loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

المادة 5- هي المادة 5 من قانون سنة 1904 مضافاً إليها فقرتان دعا إليهما سد نقص في التشريع ذلك بأن المادة الخامسة المذكورة تنص على مبداً عدم سريان أحكام القانون على الماضي وبمقتضى هذا المبدأ : (أولاً) لا يجوز إن يحكم على شخص بعقوبة لفعل لم يكن معاقباً عليه وقت ارتكابه. (ثانياً) لا يجوز أن يحكم على شخص ارتكب جريمة بعقوبة أشد من التي كانت موضوعة لها وقت ارتكابها، على أنه من المقرر أن قوانين العقوبات تسري أحكامها سواء على الأفعال التي ترتكب من تاريخ نفاذها أو على الأفعال التي ارتكبت قبل ذلك إذا كانت هذه القوانين أصلح للمتهم كالقوانين التي تلغي بعض الجرائم أو تخفف العقوبة في بعضها ولذلك فإن المادة 5 من قانون سنة 1904 بعد أن نصت على أن " يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها " قررت أنه " مع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره " ومعنى هذا أنه إذا صدر القانون الجديد بعد الحكم نهائياً فلا يستفيد منه المحكوم عليه مع إن العدل يقتضي أن يستفيد منه . من أجل ذلك تنص إحدى الفقرتين المقترح إضافتها إلى هذه المادة على أنه " إذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية ".

 علي أنه لا يجوز أن يستفيد المتهم او المحكوم عليه من مضي المدة التي ينهي فيها القانون عن فعل أو يأمر به وإلا ضاع الغرض المقصود من القانون، وهذا هو ما دعا إلى إضافة الفقرة الثانية، والمبادئ المقررة في هاتين الفقرتين مأخوذ بها في بعض القوانين الحديثة كالقانون الإيطالي الصادر في سنة 1930 ( المادة الثانية منه ) ومشروع قانون العقوبات الفرنسي (المادة السادسة) .

الأحكام

1ـ لما كانت المادة الخامسة من قانون العقوبات قد نَصت على أنهُ : " يُعاقب على الجرائم بمُقتضي القانون المعمول به وقت ارتكابها ، ومع هذا إذا صَدر بعد وقوع الفعل وقَبل الحُكم فيه نهائياً قانون أصلح للمُتهم فهو الذي يُتَّبع دون غيره ... " ، كما أن نص المادة 47 من ذات القانون قد نص على أنه : " تعيَّن قانوناً الجُنح التي يُعَاقب على الشروع فيها ، وكذلك عقوبة هذا الشروع " . لمَّا كَان ذلك ، وكَان قد صدر القانون رقم 95 لسنة 2005 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الجمارك رقم 66 لسنة 1963 - والذي عُمِل به اعتباراً من يوم 21 يونيه سنة 2005 - والذي ألغى المادة 124 مُكرراً من القانون الأخير ، والتي كَانت تُقرِّر عقوبة جنائية لجريمة الشروع فى التهريب الجمركي المُؤثمة بالمادتين 122 ، 124 مُكرر من ذلك القانون آنف البيان ، وخَلت نصوص القانون الجديد من ثمة تأثيم لجريمة الشروع والتي كَان منصوصاً عليها فى القانون سالف الذكر قبل تعديله ، ومن ثم فقد أضحت تلك الجريمة بموجب القانون رقم 95 سالف الذكر ، فعلاً غير مُؤثم ، ويغدو غير مُنتِج سائر نعي الطاعن بصفته على الحُكم الصادر ببراءة المطعون ضده ليفصح الطعن المُقدَّم منه عن عدم قبوله موضوعاً ، ويَتعيَّن التقرير بذلك ، دون حاجة إلى تحديد جلسة لنظر الموضوع باعتبار أن الطعن للمرة الثانية .

(الطعن رقم 16371 لسنة 4 ق - جلسة 2014/07/09 س 65)

2 ـ من المقرر أن الأصل عملاً بالمادة 19 من الإعلان الدستورى والفقرة الأولى من المادة الخامسة من قانون العقوبات أنه لا تسرى أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها ، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها ، وأن مبدأ عدم جواز رجعية الأحكام الموضوعية لنصوص القوانين الجنائية مستمدة من قاعدة شرعية الجريمة والعقاب التى تستلزم أن تقتصر على عقاب الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها ، فإنه يخرج عن هذا النطاق القانون الأصلح للمتهم وهو ما قننته الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ، وكان من المقرر أن القانون الأصلح للمتهم هو الذى ينشئ له من الناحية الموضوعية لا الإجرائية مركزاً أو وضعاً يكون أصلح له من القانون القديم بأن يلغى الجريمة المسندة إليه أو بعض عقوباتها أو يخفضها أو يقرر وجهاً للإعفاء من المسئولية الجنائية أو يلغى ركناً من أركان الجريمة ، فيكون من حق المتهم فى هذه الحالات واستمداداً من دلالة تغيير سياسة التجريم والعقاب إلى التخفيف أن يستفيد لصالحه من تلك النصوص الجديدة من تاريخ صدورها ، وكان إعمال القانون الأصلح عملاً بالفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات باعتباره قيداً على سريان النص العقابى من حيث الزمان هو مما يدخل فى اختصاص محكمة النقض بغير دعوى ولا طلب .

(الطعن رقم 25203 لسنة 74 ق - جلسة 2012/04/19 س 63 ص 322 ق 50)

3 ـ من المقرر بنص الدستور والمادة الخامسة من قانون العقوبات أنه لاعقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون المصري الذي لا ينفذ بنص الدستور قبل نشره من المقرر بنص الدستور والمادة الخامسة من قانون العقوبات أنه لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون الذى ينص عليها والذى لا ينفذ بنص الدستور قبل نشره فى الجريدة الرسمية حتى يتحقق علم الكافة بخطابه ، وليس للقانون الجنائي أثر رجعى ينسحب على الوقائع السابقة على نفاذه . وهى قاعدة أساسية إقتضتها شرعية الجريمة والعقاب . ولما كان قرار وزير التموين والتجارة الداخلية رقم 152 لسنة 1966 بشأن إلزام التجار لعرض السلع المخزونة لديهم أو لدى آخرين - الذى دين الطاعن بمقتضاه عن التهمة الأولى - وإن صدر فى 31 من أغسطس سنة 1966 إلا أنه لم ينشر فى الوقائع المصرية إلا فى 17 من أكتوبر سنة 1966 أى بعد الواقعة المنسوبة إلى الطاعن ، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ دانه عن هذه التهمة يكون قد أخطأ .

(الطعن رقم 2048 لسنة 38 ق - جلسة 1969/02/17 س 20 ع 1 ص 271 ق 59)

4 ـ إن المقصود بالقانون الأصلح فى حكم الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات هو القانون الذى ينشئ للمتهم مركزاً أو وضعاً يكون أصلح له من القانون القديم ، و لما كان قرار وزارة التموين رقم 27 لسنة 1953 الذى يقضى بتخفيض وزن الرغيف ، و الذى يستند إليه المتهم بصنع خبز أقل من الوزن القانونى فى وجوب الحكم ببراءته تطبيقاً للمادة الخامسة من قانون العقوبات ، و إن كان يختلف فى أحكامه عن القرار رقم 516 لسنة 1945 الذى كان معمولاً به وقت إرتكاب الجريمة من ناحية تخفيض وزن الرغيف و تغيير مواصفاته عن الرغيف القديم ، إلا أن الواضح من ذلك القرار و من البيانات التى أرسلتها وزارة التموين للمحامى العام لدى محكمة النقض أن تخفيض وزن الرغيف لم يقصد به رعاية جانب أصحاب المخابز و لا يترتب عليه التيسير عليهم أو التخفيف من أعبائهم المادية أو زيادة أرباحهم ، و إنما هدفت الوزارة بإصداره إلى تحقيق إعتبارات إقتصادية بحتة تتصل بسياسة الحكومة ، فلا تتأثر بهذا التعديل فى الوزن مصلحة لأصحاب المخابز بل يظل الوضع بالنسبة إليهم ثابتاً لا يتغير سواء أكان هذا التعديل بالزيادة أو النقصان ، لما كان ذلك فإن القرار الجديد قضى بتخفيض وزن الرغيف على الصورة السالف ذكرها لا يتحقق به معنى القانون الأصلح للطاعن ، و يكون القرار القديم هو الذى يسرى على واقعة الدعوى دون غيره تطبيقاً للفقرة الأولى من المادة الخامسة .

(الطعن رقم 859 لسنة 23 ق - جلسة 1953/10/19 س 5 ع 1 ص 39 ق 13)

5 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد صدر فى العاشر من نوفمبر سنة 2014 ببراءة المطعون ضدهما من جريمة الاستيلاء المرتبط بجريمة الاشتراك فى تزوير محرر لإحدى شركات المساهمة ، وكان قد صدر من بعد القرار بقانون رقم 16 لسنة 2015 فى الثاني عشر من مارس سنة 2015 بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية ، ونص فى مادته الثانية على إضافة المادة 18 مكرراً (ب) إلى قانون الإجراءات الجنائية والتي أجازت للمتهم التصالح فى الجرائم المنصوص عليها فى الباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات ومن بينها جريمة الاستيلاء التي ارتكبها المطعون ضدهما ، وحدد إجراءات التصالح ورتب على هذا التصالح انقضاء الدعوى الجنائية ، وكان نص المادة آنفة الذكر يتحقق به معنى القانون الأصلح للمتهم وواجب تطبيقه ، ما دامت الدعوى الجنائية المرفوعة عليه ، لم يفصل فيها بحكم بات ، عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ، بحسبانه قد قيد حق الدولة فى العقاب ، بتقريره انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح بدلاً من معاقبة المتهم ، ولما كان البيّن من مدونات الحكم المطعون فيه أن وكيل الشركة المجنى عليها قرر بتصالح الشركة مع المطعون ضدهما وبراءة ذمتهما تجاه الشركة . لما كان ذلك ، وكان نقض الحكم المطعون فيه وإعادته إلى المحكمة لتقضى فيه بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح يلتقى فى النتيجة مع القضاء بالبراءة بما تنتفى معه جدوى النقض والإعادة لا يغير من ذلك تنظيم المشرع لبعض الإجراءات بالمادة 18 مكرراً آنفة الذكر إذ إنه لا يغل يد المحكمة فى إعمال أثر الصلح إذا ما توافرت موجباته ، ولا يغير من ذلك إتهام المطعون ضدهما بالاشتراك فى تزوير محرر الشركة المجنى عليها إذ إن انقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح فى جريمة الاستيلاء وهى أساس الواقعة بما ينصرف أثره إلى جميع أوصاف الدعوى المرتبطة بها بما يتعين معه رفض طعن النيابة العامة .

