loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1 ـ من المقرر أن الفقرة الأولى من المادة الرابعة من قانون العقوبات تنص على أنه (لا تقام الدعوى العمومية على مرتكب جريمة أو فعل فى الخارج إلا من النيابة العامة) مما مقتضاه أن النيابة العامة - وحدها هي المختصة بإقامة الدعوى العمومية على كل من يرتكب فعلا أو جريمة بالخارج وكان من المقرر أنه إذا أقيمت الدعوى العمومية على متهم ممن لا يملك رفعها قانوناً وعلى خلاف ما تقضي به الفقرة المار بيانها فإن اتصال المحكمة فى هذه الحالة بالدعوى يكون معدوما قانوناً ولا يحق لها أن تتعرض لموضوعها فإن هي فعلت كان حكمها وما بني عليه معدوم الأثر ولذا يتعين عليها القضاء بعدم قبول الدعاوى باعتبار أن باب المحاكمة موصود دونها إلى أن تتوافر لها الشروط التي فرضها الشارع لقبولها وهو أمر من النظام العام لتعلقه بولاية المحكمة واتصاله بشرط أصيل لازم لتحريك الدعوى الجنائية وبصحة اتصال المحكمة بالواقعة فيجوز إبداؤه فى أية مرحلة من مراحل الدعوى بل يتعين على المحكمة القضاء به من تلقاء نفسها وكان الحكم المطعون فيه لم يعرض لهذا الدفع فإنه يكون مشوبا بالقصور فى التسبيب لما هو مقرر من أن الدفع بعدم قبول الدعوى الجنائية والدعوى المدنية التابعة لها هو من الدفوع الجوهرية التي يجب على محكمة الموضوع أن تعرض له فتقسطه حقه ايرادا له وردا عليه مما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه والإعادة.

(الطعن رقم 17139 لسنة 64 ق - جلسة 2000/02/08 س 51 ص 142 ق 25)

2 ـ لما كان الحكم قد عرض لدفع الطاعن بعدم جواز نظر الدعوى لسابقة الفصل فيها فى الدعوى رقم ... لسنة .... جنايات دير العلا بالمملكة الأردنية الهاشمية فأورد شرحاً لمؤدى نص المادتين الثالثة والرابعة من قانون العقوبات ثم خلص إلى اطراح الدفع بقوله " وحيث إنه لما كان ما تقدم ، وبإنزاله على واقعات الدعوى ، وكان الثابت أن المتهم مصرى ، وأن الجريمة وقعت خارج البلاد على أرض المملكة الأردنية الهاشمية وتعد جناية فى القانون المصرى معاقب عليها بمقتضى نص المادة 240 عقوبات فضلاً عن أنها معاقب عليها بمقتضى قانون العقوبات الأردنى ، المادة 335 جناية إحداث عاهة دائمة ، وقد عاد إلى مصر دون أن يحاكم على جريمته فلم يثبت أنه صدر عليه حكم نهائى بشأنها بالدولة التى وقعت الجريمة فيها وأن المدة التى تقرر توقيف المتهم خلالها بمركز الإصلاح والتأهيل ...... لا تعدو أن تكون حبساً احتياطياً على ذمة القضية وليست عقوبة صدر بها حكم حتى شمله قانون العفو العام رقم 6 لسنة 1999 الصادر ..... فأسقطت عنه الدعوى إعمالاً لحكم المادة 130/أ من قانون الأصول الجزائية الأردنى وقد تولت النيابة العامة إقامة الدعوى الجنائية ضده ولم تقر العفو الذى يتعلل به المتهم لصدوره من الملك الأردنى الجديد ، ومن ثم لا يعد قيداً على تحريكها للدعوى الجنائية ولا يحول دون محاكمته عن جريمته التى وقعت منه فى الخارج وقد عاد إلى مصر " . لما كان ذلك ، وكانت المادة الرابعة من قانون العقوبات تنص فى الفقرة الثانية منها على أنه " لا يجوز إقامة الدعوى العمومية على من يثبت أن المحكمة الأجنبية برأته مما أسند إليه أو أنها حكمت عليه نهائياً واستوفى عقوبته " . ومفاد ذلك أنه يشترط لتوافر شروط صحة الدفع سالف الذكر فضلاً عن صدور حكم بات أى غير قابل للطعن فيه بأى طريقة من طرق الطعن العادية أوغير العادية المقررة فى الأقليم الذى أصدرت محاكمه هذا الحكم ، أن يكون المحكوم عليه الذى صدر الحكم بإدانته قد نفذ العقوبة المقضى بها عليه تنفيذاً كاملاً ، فإذا لم تنفذ فيه العقوبة أو لم ينفذ فيه سوى جزء منها فلا يتحقق القيد المانع من إعادة محاكمته فى مصر ، ولما كان الشارع قد حصر فى النص المتقدم القيود المانعة من إعادة تحريك الدعوى ضد المتهم فى حالتى البراءة أو الإدانة المتبوعة بتنفيذ العقوبة ، فإن ذلك يعنى استبعاد ما عداهما من الأسباب الأخرى كتقادم الدعوى أو العقوبة طبقاً للقانون الأجنبى أو صدور عفو شامل أو عفو عن العقوبة لمصلحة المتهم أو حفظ سلطات التحقيق للدعوى ، فهذه الأسباب كافة لا تحول دون تحريك الدعوى الجنائية فى مصر . لما كان ذلك ، وكان الطاعن لا ينازع فى مذكرة أسباب طعنه أن العقوبة المقضى بها عليه من محاكم المملكة الأردنية الهاشمية – بفرض صحة صدور حكم منها ضد الطاعن – قد نفذت عليه تنفيذاً كاملاً ، بل يسلم بأنه لم يستوف تنفيذها لصدور عفو ملكى عنه وهو ما لا يتحقق به القيد المانع من إعادة محاكمته فى مصر ، فإن الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى رفض الدفع سالف الذكر فإنه يكون قد التزم صحيح القانون . ويكون منعى الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله .

(الطعن رقم 15620 لسنة 70 ق - جلسة 2005/02/06 س 56 ص 108 ق 13)

شرح خبراء القانون

القيود التي ترد على الدعوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المرتكبة في الخارج:

أخضع الشارع الدعوى الجنائية الناشئة عن الجرائم المرتكبة في الخارج لقيدين : الأول، حصر به سلطة تحريك هذه الدعوى في يد النيابة العامة . والثاني، حظر به تحريكها إذا ثبت أن المحاكم الأجنبية قد برأت المتهم أو أدانته واستوفی عقوبته .

ونطاق هذين القيدين مقتصر على الجرائم والأفعال المرتكبة في الخارج، فيشمل كل الحالات المنصوص عليها في المادتين الثانية والثالثة من قانون العقوبات، أما إذا كانت الجريمة قد ارتكبت في الإقليم المصری فلا محل لهذين القيدين، فإن فر مرتكبها إلى الخارج حيث بریء أو أدين واستوفى عقابه، فإن محاكمته ثانياً في مصر جائزة غير مقيدة بقيد .

وقد نص الشارع على هذين القيدين في المادة الرابعة من قانون العقوبات، فقرر أنه «لا تقام الدعوى العمومية على مرتكب جريمة أو فعل في الخارج إلا من النيابة العمومية، ولا يجوز إقامتها على من يثبت أن المحاكم الأجنبية برأته مما أسند إليه أو أنها حكمت عليه نهائياً واستوفى عقوبته » .

القيد الأول : الأصل أنه إذا كانت الجريمة جنحة أو مخالفة، فإن سلطة تحريك الدعوى الجنائية عنها لا تستأثر بها النيابة العامة، بل يخولها الشارع كذلك للمضرور من الجريمة (المادتان 232، 233 من قانون الإجراءات الجنائية) . ولكن يخرج الشارع على هذا الأصل إذا كانت الجريمة قد ارتكبت في الخارج، فلا يجيز للمضرور منها تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عنها، بل تستأثر بذلك النيابة العامة .

وعلة هذا القيد أن تحريك هذه الدعوى أمر لا يخلو من الدقة والصعوبة، فقد تدعو بعض الاعتبارات إلى التغاضي عنه، وقد تقف صعوبات التحقيق ونفقاته عقبة دونه، فتكون المصلحة أن يترك تقدير ملاءمته للنيابة العامة وحدها.

القيد الثاني : لا يجيز الشارع إقامة الدعوى الجنائية ضد مرتكب الجريمة في الخارج إذا حوكم أمام المحاكم الأجنبية فقضت نهائياً ببراءته أو بإدانته واستوفى عقوبته، وعلة هذا القيد وجوب احترام قوة الشيء المحكوم فيه، إذ لا يجوز أن يحاكم شخص مرتين من أجل فعل واحد ويتحقق هذا القيد في صورتين : الأولى، أن يكون الحكم الصادر من المحاكم الأجنبية قد قضى ببراءة المتهم . والثانية، أن يكون قد قضى بإدانته واستوفى عقوبته، وفي الصورتين يتعين أن يكون الحكم باتاً.

