loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

المادة 3 هي المادة 3 من قانون سنة 1904 مع حذف عبارة " تابع للحكومة المحلية " للأسباب عينها .

الأحكام

موسوعة هرجة الجنائية ، للمستشار /  مصطفي مجدي هرجه ، المجلد / الأول ، دار محمود  

1- لما كان مؤدى نص المادة 3 من قانون العقوبات أن شرط عقاب الطاعن لدى عودته إلى مصر هو أن تكون جريمة إعطاء شيك بدون رصيد التي أقيمت عليه الدعوى الجنائية من أجلها والتي وقعت بالخارج "بجدة" معاقباً عليها طبقاً لقانون المملكة العربية السعودية، وإذ ما كان الطاعن يجحد العقاب على هذا الفعل فى تلك الدولة، فإنه من المتعين على قاضي الموضوع - وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه - أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه.

(الطعن رقم 2011 لسنة 32 ق - جلسة 1962/12/17 س 13 ع 3 ص 846 ق 204)

٢- لما كانت المادة الثالثة من قانون العقوبات تنص على أن "كل مصري ارتكب وهو خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة فى هذا القانون يعاقب بمقتضى أحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكبه فيه . وكان مؤدى هذا النص أن شرط عقاب الطاعنين لدى عودتهما هو أن تكون الجريمة التي أقيمت عليهما الدعوى الجنائية من أجلها والتي وقعت بالخارج معاقباً عليها طبقاً لقانون دولة العراق, وإذ ما كان الطاعنان يجحدان العقاب على الفعل المنسوب إليهما فى هذه الدعوى, وكان الأصل أن التمسك بتشريع أجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة تستدعي التدليل عليها, إلا أنه فى خصوص سريان قانون العقوبات المصري خارج الإقليم المصري عملاً بحكم المادة الثالثة من هذا القانون, فإنه من المتعين على قاضي الموضوع وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه, أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه, وهو ما خلا منه الحكم, مما يعيب الحكم .

(الطعن رقم 15325 لسنة 64 ق - جلسة 1999/12/14 س 50 ص 677 ق 150)

3 ـ لما كانت المادة 3 من قانون العقوبات تنص على أن " كل مصري ارتكب وهو خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة فى هذا القانون يعاقب بمقتضى أحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه " . فإن مؤدى هذا النص أن شرط عقاب الطاعن لدى عودته هو أن تكون الجريمة التي أقيمت عليه الدعوى الجنائية من أجلها والتي وقعت بالخارج معاقباً عليها طبقاً لقانون روسيا. وإذ ما كان الطاعن يجحد العقاب على هذا الفعل فى هذه الدولة، وكان الأصل أن التمسك بتشريع أجنبي لا يعدو أن يكون مجرد واقعة تستدعي التدليل عليها، إلا أنه فى خصوص سريان قانون العقوبات المصري خارج الإقليم المصري عملاً بحكم المادة الثالثة من هذا القانون، فإنه من المتعين على قاضي الموضوع - وهو بصدد إنزال حكم القانون على الواقعة المطروحة عليه - أن يتحقق من أن الفعل معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه لا أن يعتد فى هذا الخصوص إلى الشهادة المقدمة من سفارة روسيا.

(الطعن رقم 24010 لسنة 64 ق - جلسة 1996/12/16 س 47 ع 1 ص 1355 ق 195) 

شرح خبراء القانون

مبدأ شخصية النص الجنائي:

مدلول المبدأ : لمبدأ شخصية النص الجنائي وجهان : وجه إيجابي ووجه سلبي . فالوجه الإيجابي يعني تطبيق النص الجنائي على كل من يحمل جنسية الدولة، ولو ارتكب جريمته خارج إقليمها . أما الوجه السلبي للمبدأ فيعني تطبيق النص الجنائي على كل جريمة يكون المجنى عليه فيها منتمياً إلى جنسية الدولة، ولو كان مرتكب هذه الجريمة أجنبياً وارتكبها خارج إقليم الدولة .

وقد كان لمبدأ شخصية النص الجنائي في وجهه الإيجابي أهمية كبيرة فيما مضى، إذ كان الأصل في القوانين كافة أنها شخصية تلاحق رعايا الدولة أينما كانوا. ولكن هذا المبدأ تقلص نفوذه حينما أصبحت سيادة الدولة الحديثة مرتكنة إلى أساس إقليمي لا شخصي، وقد ترتب على ذلك أن أصبح الأصل في النص الجنائى إقليميته . ولكن مبدأ شخصية النص الجنائي لم يزل له وجوده، وإن كان دوره قد اقتصر على مجرد تكملة مبدأ الإقليمية، أي إعطاء النص الجنائي نطاقاً أوسع مما يسمح به مبدأ الإقليمية .

ولمبدأ شخصية النص الجنائي في وجهه الإيجابي أهمية واضحة، إذ هو الوسيلة إلى تجنب فرار الجاني من العقاب إذا ارتكب جريمته خارج إقليم الدولة التي يحمل جنسيتها ثم عاد بعد جريمته إلى هذا الإقليم وبيان ذلك أن دولته لا تستطيع - طبقاً لمبدأ الإقليمية - أن تعاقبه لأنه لم يرتكب جريمته في إقليمها، وهي لا تستطيع تسليمه إلى الدولة التي ارتكب الجريمة في إقليمها، لأن تسليم الرعايا - طبقاً لقواعد دستورية مستقرة في أغلب الدول - محظور، وفي النهاية لا تستطيع الدولة التي ارتكبت الجريمة فيها أن تنفذ فيه عقاباً، إذ قد غادر إقليمها ولن يعود إليه في الغالب ؛ وبذلك تكون الوسيلة إلى تجنب فراره من العقاب أن تتولى الدولة التي يحمل جنسيتها معاقبته . وبالإضافة إلى ذلك، فإن مبدأ شخصية النص الجنائي يتيح للدولة التي يوجد الجاني على أرضها أن تردعه بتوقيع العقاب عليه، فتتقى بذلك خطره إن ترك دون عقاب .