(الطعن رقم 1624 لسنة 85 ق - جلسة 2018/02/25)

6 ـ لما كان الحكم المعروض الصادر بإعدام المحكوم عليه .............................. قد بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دانه بهما _ وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة سائغة لها معينها الصحيح من الأوراق من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها على ما سلف بيانه واستظهر فى حقه أركان جريمتى خطف أنثى بالإكراه ووقاعها بغير رضاها وظرف الاقتران على ماهما معرفتان به فى القانون كما أن إجراءات المحاكمة قد تمت وفقاً للقانون وإعمالاً لما تقضى به الفقرة الثانية من المادة 381 من قانون الإجراءات الجنائية من استطلاع رأى مفتى الجمهورية قبل إصدار الحكم بالإعدام وصدوره بإجماع آراء أعضاء المحكمة وقد خلا الحكم من عيب مخالفة القانون أو الخطأ فى تطبيقه أو تأويله وصدر من محكمة مشكلة وفقاً للقانون ولها ولاية الفصل فى الدعوى ، ولم يصدر بعده قانون يسرى على واقعة الدعوى يصح أن يفيد منه المحكوم عليه على نحو ما نصت عليه المادة الخامسة من قانون العقوبات فيتعين لذلك قبول عرض النيابة العامة وإقرار الحكم الصادر بإعدام المحكوم عليه .

(الطعن رقم 7954 لسنة 86 ق - جلسة 2016/12/10)

7 ـ لما كانت الدعوى أقيمت قبل الطاعنين عن جريمة إجراء أعمال الحفر الأثري دون ترخيص التي وقعت بتاريخ 30/4/2007 ، المعاقب عليها حال مقارفتها بمقتضى المواد 1 ، 4 ، 6 ، 32، 40 ، 42 من القانون رقم 117 لسنة 1973 بإصدار قانون حماية الآثار المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1991 فقضى الحكم بالإدانة إعمالاً للقانون المتقدم ، والمادة 17 من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان قد صدر – من بعد – القانون رقم 3 لسنة 2010 بتعديل بعض أحكام قانون حماية الآثار السابق والمعمول به اعتباراً من 15 فبراير سنة 2010 ، وكانت المادة 42 المستبدلة بالقانون 3 لسنة 2010 قد جرى نصها : " يعاقب بالسجن وبغرامة ... وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد عن مائة ألف جنيه كل من قام بالآتي :1- هدم أو أتلف عمداً أثراً منقولاً أو ثابتاً أو شوهه أو غير معالمه أو فصل جزء منه عمداً ، 2- أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص " ، ومن ثم يكون القانون الجديد قد قام بتجنيح وصف الجناية التي دين الطاعنان بها ، فإن القانون 3 لسنة 2010 يعد أصلح للطاعنين ، ويكون هو الواجب التطبيق عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد صدر بتاريخ 9 من ديسمبر سنة 2007 فقرر المحكوم عليهما بالطعن فيه بطريق النقض الأول فى 29 من يناير ، والثاني فى 5 من فبراير سنة 2008 وأودعت أسباب الطعن منهما فى 6 من فبراير سنة 2008 ، ولم يعرض الطعن على محكمة النقض فى اليوم المحدد لنظره أمامها بجلسة 7 من ديسمبر سنة 2016 ، ومن ثم يكون قد انقضى على الدعوى الجنائية منذ تاريخ الطعن بطريق النقض فى الحكم – وهو آخر إجراء صحيح من إجراءات المحاكمة تم فى الدعوى – وحتى تاريخ عرضه على محكمة النقض ما يزيد على مدة الثلاث سنوات المنصوص عليها فى المادة (15) من قانون الإجراءات الجنائية والمحددة لانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة فى مواد الجنح ، دون اتخاذ أي إجراء قاطع لهذه المدة ، الأمر الذي تكون معه الدعوى الجنائية قد انقضت بمضي المدة ، وهو ما يتعين معه نقض الحكم المطعون فيه ، والقضاء بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة .

(الطعن رقم 2335 لسنة 78 ق - جلسة 2016/12/07)

8 ـ لما كان قد صدر القرار بقانون رقم 87 لسنة 2015 بإصدار قانون الكهرباء - بعد الحكم المطعون فيه وقبل الفصل فى الدعوى بحكم بات - ونشر فى الجريدة الرسمية فى 8 من يوليو سنة 2015 ونص فى المادة 71 منه على أنه : " يُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنتين وبالغرامة التي لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين ، كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي ، وتنقضي الدعوى الجنائية فى حال التصالح " . لما كان ذلك ، وكان نص المادة سالفة الذكر ينشئ للطاعن مركزاً قانونياً أصلح من جواز توقيع عقوبة الغرامة خلافاً لما نصت عليه المادة 318 من قانون العقوبات من وجوب توقيع عقوبة الحبس ، وكذلك فيما نصت عليه من انقضاء الدعوى الجنائية فى حال التصالح ، وتطبق من تاريخ صدورها طبقاً للفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات ، ولما كانت تلك المادة قد صدرت بعد وقوع الفعل - فى الدعوى المطروحة - وقبل الفصل فى الدعوى بحكم بات ، فإن لمحكمة النقض أن تنقض الحكم من تلقاء نفسها لصالح المتهم عملاً بما هو مخول لها بمقتضى المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 ، ولما كان تقدير العقوبة من سلطة محكمة الموضوع ، فإنه يتعين أن يكون النقض مقروناً بالإعادة بغير حاجة إلى بحث سائر أوجه الطعن المقدمة من الطاعن .

(الطعن رقم 23361 لسنة 4 ق - جلسة 2015/11/15)

9 ـ لما كانت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون العقوبات بنصها على " غير أنه فى حالة قيام إجراءات الدعوى أو صدور حكم بالإدانة فيها ، وكان ذلك عن فعل وقع مخالفاً لقانون ينهى عن ارتكابه فى فترة محددة فإن انتهاء هذه الفترة لا يحول دون السير فى الدعوى أو تنفيذ العقوبات المحكوم بها " ، قد أفادت أن حكمها خاص بالقوانين المؤقتة ، أى التى تنهى عن ارتكاب فعل فى مدة زمنية محددة ، فهذه هى التى يبطل العمل بها بانقضاء هذه الفترة بغير حاجة إلى صدور قانون بإلغائها ، أما القوانين الاستثنائية التى تصدر فى حالات الطوارئ ولا يكون منصوصاً فيها على مدة معينة لسريانها فإنها لا تدخل فى حكم هذا النص لأن إبطال العمل بها يقتضى صدور قانون بإلغائها ، هذا هو المستفاد عن عبارة النص ، وهو أيضاً المستفاد من عبارة المادة السادسة من مشروع قانون العقوبات الفرنسى التى نقل عنها هذا النص ومن المناسبات التى اقتضت وضع هذه المادة هناك ، وهو بعينه الذى يستخلص من عبارة المادة الثانية من قانون العقوبات الإيطالى الصادر فى سنة 1930 والمشار إليه فى المذكرة الإيضاحية لقانون العقوبات المصرى ، فقد ذكرت المادة صراحة أن حكمها يتناول حالتين حالة القوانين المؤقتة وحالة قوانين الطوارئ ، ولم تقتصر على النص على القوانين المؤقتة ، كما فعل القانون المصرى ، وجاء فى التعليقات عليها شرح معنى كل نوع من هذين النوعين من القوانين بما يتفق وما سبقت الإشارة إليه ، وعلى ذلك فإن قرار إعلان حظر التجوال الصادر بناء على إعلان حالة الطوارئ الصادر بالقرار رقم 532 لسنة 2013 وقرار مده رقم 587 لسنة 2013 كان محدد المدة بثلاثة شهور مما يعنى أنه يدخل فى عداد القوانين المؤقتة المنصوص عليها فى الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون العقوبات – سالفة البيان – الأمر الذى لا يحول دون السير فى الدعوى والقضاء عليه بالعقوبة المقررة مما تكون معه المحكمة قد أصابت صحيح القانون ، ويكون منعى الطاعن فى هذا الشأن فى غير محله .

(الطعن رقم 7719 لسنة 84 ق - جلسة 2014/11/02)

شرح خبراء القانون

يعني مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات حصر مصادر التجريم والعقاب في نصوص القانون : فتحديد الأفعال التي تعد جرائم وبيان أركانها، وتحديد العقوبات المقررة لها سواء من حيث نوعها أو مقدارها، كل ذلك من اختصاص الشارع وليس للقاضي شأن في ذلك، وكل ما له هو تطبيق ما يضعه الشارع من نصوص في هذا الشأن فالمبدأ يضع حداً فاصلاً بين اختصاص الشارع واختصاص القاضي، وما قرر دخوله في اختصاص الأول يخرج بذلك عن اختصاص الثاني .

فالقاضي لا يستطيع أن يعتبر فعلاً معيناً جريمة إلا إذا وجد نصاً جرم فيه الشارع هذا الفعل، فإن لم يجد مثل هذا النص فلا سبيل إلى اعتبار الفعل جريمة، ولو اقتنع بأنه مناقض للعدالة أو الأخلاق أو الدين أو ضار بالمجتمع أبلغ الضرر وإذا تطلب الشارع لاعتبار الفعل جريمة توافر شروط معينة، فالقاضى ملتزم بكل هذه الشروط، فلا يجوز له أن يغفل أحدها ولو كان في رأيه قليل الأهمية  وحيث يثبت خضوع الفعل لنص التجريم، فلا يجوز للقاضي أن يوقع من أجله غير العقوبة التي حددها الشارع في هذا النص، متقيداً بنوعها ومقدارها .

وقد أقرت المبدأ في مصر المادة السادسة من دستور سنة 1923 ثم المادة 32 من دستور سنة 1956 والمادة الثامنة من دستور سنة 1958 والمادة 25 من دستور سنة 1964، والمادة 66 من دستور سنة 1971، وتقره الآن المادة 19 من الإعلان الدستوري الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة في 30 مارس سنة 2011 التي تنص على أنه «لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون »( كما أقره الدستور الحالى دستور 2014 ). وأهمية النصوص الدستورية السابقة مقتصرة على إسباغ قيمة دستورية على المبدأ تتفق وأهميته، فهي لم تنشئه، إذ هو سابق عليها، فالمادة الخامسة من قانون العقوبات قد قررته بقولها «يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها».