وعلة اشتراط كون الحكم باتاً أن انقضاء الدعوى الجنائية بناء على قوة الشيء المحكوم فيه غير متصور ما لم يصدر حكم بات، ويعد الحكم باتاً إذا كان غير قابل للطعن بطريق عادي أو غير عادي، وتحديد ما إذا كان الحكم باتاً أو غير بات إنما يكون بتطبيق قواعد القانون النافذ في الإقليم الذي أصدرت محاكمه هذا الحكم، فالحكم قد صدر تطبيقاً لهذا القانون، فلا يجوز الرجوع إلى غيره لتحديد نوع الحكم، وقد استعمل الشارع تعبير « الحكم النهائي »، ولكنه يعني في الحقيقة « الحكم البات » لأن الدعوى الجنائية لا تنقضي إلا بمثل هذا الحكم، وقد اشترط الشارع كون الحكم نهائيًا في حالة الإدانة ولم يشترط ذلك في حالة البراءة، ولكن تتعين المساواة بين الحالتين لأن انقضاء الدعوى يتطلب في كل الأحوال ذات النوع من الأحكام.

وإذا كان الشارع يفترض صدور الحكم من محكمة أجنبية، فهو لا يتطلب صدوره من محاكم دولة معينة، أي أنه لا يشترط صدوره من محكمة الدولة التي ارتكبت الجريمة في إقليمها، فقد يكون صادراً من محكمة الدولة التي يحمل المتهم جنسيتها.

ولا يتحقق القيد إلا إذا كان الحكم قاضياً بالبراءة أو الإدانة، أي كان فاصلاً في الموضوع، أما إذا كان سابقاً على الفصل في الموضوع، كما لو كان قاضياً بعدم قبول الدعوى لسبب إجرائي، كرفعها من غير ذي صفة أو انقضائها بالتقادم فلا محل لهذا القيد.

فإذا كان الحكم بالبراءة فإن عبارة الشارع من العموم بحيث تتسع لكل حالات البراءة، سواء أكان سندها عدم كفاية الأدلة على وقوع الجريمة أو على نسبتها إلى المتهم، أم كان سندها أن القانون الأجنبي لا يعاقب على الفعل، ولا نزاع في تحقق القيد إذا استندت البراءة إلى عدم كفاية الأدلة؛ ولا نزاع كذلك في تحققه إذا استندت البراءة إلى أن القانون الأجنبي لا يعاقب على الفعل وكانت محاكمة المتهم بناء على المادة الثالثة من قانون العقوبات، إذ يشترط هذا النص لتطبيق القانون المصری کون القانون الأجنبي يعاقب على الفعل، فيكون معنى البراءة بناء على هذا السبب تخلف أحد الشروط المتطلبة لخضوع الفعل للقانون المصري.

أما إذا كانت محاكمة المتهم بناء على المادة الثانية من قانون العقوبات - وهي لا تشترط كون الفعل معاقباً عليه طبقاً لقانون الإقليم الذي ركب فيه - فإن اعتبار البراءة الصادرة من المحاكم الأجنبية استناداً إلى أن القانون الذي تطبقه لا يعاقب على الفعل مانعة من محاكمته في مصر يعنی إضافة شرط لا يتطلبه القانون، من أجل ذلك يرى بعض الفقهاء جواز  محاكمة المتهم في مصر على اعتبار أن حكم البراءة السابق ليس إلا إعلاناً من المحكمة الأجنبية بأن قانونها لا يعاقب على الفعل، وهذا التعليل غیر مقبول، لأن هذا الإعلان لا يعدو في حقيقته غير أن يكون حكماً بالبراء يخضع لعموم نص القانون، ونحن نرى عدم الاعتداد بهذه البراءة، وسندنا في ذلك أن نصوص القانون يجب أن تفسر على أنها كل لا يتجزأ، ولذلك فإنه يتعين عند تحديد المقصود « بحكم البراءة » الاستعانة بما تقرره المادة الثانية من قانون العقوبات وتخصيص حكم البراءة بالنسبة لهذه المادة باستبعاد البراءة لعدم وجود نص في القانون الأجنبي .

وإذا كان الحكم صادراً بالإدانة، فإن الشارع يتطلب استيفاء المحكوم عليه كل عقوبته، ويعني ذلك أنه إذا لم تنفذ فيه العقوبة أو لم ينفذ فيه سوى جزء منها فلا يتحقق القيد . واشتراط التنفيذ الكامل للعقوبة هو استثناء من القواعد العامة في قوة الشيء المحكوم فيه، إذ الأصل أن ينسب انقضاء الدعوى إلى الحكم ذاته، لا إلى تنفيذه، ولكن يفسر خطة الشارع حرصه على ألا يفر الجاني من العقاب لمجرد أنه أدين طالما أن العقوبة لم تنفذ فيه - ويتحقق القيد بالتنفيذ الكلى للعقوبة، ولو كان وصف الجريمة في القانون الأجنبي أقل خطورة من وصفها في القانون المصري وكانت العقوبة التي قضى بها الحكم الأجنبي ضئيلة بالقياس إلى ما كان يتحمل أن يقضى به على المتهم تطبيقاً للقانون المصرى.

