مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الأول ، الصفحة : 205
مذكرة المشروع التمهيدي
1- تضع المادة (5) الأحكام الخاصة بالتعسف في استعمال الحق بالمعنى الذي تقدمت الإشارة إليه فتقضى بأن استعمال الحق يكون غير جائز في حالات خاصة أخذ المشروع في تعيين بعضها بمعيار "نية الإضرار" ، وأخذ في تعيين بعض منها بمعيار مادي "التعارض مع مصلحة عامة جوهرية"، ولفق في بعض آخر ما بين المعيارين ولم يكن التشريع المصري يتضمن نصاً عاماً في شأن التعسف في استعمال الحق بل اقتصر الأمر فيه على بعض تطبيقات خاصة كنص المادة 38 / 59 و 60 من القانون المدني على أنه ليس لمالك الحائط أن يهدمه لمجرد إرادته إذا كان يترتب على ذلك حصول ضرر للجار المستتر ملكه بحائطه ما لم يكن هدمه بناءً على باعث قوي ونص المادة 115 / 120 من قانون المرافعات على جواز الحكم بالتعويض في مقابلة المصاريف الناشئة عن دعوى أو مدافعة كان القصد بها مكيدة الخصم . وقد استلهم القضاء هذه التطبيقات وآراء الفقه وأخذ بفكرة التعسف في استعمال الحق واستند في ذلك إلى القاعدة العامة في المسئولية التقصيرية كما هي مقررة في المادة 151 / 212 مدني.
2- بيد أن المشروع أحل النص الخاص بتقرير نظرية التعسف في استعمال الحق مكانة بارزة بين النصوص التمهيدية لأن هذه النظرية من معنى العموم ما يجعلها تنبسط على جميع نواحي القانون دون أن تكون مجرد تطبيق لفكرة العمل غير المشروع . وإذا كان القضاء قد رأى أن يستند في تطبيقها إلى قواعد المسئولية التقصيرية بسبب قصور النصوص فهو لم يقصر هذا التطبيق على ناحية معينة من نواحي القانون المدني وانما بسطه على هذه النواحي جميعاً بل وعلى نواحي القانون قاطبة . فهو يجزم بأن النظرية تنطبق على روابط الأحوال الشخصية كما تنطبق على الروابط المالية وانها تسرى في شأن الحقوق العينية سريانها في شأن الحقوق الشخصية وانها لا تقف عند حدود القانون الخاص بل تجاوزه إلى القانون العام . ولذلك آثر المشروع أن يضع هذه النظرية وضعاً عاماً محتذياً مثال أحدث التقنيات وأرقاها ( أنظر المادة 2 من التقنين المدني السويسري والمادة 1 من التقنين المدني السوفيتي).
3- وقد ساعد على اختيار هذا المسلك إقرار الشريعة الاسلامية لنظرية التعسف في استعمال الحق بوصفها نظرية عامة وعناية الفقه الاسلامي بصياغتها صياغة تضارع إن لم تفق في دقتها وأحكامها أحدث ما أسفرت عنه مذاهب المحدثين من فقهاء الغرب . وإزاء ذلك حرص المشروع على أن ينتفع في صياغة النص بالقواعد التي استقرت في الفقه الإسلامي وهي قواعد صدر عنها التشريع المصري في التطبيقين اللذين تقدمت الإشارة إليهما ( المادة 38 / 59 و 60 مدني والمادة 115 / 120 مرافعات ) واستلهمهما القضاء في كثير من أحكامه ( استئناف مختلط 6 ابريل سنة 1905 ب 17 ص 189 و 3 مايو سنة 1906 ب 18 ص 233)
ولهذا لم ير المشروع أن ينسج على منوال التقنين السويسري في النص على أن كل شخص يجب عليه أن يباشر حقوقه ويفي بالتزاماته وفقا لما يقتضی حسن النية وأن التعسف الظاهر في استعمال حق من الحقوق لا يحميه القانون ، ولم ير المشروع كذلك أن يختار الصيغة التي آثرها المشروع السوفيتي إذ قضى في المادة 1 من التقنين المدني بأن القانون يتكفل بحماية الحقوق المدنية إلا أن تستعمل على وجه يخالف الغرض الاقتصادي أو الاجتماعي من وجودها وأعرض أيضاً عن الصيغة التي اختارها التقنين اللبناني (م 124)، وهي لا تعدو أن تكون مزاجها من نصوص التقنين السويسري والتقنين السوفيتي.
4- والواقع أن المشروع تحامى اصطلاح ( التعسف ) لسعته وإبهامه وجانب أيضا كل تلك الصيغ العامة بسبب غموضها وخلوها من الدقة واستمد من الفقه الإسلامي بوجه خاص الضوابط الثلاثة التي اشتمل عليها النص ومن المحقق أن تفصيل الضوابط على هذا النحو يهيء للقاضي عناصر نافعة للاسترشاد ولا سيما أنها جميعاً وليدة تطبيقات عملية انتهى إليها القضاء المصري من طريق الاجتهاد.
5 - وأول هذه المعايير هو معیار استعمال الحق دون أن يقصد من ذلك سوى الأضرار بالغير وهذا معيار ذاتی استقر الفقه الإسلامي والفقه الغربي والقضاء على الأخذ به، وقد أفرد له التقنين الألماني المادة 226 وهي في طليعة النصوص التشريعية التي دعمت أسس نظرية التعسف في استعمال الحق والجوهري في هذا الشأن هو توافر نية الأضرار ولو أفضى استعمال الحق إلى تحصيل منفعة لصاحبه، ويراعى أن القضاء جرى على استخلاص هذه النية من انتفاء كل مصلحة من استعمال الحق استعمالاً يلحق الضرر بالغير متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك، وقد جرى القضاء على تطبيق الحكم نفسه في حالة تفاهة المصلحة التي تعود على صاحب الحق في هذه الحالة.
6- المعيار الثاني قوامه تعارض استعمال الحق مع مصلحة عامة جوهرية، وهذا معیار مادی استقاه المشروع من الفقه الإسلامي وقننته المجلة من قبل إذ نصت في المادة 26 على أن الضرر الخاص يتحمل لدفع ضرر عام ( أنظر أيضاً المواد 27 و 28 و 29 من المجلة ) . وأكثر ما يساق من التطبيقات في هذا الصدد عند فقهاء المسلمين يتعلق بولاية الدولة في تقييد حقوق الأفراد صيانة للمصلحة العامة كمنع اختزان السلع تجنباً لاستغلال حاجة الأفراد إليها خلال الحروب والجوائح على أن الفكرة في خصبها لا تقف عند حدود هذه التطبيقات فهي مجرد أمثلة تحتمل التوسع والقياس .
7- أما المعيار الثالث فتندرج تحته حالات ثلاث.
(أ) الأولى حالة استعمال الحق استعمالاً يرمي إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة وتعبير المشروع في هذا المقام خير من نص بعض التقنينات على صرف الحق عن الوجهة التي شرع من أجلها ولا تكون المصلحة غير مشروعة إذا كان تحقيقها يخالف حكماً من أحكام القانون فحسب وإنما يتصل بها هذا الوصف أيضاً إذا كان تحقيقها يتعارض مع النظام العام أو الآداب، وإذا كان المعيار في هذه الحالة مادياً في ظاهره إلا أن النية كثيراً ما تكون العلة الأساسية لنفي صفة المشروعية عن المصلحة وأبرز تطبيقات هذا المعيار يعرض بمناسبة إساءة الحكومة لسلطاتها کفصل الموظفين إرضاء لغرض شخصي أو شهوة حزبية ( استئناف مصر الدوائر المجتمعة أول مارس 1928 المحاماة س 8 ص 750) وأحكام الشريعة الإسلامية في هذا الصدد تتفق مع ما استقر عليه الرأي في التقنيات الحديثة والفقه والقضاء .
(ب) والثانية حالة استعمال الحق ابتغاء تحقيق مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها والمعيار في هذه الحالة مادی ولكنه كثيراً ما يتخذ قرينة على توافر نية الإضرار بالغير ، ويساير الفقه الإسلامي في أخذه بهذا المعيار اتجاه الفقه والقضاء في مصر وفي الدول الغربية على حد سواء.
(ج) والثالثة حالة استعمال الحق استعمالاً من شأنه أن يعطل استعال حقوق تتعارض معه تعطیلاً يحول دون استعمالها على الوجه المألوف والمعيار في هذه الحالة مادي ، وإذا كان الفقه الغربي لا يؤكد استقلال هذا المعيار إذ يلحقه معیار انتفاء صفة المشروعية عن المصلحة أو يجعل منه صورة لمجاوزة حدود الحق يطلق عليه اسم الإفراط إلا أن الفقه الإسلامي يخصه بكيان مستقل . والقضاء في مصر أميل إلى الأخذ بمذهب الفقه الإسلامي ( العطارين الجزئية 21 أكتوبر سنة 1929 المحاماة س 10 ص 783 واستئناف مختلط 11 ديسمبر سنة 1930 ب 43 ص 78) وكانت المجلة قد قننت هذا الفقه فقضت في المادة 1198 بأن كل أحد له التعالى على حائط الملك وبناء مايريد وليس لجاره منعه ما لم يكن ضرره فاحشاً، وعرفت الضرر الفاحش في المادة 1199 بأنه . كل ما يمنع الحوائج الأصلية يعني المنفعة الأصلية المقصودة من البناء السكني أو يضر بالبناء أى يجلب له وهنا ويكون سبب انهدامه، وعقبت على ذلك بتطبيقات مختلفة في المواد من 1200 إلى 1212، وقد جرى القضاء المصري منذ عهد بعيد على الأخذ بهذه المبادىء ولا سيما فيما يتعلق بصلات الجوار فقضت محكمة الاستئناف المختلطة في 30 أبريل سنة 1903 بأن « الملكية الفردية أيا كانت سعة نطاقها تتقيد بواجب الامتناع عن إلحاق أي ضرر جسيم بالجار ..... ويدخل في ذلك كل فعل يمنع الجار من تحصيل المنافع الرئيسية من ملكه ، وتواترت الأحكام بعد ذلك على تقرير المبادئ ذاتها.
8- وعلى هذا النحو وضع المشروع دستوراً لمباشرة الحقوق ألف فيه بين ما استقر من المبادىء في الشريعة الإسلامية وبين ما انتهى إليه الفقه الحديث في نظرية التعسف في استعمال الحق ولكن دون أن يتقيد كل التقيد بمذاهب هذا الفقه وبذلك أتيح له أن يمكن للنزعة الأخلاقية والنزعات الاجتماعية الحديثة وأن يصل بين نصوصه و بين الفقه الإسلامي في أرقى نواحيه و أحفلها بعناصر المرونة والحياة.
1 ـ يدل نص المادة الخامسة من القانون المدنى على أن مناط التعسف فى استعمال الحق الذى يجعله محظوراً باعتباره إستعمالا غير مشروع له هو تحقق إحدى الصور المحددة على سبيل الحصر فى المادة الخامسة سالفة الذكر و التى تدور كلها حول قصد صاحب الحق من استعماله لحقه أو مدى أهمية أو مشروعية المصالح التى يهدف إلى تحقيقها و ذلك دون نظر إلى مسلك خصمه إزاء هذا الحق ، و إذ كان دفاع الطاعن لدى محكمة الإستئناف قد قام على تعسف المطعون ضدها فى طلبها طرده من الأرض محل النزاع - و هى شريط ضيق يخترق أرضه - و إزالة ما عليها من بناء على سند من أنها لم تبغ من دعواها سوى الإضرار به و أن مصلحتها فى إسترداد هذه الأرض - إن توافرت - قليلة الأهمية بالنسبة للأضرار التى تلحق به من جراء إزالة ما أقامه عليها من بناء ، فإن الحكم المطعون فيه إذ إلتفت عن هذا الدفاع لمجرد القول بأن الطاعن استولى بغير حق على أرض المطعون ضدها و أقام بناء عليها يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 1244 لسنة 54 جلسة 1985/04/04 س 36 ع 1 ص 545 ق 114)
2 ـ مؤدى المادة الخامسة من القانون المدنى أن المشرع إعتبر نظرية إساءة إستعمال الحق من المبادىء الأساسية التى تنظم جميع نواحى و فروع القانون و التعسف فى إستعمال الحق لا يخرج عن إحدى صورتين إما بالخروج عن حدود الرخصة أو الخروج عن صورة الحق ، ففى إستعمال الحقوق كما فى إتيان الرخص يجب ألا ينحرف صاحب الحق عن السلوك المألوف للشخص العادى ، و تقدير التعسف و الغلو فى إستعمال المالك لحقه - و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو من إطلاقات محكمة الموضوع متروك لتقديرها تستخلصه من ظروف الدعوى و ملابساتها دون معقب عليها من ذلك لمحكمة النقض متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة كافية لحمله و مؤدية إلى النتيجة التى إنتهت إليها ، و إذ إستخلص الحكم فى حدود سلطته التقديرية أن المصلحة التى يرمى الطاعن إلى تحقيقها إستعمالاً لحقه المخول له بمقتضى المادة 24 من القانون 52 لسنة 1969 بزيادة عدد الوحدات السكنية فى المبنى المؤجر بالإضافة أو التعلية - مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب مع ما يصيب المطعون عليه - المستأجر من عيوب بسببها فإنه يكون قد طبق صحيح القانون .