وهو مستخلص كذلك من اشتمال قانون العقوبات على نصوص عديدة تحدد الجرائم تفصيلاً، إذ لم يكن الشارع في حاجة إلى وضع هذه النصوص إذا كان قيام الجريمة غير مرتهن بنص يبين أركانها ويحدد عقوبتها؛ والمبدأ في النهاية لازم عن طبيعة التنظيم السياسي للمجتمع، وما يقتضيه من اعتراف السلطات العامة بحقوق المواطنين.

غنى عن البيان أنه إذا ارتكبت الجريمة خلال فترة السريان الزمني للنص وحوكم مرتكبها خلال هذه الفترة كذلك فلا صعوبة،" إذ يطبق القاضي هذا النص ولا يتصور تفكيره في تطبيق نص آخر ولكن تثور الصعوبة إذا ارتكبت الجريمة في خلال فترة السريان الزمني للنص ثم ألغي وحل محله نص آخر كان وحده الواجب التطبيق وقت محاكمة مرتكب الجريمة : أيطبق القاضي النص الذي كان سارياً وقت ارتكاب الجريمة، وهو نص لم يعد له سلطان وقت محاكمة مرتكبها؛ أم يطبق النص الساری وقت المحاكمة، وهو نص لم يكن له وجود وقت ارتكاب الجريمة.

الأصل في النصوص الجنائية أنها غير ذات أثر رجعي؛ ولكن هذا الأصل ليس مطلقاً، فبعض هذه النصوص له أثر رجعي، وهي النصوص الأصلح للمتهم  ونبحث في الأصل العام أولاً ثم ندرس الاستثناء الذي يرد عليه.

قاعدة عدم رجعية النصوص الموضوعية

ماهية القاعدة : تعني قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية الموضوعية أن نص التجريم لا يسرى إلا على الأفعال التي ترتكب بعد لحظة نفاذه، فهو إذن لا يسري على الأفعال التي ارتكبت قبل هذه اللحظة. فالنص الواجب التطبيق على الجريمة هو النص المعمول به وقت ارتكابها، وليس النص المعمول به وقت محاكمة مرتكبها، ولهذه القاعدة نتيجتان مرتبطتان : الأولى : أنه لا يجوز أن يطبق نص التجريم على فعل ارتكب قبل العمل به وكان مباحاً في ذلك الوقت، فمرتكب هذا الفعل لا يجوز أن يوقع عليه عقاب، على الرغم من العمل بالنص الذي يجرم فعله . والثانية : أنه لا يجوز أن يطبق نص تجريم على فعل ارتكب قبل العمل به وكان معاقباً عليه بعقوبة أخف مما يقضي به ذلك النص، فمرتكب هذا الفعل لا يجوز أن يوقع عليه عقاب يزيد عما كان يقضي به النص السابق الذي كان معمولاً به وقت ارتكاب الفعل .

وتستند هذه القاعدة إلى المادة 66 من دستور 1971 التي كانت تقضي بأنه « .... لا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون »، كما تقرر هذه القاعدة المادة 19 من الإعلان الدستوري الصادر في 30 مارس 2011 وتقررها كذلك المادة الخامسة من قانون العقوبات التي تقضي بأن « يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها »

وليست القاعدة مقتصرة على النصوص الجنائية، فالدستور المشار إليه كان يقررها بصفة عامة في المادة 187 منه التي تقضي بأنه «لا تسري أحكام القوانين إلا على ما يقع من تاريخ العمل بها، ولا يترتب عليها أثر فيما وقع قبلها . ومع ذلك يجوز في غير المواد الجنائية النص في القانون على خلاف ذلك بموافقة أغلبية أعضاء مجلس الشعب »، ولكن للقاعدة في المجال الجنائي قوة لا تحظى بمثلها في غيره : فبينما كان الدستور يجيز للسلطة التشريعية أن تخرج على هذه القاعدة في غير المواد الجنائية نجده لا يجيز لها ذلك في المواد الجنائية ومن ثم ساغ القول بأن القاعدة مفروضة على الشارع والقاضي معاً في المواد الجنائية؛ ولكنها مفروضة على القاضي وحده في غير المواد الجنائية، وللقاعدة في المجال الجنائي صفة دستورية إلى جانب صفتها العامة، ويترتب على ذلك اعتبار نص التجريم الذي يقرر له الشارع أثراً رجعياً نصاً غیر دستوری.

تعليل القاعدة : هذه القاعدة مستمدة من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فلا يتصور التسليم بأحدهما وإنكار الآخر، وما يقدم لتدعيم مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يصلح بالضرورة لتأييد قاعدة عدم رجعية نصوص التجريم  ولتوضيح هذه الصلة نقرر أن مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يتطلب أن يتوافر - إلى جانب الفعل المرتكب - نص يجرمه، فإذا طبق على الفعل نص لم يعمل به إلا بعد ارتكابه، فإن معنى ذلك العقاب على الفعل على الرغم من أن ذلك النص لم يكن إلى جانبه وقت ارتكابه . فإهدار قاعدة عدم الرجعية يعني العقاب على فعل كان مباحاً وقت ارتكابه، أو العقاب عليه بأشد مما كان مقرراً وقت ارتكابه، وفي ذلك إهدار لا شك فيه لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وفيه تبعاً لذلك عدوان على حقوق الأفراد وحرياتهم .

نطاق القاعدة : النصوص التفسيرية : قدمنا أن هذه القاعدة ليست مطلقة، فالنصوص الأصلح للمتهم لا تخضع لها، والنصوص التفسيرية لا تخضع لها كذلك ونعني بالنصوص التفسيرية التشريع الذي لا يستهدف به الشارع إضافة أحكام جديدة أو تعديل أحكام قائمة، وإنما يستهدف به مجرد توضيح نصوص سابقة والنصوص التفسيرية تلحق بالنصوص السابقة التي صدرت تفسيراً لها وتندمج فيها، ويترتب على ذلك سريانها على كل ما تسري عليه هذه النصوص. ولا يحول دون ذلك كون النصوص التفسيرية تقرر تفسيراً أشد على المتهم مهما كان يذهب إليه القضاء، ولو كان من نتائج التفسير الجديد أن يتسع نطاق النص إلى ما لم يكن يتسع له طبقاً التفسير القديم . وليس ذلك استثناء طالما أن القانون التفسيري لا يضيف قواعد تجريم ولا يشدد العقاب الذي كانت تقرره القواعد السابقة والعبرة في وصف القانون بأنه تفسيرى هي بحقيقة ما تقرره نصوصه لا بالوصف الذي يخلعه عليه الشارع، فإن وصف قانوناً بأنه تفسيري ولم ير القاضي أنه في حقيقته كذلك تعين عليه أن يخضعه لقاعدة عدم الرجعية .

تطبيق القاعدة : يقتضي تطبيق القاعدة أن يحدد وقت العمل بالقانون وأن يحدد وقت ارتكاب الجريمة وأن يتبين سبق الأول للثاني، أو على الأقل تحاصرهما . وتحديد وقت العمل بالقانون لا يثير صعوبة، إذ المرجع فيه إلى القواعد التي يقررها الدستور، أما وقت ارتكاب الجريمة، فهو وقت اقتراف الفعل المكون لها، وليس وقت تحقق نتيجتها . وقد يكون للتمييز بين اللحظتين أهمية إن تراخي وقت تحقق النتيجة عن لحظة ارتكاب الفعل، كما لو أعطى شخص آخر سما بطىء الأثر لم يؤد إلى الوفاة إلا بعد وقت طويل، فالعبرة بوقت الإعطاء لا بلحظة الوفاة، وتعليل ذلك أن وقت الفعل هو وقت إتيان الجاني نشاطه الإجرامي، وهذا النشاط هو محل تجريم القانون، ومن ثم كان متعيناً وجود نص التجريم لحظة صدور هذا النشاط حتى يصادف التكييف المستخلص من النص الموضوع الذي يتعلق به، ويثير تحديد وقت ارتكاب الجريمة صعوبات في بعض أنواع من الجرائم، کالجرائم المستمرة والمتتابعة وجرائم الاعتياد، وهذه الصعوبات تعرض لها فيما بعد.

النصوص الأصلح للمتهم

تقسيم: النصوص الأصلح للمتهم ذات أثر رجعي، ولكن القوانين المحددة الفترة مجال لتطبيق قواعد خاصة من شأنها أن تجرد بعض النصوص الأصلح للمتهم من أثرها الرجعي المعتاد .

ونبحث أولاً في رجعية النصوص الأصلح للمتهم ثم ندرس القواعد الخاصة بالقوانين المحددة الفترة.

رجعية النصوص الأصلح للمتهم

ماهية الاستثناء : النص الأصلح للمتهم يطبق على الأفعال التي ارتكبت قبل صدوره، ويعني ذلك استبعاد النص الذي كان معمولاً به وقت ارتكابها واستفادة المتهم من النص الأصلح له، وعلى هذا النحو، يكون للنص الأصلح للمتهم سلطان ممتد إلى وقت لم يكن سارياً فيه، ويعني ذلك أنه يرجع في أثره إلى ذلك الوقت، وتطبيقاً لذلك، فإذا ارتكب شخص فعلاً معاقباً عليه وقت ارتكابه ثم صدر قانون يمحو عنه صفته الإجرامية أو يهبط بالعقاب المقرر له، طبق على المتهم القانون الجديد .

ويستند هذا الاستثناء إلى نص صريح، إذ تقرره المادة الخامسة من قانون العقوبات في فقرتها الثانية بقولها : « ومع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره».

وبإدخال هذا الاستثناء على قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية الموضوعية يغدو نطاقها مقتصراً على النصوص التي تسيء إلى المتهم، وهي النصوص التي تجرم فعلاً كان مباحاً، أو تشدد عقاب فعل كان معاقباً عليه من قبل .

علة الاستثناء : علة الاستثناء أن سلطة المجتمع في توقيع العقوبة محدودة بحدود فكرتي الضرورة الاجتماعية والفائدة الاجتماعية، فإن لم تكن للعقوبة ضرورة أو فائدة فلا محل لتوقيعها : وإذا ألغى القانون الجديد العقوبة أو خفف منها، فذلك اعتراف من الشارع بعدم جدواها، فلا وجه للإصرار على توقيعها 

وإذا سلمنا بأن علة قاعدة عدم رجعية النصوص الجنائية هي احترام مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، فإنه إذا ثبت أن رجعية بعض النصوص لا تمس هذا المبدأ تعين النزول عن قاعدة عدم الرجعية، ومن الواضح أن رجعية النصوص الأصلح للمتهم لا تمس هذا المبدأ، إذ لا تنطوي على إهدار لحقوق الأفراد وحرياتهم، فلا يكون سائغاً التمسك بقاعدة زالت علتها وبالإضافة إلى ذلك، فإن الفرض في القانون الجديد أنه أصلح من القديم، وتتطلب مصلحة المجتمع سريانه فور صدوره، ولا تأبي مصلحة المتهم ذلك، وعلى هذا النحو تجتمع مصلحة المجتمع ومصلحة المتهم وتمليان ذات الحل، وهو الأثر الفوري لهذه القوانين.