وإذا كان الشارع قد حصر القيود المانعة من تحريك الدعوى الجنائية في حالتي البراءة والإدانة المتبوعة بتنفيذ العقوبة، فإن ذلك يعني استبعاد ما عداهما من الأسباب، كتقادم الدعوى أو العقوبة طبقا للقانون الأجنبي، أو صدور عفو شامل، أو عفو عن العقوبة لمصلحة المتهم، أو حفظ سلطات التحقيق الدعوى أو تقريرها ألا وجه لإقامتها : فهذه الأسباب كافة لا تحول دون تحريك الدعوى الجنائية في مصر .(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:   159)

وبناءً على ذلك تمثل هذه المادة قيوداً على  إقامة الدعوى الجنائية عن الجرائم المرتكبة في الخارج وتشمل هذه القيود الحالات الثلاث الواردة في المادتين الثانية والثالثة وهي حالة من يرتكب فعلاً في الخارج يجعله فاعلاً أو شريكاً وقعت في مصر المادة (1/ 2) وحالة ارتكاب الجنايات المخلة بأمن الدولة أو ببعض مصالحها الحيوية (المادة 2/2) وحالة ارتكاب مصري جريمة في الخارج ثم عودته لمصر (المادة 3).

القيد الأول:

هو منع إقامة الدعوى الجنائية على من يرتكب جريمة أو فعلاً في الخارج إلا من النيابة العامة. وهذا القيد يتعلق بالجنح والمخالفات فهي التي يجوز فيها لمن أصابه ضرر من الجريمة أن يحرك الدعوى مباشرة (المادتان 232، 233 إجراءات جنائية)، أما الجنايات فلا يجوز تحريك الدعوى بمعرفة الأفراد. وبناءاً على هذا يكون للنيابة وحدها الحق في تحريك الدعوى عن الجرائم والأفعال المرتكبة في الخارج نظراً لما تثيره من صعوبات ودقة في تقدير توافر الشروط المطلوبة لقيام الجريمة. وإن كان إثباتها وملائمة رفع الدعوى أو التغاضي عنها، حق النيابة العامة فهي التي تستطيع مراعاة هذه الأمور.

 القيد الثاني:

هو عدم جواز إقامة الدعوى الجنائية ضد من يرتكب جريمة في الخارج إذا حكم ببراءته نهائياً من المحاكم الأجنبية أو حكم بإدانته واستوفى عقوبته.

والحكمة من هذا القيد هي مراعاة العدالة بعدم جواز محاكمة الشخص عن فعل واحد مرتين.

ويشترط أن يكون الحكم الأجنبي باتاً أو غير قابل للطعن فيه بالطريق العادي أو غير العادي ويرجع للقانون الأجنبي الذي صدر الحكم بناءا عليه لمعرفة ما إذا كان باتاً أم لا. ولا يشترط بالنسبة للحكم الأجنبي أن يكون صادراً من محاكم الدولة التي ارتكبت فيها الجريمة، فقد يصدر الحكم من محاكم الدولة التي ينتمي الجاني لجنسيتها.

ولا يعتد بالحكم الأجنبي إلا إذا كان صادراً بالبراءة أو بالإدانة، حتى تكون المحكمة قد فصلت في موضوع الدعوى، أما إذا كان قاضياً بعدم قبول الدعوى السبب شكلي لرفعها من غير ذي صفة مثلاً فإن هذا الحكم لا يحول دون محاكمة الجاني في مصر.

ولا يعتد بالحكم الصادر بالبراءة من المحاكم الأجنبية بالنسبة للحالتين الواردتين في المادة الثانية بفقرتيها إذا كان هذا الحكم مؤسساً على عدم تجريم القانون الأجنبي للأفعال الداخلة في هذه المادة، لأنها لم تتطلب ضرورة كون هذه الأفعال معاقباً عليها وفقاً للقانون الأجنبي.

أما في حالة المصري الذي يرتكب جناية أو جنحة في الخارج ويعود لمصر. فإن الحكم البراءة على هذا الأساس تكون له حجيته ويحول دون إعادة محاكمته، لأن المادة الثالثة تشترط أن يكون الفعل معاقباً عليه في قانون الدولة التي ارتكب فيها.

