التَّمْرِ وَالْعِنَبِ وَحَلَّ بَيْعُهُمَا يَنْبَغِي أَنْ يَبْعَثَ الإْمَامُ مَنْ يَخْرُصُهَا، وَيَعْرِفَ قَدْرَ الزَّكَاةِ فِيهَا، وَهَذَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ: (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ).
وَيُشْتَرَطُ فِي الْخَارِصِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِالْخَرْصِ؛ لأِنَّهُ اجْتِهَادٌ فِي مَعْرِفَةِ مِقْدَارِ الثَّمَرِ وَالزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ فِيهِ، وَالْجَاهِلُ بِالشَّيْءِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الاِجْتِهَادِ فِيهِ، وَيُجْزِئُ خَارِصٌ وَاحِدٌ إِنْ كَانَ عَدْلاً عَارِفًا، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: وَيُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَالتَّقْوِيمِ وَالشَّهَادَةِ .
وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَارِصُونَ فَيُعْمَلُ بِتَخْرِيصِ الأْعْرَفِ مِنْهُمْ .
وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ لِمَشْرُوعِيَّةِ الْخَرْصِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا، مَا ثَبَتَ « أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ إِلَى يَهُودَ، فَيَخْرُصُ النَّخْلَ حَتَّى يَطِيبَ قَبْلَ أَنْ يُؤْكَلَ مِنْهُ » .
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْخَرْصُ ظَنٌّ وَتَخْمِينٌ فَلاَ يَلْزَمُ بِهِ حُكْمٌ . وَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَى الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « نَهَى عَنِ الْخَرْصِ » . وَقَالُوا: إِنَّ الْخَرْصَ الْوَارِدَ فِي بَعْضِ الأْحَادِيثِ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَعْلَمَ مِقْدَارَ مَا فِي نَخْلِهِمْ، ثُمَّ تُؤْخَذُ مِنْهُمُ الزَّكَاةُ وَقْتَ الصِّرَامِ عَلَى حَسَبِ مَا يَجِبُ فِيهَا. وَإِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُ تَخْوِيفًا لِلْمُزَارِعِينَ لِئَلاَّ يَخُونُوا لاَ لِيَلْزَمَ بِهِ حُكْمٌ . (ر: خَرْصٌ).
خِبْرَةُ الْقَائِفِ :
- الْقَائِفُ مَنْ يَعْرِفُ الآْثَارَ وَيَتَتَبَّعُهَا، وَيَعْرِفُ شَبَهَ الرَّجُلِ بِأَخِيهِ وَأَبِيهِ. وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُعْمَلُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ إِذَا كَانَ خَبِيرًا مُجَرَّبًا، وَلَمْ تُوجَدْ لإِثْبَاتِ نَسَبِ الطِّفْلِ بَيِّنَةٌ، أَوْ تَسَاوَتْ بَيِّنَةُ الطَّرَفَيْنِ .
وَقَدْ وَرَدَ فِي الأْخْذِ بِقَوْلِ الْقَائِفِ أَحَادِيثُ مِنْهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: « دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيَّ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ مَسْرُورٌ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ مُجَزِّزًا الْمُدْلِجِيَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَرَأَى أُسَامَةَ وَزَيْدًا وَعَلَيْهِمَا قَطِيفَةٌ قَدْ غَطَّيَا رُءُوسَهُمَا وَبَدَتْ أَقْدَامُهُمَا فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأْقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ » .
وَيَكْفِي قَائِفٌ وَاحِدٌ فِي إِلْحَاقِ النَّسَبِ لأِنَّهُ كَحَاكِمٍ، فَيَكْفِي مُجَرَّدُ خَبَرِهِ.
وَيُشْتَرَطُ فِيهِ بِجَانِبِ سَائِرِ الشُّرُوطِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا مُجَرَّبًا فِي الإْصَابَةِ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : « لاَ حَكِيمَ إِلاَّ ذُو تَجْرِبَةٍ » وَلأِنَّهُ أَمْرٌ عِلْمِيٌّ فَلاَ بُدَّ مِنَ الْعِلْمِ بِعِلْمِهِ لَهُ وَذَلِكَ لاَ يُعْرَفُ بِغَيْرِ التَّجْرِبَةِ فِيهِ.
