مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الأول ، الصفحة : 199
المشروع التمهيدي
المشروع في لجنة المراجعة
اقترح معالي السنهورى باشا وضع مادة جديدة تقرر المبدأ العام الذي يمهد للمادة التالية فوافقت اللجنة على ذلك و أقرت النص وهو : -
من استعمل حقه استعالاً جائزاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر. وأصبح رقم المادة 4 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 4.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة مع استبدال كلمة "مشروعاً"، بكلمة "جائزاً" وأصبح رقمها 4.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة ، كما أقرتها اللجنة .
1 ـ المقرر ـــ فى قضاء محكمة النقض ـــ أنه وفقاً لما ورد بالمادة الرابعة من القانون المدنى أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره وأن ما أوردته المادة الخامسة من قيد على هذا الأصل ـ إعمالاً لقاعدة إساءة استعمال الحق ـ متمثلاً فى أحد معايير ثلاثة يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء فى صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق من الاستعمال ، أو فى صورة استهانة بما يحيق بذلك الغير من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير يجنيه صاحب الحق ، أو إذا كانت المصالح التى يرمى الأخير إلى تحقيقها غير مشروعة وهو ما ينأى بتلك القاعدة عن الاعتبارات الإنسانية المجردة ، وعلى ذلك فإنه لا يسوغ اعتبار استعمال المالك لحقه دون انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادى الذى يخلو من نية الإضرار بالغير فى إحدى صوره السابقة مسيئاً .
(الطعن رقم 4434 لسنة 73 جلسة 2013/06/19)
2 ـ المقرر - فى قضاء محكمة النقض- أن الأصل حسبما تقضى به المادة الرابعة من القانون المدنى أن " من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر " باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ وأنه لا خطأ فى استعمال صاحب الحق لحقه فى جلب المنفعة المشروعة التى يتيحها له هذا الحق ، وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل وحددت المادة الخامسة من ذات القانون حالاته على سبيل الحصر بقولها " يكون استعمال الحق غير مشروع فى الأحوال الآتية :- أ- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير - ب- إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها - ج- إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة " وذلك درءاً لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية شعاراً غير أخلاقى لإلحاق الضرر بالغير ، وكان يبين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابى بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبى بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالاً هو إلى الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدى ، وكان من المقرر أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة فى هذه الصورة الأخيرة وبين الضرر الواقع هو معيار مادى قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً ، إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعى الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب .
(الطعن رقم 1302 لسنة 73 جلسة 2004/12/14 س 55 ع 1 ص 805 ق 148)
3 ـ المقرر وفقاً لما ورد بالمادة الرابعة من القانون المدنى أن من إستعمل حقه إستعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره وأن ما أوردته المادة الخامسة من قيد على هذا الأصل _ إعمالاً لقاعدة إساءة استعمال الحق _ متمثلاً فى أحد معايير ثلاثة يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء فى صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق من الاستعمال ، أو فى صورة استهانة بما يحيق بذلك الغير من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير يجنيه صاحب الحق ، أو إذا كانت المصالح التى يرمى الأخير إلى تحقيقها غير مشروعة وهو ما ينأى بتلك القاعدة عن الاعتبارات الإنسانية المجردة ، وعلى ذلك فإنه لا يسوغ اعتبار استعمال المالك لحقه دون انحراف عن السلوك المألوف للشخص العادى الذى يخلو من نية الإضرار بالغير فى إحدى صوره السابقة مسيئاً .
(الطعن رقم 4338 لسنة 61 جلسة 1997/07/12 س 48 ع 2 ص 1114 ق 208)
4 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن ضم مدة الخبرة السابقة هو أمر جوازى للسلطة المختصة بالتعيين تترخص فى إجرائه استثناء من قواعد التعيين المبتدأة وأنه وفقاً لنص المادة الرابعة من القانون المدنى لا يعتبر من قبيل إساءة استعمال السلطة من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً .
(الطعن رقم 1538 لسنة 65 جلسة 1996/01/11 س 47 ع 1 ص 168 ق 35)
5 ـ لما كانت المادة 32 من القانون رقم 49 لسنة 1977 جعلت زيادة وحدات المبنى السكنية بالتعلية أو الإضافة حقا للمالك ولو كان عقد الإيجار يمنع ذلك دون أن يخل هذا بحق المستأجر فى إنقاص الأجرة إن كان لذلك محل، وكانت المادة الرابعة من القانون المدنى تنص على أن " من استعمل حقه استعمالا مشروعا لا يكون مسئولا عما ينشأ عن ذلك من ضرر" كما تنص المادة الخامسة منه على أن " يكون استعمال الحق غير المشروع فىالأحوال الأتية: "أ" إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير "ب" إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لاتتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها "ج" إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة " فإن استعمال المالك لحقه المقرر فى المادة 32 من القانون رقم 49 لسنة 1977 لا يتقيد إلا بالقيود العامة المقررة فى المادتين الرابعة والخامسةمن القانون المدنى وإذ اقتصرت الطاعنة فى دفاعها أمام محكمة الموضوع على القول بأن تنفيذ الأعمال المرخص بها سوف يصيبها بضرر دون أن تدعى أن المطعون ضده لم يقصد سوى الإضرار بها أو أن المصلحة التى هدف إلى تحقيقها - وهى فضلاعن الجانب الشخصى منها مصلحة عامة تتمثل فى زيادة عدد الوحدات السكنية- لا تتناسب البتة مع ما يصيبها من ضرر بسببها أو أنها مصلحة غير مشروعة فإن طلبها تعيين خبير فى الدعوى لبيان ما يلحق بها من أضرار من جراء تنفيذ أعمال البناء المرخص بها يكون طلباغير منتج فى النزاع لايعيب الحكم المطعون فيه أنه لم يعرض له.
(الطعن رقم 2451 لسنة 57 جلسة 1993/12/27 س 44 ع 3 ص 536 ق 380)
6 ـ الأصل أنه لا جناح على من يستعمل حقه إستعمالاً مشروعاً فلا يكون من ثم مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره على نحو ما نصت عليه المادة الرابعة من القانون المدني أما ما أوردته المادة الخامسة منه من قيد على هذا الأصل فهو إعمال لنظرية إساءة إستعمال الحق يتمثل فى أحد معايير ثلاثة يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء فى صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق فى إستعماله أو فى صورة إستهانة بما يحيق بذلك الغير من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير يجنيه صاحب الحق بحيث لا يكاد يلحقه ضرر من الإستغناء عنه، الأمر الذي يربط بين نظرية إساءة إستعمال الحق وبين قواعد المسئولية المدنية وقوامها الخطأ وينأى بها عن مجرد إعتبارات الشفقة، وعلى ذلك فإنه لا يسوغ إعتبار المؤجر مسيئاً لإستعمال حقه فى طلب الإخلاء وفقاً لأحكام القانون إذا ما وقع من المستأجر ما يبرره لمجرد أنه يترتب عليه حرمان هذا الأخير من الإنتفاع بالمكان المؤجر.