أما إذا كان الحكم البراءة صادراً لعدم كفاية الأدلة فتكون له حجيته في الحالات الثلاث.ويتحقق به القيد الذي يمنع من إعادة المحاكمة.

وإذا كان الحكم صادراً بالإدانة، فيتعين أن تنفذ كل العقوبة على المحكوم عليه، وتنفيذ العقوبة كاملة يحول دون إعادة محاكمة الجاني في مصر ولو كان وصف الجريمة في القانون الأجنبي أقل شده من وصفها في القانون المصري أو إذا كانت العقوبة التي حكم بها عليه بسيطة بالقياس إلى ما كان يحتمل أن يحكم به عليه طبقاً للقانون المصري.

وإذا لم تنفذ العقوبة أو نفذ جزء منها فقط فلا يتحقق القيد وتجوز إعادة محاكمة الجاني في مصر.

وإذا كان الشارع يحصر القيود المانعة من تحريك الدعوى في حالتي البراءة والإدانة المتبوعة بتنفيذ العقوبة، فإن ذلك يعني استبعاد ما عداهما من الأسباب كتقادم الدعوى أو العقوبة طبقاً للقانون الأجنبي أو صدور عفو شامل أو عفو عن العقوبة لمصلحة المتهم أو حفظ سلطات التحقيق الدولة فهذه الأسباب كافة لا تحول دون تحريك الدعوى الجنائية في مصر.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 74 ).

هذا وقد أوردت المادة الرابعة فقرة ثانية من قانون العقوبات قيد على إقامة الدعوى الجنائية بالنسبة لمن يثبت أن المحاكم الأجنبية برأته مما أسند إليه أو أنها حكمت عليه نهائياً واستوفى عقوبته.

ويلاحظ على هذا القيد ما يأتي :

1-أنه لا يسري على حالات البراءة القانونية المبينة على عدم العقاب على الفعلي. فإذا كان قانون العقوبات الأجنبي الساري في مكان ارتكاب الجريمة لا يعاقب على الأفعال المرتكبة في الخارج والتي تشكل جناية أمن دولة وفقاً للقانون المصري، فإن براءة المتهم لهذا السينية لا تحول دون محاكمته أمام القضاء المصري.

2- إذا كان الحكم الأجنبي بالإدانة فيلزم استيفاء العقوبة كاملة. فإذا كان قد صدر عفو عن العقوبة كاملة أو جزء منها فلا يمنع هذا الحكم من إعادة المحاكمة وفقاً للقانون المصري مع ملاحظة أن الإفراج الشرطي لا يفيد تنفيذ العقوبة إلا إذا انقضت مدة الإفراج الشرطي دون إلغائه . فإذا هرب المحكوم عليه من التنفيذ أو من المراقبة أثناء الإفراج الشرطي فتجوز محاكمته من جديد وفقً للقانون المصري. ومعنى ذلك، أن المحكوم عليه في الخارج والمفرج عنه تحت شرط إذا عاد إلى مصر قبل انتهاء مدة الإفراج يمكن محاكمته، باعتبار أن الحكم الأجنبي الصادر بالعقوبة لا يجوز تنفيذه كاملاً أو في جزء منه داخل القطر نظراً لتعارض ذلك وسيادة الدولة، وفترة الإفراج تعتبر تنفيذاً للحكم.

3- إذا نفذ المحكوم عليه العقوبة المحكوم بها من المحاكم الأجنبية فلا تجوز إعادة محاكمته بغض النظر عن جسامة أو ضآلة العقوبة المقضي بها.

4- بالنسبة لجرائم أمن الدولة المنصوص عليها في قانون الأحكام العسكرية لا يطبق في شأنها القيد المنصوص عليه بالمادة الرابعة فقرة ثانية عقوبات وإنما يمكن محاكمة المتهم ثانية أمام المحاكم العسكرية مع مراعاة مدة العقوبة التي يكون قد قضاها وهذا ما نصت عليه صراحة المادة الثامنة من قانون الأحكام العسكرية.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة: 36)

نص المشرع في المادة الرابعة من قانون العقوبات على قيدين بالنسبة لاستعمال الدعوى الجنائية الناشئة عن الجرائم التي يمتد إليها القانون المصري خارج النطاق الإقليمي بالتطبيق لمبدأ عينية وشخصية القواعد الجنائية، أو بالتطبيق لمبدأ الإقليمية في حالة ارتكاب فعل بالخارج يجعل مرتكبة فاعلاً أو شريكاً في جريمة وقعت كلها أو بعضها في مصر.