شروط تطبيق الاستثناء : مجال الاستثناء كما قدمنا هو حالة كون القانون الجديد أصلح للمتهم، ولذلك يتعين التحقق من كونه كذلك، ويتطلب الشارع الأعمال هذا الاستثناء توافر شرط : هو صدور القانون الجديد قبل أن يحكم على المتهم نهائياً، ويتغاضى الشارع عن تطلب هذا الشرط في حالة ما إذا جعل القانون الجديد الفعل غير معاقب عليه إطلاقاً.

تطبيقات لفكرة القانون الأصلح للمتهم: تحديد ما إذا كان القانون الجديد أصلح من القديم يقتضى المقارنة بين الوضعين القانونيين الناشئين عنهما، والتحقق من أن الوضع الذي ينشؤه القانون الجديد أفضل - بالنسبة إلى متهم معين - من الوضع الناشىء عن القانون القديم، وتقتضي هذه المقارنة أن تؤخذ في الاعتبار كل عناصر الوضع القانوني للمتهم، وينبغي أن تكون المقارنة بالنسبة إلى متهم بالذات، لا بالنسبة إلى مجموعة من المتهمين تتفاوت ظروفهم . وعلى هذا النحو، فقد عرفت محكمة النقض القانون الأصلح للمتهم بأنه « القانون الذي ينشئ للمتهم مركزاً أو وضعاً يكون أصلح له من القانون القديم ».

ولتوضيح ذلك نقرر الحقائق التالية :

ينبغي التحقق من أننا بصدد قانون، أي أنه ينبغي - قبل البحث في صلاحية النص - التحقق من أن لهذا النص صفة القانون، وأخص ما يميز القانون كونه يضع قواعد عامة مجردة، أما إذا كان النص الجديد خاصة بحالة معينة، فليست له صفة القانون، ومن ثم لا محل للبحث في صلاحيته.

والمقارنة بين قانونين أو أكثر وتحديد أصلحها هو تطبيق القواعد قانونية تحدد سلطان النص من حيث الزمان، وهذا التطبيق من عمل القاضي، ولا شأن للمتهم به فلا يجوز للقاضي أن يترك الخيرة للمتهم ويسأله تحديد أصلح القانونين له، بل يتعين على القاضي أن يسترشد بضوابط معينة، يحدد بها القانون الأصلح للمتهم دون اعتداد برأيه : فالغرامة أخف من الحبس دائما ولو كان المتهم يرى غير ذلك، إذ « المقارنة تجري على أسس موضوعية».

وينبغي أن تكون المقارنة واقعية، ولا يجوز أن تكون مجردة . ويعني ذلك أنه لا يجوز للقاضي أن يقارن بين القانونين من حيث الاتجاه العام لكل منهما، ولا يجوز أن يكون محل مقارنته أغلبية نصوص كل منهما، وإنما ينبغي أن يقارن بينهما من حيث حكم كل منهما في حالة واقعية معينة، أي في جريمة ذات ظروف معينة وفي مجرم ذی ظروف معينة، فالقانون الذي يؤدي تطبيقه على هذه الحالة إلى عدم توقيع العقاب أو تخفيفه هو أصلحهما، وإن كان تطبيقه في حالات أخرى مؤديا إلى التشديد على متهمين آخرين وعلى هذا النحو، فإن من المتصور أن يكون أحد القانونين هو أصلحهما بالنسبة إلى متهم معين، وأن يكون الآخر أصلحهما بالنسبة إلى متهم ثان ذی ظروف مختلفة : فإذا كان القانون القديم يجيز إيقاف تنفيذ العقوبة في حين لا يجيز ذلك القانون الجديد، ولكنه في الوقت ذاته يخفض حدى العقوبة، فالقانون القديم أصلح القانونين بالنسبة إلى متهم جدير بإيقاف التنفيذ، والقانون الجديد أصلحهما بالنسبة إلى متهم غير جدير بإيقاف التنفيذ.

وتعد عناصر في المقارنة الأحكام المتعلقة بأركان الجريمة والأحكام المتعلقة بالعقوبة؛ كما تعد كذلك أحكام القسم العام من قانون العقوبات وأحكام القسم الخاص منه.

وإذا كان القانون الجديد ينص على أحكام في مصلحة المتهم وأخرى في غير مصلحته، فالرجعية تكون بالنسبة للأولى دون الثانية، طالما كان الفصل بينهما غير مناقض لقصد الشارع؛ أما إذا ناقضة، فمن المتعين تقدير أحكام كل قانون في فحواها، والمقارنة بينهما لتحديد أيهما أصلح للمتهم .

وينبغي أن يكون موضوع المقارنة الأحكام الجنائية في القانونين، فلا عبرة بالأحكام غير ذات الطابع الجنائي، فإذا ألحق أحد القانونين بالجريمة آثاراً مدنية أو إدارية أشد على المتهم مما يقرره القانون الآخر فلا عبرة بها؛ وقد يكون القانون الذي يقرر هذه الآثار هو - من الوجهة الجنائية - أصلح القانونين .

تطبيقات لفكرة القانون الأصلح للمتهمة ترد هذه التطبيقات إلى قسمين : تطبيقات متعلقة بالتعديل الذي يدخله القانون الجديد على أركان الجريمة؛ وتطبيقات متعلقة بالتعديل الذي يدخله القانون الجديد على العقوبة.

فإذا حذف القانون الجديد نص التجريم فأصبح الفعل مشروعاً، فهو دون شك أصلح من القانون القديم . وإذا أضاف القانون الجديد سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب يستفيد منه المتهم، فهو كذلك أصلح من القانون القديم، وإذا أضاف القانون الجديد ركنا إلى الجريمة فهو أصلح للمتهم إذا توافرت بنشاطه أركان الجريمة كما يحددها القانون القديم، ولكن لم يتوافر به الركن الذي أضافه القانون الجديد، إذ يترتب على تطبيق هذا الأخير أن يبرأ المتهم، باعتبار أن جريمته لم تتوافر لها جميع أركانها، مثال ذلك أن يضيف القانون الجديد إلى أركان الجريمة « ركن الاعتياد »، فيترتب على تطبيقه براءة من أتى الفعل المعاقب عليه طبقاً للقانون القديم، ولكن لم يتوافر له الاعتياد عليه الذي أصبح - طبقاً للقانون الجديد - رکناً في الجريمة .

وإذا ظل الفعل معاقباً عليه طبقاً للقانون الجديد، ولكن بعقاب أخف، فهو دون شك أصلح للمتهم من القانون القديم، والمقارنة بين العقوبة المقررة في القانون القديم والعقوبة المنصوص عليها في القانون الجديد تجري وفقاً للقواعد التالية :

أولاً : عقوبات الجنايات أشد من عقوبات الجنح، وعقوبات الجنح أشد من عقوبات المخالفات .

ثانياً : عند المقارنة بين عقوبات جرائم من نوع واحد يلاحظ أنها متدرجة في الشدة وفقاً للترتيب الذي وضعه القانون : فالإعدام أشد العقوبات ويليه السجن المؤبد فالسجن المشدد فالسجن فالحبس فالغرامة (المادتان 10 ، 11 من قانون العقوبات). ويؤخذ بهذا الترتيب بصرف النظر عن المدة المحددة لكل عقوبة، فالسجن المشدد الذي لا تزيد مدته على خمس سنوات أشد من السجن الذي قد تصل مدته إلى خمس عشرة سنة . وإذا كانت المقارنة بين الحبس مع الشغل والحبس البسيط، فإن أساس هذه المقارنة يخلف وفقاً لاعتبار نوعى الحبس عقوبة واحدة أو عقوبتين متميزتين، فإن قلنا بأنهما عقوبة واحدة تعين أن تكون المدة ضابط المقارنة بينهما، وبذلك يعد الحبس البسيط أشد من الحبس مع الشغل آن جاوزه في المدة ؛ أما إذا قلنا بأنهما عقوبتان متميزتان، فالحبس مع الشغل أشد من الحبس البسيط دائماً، وإن كان أقل منه مدة ونحن نعتقد أن الرأي الأول أرجح، لأن التكييف الصحيح لنوعي الحبس أنهما عقوبة واحدة وقد أخذت محكمة النقض بهذا الرأي، ثم عدلت عنه إلى الرأي الثاني.

ثالثاً : إذا اتحدت العقوبة في القانونين، فأصلحهما هو الذي يقرر لها مدة أقل : فإذا هبط القانون الجديد بالحد الأقصى أو هبط بالحد الأدنى أو هبط بهما معاه، فهو أصلح من القانون السابق عليه .

ولكن تدق المقارنة إذا ارتفع القانون الجديد بالحد الأقصى وهبط في الوقت نفسه بالحد الأدني، أو هبط بالحد الأقصى وارتفع في نفس الوقت بالحد الأدني وقد اختلفت الآراء في تحديد أصلح القانونين.

فذهب رأي إلى أنه يتعين على القاضي أن يمزج بين القانونين فيستمد الحد الأقصى من القانون الذي هبط به ويستمد الحد الأدنى من القانون الذي هبط به، ويعني ذلك أن أحد الحدين مستمد من قانون والحد الثاني مستمد من قانون آخر وهذا الرأي غير مقبول، إذ يجاوز القاضي به نطاق سلطاته، فليس له أن يصنع قانوناً، وإنما عليه أن يطبقه كما وضعه الشارع، وحينما يمزج القاضي بين القانونين فهو لا يطبق أحدهما وإنما يستخرج منهما ثالثاً، وذلك غير جائز له.

وذهب رأي ثان إلى أن على القاضي أن يترك الخيرة للمتهم کی ينتقى القانون الذي يراه مطابقاً لمصلحته. وهذا الرأي غير مقبول كذلك، إذ أن تحديد القانون الواجب التطبيق من شأن القاضي، وليس من شأن المتهم.

وذهب رأي إلى أن أصلح القانونين هو ما هبط بالحد الأدنى ولو ارتفع في الوقت نفسه بالحد الأقصى . وحجته أن الحد الأدنى للعقوبة هو الذي يعبر عن اتجاه القانون ويكشف عن مدى تسامحه، فالقانون الذي يهبط به هو أميلهما إلى الرفق بالمتهم. وبالإضافة إلى ذلك، فهذا القانون هو الذي يتيح للمتهم أن يستفيد من أقصى درجات التخفيف، وهذا الرأي معيب كذلك، لأنه لا يجوز أن يكون أساس المقارنة مجرداً العبرة فيه بالإتجاه العام للقانون، وإنما يتعين أن يكون واقعياً ؛ ثم أن هذا الرأي يعرض المتهم الاحتمال الحكم عليه بالحد الأقصى المرتفع نظير أمل - قد يكون ضئيلاً - في أن يحكم عليه بالحد الأقصى المنخفض.