أما مبدأ شخصية النص الجنائي في وجهه السلبي، فأهميته مقتصرة على تمكين الدولة من حماية رعاياها إذا تعرضوا لاعتداء إجرامي وهم في خارج إقليمها، فهو صورة لحماية الدولة بعض مصالحها، وهو بذلك أقرب إلى مبدأ عينية النص الجنائي .

تطبيق مبدأ شخصية النص الجنائي في القانون المصري :

لا يعرف الشارع المصرى مبدأ شخصية النص الجنائي في وجهه السلبي، فجنسية المجني عليه ليست اعتباراً يحدد نطاق تطبيق النص الجنائي من حيث المكان ولكنه يعرف مبدأ شخصية النص الجنائي في وجهه الإيجابي، وقد طبقه في المادة الثالثة من قانون العقوبات التي تقضي بأن « كل مصرى ارتكب وهو في خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة في هذا القانون يعاقب بمقتضی أحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقبا عليه بمقتضى قانون البلد الذى ارتكبه فيه ».

شروط تطبيق مبدأ شخصية النص الجنائي في القانون المصري :

يتطلب تطبيق هذا المبدأ في القانون المصري توافر شروط أربعة : أن يكون الجاني مواطناً مصرياً، وأن يعد فعله جناية أو جنحة طبقاً للقانون المصري، وأن يكون معاقباً عليه طبقاً لقانون الإقليم الذي ارتكبه فيه، وأن يعود إلى مصر.

تطبيق مبدأ عالمية النص الجنائي في القانون المصري :

لا يتضمن قانون العقوبات المصري نصاً يقرر الاعتراف بمبدأ عالمية النص الجنائي . ولكنا نرى أن لهذا المبدأ تطبيقه بالنسبة لجريمة القرصنة التي تعد - طبقاً العرف دولي مستقر - جريمة ضد المجتمع الدولي، بحيث يجوز لكل دولة تضبط القرصان أن تقتاده إلى محاكمها وتطبق عليه تشريعها، على الرغم من أنه قد لا يحمل جنسيتها، ومن أن مكان جريمته هو البحر العام الذي لا يخضع لسيادة دولة من الدول.

تطبيق القانون الأجنبي طبقاً للقانون المصري :

 

لا يجيز قانون العقوبات المصري للقاضي أن يطبق قانوناً أجنبياً، ولو ارتكبت الجريمة في الخارج، وكان مرتكبها أجنبياً ولكنه يلزم القاضي في حالات محدودة بأن يأخذ في الاعتبار ما يقرره القانون الأجنبي کي يصل بذلك إلى تطبيق القواعد الوطنية على نحو معين : مثال ذلك اشتراط كون الفعل الذي يرتكبه مصري في الخارج معاقباً عليه طبقاً للقانون الساري في الإقليم الذي ارتكب فيه المادة 3 من قانون العقوبات)؛ وعدم جواز إقامة الدعوى ضد من ارتكب جريمة أو فعلا في الخارج إذا ثبت أن المحاكم الأجنبية قد برأته أو أدانته واستوفى عقوبته (المادة 4 من قانون العقوبات)، وهذا الحكم يصدر بطبيعة الحال تطبيقاً للقانون الأجنبي والحالتان السابقتان لا تنطويان كما قدمنا على تطبيق القانون الأجنبي، وإنما تتطويان على مجرد أخذ لأحكامه في الاعتبار کی يطبق القانون المصرى على نحو معين. (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:   152)

يقضي مبدأ الشخصية بأن يكون مناط تطبيق القاعدة الجنائية هو جنسية مرتكب الجريمة خارج القطر، بأن يكون حاملاً لجنسية الدولة ومعنى ذلك أن القانون الوطني يلاحق المواطنين أينما وجدوا ليحكم أفعالهم الإجرامية المرتكبة بالخارج، وقد أخذ المشرع المصري بمبدأ شخصية القواعد الجنائية في المادة الثالثة من قانون العقوبات والتي تنص على أن كل مصرى ارتكب وهو في خارج القطر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة في هذا القانون يعاقب بمقتضى أحكامه إذا عاد إلى القطر وكان الفعل معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكبه فيه».

ويستفاد من النص السابق أن الشروط اللازم توافرها لتطبيق القانون المصري استنادا إلى مبدأ الشخصية هي الآتية:

 (1) أن يكون الجاني حاملاً لجنسية المصرية وقت ارتكابه الجريمة :

ويستوي أن يكون الجاني حاملاً لأكثر من جنسية طالما أن أحداها في الجنسية المصرية والعبرة في توافر هذا الشرط هي أن يكون الجاني حاملاً الجنسية المصرية وقت إرتكاب الجريمة، حتى ولو فقدها بعد ذلك وإذا كان اكتساب الجنسية بعد ارتكاب الجريمة فلا يتوافر الشرط. والعلة في ذلك في أن المشرع جعل قانون العقوبات المصري يخاطب المصريين بأحكامه حتى أثناء وجودهم خارج القطر حفاظاً على سمعة البلاد في الخارج، ولذلك إذا لم يتوافر شرط الجنسية وقت ارتكاب الجريمة فإن العلة تنتفي. هذا فضلاً عن أن اكتساب الجنسية بعد ارتكاب الجريمة الفرض فيه أن يكون قد روعي فيه سلوك الشخص مكتسب الجنسية.

(2) أن تكون الجريمة المرتكبة في الخارج في جناية أو جنحة وفقاً للقانون المصري.