القيد الأول حظر رفع الدعوى الجنائية إلا عن طريق النيابة العامة وقد نصت على هذا القيد الفقرة الأولي من المادة الرابعة حيث جاء بها: «لا تقام الدعوى العمومية على مرتكب جريمة أو فعل في الخارج إلا من النيابة العامة.

ومفاد هذا القيد أنه لا يجوز رفع الدعوى الجنائية من الجهات التي تملك استثناء تحريك الدعوى ورفعها خلاف النيابة العامة. وهذه الجهات هي قاضي التحقيق، مستشار الإحالة، غرفه المشورة، محكمة الجنايات والدائرة الجنائية بمحكمة النقض في أحوال التصدي، المضرور من الجريمة في أحوال الادعاء المباشر. وعلة، هذا القيد هو أن النيابة العامة هي الجهة الأصلية المختصة بتحريك ورفع ومباشرة الدعوى الجنائية، ولذلك رأي المشرع أنه لا محل لمنح الجهات المختصة استثناء تحريك ورفع الدعوى في مثل تلك الجرائم التي تحتاج إلى قدر كبير من الملاءمة في رفع الدعوى. 

القيد الثاني حظر رفع الدعوى الجنائية إذا كان المتهم قد حوكم في الخارج وقضي ببراءته أو بإدانته نهائياً واستوفى مدة العقوبة.

ويستند هذا القيد إلى اعتبارات العدالة التي تحول دون محاكمة الشخص مرتين عن فعل واحد. ويلاحظ أن في هذا القيد اعترافاً بالحكم الأجنبي إلا أنه اعتراف جزئي يتمثل فقط في رفع الدعوي الجنائية، وليس باعتباره سنداً تنفيذياً ولتفهم حدود الحظر ينبغي التفرقة بين الفرضين الواردين:

 أولاً - الحكم نهائياً بالبراءة :

إذا قضى نهائياً ببراءة المتهم من المحاكم الأجنبية فلا يجوز رفع الدعوى الجنائية في مصر، ومع ذلك تلزم التفرقة بين الأسباب التي تستند إليها الواقعة أو عدم نسبتها إلى المتهم أو عدم كفاية الأدلة، فإن البراءة تحدث البراءة. فإذا كانت مؤسسة على أسباب موضوعية كعدم ثبوت أثرها في عدم جواز رفع الدعوى، أما البراءة المؤسسة على أسباب قانونية كعدم العقاب على الفعل أو لعدم توافر أركان الجريمة أو لقيام مانع من موانع العقاب، فإن هذه البراءة لا تحول دون رفع الدعوى الجنائية إذا كانت الجريمة تخضع للقانون المصري استناداً إلى مبدأ العينية، أما إذا كان خضوع الفعل للقانون المصري استناداً إلى مبدأ الشخصية فإن براءة المتهم تحول دون رفع الدعوى باعتبار أن القانون المصري يتطلب أن يكون الفعل معاقباً عليه في قانون البلد الذي وقع فيه ولم يشترط ذلك بالنسبة للجرائم المنصوص عليها بالمادة الثانية والتي يمتد إليها بالتطبيق لمبدأ العينية. والقول بغير ذلك يفيد تقييد نص المادة الثانية بغير سند قانوني وبغير مسوغ لمنطق تفسير النصوص.

أما البراءة المؤسسة على أسباب عارضة للرابطة الإجرائية فإنها لا تحول دون رفع الدعوى الجنائية. ومثال البراءة المؤسسة على تقادم الدعوى الجنائية أو لصدور قانون عفو، ويأخذ حكم تلك الأسباب أيضاً جميع الأحكام الصادرة قبل الفصل في الموضوع كعدم القبول أو عدم الاختصاص.

فالخلاصة هي أن حكم البراءة الذي يحول دون رفع الدعوى الجنائية هو الحكم الصادر فاصلاً في الموضوع متعلقاً بنفي حق الدولة في العقاب استناداً إلى أسباب موضوعية تتعلق بصحة ثبوت الواقعة وبنسبتها إلى المتهم.

ويجب أن يكون الحكم نهائياً بمعنی باتاً. ذلك أن الحكم البات هو الذي تنقضي به الدعوى الجنائية ولا يجيز الرجوع إلى موضوع الدعوى مرة أخرى.

 ثانياً - الحكم نهائياً بالإدانة واستيفاء العقوبة المحكوم بها :

وفي هذا الفرض يلزم لكي يتوافر حظر رفع الدعوى الجنائية أن يكون المحكوم عليه قد استوفى مدة العقوبة كاملة. فإذا كانت العقوبة قد سقطت بالتقادم ولو بعد تنفيذ جزء منها فإن ذلك الحكم لا يحول دون رفع الدعوى. وكذلك الحال إذا كانت العقوبة لم تنفذ لصدور الحكم مشمولاً بوقف التنفيذ، أو كان قد صدر عفو عن العقوبة.