(الطعن رقم 22 لسنة 46 جلسة 1981/04/25 س 32 ع 1 ص 1257 ق 231)
3 ـ النص فى المادتين 579 ، 580 من القانون المدنى على إلتزام المستأجر بإستعمال العين المؤجرة على النحو المتفق عليه ، و بألا يحدث بها تغييرات بدون إذن المؤجر ، يدل على أن المستأجر يلتزم بإستعمال العين المؤجرة فى الغرض الذى أجرت من أجله ، فإن تحدد هذا الإستعمال فى العقد وجب على المستأجر أن يقتصر عليه ، و ألا يعمد إلى تغييره إلا بعد حصوله على إذن من المؤجر ، كذلك يمتنع على المستأجر إجراء أى تغيير مادى بالعين المؤجرة كالهدم و البناء إلا بإذن المؤجر ، إلا أنه يستثنى من ذلك حالة التغيير بنوعيه المادى و المعنوى ، و الذى لا يترتب عليه ضرر للمؤجر ، فتنتفى عندئذ حكمة التقييد و يصبح التغيير جائزاً . و لا يغير من ذلك أن يتضمن عقد الإيجار حظراً صريحاً للتغيير بكافة صوره ، لأن تمسك المؤجر بهذا النص المانع رغم ثبوت إنتفاء الضرر يجعله متعسفا فى إستعمال حقه فى طلب الفسخ تطبيقا لحكم الفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون المدنى التى تنص على أن يكون إستعمال الحق غير مشروع فى الأحوال الآتية : 1- إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير . و إذ إنتهى الحكم المطعون فيه إلى أن التغيير المادى و المعنوى ثابت من تقرير الخبير لأن الطاعن أقام حجرتين بالعين المؤجرة بغير إذن من المطعون ضده و إستعمل إحداهما كمحل لبيع الأدوات المنزلية و الأخرى كمكتب مخالفاً لما إتفق عليه فى العقد من إستعمال العين المؤجرة كمخزن للحديد و الخردة فإنه يكون قد أسس قضاءه بالإخلاء على مجرد حصول التغيير المادى و المعنوى .
(الطعن رقم 1710 لسنة 52 جلسة 1983/04/28 س 34 ع 1 ص 1067 ق 214)
4 ـ إذ كان مفاد الإتفاق - فى عقد البدل - هو تقرير حق إرتفاق سلبى بعدم المطل على ملك المطعون عليهم ، و هو أمر لا مخالفة فيه للقانون ، و كان الحكم المطعون فيه فى خصوص الرد على دفاع الطاعنتين بأن هذا الشرط تعسفى قد عرض للحالات الثلاث التى أوردتها المادة الخامسة من القانون المدنى و قرر إنها غير متوافرة فى الدعوى لأن المصلحة المقصودة من هذا الشرط مشروعة و لم يثبت من الأوراق أن المطعون عليهم قصدوا إلى مجرد الإضرار بالطاعنتين ، بل الثابت أن المصالح التى يرجون تحقيقها مصالح أدبيه جوهرية حرصوا على النص عليها صراحة بما لا يدع مجالاً للقول بأنها قليلة الأهمية بالنسبة لما يصيب الطاعنتين من ضرر بسببها ، و إذا يتضح مما سلف أن المحكمة فى حدود سلطتها التقديرية أطرحت بأسباب سائغة لها أصلها الثابت فى الأوراق ما تمسكت به الطاعنتان من أن الشرط المشار إليه تعسفى ، فإن النعى يكون غير سديد .
(الطعن رقم 724 لسنة 42 جلسة 1977/05/10 س 28 ع 1 ص 1158 ق 199)
5 ـ من المسلم به أن هدف كل القواعد القانونية هو حماية المصالح المشروعة سواء كانت مصالح عامة أو مصالح فردية بحيث يستحيل تطبيق النصوص التشريعية أو حتى فهمها أو تفسيرها دون معرفة المصلحة التي تحميها ، وبات من المستقر أنه يشترط لصحة أي قرار إداري أو عقد أو التزام إداري أن يكون له سببا مشروعا وأن يستهدف تحقيق غاية مشروعة ولذلك نصت المادة الثالثة من قانون المرافعات على إنه "لا يقبل أي طلب أو دفع لا يكون لصاحبه فيه مصلحة قائمة يقرها القانون" فدل النص بعبارته الصريحة على أن القضاء لم يشرع أصلا إلا لحماية مصالح المحتكمين إليه طلبا أو دفعا بترجيح إحدى المصلحتين على الأخرى وأن كل ما لا يحقق مصلحة قائمة يقرها القانون غير جدير بالحماية القضائية ، وكذلك نصت المادة الخامسة من القانون المدني على أن استعمال الحقوق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير أو كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية أو غير مشروعة ، فدلت بعبارة صريحة أن الحقوق نفسها قد شرعت لتحقيق مصالح إن تنكبتها بات استعمال الحق غير مشروع .
(الطعن رقم 1193 لسنة 69 جلسة 2001/04/30 س 52 ع 1 ص 614 ق 127)
6 ـ العبرة فى سلامة قرار الفصل وفيما اذا كان صاحب العمل قد تعسف فى فصل العامل اولم يتعسف هى وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة بالظروف والملابسات التى كانت محيطة به وقت الفسخ لابعده .
(الطعن رقم 1157 لسنة 51 جلسة 1981/12/28 س 32 ع 2 ص 2465 ق 449)
7 ـ الأصل بحكم المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني فى ضوء ما جاء بالأعمال التحضيرية أن المشرع أعطى للقاضي سلطة تقديرية واسعة ليراقب استعمال الخصوم لحقوقهم وفقاً للغاية التي استهدفها المشرع منها حتى لا يتعسفوا فى استعمالها ، كما حرص المشرع على تأكيد السلطة التقديرية للقاضي فى حالة فسخ العقود ونص صراحة فى الفقرة الأولى من المادة 148 من القانون على أن "يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية " وفى الفقرة الثانية من المادة 157 من ذات القانون على أنه "يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك كما يجوز له أن يرفض طلب الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة للالتزام فى جملته " وهو ما هو لازمه انه كلما أثير أمام محكمة الموضوع دفاع يتضمن أن المؤجر متعسف فى استعمال حقه بطلب الإخلاء تعين على المحكمة أن تمحصه وتضمن حكمها ما ينبئ عن تمحيصها لهذا الدفاع وإنها بحثت ظروف الدعوى وملابساتها ، وما إذا كانت هذه الظروف والملابسات تبرر طلب الإخلاء فى ضوء ما يجب توافره من حسن نية فى تنفيذ العقود .
(الطعن رقم 8388 لسنة 64 جلسة 2000/05/08 س 51 ع 2 ص 645 ق 118)
8 ـ المقرر طبقاً للمادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن من إستعمل حقه إستعمالاً مشروعاً لا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر، وأن إستعمال الحق يكون غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، وهو ما لا يتحقق إلا بإنتفاء كل مصلحة من إستعمال الحق.
(الطعن رقم 4464 لسنة 68 جلسة 1999/05/04 س 50 ع 1 ص 625 ق 123)
(الطعن رقم 5736 لسنة 72 جلسة 2004/05/26 س 55 ع 1 ص 570 ق 105)
(الطعن رقم 2633 لسنة 72 جلسة 2003/04/22 س 54 ع 1 ص 715 ق 122)
(الطعن رقم 18249 لسنة 76 جلسة 2008/04/13 س 59 ص 430 ق 77)
9 ـ إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن البند الثامن من عقد الإيجار الأصلى المبرم بين المطعون عليه الأول و المستأجرة الأصلية نص على عدم التأجير للغير ، و كان شرط الحصول على رضا المؤجر بالتأجير من الباطن للحق بالشرط المانع المطلق فى الأثر فلا يستطيع المستأجر إلا أن يصدع به دون أن يملك مناقشة الأسباب التى جعلت المؤجر عليه ، طالما أجاز المشرع الشرط المانع مطلقا أو مقيدا فلا محل القول بأن المؤجر يتعسف فى استعمال حقه إذا تمسك بشرط يجيزه القانون و ارتضاه المستأجر المتعاقد معه و الذى لا يخوله حقه الشخصى فى المنفعة أو أكثر مما اتفق عليه مع المؤجر له ، و يكون لا محل للقول بتعسف المؤجر فى إستعمال حقه حتى قام سبب تمسكه بالشرط المانع .
(الطعن رقم 1385 لسنة 47 جلسة 1979/06/06 س 30 ع 2 ص 564 ق 291)
10 ـ المقرر - فى قضاء محكمة النقض - أنه لا جناح على من يستعمل حقاً استعمالاً مشروعاً , فلا يكون مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره - وعلى ما أفصحت عنه المادة الرابعة من القانون المدنى - وما أورده نص المادة التالى لها من قيد على هذا الأصل- إعمالاً لنظرية إساءة استعمال الحق متمثلاً فى أحد معايير ثلاثة يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الإضرار , سواء فى صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق فى استعماله , أو فى صورة استهانة بما يحيق بذلك الغير من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير يجنيه صاحب الحق بحيث لا يكاد يلحقه ضرر من الاستغناء عنه , ومن المقرر أن معيار المصلحة المبتغاة فى هذه الصورة الأخيرة ومن الضرر الواقع هو معيار مادى قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر إعمالاً لاعتبارات العدالة القائمة على التوازن بين الحق والواجب .
(الطعن رقم 253 لسنة 74 جلسة 2012/12/25 س 63 ص 1210 ق 195)
تلك هي نظرية التعسف في استعمال الحق، وقد أورد المشرع على سبيل الحصر صور هذا التعسف وهي قصد الإضرار بالغير، تفاهة المصلحة التي يرمي إليها صاحب الحق عند استعماله لحقه بالنظر إلى الأضرار التي تلحق بغيره بسبب هذا الاستعمال، وأخيراً عدم مشروعية المصلحة أو المصالح التي يرمي إليها صاحب الحق، ويتعين على المضرور أن يثبت إحدى هذه الصور كي يوقع صاحب الحق تحت طائلة المسئولية، فلا يكفي المضرور إثبات ما لحقه من ضرر مهما كان كبيراً وإنما يجب أن يكون هذا الضرر مقصوداً لذاته من صاحب الحق أو أن يكون غير متناسب البتة مع ما لحق بصاحب الحق من مصالح أو أن يكون ناشئاً ومتخلفاً عن قيام صاحب الحق بالسعي إلى تحقيق مصالح غير مشروعة، ولصاحب الحق نفي هذه المسئولية إذا نفى عن نفسه قصد الإضرار بالغير، أو أثبت لنفسه مصالح جمة من وراء استعماله لحقه تعدل أو تزيد عن الضرر الذي أصاب غيره أو على الأقل تكسر حدة عدم التناسب بين الضرر والمصلحة، أو إذا أثبت مشروعية المصالح التي يرمي إليها في استعماله لحق. (مركز الراية للدراسات القانونية).
وفيما يلي أقوال الفقهاء والخبراء في شرح هذه المادة:
ويلاحظ بادئ الأمر أن القانون المدني الجديد، إذا كان قد آثر أن يضع هذه النصوص في الباب التمهيدي لتكون مبدأ من المبادئ الجوهرية التي تسود جميع نواحي القانون، لم يرد بذلك أن يقيم المبدأ على غير أساسه القانوني. فالتعسف في استعمال الحق ليس إلا صورة من صورتي الخطأ التقصيري على النحو الذي قدمناه ، فيدخل بهذا الاعتبار في نطاق المسئولية التقصيرية.
فالأساس القانوني لنظرية التعسف في استعمال الحق ليس هو إذن إلا المسئولية التقصيرية . إذ التعسف في استعمال الحق خطأ يوجب التعويض والتعويض هنا، كالتعويض عن الخطأ في صورته الأخرى وهي صورة الخروج عن حدود الحق أو عن حدود الرخصة، يجوز أن يكون نقداً كما يجوز أن يكون عيناً وليس التعويض العيني – كالقضاء بهدم المدخنة التي تحجب النور عن الجار – بمخرجه عن نطاق المسئولية التقصيرية، فإن التعويض العيني جائز في الصورة الأخرى من الخطأ كما سنرى ولا نحن في حاجة إلى القول بأساس مستقل للتعسف في استعمال الحق يتميز به عن المسئولية التقصيرية – كما ذهب بعض الفقهاء إلى ذلك – إذا نحن سلمنا بجواز الحكم بتهديد مالي في شأنه، فإن التهديد المالي جائز في الالتزام الناشئ عن المسئولية التقصيرية جوازه في أي التزام آخر.
ويبقى التعسف داخلاً في نطاق المسئولية التقصيرية حتى لو كان تعسفاً متصلاً بالتعاقد فالمؤجر الذي يتمسك بالشرط المانع من الإيجار من الباطن تعسفاً منه تتحقق مسئوليته التقصيرية ويكون مسئولاً مسئولية تقصيرية كذلك من تعسف في إنهاء عقد جعل له الحق في إنهائه ، كعقد العمل أو عقد الشركة إذا لم تحدد المدة فيهما وكعقد الوكالة.
فما هو إذن المعيار الذي يصلح اتخاذه لنظرية التعسف في استعمال الحق؟ هو دون شك المعيار عينه الذي وضع للخطأ التقصيري، إذ التعسف ليس إلا إحدى صورتيه كما قدمنا ففي استعمال الحقوق كما في إتيان الرخص يجب ألا ينحرف صاحب الحق عن السلوك المألوف للشخص العادي فإذا هو انحرف – حتى لو لم يخرج عن حدود الحق – عد انحرافه خطأ يحقق مسئوليته.
غير أن الانحراف هنا لا يعتد به إلا إذا اتخذ صورة من الصور التي عددها نص القانون الجديد : 1 ) قصد الإضرار بالغير . 2 ) رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً . 3 ) تحقيق مصلحة غير مشروعة.
ونبحث الآن هذه الصور واحدة بعد الأخرى .