(الطعن رقم 143 لسنة 52 جلسة 1989/06/28 س 40 ع 2 ص 692 ق 279)
7 ـ نصت المادتان الرابعة و الخامسة من التقنين المدنى على أن من إستعمل حقه إستعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير و أن إستعمال الحق لا يكون غير مشروع إلا إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير و هو ما لا يتحقق إلا بإنتفاء كل مصلحة من إستعمال الحق ، و حقا التقاضى و الدفاع من الحقوق المباحة و لا يسأل من يلج أبواب القضاء تمسكاً أو ذوداً عن حق يدعيه لنفسه إلا إذا ثبت إنجرافه عن الحق المباح إلى اللدد فى الخصومة و العنت مع وضوح الحق إبتغاء الإضرار بالخصم ، و إذ كان الحكم المطعون فيه قد إقتصر فى نسبة الخطأ إلى الطاعن إلى ما لا يكفى لإثبات إنحرافه عن حقه المكفول فى التقاضى و الدفاع إلى الكيد و العنت و اللدد فى الخصومة فإنه يكون فضلاً عما شابه من القصور قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 438 لسنة 43 جلسة 1977/03/28 س 28 ع 1 ص 812 ق 144)
8 ـ إذا تمسك المستأجر بالبقاء فى العين المؤجرة تنفيذاً لعقد الإيجار ولم يرضخ لإرادة المؤجر فى أن يستقل بفسخ العقد فإنه يستعمل حقاً له إستعمالاً مشروعاً ومن ثم فلا يمكن أن يتخذ من مسلكه هذا دليلاً على التعسف فى إستعمال الدفع بعدم التنفيذ. فإن دلل الحكم المطعون فيه على إساءة المستأجر إستعمال الدفع بعدم التنفيذ (بالإمتناع عن الوفاء بالأجرة لقيام المؤجر بأعمال التعرض) بأنه لم يستجب لرغبة المؤجر فى إخلاء مسكنه وأصر على البقاء وتنفيذ العقد فإن هذا التدليل يكون فاسداً منطوياً على مخالفة للقانون.
(الطعن رقم 350 لسنة 30 جلسة 1965/11/11 س 16 ع 3 ص 1018 ق 159)
9 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد إستند فى قضائه برفض دعوى الطاعنين بالتعويض عن فصلهم من عملهم إلى ما إستظهره من واقع النزاع المعروض من أن الفصل لم يكن بقصد الإساءة إليهم و أنه كان مبرراً بما صادف المعهد من صعوبات مالية إعترضت سبيل إدارته مما إضطر المركز الرئيسى الذى يتبعه المعهد فى خارج البلاد إلى التقرير بغلقه نظراً لتعذر تمويله و الإنفاق عليه فى مصر ، و إلى أن الطاعنين لم يقوموا بالتدليل على بطلان البواعث التى إقتضت غلق المعهد و لذا كان القرار الصادر بهذا الشأن لا يتسم بالتعسف فى إستعمال الحق الموجب للتعويض ، و إذ كان تقدير مبرر الغلق و ما إستتبعه من إنهاء عقود الطاعنين هو من المسائل الموضوعية التى يستقل بها قاضى الموضوع متى قام قضاؤه على إستخلاص سائغ و لا تجوز المجادلة فيه أمام محكمة النقض فإن النعى بهذا السبب يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 325 لسنة 38 جلسة 1974/05/25 س 25 ع 1 ص 939 ق 154)
10 ـ حق الإلتجاء إلى القضاء وإن كان من الحقوق العامة التى تثبت للكافة إلا أنه لا يسوغ لمن يباشر هذا الحق الانحراف به عما شرع له واستعماله استعمالا كيديا إبتغاء مضارة الغير وإلا حقت مساءلته عن تعويض الأضرار التى تلحق الغير بسبب إساءة استعمال هذا الحق .
(الطعن رقم 310 لسنة 34 جلسة 1967/12/28 س 18 ع 4 ص 1943 ق 293)
11 ـ المقرر فى قضاء محكمة النقض أن الأصل حسبما تقضى به المادة 4 من القانون المدنى أن " من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر " باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ فى استعمال صاحب الحق لحقه فى جلب المنفعة المشروعة التى يتيحها له هذا الحق ، وكان خروج هذا الاستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو استثناء من ذلك الأصل ، وحددت المادة 5 من ذلك القانون حالاته على سبيل الحصر بقولها " يكون استعمال الحق غير مشروع فى الأحوال الأتية : (أ) إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير . (ب) إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية ، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .(ج) إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة " وذلك درءاً لاتخاذ ظاهر القواعد القانونية شعاراً غير أخلاقى لإلحاق الضرر بالغير ، وكان البين من استقراء تلك الصور أنه يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابى بتعمد السير إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أو على نحو سلبى بالاستهانة المقصودة بما يصيب الغير من ضرر من استعمال صاحب الحق لحقه استعمالاً هو إلى الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدى .
(الطعن رقم 1065 لسنة 83 جلسة 2014/07/06)
12 ـ الأصل حسبما تقضى به المادة 4 من القانون المدنى من أن " من إستعمال حقه إستعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بإعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع خطأ و أنه لا خطأ فى إستعمال صاحب الحق فى جلب المنفعة المشروعة التى ينتجها له هذا الحق ، و كان خروج هذا الإستعمال عن دائرة المشروعية إنما هو إستثناء من ذلك الأصل ، و أوردت المادة 5 من ذلك القانون حالاته بقولها "يكون إستعمال الحق غير مشروع فى الأحوال الآتية " أ " إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير . " ب " إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البته مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها . " ج " إذا كانت المصالح التى يرمى إلى تحقيقها غير مشروعة " و ذلك درءاً لإتخاذ ظاهر القواعد القانونية ستاراً غير أخلاقى لإلحاق الضرر بالغير ، و كان يبين من إستقرار تلك الصور أنه يجمعه بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء على نحو إيجابى بتعمد السعى إلى مضارة الغير دون نفع يجنيه صاحب الحق من ذلك أوعلى نحو سلبى بالإستهانة المقصودة بما يصيب الغير ضرر فادح من إستعمال صاحب الحق لحقه إستعمالاً هو الترف أقرب مما سواه مما يكاد يبلغ قصد الإضرار العمدى ، و كان من المقرر أن معيار الموازنة بين مصلحة المبتغاة فى هذه الصورة الخيرة و بين الضرر الواقع هو معيار مادى قوامه الموزانة لمجرد بين النفع و الضرر دون نظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً ، إذ لا تنبع فكرة إساءة إستعمال
(الطعن رقم 108 لسنة 45 جلسة 1980/01/26 س 31 ع 1 ص 297 ق 61)
13 ـ النص فى المادة 18 من قانون إيجار الأماكن 136 لسنة 1981 يدل - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع استحدث بهذا النص أمرين أولهما أنه عدل سبب الإخلاء الذي كان مقرراً بنص المادة 31/ج من القانون رقم 49 لسنة 1977 بأن جعله مقصوراً على حالة الإضرار بسلامة المبنى بعد أن كان الإضرار بالمؤجر وهو أعلم واشمل ، والأمر الثاني أنه حدد أمام محكمة الإخلاء وسيلة الإثبات القانونية لواقعة الاستعمال الضار بسلامة المبنى بصدور حكم نهائي بذلك ، وما استحدثه النص من اشتراط الحصول على حكم نهائي لا يمس ذاتية القاعدة المقررة لسبب الإخلاء ولا يغير حكمها ، وليس فى هذا النص ما يقيد سلطة القاضي التقديرية فى الفسخ إذ لم يوجب نص المادة 18 سالفة الذكر على القاضي الحكم بالإخلاء إذا توافر سبب من الأسباب التي حددت شروطها فيه كما لا يستقيم أن يستلزم المشرع رفع دعوى بالإخلاء إذا كانت مهمة المحكمة مقصورة على مجرد الالتزام بحجية الحكم السابق بثبوت الضرر ، دون أن يكون لها سلطة تقديرية تستجيب لطلب الإخلاء أو ترفضه ، والسلطة التقديرية للقاضي مقررة له بحكم القانون ولصالح المتقاضين ليقوم خصوصيات كل حالة أو منازعة وظروفها وملابساتها ويختار الحل المناسب لها والأقرب إلى تحقيق العدالة ، فلا يجوز للقاضي أن يمتنع عن إعمال سلطته التقديرية ولا أن يتنازل عنها أو ينيب غيره فيها .
(الطعن رقم 8388 لسنة 64 جلسة 2000/05/08 س 51 ع 2 ص 645 ق 118)
والحق هو سلطة لشخص على شيء أو لاقتضاء أداء معين من شخص آخر تحظى بالحماية القانونية وتخوله الاستئثار والانفراد باستعمال واستخدام هذه السلطة دون سواه على الوجه الذي تقررت الحماية من أجله، وقد أحسن المشرع صنعاً إذ أفرد لهذه القاعدة نصاً مستقلاً يقرر عدم مسئولية صاحب الحق عن أي ضرر قد ينشأ للغير عند استعماله لحقه استعمالاً مشروعاً، والأصل أن كل استعمال للحق يكون مشروعاً أياً ما كان، إلا ما يقع منه تحت طائلة المادة الخامسة من التقنين المدني (التالية) والتي تقرر وتحدد صور الاستعمال غير المشروع للحق، وبالتالي فنحن أمام قرينة قانونية بسيطة مفادها أن استعمال الحق قد تم على الوجه المشروع فلا يُسأل صاحب الحق عن أي ضرر قد ينشأ عن ذلك ولكن لما كانت هذه القرينة بسيطة فإنه يكون للمضرور أن يثبت أن استعمال الحق لم يكن على الوجه المشروع لتتحقق عند ذلك مسئولية صاحب الحق عن الضرر .
ولما كان الخطأ هو أحد أركان المسئولية بنوعيها (التقصيرية والعقدية) وهو مناط الحكم بتحقق المسئولية وبالتعويض تبعاً لها فإن المشرع بهذه القاعدة قد نفى عنصر الخطأ وأسبغ بالتالي الحماية على كل من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً بصرف النظر عن الأضرار التي يمكن أن تلحق بالغير بسبب هذا الاستعمال، مع ملاحظة أن كل تجاوز في استعمال الحق أو تعسف فيه يدخل تحت المسئولية التقصيرية ولو كانت الرابطة بين صاحب الحق والمضرور رابطة تعاقدية. (مركز الراية للدراسات القانونية).
وفيما يلي شرح الفقهاء والخبراء لهذه المادة:
الحق، هو سلطة لشخص يقرها القانون ويخول له حمايتها، فحق الملكية هو سلطة يقرها القانون للمالك ويخول له اللجوء إلى القضاء لحمايته، وحق الشفعة هو سلطة يقرها القانون للشفيع ويخول له حمايته رضاءً أو قضاءً.
ويرى البعض أن الحق، قدرة لشخص على أن يقوم بعمل معين يمنحها القانون ويحميها تحقيقًا لمصلحة يقرها، أو هو سلطة يقرها القانون لشخص بمقتضاها يكون له ميزة القيام بعمل معين، أو هو رابطة قانونية بمقتضاها يخول القانون شخصًا على سبيل الانفراد والاستئثار التسلط على شيء أو إقتضاه أداء معين من شخص آخر أو هو صلة بين طرفين تنطوي على مصلحة يقرها القانون.
الحق والرخصة:
لئن كان الحق هو سلطة لشخص يقرها القانون ويخول له حمايتها فإن الرخصة هي عمل من أعمال التسامح ترد على استعمال حق للغير ولا يخول القانون صاحبها حماية ما في مواجهة صاحب الحق وحده وإن كانت تخوله حمايتها ضد غيره ممن يتعرضون له في استعمالها، فلصاحب الطريق الخصوصي أو المسعى الخصوصي سلطة عليا يقرها القانون ويخول له حمايتها، فهو حق، فإن لم يعترض على استعمال الغير له، فقد رخص له في استعماله، وهذا لا يحول دونه وطلب الكف عن هذا الاستعمال مهما كان الوقت الذي انقضى عليه، وهذا الطلب لا تعسف فيه لمشروعيته لإقرار القانون له، ذلك أن الرخصة لا تكسب حقًا مهما انقضى عليها من وقت. ولكن يجوز لصاحب الرخصة أن يطلب منع تعرض غير صاحب الحق له بدعوى مباشرة ضد المتعرض استنادًا إلى تلك الرخصة.
الحق وإن كان سلطة لصحابه ترد على محل هذا الحق، تخول له الاستفادة منه وفقًا للغرض المخصص له، إلا أن تلك السلطة غير مطلقة وإنما مقيدة على نحو لا يتوافر مع الخطأ التقصيري، وبتوافر هذا الخطأ تتحقق مسئولية صاحب الحق، وبانتفائه يكون استعمال الحق مشروعًا ولو ترتب على ذلك ضرر بالغير، باعتبار أن الخطأ هو معيار التعسف وليس الضرر.