ومتى توافر شرط التنفيذ الكلي للعقوبة فلا يجوز رفع الدعوي الجنائية مهما كانت العقوبة المقضي بها، فلا يشترط أن تكون العقوبة بدرجة جسامة تتناسب وما يقضي به قانون العقوبات المصري. فقد يقضي بالغرامة على المتهم بينما العقوبة المقررة في القانون المصري هي الحبس أو السجن، ومع ذلك يحول تنفيذ الغرامة دون رفع الدعوى.

وجدير بالملاحظة أن الإفراج عن المحكوم عليه تحت شرط لا ينهي تنفيذ العقوبة طوال مدة الإفراج. فإذا انقضت مدة الإفراج الشرطي ولم يحل المحكوم عليه بشروط الإفراج اعتبر أنه استوفي تنفيذ العقوبة كاملة. أما إذا كان قد هرب أثناء فترة الإفراج الشرطي فإن التنفيذ يعتبر قد انقطع بهربه وبالتالي لا يحول ذلك دون رفع الدعوى الجنائية لعدم تحقق شرط الاستيفاء الكلي للعقوبة. وعموماً فإن تقدير الملاءمة في مثل تلك الحالات منوط بالنيابة العامة.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة :  91) 

1- المستفاد من نص المادة الرابعة من قانون العقوبات أنه يتعين توافر شرطين لصحة المحاكمة قانوناً في كافة الأحوال التي يعاقب فيها القانون المصري مرتكب الجريمة في الخارج أولهما هو إقامة الدعوى العمومية من النيابة العامة وثانيهما الحكم نهائياً بالإدانة وأن يستوفي المحكوم عليه عقوبته أو الحكم بالبراءة وذلك على التفصيل الآتي:

الشرط الأول : إقامة الدعوى العمومية من النيابة العامة :

يجب أن لا تقام الدعوى العمومية عن فعل ارتكب في الخارج إلا من النيابة العامة لأنها الهيئة التي عهد إليها القانون بسلطتي التحقيق والاتهام بصفة أصلية ولأنها أقدر على إدارة التحقيق سواء بأعضائها أو بطريق الإنابة القضائية وينبغي على ذلك أن المدعى بالحق المدني لا يستطيع تحريك الدعوى العمومية.

الشرط الثاني : صدور حكم نهائي بالإدانة أو البراءة :

وفي حالة ما إذا كان الحكم صادراً بالإدانة فإنه يجب أن يكون قد استوفى مدة العقوبة بالكامل فإذا كان قد حكم عليه نهائياً بالعقوبة ثم هرب أو قضى بعضها أو صدر عفو عن باقي مدة العقوبة أو كان قد حكم عليه ثم سقطت العقوبة بمضي المدة في الخارج دون سقوطها في مصر فإن هذا لا يمنع من محاكمته من جديد في مصر.

على أنه يجوز للقاضى إذا كان المتهم قد نفذ عليه جزء من العقوبة في الخارج أن يلاحظ هذا التنفيذ الجزئي في تقدير العقوبة بماله من سلطة التخفيف في الجنح وبما يسمح له به نظام الظروف المخففة في الجنايات.

أما إذا كان الحكم صادراً بالبراءة فقد جاء النص مطلقاً فيما يتعلق بحكم البراءة بمعنى أن سلطة العقاب تنقضي بهذا الحكم أياً كان سبب البراءة ولو كان عدم المعاقبة على الفعل بمقتضى القانون الأجنبي، ولكن يجب تفسير النص وكما ذهب الرأي الراجح في الفقه على ضوء ما جاء في المادتين الثانية والثالثة على ضوء العلة فيهما فالفقرة الثانية من المادة الرابعة تطبق على إطلاقها بالنسبة للجرائم المشار إليها في المادة الثالثة. فهذه المادة تشترط صراحة أن يكون الفعل معاقباً عليه بمقتضى قانون البلد الذي ارتكب فيه. أما المادة الثانية بشقيها فلا تشترط هذا لأنه في الحالة التي تطبق فيها الفقرة الأولى تكون الجريمة قد أخلت بالأمن أو النظام في مصر بوقوعها كلها أو بعضها في مصر وفي الحالة الأخرى يغلب أن التشريعات الأجنبية لا تهتم بالمعاقبة على الأفعال الضارة بالدولة الأخرى. وبناء عليه يجوز رفع الدعوى في الجرائم المشار إليها في المادة الثانية رغم حكم البراءة الصادر من محكمة أجنبية لعدم المعاقبة على الفعل.