قصد الإضرار بالغير: المعيار هنا ، على الرغم من ذاتيته ، يمكن أن يندرج في المعيار الموضوعي العام للخطأ . فإنه لا يكفي أن يقصد صاحب الحق الإضرار بالغير، بل يجب فوق ذلك أن يكون استعماله لحقه على هذا النحو مما يعتبر انحرافاً عن السلوك المألوف للشخص العادي فقد يقصد شخص وهو يستعمل حقه أن يضر بغيره ، ولكن لتحقيق مصلحة مشروعة لنفسه ترجح رجحاناً كبيراً على الضرر الذي يلحقه بالغير فقصد الإضرار بالغير في هذه الحالة لا يعتبر تعسفاً، إذ أن صاحب الحق بهذا التصرف ينحرف عن السلوك المألوف للشخص العادي أما إذا كان قصد إحداث الضرر هو العامل الأصلي الذي غلب عند صاحب الحق وهو يستعمل حقه للإضرار بالغير، اعتبر هذا تعسفاً، ولو كان هذا القصد مصحوباً بنية جلب المنفعة كعامل ثانوي، سواء تحققت هذه المنفعة أو لم تتحقق ويكون تعسفاً، من باب أولى، قصد إحداث الضرر غير المقترن بنية جلب المنفعة حتى لو تحققت هذه المنفعة عن طريق عرضي، فلو أن شخصاً غرس أشجاراً في أرضه بقصد حجب النور عن جاره، كان متعسفاً في استعمال حق الملكية حتى لو تبين فيما بعد أن هذه الأشجار قد عادت على الأرض بالنفع.
ويجب أن يثبت المضرور أن صاحب الحق وهو يستعمل حقه قصد إلى إلحاق الضرر به . ويثبت هذا القصد بجميع طرق الإثبات، ومنها القرائن المادية ولا يكفي إثبات أن صاحب الحق تصور احتمال وقوع الضرر من جراء استعماله لحقه على الوجه الذي اختاره، فإن تصور احتمال وقوع الضرر لا يفيد ضرورة القصد في إحداثه.
بقى أن نعالج فرضاً كثير الوقوع في العمل، هو ألا يقوم دليل قاطع على وجود القصد في إحداث الضرر، ولكن الضرر مع ذلك ويتبين أن صاحب الحق لم تكن له أية مصلحة في استعمال حقه على الوجه الذي أضر فيه بالغير ونرى أن انعدام المصلحة هنا انعداماً تاماً قرينة على قصد إحداث الضرر، كما يدل الخطأ الجسيم على سوء النية . ولكن هذه القرينة قابلة لإثبات العكس.
رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً : المعيار هنا موضوعي وهو محض تطبيق للمعيار الرئيسي في الخطأ، معيار السلوك المألوف للرجل العادي فليس من المألوف أن الرجل العادي يستعمل حقاً على وجه يضر بالغير ضرراً بليغاً ولا يكون له في ذلك إلا مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب البتة مع هذا الضرر ويكون استعمال الشخص لحقه تعسفاً، على حد ما جاء في النص، " إذا كانت المصالح التي يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها " نقول ليس من السلوك المألوف للشخص العادي أن يفعل ذلك . ومن يفعل، فهو إما عابث مستهتر لا يبالي بما يصيب الناس من ضرر بليغ لقاء منفعة ضئيلة يصيبها لنفسه، وإما منوط على نية خفية يضمر الإضرار بالغير تحت ستار من مصلحة غير جدية أو مصلحة محدودة الأهمية يتظاهر أنه يسعى لها وفي الحالين قد انحرف عن السلوك المألوف للشخص العادي ، وارتكب خطأ يوجب مسئوليته وقد طبق المشرع هذا المعيار ، إذ جاء في الفقرة الثانية من المادة 818 من القانون المدني الجديد ما يأتي : " ومع ذلك فليس لمالك الحائط أن يهدمه مختاراً دون عذر قوي إن كان هذا يضر الجار الذي يستتر ملكه بالحائط " .
عدم مشروعية المصالح التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها: والمعيار هنا هو أيضاً موضوعي ، وإن كان طريق الوصول إليه عاملاً ذاتياً هو نية صاحب الحق . وهو على كل حال تطبيق سليم لمعيار الخطأ . فليس من السلوك المألوف للشخص العادي أن يسعى تحت ستار أنه يستعمل حقاً له إلى تحقيق مصالح غير مشروعة . فرب العمل الذي يستعمل حقه في فصل عامل لأن التحق بنقابة من نقابات العمال ، والإدارة التي تفصل موظفاً إرضاء لغرض شخصي أو لشهوة حزبية ، والمالك الذي يضع أسلاكاً شائكة في حدود ملكه حتى يفرض على شركة طيران تهبط طائراتها في أرض مجاورة أن تشتري منه أرضه بثمن مرتفع ، ومؤجر العقار الذي يمتنع من الترخيص في الإيجار من الباطن لمشتري المصنع الذي أقيم على العقار بعد أن اقتضت الضرورة أن يبيع المستأجر هذا المصنع وذلك لا توقياً لضرر بل سعياً وراء كسب غير مشروع يجنيه من المشتري، كل هؤلاء يتعسفون في استعمال حقوقهم ، لأنهم يرمون من وراء استعمالها إلى تحقيق مصالح غير مشروعة .
وقد آثر القانون الجديد هذا المعيار على معيارين آخرين شائعين في الفقه، أحدهما معيار الغرض غير المشروع، والثاني معيار الهدف الاجتماعي.
أما معيار الغرض غير المشروع فيتلخص في أن صاحب الحق يكون متعسفاً في استعمال حقه إذا كان الغرض الذي يرمي إليه غرضاً غير مشروع . وظاهر أن معيار " المصلحة غير المشروعة " خير من معيار " الغرض غير المشروع " . وإذا كان كلاهما يؤدي إلى نتيجة واحدة ، فإن معيار " المصلحة غير المشروعة " هو تعبير موضوعي عن المعنى الذاتي الذي ينطوي عليه معيار " الغرض غير المشروع " . فهو إذن أدق من ناحية الانضباط وأسهل من ناحية التطبيق .
ومعيار الهدف الاجتماعي يتلخص في أن الحقوق أعطاها القانون لأصحابها لتحقيق أهداف اجتماعية . فكل حق له هدف اجتماعي معين . فإذا انحرف صاحب الحق في استعمال حقه عن هذا الهدف ، كان متعسفاً وحقت مسئوليته وعيب هذا المعيار ، بالرغم من كونه موضوعياً، هو صعوبة تحديد الهدف الاجتماعي لكل حق من الحقوق ، ثم خطر هذا التحديد أما صعوبة التحديد فلأنه ليس من اليسير أن يرسم لكل حق هدف اجتماعي أو اقتصادي يكون منضبطاً إلى الحد الذي يؤمن معه التحكم ويتقي به تشعب الآراء وأما خطر التحديد فلأن الهدف الاجتماعي هو الباب الذي ينفتح على مصراعيه لتدخل منه الاعتبارات السياسية والنزعات الاجتماعية والمذاهب المختلفة، مما يجعل استعمال الحقوق خاضعاً لوجهات من النظر متشعبة متباينة، وفي هذا من الخطر ما فيه . أما معيار " المصلحة غير المشروعة " فهو أبعد عن التحكم ، وأدنى إلى الاعتبارات القانونية المألوفة. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول المجلد/ الثاني الصفحة/ 1179).
ومعيار التعسف في استعمال الحق هو ذات معيار الخطأ التقصيري، إذا التعسف صورة من هذا الخطأ ، فيجب ألا ينحرف صاحب الحق عن السلوك المألوف للشخص العادي، فإذا هو انحرف - حتى لو لم يخرج عن حدود الحق - عد انحرافه خطأ يحقق مسئوليته.
المعيار الأول: قصد الإضرار بالغير.
أول هذه المعايير هو معیار استعمال الحق دون أن يقصد من ذلك سوى الإضرار بالغير.
وهذا معیار ذاتی استقر الفقه الإسلامي والفقه الغربي والقضاء على الأخذ به.
وتتوافر نية الإضرار ولو أفضى استعمال الحق إلى تحصيل منفعة غير مقصودة لصاحبه أو منفعة تافهة.
فهذا الميعار يبحث عنه في ضمير الشخص، ولكن يمكن أن يستدل عليه بمسلك الشخص الخارجي. فيستطيع القاضي أخذاً بالقرائن القضائية أن يستنبط من هذا المسلك الخارجي توافر قصد الإضرار بالغير لدى من يتذرع باستعمال الحق استعمالاً مشروعاً. ومن أهم هذه القرائن انعدام كل مصلحة أو تحقق مصلحة ضئيلة غير مقصودة لصاحب الحق في استعماله على الوجه الذي جعله يسبب ضرراً للغير متى كان صاحب الحق على بينة من ذلك إذ يستنبط من ذلك أنه إنما استعمله بقصد الإضرار بالغير.
ومن أمثلة ذلك: التعسف فى حق التقاضى :
حق الادعاء أمام القضاء ليس على إطلاقه. إنما هو مقيد بوجود مصلحة مشروعة جدية ومشروعة، فيعتبر تعسفاً ذلك الادعاء الذي لا يستند إلى هذه المصلحة وإنما كان وليد نزعة شريرة أو كان بسوء نية أو بقصد النكاية أو بخطأ جسيم يتساوى والغش بل إن مجرد الرغبة في المشاكسة أو الاجتراء الظاهر فی الادعاء، أو ذلك الادعاء غير المعقول، إنما يكفي لوجوب التعويض، وحتى الرعونة أو مجرد الخفة في الادعاء يوجب المساءلة. وكذلك يعتبر متعسفاً من يرفع عدة دعاوى لإشباع ضغنه العائلي، والذي يعلن بعض أقارب زوجته بعدة دعاوى لمضايقتهم باستمرارها سنوات عديدة وذلك لشدة حقده عليهم.
ومن يرفع دعوى ينسب فيها إلى كاتب العقود تقصيراً، على غير أساس مقبول وبغير ترو. والذي يرفع دعواه أمام محكمة غير مختصة وهو يعرف ذلك، بقصد أن يتجشم مدينه متاعب الانتقال. ومن يختار عمداً من بين الطرق القانونية المواتية له، ما يضر بالغير، ومن غير أي فائدة يجتنيها، ومن يبني دعواه على وقائع غير صحيحة.
فيعتبر متعسفاً في حق الدفاع المدعى عليه الذي ينسب إلى المدعية سوء السيرة فيما أبدى من دفاع في دعوى مطالبته بتعويضات عن فسخ خطبتها، حتى ولو حكم برفض دعوى هذه المدعية. أو من ينسب إلى خصمه في سبيل كسب الدعوى، أموراً كاذبة أو وقائع تضايقه وتنال منه. أو أن يفشي بقصد التشهير خصوصيات خصمه. أو أن يقدم تدليلاً عليها مكاتيب وهي لا صلة لها بالدعوى. ومن يقيم دفاعه على غلط جسيم يمكن اعتباره موازياً للغش.
وإنكار الدعوى في الأصل حق مشروع، أما إذا أساء المدعى عليه استعمال هذا الحق بالتمادي في الإنكار أو بالتغالي فيه أو بالتحيل به ابتغاء مضارة خصمه، فإن هذا الحق ينقلب إلى مخبثة، تجيز للمحكمة طبقاً للمادة 188 مرافعات الحكم عليه بالتعويضات مقابل المصاريف التي تحملها خصمه بسوء فعله.
المعيار الثاني: رجحان الضرر على المصلحة رجحاناً كبيراً :
عبر النص عن هذا المعيار بقوله:
"إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها " فالمعيار هنا موضوعی، فهو ليس إلا تطبيقاً للمعيار الرئيسي للخطأ، معيار السلوك المألوف للرجل العادي. فليس من المألوف أن الرجل العادي يستعمل حقه على وجه يضر بالغير ضرراً بليغاً ولايكون له في ذلك إلا مصلحة قليلة الأهمية لا تتناسب البتة مع هذا الضرر.
المعيار الثالث: تحقيق مصلحة غير مشروعة:
إذا استعمل الشخص حقه لا لمجرد الإضرار بالغير، بل لمصلحة شخصية تتناسب مع الضرر الذي يسببه للغير، فإن ذلك لا يكفي لنفي إساءة استعمال الحق إذا كانت المصلحة التي رمي إليها مصلحة غير مشروعة. وذلك لأن الحقوق إنما تقررت لأصحابها ليحققوا بها مصالح يحميها القانون (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الأول الصفحة/ 228 ).
التعسف في استعمال الحق مناطه خروج هذا الاستعمال عن الغاية من الحق ، وإن كانت الغاية من الحق هي المصلحة، فلازم ذلك أن تكون المصلحة هي معيار التعسف، ومن ثم يمكن القول بأن معيار التعسف يتمثل في المصلحة الجادة المشروعة.
وإذا كان المقصود بالمصلحة بصفة عامة هو جلب منفعة أو دفع مضرة غير انه يتعين أن ينظر إليها من خلال الغاية من إقرار الحق أي من خلال ما استهدفه المشرع من ذلك، وهذا النظر يستلزم عدم الاقتصار على مظهرها الشخصي وهو ما يستهدف صاحب الحق تحقيقه من مزايا من وراء استعماله، بل يتعين أن يعتد كذلك بمظهرها الموضوعي وهو ما تحقق فعلاً من وراء هذا الاستعمال من منفعة أو فائدة سواء علم بها الشخص أو لم يعلم، قصدها أم لم يقصد .