استلزم المشرع درجة جسامة معينة في الفعل المرتكب في الخارج لكي يخضع لحكم القانون المصري ولذلك تطلب أن يكون جناية أو جنحة مستبعداً بذلك المخالفات. أما إذا كان الفعل غير معاقب عليه في القانون المصري فلا يخضع لأحكام القانون بالرغم من كونه معاقباً عليه وفقاً لقانون البلد الذي ارتكب فيه. وعلة ذلك ما سبق بيانه من أن المشرع قد جعل للقاعدة الجنائية أثراً ملزماً للمصريين المتواجدين بالخارج، ولذلك إذا لم يكن العمل معاقباً عليه وفقاً للقانون المصري فلا محل لإخضاعهم للعقاب بالتطبيق لقانون أجنبي وهو ما يتعارض واعتبار القانون الجنائي مظهراً من مظاهر سيادة الدولة.

 (3) أن يكون الفعل المرتكب في الخارج معاقباً عليه وفقاً لقانون البلد الذي ارتكب فيه:

وهذا الشرط منطقي باعتبار أن الأفراد المتواجدين بالخارج مخاطبون أيضاً بأحكام قانون العقوبات الساري في البلد الأجنبي، وبالتالي فلن يكون هناك من مبرر لعقاب المصري وفقاً للقانون الوطني على فعل يعتبر مشروعاً في قانون البلد الذي ارتكب فيه. كما أن العلة الخاصة بالمحافظة على سمعة البلاد تنتفي في هذه الحالة.

ويكفي أن يكون القانون الأجنبي الذي ارتكب الفعل في ظله يعتبره جريمة بغض النظر عن درجة الجسامة، فيكفي أن يعتبر الفعل مخالفة طالما أنه يكون جناية أو جنحة وفقاً للقانون المصري.

واشتراط العقاب على الفعل بالخارج يتطلب أن تتوافر فيه جميع العناصر القانونية اللازمة وفقاً لقانون الأجنبي لتطبيق العقوبة فإذا توافر سبب من أسباب الإباحة أو مانع من موانع المسؤولية أو مانع من موانع العقاب وفقاً للقانون الأجنبي، انتفى الشرط الذي نحن بصدده.

(4) عودة الجاني إلى الإقليم المصري.

أن عودة الجاني إلى الإقليم تعتبر شرطاً لتطبيق القانون المصري على الواقعة المرتكبة في الخارج. وهذا الشرط هو الذي يبرر تدخل الدولة نظراً لأن الجريمة المرتكبة في البلد الأجنبي في هذه الفروض لا تمس مباشرة المصالح العامة للدولة.

ويكفي لتحقيق الشرط أن يتواجد المصري داخل النطاق الإقليمي للدولة، مهما قصرت فترة التواجد، ولو غادر البلاد بعد ذلك، فتجوز محاكمته غيابياً في هذه الحالة. أما إذا كان لم يحضر إطلاقاً داخل إقليم الدولة فلا تجوز محاكمته غيابياً، لتخلف شرط من شروط تطبيق القانون المصري على الواقعة المرتكبة بالخارج.

 

ويستوي أن يكون حضور الجاني اختيارياً أم إجبارياً، إذ في كلتا الحالتين يتواجد المبرر لتدخل الدولة. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة :  87) 

ويشترط لتطبيق المادة الثالثة أربعة شروط هي:

الشرط الأول: أن يكون الجاني مصرياً. لأنه إذا كان أجنبياً فيمكن لمصر أن تسلمه للدولة التي ارتكب الجريمة فيها أو تبعده. وتفيد صياغة المادة أن يكون الجاني مصرياً وقت ارتكاب الجريمة وأن يظل كذلك لحين صدور الحكم عليه وإذا فقد الجنسية المصرية قبل الحكم، فلا خشية من إفلاته من العقاب، لأنه يصبح من حق مصر في هذه الحالة تسليمه للدولة التي ارتكب الجريمة فيها.

الشرط الثاني: أن تكون الجريمة المرتكبة جناية أو جنحة وفقاً لقانون العقوبات المصري واستبعدت بذلك المخالفات لقلة أهميتها.

الشرط الثالث: أن يكون الفعل معاقباً عليه وفقاً لقانون البلد الذي ارتكبت فيه الجريمة، سواء بوصف الجناية أو الجنحة أو المخالفة. فلا أهمية للتكييف القانوني الذي يسبغه قانون البلد الأجنبي على الفاعل، لأن المادة الثالثة لم تشترط إلا أن يكون الفعل معاقباً عليه. وعلة هذا الشرط أنه لا يجوز معاقبة المصري عن فعل مباح في البلد الذي أتاه فيه.

الشرط الرابع: أن يعود الجاني إلى مصر لأن عودته هي التي تمكنه من الهرب من العقاب وهو الأمر الذي حرص المشرع على تلافيه. إذا لم يعد المتهم إلى مصر فلا تجوز محاكمته غيابياً. أما إذا بدأت إجراءات المحاكمة صحيحة بوجود المتهم في البلاد ثم تمكن من الهرب خارج مصر فهناك اتجاهان في الفقه: 

الأول: يرى أنها لا تبطل بعد ذلك، لأن المادة الثالثة اشترطت مجرد العودة وقد تحققت ولم تشترط بقاء المتهم حتى تنتهي محاكمته.

الثاني: ونحن نؤيده - يرى أنه إذا خرج المتهم من مصر قبل انتهاء محاكمته فلا يجوز الاستمرار في المحاكمة. وسندنا في ذلك أن هذه المادة جاءت استثناءاً من مبدأ الإقليمية قصد منها ضمان عدم إفلات الجاني من العقاب، بعودته إلى وطنه الذي لا يجيز تسليمه أما وقد خرج منه فإن ملاحقته بالعقاب تكون من شأن الدولة التي ارتكب الجريمة فيها، وفي استطاعتها أن تطلب من الدولة التي هرب إليها تسليمه إليها.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول،  الصفحة: 69).