والخلاصة هي أن حكم البراءة الذي يحول دون رفع الدعوى الجنائية هو الحكم الصادر فاصلاً في الموضوع متعلقاً بنفي حق الدولة في العقاب استناداً إلى أسباب موضوعية تتعلق بصحة ثبوت الواقعة ونسبتها إلى المتهم أي في حالة البراءة التي تستند إلى عدم ثبوت الواقعة أو عدم كفاية الأدلة.

2- الحكم الأجنبي الذي يكون مانعاً من رفع الدعوى الجنائية أمام القضاء المصري من جديد يلزم أن يكون "باتاً" أي غير قابل للطعن بأي طريق من طرق الطعن في التنظيم القضائي للدولة التي أصدرته. وظاهر من نص المادة الرابعة في فقرتها الثانية أنها لا تستلزم الحكم البات إلا في الحكم الصادر بالإدانة إلا أن المادة تستلزم حقيقة أن يكون الحكم باتاً سواء أكان صادراً بالبراءة أو بالإدانة.

3- سقوط العقوبة في الخارج بمضي المدة أو صدور عفو عنها: 

إذا سقطت العقوبة بمضي المدة أو صدر عنها عفو في الخارج فإن ذلك لا يمنع من رفع الدعوى في مصر استناداً إلى سكوت النص وما دامت الدعوى العمومية لم تسقط بمضي المدة طبقاً لأحكام القانون المصرى، وقد جاء بتعليقات الحقانية تعليقاً على المادة الرابعة من قانون سنة 1904 وهي ذاتها المادة محل التعليق أنه فيما يتعلق بالفقرة الثانية من هذه المادة أنظر المادة 13 من القانون البلجيكي الصادر في 17 أبريل سنة 1878 التي نصها " ولا تنطبق الأحكام السابقة في حالة ما إذا حوكم الجاني في بلدة أجنبية من أجل الجريمة نفسها وحكم ببراءته وكذا لو حكم عليه وقضى عقوبته أو سقطت بمضي المدة القانونية أو صدر عنها عفو" وقد حذف من هذا النص ما يختص بسقوط العقوبة المحكوم بها من محكمة أجنبية بمضي المدة وذلك لعدم ضرورته بما أن الدعوى العمومية تسقط في مصر على العموم قبل سقوط العقوبة، وأما في الأحوال الاستثنائية التي لا تسقط فيها الدعوى العمومية قبل سقوط العقوبة فإنه مما لا ريب فيه أن الجاني لايستحق أن يعفى من المحاكمة في مصر لأنه تمكن من الفرار من تنفيذ العقوبة في بلدة أجنبية وقد حذف أيضاً ما يتعلق بالعفو لأن الجريمة قد يكون لها اعتبار أيضاً في نظر الحكومة المصرية لدرجة تستلزم أن لا تكون هذه مرتبطة بالعفو الذي تمنحه الأخرى.

4- تقادم الدعوى وصدور عفو عن الجريمة في الخارج : 

لم يرد في المادة الرابعة شئ عن انقضاء الدعوى العمومية بالتقادم أو صدور عفو عن الجريمة وفقاً للقانون الأجنبي ولا يصح قياس هذين السببين على تقادم العقوبة أو العفو عنها لاختلاف الآثار المترتبة على كل. فتقادم الدعوى أو العفو عن الجريمة يجعل الفعل غير معاقب عن الجرائم المشار إليها في المادة الثانية.

 5- حالة حفظ الدعوى : 

لم يتعرض الشارع في نص المادة الرابعة محل التعليق على حالة حفظ الدعوى من السلطة القضائية في البلد الأجنبي ذهب بعض الفقهاء إلى التفريق بين الحفظ المؤقت فهو لايمنع من المحاكمة وبين الحفظ القطعي فإنه مانع منها. ولكن النص قد ذكر حالة الحكم فقط وهي حالة متميزة عن حالة الحفظ الذي تصدره سلطة التحقيق وليس من السهل التسوية بين الحالتين بغیر نص ومن ثم فإن حفظ سلطات التحقيق الأجنبية للدعوى لا يحول دون تحريك الدعوى الجنائية قبل التهم في مصر.(موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار/ مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود  الصفحة / 69)

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة ( 25 ) .

 

 (مادة 7) 

لا تقام الدعوى الجنائية على من ارتكب جريمة في الخارج إلا من النيابة العامة، ولا يجوز إقامتها على من يثبت أن المحاكم الجنائية الأجنبية برأته مما أسند إليه، أو أنها حكمت عليه واستوفى عقوبته.