وإذا كان هذا النظر يوجب أن تبتعد المصلحة المقصودة عن الهوى الشخصي لصاحب الحق، فإنه يشترط للاعتداد بالمصلحة التي تنفي عن استعمال الحق شبهة التعسف، أن يتوافر فيه شرطان : أولهما : أن تكون مصلحة جدية أي مصلحة هامة ذات قيمة سواء كانت مصلحة قانونية او اقتصادية ، ويرجع في تقدير جدية المصلحة ای تقييم أهميتها وقيمتها، إلى الموازنة بينها وبين الأضرار التي تصيب الغير من جراء استعمال الحق، وإذا كانت هذه الأضرار تتمخض عن النيل من مصالح هذا الغير فإن تقدير جدية المصلحة مناط التعسف إنما تكون بالموازنة بينها وبين المصالح المتعارضة، فإن غلبت مصلحة صاحب الحق انتفت عن استعماله شبهة التعسف ولو كانت هذه المصلحة غير مقصودة منه، أما اذا تبين أن المصلحة التي تغياها من وراء استعمال حقه أو التي تحققت بالفعل نتيجة هذا الاستعمال هي مصلحة تافهة ، بالمقارنة الى جسامة الضرر الذي لحق بالغير من جراء هذا الاستعمال ای بالنظر الى أهمية مصالح هذا الغير التي نالها الضرر فإنه يكون هناك تعسف في استعمال الحق . واذا كان أمر هذه الموازنة متروكاً للقضاء بطبيعة الحال إلا أنه يجب على القاضي أن يستلهم روح التشريع وغايته دون أن يخضع لإحساسه الذاتی أو اعتقاده الشخصي وعليه أن يستهدى في هذا الصدد بما جاء في الفقه وخاصة الفقه الإسلامي بحسبانه مصدر النصوص التشريعية الخاصة بنظرية التعسف في استعمال الحق - من تقسيم للمصالح وتحديد لمراتبها، وثانيهما : أن تكون مصلحة مشروعة ويقصد بذلك من ناحية عدم مخالفتها للقانون أي القاعدة القانونية التي اقرت الحق او للغاية التي استهدفها من اقراره ، كما يقصد به من جهة اخرى عدم مخالفتها للنظام العام أو للآداب العامة إذ أن الغاية في القانون لا تبرر الوسيلة بل هي تحددها وتعتبر قيدا عليها.
أورد المشرع للتعسف صوراً ثلاثة، وقد رأى البعض أن هذه الصور وردت على سبيل الحصر بحيث لا يعد الانحراف في استعمال الحق تعسفاً إلا إذا اتخذ إحدى الصور الثلاث ( السنهوري ص 843).
أولاً : الاستعمال بقصد الإضرار :
إذا كان المشرع يأخذ في هذه الصورة بمعيار ذاتي قوامه توافر نية الأضرار بالغير إلا أنه بالنظر إلى صعوبة إثبات هذه النية، بما انعقد معه الإجماع على استخلاصه من انتفاء أية مصلحة لصاحب الحق من جراء استعماله الاستعمال الضار بالغير، فقد تمخض ذلك المعيار الذاتي الى معيار موضوعي هو غيبة المصلحة.
ولا تتوافر هذه الصورة إلا إذا كان قصد الإضرار هو القصد الوحيد، فإن كان لصاحبه قصد آخر كقصد تحقيق مصلحة لصاحب الحق امتنع اعتبار الاستعمال تعسفياً وفقا لهذه الصورة وإن كان ذلك لا يمنع من اعتباره كذلك وفقاً للصورتين الثانية أو الثالثة كما لو انتفى التناسب بين المصلحة المقصودة والضرر المحقق أو كانت المصلحة غير مشروعة .
ثانياً : عدم التناسب بين المصلحة والضرر:
يأخذ المشرع في هذه الصورة بمعيار موضوعي قوامه انتفاء التناسب بين المصلحة من جراء استعمال الحق وبين الضرر الذي يتسبب فيه هذا الاستعمال بحيث يفوق هذا الضرر تلك المصلحة ( السنهوري بند 561 - کیره بند 408 ) ، ويكون إعمال هذه الصورة عن طريق الموازنة بين المصالح المتعارضة، وإن كان الأصل اقرار حق صاحب الحق في استعماله فإنه يتعين أن يبلغ الضرر الذي يصيب الغير من جراء ذلك الاستعمال حداً معينة من الجسامة يبرر حرمان صاحب الحق من استعماله . فاذا اتضح من الموازنة رجحان الضرر كان الاستعمال تعسفيا، وأن اتضح رجحان مصلحة صاحب الحق انتفى التعسف عن استعماله له ولو ترتب من جراء هذا الاستعمال ضرر للغير، أما إذا تساوت المصلحتان انتفى التعسف كذلك لأن الضرر لا يدفع بضرر مثله حسبما هو مقرر في الفقه الإسلامي الذي يعتبر مصدراً للنص (شوقی بند 277) . ومن تطبيقات هذه الصورة أن يختار صاحب الحق من بين صور استعماله والتي تحقق له نفس المصلحة الصورة الأكثر إضراراً بالغير (كيره بند 408) ومن تطبيقاته كذلك أحكام المواد 695/2 و 818 و 928 و 1209 فيراجع التعليق عليها .
ولعل لفظ " البتة " الذي أضافته لجنة المراجعة إلى عبارة البند الثاني، حيث كان نص المشروع خالياً منه، يكشف عن أنه لا يكفي مطلق عدم التناسب بمجرد زيادة أهمية الضرر الناجم عن استعمال الحق على أهمية المصلحة التي يحققها هذا الاستعمال لصاحب الحق، وإنما يلزم أن يكون عدم التناسب بين أي جسيمة أو فاحشاً حيث يصف عدم التناسب بأنه فاحش ، .
ويستعان في الموازنة بين المصالح المتعارضة بالقواعد التي حفل بها الفقه الإسلامي وتقسيماته للحقوق التي أشرنا إليها من قبل.
ومعيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون نظر الى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسراً أو عسراً إذ لا تنبع فكرة إساءة إستعمال الحق من الإعتبارات الإنسانية أو دواعي الشفقة وإنما من إعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب.
ثالثاً : عدم مشروعية المصلحة :
ويقصد بذلك مخالفتها للقانون، أو مخالفتها للنظام العام والآداب وتتميز المصلحة غير المشروعة عن الغرض غير المشروع في أن الأخير ينطوي على معيار ذاتي يعتد بما يستهدف صاحب الحق تحقيقه من أغراض.
سلطة محكمة الموضوع في القول بالتعسف : استقر قضاء محكمة النقض في شأن الخطأ الذي يرتب المسئولية، على أنه وإن كان استخلاص الوقائع وثبوتها من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضى الموضوع إلا أن وصفها لهذه الوقائع بأنها خطأ أو غير خطأ يعتبر من مسائل القانون التي تخضع فيها الرقابة محكمة النقض لان ذلك لا يعدو منها تكييفاً لتلك الوقائع , ومن خلال ذلك ذهب الفقه إلى أن وصف الوقائع التي ثبتت لدى محكمة الموضوع بانها تعسف في استعمال الحق أو عدم تعسف يعتبر مسألة قانون تخضع في شأنه محكمة الموضوع لرقابة محكمة النقض.
ومع ذلك فإن من أحكام محكمة النقض ما يفيد استقلال محكمة الموضوع بوصف الأفعال التي ثبتت لديها بأنها تعسف، ومنها ما يخضعها في هذا الصدد الرقابة محكمة النقض (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 238 ).
الأصل أنه لا جناح على من يستعمل حقه . إستعمالاً مشروعاً فلا يكون من ثم مسئولاً عما ينشأ عن ذلك من ضرر بغيره وما أوردته المادة الخامسة من قيد على هذا الأصل فهو إعمال لنظرية إساءة استعمال الحق يتمثل في أحد معايير ثلاثة يجمع بينها ضابط مشترك هو نية الأضرار سواء في صورة تعمد الإساءة إلى الغير دون نفع يعود على صاحب الحق في استعماله أو في صورة إستهانة بما يحيق بذلك الغير من ضرر جسيم تحقيقاً لنفع يسير يجنبه صاحب الحق بحيث لا يكاد يلحقه ضرر من الإستغناء عنه، الأمر الذي يربط بين نظرية إساءة استعمال الحق و بين قواعد المسئولية المدنية و قوامها الخطأ و ينأى بها عن مجرد إعتبارات الشفعة، و على ذلك فإنه لا يسوغ اعتبار المؤجر مسيئة لاستعمال حقه في طلب الأخلاء وفقاً لأحكام القانون إذا ما وقع من المستأجر ما يبرره لمجرد أنه يترتب عليه حرمان هذا الأخير من الإنتفاع بالمكان المؤجر (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2015، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزءالأول صفحة 50).
أن المشروعية هي الأصل في استعمال الحق، فلا يثار الدفاع المتعلق بإساءة استعمال الحق، إلا إذا وجد حق يخول صاحبه استعماله، ومتى وجد هذا الحق فإن فحوى نص المادة الرابعة يدل على قيام قرينة قانونية على مشروعية استعماله، ولكنها قرينة بسيطة يجوز إثبات ما يخالفها، وينحصر هذا الإثبات في إحدى الصور المنصوص عليها بالمادة الخامسة وهي واردة على سبيل الحصر، فإن تمكن المتمسك بإساءة استعمال الحق من نقض تلك القرينة بإثبات أن صاحب الحق لم يقصد إلا الإضرار به أو أن المصالح التي يرمى إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيبه من ضرر بسببها أو إذا كانت هذه المصالح غير مشروعة، كان استعمال الحق غير مشروع.
ذلك، أن من يستعمل حقه لا يكلفه القانون بإثبات مشروعيته، بل يعفيه من هذا الإثبات ويلقى عبء إثبات ما يخالف ذلك على من يدعى عدم مشروعية هذا الاستعمال، فإن أخفق ظل الاستعمال على أصله وهو المشروعية، وهذا شأن القرينة القانونية البسيطة فلا يلزم لها النص صراحة على إعفاء من تشهد له من الإثبات وإلقاء عبئه على خصمه إنما يكفى أن يتضمنها النص في دلالته أو فحواه، وقضت محكمة النقض بأن من القرائن ما نص عليه الشارع واستنبطه الفقهاء باجتهادهم ومنها ما يستنبطه القاضي من دلائل الحال وشواهده. نقض 23/3/1966 س 17 ص 666.
ولئن كان من الأصول المقررة أن الأعمال التي تستند إلى التسامح لا تؤدي إلى ترتيب حقوق تكتسب بوضع اليد المدة الطويلة، فمالك الأرض الفضاء الذي يترك مطلًا لجاره ولا يطلب سده، فإن هذا الجار يكون قد فتح مطله على سند من التسامح فلا يكتسب الحق في بقائه بمضى المدة.
ولكن إذا طلب مالك الأرض الفضاء سد المطل استنادًا إلى نص القانون الذي يخوله هذا الحق، فليس لجاره رمى هذا الطلب بالتعسف في استعمال الحق، وقضت محكمة النقض بأن طلب سد المطلات غير القانونية هو حق لصاحب العقار المطل عليه ولو كان أرضًا فضاء بإعتبار أن فتح المطلات إعتداء على المالك يترتب على تركه اكتساب حق ارتفاق بالمطل والتزام مالك العقار المرتفق به مراعاة المسافة القانونية بين المطل وما قد يقيمه من بناء، فإن النعى يكون على غير أساس. نقض 15/1/1981 طعن 699 س 47 ق.
نطاق التعسف :
ينحصر نطاق التعسف في مجال استعمال الحقوق، فمن ينحرف عن الاستعمال المشروع لحقه يكون متعسفًا، ويجب أن يكون الحق مقررًا وفقاً لنص القانون فإن انتفى الحق بعدم وجوده أصلًا أو لعدم استكمال عناصره، فلا يسوغ الاستناد في المنازعة إلى نظرية التعسف أو إساءة استعمال الحق، إذ لا يعتبر السلوك تعسفًاً إنما خطأ تقصيريًا وتعديًا.
صور أو معايير اساءة استعمال الحق :
أوردت المادة الخامسة من القانون المدني معايير إساءة استعمال الحق على سبيل الحصر، ومن ثم يلتزم من يدعى إساءة استعمال الحق، إثبات توافر إحداها بحيث إن أخفق في ذلك، كان استعمال الحق مشروعًا مهما أدى إلى الإضرار بالغير، ولا يجوز في هذه الحالة اللجوء إلى المصادر التاريخية لنظرية اساءة استعمال الحق لاحتجاج بإحدى المعايير التي تضمنتها طالما كان هذا المعيار خارجًا عن نطاق المعايير الثلاثة المنصوص عليها بالمادة الخامسة.
قصد الإضرار بالغير
نصت الفقرة الأولى من المادة الخامسة من القانون المدني على أن يكون استعمال الحق غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، ويتحقق بذلك ركن الخطأ بالنسبة لصاحب الحق، إذ يكون قد انحرف في استعماله لحقه عن السلوك المألوف لشخص العادي. وهذا معيار نفسي إذ يكمن قصد الإضرار في ضمير صاحب الحق عندما تحقق له منفعة من وراء هذا الاستعمال إذ يتمكن بذلك من درأ ما أسند إليه من تعسف، ولكن لقاضى الموضوع الفصل في هذا الدفاع على هدى تلك المنفعة، فإن كانت تافهة خلص من ذلك إلى توافر قصد الإضرار، أما إذ كانت غير تافهة انتفى قصد الإضرار وكان استعمال الحق مشروعًا.