وتقوم نظرية إساءة إستعمال الحق، على وجود حق ثم إساءة صاحبة استعماله، فالمؤجر الذي ينسب إليه إساءة الحق في الإخلاء، يجب أن يثبت له هذا الحق بأن يرتكب المستأجر إخلالًا بالتزاماته ينشأ بموجبه حق المؤجر في طلب الإخلاء، فإذا انتفى هذا الحق أصلًا فلا يتصور إساءة استعماله، ومن ثم ترفض دعواه لانتفاء الخطأ في جانب المستأجر وليس لإساءة المؤجر في استعمال حق الإخلاء ما لم يتوافر بذلك حق آخر يتمثل في حق الالتجاء للقضاء واللدد في الخصومة.
وإذا وجد الحق، ولكن تجاوزه صاحبه فلا يكون قد تعسف أو أساء إستعماله، وإنما يكون قد خرج عن نطاقه وبالتالى لا يعتبر التجاوز استعمالًا للحق إنما خروجًا عنه وعن نطاقه مما يتوافر به الخطأ التقصيري.
الأصل حسبما تقضي به المادة الرابعة من القانون المدني، أن من استعمل حقه استعمالًا مشروعًا لا يكون مسئولًا عما ينشأ عن ذلك من ضرر باعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع خطأ، وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق لحقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها هذا الحق.
والأصل أيضًا، أن استعمال الحق يعد مشروعًا حتى يثبت المضرور بكافة طرق الاثبات المقررة قانونًا، تعسف صاحب الحق في استعمال حقه بتوافر إحدى صور التعسف المنصوص عليها بالمادة الخامسة على سبيل الحصر، ثم يثبت ما أصابه من ضرر. فالتعسف هنا خطأ واجب الإثبات ليس للمحكمة إعفاء المضرور من إثباته بالتصدى له من تلقاء نفسها إذ يجب على المضرور التمسك به، كما يجب عليه إثبات صورة التعسف التي يركن إليها، ولا يكفي أن يتمسك بالتعسف في استعمال الحق حتى تلتزم المحكمة بالبحث عن صورة التعسف المنطبقة ثم التحقق من وجود تعسف، لأن ذلك من المسائل التي يجب على مدعيها إقامة الدليل عليها وإلا تعين رفض دعواه، مما مفاده اعتبار استعمال الحق مشروعًا.
ولمعرفة ما اذا كان استعمال الحق مشروعًا أم مشوبًا بالتعسف، يجب النظر إليه على هدى المادة الخامسة، فإن لم يخضع لإحدى الصور الواردة بها، كان إستعمالًا مشروعًا، ويكون الادعاء بالتعسف حينئذ على غير أساس.
فيدل فحوى نص المادة الرابعة على قيام قرينة قانونية بسيطة على مشروعية استعمال الحق، ويجوز نقضها بإثبات توافر إحدى الحالات التي نصت عليها المادة الخامسة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الأول، الصفحة/ 258).
الحق سلطة يقررها القانون لشخص معين يستطيع بمقتضاها القيام بأعمال معينة تحقيقاً لمصلحة يقرها القانون. فمثلاً حق الملكية الذي يقرره القانون لشخص على مال معين، يخول صاحب الحق سلطة استعمال واستغلال والتصرف في الشئ الذي يقع عليه الحق.
الحق إذن مزية يقررها القانون لشخص معين. ولكن هذه المزية لا تكون لها قيمة عملية إلا إذا فرض القانون على سائر الأشخاص احترامها وعدم التعرض لصاحبها في استعمالها. لذلك يقرن القانون كل حق لشخص معين بواجب عام يقع على الكافة ويفرض عليهم احترام هذا الحق.
والحقوق تفترض وجود روابط قانونية، فهي تفترض وجود الأفراد في مراكز متفاوتة قبل بعضهم البعض، فتضع بذلك صاحب الحق في مركز ممتاز على غيره من الناس بما تخوله له من تسلط أو اقتضاء.
تنص المادة الرابعة - كما رأينا - على أن من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر.
وهذا أمر طبيعي، فما دام صاحب الحق قد استعمل حقه استعمالاً مشروعاً، ولم ينحرف به عن المشروعية، فإنه لا تجوز مساءلته عن ثمة ضرر يقع بالغير.
والأصل هو مشروعية استعمال الحق، فلا يكلف صاحب الحق بإثبات أنه استعمل حقه استعمالاً مشروعاً، وإنما يقع على عاتق المضرور إثبات أن صاحب الحق استعمل حقه استعمالاً غير مشروع يتوافر به إحدى حالات التعسف المنصوص عليها في المادة الخامسة.
ولكن المسئولية تتوافر لأن استعمال هذا الحق أو ذاك قد حاد فيه صاحبه عن الغرض المقصود منه.
فالأساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق ليس إلا المسئولية التقصيرية. فالتعسف في استعمال الحق خطأ يوجب التعويض عما تسبب من أضرار.
ويظل التعسف داخلاً نطاق المسئولية التقصيرية حتى ولو كان تعسفاً في استعمال حق ناشئ عن العقد. فالمؤجر الذي يتمسك بالشرط المانع من الإيجار من الباطن تعسفاً منه يكون مسئولاً مسئولية تقصيرية وكذلك يكون متعسفاً في استعمال حقه وبالتالي مسئولاً مسئولية تقصيرية من يقوم بإنهاء عقد العمل إنهاء تعسفياً. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الأول الصفحة/216).