الحكمة من النص :

الحكمة من تشريع هذا النص هي عدم إفلات المصري الذي يرتكب في الخارج جرماً من العقاب إذا هرب وعاد إلى مصر بعد ارتكابه وقبل محاكمته والتنفيذ عليه. لأنه إذا لم يكن هذا النص موجوداً وعاد المصرى بعد ارتكابه جرماً في الخارج إلى مصر فإنه لا يمكن لمصر أن تسلمه للدولة التي ارتكب على أرضها الجريمة لأنه لا يجوز تسليم المصريين إلى الدول الأخرى طبقاً للدستور غير أنه لا يصح من جهة أخرى أن يكون لجوء المصري إلى وطنه عاصماً له من المحاكمة والعقاب على ما اقترب من جرائم خارج بلده لأن ذلك يتنافى مع التزام مصر بمكافحة الجريمة والتعاون مع غيرها من دول العالم في هذا السبيل. ومن ثم فإن الطريق الذي يرتفع به الحرج ويوفق بين الاعتبارين هو محاكمة المصري في بلده و طبقاً لقانونه.

ويستفاد من نص المادة الثالثة من قانون العقوبات المصري أنه يشترط لتطبيق ذلك القانون عدة شروط هي:

أن يكون الجاني مصرياً أي حاملاً للجنسية المصرية وذلك وقت ارتكاب الجريمة ويستوي أن يكون الجاني حاملاً لأكثر من جنسية طالما أن إحداها هي الجنسية المصرية وشرط مصرية الجاني يتعين أن توجد وقت ارتكاب الجريمة وعند العودة إلى مصر فإذا كانت الجنسية منتفية في أي من اللحظتين لم ينطبق النص ويقع ذلك حين يفقد المصري جنسيته فيما بين وقوع الجريمة والعودة إلى مصر وكذلك حين يكتسب الأجنبي الجنسية المصرية فيما بين اللحظتين.

ويجب إثبات الجنسية المصرية كشرط أساسي للمعاقبة في مصر على الجرائم التي ترتكب في الخارج ويقع عبء الإثبات على النيابة العمومية فهی الملزمة بجمع المعلومات التي من شأنها تنوير المحكمة في هذا الصدد ويلاحظ أن عديم الجنسية لا يعد مواطناً ويعتبر في حكم من يحمل جنسية أجنبية .

أن يكون الفعل المرتكب في الخارج يعتبر جناية أو جنحة في قانون العقوبات المصري. ومن ثم فإنه إذا كان الفعل المرتكب يعتبر مخالفة في قانون العقوبات المصرى فإن الجاني لايعاقب عنه إذا عاد إلى مصر، ومن باب أولى فإنه لايعاقب أيضاً إذا كان الفعل غير معاقب عليه في مصر أصلاً.

ولا يهم أن تكون الجناية أو الجنحة موجهة ضد مصري أو ضد أجنبي ولا أن تكون سياسية أو غير سياسية عمدية أو غير عمدية ولايهم أن تكون العقوبة المقررة للجنحة هي الحبس أو الغرامة كما يستوي أن تكون الجريمة تامة أو في حالة شروع لأن الشروع في الجناية جناية والشروع المعاقب عليه في الجنحة جنحة.

أن يكون الفعل معاقباً عليه في قانون البلد الذي ارتكب فيه ويكفى عندئذ أن يكون جريمة سواء كانت جناية أو جنحة أو مخالفة أما إذا كان الفعل غير معاقب عليه في ذلك القانون فإن فاعله لا يعاقب عنه في مصر لأن اختصاص القانون المصري في هذه الحالة احتياطي فإذا لم ينعقد الاختصاص للقانون الأجنبي ابتداء لم يثبت للقانون المصرى تبعاً والعلة من هذا الشرط هو أن المواطن في الخارج يتغير سلوكه بقانون الإقليم الذي يقيم فيه فكل ما لم يحظره عليه هو مباح له وبالإضافة إلى ذلك فإن علة تطبيق القانون المصري عليه هو تجنب فراره من العقاب بمغادرته أقليم جريمته ولا محل لذلك إذا كان قانون ذلك الإقليم لا يعاقب على الفعل وعلى النيابة العمومية أن تثبت أن الفعل الذي ارتكبه المتهم معاقب عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه إذ أن ما يشترطه القانون هو أن يكون نفس الفعل معاقباً عليه في تشريعي البلدين وليس بشرط أن يوجد بين التشريعين تماثل في العقوبة التي يعاقبان بها عليه فيكفي أن تكون الجريمة المعاقب عليها في مصر بعقوبة جناية أو جنحة معاقباً عليه في القانون الأجنبي ولا يهم بعد ذلك أن كان معاقباً عليها بعقوبة جناية أو جنحة أو مخالفة إذا الشرط يتحقق متى كان الفعل معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه.

 عودة الجاني إلى القطر المصري إذ تعتبر هذه العودة شرطاً لتطبيق القانون المصرى على الواقعة المرتكبة في الخارج وهذا الشرط هو الذي يبرر تدخل الدولة نظراً لأن الجريمة المرتكبة في البلد الأجنبي في هذه الفروض لا تمس مباشرة المصالح العامة للدولة ويكفي لتحقيق الشرط أن يتواجد المصري داخل النطاق الإقليمي للدولة مهما قصرت فترة التواجد ولو غادر البلاد بعد ذلك تجوز محاكمته غيابياً في هذه الحالة أما إذا كان لم يحضر إطلاقاً داخل إقليم الدولة فلا يجوز محاكمته غيابياً لتخلف شرط من شروط تطبيق القانون المصرى على الواقعة المرتكبة بالخارج ويستوي أن يكون حضور الجاني اختيارياً أم إجبارياً إذ في كلا الحالتين يتواجد المبرر لتدخل الدولة.