وإن قصد صاحب الحق من وراء استعمال حقه الإضرار بالغير بينما كان هذا الاستعمال من شأنه جلب منفعة جدية له، فإن الإضرار يكون عرضيًا وحينئذ ينتفى التعسف، فالمالك الذي يشيد بناء للانتفاع به وفي ذات الوقت انصرف قصده إلى الإضرار بالجار بحجب الضوء والهواء عنه، لا يكون متعسفًا في استعمال حقه لأن الاضرار تحقق بصفة عرضية ولو كان مقصودًا، أما إن كان الانتفاع هو الذى تحقق بصفة عرضية، كان الاستعمال للحق غير مشروع، فمن يغرس أشجارًا بقصد الإضرار بزراعة جاره يكون متعسفًا في استعمال حق الملكية حتى لو تحقق نفع له من وراء ذلك، إذ يكون النفع عرضيًا في هذا الفرض، وقد لا يكون كذلك في فرض آخر، فإن كان القصد من غرس هذه الأشجار هو الحيلولة دون الجار والاطلال على مسكن من أقامها، فإن استعمال الحق يكون مشروعًا حتى لو توافر قصد الاضرار بالجار، لأن الاضرار في هذا الفرض يكون قد تحقق عرضًا، ولا يتحقق به عن السلوك المألوف للشخص العادي، فينتفى عن الفعل وصف الخطأ.
أما إذا انتفى إطلاقًا من وراء استعمال الحق، كان ذلك قرينة على توافر التعسف لتحقق قصد الإضرار بالغير.
ويراعى في هذا الصدد، وعلى نحو ما أوضحناه آنفًا، أن إساءة استعمال الحق لا تثار إلا في صدد وجود حق مقرر قانونًا، إذ في هذه الحالة يمكن لصاحبه أن يتعسف في استعماله، أما إذ انتفى هذا الحق، خرج النزاع عن نطاق التعسف، فالمؤجر الذي يطلب الإخلاء لمجرد استعمال المستأجر للعين المؤجرة أو لإجرائه تغييرًا فيها، إستنادًا لنص المادتين 579 و 580 من القانون المدني وكذلك إلى قانون إيجار الأماكن، بينما أن هذا الفعل لم يؤدى إلى الاضرار به، فإنه لا يكون متعسفًا في استعمال حقه في طلب الاخلاء، لأن القانون لم يقرر له هذا الحق إلا إذا تحقق شرط الضرر بحيث إن تخلف هذا الشرط انتفى وجود الحق ذاته، ومن لا حق له لا يصح اعتباره متعسفًا، فترفض دعواه لانتفاء حقه في طلب الإخلاء، وقد يستند المؤجر الى شرط في العقد يجيز له طلب الاخلاء لمجرد إجراء الاخلاء وقد يستند المؤجر إلى شرط في العقد يجيز له طلب الإخلاء من أجله ولو لم يتحقق ضرر من جراء ذلك، وحينئذ يكون هذا الشرط صحيحًا فلا يعتد بنص المادتين 579 و 580 سالفتي الذكر باعتبارهما من النصوص المقررة التي يجوز للمتعاقدين الاتفاق على مخالفتهما، فيتقرر بموجب عقد الإيجار للمؤجر حق في طلب الإخلاء، وهذا الحق هو الذي يخضع في استعماله لنظرية اساءة استعمال الحق.
لئن كان الدفاع حقًا للخصم إلا أن استعماله له مقيد بأن يكون بالقدر اللازم لاقتضاء حقوقه التي يدعيها والذود عنها، فإذا هو انحرف في استعماله عما شرع له هذا الحق أو تجاوزه بنسبة أمور شائنة لغيره ماسة بإعتباره وكرامته، كان ذلك منه خطأ يوجب مسئوليته عما ينشأ عنه من ضرر ولو كانت هذه الأمور صحيحة ما دام الدفاع في الدعوى لا يقتضى نسبتها إليه. نقض 24/3/1983 طعن 461 س 48 ق. ( والمقرر أن الدفاع يكون شفهاه أو كتابة، فإن كان شفاهة وتضمن خطأ لم يثبت بمحضر الجلسة جاز إثباته بشهادة الشهود).
حق التقاضي من الحقوق العامة التي كفلها الدستور وسائر القوانين التي تناولت هذا الحق بالتنظيم، ويقابل حق الالتجاء إلى القضاء حق الدفاع وهو كذلك من الحقوق التي كفلها الدستور.
ولكل حق سواء كان عاماً أو خاصاً حدود يجب ألا يتجاوزها صاحبه عند استعماله وإلا انقلب هذا الاستعمال إلى عمل غير مشروع يتحقق به ركن الخطأ في المسئولية التقصيرية وفقًا لما نصت عليه المادتان الرابعة والخامسة من القانون المدنى.
والمقرر أن من يستعمل حقه استعمالًا مشروعًا لا يسأل عن الأضرار التى قد تلحق بالغير نتيجة هذا الاستعمال، بإعتبار أن مناط المسئولية عن تعويض الضرر هو وقوع الخطأ، وأنه لا خطأ في استعمال صاحب الحق حقه في جلب المنفعة المشروعة التي يتيحها هذا الحق.
ولمعرفة ما إذا كان استعمال الحق مشروعًا أم مشوبًا بالتعسف يجب النظر إليه على هدى المادة الخامسة من القانون المدني، فإن لم يخضع لإحدى الصور الواردة بها كان استعمالًا مشروعًا ويكون الادعاء بتوافر الخطأ على غير أساس.
استعمال الحق لتحقيق مصلحة لا تتناسب مع الضرر :
رأينا أن المعيار في الصورة السابقة شخصى، أما هنا فالمعيار موضوعي، يستخلصه قاضي الموضوع من ماديات النزاع ومن الظروف والملابسات التي اكتنفته، ولا يخضع في ذلك لرقابة محكمة النقض متى أقام قضاءه على أسباب سائغة، ومتى ثبت للمحكمة أن المصالح التي يرمى صاحب الحق إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا يوجد أدنى تناسب مع ما يصيب الغير بسببها، اعتبرت أن صاحب الحق متعسفًا في استعماله لحقه، استنادًا إلى انعدام التوازن إذ أن المقرر في هذا الشأن أن معيار الموازنة بين المصلحة المبتغاة وبين الضرر الواقع هو معيار مادي قوامه الموازنة المجردة بين النفع والضرر دون النظر إلى الظروف الشخصية للمنتفع أو المضرور يسرًا أو عسرًا إذ لا تنبع فكرة إساءة استعمال الحق من دواعي الشفقة وإنما من اعتبارات العدالة القائمة على إقرار التوازن بين الحق والواجب، بحيث إن سعى صاحب الحق إلى النيل من هذا التوازن كان للقضاء رده.
وقد تنتفي الصورة السابقة، بتعذر إثبات قصد الأضرار، وقد تدارك المشرع ذلك، فأقام، بموجب الصورة الثانية، قرينة قانونية قاطعة على عدم مشروعية استعمال الحق، يتوقف قيامها على إثبات أن المصالح التي يرمى صاحب الحق إلى تحقيقها لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها وحينئذ يكون استعمال الحق غير مشروع ولا يملك صاحبه إثبات ما يخالف هذه القرينة ولكن له من قبل تحققها إثبات تناسب المصالح التي يرمى إليها مع ما أصاب الغير من ضرر إذ لا تقوم القرينة في هذه الحالة.
وتنصرف الصورة الثالثة إلى تحقيق مصلحة غير مشروعة من وراء استعمال صاحب الحق لحقه، ويجمع الصور الثلاث نية الإضرار بالغير على التفصيل المتقدم.
ويلزم لتوافر الصورة الثالثة، أن يوجد حق وأن يستعمله صاحبه استعمالًا غير مشروع أي بالمخالفة لأحكام القانون أو على غير ما جرت به العادة في المعاملات، أما إذا كان الاستعمال مشروعًا فلا تثريب على صاحب الحق. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الأول، الصفحة / 266).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة / 182
الْقِسْمُ الأْوَّلُ: اسْتِعْمَالُ الْحَقِّ بِحَيْثُ لاَ يَلْزَمُ عَنْهُ مَضَرَّةٌ:
اسْتِعْمَالُ الْحَقِّ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ عَنْهُ مَضَرَّةٌ بِالْغَيْرِ - حُكْمُهُ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الإْذْنِ وَلاَ إِشْكَالَ فِيهِ وَلاَ حَاجَةَ إِلَى الاِسْتِدْلاَلِ عَلَيْهِ لِثُبُوتِ الدَّلِيلِ عَلَى الإْذْنِ ابْتِدَاءً.
الْقِسْمُ الثَّانِي: اسْتِعْمَالُ الْحَقِّ بِقَصْدِ الإْضْرَارِ بِالْغَيْرِ:
لاَ إِشْكَالَ فِي مَنْعِ الْقَصْدِ إِلَى الإْضْرَارِ مِنْ حَيْثُ هُوَ إِضْرَارٌ لِثُبُوتِ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهُ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ فِي الإْسْلاَمِ» .
وَالضَّابِطُ الْكُلِّيُّ فِي اسْتِعْمَالِ الْحَقِّ هُوَ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ حَيْثُ يَقُولُ: أَنْ لاَ يُحِبَّ لأِخِيهِ إِلاَّ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، فَكُلُّ مَا لَوْ عُومِلَ بِهِ شَقَّ عَلَيْهِ وَثَقُلَ عَلَى قَلْبِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لاَ يُعَامِلَ بِهِ غَيْرَهُ .
وَجَاءَ فِي مُعِينِ الْحُكَّامِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ» فَنَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم أَنْ يَتَعَمَّدَ أَحَدُهُمَا الإْضْرَارَ بِصَاحِبِهِ وَعَنْ أَنْ يَقْصِدَا ذَلِكَ جَمِيعًا .
وَفِيمَا يَلِي نَذْكُرُ بَعْضَ الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ تَطْبِيقًا لِهَذَا النَّوْعِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْحَقِّ:
الإْضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ:
13 - رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما مَرْفُوعًا «الإْضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ مِنَ الْكَبَائِرِ» وَوَرَدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ وَالْمَرْأَةُ بِطَاعَةِ اللَّهِ سِتِّينَ سَنَةً ثُمَّ يَحْضُرُهُمَا الْمَوْتُ فَيُضَارَّانِ فِي الْوَصِيَّةِ فَتَجِبُ لَهُمَا النَّارُ» قَالَ شَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ (رَاوِي الْحَدِيثِ) ثُمَّ قَرَأَ عَلَيَّ أَبُو هُرَيْرَةَ ) مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ) إِلَى قَوْلِهِ ) وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
وَالإْضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ تَارَةً يَكُونُ بِأَنْ يَخُصَّ بَعْضَ الْوَرَثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى فَرْضِهِ الَّذِي فَرَضَهُ اللَّهُ لَهُ فَيَتَضَرَّرَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِتَخْصِيصِهِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَلاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» وَتَارَةً بِأَنْ يُوصِيَ لأِجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ فَيُنْقِصَ حُقُوقَ الْوَرَثَةِ، وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم «الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» وَمَتَى أَوْصَى لِوَارِثٍ أَوْ لأِجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ يَنْفُذْ مَا أَوْصَى بِهِ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ .
وَلِلْفُقَهَاءِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ فِي رَدِّ وَصِيَّةِ الْمُوصِي إِذَا قَصَدَ بِوَصِيَّتِهِ الْمُضَارَّةَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّة).
الإْضْرَارُ بِالرَّجْعَةِ:
14 - مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ ثُمَّ رَاجَعَهَا وَكَانَ قَصْدُهُ بِالرَّجْعَةِ الْمُضَارَّةَ فَإِنَّهُ آثِمٌ بِذَلِكَ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْ هَذَا التَّصَرُّفِ بِقَوْلِهِ: ) وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) يَقُولُ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآْيَةِ: وَلاَ تُرَاجِعُوهُنَّ إِنْ رَاجَعْتُمُوهُنَّ فِي عِدَدِهِنَّ مُضَارَّةً لَهُنَّ لِتُطَوِّلُوا عَلَيْهِنَّ مُدَّةَ انْقِضَاءِ عِدَدِهِنَّ، أَوْ لِتَأْخُذُوا مِنْهُنَّ بَعْضَ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ بِطَلَبِهِنَّ الْخُلْعَ مِنْكُمْ لِمُضَارَّتِكُمْ إِيَّاهُنَّ، بِإِمْسَاكِكُمْ إِيَّاهُنَّ وَمُرَاجَعَتِكُمُوهُنَّ ضِرَارًا وَاعْتِدَاءً .
وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَهَى الأْزْوَاجَ أَنْ يُمْسِكُوا زَوْجَاتِهِمْ بِقَصْدِ إِضْرَارِهِنَّ بِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ، أَوْ أَخْذِ بَعْضِ مَالِهِنَّ، وَالنَّهْيُ يُفِيدُ التَّحْرِيمَ فَتَكُونُ الرَّجْعَةُ مُحَرَّمَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ .
وَلِلْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ فِي حُكْمِ الرَّجْعِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (رَجْعَة ف 4).
15 - وَمِنْ صُوَرِ الإْضْرَارِ: الإْيلاَءُ، وَغَيْبَةُ الزَّوْجِ ، وَالْحَبْسُ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ، بِشُرُوطِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ فِيهِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ: (إِيلاَء، وَطَلاَقٌ، وَفَسْخٌ، وَغَيْبَةٌ، وَمَفْقُودٌ).
الإْضْرَارُ فِي الرَّضَاعِ:
16 - إِنْ رَغِبَتْ الأْمُّ فِي إِرْضَاعِ وَلَدِهَا أُجِيبَتْ وُجُوبًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُطَلَّقَةً أَمْ فِي عِصْمَةِ الأْبِ عَلَى قَوْلِ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، لقوله تعالي: ) لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا) وَالْمَنْعُ مِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا مُضَارَّةٌ لَهَا .