وَمِنْ طُرُقِ تَجْرِبَتِهِ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ وَلَدٌ فِي نِسْوَةٍ لَيْسَ فِيهِنَّ أُمُّهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ فِي نِسْوَةٍ هِيَ فِيهِنَّ، فَإِذَا أَصَابَ فِي كُلٍّ فَهُوَ مُجَرَّبٌ . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (قِيَافَةٌ).
الْخِبْرَةُ فِي التَّقْوِيمِ :
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى الأْخْذِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنَ التُّجَّارِ، وَأَهْلِ الصَّنْعَةِ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُرُوشِ الْجِنَايَاتِ، وَقِيمَةِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ، وَقِيَمِ السِّلَعِ الْمَبِيعَةِ، أَوِ الْمَأْجُورَةِ لإِثْبَاتِ الْعَيْبِ، أَوِ الْجَوْرِ، أَوِ الْغَرَرِ وَنَحْوِهَا. قَالَ فِي الدُّرِّ: لَوْ بَاعَ الْوَصِيُّ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ طُلِبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ رَجَعَ فِيهِ الْقَاضِي إِلَى أَهْلِ الْبَصِيرَةِ، أَيْ أَهْلِ النَّظَرِ وَالْمَعْرِفَةِ فِي قِيمَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ . وَنُصُوصُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الأْمُورِ كَثِيرَةٌ، مِنْهَا: مَا ذُكِرَ فِي مَجَلَّةِ الأْحْكَامِ أَنَّ نُقْصَانَ الثَّمَنِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْخَالَيْنِ عَنِ الْغَرَضِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُقَوَّمَ الثَّوْبُ سَالِمًا ثُمَّ يُقَوَّمَ مَعِيبًا، فَمَا كَانَ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنَ التَّفَاوُتِ يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ .
وَيَقُولُ ابْنُ فَرْحُونَ: يُرْجَعُ إِلَى قَوْلِ التَّاجِرِ فِي قِيَمِ الْمُتْلَفَاتِ، وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْوَاحِدِ إِلاَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْقِيمَةِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، كَتَقْوِيمِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ، هَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ النِّصَابَ أَوْ لاَ ؟ فَهَاهُنَا لاَ بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ .
لأِنَّ الْمُقَوِّمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَشْبَاهٍ: شَبَهُ الشَّهَادَةِ؛ لأِنَّهُ إِلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَشَبَهُ الرِّوَايَةِ؛ لأِنَّ الْمُقَوِّمَ مُتَصَدٍّ لِجَمِيعِ النَّاسِ، وَهُوَ ضَعِيفٌ لأِنَّ الشَّاهِدَ كَذَلِكَ، وَشَبَهُ الْحَاكِمِ؛ لأَِنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ. فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ.
وَقَالَ أَيْضًا: يُقْبَلُ قَوْلُ الْمُقَوِّمِ الْوَاحِدِ لأِرْشِ الْجِنَايَاتِ.
وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: الْمُقَوِّمُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَى تَقْوِيمِهِ قَطْعٌ، أَوْ غُرْمٌ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّعَدُّدِ وَإِلاَّ فَيَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ. وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: وَيُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنَ التِّجَارَةِ فِي تَقْوِيمِ الْمُتْلَفَاتِ وَعُيُوبِ الثِّيَابِ .
وَمِثْلُهُ مَا وَرَدَ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنْ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَنَقْصِ الثَّمَنِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ، وَتَقْوِيمُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ مِنَ التُّجَّارِ وَأَهْلِ الصَّنْعَةِ. لَكِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّ التَّقْوِيمَ لاَ يَكُونُ بِالْوَاحِدِ بَلْ يَحْتَاجُ إِلَى اثْنَيْنِ؛ لأِنَّهُ شَهَادَةٌ بِالْقِيمَةِ فَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنَ التَّعَدُّدِ .
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَبْوَابِهَا مِنَ الضَّمَانِ، وَخِيَارِ الْعَيْبِ، وَالشَّهَادَةِ وَالْغَرَرِ وَنَحْوِهَا.
الْخِبْرَةُ فِي مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ الْمُوجِبَةِ لِلْخِيَارِ :
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا وُجِدَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ قَدِيمٌ لاَ يُمْكِنُ إِزَالَتُهُ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَيَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ.