وذهب رأى إلى أن أصلح القانونين هو ما هبط بالحد الأقصى وإن ارتفع في الوقت نفسه بالحد الأدني . وحجته في ذلك أن احتمال تجاوز الحد الأدنى احتمال كبير، فلا ضير في الغالب إذا طبق على المتهم القانون الذي يرتفع بهذا الحد؛ ولكن للمتهم مصلحة محققة في ألا يرتفع القاضي بعقابه إلى الحد الأقصى المرتفع، ورعاية هذه المصلحة تقتضي تطبيق القانون الذي يهبط بهذا الحد الأخير، وإذا كان المتهم جديراً بحد أدنى منخفض، ففي وسع القاضي أن يتيح له ذلك عن طريق الظروف المخففة، وهذا الرأي - وإن امتاز على سواه بنتائجه العملية - فعيبه أنه يجري المقارنة على أسس مجردة، ثم أنه قد يضير متهماً جديراً بالحد الأدنى المنخفض إذا كانت الظروف المخففة ممنوعة في جريمته أو كانت لا تسمح ببلوغ ذلك الحد.

والرأي عندنا أن المقارنة ينبغي أن تعتمد على أسس واقعية، أي أنه يتعين على القاضي أن يحصر بحثه في الحالة المعروضة عليه، ثم يسأل نفسه أي القانونين أصلح بالنسبة إلى هذا المتهم بالذات فإن كان المتهم - لظروفه - جديراً بأن توقع عليه أقل عقوبة يسمح بها القانون، فأصلح القانونين له هو ما هبط بالحد الأدنى، ولا عبرة بالحد الأقصى، إذ لن يرتفع القاضى إليه. وإن كان المتهم جديراً بالتشديد، فأصلح القانونين بالنسبة له هو ما هبط بالحد الأقصى، ولا عبرة بالحد الأدنى، إلا أمل له فيه.

رابعاً : إذا كان أحد القانونين يقرر عقوبتين على سبيل الوجوب في حين يقرر الثاني إحدى هاتين العقوبتين فقط فهو أصلحهما : فالقانون الذي يقرر الحبس وحده أو الغرامة وحدها أصلح من القانون الذي يقرر الحبس والغرامة معاً . وإذا كان أحد القانونين يقرر عقوبتين على سبيل الجواز في حين يقرر الثاني إحداهما، فأصلح القانونين هو الذي يقرر عقوبة واحدة إن كانت أخف العقوبتين،  أما إذا كانت العقوبة الوحيدة التي ينص عليها أحد القانونين هي أشد العقوبتين المنصوص عليهما في القانون الآخر، فالقانون الذي يقرر عقوبتين هو الأصلح، لأنه يتيح للقاضي السبيل إلى الحكم على المتهم بالعقوبة الأخف : فالقانون الذي يقرر الغرامة فقط أصلح من القانون الذي يقرر الحبس أو الغرامة، وهذا الأخير أصلح من قانون يقرر الحبس فقط.

خامساً : إذا كانت المقارنة بين قانونين يقرر كل منهما نفس العقوبة ويحدد لها ذات المدة، فأشدهما هو الذي يلحق بها عقوبات تبعية أو تكميلية لم يكن ينص عليها الآخر، أو يخضعها لأحكام أشد مما كان يقرره القانون الآخر، فإذا نص القانونان على الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة، فالقانون الذي يضيف إلى الحبس المصادرة، أو يحظر على القاضي إيقاف التنفيذ هو أشد القانونين.

شرط الاستثناء : يتطلب الشارع لتطبيق هذا الاستثناء « صدور القانون الأصلح للمتهم قبل صدور حكم نهائي ضده » . ودراسة هذا الشرط تتطلب أمرين : تحديد المقصود بالحكم النهائي، وبيان المراد بتعبير « صدور القانون».

علة هذا الشرط ما تقتضيه المبادئ الأساسية في القانون من وجوب احترام قوة الشيء المحكوم فيه : فإذا حاز الحكم هذه القوة فهو عنوان الحقيقة، ومن المتعين أن يستقر على نحو بات الوضع الذي قرره، فلا يجوز أن يمس به صدور قانون جديد . وهذا الشرط يتطلبه الفقه والقضاء في فرنسا على الرغم من عدم وجود نص خاص به، استناداً إلى المبادئ الأساسية السابقة.

والحكم النهائي في عرف هذا الشرط هو الحكم الذي لا يقبل طعناً بطريق عادي أو غير عادي فيما عدا طلب إعادة النظر، ويعني ذلك أنه حكم لا يقبل طعناً بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض، ويستوى في ذلك أن يكون قد صدر غير قابل للطعن فيه، أو أن يكون قد صار كذلك لانقضاء مواعيد الطعن فيه، أو لأن طرق الطعن فيه قد استنفذت، فإذا كان الحكم قابلاً للطعن بالمعارضة أو الاستئناف أو النقض وقت صدور القانون الجديد الأصلح للمتهم، فهذا القانون هو الواجب التطبيق، ويجوز أن يكون السبب الوحيد للطعن هو مطالبة المحكوم عليه بتطبيق هذا القانون عليه . وسواء أن يصدر القانون الجديد أثناء ميعاد الطعن، أو أن يصدر خلال الوقت الذي تكون الدعوى مطروحة فيه على محكمة الطعن، والأجدر أن يستبدل بتعبير « الحكم النهائي » تعبير « الحكم البات»، إذ يطلق التعبير الأول (أي الحكم النهائي على الحكم الذي لا يقبل الطعن بالاستئناف ولو كان قابلاً للطعن بطريق غيره، في حين يطلق التعبير الثاني (أي الحكم البات) على الحكم الذي لا يقبل الطعن بطريق عادي أو غیر عادی، وهو المعنى المقصود في هذا الموضع، وغني عن البيان أن كون الحكم قابلاً للطعن بطلب إعادة النظر لا يحول دون وصفه بأنه « بات »، ولكن إذا قبل الطعن فيه فعلاً بهذا الطريق، تعين تطبيق القانون الجديد الأصلح للمتهم.

والمراد بصدور القانون إصدار رئيس الجمهورية له، ويعني ذلك أن القاضي يلتزم بتطبيق القانون الجديد الأصلح للمتهم، بمجرد صدوره، ودون حاجة لانتظار نفاذه، وتتضح أهمية هذا التحديد إذا أضيف نفاذ القانون إلى أجل، إذ يتعين تطبيقه ولو لم يحل هذا الأجل، والفارق بذلك واضح بين النصوص التي تسيء إلى المتهم والنصوص الأصلح له : فالأولى لا يعمل بها إلا من تاريخ نفاذها (المادة 66 من دستور 1971)، والثانية تطبقها المحاكم بمجرد صدورها،  وتعليل هذه التفرقة أن النصوص الأولى تطبق على سلوك لاحق عليها، فيريد الشارع ألا يلزم الناس بها إلا إذا علموا بها عن طريق نشرها ومضي المدة الذي يعتبر قرينة على هذا العلم؛ أما الثانية فهي تطبق على سلوك سابق عليها، باعتبار أن الفعل قد ارتكب قبل صدورها، فيكتفى الشارع في شأنها بمجرد علم القضاء بها، وهذا العلم غير متوقف بداهة على نفاذها .

تعدد القوانين في الفترة بين ارتكاب الفعل والحكم النهائي : افترضنا أننا بصدد قانونين : أحدهما نافذ وقت الفعل وثانيهما قد صدر قبل الحكم النهائي، ولكن قد تتعدد القوانين في الفترة بين ارتكاب الفعل والحكم النهائي :

 فأولها هو القانون الساري وقت الفعل.

ثانيها قانون صدر بعد ارتكاب الفعل وألغي قبل الحكم النهائي .

ثالثها قانون صدر قبل الحكم النهائي وظل سارياً .

 والسؤال الذي يثيره هذا الوضع يدور حول معرفة ما إذا كان من الجائز تطبيق القانون الأوسط على المتهم إذا ثبت أنه أصلح هذه القوانين : يبدو لأول وهلة أن المقارنة ينبغي أن تدور بين قانون الفعل وقانون الحكم، فلكل منهما ما يبرر تطبيقه؛ أما القانون الأوسط فلم يكن سارياً وقت الفعل، وكان ملغياً وقت الحكم، فلا وجه لتطبيقه، وعيب هذا الرأى أن الوقت الذي يصدر فيه الحكم النهائي قد يتراخى دون أن يكون للمتهم شأن في ذلك، فيضار دون خطأ منه بحرمانه من الانتفاع بالقانون الأوسط وهو أصلح القوانين له ولذلك نرى جواز تطبيق هذا القانون، وبهذا الرأي أخذ القضاء.

استفادة المتهم من القانون الأصلح له الصادر بعد الحكم البات : لم يجعل الشارع الشرط الذي يتطلبه التطبيق هذا الاستثناء عاماً، بل تجاوز عنه إذا كان القانون الأصلح للمتهم يجعل الفعل غير معاقب عليه، فقرر استفادة المتهم من ذلك القانون ولو صدر بعد الحكم البات . وقد نصت الفقرة الثالثة من المادة الخامسة على أنه «إذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية».

وتفترض هذه الحالة أن القانون الأصلح للمتهم قد جعل الفعل غير معاقب عليه، وسواء في ذلك أن يكون قد حذف نص التجريم أو أضاف سبب إباحة أو مانع مسئولية أو مانع عقاب يستفيد منه المتهم الذي صدر ضده الحكم النهائي، ولو كان غيره من المتهمين بنفس الفعل لا يستفيدون من ذلك، فإن كان القانون الجديد لا يبلغ في الصلاحية هذا القدر، فلا سبيل إلى أن يستفيد منه المحكوم عليه نهائيا، ولو هبط بالعقاب إلى قدر ضئيل، والوسيلة المتصورة لتحقيق المساواة بين المحكوم عليه ومن يخضعون للقانون الجديد باعتبارهم قد ارتكبوا نفس الفعل هي أن يعفو رئيس الدولة عن جزء من عقوبته.

ولهذا النص أهمية واضحة، إذ يقرر فيه الشارع المساس بقوة الشيء المحكوم فيه، على الرغم من أنه يضفي على هذه القوة أهمية كبيرة، ولا يسمح بإهدارها ولو ثبت على نحو قاطع أن الحكم الحائز لها حكم معيب. وعلى هذا النحو، فقد رجح الشارع اعتبارات العدالة على مبدأ قانوني أساسي.