وَقِيلَ: إِنْ كَانَتِ الأْمُّ فِي حِبَالِ الزَّوْجِ فَلَهُ مَنْعُهَا مِنْ إِرْضَاعِ وَلَدِهَا إِلاَّ أَنْ لاَ يُمْكِنَ ارْتِضَاعُهُ مِنْ غَيْرِهَا، وَلَكِنْ إِنَّمَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَصْدُ الزَّوْجِ بِهِ تَوْفِيرَ الزَّوْجَةِ لِلاِسْتِمْتَاعِ، لاَ مُجَرَّدَ إِدْخَالِ الضَّرَرِ عَلَيْهَا وَيَلْزَمُ الأْبَ إِجَابَةُ طَلَبِ الْمُطَلَّقَةِ فِي إِرْضَاعِ وَلَدِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا، أَمَّا إِنْ طَلَبَتْ زِيَادَةً عَلَى أُجْرَةِ مِثْلِهَا زِيَادَةً كَبِيرَةً، وَوَجَدَ الأْبُ مَنْ يَرْضِعُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَمْ يَلْزَمِ الأْبَ إِجَابَتُهَا إِلَى مَا طَلَبَتْ، لأِنَّ هَا تَقْصِدُ الْمُضَارَّةَ .
وَلِلتَّفْصِيلِ: (ر: رَضَاعٌ).
الإْضْرَارُ فِي الْبَيْعِ:
17 - مِنْ أَمْثِلَةِ الضَّرَرِ فِي الْبُيُوعِ بَيْعُ الرَّجُلِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَالسَّوْمُ وَالشِّرَاءُ عَلَى شِرَاءِ أَخِيهِ، وَالنَّجْشُ وَتَلَقِّي الْجَلْبَ أَوِ الرُّكْبَانِ، وَبَيْعُ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَبَيْعُ الْمُضْطَرِّ وَيُنْظَرُ أَحْكَامُ هَذِهِ الْبُيُوعِ فِي (بَيْعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ: ف 100 - 132).
18 - وَمِمَّا يَنْدَرِجُ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي حَسَبَ تَقْسِيمَاتِ الشَّاطِبِيِّ: اسْتِعْمَالُ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ لِتَحْقِيقِ مَصْلَحَةٍ مَشْرُوعَةٍ لَهُ عَلَى وَجْهٍ يَتَضَرَّرُ مِنْهُ غَيْرُهُ.
يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: لَكِنْ يَبْقَى النَّظَرُ فِي الْعَمَلِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِيهِ قَصْدُ نَفْعِ النَّفْسِ، وَقَصْدُ إِضْرَارِ الْغَيْرِ هَلْ يُمْنَعُ مِنْهُ فَيَصِيرُ غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهِ، أَمْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِهِ الأْصْلِ يِّ مِنَ الإْذْنِ وَيَكُونُ عَلَيْهِ إِثْمُ مَا قَصَدَ؟ هَذَا مِمَّا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْخِلاَفُ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَهُوَ جَارٍ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلاَةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ ذَلِكَ فَيُحْتَمَلُ الاِجْتِهَادُ فِيهِ.
وَهُوَ أَنَّهُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ إِذَا رَفَعَ ذَلِكَ الْعَمَلَ وَانْتَقَلَ إِلَى وَجْهٍ آخَرَ فِي اسْتِجْلاَبِ تِلْكَ الْمَصْلَحَةِ ، أَوْ دَرْءِ تِلْكَ الْمَفْسَدَةِ جُعِلَ لَهُ مَا أَرَادَ أَوْ لاَ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ إِشْكَالَ فِي مَنْعِهِ مِنْهُ، لأِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ غَيْرَ الإْضْرَارِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِيصٌ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ الَّتِي يَسْتَضِرُّ مِنْهَا الْغَيْرُ، فَحَقُّ الْجَالِبِ أَوِ الدَّافِعِ مُقَدَّمٌ وَهُوَ مَمْنُوعٌ مِنْ قَصْدِ الإْضْرَارِ، وَلاَ يُقَالُ: إِنَّ هَذَا تَكْلِيفٌ بِمَا لاَ يُطَاقُ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا كُلِّفَ بِنَفْيِ قَصْدِ الإْضْرَارِ وَهُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ الْكَسْبِ لاَ بِنَفْيِ الإْضْرَارِ بِعَيْنِهِ .
19 - وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا النَّوْعِ مَا ذَكَرَهُ التَّسَوُّلِيُّ، فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي مِلْكِهِ وَيَضُرَّ بِجِدَارِ جَارِهِ: وَأَمَّا إِنْ وَجَدَ عَنْهُ مَنْدُوحَةً وَلَمْ يَتَضَرَّرْ بِتَرْكِ حَفْرِهِ فَلاَ يُمَكَّنُ مِنْ حَفْرِهِ لِتَمَحُّضِ إِضْرَارِهِ بِجَارِهِ حِينَئِذٍ .
وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَمُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ فِي هَذَا الصَّدَدِ، إِذْ هُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمَالِكِ فِي التَّصَرُّفِ بِمِلْكِهِ بِمَا يَمْنَعُ الإْضْرَارَ الْفَاحِشَ عَنْ جَارِهِ فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُغْنِي: لَيْسَ لِلْجَارِ التَّصَرُّفُ فِي مِلْكِهِ تَصَرُّفًا يُضِرُّ بِجَارِهِ، نَحْوَ أَنْ يَبْنِيَ فِيهِ حَمَّامًا بَيْنَ الدُّورِ، أَوْ يَفْتَحَ خَبَّازًا بَيْنَ الْعَطَّارِينَ .
وَالزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يُقَرِّرُ هَذَا الْمَعْنَى وَيَقُولُ: إِنَّ لِلإْنْسَانِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ مَا شَاءَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ مَا لَمْ يُضِرَّ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا ظَاهِرًا. وَلَوْ أَرَادَ بِنَاءَ تَنُّورٍ فِي دَارِهِ لِلْخَبْزِ الدَّائِمِ، كَمَا يَكُونُ فِي الدَّكَاكِينِ، أَوْ رَحًا لِلطَّحْنِ، أَوْ مِدَقَّاتٍ لِلْقَصَّارِينَ لَمْ يَجُزْ، لأِنَّ ذَلِكَ يُضِرُّ بِالْجِيرَانِ ضَرَرًا ظَاهِرًا فَاحِشًا لاَ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَجُوزُ لأِنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مِلْكِهِ، وَتُرِكَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا لأِجْلِ الْمَصْلَحَةِ .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: لُحُوقُ الضَّرَرِ بِجَالِبِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ دَافِعِ الْمَفْسَدَةِ عِنْدَ مَنْعِهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ حَقِّهِ:
20 - هَذَا لاَ يَخْلُو أَنْ يَلْزَمَ مِنْ مَنْعِهِ الإْضْرَارُ بِهِ بِحَيْثُ لاَ يَنْجَبِرُ أَوَّلاً، فَإِنْ لَزِمَ قُدِّمَ حَقُّهُ عَلَى الإْطْلاَقِ .
وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا النَّوْعِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ مِنْ أَنَّهُ إِذَا اشْتَدَّتْ الْمَخْمَصَةُ فِي سَنَةِ الْمَجَاعَةِ وَأَصَابَتْ خَلْقًا كَثِيرًا، وَكَانَ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ قَدْرُ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ عِيَالِهِ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهُ مِنْهُ لأِنَّ ذَلِكَ يُفْضِي إِلَى وُقُوعِ الضَّرَرِ بِهِ وَلاَ يَدْفَعُهُ عَنْهُمْ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانُوا فِي سَفَرٍ وَمَعَهُ قَدْرُ كِفَايَتِهِ مِنْ غَيْرِ فَضْلَةٍ، لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُ مَا مَعَهُ لِلْمُضْطَرِّينَ، لأِنَّ الْبَذْلَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ يُفْضِي إِلَى هَلاَكِ نَفْسِهِ وَهَلاَكِ عِيَالِهِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ، كَمَا لَوْ أَمْكَنَهُ إِنْجَاءُ الْغَرِيقِ بِتَغْرِيقِ نَفْسِهِ، وَلأِنَّ فِي بَذْلِهِ إِلْقَاءً بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وَقَدْ نَهَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
أَمَّا إِذَا أَمْكَنَ انْجِبَارُ الإْضْرَارِ وَرَفْعُهُ جُمْلَةً فَاعْتِبَارُ الضَّرَرِ الْعَامِّ أَوْلَى فَيُمْنَعُ الْجَالِبُ أَوِ الدَّافِعُ مِمَّا هَمَّ بِهِ، لأِنَّ الْمَصَالِحَ الْعَامَّةَ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْمَصَالِحِ الْخَاصَّةِ بِدَلِيلِ النَّهْيِ عَنْ تَلَقِّي السِّلَعِ وَعَنْ بَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَاتِّفَاقِ السَّلَفِ عَلَى تَضْمِينِ الصُّنَّاعِ مَعَ أَنَّ الأْصْلَ فِيهِمُ الأْمَانَةُ، وَقَدْ زَادُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا رَضِيَ أَهْلُهُ وَمَا لاَ، وَذَلِكَ يَقْضِي بِتَقْدِيمِ مَصْلَحَةِ الْعُمُومِ عَلَى مَصْلَحَةِ الْخُصُوصِ لَكِنْ بِحَيْثُ لاَ يَلْحَقُ الْخُصُوصَ مَضَرَّةٌ (لاَ تَنْجَبِرُ) وَهُوَ مُفَادُ قَاعِدَةِ «يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ» .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: دَفْعُ الضَّرَرِ بِالتَّمْكِينِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ:
21 - فَمِنْ ذَلِكَ الرِّشْوَةُ عَلَى دَفْعِ الظُّلْمِ إِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ إِلاَّ بِذَلِكَ، وَإِعْطَاءُ الْمَالِ لِلْمُحَارِبِينَ وَلِلْكُفَّارِ فِي فِدَاءِ الأْسْرَى، وَلِمَانِعِي الْحَاجِّ حَتَّى يُؤَدُّوا خَرَاجًا، كُلُّ ذَلِكَ انْتِفَاعٌ أَوْ دَفْعُ ضَرَرٍ بِتَمْكِينٍ مِنَ الْمَعْصِيَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ طَلَبُ فَضِيلَةِ الْجِهَادِ، مَعَ أَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِمَوْتِ الْكَافِرِ عَلَى الْكُفْرِ، أَوْ قَتْلِ الْكَافِرِ الْمُسْلِمَ، بَلْ قَالَ عليه الصلاة والسلام: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيَا ثُمَّ أُقْتَلُ» وَلاَزِمُ ذَلِكَ دُخُولُ قَاتِلِهِ النَّارَ، وَقَوْلُ أَحَدِ ابْنَيْ آدَمَ ) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) بَلِ الْعُقُوبَاتُ كُلُّهَا جَلْبُ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَرْءُ مَفْسَدَةٍ يَلْزَمُ عَنْهَا إِضْرَارُ الْغَيْرِ، إِلاَّ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إِلْغَاءٌ لِجَانِبِ الْمَفْسَدَةِ لأِنَّ هَا غَيْرُ مَقْصُودَةٍ لِلشَّارِعِ فِي شَرْعِ هَذِهِ الأْحْكَامِ، وَلأِنَّ جَانِبَ الْجَالِبِ وَالدَّافِعِ أَوْلَى .
الْقِسْمُ الْخَامِسُ: التَّصَرُّفُ الْمُفْضِي إِلَى الْمَفْسَدَةِ قَطْعًا:
22 - الْمَفْرُوضُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّهُ لاَ يَلْحَقَ الْجَالِبَ لِلْمَصْلَحَةِ أَوِ الدَّافِعَ لِلْمَفْسَدَةِ ضَرَرٌ، وَلَكِنَّ أَدَاءَهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ قَطْعِيٌّ عَادَةً فَلَهُ نَظَرَانِ: نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ قَاصِدًا لِمَا يَجُوزُ أَنْ يُقْصَدَ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ قَصْدِ إِضْرَارٍ بِأَحَدٍ، فَهَذَا مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ جَائِزٌ لاَ مَحْظُورَ فِيهِ.
وَنَظَرٌ مِنْ حَيْثُ كَوْنِهِ عَالِمًا بِلُزُومِ مَضَرَّةِ الْغَيْرِ لِهَذَا الْعَمَلِ الْمَقْصُودِ مَعَ عَدَمِ اسْتِضْرَارِهِ بِتَرْكِهِ، فَإِنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مَظِنَّةٌ لِقَصْدِ الإْضْرَارِ، لأِنَّهُ فِي فِعْلِهِ إِمَّا فَاعِلٌ لِمُبَاحٍ صِرْفٍ لاَ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِهِ مَقْصِدٌ ضَرُورِيٌّ وَلاَ حَاجِيٌّ وَلاَ تَكْمِيلِيٌّ فَلاَ قَصْدَ لِلشَّارِعِ فِي إِيقَاعِهِ مِنْ حَيْثُ يُوقَعُ، وَإِمَّا فَاعِلٌ لِمَأْمُورٍ بِهِ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ فِيهِ مَضَرَّةٌ مَعَ إِمْكَانِ فِعْلِهِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَلْحَقُ فِيهِ مَضَرَّةٌ وَلَيْسَ لِلشَّارِعِ قَصْدٌ فِي وُقُوعِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْحَقَ بِهِ الضَّرَرُ دُونَ الآْخَرِ.
وَعَلَى كِلاَ التَّقْدِيرَيْنِ فَتَوَخِّيهِ لِذَلِكَ الْفِعْلِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْمَضَرَّةِ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا تَقْصِيرٌ فِي النَّظَرِ الْمَأْمُورِ بِهِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ، وَإِمَّا قَصْدٌ إِلَى نَفْسِ الإْضْرَارِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ - أَيْضًا - فَيَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ، لَكِنْ إِذَا فَعَلَهُ يُعَدُّ مُتَعَدِّيًا بِفِعْلِهِ وَيَضْمَنُ ضَمَانَ الْمُتَعَدِّي عَلَى الْجُمْلَةِ .