تعريف الحق : يذهب الاتجاه الحديث السائد إلى تعريف الحق بأنه الرابطة القانونية التي بمقتضاها يخول القانون شخصاً من الأشخاص على سبيل الاستئثار والانفراد والتسلط على شيء أو اقتضاء أداء معين من شخص آخر فالحق يفترض وجود عنصرين أساسيين : أولهما : الرابطة القانونية : وهذه الرابطة قد تكون رابطة اقتضاء تقوم بين شخصين وتخول أحدهما - وهو صاحب الحق - اقتضاء أداء معين من الشخص الأخر وهو المدين، وهذا الأداء قد يكون مطالبته بعمل أو بالامتناع عن عمل، كما تلزم المدين بالخضوع لهذا الاقتضاء. وقد تكون الرابطة القانونية رابطة تسلط تقوم بين أحد الأشخاص وأحد الأشياء وتخول الشخص سلطة على هذا الشيء وجميع الروابط القانونية سواء كانت رابطة اقتضاء أو رابطة تسلط إنما ترد على قيمة مالية معينة، وهذه القيمة قد تكون مادية وقد تكون معنوية ، وثانيهما : الاستئثار : ويعني أن الرابطة القانونية - سواء كانت رابطة اقتضاء أو تسلط - تجعل لأحد طرفيها وهو صاحب الحق مركزاً ممتازاً يخوله دون سائر الناس جميعا الانفراد وحده بما تنطوي عليه الرابطة من اقتضاء أو تسلط . ویستتبع هذا العنصر بالضرورة حماية الحق ومنع الاعتداء عليه وهو ما يستلزم القول بأن كل حق يقابله واجب، وهذا الواجب نوعان أولهما : واجب عام يقابل كافة الحقوق الناشئة عن جميع الروابط القانونية سواء كانت روابط اقتضاء أو روابط تسلط، ويتمثل في التزام الكافة بالامتناع عن الاعتداء على الحق ولو لم تربطهم بصاحبه رابطة خاصة، وثانيهما : واجب خاص يقتصر - بجانب الواجب العام - على روابط الاقتضاء ويتمثل في التزام الطرف المدين بالوفاء بالحق إلى الطرف الدائن عند الاستحقاق، وواضح أن الواجب العام يفترق عن الواجب الخاص في أن الأول يلقى على عاتق الكافة عبئا سلبياً بالامتناع عن الاعتداء على الحق، أما الثاني فيجاوز ذلك إلى فرض عبء إيجابي في ذمة المدين بأن يفرض على مصالحه القيود اللازمة للوفاء به.
للحق نوعان من الحدود : أولهما الحدود الموضوعية وتبينها القاعدة القانونية مصدر الحق، فهذه القاعدة هي التي تحدد مضمون الحق وتفرض قيوده ومن ثم ترسم حدوده الموضوعية، وثانيهما الحدود الغائية أى الحدود المستمدة من الغاية التي يستهدفها تقرير الحق ، إذ ليس من شك في أن القاعدة القانونية وهي تقرر الحق وترسم له حدوده الموضوعية إنما تستهدف تحقيق غاية. ويترتب على هذه التفرقة بين نوعى الحدود أن من يجاوز الحدود الموضوعية للحق يكون وقد خرج عن نطاق الحق فجاء عمله غیر مستند إلى حق فيكون عملاً غير مشروع، أما من التزم هذه الحدود فلا يجوز وصف عمله بأنه عمل غير مشروع فلا يجرى عليه حكم هذا العمل، ولكنه متى ثبت أنه مع التزامه الحدود الموضوعة لحقه قد انحرف في استعماله عن الغاية من تقريره، فإنه يكون متعسفاً في استعمال حقه. وهكذا يتضح أن الحقوق كما يتحدد نطاقها بالحدود الموضوعية التي ترسمها القاعدة القانونية، فإن استعمالها - ولو في دائرة هذه الحدود الموضوعية - يتقيد بعدم الانحراف عن الغاية من تقرير هذه الحقوق. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة 226 ).
المقرر وفقاً لما ورد بالمادة الرابعة من القانون المدني أن من إستعمل حقه إستعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره وما أوردته المادة الخامسة من قيد على هذا الأصل إعمالاً لقاعدة إساءة إستعمال الحق متمثلاً في أحد معايير ثلاثة يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار سواء في صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق من الاستعمال، أو في صورة إستهانة بما يحيق بذلك الغير من ضرر جسيم تحقيقاً لدفع يسير يجنيه صاحب الحق، أو إذا كانت المصالح التي يرمي الأخير إلى تحقيقها غير مشروعة وهو ما ينأى بتلك القاعدة عن الإعتبارات الإنسانية المجردة، وعلى ذلك فإن من يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بالغير، وأن استعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير وهو ما يتحقق بانتفاء كل مصلحة من إستعمال الحق فحق التقاضي مثلا وحق الإبلاغ وحق الشكوى من الحقوق المباحة للأشخاص واستعمالها لا يدعو إلى مساءلة طالما لم . ينحرف به صاحب الحق إبتغاء مضارة المبلغ ضده، فالأصل أنه لا جناح على من يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً فلا يكون من ثم مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره على نحو ما نصت عليه المادة الرابعة. (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2015، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزءالأول، صفحة 38 ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 182
الْقِسْمُ الأْوَّلُ: اسْتِعْمَالُ الْحَقِّ بِحَيْثُ لاَ يَلْزَمُ عَنْهُ مَضَرَّةٌ:
اسْتِعْمَالُ الْحَقِّ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ عَنْهُ مَضَرَّةٌ بِالْغَيْرِ - حُكْمُهُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الإْذْنِ وَلاَ إِشْكَالَ فِيهِ وَلاَ حَاجَةَ إِلَى الاِسْتِدْلاَلِ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ الدَّلِيلِ عَلَى الإْذْنِ ابْتِدَاءً.
الْقِسْمُ الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْحَقِّ بِقَصْدِ الإْضْرَارِ بِالْغَيْرِ:
لاَ إِشْكَالَ فِي مَنْعِ الْقَصْدِ إِلَى الإْضْرَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِضْرَارٌ لِثُبُوتِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ فِي الإْسْلاَمِ» .
وَالضَّابِطُ الْكُلِّيُّ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَقِّ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ حَيْثُ يَقُولُ: أَنْ لاَ يُحِبَّ لأِخِيهِ إِلاَّ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، فَكُلُّ مَا لَوْ عُومِلَ بِهِ شَقَّ عَلَيْهِ وَثَقُلَ عَلَى قَلْبِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُعَامِلَ بِهِ غَيْرَهُ .
وَجَاءَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» فَنَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم أَنْ يَتَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا الإْضْرَارَ بِصَاحِبِهِ وَعَنْ أَنْ يَقْصِدَا ذَلِكَ جَمِيعًا .
وَفِيمَا يَلِي نَذْكُرُ بَعْضَ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ تَطْبِيقًا لِهَذَا النَّوْعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْحَقِّ:
الإْضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ:
13 - رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا «الإْضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» وَوَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ» قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ (رَاوِي الْحَدِيثِ) ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) إِلَى قَوْلِهِ ) وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وَالإْضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ تَارَةً يَكُونُ بِأَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى فَرْضِهِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَهُ فَيَتَضَرَّرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِتَخْصِيصِهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَتَارَةً بِأَنْ يُوصِيَ لأِجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ فَيُنْقِصَ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَمَتَى أَوْصَى لِوَارِثٍ أَوْ لأِجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَنْفُذْ مَا أَوْصَى بِهِ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ .
وَلِلْفُقَهَاءِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ فِي رَدِّ وَصِيَّةِ الْمُوصِي إِذَا قَصَدَ بِوَصِيَّتِهِ الْمُضَارَّةَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّة).