وإذا استفاد المتهم من القانون الجديد أوقف تنفيذ الحكم الصادر ضده وانتهت آثاره الجنائية . ويعني ذلك اعتبار المحكوم عليه في مركز من لم يحكم عليه، فالعقوبة المحكوم بها لا يمكن البدء في تنفيذها، ولا يمكن الاستمرار فيه إن كان قد بدأ قبل صدور القانون الجديد، فإن كان محبوساً أفرج عنه، وإن كان محكوماً عليه بالغرامة لم تجز مطالبته بها، وإن كان قد دفعها فله استردادها.

وقد ذهب رأي إلى أنه ليس للمتهم استرداد الغرامة التي دفعها، لأن القانون قرر إيقاف تنفيذ الحكم، الإيقاف يكون من تاريخ صدور القانون، ويعني ذلك أنه لا رجوع على ما تم في الماضي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول باسترداد ما دفع من الغرامة مؤد إلى « استرداد جميع الغرامات التي تكون قد دفعت تنفيذاً لأحكام سابقة بمجرد إلغاء النصوص التي صدرت هذه الأحكام بالتطبيق لها مهما مضى من الوقت » ولكن يرد على ذلك بأن قصد الشارع واضح في أنه يريد استفادة المتهم من القانون الأصلح له على الرغم من صدور الحكم البات ضده، والاستفادة تعني تطبيق ذلك القانون عليه كما لو كان صادراً قبل الحكم البات، وتطبيق القانون الجديد على المتهم مؤد إلى اعتباره في حكم من أتى نشاطاً مباحاً، ومن ثم لا يكون وجه لتوقيع عقاب عليه، وهذا التفسير سنده وجوب تغليب قصد الشارع على حرفية النص، أما القول بأن هذا التفسير يؤدي إلى استرداد جميع الغرامات إذا ألغيت نصوص التجريم التي كانت تقررها، فلا يعدو الإشارة إلى اعتبار عملي لا يمس السند القانوني للرأي الذي نقول به، ونرى أنه يجدر بالشارع أن يحدد أجلاً يبدأ من تاريخ الحكم البات، ويشترط أن يصدر القانون الجديد خلاله حتى يكون للمحكوم عليه استرداد الغرامة التي دفعها .

القوانين المحددة الفترة

تمهيد : نصت الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون العقوبات على أنه «في حالة قيام إجراءات الدعوى أو صدور حكم بالإدانة فيها وكان ذلك عن فعل وقع مخالفا لقانون ينهى عن ارتكابه في فترة محددة فإن انتهاء هذه الفترة لا يحول دون السير في الدعوى أو تنفيذ العقوبات المحكوم بها » . ويتضمن هذا النص خروجاً على فكرة رجعية النصوص الأصلح للمتهم : فالفرض أن الفعل قد ارتكب خلال فترة سريان القانون ثم انقضت هذه الفترة وعمل بالتشريع العادي الذي لا يجرم الفعل أو يعاقب عليه بعقوبة أقل، فكان الأصل أن يستفيد المتهم من التشريع العادي الأصلح له، ولكن الشارع قرر استمرار خضوع الفعل للقانون المحدد الفترة الذي كان معمولاً به وقت ارتكابه .

علة الحكم الخاص بالقوانين المحددة الفترة : أوضحت المذكرة الإيضاحية للقانون علة هذا الحكم فقررت « أنه لا يجوز أن يستفيد المتهم أو المحكوم عليه من مضي المدة التي ينهي فيها القانون عن فعل أو يأمر به وإلا ضاع الغرض المقصود من القانون ». وتوضيح ذلك أن القانون الموحد الفترة يصدر لمواجهة ظروف خاصة، وغالباً ما تكون استثنائية، فإذا ما انقضت هذه الظروف لم يعد للقانون ما يبرره، ولكن من ارتكب فعلاً خالف به ذلك القانون أثناء فترة العمل به قد اعتدى بغير شك على المجتمع وهو يجتاز هذه الظروف، فهو لذلك يظل جديراً بالعقاب ولو انقضت بعد فعله هذه الظروف وزال القانون نفسه، إذ أن ذلك لا يعني أن فعله لم يعد جدير بالعقاب، وإنما يعني أن من يرتكب مثل هذا الفعل بعد تغير الظروف ليس جديراً بالعقاب، فإذا صدر قانون يحظر على سكان منطقة مغادرتها لانتشار وباء فيها، وحدد الشارع فترة العمل بهذا القانون بثلاثة أشهر، وهي المدة التي قدر القضاء على الوباء خلالها، فمن يخالف هذا القانون يضر دون شك بالمجتمع، إذ يعرقل مقاومة الوباء، وهذا الضرر لا ينتفى بانقضاء المدة السابقة وزوال خطر الوباء، والمثل يمكن قوله بالنسبة لقوانين حظر التعامل مع الأعداء التي تبررها ظروف اقتصادية خاصة، وبالإضافة إلى ذلك، فإن القول بعدم توقيع العقاب بعد انقضاء فترة العمل بالقانون يشجع الناس على مخالفة أحكامه، إذ يتوقعون إلغاءه قبل الحكم النهائي ضدهم، وخاصة إذا ارتكب الفعل في نهاية هذه الفترة، إذ يستحيل أن تتم المحاكمة ويصدر الحكم النهائي في خلال الوقت المتبقي منها؛ بل إنه في وسع المتهم أن يطير أمد محاكمته عن طريق الطعن في الأحكام التي تصدر ضده، متوقعاً أن يلغى القانون قبل أن يصدر الحكم النهائي ضده.

ونعتقد أن التفسير الصحيح للحكم الخاص بالقوانين المحددة الفترة هو انتفاء العلة التي تقوم عليها رجعية النصوص الأصلح للمتهم، فهذه النصوص ذات أثر رجعى لأنها تعني اعتراف الشارع بأن العقوبة السابقة غير ضرورية أو غير مفيدة، فلا محل بعد هذا الاعتراف للإصرار على توقيعها، فثمة تطور في سياسة التجريم والعقاب، وثمة اعتراف بعيب في التشريع السابق . ولكن هذه العلة لا محل لها حينما تنقضي فترة العمل بالقانون المحدد الفترة، إذ لا يعني انقضاؤها تطوراً في السياسة التشريعية، وإنما كل ما يعنيه مجرد تغير الظروف وما يقتضيه ذلك من تحقيق الاتساق بين الظروف الجديدة والتشريع، فحيث تنتفي علة الرجعية لا يكون محل إلى القول بها . ولهذا التعليل أهميته حيث لا يضع الشارع نصاً صريحاً خاصاً بالقوانين المحددة الفترة، إذ يبرر الحكم الخاص بها، وله أهميته كذلك حيث يضع الشارع هذا النص، إذ يعين على تفسيره وتحديد نطاقه .

مذهب محكمة النقض المصرية : يقتضي تحديد مذهب محكمة النقض المصرية التمييز بين نوعين من القوانين المحددة الفترة : قوانين مؤقتة بنص فيها، وقوانين مؤقتة بطبيعتها . فالنوع الأول يعين الشارع فيه فترة العمل به، فيحدد صراحة في نصوصه تاريخ انتهائها، وهذه القوانين تزول قوتها بمجرد حلول هذا التاريخ دون حاجة إلى صدور تشريع يقرر إلغاءها، ولذلك يعرف مقدما تاريخ انقضاء العمل بها . والنوع الثاني من هذه القوانين لا يصرح الشارع بتأقيتها، ولكن ذلك يستفاد من طبيعة الأمور التي تنظمها، إذ يغلب ألا تكون بعد فترة من الوقت في حاجة إلى التنظيم، وهذه القوانين لا يعرف مقدماً تاريخ انقضاء العمل بها، ولا تزول قوتها إلا بتشريع لاحق يقرر إلغاءها .

وتذهب محكمة النقض إلى قصر نطاق الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة على النوع الأول من القوانين المحددة الفترة دون النوع الثاني : فالقوانين المؤقتة بنص فيها تسري على كل فعل ارتكب خلال فترة العمل به ولو لم يصدر من أجله حكم نهائي خلال هذه الفترة، أي لا يستفيد المتهم من زوال القانون قبل صدور الحكم النهائي ضده، مثال ذلك القرار الذي يقضي بأن تستولى الحكومة على كمية من الأرز الشعير من محصول سنة 1953 في ميعاد لا يتعدى آخر ديسمبر سنة 1953، أما القوانين المؤقتة بطبيعتها، فيستفيد من إلغائها من خالف أحكامها ولو صدر ضده قبل إلغائها حكم نهائي ؛ مثال ذلك الأوامر العسكرية التي كانت تصدر في ظل الأحكام العرفية، فمن اتهم بإحراز سلاح لا تجوز معاقبته بمقتضى تلك الأوامر التي ألغيت، وإنما يعاقب طبقاً للتشريع العادي الذي حل محلها ؛ ومثال ذلك أيضاً القوانين والقرارات الخاصة بالتسعير الجبري : فمن اتهم ببيع سلعة بسعر يجاوز الثمن المحدد لها تتعين تبرئته إذا صدر قرار بحذف هذه السلعة من جدول التسعير الجبرى.

وقد دعمت محكمة النقض مذهبها بالاعتماد على عبارة النص التي ذكرت أن القانون ينهي عن ارتكاب الفعل في « فترة محددة »، مفسرة هذا التعبير بأنه يقتصر على القوانين المؤقتة بنص فيها . وأشارت كذلك إلى المادة السادسة من مشروع قانون العقوبات الفرنسي والمادة الثانية من قانون العقوبات الإيطالي اللتين استمد النص المصرى منهما، وكون المادة الإيطالية قد ذكرت أن حكمها يتناول صراحة حالتي القوانين المؤقتة وقوانين الطوارئ، ولم تقتصر - كما فعلت المادة المصرية - على ذكر القوانين المؤقتة.