قد تقع الجريمة في الخارج من أشخاص متعددين بعضهم بصفة فاعلين أصليين والبعض الآخر بصفة شركاء فما الحل لو عاد بعضهم وبقى البعض الآخر في الخارج؟ طبقاً لأحكام القانون المصرى إذا كان كل من الفاعل والشريك مصرياً فمن يعود منهم إلى الإقليم الوطني يحاكم عن جريمته التي ارتكبها في الخارج إذ يصح أن يحاكم كل منهما منفرداً أما إذا كان أحدهما مصرياً والآخر أجنبياً فإنه يجوز محاكمة المصرى وحده سواء أكان فاعلاً أو شريكاً- دون الأجنبي - إذا عاد إلى القطر المصرى. (موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار/ مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود  الصفحة /  60) 

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة:   ( 24 ) .

(مادة 6) 

تسري أحكام هذا القانون أيضا على كل مصري يرتكب في بلد إسلامي جريمة حدية ، أو يرتكب خارج مصر فعلا يعتبر جناية أو جنحة وفقاً لهذا القانون، وذلك إذا عاد إلى مصر، وكان الفعل معاقبا عليه وفقاً لقانون البلد الذي ارتكبه فيه. 

نطاق تطبيق القانون 

المواد من (3) - (8)): 

أخذت المادة الثالثة بمبدأ الإقليمية، فنصت على أن يسري أحكام هذا القانون على كل من يرتكب في إقليم جمهورية مصر العربية جريمة من الجرائم المنصوص عليها فيه، ويشمل هذا الإقليم المجال الأرضي والمائي والجوي للجمهورية وفقاً لما تحدده نصوص القانون، وقد أخذ المشروع بمبدأ الامتداد الحكمي لإقليم الدولة ليشمل السفينة التي تحمل علم الدولة والطائرة التي تحمل جنسيتها، وهو ما يتفق ومفهوم الإقليم بالمعنى المتعارف عليه في القانون الدولي، وليس في ذلك ما يتعارض مع أصل إسلامي. 

ونصت المادة الرابعة على معيار تحديد مكان وقوع الجريمة، فهل العبرة بمكان النشاط الإجرامي (إطلاق العيار الناري مثلاً)؟ أم العبرة بمكان النتيجة المترتبة على هذا النشاط الوفاة في جريمة القتل مثلاً)؟. 

ولقد اختلف الفقهاء المسلمون في هذا الشأن، فمنهم من قال بأن العبرة هي بمكان النشاط. ومنهم قال بأن العبرة هي بمكان النتيجة والراجح هو إعطاء النشاط والنتيجة ذات الأهمية القانونية. 

وقد خرج المشروع عن مبدأ الإقليمية في المادتين الخامسة والسادسة؛ لعلة خاصة بكل منهما. 

ففي المادة الخامسة نص على سريان أحكام هذا القانون على كل من يرتكب خارج مصر جريمة من الجرائم التي حددتها هذه المادة وكلها من الجنايات؛ وذلك لعلة واضحة هي حماية المصالح الجوهرية للبلاد من العدوان عليها ولو بالخارج، سواء كان المعتدي مصريا أو غير مصري، وهذا الخروج على مبدأ الإقليمية في شأن هذه الجرائم لا يتعارض مع أصل إسلامي، ويمكن إسناده إلى المصلحة العامة التي تعد من مصادر الشرع الإسلامي، ولا شك في قيام المصلحة العامة المؤكدة في ملاحقة هذه الجرائم الخطيرة، حتى ولو وقعت خارج البلاد؛ لأنها تمس كيان البلاد أو مصالحها الجوهرية. 

وفي المادة السادسة نص على سريان أحكام هذا القانون أيضاً على كل مصري يرتكب في بلد إسلامي جريمة، أو يرتكب خارج مصر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة وفقاً لهذا القانون، وذلك إذا عاد إلى مصر وكان الفعل معاقباً عليه وفقاً لقانون البلد الذي ارتكب فيه والعلة وراء معاقبة المصري الذي يرتكب جريمة حدية في بلد إسلامي آخر - هو أن هذه الجريمة لا بد أن يكون معاقباً عليها في كل دولة إسلامية، فالنصوص الشرعية الخاصة بالجرائم الحدية تسري على جميع الدول الإسلامية، فهي تتسم بالإقليمية الإسلامية التي لا تميز بين دولة إسلامية وأخرى، لا فرق في ذلك بين مسلم، وغير مسلم وقد ثار الخلاف بشأن تحريم الخمر على غير المسلم في الدولة الإسلامية، فذهب الشافعي إلى أن التحريم يسري على غير المسلم بناء على قاعدة: (لهم ما لنا وعليهم ما علينا)، ولأن حدود الله - ومنها حد الشرب - هي من النظام العام في المجتمع الإسلامي. أما أبو حنيفة فقد فرق بين المسلم وغير المسلم، فأباح لغير المسلم أن يشرب الخمر؛ لأن هذا الشرب ليس جريمة عند الذميين ويرى الجمهور الأخذ برأي الشافعي، وهذا هو ما أخذ به المشروع، فغير المسلم عضو في المجتمع الإسلامي؛ فيجب أن يخضع لنظامه العام، وفضلاً عن ذلك فإن الغالب أن المسيحية تحرم السكر، كما أن الامتناع عن شرب الخمر يتفق مع ما هو مطلوب من الارتفاع بالمجتمع بكل مواطنيه ورعايتهم باعتبارهم أعضاء في مجتمع واحد. 

أما العلة من وراء معاقبة المصري الذي يرتكب خارج مصر فعلاً يعتبر جناية أو جنحة وفقاً لهذا القانون - فهو إلزام المواطنين المصريين بأن ينتهجوا في الخارج السلوك القويم وفقاً لما يتطلبه قانونهم المصري. 