الْقِسْمُ السَّادِسُ: التَّصَرُّفُ الْمُفْضِي إِلَى الْمَفْسَدَةِ نَادِرًا:
23 - الْمَفْرُوضُ فِي هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْجَالِبَ أَوْ الدَّافِعَ لاَ يَقْصِدُ الإْضْرَارَ بِأَحَدٍ إِلاَّ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَنْ فِعْلِهِ مَضَرَّةٌ بِالْغَيْرِ نَادِرًا، هُوَ عَلَى أَصْلِهِ مِنَ الإْذْنِ، لأِنَّ الْمَصْلَحَةَ إِذَا كَانَتْ غَالِبَةً فَلاَ اعْتِبَارَ بِالنُّدُورِ فِي انْخِرَامِهَا، إِذْ لاَ تُوجَدُ فِي الْعَادَةِ مَصْلَحَةٌ عَرِيَّةٌ عَنِ الْمَفْسَدَةِ جُمْلَةً، إِلاَّ أَنَّ الشَّارِعَ إِنَّمَا اعْتَبَرَ فِي مَجَارِي الشَّرْعِ غَلَبَةَ الْمَصْلَحَةِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ نُدُورَ الْمَفْسَدَةِ إِجْرَاءً لِلشَّرْعِيَّاتِ مَجْرَى الْعَادِيَّاتِ فِي الْوُجُودِ، وَلاَ يُعَدُّ - هُنَا - قَصْدُ الْقَاصِدِ إِلَى جَلْبِ الْمَصْلَحَةِ أَوْ دَفْعِ الْمَفْسَدَةِ - مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِنُدُورِ الْمَضَرَّةِ عَنْ ذَلِكَ - تَقْصِيرًا فِي النَّظَرِ وَلاَ قَصْدًا إِلَى وُقُوعِ الضَّرَرِ، فَالْعَمَلُ إِذَنْ بَاقٍ عَلَى أَصْلِ الْمَشْرُوعِيَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ ضَوَابِطَ الْمُشَرِّعَاتِ هَكَذَا وَجَدْنَاهَا: كَالْقَضَاءِ وَالشَّهَادَةِ فِي الدِّمَاءِ وَالأْمْوَالِ وَالْفُرُوجِ مَعَ إِمْكَانِ الْكَذِبِ وَالْوَهْمِ وَالْغَلَطِ، وَكَذَلِكَ إِعْمَالُ الْخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالأْقْيِسَةِ الْجُزْئِيَّةِ فِي التَّكَالِيفِ مَعَ إِمْكَانِ إِخْلاَفِهَا وَالْخَطَأِ فِيهَا مِنْ وُجُوهٍ، لَكِنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ وَاعْتُبِرَتِ الْمَصْلَحَةُ الْغَالِبَةُ .
الْقِسْمُ السَّابِعُ: التَّصَرُّفُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَفْسَدَةِ ظَنًّا:
24 - قَدْ يَكُونُ التَّصَرُّفُ وَسِيلَةً مَوْضُوعَةً لِلْمُبَاحِ إِلاَّ أَنَّهُ يُظَنُّ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ فَيَحْتَمِلُ الْخِلاَفَ ، أَمَّا أَنَّ الأْصْلَ الإْبَاحَةُ وَالإْذْنُ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا أَنَّ الضَّرَرَ وَالْمَفْسَدَةَ تَلْحَقُ ظَنًّا فَهَلْ يَجْرِي الظَّنُّ مَجْرَى الْعِلْمِ فَيَمْنَعُ مِنَ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَمْ لاَ؛ لِجَوَازِ تَخَلُّفِهِمَا وَإِنْ كَانَ التَّخَلُّفُ نَادِرًا؟ لَكِنَّ اعْتِبَارَ الظَّنِّ هُوَ الأْرْجَحُ، وَلاَ يُلْتَفَتُ إِلَى أَصْلِ الإْذْنِ وَالإْبَاحَةِ لأِمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الظَّنَّ فِي أَبْوَابِ الْعَمَلِيَّاتِ جَارٍ مَجْرَى الْعِلْمِ فَالظَّاهِرُ جَرَيَانُهُ هُنَا .
وَالثَّانِي: قوله تعالي: ) وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ) فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى سَبَّ آلِهَةِ الْمُشْرِكِينَ مَعَ كَوْنِ السَّبِّ غَيْظًا وَحَمِيَّةً لِلَّهِ وَإِهَانَةً لآِلِهَتِهِمْ، لِكَوْنِهِ ذَرِيعَةً إِلَى سَبِّهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى وَكَانَتْ مَصْلَحَةُ تَرْكِ مَسَبَّتِهِ تَعَالَى أَرْجَحَ مِنْ مَصْلَحَةِ سَبِّنَا لآِلِهَتِهِمْ، وَهَذَا كَالتَّنْبِيهِ بَلْ كَالتَّصْرِيحِ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْجَائِزِ لِئَلاَّ يَكُونَ سَبَبًا فِي فِعْلِ مَا لاَ يَجُوزُ .
الْقِسْمُ الثَّامِنُ: التَّصَرُّفُ الْمُؤَدِّي إِلَى الْمَفْسَدَةِ كَثِيرًا:
25 - إِذَا كَانَ أَدَاءُ التَّصَرُّفِ إِلَى الْمَفْسَدَةِ كَثِيرًا لاَ غَالِبًا وَلاَ نَادِرًا، فَهُوَ مَوْضِعُ نَظَرٍ وَالْتِبَاسٍ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ.
فَيَرَى فَرِيقٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الأْصْلَ فِيهِ الْحَمْلُ عَلَى الأْصْلِ مِنْ صِحَّةِ الإْذْنِ ، لأِنَّ الْعِلْمَ وَالظَّنَّ بِوُقُوعِ الْمَفْسَدَةِ مُنْتَفِيَانِ، إِذْ لَيْسَ - هُنَا - إِلاَّ احْتِمَالٌ مُجَرَّدٌ بَيْنَ الْوُقُوعِ وَعَدَمِهِ وَلاَ قَرِينَةَ تُرَجِّحُ أَحَدَ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآْخَرِ، وَاحْتِمَالُ الْقَصْدِ لِلْمَفْسَدَةِ، وَالإْضْرَارِ لاَ يَقُومُ مَقَامَ نَفْسِ الْقَصْدِ وَلاَ يَقْتَضِيهِ.
وَذَهَبَ الْفَرِيقُ الآْخَرُ إِلَى الْمَنْعِ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّصَرُّفِ، لأِنَّ الْقَصْدَ لاَ يَنْضَبِطُ فِي نَفْسِهِ لأِنَّهُ مِنَ الأْمُورِ الْبَاطِنَةِ لَكِنْ لَهُ مَجَالٌ - هُنَا - وَهُوَ كَثْرَةُ الْوُقُوعِ فِي الْوُجُودِ أَوْ هُوَ مَظِنَّةُ ذَلِكَ، فَكَمَا اعْتُبِرَتِ الْمَظِنَّةُ وَإِنْ صَحَّ التَّخَلُّفُ، كَذَلِكَ نَعْتَبِرُ الْكَثْرَةَ لأِنَّ هَا مَجَالُ الْقَصْدِ .
وَلِلتَّفْصِيلِ: (ر: سَدُّ الذَّرَائِعِ).
____________________________________________________________________
وقد كان مشروع القانون المدني ينص على صورتين أخريين استقاهما من الشريعة الإسلامية، قوام الأولى تعارض استعمال الحق مع مصلحة عامة جوهرية، ومن تطبيقاته في الفقه الإسلامي مما يتعلق بولاية الدولة في تقييد حقوق الأفراد خلال الحروب والأزمات لمنع اختزان السلع تجنبًا لاستغلال حاجة الأفراد إليها، أما الثانية فتنصرف إلى استعمال الحق استعمالًا من شأنه أن يعطل استعمال حقوق تتعارض معه تعطيلًا يحول دون استعمالها على الوجه المألوف، وقد قننت مجلة الأحكام العدلية هذه الصورة بالمادة 1198 التي نصت على أن (كل أحد له التعلى على حائط المالك وبناء ما يريد وليس لجاره منعه ما لم يكن ضرره فاحشاً) وعرفت الضرر الفاحش في المادة 1199 بأنه (هو كل ما يمنع الحوائج الأصلية يعنى المنفعة الأصلية المقصودة من البناء كالسكنى أو يضر بالبناء أي يجلب له وهنًا ويكون سبب إنهدامه) ونصت المادة 1200منها على أن (يدفع الضرر الفاحش بأي وجه كان) وفي المادة 1202 على أن (رؤية المحل الذي هو مقر النساء كصحن الدار والمطبخ والبشر تعد ضررًا فاحشًا) وتلك الصورة تنطوى على حقوق الجوار كما تنطوى على استعمال الحق فيكون مشروعًا إذا أقام المالك حائطًا لدفع الضرر الفاحش في الحالة التي نصت عليها المادة 1204 من المجلة، بينما لا يكون مشروعًا في الحالة التي نصت عليها المادة 1204 من أن (لا تعد الجنينة مقر النساء فإذا كان لرجل دار لا يرى منها مقر نساء جاره لكن ترى جنينته فليس له أن يكلفه منع نظارته من تلك الجنينة لمجرد خروج نسائه في بعض الأحيان إليها) فإذا أقام المالك حائطًا مرتفعًا يمنع النور والهواء عن الجار قاصداً إلى منع النظر إلى الحديقة، فإنه يكون متعسفًا في استعمال حقه.
مفاد ذلك، أن الواقعة التي يمكن ردها إلى إحدى صور المادة الخامسة من القانون المدني، يجب إخضاعها لحكمها، أما ما ينأى عنها فيتعين اخضاعه للنص الذي ينظمه وحينئذ لا يجوز التمسك بنظرية إساءة استعمال الحق.
التعسف عند الأصوليين هو تحايل لبلوغ غرض لم يشرع الحق لأجله، ويقول الشاطبي أنه لما ثبت أن الأحكام -الحقوق- شرعت لمصالح العباد كانت الأعمال معتبرة بذلك، لأن مقصود الشارع منها كما تبين، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا اشكال، وان كان الظاهر موافقًا والمصلحة مخالفة فالفعل غير صحيح وغير مشروع لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لأنفسها وإنما قصدت بها أمور أخر هى معانيها وهى المصالح التي شرعت لأجلها، فالذي عمل من ذلك على غير هذا الوضع فليس على وضع المشروعات.
وتنطوي هذه العبارة على التعسف في استعمال الحق ومعيار ذلك لديه هو التعدى بطريق التسبب ووافقه على ذلك الأصوليون فكانوا يستخدمون كلمة (التعدى) بدلًا من التعسف وقرروا منع (التعدى) للاستحسان أو للمصلحة أو لدرء الضرر العام أو تحقيقًا للمصلحة العامة.
وتنحصر معايير التعسف في الفقه الإسلامى فيما يلي :
(أ) قصد الاضرار:
ويقوم هذا المعيار على سند من الكتاب والسنة، لقوله تعالى (واذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا.... (سورة البقرة 231) وقوله تعالى (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ماخلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الاخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرداوا اصلاحًا ... ) (سورة البقرة 228)
فقد أباح المولى عز وجل استعمال الحق إصلاحًا لا اضراراً. وأنظر سورة البقرة 233 و 280 ووصية الضرار بالمادة 915. وقال رسول الله صل الله عليه وسلم (لا ضرر ولا ضرار).
ومن تطبيقات هذا المعيار أن طلاق الفار وهو من يطلق زوجه في مرض موته لا يحول دون توريث المطلقة إن مات وهى في العدة. وتوجيه اليمين إلى المدعى عليه يكون تعسفيًا إذا اتضح كيد التداعى فلا توجه ولا تسمع الدعوى.
(ب) انتفاء المصلحة :
يؤخذ من هذا المعيار قرينة على توافر قصد الاضرار، فمن يستعمل حقه دون أن تكون له مصلحة في ذلك، كان متعسفًا، وقد اختلف الأئمة في الرجل يسأل جاره أن يعبره جداره ليفرز فيه خشبة لمنفعته ولا تضر صاحب الجدار، فقال أبو حنيفة ومالك لا يقضى عليه به إذ العارية لا يقضى بها ومفاد ذلك إنتفاء التعسف، بينما قال الشافعى وأهل الحديث يقضى به وسندهم الحديث الشريف (لا يمنع أحدكم جاره أن يغرز خشبة في جداره).
وعن معاويه بن حيده رضى الله عنه قال قلت يا رسول الله ما حق الجار على جاره، قال عليه الصلاة والسلام (إن مرض عدته وإن مات شيعته وإذا استقرضك أقرضته وإذا افتقر عدت عليه وإذا أصابه خير هنأته وإذا أصابته مصيبة عزيته ولا تستطل عليه بالبنيان فتحجب عنه الريح إلا بإذنه).
وحبس المدين المماطل عند الشافعية حق مقرر للدائن لإكره المدين على إظهار أمواله للوفاء بالدين متى رجحت مظنة يساره، أما إذا رجحت مظنة إعساره، فلا يجاب الدائن لطلبه لتعسفه في استعمال حقه لإنتفاء مصلحته وينهض ذلك قرينة على قصد الاضرار، ولا يكون له العودة لطلب الحبس إلا إذا ثبت يسار المدين.
وعند الحنابلة، أن صاحب الحائط الذي يستتر به جاره، لا يحق له هدمه إذا انتفت مصلحته في ذلك.