وَمَعَ تَفْصِيلِهِمْ وَخِلاَفِهِمْ فِي وَضْعِ ضَابِطٍ لِلْعَيْبِ الْمُوجِبِ لِلرَّدِّ، فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَقِدَمِهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ، فَقَدْ جَاءَ فِي الْمَجَلَّةِ: (الْعَيْبُ هُوَ مَا يُنْقِصُ ثَمَنَ الْمَبِيعِ عِنْدَ التُّجَّارِ وَأَرْبَابِ الْخِبْرَةِ. وَنُقْصَانُ الثَّمَنِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ). وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ وَالزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ .
وَنَحْوُهُ مَا جَاءَ فِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ مَعَ اخْتِلاَفٍ فِي الْعِبَارَةِ حَيْثُ قَالُوا: الْقَوْلُ فِي نَفْيِ الْعَيْبِ أَوْ نَفْيِ قِدَمِهِ لِلْبَائِعِ إِلاَّ بِشَهَادَةِ الْعَادَةِ أَيْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ لِلْمُشْتَرِي.
وَقَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْبَصَرِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنَ النَّخَّاسِينَ فِي مَعْرِفَةِ عُيُوبِ الْحَيَوَانَاتِ .
كَمَا نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لَوِ اخْتَلَفَ الطَّرَفَانِ فِي الْمَوْجُودِ هَلْ هُوَ عَيْبٌ أَوْ لاَ ؟ أَوِ اخْتَلَفَا فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، رُجِعَ فِيهِ لأِهْلِ الْخِبْرَةِ، فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ: هُوَ عَيْبٌ، فَلَهُ الْفَسْخُ، وَإِلاَّ فَلاَ . يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (خِيَارُ الْعَيْبِ).
خِبْرَةُ الطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ :
- اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُرْجَعُ إِلَى الأْطِبَّاءِ مِمَّنْ لَهُمْ خِبْرَةٌ فِي مَعْرِفَةِ الْعُيُوبِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَفِي مَعْرِفَةِ الشِّجَاجِ وَالْجِرَاحِ وَتَحْدِيدِ أَسْمَائِهَا مِنَ الْمُوضِحَةِ، وَالدَّامِيَةِ، وَالدَّامِغَةِ وَنَحْوِهَا.
كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى الأْخْذِ بِقَوْلِ الْبَيَاطِرَةِ مِمَّنْ لَهُ خِبْرَةٌ فِي عُيُوبِ الدَّوَابِّ. وَفِيمَا يَأْتِي بَعْضُ النُّصُوصِ مِنْ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْمَجَالِ:
قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: يُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الطِّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْجِرَاحِ فِي مَعْرِفَةِ طُولِ الْجُرْحِ، وَعُمْقِهِ، وَعَرْضِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْقِصَاصَ فَيَشُقُّونَ فِي رَأْسِ الْجَانِي أَوْ فِي بَدَنِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلاَ يَتَوَلَّى ذَلِكَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ .
وَجَاءَ فِي الْمُغْنِي: إِذَا اخْتُلِفَ فِي الشَّجَّةِ هَلْ هِيَ مُوضِحَةٌ أَوْ لاَ، أَوْ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَالْهَاشِمَةِ، وَالْمُنَقِّلَةِ، وَالآْمَّةِ، وَالدَّامِغَةِ، أَوْ أَصْغَرَ مِنْهَا كَالْبَاضِعَةِ، وَالْمُتَلاَحِمَةِ، وَالسِّمْحَاقِ، أَوْ فِي الْجَائِفَةِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْجِرَاحِ الَّتِي لاَ يَعْرِفُهَا إِلاَّ الأْطِبَّاءُ، أَوِ اخْتَلَفَا فِي دَاءٍ يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الأْطِبَّاءُ أَوْ فِي دَاءِ الدَّابَّةِ، يُؤْخَذُ بِقَوْلِ طَبِيبَيْنِ أَوْ بَيْطَارَيْنِ إِذَا وُجِدَا، فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ عَلَى اثْنَيْنِ أَجْزَأَ وَاحِدٌ؛ لأِنَّهُ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ مِنْ أَهْلِ الصَّنْعَةِ .
وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مَوَاضِعِهَا (ر: شَهَادَةٌ، شِجَاجٌ، خِيَارُ الْعَيْبِ).
عَدَدُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ :
- الأْصْلُ أَنَّ قَوْلَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ إِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الشَّهَادَةِ يَجِبُ فِيهِ اثْنَانِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى اثْنَيْنِ. وَإِنْ كَانَ عَلَى جِهَةِ الإْخْبَارِ وَالرِّوَايَةِ فَلاَ يَجِبُ فِيهِ التَّعَدُّدُ وَيَكْفِي فِيهِ الْمُخْبِرُ الْوَاحِدُ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُسْلِمٍ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ فِي الْعُيُوبِ، وَمِنْهُمُ الطَّبِيبُ وَالْبَيْطَارُ، وَالْخَارِصُ، وَالْقَائِفُ، وَالْقَسَّامُ، وَقَائِسُ الشِّجَاجِ وَنَحْوُهُمْ .
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ: الْقِيمَةُ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا حَدٌّ كَتَقْوِيمِ الْعَرْضِ الْمَسْرُوقِ، هَلْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ النِّصَابَ أَمْ لاَ ؟ فَهَاهُنَا لاَ بُدَّ مِنَ اثْنَيْنِ. وَقَالَ نَقْلاً عَنِ الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا اجْتَمَعَ عَدْلاَنِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ .
وَقَالَ: وَيَكْفِي الْوَاحِدُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّؤَالِ، وَفِيمَا كَانَ عِلْمًا يُؤَدِّيهِ.
وَمِثْلُهُ مَا قَالَ فِي قَائِسِ الْجِرَاحِ مِنَ الاِكْتِفَاءِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ، لأِنَّهُ لَيْسَ عَلَى جِهَةِ الشَّهَادَةِ.
وَجَاءَ فِي مَعِينِ الْحُكَّامِ: مَا بَطَنَ مِنَ الْعُيُوبِ فِي حَيَوَانٍ - فَالطَّرِيقُ هُوَ الرُّجُوعُ إِلَى أَهْلِ الْبَصَرِ إِنْ أَخْبَرَ وَاحِدٌ عَدْلاً يَثْبُتُ الْعَيْبُ فِي الْخُصُومَةِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الاِكْتِفَاءُ بِقَوْلِ الْقَائِفِ الْوَاحِدِ فِي النَّسَبِ، وَالتَّاجِرِ الْوَاحِدِ فِي قِيمَةِ الْمُتْلَفَاتِ، كَمَا ذَكَرَ ابْنُ فَرْحُونَ.
وَقَالَ الْخَرَشِيُّ: الْقَاسِمُ الْوَاحِدُ يَكْفِي؛ لأِنَّ طَرِيقَهُ عَنْ عِلْمٍ يَخْتَصُّ بِهِ الْقَلِيلُ مِنَ النَّاسِ كَالْقَائِفِ، وَالْمُفْتِي، وَالطَّبِيبِ وَلَوْ كَافِرًا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ وَجَّهَهُ الْقَاضِي فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَالَةُ .
وَمِثْلُهُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مُصْطَلَحِ: (شَهَادَةٌ).
اخْتِلاَفُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ :
- إِذَا اخْتَلَفَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي التَّقْوِيمِ، أَوِ الْخَرْصِ، أَوِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَلِلْفُقَهَاءِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ آرَاءٌ تُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهَا، وَفِيمَا يَلِي أَمْثِلَةٌ مِنْهَا:
أ - ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ إِذَا اخْتَلَفَ التُّجَّارُ، أَوْ أَهْلُ الْخِبْرَةِ فِي وُجُودِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهُ عَيْبٌ، وَقَالَ الآْخَرُونَ لاَ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الرَّدُّ، إِذْ لَمْ يَكُنْ عَيْبًا بَيِّنًا عِنْدَ الْكُلِّ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي اخْتِلاَفِ شُهُودِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي تَعَيُّبِ السِّلْعَةِ وَقِدَمِ الْعَيْبِ فِيهَا رَأْيَانِ: الأْخْذُ بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ، وَتَرْجِيحِ بَيِّنَةِ الْمُبْتَاعِ .