وقد نصت المادة السابعة من المشروع على القيود الإجرائية التي ترد على الجناية في حالتي ارتكاب الجريمة في الخارج، وفقا لما هو منصوص عليه في المادتين الخامسة والسادسة من المشروع. 

ونصت المادة الثامنة على مبدأ عدم رجعية قانون العقوبات بالنسبة إلى الجرائم التعزيرية عدا القانون الأصلح للمتهم، ما لم يكن هذا القانون مؤقتاً بمدة معينة أو بحالة الطوارئ، وهذا المبدأ له أصوله الشرعية، فمن المقرر في الشريعة الإسلامية أنه في العقوبات التعزيرية التي يرى ولي الأمر فرضها إصلاحاً للناس - أن العقوبات تقرر من وقت ثبوتها وقد ذكر المواردي أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه نهى الرجال أن يطوفوا مع النساء حول الكعبة فرأى رجلاً يطوف مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل: والله إن کنت أحسنت فقد ظلمتني، وإن كنت أسأت فيا علمتني فقال عمر: أما شهدت عزمتي ألا يطوف الرجال مع النساء؟ فقال: ما شهدت لك عزمة. فألقى إليه الدرة، وقال له: اقتص. 

ويلاحظ أن هناك العديد من الآيات القرآنية تحمل مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، مثل قوله تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا) [الإسراء: 15)، أو قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ) [القصص، آية: 59]، وقوله تعالى : ( فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف، آية: 6]. وهذه الآيات وأمثالها تؤكد أن التجريم لا يكون إلا بعد الإعلام والإنذار وهو جوهر مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ويقول الفقهاء: (العقوبات موانع قبل الفعل وزواجر بعده). كما ورد في الأحكام السلطانية للماوردي أنه يجب أن يقدم الإنكار ولا يعجل بالتعذيب قبل الإنذار؛ حتى لا يحتج بعدم وروده من قبل وكل هذه النصوص أصل لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات الذي نصت عليه المادة الثانية من مشروع هذا القانون و غني عن البيان أنه لا محل الإيراد نص خاص بالحدود بالنسبة إلى تطبيقها من حيث الزمان؛ لأن الحدود مقدرة شرعا على النحو المبين في هذا القانون، وتسري منذ العمل به. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 65

مُتَّهَمٌ

التَّعْرِيفُ :

- الْمُتَّهَمُ لُغَةً:

مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ وَالتُّهْمَةُ هِيَ: الشَّكُّ وَالرِّيبَةُ وَاتَّهَمْتُهُ: ظَنَنْتُ بِهِ سُوءًا فَهُوَ تَهِيمٌ، وَاتُّهِمَ الرَّجُلُ اتِّهَامًا: أَتَى بِمَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ :

- الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ دَعْوَى دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ حَقٍّ وَالْمُدَّعِي: هُوَ مَنْ يَلْتَمِسُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُتَّهَمِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ مِنْ أَحْكَامٍ :

تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا:

الْمُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم

- عَدَّ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ الْمُتَّهَمَ بِالْكَذِبِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْكَذَّابِ مِنْ مَرَاتِبِ أَلْفَاظِ التَّجْرِيحِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: تَجُوزُ رِوَايَةُ حَدِيثِ مَنْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ فِي غَيْرِ الأْحْكَامِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ فَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ مَعَ بَيَانِ حَالِهِمْ. وَالَّذِي يَتَبَيَّنُ مِنْ عَمَلِ الإْمَامِ أَحْمَدَ وَكَلاَمِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الرِّوَايَةَ عَنِ الْمُتَّهَمِينَ وَالَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ كَثْرَةُ الْخَطَأِ لِلْغَفْلَةِ وَسُوءِ الْحِفْظِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْمُتَّهَمَ بِالْفِسْقِ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً قُبِلَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ وَقَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الأْكْثَرِ وَهُوَ أَعْدَلُهَا وَأَوْلاَهَا.

الْمُتَّهَمُ فِي الْجَرَائِمِ

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لاَ تُقَامُ عَلَى الْمُتَّهَمِ بِالتُّهْمَةِ. أَمَّا التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَلَمْ يَكْتَمِلْ نِصَابُ الْحُجَّةِ، أَوِ اسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ يَعِيثُ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا وَقَالُوا: إِنَّ الْمُتَّهَمَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَلاَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بَلْ يُعَزَّرُ مُتَّهَمُهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ فَيُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ بِالْحَبْسِ، وَقَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.

(ر: تُهْمَةٌ ف 14).

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَرَائِمُ مَحْظُورَاتٌ شَرْعِيَّةٌ زَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَلَهَا عِنْدَ التُّهْمَةِ حَالُ اسْتِبْرَاءٍ تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ الدِّينِيَّةُ وَلَهَا عِنْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا حَالُ اسْتِيفَاءٍ تُوجِبُهُ الأْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ.