(ج) عدم مشروعية المصلحة التى يراد تحقيقها :
التعسف هو خروج بالحق عما شرع له وبه تتحقق المضارة لقصد الشارع، والمضارة لهذا القصد باطلة لما تنطوى عليه من عبث بأحكام الشريعة، واعتبار ذلك تحيل وهو كما جاء في الموافقات للشاطئ تقديم عمل ظاهر الجواز لابطال حكم شرعى وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر فمآل العمل فيها خرم قواعد الشريعة والاجماع على ذلك، ومن تطبيقات هذا المعيار زواج التحليل عند المالكية والحنابلة فيقع باطلًا بإعتباره تحيلًا على أحكام الشريعة، بينما يرى الإمام أبو حنيفة صحة هذا الزواج، وجاء هذا الخلاف ليس متعلقًا بالحكم فهذا محل اجماع، وإنما جاء فيما يتعلق بالوسيلة، وجاء في فتاوى ابن تيميه (وقصد المحلل في الحقيقة ليس بقصد الشارع فإنه انما قصد الرد إلى الأول وهذا لم يقصده الشارع، فقد قصد ما لم يقصده الشارع ولم يقصد ما قصده فيجب ابطال قصده بابطال وسيلته).
(د) عدم تناسب المصلحة مع الضرر:
يستند هذا المعيار على قاعدة شرعية هي غلبة المصلحة على المفسدة، فإن كانت المفسدة ترجح رجحاناً بينًا على المصلحة، تعين درء المفسدة ولو أدى ذلك إلى إهدار المصلحة، وهو ما يناقض القاعدة سالفة البيان، ويتخذ من عدم التناسب قرينة على قصد الاضرار.
ومن التطبيقات أن تنقضى مدة الإيجار ولم ينضج الزرع بعد، فيكون على المزارع أجر المثل إلى وقت الحصاد لأن قلع الزرع قبل نضجه فيه ضرر أشد من بقائه بعد انتهاء مدة العقد فيدفع الضرر الأشد بالأخف.
(هـ)الضرر الفاحش :
وقد تناولنا هذا المعيار فيما تقدم بصدد بحث المعايير التي نصت عليها المادة الخامسة من القانون المدني بإعتباره خارجًا عن نطاقها.
(و) تعارض استعمال الحق مع مصلحة عامة جوهرية . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الاول).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كما قسم الفقه الاسلامی المصالح من حيث نطاقها الى ثلاثة أنواع أولها يتعلق بمصلحة عامة في حق الخلق كافة ، وثانيها يتعلق بالمصلحة الاغلب ، وثالثها يتعلق بمصلحة خاصة . وتجرى المفاضلة بين هذه الأنواع الثلاثة وفقا لترتيبها السالف . ومن خلال هذه التقسيمات استقرت في الفقه الاسلامی قواعد أصولية منها قاعدة أن الضرر يزال ، وقاعدة الضرر: الاشد يزال بالاخف ، وقاعدة الضرر الخاص يتحمل لدفع ضرر عام ، وقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ، وقاعدة الضرر يدفع بقدر الامكان ، وقاعدة الضرر لا يزال بمثله. التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 241 .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۳۷)
یکون استعمال الحق غير مشروع اذا انحرف به صاحبه عن غرضه الاجتماعي الذي قصد له الشارع وبوجه خاص في الأحوال الآتية :
(1) اذا قصد به أصالة الإضرار بالغير .
(ب) اذا تعارض مع مصلحة عامة جوهرية •
ج) اذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها غير مشروعة .
د) اذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قلية الأهمية. بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها •
هـ) اذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها مؤدية الى ضرر فاحش يصيب الغير وكان في استطاعته تحقيق هذه المصالح بطريق آخر لايؤدي الى هذا الضرر.
(و) اذا كان على علم بترتيب الضرر الفاحش وكان في استعماله لحقه مترفها لايلحقه ضرر من ترکه .
۲۔ ویكون للقاضي أن يحكم بوقن هذا الاستعمال واعادة الحال الى ما كان عليه ، مع التعويض عما يكون قد نشأ عنه من ضرر .
يقابل هذا النص المادة 5 من التقنين الحالي ، وهي تجري على النحو التالي
و يكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية :
(1) اذا لم يقصد به سوی الاضرار بالغير .
(ب) اذا كانت المصالح التي يرمي الى تحقيقها قلية الأهمية ، بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب الغير من ضرر بسببها .
(ج) اذا كانت المصالح التي يرمي الى تحقيقها غير مشروعة
والأمر يتعلق في هذا المقام بنظرية التعسف في استعمال الحق .وهی نظرية لها كيانها المستقل ، حيث تتناول صورة متميزة للخطا ، هي انحراف صاحب الحق في استعماله عن الغرض الاجتماعي للحق ، ای الغرض الذي تقرر الحق من أجله . وهذا معیار شخصی مادی ، يزن استعمال الحق في ضوء الدافع الشخصي لصاحبه والغرض الاجتماعي له في وقت واحد . فان كان هناك توافق بين هذا الغرض وذلك الدافع كان الاستعمال مشروعا ، والا كان غير مشروع . فاستعمال الحق بقصد الإضرار بالغير تعسف ، حتى لو تحققت من ورائه مصلحة واستعمالة لغاية لا تتفق والغرض الاجتماعي له تعسف كذلك، حتى لو لم يكن بقصد الإضرار بالغير ، وهذا ما تقتضيه النظرة الحديثة التي لا تعتبر الحقوق سلطات مطلقة ، وانما تريدها حقوقا نسبية يمثل كل منها وظيفة اجتماعية لتحقيق غاية معينة يجب الا يحيد الحق عنها .
ومن ثم فهذا معيار عام لتعسف ينبسط على جميع الحقوق ايا كان نوعها ويمتد الى جميع فروع القانون ، الأمر الذي أستوجب أن يكون النظرية التعسف مكان الصدارة في الباب التمهيدي للمتقين المدني ، حتی ليمكن أن يقال أن الأساس الفني للتعسف هو نظرية الحق •
ولقد ظفرت نظرية التعسف في استعمال الحق بعناية فائقة في الفقه الاسلامی ، حيث صاغها هذه النته صیاغة لم يسبقه اليها فقه آخر .
فهي تقوم على الأسس الاسلامية في تقرير الحقوق ، ذلك أن شرع الحقوق في الشريعة الإسلامية انما كان لمصلحة المجتمع والمصلحة الانسان . فهو يقوم على مبادىء الأخلاق الإسلامية الفاضلة التي جاء بها الدين من العدل والمساواة والاحسان واتباع المعروف وتجنب الطغيان والجور والفساد. : وعلى عدد من القواعد الشرعية التي أقرتها الشريعة لتحقيق هذا الغرض . فهي تعد تطبيقيا لمقاصد الشارع التي أخذت من عدة نصوص . وجملة ادلة تفيد القطع ومن هذه المقاصد الكلية القطعية ان قصد المكلف في العمل يجب أن يوافق الشارع باطل وقد فصل الامام الشاطبي هذه النظرية في الجزء الثاني من الموافقات ، وهو كتاب المقاصد ، حيث عرض البيان قصد الشارع في وضع الشريعة ومقاص المكلف في التكلف واود في تطبيقات عديدة تجمع بين المعيارين الشخصي والموضوعي . وقد استوعبت المادة المقترحة أهم هذه التطبيقات مراجع الموافقات ج۲ القسم الثاني المسألة الخامسة : تحقیق محمد محيي الدين عبد الحميد
وحينما أراد المشرع أن يورد في التقنين المدني الحالي لاول مرة هذه النظرية لم يجد أمامه في سائر القوانين الأجنبية من الضوابط خيرا مما ورد في الفقه الاسلامی
وسواء بالنسبة الى معايير التعسف التي وردت في التقنين الحالي ، وتلك التى وردت في النص المقترح فانها جميعها مستمدة من الفقه الاسلامي ( محمود فتحی ، نظرية التعسف في استعمال الحق في الشريعة الاسلامية . علي الخفيف ، الملكية في الشريعة الاسلامية مع المقارنة بالشرايع الوضعية المجلة م 19 و26 و 27 و 28و 29).
وقد رؤى ان يبدا النص المقترح بمعيار عام يتضمن جرهم فكرة التعسف حتى يكون المجال رحبا أمام القاضى ، فلا يقتصر على ضوابط محددة كما هو حكم النص الحالى ، بل امتد سلطته الى كل حالة يتوفر فيها التعسف انحراف الحق بواسطة من يستعمله عن غرضه الاجتماعي بالمعنى الذي اسلفناه . ثم يأتي في النص بعد ذلك عدد من المعايير الفرعية المحددة التى تعتبر اظهر تطبيقات عملية للمعيار العام
وأول هذه المعايير (أ) هو ان يتوفر التعسف من جانب صاحب الحق في استعماله اذا قصد به أصالة الاضرار بالغير ، وهذه صياغة تفضل صياغة التقنين الحالي ، لأن المقصود أن يكون قصد احداث الضرر هو العامل الأساسي الذي دفع الشخص الى استعمال الحق ، حتى لو تحققت منفعة عرضية لم تكن مقصودة ، أو كان هذا القصد مصحوبا بنية جلب منفعة اذا كانت هذه النية عاملا ثانويا .
وثاني هذه المعايير(ب) « اذا تعارض ( استعمال الحق ) مع مصلحة عامة جوهرية ، وقد ورد هذا المعيار في المادة 6 من المشروع التمهيدي للتقنين الحالي ، ولكنه حذف دون ذکر مبرر لحذفه، مع أنه ورد في الفقه الاسلامي وقننته المجلة التي تنص في المادة 26 منها على انه يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.
وأكثر ما يساق من التطبيقات في هذا العدد في الفقه الاسلامي يتعلق بولاية الدولة في تقييد حقوق الأفراد صيانة للمصلحة العامة كمنع اختزان السلع تجنبا لاستغلال حاجة الأفراد اليها خلال الحروب والجوائح - على أن هذه مجرد أمثلة تحتمل التوسع والقياس ( المذكرة الايضاحية في مجموعة الأعمال التحضيرية للتقنين الحالي ) .
و المعياران الثالث والرابع ( ج- د) ورد ذكرهما في التقنين الحالي
والمعياران الخامس والسادس ( ه - و ) مأخوذان كذلك من الفته الاسلامي ، وها يستندان إلى قاعدة أساسية في الشريعة الاسلامية ، وهي التي تقول : لا ضرر ولا ضرار» •
وينتهي النص المقترح ببيان الجزاء الذي يترتب على الاستعمال التعسفي للحق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأحكام العدلية
مادة (19) الضرر
لا ضرر ولا ضرار.
مادة (26) الضرر الخاص
يتحمل الضرر الخاص لدفع ضرر عام.
مادة (27) إزالة الضرر الأشد
الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
مادة (28) تعارض مفسدتان
إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً بارتكاب أخفهما.
مادة (29) إختيار أهون الشرين
يختار أهون الشرين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (40) :
(1) الاحتكار حرام ، بثلاثة شروط :
الأول : أن يكون الطعام المحتكر مشتری .
الثاني : أن يكون قوتا .
الثالث : أن يضيق على الناس بشرائه .
(ب) يجبر المحتكر على بيع ما احتكره كما يبيع الناس فإن أبي وخيف التلف بحبسه عن الناس فرقه الإمام على المحتاجين ، ويردون مثله عند زوال الحاجة .
إيضاح
إحتكار الطعام هو حبسه ليقل ويغلو و بالناس حاجة إليه ، وهو محرم ، لما روى الأترم عن أبي أمامة قال : «نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ان يحتكر الطعام ، وروى أيضا بإسناده عن سعيد بن المسيب أن رسول الله قال : « من احتكر فهو خاطیء " وقال : ( الجالب مرزوق و المحتكر ملعون ".
وتنص المادة على أن الاحتكار محرم ، إذا كان الطعام المحتكر مشتری . فلو جلب شيئا ، أو أدخل من غلته شيئا فادخره لم يكن محتكرة. ولأن الجالب لايضيق على أحد، ولا يضر بهم ، بل ينفع . فإن الناس إذا علموا أن عنده طعاما معدة للبيع كان ذلك أطيب لقلوبهم من عدمه ، وأن يكون المشتري قوتا لأدمي. أما الأدام كالحلوى والزيت والمسل ، وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرم . وقد سئل أبو عبد الله عن أي شيء الاحتكار قال : « إذا كان من قوت الناس » وكان سعيد بن المسيب يحتكر الزيت و هو راوی حدیث الاحتكار .
قال أبو داود : وكان يحتكر النوى والخيط والبذر ، ولأن هذه الأشياء لا تعم الحاجة إليها ، أشبهت الثياب والحيوان .
ولا يكون الاحتكار حراما إذا لم يضيق على الناس بشرائه ، بأن اشتراه في حال الاتساع و الرخص ، ولا يحمل الضيق إلا بأمرين:
أحدها : أن يكون في بلد يضيق بأهله الاحتكار : کالجرمين ، والثغور ، قاله أحمد : فظاهر هذا ، أن البلاد الواسعة الكبيرة كبغداد والبصرة ومصر ونحوها لا يحرم فيها الاحتكار ، لأن ذلك لا يؤثر فيها غالباً .
الثاني : أن يكون في حال الضيق، بأن تدخل البلد قافلة فيتبادر ذوو الأموال ليشترونها ، و يضيقون على الناس .
و يجبر المحتكر على بيع ما احتكره كما يبيع الناس دفعاً للضرر ، فإن أبي أن يبيع ما احتكره من الطعام وخيف التلف بحبسه عن الناس فرقه الإمام على المحتاجين إليه ، و يردون مثله عند زوال الحاجة .