الإْضْرَارُ بِالرَّجْعَةِ:
14 - مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَكَانَ قَصْدُهُ بِالرَّجْعَةِ الْمُضَارَّةَ فَإِنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ هَذَا التَّصَرُّفِ بِقَوْلِهِ: ) وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) يَقُولُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: وَلاَ تُرَاجِعُوهُنَّ إِنْ رَاجَعْتُمُوهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ مُضَارَّةً لَهُنَّ لِتُطَوِّلُوا عَلَيْهِنَّ مُدَّةَ انْقِضَاءِ عِدَدِهِنَّ، أَوْ لِتَأْخُذُوا مِنْهُنَّ بَعْضَ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ بِطَلَبِهِنَّ الْخُلْعَ مِنْكُمْ لِمُضَارَّتِكُمْ إِيَّاهُنَّ، بِإِمْسَاكِكُمْ إِيَّاهُنَّ وَمُرَاجَعَتِكُمُوهُنَّ ضِرَارًا وَاعْتِدَاءً .
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى الأْزْوَاجَ أَنْ يُمْسِكُوا زَوْجَاتِهِمْ بِقَصْدِ إِضْرَارِهِنَّ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، أَوْ أَخْذِ بَعْضِ مَالِهِنَّ، وَالنَّهْيُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ فَتَكُونُ الرَّجْعَةُ مُحَرَّمَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ فِي حُكْمِ الرَّجْعِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رَجْعَة ف 4).
15 - وَمِنْ صُوَرِ الإْضْرَارِ: الإْيلاَءُ، وَغَيْبَةُ الزَّوْجِ ، وَالْحَبْسُ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، بِشُرُوطِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ فِيهِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِيلاَء، وَطَلاَقٌ، وَفَسْخٌ، وَغَيْبَةٌ، وَمَفْقُودٌ).
الإْضْرَارُ فِي الرَّضَاعِ:
16 - إِنْ رَغِبَتْ الأْمُّ فِي إِرْضَاعِ وَلَدِهَا أُجِيبَتْ وُجُوبًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَلَّقَةً أَمْ فِي عِصْمَةِ الأْبِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لقوله تعالي: ) لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) وَالْمَنْعُ مِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا مُضَارَّةٌ لَهَا .
وَقِيلَ: إِنْ كَانَتِ الأْمُّ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا إِلاَّ أَنْ لاَ يُمْكِنَ ارْتِضَاعُهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَصْدُ الزَّوْجِ بِهِ تَوْفِيرَ الزَّوْجَةِ لِلاِسْتِمْتَاعِ، لاَ مُجَرَّدَ إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُ الأْبَ إِجَابَةُ طَلَبِ الْمُطَلَّقَةِ فِي إِرْضَاعِ وَلَدِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَمَّا إِنْ طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا زِيَادَةً كَبِيرَةً، وَوَجَدَ الأْبُ مَنْ يَرْضِعُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَلْزَمِ الأْبَ إِجَابَتُهَا إِلَى مَا طَلَبَتْ، لأِنَّهَا تَقْصِدُ الْمُضَارَّةَ .
وَلِلتَّفْصِيلِ: (ر: رَضَاعٌ).
الإْضْرَارُ فِي الْبَيْعِ:
17 - مِنْ أَمْثِلَةِ الضَّرَرِ فِي الْبُيُوعِ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَالسَّوْمُ وَالشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، وَالنَّجْشُ وَتَلَقِّي الْجَلْبَ أَوِ الرُّكْبَانِ، وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَبَيْعُ الْمُضْطَرِّ وَيُنْظَرُ أَحْكَامُ هَذِهِ الْبُيُوعِ فِي (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ: ف 100 - 132).
18 - وَمِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي حَسَبَ تَقْسِيمَاتِ الشَّاطِبِيِّ: اسْتِعْمَالُ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ لِتَحْقِيقِ مَصْلَحَةٍ مَشْرُوعَةٍ لَهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ مِنْهُ غَيْرُهُ.
يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْدُ نَفْعِ النَّفْسِ، وَقَصْدُ إِضْرَارِ الْغَيْرِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْهُ فَيَصِيرُ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، أَمْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِهِ الأْصْلِ يِّ مِنَ الإْذْنِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ إِثْمُ مَا قَصَدَ؟ هَذَا مِمَّا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْخِلاَفُ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَهُوَ جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلاَةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ الاِجْتِهَادُ فِيهِ.
وَهُوَ أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ إِذَا رَفَعَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَانْتَقَلَ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ فِي اسْتِجْلاَبِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ ، أَوْ دَرْءِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ جُعِلَ لَهُ مَا أَرَادَ أَوْ لاَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ إِشْكَالَ فِي مَنْعِهِ مِنْهُ، لأِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَ الإْضْرَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِيصٌ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَضِرُّ مِنْهَا الْغَيْرُ، فَحَقُّ الْجَالِبِ أَوِ الدَّافِعِ مُقَدَّمٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَصْدِ الإْضْرَارِ، وَلاَ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا تَكْلِيفٌ بِمَا لاَ يُطَاقُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كُلِّفَ بِنَفْيِ قَصْدِ الإْضْرَارِ وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكَسْبِ لاَ بِنَفْيِ الإْضْرَارِ بِعَيْنِهِ .
19 - وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا النَّوْعِ مَا ذَكَرَهُ التَّسَوُّلِيُّ، فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ وَيَضُرَّ بِجِدَارِ جَارِهِ: وَأَمَّا إِنْ وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِتَرْكِ حَفْرِهِ فَلاَ يُمَكَّنُ مِنْ حَفْرِهِ لِتَمَحُّضِ إِضْرَارِهِ بِجَارِهِ حِينَئِذٍ .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فِي هَذَا الصَّدَدِ، إِذْ هُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمَالِكِ فِي التَّصَرُّفِ بِمِلْكِهِ بِمَا يَمْنَعُ الإْضْرَارَ الْفَاحِشَ عَنْ جَارِهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُغْنِي: لَيْسَ لِلْجَارِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ تَصَرُّفًا يُضِرُّ بِجَارِهِ، نَحْوَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ حَمَّامًا بَيْنَ الدُّورِ، أَوْ يَفْتَحَ خَبَّازًا بَيْنَ الْعَطَّارِينَ .
وَالزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يُقَرِّرُ هَذَا الْمَعْنَى وَيَقُولُ: إِنَّ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَمْ يُضِرَّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا. وَلَوْ أَرَادَ بِنَاءَ تَنُّورٍ فِي دَارِهِ لِلْخَبْزِ الدَّائِمِ، كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ، أَوْ رَحًا لِلطَّحْنِ، أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ، لأِنَّ ذَلِكَ يُضِرُّ بِالْجِيرَانِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَاحِشًا لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ لأِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ، وَتُرِكَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لأِجْلِ الْمَصْلَحَةِ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: لُحُوقُ الضَّرَرِ بِجَالِبِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ دَافِعِ الْمَفْسَدَةِ عِنْدَ مَنْعِهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ حَقِّهِ:
20 - هَذَا لاَ يَخْلُو أَنْ يَلْزَمَ مِنْ مَنْعِهِ الإْضْرَارُ بِهِ بِحَيْثُ لاَ يَنْجَبِرُ أَوَّلاً، فَإِنْ لَزِمَ قُدِّمَ حَقُّهُ عَلَى الإْطْلاَقِ .
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا النَّوْعِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ وَأَصَابَتْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ لأِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى وُقُوعِ الضَّرَرِ بِهِ وَلاَ يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانُوا فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، لأِنَّ الْبَذْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفْضِي إِلَى هَلاَكِ نَفْسِهِ وَهَلاَكِ عِيَالِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إِنْجَاءُ الْغَرِيقِ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ، وَلأِنَّ فِي بَذْلِهِ إِلْقَاءً بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
أَمَّا إِذَا أَمْكَنَ انْجِبَارُ الإْضْرَارِ وَرَفْعُهُ جُمْلَةً فَاعْتِبَارُ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوْلَى فَيُمْنَعُ الْجَالِبُ أَوِ الدَّافِعُ مِمَّا هَمَّ بِهِ، لأِنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ بِدَلِيلِ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ عَلَى تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مَعَ أَنَّ الأْصْلَ فِيهِمُ الأْمَانَةُ، وَقَدْ زَادُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا رَضِيَ أَهْلُهُ وَمَا لاَ، وَذَلِكَ يَقْضِي بِتَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الْعُمُومِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْخُصُوصِ لَكِنْ بِحَيْثُ لاَ يَلْحَقُ الْخُصُوصَ مَضَرَّةٌ (لاَ تَنْجَبِرُ) وَهُوَ مُفَادُ قَاعِدَةِ «يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ» .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: دَفْعُ الضَّرَرِ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ:
21 - فَمِنْ ذَلِكَ الرِّشْوَةُ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إِلاَّ بِذَلِكَ، وَإِعْطَاءُ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِينَ وَلِلْكُفَّارِ فِي فِدَاءِ الأْسْرَى، وَلِمَانِعِي الْحَاجِّ حَتَّى يُؤَدُّوا خَرَاجًا، كُلُّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ أَوْ دَفْعُ ضَرَرٍ بِتَمْكِينٍ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ طَلَبُ فَضِيلَةِ الْجِهَادِ، مَعَ أَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِمَوْتِ الْكَافِرِ عَلَى الْكُفْرِ، أَوْ قَتْلِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، بَلْ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ» وَلاَزِمُ ذَلِكَ دُخُولُ قَاتِلِهِ النَّارَ، وَقَوْلُ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ ) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) بَلِ الْعُقُوبَاتُ كُلُّهَا جَلْبُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ يَلْزَمُ عَنْهَا إِضْرَارُ الْغَيْرِ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلْغَاءٌ لِجَانِبِ الْمَفْسَدَةِ لأِنَّ هَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ فِي شَرْعِ هَذِهِ الأْحْكَامِ، وَلأِنَّ جَانِبَ الْجَالِبِ وَالدَّافِعِ أَوْلَى .
الْقِسْمُ الْخَامِسُ: التَّصَرُّفُ الْمُفْضِي إِلَى الْمَفْسَدَةِ قَطْعًا:
22 - الْمَفْرُوضُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ لاَ يَلْحَقَ الْجَالِبَ لِلْمَصْلَحَةِ أَوِ الدَّافِعَ لِلْمَفْسَدَةِ ضَرَرٌ، وَلَكِنَّ أَدَاءَهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ قَطْعِيٌّ عَادَةً فَلَهُ نَظَرَانِ: نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قَاصِدًا لِمَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إِضْرَارٍ بِأَحَدٍ، فَهَذَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ جَائِزٌ لاَ مَحْظُورَ فِيهِ.
وَنَظَرٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ عَالِمًا بِلُزُومِ مَضَرَّةِ الْغَيْرِ لِهَذَا الْعَمَلِ الْمَقْصُودِ مَعَ عَدَمِ اسْتِضْرَارِهِ بِتَرْكِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَظِنَّةٌ لِقَصْدِ الإْضْرَارِ، لأِنَّهُ فِي فِعْلِهِ إِمَّا فَاعِلٌ لِمُبَاحٍ صِرْفٍ لاَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ مَقْصِدٌ ضَرُورِيٌّ وَلاَ حَاجِيٌّ وَلاَ تَكْمِيلِيٌّ فَلاَ قَصْدَ لِلشَّارِعِ فِي إِيقَاعِهِ مِنْ حَيْثُ يُوقَعُ، وَإِمَّا فَاعِلٌ لِمَأْمُورٍ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ فِيهِ مَضَرَّةٌ مَعَ إِمْكَانِ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَلْحَقُ فِيهِ مَضَرَّةٌ وَلَيْسَ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ فِي وُقُوعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْحَقَ بِهِ الضَّرَرُ دُونَ الآْخَرِ.
وَعَلَى كِلاَ التَّقْدِيرَيْنِ فَتَوَخِّيهِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَضَرَّةِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا تَقْصِيرٌ فِي النَّظَرِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَإِمَّا قَصْدٌ إِلَى نَفْسِ الإْضْرَارِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ - أَيْضًا - فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، لَكِنْ إِذَا فَعَلَهُ يُعَدُّ مُتَعَدِّيًا بِفِعْلِهِ وَيَضْمَنُ ضَمَانَ الْمُتَعَدِّي عَلَى الْجُمْلَةِ .