فَأَمَّا حَالُهَا بَعْدَ التُّهْمَةِ وَقَبْلَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ النَّظَرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ حَاكِمًا رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ قَدِ اتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَكُنْ لِتُهْمَةٍ بِهَا تَأْثِيرٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْبِسَهُ لِكَشْفٍ وَلاَ اسْتِبْرَاءٍ وَلاَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَسْبَابِ الإْقْرَارِ إِجْبَارًا وَلَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي السَّرِقَةِ إِلاَّ مِنْ خَصْمٍ مُسْتَحِقٍّ لِمَا قَرَفَ وَرَاعَى مَا يَبْدُو مِنْ إِقْرَارِ الْمَتْهُومِ أَوْ إِنْكَارِهِ إِنِ اتُّهِمَ بِالزِّنَا لَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا وَيَصِفَ مَا فَعَلَهُ بِهَا بِمَا يَكُونُ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَإِنْ أَقَرَّ حَدَّهُ بِمُوجِبِ إِقْرَارِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ وَكَانَتْ بَيِّنَةً سَمِعَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْلَفَهُ فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا طَلَبَ الْخَصْمُ الْيَمِينَ. وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَتْهُومُ أَمِيرًا كَانَ لَهُ مَعَ هَذَا الْمَتْهُومِ مِنْ أَسْبَابِ الْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَذَلِكَ مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا : أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ قَرْفَ الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الإْمَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِلدَّعْوَى الْمُقَرَّرَةِ وَيَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِمْ فِي الإْخْبَارِ عَنْ حَالِ الْمَتْهُومِ وَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الرِّيَبِ؟ وَهَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِمِثْلِ مَا قُرِفَ بِهِ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ بَرَّءُوهُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ خَفَّتِ التُّهَمَةُ وَوُضِعَتْ وَعَجَّلَ إِطْلاَقَهُ وَلَمْ يَغْلُظْ عَلَيْهِ وَإِنْ قَرَّفُوهُ بِأَمْثَالِهِ وَعَرَّفُوهُ بِأَشْبَاهِهِ غَلُظَتِ التُّهَمَةُ وَقَوِيَتْ وَاسْتُعْمِلَ فِيهَا مِنْ حَالِ الْكَشْفِ مَا يُنَاسِبُهُ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ.

الثَّانِي : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يُرَاعِيَ شَوَاهِدَ الْحَالِ وَأَوْصَافَ الْمَتْهُومِ فِي قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا فَإِنْ كَانَتِ التُّهَمَةُ زِنًا وَكَانَ الْمَتْهُومُ مُطِيعًا لِلنِّسَاءِ ذَا فُكَاهَةٍ وَخَلاَبَةٍ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ، وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ، وَإِنْ كَانَتِ التُّهَمَةُ بِسَرِقَةٍ وَكَانَ الْمَتْهُومُ بِهَا ذَا عِيَارَةٍ أَوْ فِي بَدَنِهِ آثَارٌ لِضَرْبٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ حِينَ أُخِذَ مُنَقِّبٌ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ أَيْضًا.

الثَّالِثُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يُعَجِّلَ حَبْسَ الْمَتْهُومِ لِلْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ لِذَلِكَ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَبْسَهُ لِلاِسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ لاَ يَتَجَاوَزُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الإْمَامِ وَاجْتِهَادِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ أَنْ يَحْبِسُوا أَحَدًا إِلاَّ بِحَقٍّ وَجَبَ.

الرَّابِعُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ أَنْ يَضْرِبَ الْمَتْهُومَ ضَرْبَ التَّعْزِيرِ لاَ ضَرْبَ الْحَدِّ لِيَأْخُذَ بِالصِّدْقِ عَنْ حَالِهِ فِيمَا قُرِفَ بِهِ وَاتُّهِمَ، فَإِنْ أَقَرَّ وَهُوَ مَضْرُوبٌ اعْتُبِرَتْ حَالُهُ فِيمَا ضُرِبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ لَمْ يَكُنْ لإِقْرَارِهِ تَحْتَ الضَّرْبِ حُكْمٌ، وَإِنْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ عَنْ حَالِهِ وَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ قُطِعَ ضَرْبُهُ وَاسْتُعِيدَ إِقْرَارُهُ فَإِذَا أَعَادَهُ كَانَ مَأْخُوذًا بِالإْقْرَارِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الإْقْرَارِ الأْوَّلِ وَلَمْ يَسْتَعِدْهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِالإْقْرَارِ الأْوَّلِ وَإِنْ كَرِهْنَاهُ.

الْخَامِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ عَنْهَا بِالْحُدُودِ أَنْ يَسْتَدِيمَ حَبْسَهُ إِذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ بِجَرَائِمِهِ حَتَّى يَمُوتَ، بَعْدَ أَنْ يَقُومَ بِقُوتِهِ وَكِسْوَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ عَنِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ.

السَّادِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ إِحْلاَفُ الْمَتْهُومِ اسْتِبْرَاءً لِحَالِهِ، وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِ فِي التُّهْمَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالطَّلاَقِ وَالْعِتَاقِ، وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ إِحْلاَفُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ أَنْ يُجَاوِزُوا الأَْيْمَانَ بِاللَّهِ إِلَى الطَّلاَقِ أَوِ الْعِتْقِ.

السَّابِعُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يَأْخُذَ أَهْلَ الْجَرَائِمِ بِالتَّوْبَةِ إِجْبَارًا، وَيُظْهِرَ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِمْ مَا يَقُودُهُمْ إِلَيْهَا طَوْعًا، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدَ بِالْقَتْلِ فِيمَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ، لأِنَّهُ وَعِيدُ إِرْهَابٍ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْكَذِبِ إِلَى حَيِّزِ التَّعْزِيرِ وَالأْدَبِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ وَعِيدَهُ بِالْقَتْلِ فَيَقْتُلَ فِيمَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ.

الثَّامِنُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِهَنِ وَمَنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ الْقُضَاةُ إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ.

التَّاسِعُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ النَّظَرَ فِي الْمُوَاثَبَاتِ وَإِنْ لَمْ تُوجِدْ غُرْمًا وَلاَ حَدًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ سَمِعَ قَوْلَ مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا أَثَرٌ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِسَمَاعِ دَعْوَى مَنْ بِهِ الأْثَرُ وَلاَ يُرَاعَى السَّبْقُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَوْلَ أَسْبَقِهِمَا بِالدَّعْوَى، وَيَكُونُ الْمُبْتَدِئُ بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمَهُمَا جُرْمًا وَأَغْلَظَهُمَا تَأْدِيبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْدِيبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا:  بِحِسَابِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الاِقْتِرَافِ وَالتَّعَدِّي، وَالثَّانِي: بِحَسَبِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الْهَيْبَةِ وَالتَّصَاوُنِ.