قَالَ ابْنُ فَرْحُونَ نَقْلاً عَنِ الْمُتَيْطِيَّةِ: إِذَا أَثْبَتَ مُبْتَاعُ الدَّارِ تَشَقُّقَ الْحِيطَانِ، وَتَعَيُّبَهَا، وَأَنَّهَا مُتَهَيِّئَةٌ لِلسُّقُوطِ، وَإِنَّ ذَلِكَ عَيْبٌ يَحُطُّ مِنْ ثَمَنِهَا كَثِيرًا، وَأَنَّهُ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَظْهَرُ مِنْ خَارِجِ الدَّارِ لاَ مِنْ دَاخِلِهَا، وَشَهِدَ لِلْبَائِعِ شُهُودٌ أَنَّ الدَّارَ سَالِمَةٌ مِمَّا ادَّعَى الْمُبْتَاعُ، مَأْمُونَةُ السُّقُوطِ لاِعْتِدَالِ حِيطَانِهَا وَسَلاَمَتِهَا مِنَ الْمَيْلِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ التَّهَدُّمِ، وَأَنَّ التَّشَقُّقَ لاَ يَضُرُّهَا مَعَ أَنَّهُ لاَ يَخْفَى عَلَى مَنْ نَظَرَ إِلَيْهَا، وَثَبَتَ جَمِيعُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتَّابٍ: يُقْضَى بِأَعْدَلِ الْبَيِّنَتَيْنِ مِمَّنْ لَهُ بَصَرٌ بِعُيُوبِ الدُّورِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ: بَيِّنَةُ الْمُبْتَاعِ أَوْلَى؛ لأِنَّ الْبَيِّنَةَ الَّتِي تُوجِبُ الْحُكْمَ إِذَا قُبِلَتْ أَعْمَلُ مِنَ الَّتِي تَنْفِيهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى الأْخْذِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فِيمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي مَعْرِفَةِ الْعَيْبِ وَقِدَمِهِ. فَلَوْ فُقِدَ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَوِ اخْتَلَفُوا، صُدِّقَ الْمُشْتَرِي لِتَحَقُّقِ الْعَيْبِ الْقَدِيمِ، وَالشَّكِّ فِي مُسْقِطِ الرَّدِّ.
وَمِثْلُهُ مَا فِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ فِي بَابِ الإْجَارَاتِ .
وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ الْعَيْبِ).
ب - إِذَا اخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ لِلسَّرِقَةِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ تَبْلُغُ قِيمَتُهَا ثَلاَثَةَ دَرَاهِمَ، وَقَالَ غَيْرُهُمْ: قِيمَتُهَا ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ ، قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: إِذَا اجْتَمَعَ عَدْلاَنِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا ثَلاَثَةُ دَرَاهِمَ قُطِعَ، وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ فِي سَمَاعِ عِيسَى: إِذَا اجْتَمَعَ عَلَى السَّرِقَةِ رَجُلاَنِ، لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى مَنْ خَالَفَهُمَا، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِ الْمَسْأَلَةِ نَقْلاً عَنْ مَالِكٍ: إِنْ دُعِيَ أَرْبَعَةٌ فَاجْتَمَعَ رَجُلاَنِ عَلَى قِيمَةٍ قَالَ: يَنْظُرُ الْقَاضِي إِلَى أَقْرَبِ التَّقْوِيمِ إِلَى السَّدَادِ، بِأَنْ يَسْأَلَ مَنْ سِوَاهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ السَّدَادُ مِنْ ذَلِكَ.
ج - إِنِ اخْتَلَفَ الْخَارِصُونَ فِي قَدْرِ التَّمْرِ الَّذِي خَرَصُوهُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ يُعْمَلُ بِتَخْرِيصِ الأْعْرَفِ مِنْهُمْ، وَيُلْغَى تَخْرِيصُ مَا سِوَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ أَعْرَفُ، فَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ قَوْلٍ جُزْءٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ . (ر: خَرْصٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 248
الْقَضَاءُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ (الْخِبْرَةِ):
اتَّفَقَ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى جَوَازِ الْقَضَاءِ بِقَوْلِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فِيمَا يَخْتَصُّونَ بِمَعْرِفَتِهِ إِذَا كَانُوا حُذَّاقًا مَهَرَةً. وَمِنْ ذَلِكَ الاِسْتِعَانَةُ فِي مَعْرِفَةِ قِدَمِ الْعَيْبِ أَوْ حَدَاثَتِهِ.
وَيُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الطِّبِّ وَالْمَعْرِفَةِ بِالْجِرَاحِ فِي مَعْرِفَةِ طُولِ الْجُرْحِ وَعُمْقِهِ وَعَرْضِهِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ. وَكَذَلِكَ يُرْجَعُ إِلَى أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِنَ النِّسَاءِ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ كَالْبَكَارَةِ.