الْقِسْمُ السَّادِسُ: التَّصَرُّفُ الْمُفْضِي إِلَى الْمَفْسَدَةِ نَادِرًا:
23 - الْمَفْرُوضُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْجَالِبَ أَوْ الدَّافِعَ لاَ يَقْصِدُ الإْضْرَارَ بِأَحَدٍ إِلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَنْ فِعْلِهِ مَضَرَّةٌ بِالْغَيْرِ نَادِرًا، هُوَ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الإْذْنِ، لأِنَّ الْمَصْلَحَةَ إِذَا كَانَتْ غَالِبَةً فَلاَ اعْتِبَارَ بِالنُّدُورِ فِي انْخِرَامِهَا، إِذْ لاَ تُوجَدُ فِي الْعَادَةِ مَصْلَحَةٌ عَرِيَّةٌ عَنِ الْمَفْسَدَةِ جُمْلَةً، إِلاَّ أَنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا اعْتَبَرَ فِي مَجَارِي الشَّرْعِ غَلَبَةَ الْمَصْلَحَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ نُدُورَ الْمَفْسَدَةِ إِجْرَاءً لِلشَّرْعِيَّاتِ مَجْرَى الْعَادِيَّاتِ فِي الْوُجُودِ، وَلاَ يُعَدُّ - هُنَا - قَصْدُ الْقَاصِدِ إِلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ - مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِنُدُورِ الْمَضَرَّةِ عَنْ ذَلِكَ - تَقْصِيرًا فِي النَّظَرِ وَلاَ قَصْدًا إِلَى وُقُوعِ الضَّرَرِ، فَالْعَمَلُ إِذَنْ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ضَوَابِطَ الْمُشَرِّعَاتِ هَكَذَا وَجَدْنَاهَا: كَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ فِي الدِّمَاءِ وَالأْمْوَالِ وَالْفُرُوجِ مَعَ إِمْكَانِ الْكَذِبِ وَالْوَهْمِ وَالْغَلَطِ، وَكَذَلِكَ إِعْمَالُ الْخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالأْقْيِسَةِ الْجُزْئِيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ مَعَ إِمْكَانِ إِخْلاَفِهَا وَالْخَطَأِ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَاعْتُبِرَتِ الْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ .
الْقِسْمُ السَّابِعُ: التَّصَرُّفُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَفْسَدَةِ ظَنًّا:
24 - قَدْ يَكُونُ التَّصَرُّفُ وَسِيلَةً مَوْضُوعَةً لِلْمُبَاحِ إِلاَّ أَنَّهُ يُظَنُّ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ فَيَحْتَمِلُ الْخِلاَفَ ، أَمَّا أَنَّ الأْصْلَ الإْبَاحَةُ وَالإْذْنُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَنَّ الضَّرَرَ وَالْمَفْسَدَةَ تَلْحَقُ ظَنًّا فَهَلْ يَجْرِي الظَّنُّ مَجْرَى الْعِلْمِ فَيَمْنَعُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَمْ لاَ؛ لِجَوَازِ تَخَلُّفِهِمَا وَإِنْ كَانَ التَّخَلُّفُ نَادِرًا؟ لَكِنَّ اعْتِبَارَ الظَّنِّ هُوَ الأْرْجَحُ، وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى أَصْلِ الإْذْنِ وَالإْبَاحَةِ لأِمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الظَّنَّ فِي أَبْوَابِ الْعَمَلِيَّاتِ جَارٍ مَجْرَى الْعِلْمِ فَالظَّاهِرُ جَرَيَانُهُ هُنَا .
وَالثَّانِي: قوله تعالي: ) وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى سَبَّ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ كَوْنِ السَّبِّ غَيْظًا وَحَمِيَّةً لِلَّهِ وَإِهَانَةً لآِلِهَتِهِمْ، لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إِلَى سَبِّهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَانَتْ مَصْلَحَةُ تَرْكِ مَسَبَّتِهِ تَعَالَى أَرْجَحَ مِنْ مَصْلَحَةِ سَبِّنَا لآِلِهَتِهِمْ، وَهَذَا كَالتَّنْبِيهِ بَلْ كَالتَّصْرِيحِ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْجَائِزِ لِئَلاَّ يَكُونَ سَبَبًا فِي فِعْلِ مَا لاَ يَجُوزُ .
الْقِسْمُ الثَّامِنُ: التَّصَرُّفُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَفْسَدَةِ كَثِيرًا:
25 - إِذَا كَانَ أَدَاءُ التَّصَرُّفِ إِلَى الْمَفْسَدَةِ كَثِيرًا لاَ غَالِبًا وَلاَ نَادِرًا، فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَالْتِبَاسٍ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ.
فَيَرَى فَرِيقٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الأْصْلَ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى الأْصْلِ مِنْ صِحَّةِ الإْذْنِ ، لأِنَّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ بِوُقُوعِ الْمَفْسَدَةِ مُنْتَفِيَانِ، إِذْ لَيْسَ - هُنَا - إِلاَّ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ بَيْنَ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ وَلاَ قَرِينَةَ تُرَجِّحُ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَاحْتِمَالُ الْقَصْدِ لِلْمَفْسَدَةِ، وَالإْضْرَارِ لاَ يَقُومُ مَقَامَ نَفْسِ الْقَصْدِ وَلاَ يَقْتَضِيهِ.
وَذَهَبَ الْفَرِيقُ الآْخَرُ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّصَرُّفِ، لأِنَّ الْقَصْدَ لاَ يَنْضَبِطُ فِي نَفْسِهِ لأِنَّهُ مِنَ الأْمُورِ الْبَاطِنَةِ لَكِنْ لَهُ مَجَالٌ - هُنَا - وَهُوَ كَثْرَةُ الْوُقُوعِ فِي الْوُجُودِ أَوْ هُوَ مَظِنَّةُ ذَلِكَ، فَكَمَا اعْتُبِرَتِ الْمَظِنَّةُ وَإِنْ صَحَّ التَّخَلُّفُ، كَذَلِكَ نَعْتَبِرُ الْكَثْرَةَ لأِنَّ هَا مَجَالُ الْقَصْدِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ: (ر: سَدُّ الذَّرَائِعِ).
____________________________________________________________________
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 36)
الجواز الشرعي ينافی الضمان . فمن يستعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر .
يطابق هذا النص في حكمه المادة 4 من التقنين الحالي التي تقول :
و من استعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر .
والعبارة التي جاءت في صدر النص المقترح ، وهي أن«الجواز الشرعي ينافی الضمان، يراد بها المعنى ذاته الذي تفيد العبارة الواردة في المادة 4 المذكورة . فثمة تكرار المعنى واحد في عبارتین مختلفتين يتضمنها النص المقترح، ومع ذلك فقد روى أن يبدأ هذا النص بعبارة يستعملها الفقه الإسلامي لما تتميز به من بلاغة في الايجاز ، ثم تأتي بعدها عبارة فيها
توضيح وبيان للمعنى المقصود ، وكثيرا ما نجد في نصوص المجلة امثلة لهذه الطريقة في الصياغة ( راجع المادة 91 من المجلة ) •
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (91) الجواز الشرعي
الجواز الشرعي ينافي الضمان، مثلاً لو حفر إنسان في ملكه بئرا فوقع فيها حيوان رجل وهلك لا يضمن حافر البئر شيئاً.