وَإِذَا رَأَى مِنَ الصَّلاَحِ فِي رَدْعِ السَّفِلَةِ أَنْ يُشَهِّرَهُمْ، وَيُنَادَى عَلَيْهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ، سَاغَ لَهُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ أَوْجُهٌ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ فِي الْجَرَائِمِ بَيْنَ نَظَرِ الأْمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ فِي حَالِ الاِسْتِبْرَاءِ وَقَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ لاِخْتِصَاصِ الأْمِيرِ بِالسِّيَاسَةِ وَاخْتِصَاصِ الْقُضَاةِ بِالأْحْكَامِ.

- وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: دَعَاوَى التُّهَمِ وَهِيَ دَعْوَى الْجِنَايَةِ وَالأْفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَدَعْوَى الْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْعُدْوَانِ يَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:

فَإِنَّ الْمُتَّهَمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ، أَوْ فَاجِرًا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يَعْرِفُ الْوَالِي وَالْحَاكِمُ حَالَهُ.

فَإِنْ كَانَ بَرِيئًا لَمْ تَجُزْ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهِمِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا يُعَاقَبُ صِيَانَةً لِتَسَلُّطِ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الأْبْرِيَاءِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يُعْرَفُ بِبِرٍّ وَلاَ فُجُورٍ، فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الإْسْلاَمِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الأْئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي، وَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ «حَبَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي تُهْمَةٍ،» قَالَ أَحْمَدُ: وَذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَمْرُهُ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ».

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْحَبْسُ فِي التُّهَمِ إِنَّمَا هُوَ لِوَالِي الْحَرْبِ دُونَ الْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ هَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ أَوْ مَرْجِعُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْوَالِي وَالْحَاكِمِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرُ مُقَدَّرٍ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُولِ فَحَبْسُ هَذَا أَوْلَى، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الأْئِمَّةِ يَقُولُ: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ وَيُرْسَلُ بِلاَ حَبْسٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ مَذْهَبًا لأِحَدٍ مِنَ الأْئِمَّةِ الأْرْبَعَةِ وَلاَ غَيْرِهِمْ مِنَ الأْئِمَّةِ. وَيَسُوغُ ضَرْبُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْرَ بِتَعْذِيبِ الْمُتَّهَمِ الَّذِي غَيَّبَ مَالَهُ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ فِي قِصَّةِ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلِ الَّذِي يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي أَوْ كِلاَهُمَا أَوْ لاَ يَسُوغُ ضَرْبُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لاَ يُضْرَبُ، ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ عَنْ بِدْعَتِهِ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ.

الْمُتَّهَمُ فِي الْقَسَامَةِ

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الأْيْمَانَ تُوَجَّهُ إِلَى الْمُدَّعِينَ، فَإِنْ نَكَلُوا عَنْهَا وُجِّهَتِ الأْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تُوَجَّهُ تِلْكَ الأْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ ابْتِدَاءً، فَإِنْ حَلَفُوا لَزِمَ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قَسَامَةٌ ف 17).

تَحْلِيفُ الْمُتَّهَمِ فِي الأْمَانَاتِ

- يَحْلِفُ الْمُودَعُ وَالْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ وَكُلُّ مَنْ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ عَلَى تَلَفِ مَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى خِيَانَتِهِ كَخَفَاءِ سَبَبِ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 15).

وَإِذَا ادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ دَعْوَى الرَّدِّ وَدَعْوَى الضَّيَاعِ، إِذْ إِنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ يَدَّعِي يَقِينًا أَنَّ الْمُودَعَ كَاذِبٌ، فَيَحْلِفُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَّهَمًا أَمْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ لاَ عِلْمَ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ بِحَقِيقَةِ دَعْوَى الضَّيَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ فَلاَ يَحْلِفُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الأْظْهَرُ أَنْ تُلْحَقَ الْيَمِينُ إِذَا قَوِيَتِ التُّهَمَةُ، وَتَسْقُطَ إِذَا ضَعُفَتْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الْمُودَعُ مَحَلَّ تُهْمَةٍ فَوُجِّهَتْ إِلَيْهِ الْيَمِينُ وَنَكَلَ عَنْهَا ضَمِنَ وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا. وَصِفَةُ يَمِينِ الْمُتَّهَمِ أَنْ يَقُولَ: لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطْتُ، وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ مَا فَرَّطْتُ إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ.

رَدُّ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا بِالْمَحَبَّةِ وَالإْيثَارِ أَوْ بِالْعَدَاوَةِ أَوْ بِالْغَفْلَةِ وَالْغَلَطِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 8 - 10، شَهَادَةٌ ف 26).

 

الشَّكُّ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَّهَمُ

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإْمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَكٌّ ف 38).

رُجُوعُ الْمُتَّهَمِ فِي إِقْرَارِهِ

إِذَا أَقَرَّ الْمُتَّهَمُ بِحَقِّ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَإِنْ كَانَ الإْقْرَارُ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى أَنَّهُ يُحَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ. أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، أَوْ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لاَ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالزَّكَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي إِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 59 - 60).

صِحَّةُ إِقْرَارِ الْمُتَّهَمِ

يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ عَامَّةً شُرُوطٌ مِنْهَا:

عَدَمُ التُّهْمَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي إِقْرَارِهِ؛ لأِنَّ التُّهْمَةَ تُخِلُّ بِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي الإْقْرَارِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 22 وَمَا بَعْدَهَا).