 

ومذهب محكمة النقض محل للنقد : ذلك أن تعبير « القانون الذي ينهى عن ارتكاب الفعل في فترة محددة » يتسع لغة للقوانين المؤقتة بطبيعتها، إذ تصدر لمواجهة ظروف استثنائية لن تستمر غير « فترة محددة »، وإن كانت لحظة انتهائها غير معروفة مقدماً، ولذلك يصدق عليها أنها « تنهى عن ارتكاب الفعل في فترة محددة »، هي فترة استمرار هذه الظروف . فمذهب محكمة النقض لا سند له من ألفاظ النص . وبالإضافة إلى ذلك، فهو يناقض قصد الشارع، إذ يستهدف علة تتحقق بالنسبة للقوانين المؤقتة بطبيعتها كما تتحقق بالنسبة للقوانين المؤقتة بنص فيها، فخشية إقدام الناس على مخالفة القانون ظناً منهم أن انتهاء فترة العمل به تنجو بهم من العقاب، هذه الخشية قائمة في حالة القوانين المؤقتة بطبيعتها، إذ في وسع الجاني أن يتوقع انتهاء الظروف الاستثنائية وإلغاء القانون، فيحمله على مخالفته . وفي النهاية، نلاحظ، أن القوانين المؤقتة بنوعيها يصدق عليها أن انتهاء فترة العمل بها والعودة إلى التشريع العادي لا يعني تغيراً في سياسة التجريم والعقاب، أي لا تتوافر به العلة التي تقوم عليها رجعية النصوص الأصلح للمتهم. (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:   80).

تنص المادة 188 من الدستور (القديم)على أن : " تنشر القوانين في الجريدة الرسمية خلال أسبوعين من يوم إصدارها ويعمل بها بعد شهر من اليوم التالى لتاريخ نشرها إلا إذا حددت لذلك ميعاداً آخر ومفاد ذلك أن الدستور قد حدد لحظة العمل بالقانون فجعلها بعد انقضاء شهر من اليوم التالي لتاريخ نشره بالجريدة الرسمية وحدد موعد هذا النشر فتطلب كونه في خلال أسبوعين من يوم إصداره ويعني ذلك أن القانون لا يكتسب سلطانه بمجرد موافقة مجلس الشعب عليه بل أنه لا يكتسب هذا السلطان بإصدار رئيس الدولة له بل أن مجرد النشر في الجريدة الرسمية غير كاف لذلك وإنما يتعين مضي شهر من تاريخ نشره وذلك ما لم يكن قد حدد في القانون میعاد آخر لسريانه. وبناء على ذلك فإنه لا يجوز للمحاكم كقاعدة عامة أن تطبيق نص التجريم على فعل ارتكب قبل أن يكتسب النص سلطاته طبقاً للقواعد السابقة .

 مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية :

تنص المادة 66 من الدستور على أن " العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون. ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون. كما نصت المادة 188 من الدستور وكما سلف على أن يعمل بالقانون بعد شهر من اليوم التالي لتاريخ نشره في الجريدة الرسمية إلا إذا حدد فيه ميعاد آخر لسريانه. وتنص الفقرة الأولى من المادة الخامسة من قانون العقوبات على أن "يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها ".

ومن هذه النصوص يمكن استخلاص مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية وهذا المبدأ هو نتيجة لمبدأ " لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص" والمراد بهذا المبدأ أنه لا يمكن العقاب على فعل ارتكبه قبل صدور القانون الذي يحرمه وكذلك لا يمكن أن يعاقب شخص بعقوبة أشد صدر بها قانون آخر بعد ارتكاب الفعل في ظل قانون سابق كانت العقوبة فيه أخف وعليه فإنه يجب الرجوع في تحديد الجريمة أو في تقدير العقوبة إلى القانون المعمول به وقت ارتكاب الفعل فإذا لم يوجد قانون يعاقب على الفعل وقت وقوعه ثم صدر قانون جديد يعاقب على مثل هذا الفعل فلا ينطبق إلا على الأفعال اللاحقة لصدوره والعمل به ولا تسري على الفعل الذي وقع قبله ولم يكن معاقباً عليه وقت ارتكابه.

وتسري القوانين الجديدة على الجرائم المستمرة وجرائم الاعتياد ولو بدأت قبل صدور تلك القوانين متى استمرت أو تكرر وقوعها بعد العمل بالقوانين المذكورة وعلى ذلك فإذا كان الفعل من الأفعال المستمرة وبدأ قبل العمل بالقانون الذي يفرض له عقاباً واستمر إلى ما بعد العمل به فإنه حينئذ يكون معاقباً عليه ولكن العقاب ليس على إرتكاب الفعل في الماضي قبل العمل بالقانون بل على استمراره بعد تجريمه بالقانون الجديد) وإذا صدر قانون بتشديد عقوبة كانت مقررة لإحدى الجرائم فإن العقوبة المشددة لا تسري على الجرائم المرتكبة قبل صدور هذا القانون بل يقتصر تطبيقها على ما يقع بعد العمل به وعلة هذا الحكم واضحة إلى العدل يوجب تقديم النذير على العقاب .

استثناء تطبيق القانون الأصلح للمتهم :

تنص المادة الخامسة من قانون العقوبات في فقرتها الثانية على أنه: " ومع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره، وهذا الاستثناء مقرر لمصلحة المتهمين فهو لا يتعارض مع الدستور وعلته إن من التناقض والظلم أن يطبق على المتهم عقوبة في الوقت الذي يعترف فيه الشارع بعدم فائدتها أو بزيادتها عن الحد اللازم وليس من حق الجماعة أن توقع عقوبة ظهر إن توقيعها ليس في مصلحتها إذ أن العقوبة تقدر بالقدر اللازم لتحقيق هذه المصلحة.

شروط الاستثناء :

يجب تطبيق القانون الأصلح للمتهم أن يتوافر شرطان الأول - أن يكون القانون الجديد أصلح للمتهم من القانون الذي وقعت الجريمة في ظله والثاني - أن يكون قد صدر قبل الحكم في الدعوى نهائياً.

الشرط الأول : أن يكون القانون أصلح للمتهم :

يكون القانون الجديد أصلح إذا كان يجعل الفعل – الذي كان يعاقب عليه القانون السابق - غير معاقب عليه أو يقرر له تدبيراً احترازياً بدلاً من العقوبة أوكان يقرر عقوبة أخف من العقوبة المقررة في القانون السابق أو يقرر وجهاً للإعفاء من المسئولية الجنائية دون أن يلغى الجريمة ذاتها وقد وضع القانون مراتب للعقوبات في المواد 10، 12، 19، 20، 34 بحسب نوع الجريمة ثم بحسب درجة العقوبة في سلسلة العقوبات المقررة للجرائم متحدة النوع وبناء على ذلك تكون عقوبة المخالفة أخف وأصلح للمتهم من عقوبة الجنحة أخف من عقوبة الجناية بصرف النظر عن المدة. فإذا كانت العقوبتان من العقوبات المقررة لنوع واحد من الجرائم فإن الأخف منهما هي الأقل درجة في ترتيب العقوبات بصرف النظر عن مدة العقوبة وترتيبها الذي وصفه المشرع بادئا بالأخف هو الآتى الغرامة بالحبس البسيط فالحبس مع الشغل فالسجن فالأشغال الشاقة المؤقتة فالمؤبدة ثم الإعدام  وذلك قبل إلغاء الأشغال الشاقة بنوعيها. وإذا اتحدت العقوبة في القانون فأصلحهما هو الذي يقرر لها مدة أقل فإذا هبط القانون الجديد بالحد الأقصى أو هبط بالحد الأدني أو هبط بهما معاً فهو أصلح من القانون السابق عليه أما إذا رفع القانون الجديد الحد الأدنى وخفض الحد الأقصى للعقوبة كما وردت في القانون القديم أو العكس فإن الأصلح للمتهم وفقاً للرأي الراجح هو القانون الذي يخفض الحد الأقصى والسبب في ذلك أن المتهم يرى أن آخر ما تصل إليه شدة القانون هو الحد الأقصى للعقوبة وهو ينتظر في التي تجاوز القاضي للحد الأدني الذي لا ينزل إليه إلا نادراً وفي حالة قيام أسباب للرأفة تبرر الهبوط بالعقاب إلى أدنى قدر وهي أسباب لا تتوافر دائماً.

- وإذا كان أحد القانونين يقرر عقوبتين على سبيل الوجوب في حين يقرر الثاني إحدى هاتين العقوبتين فقط فهو أصلحهما. فالقانون الذي يقرر الحبس وحده أو الغرامة وحدها أصلح من القانون الذي يقرر الحبس والغرامة معاً. وإذا كان أحد القانونين يقرر عقوبتين على سبيل الجواز في حين يقرر الثاني أحدهما فأصلح القانونين هو الذي يقرر عقوبة واحدة إن كانت أخف العقوبتين أما إذا كانت العقوبة الوحيدة التي ينص عليها أحد القانونين هي أشد العقوبتين المنصوص عليهما في القانون الآخر. فالقانون الذي يقرر عقوبتين هو الأصلح لأنه يتيح للقاضي السبيل إلى الحكم على المتهم بالعقوبة الأخف. فالقانون الذي يقرر الغرامة فقط أصلح من القانون الذي يقرر الحبس أوالغرامة وهذا الأخير أصلح من قانون يقرر الحبس فقط .

وأخيراً قد تعرض مسألة البحث في القانون الأصلح بين أكثر من قانونين بأن يرتكب الجاني جريمة في ظل قانون ثم يصدر قانون آخر وقبل أن يحاكم يصدر قانون ثالث والرأي الغالب بين الشراح هو أن يطبق عليه أصلح القوانين الثلاثة.

 الشرط الثاني :

أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل الحكم في الدعوى نهائياً :

والشرط الثاني هو أن يكون القانون قد صدر قبل الحكم نهائياً في الواقعة الحاصلة قبل صدوره لأنه لا سبيل إلى تطبيق القانون على الفعل بعد خروجه من ولاية المحاكم بالحكم فيه نهائياً وتغليباً للأستقرار القانوني على دواعي العدالة وصالح الفرد في هذه الحالة. وليس المراد بالحكم النهائي هنا الحكم غير القابل للاستئناف فقط وإنما المراد به الحكم البات. الذي استنفد أيضاً طريق الطعن غير العادي بالنقض فيجوز طلب تطبيق القانون الجديد الأصلح الذي صدر قبل الفصل في النقض المرفوع عن الواقعة ولمحكمة النقض من تلقاء نفسها أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم في هذه الحالة إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون يسري على واقعة الدعوى (راجع م 2/ 35 من قانون الطعن بالنقض رقم 57 لسنة 1959). وإذا صدر قانون جديد قبل الحكم يبيح الفعل وصدر الحكم بالعقاب طبقاً للقانون القديم كان الحكم باطلاً.

صدور القانون الأصلح بعد الحكم النهائي :

تنص الفقرة الثالثة من المادة الخامسة من قانون العقوبات على أنه: " وإذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية" وهذه الفقرة أدخلت في قانون العقوبات المصري الصادر في سنة 1937 لأنه قد رؤى أن من العدل أن يستفيد المحكوم عليه نهائياً بالإدانة تحت سلطان القانون القديم من إلغاء عقوبة ترى الهيئة الاجتماعية ألا فائدة من توقيعها. وهذا النص الجديد قاصر على حالة ما إذا كان القانون يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه أما إذا كان القانون الجديد يخفف العقوبة فقط فلا يستفيد منه المحكوم عليه نهائياً مهما تكن درجة التخفيف ويترتب على صدور قانون جديد بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه ما يأتي :

 أولا : إن الحكم النهائي لا ينفذ إذا لم يكن قد بدئ في تنفيذه ويوقف تنفيذه إذا كان قد بدئ فيه.

 ثانيا : إن الآثار الجنائية التي تترتب على الحكم تنتهي ويزول مفعولها فلا يعتبر سابقة في العود ولايتخذ سبباً لإلغاء الأمر بإيقاف تنفيذ عقوبة أخرى.

تنص الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون العقوبات على أنه "غير أنه في حالة قيام إجراءات الدعوى أو صدور حكم بالإدانة فيها وكان ذلك عن فعل وقع مخالفاً لقانون ينهى عن ارتكابه في فترة محددة فإن انتهاء هذه الفترة لايحول دون السير في الدعوى أو تنفيذ العقوبات المحكوم بها" وقد بينت المذكرة الإيضاحية السبب في إضافة هذه الفقرة وهو أنه لا يجوز أن يستفيد المتهم أو المحكوم عليه من مضي المدة التي ينهي فيها القانون عن فعل أو يأمر به وإلا ضاع الغرض المقصود من القانون.

وقد قيل بأن الواقع أن لهذا النص هدفاً آخر يرمي إليه فإنه بالنظر إلى أن مدة نفاذ القانون تكون معروفة مقدماً إذ ينص عليها غالباً فيه فإن الجاني يحفزه أمله في الإفلات من العقوبة يعمد لارتكاب جريمته في الأيام الأخيرة من الفترة المحددة وقد يفضي ذلك إلى ظاهرة ازدياد الجرائم في الجزء الأخير من تلك الفترة عندما يقترب سلطان القانون من الزوال به ولا يدرك الجناة جزاؤه لما تقتضيه الدعوى من إجراءات تستنفذ وقتاً وتفادياً من حدوث هذه الظاهرة الخطرة ولأن العدالة تتطلب عقاب المجرم على ما أثاره حماية للمجتمع نص القانون على عدم انتهاء آثار القانون بمجرد إلغاؤه وأن العقوبة التي تصدر تكون واجبة التنفيذ.

ومفاد النص أنه إذا كان القانون الذي وقعت الجريمة في ظل سريانه محددة في فترة تطبيقية فإن القاعدة العامة في تطبيق قانون العقوبات من حيث الزمان وهي أعمال القانون المعمول به وقت ارتكاب الجريمة تكون هي الواجبة التطبيق بالرغم من تعاقب القوانين التي تتضمن صالحاً للمتهم. ولذلك فإنه إذا انتهت الفترة المحددة وأصبح الفعل المرتكب في ظل القانون الساري في تلك الفترة مباحاً أو معاقباً عليه بعقوبة أخف من تلك المقررة بالقانون السابق فإن ذلك لا يحول دون تطبيق العقوبة المنصوص عليها بالقانون محدد الفترة.

تحديد المقصود بالقوانين الوقتية أو ( محددة الفترة) :

القوانين المؤقتة نوعان قوانین مؤقتة بطبيعتها وهي التي تسن لظروف خاصة طارئة وبقاؤها منوط ببقاء هذه الظروف وقوانين مؤقتة بنص فيها وهي التي تحدد فيها الفترة التي يسري فيها حكم القانون تحديداً زمنياً. والفرق بينهما أن النوع الأول لا يلغى إلا بقانون جديد يقرر إلغاءها إذا ما انتهت حالة الطوارئ التي دعت إلى سنها. أما النوع الثاني فيلغي من تلقاء نفسه بمجرد انتهاء الفترة المحددة له.

قد يحدث أن تتعاقب قوانين محددة الفترة بأن يصدر قانون جديد يعدل من أحكام القانون القديم ويكون كلاهما محدد الفترة وفي هذه الحالة فإنه لا مانع من أعمال رجعية القانون الأصلح للمتهم من بين القوانين محددة الفترة طالما أنه لم يصدر حكم بات في الدعوى.

  شروط تطبيق النص :

يشترط لتطبيق نص الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة من قانون العقوبات.

أولاً : أن يكون الفعل قد وقع مخالفاً لقانون ينهى عن ارتكابه في فترة محددة. ثانياً : أن تكون إجراءات الدعوى قد أقيمت عن ذلك الفعل أو يكون قد صدر حكم بالإدانة ولا تقوم الدعوى إلا بتحريكها من قبل سلطة الاتهام وهی النيابة بتكليف المتهم بالحضور أمام محكمة الجنح بناء على محضر جمع الاستدلالات أو بقيام النيابة بالتحقيق في جريمة بصفتها سلطة تحقيق أما إذا كانت الدعوى لم تتحرك بإجراء من قبل النيابة أو كانت قد اتخذ فيها بعض التحريات من قبل الشرطة فقط فإن فوات المدة يعتبر مانعاً ممن إقامة الدعوى من جديد وحكم هذه الفقرة أعمالاً لما سلف مقصور على حالتي قيام إجراءات الدعوى وصدور حكم بالإدانة قبل انتهاء أجل القانون المؤقت فهو لا يسري على حالة انتهاء أجل القانون المؤقت قبل بدء إجراءات الدعوى عن جرائم وقعت تحت سلطانه بل يكون للقانون العادي وهو الأصلح للمتهم أثر رجعي على هذه الجرائم ويحول دون إقامة الدعوى من أجلها عملاً بالقواعد العامة. (موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار /  مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود  الصفحة /  74).

وهنا نقف عند المبادىء التالية:

أولاً : مبدأ عدم رجعية القوانين الجنائية الأسوأ للمتهم:

الأصل العام الذي ينظم تعاقب القوانين الجنائية هو عدم رجعية القوانين التي تقرر جرائم جديدة أو تشدد العقوبات القائمة، أي القوانين الموضوعية الأسوأ للمتهم. وعلى ذلك فان نفاذ قانون جديد يجرم لأول مرة أفعالاً معينة لا يمكن أن يطبق بأثر رجعي أي على ما تم من هذه الأفعال قبل بدء العمل به. على سبيل المثال فإن المادة (44) مكرراً عقوبات المضافة بالقانون رقم 63 لسنة 1947 تعاقب على إخفاء الأشياء المتحصلة من أية جناية أو جنحة مع العلم بذلك. وتطبيقاً لمبدأ عدم الرجعية أن يمتد حكم هذه المادة إلى الأفعال المماثلة السابقة على بدء العمل بهذه المادة في عام 1947 ويستند هذا المبدأ إلى اعتبارات العدالة والحرية الفردية، ذلك أن من حق كل فرد أن يعلم وقت ارتكاب الفعل ما إذا كان سلوكه مباحاً أو مجرماً. فهو تعبير عن المشاعر الاجتماعية التي تأبى أن يعاقب فرد عن عمله - حين ارتكبه - كان مشروعاً. كما أن المبدأ ضرورة من ضرورات الثبات القانوني منعاً للمفاجأة والتحكم .

 ثانيا : مبدأ رجعية القوانين الموضوعية الأصلح للمتهم:

وكما ذكرنا فإن المشرع لا يتبع مبدأ عدم الرجعية بصفة مطلقة، بل إن القانون الجنائي الموضوعي يطبق بأثر رجعي متى كان أصلح للمتهم، وبشرط أن يكون القانون الجديد قد صدر قبل الحكم في الفعل نهائياً. كما تنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة عقوبات. ويقصد بالقانون الأصلح في حكم هذه الفقرة "القانون الذي ينشئ للمتهم مركزاً أو وضع يكون أصلح له من القانون القديم"، وعلى ذلك فإنه يمكن تطبيق القوانين الجنائية الموضوعية بأثر رجعي متى كانت أصلح للمتهم، وبشرط أن تكون صادرة قبل النطق بحكم بات في القضية.

وفيما يلي نتعرض لتحديد فكرة القانون الأصلح للمتهم، ثم لشرط تطبيقه بأثر رجعي.

تحديد فكرة القانون الأصلح للمتهم:

وتحديد القانون الأصلح للمتهم يرجع فيه إلى عناصر متعددة ومعايير متنوعة . فقد لا يقتصر الأمر - كما يبدو لأول وهلة - على مجرد فرض عقوبة أقل جسامة من العقوبة المقررة فيما قبل. ويستعين القاضي في المقارنة بين القانون الجديد والقديم بضوابط تتعلق بالجريمة والمسئولية الجنائية والعقوبة. فيعد قانوناً أصلح للمتهم ذلك الذي يعتبر الواقعة مخالفة مثلا بدلاً من جنحة أو جناية، أو يضع تعريفاً أكثر تقييداً لعناصر الجريمة وأركانها أو يقرر أسباب جديدة للإعفاء من المسئولية الجنائية أو يلغي ظرفاً مشددة، أو يضيف ظرفاً مخففة، أو يضع شروطاً جديدة لتحريك الدعوى الجنائية كشكوى من المجني عليه.

 شرط رجعية القانون الأصلح المعدل للعقوبة:

يشترط لرجعية القانون الأصلح للمتهم. أن يكون هذا القانون قد صدر قبل الحكم عليه نهائياً تطبيقا للقانون السابق) وعلة هذا الشرط المحافظة على الاستقرار القانوني واحترام قوة الشيء المحكوم فيه. ويقصد بالحكم النهائي في هذا الصدد الحكم البات، وهو الحكم الذي استنفذت بالنسبة له كافة طرق الطعن بما فيها الطعن بالنقض. وعلى هذا فإذا صدر القانون الجديد وكان سبيل الطعن بالنقض لا يزال قائما أمام المتهم كان له أن يطعن في الحكم طالبا تطبيق القانون الجديد.

ومما هو جدير بالملاحظة أنه في مجال أعمال هذا الاستثناء، فإن العبرة تكون بتاريخ صدور القانون الجديد. وليست بتاريخ نفاذه، ويستفاد ذلك من صريح نص المادة الخامسة من قانون العقوبات، ففي مجال التجريم نصت الفقرة الأولى من هذه المادة على أنه يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها، أما في مجال الاستثناء فقد ذكرت الفقرة الثانية "ومع هذا إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائيا قانون أصلح للمتهم ...."، والفرق واضح بين معنى عبارة القانون المعمول به و معنی عبارة "إذا صدر قانون جديد" فهو يعني أن القاضي يلتزم بتطبيق القانون الجديد الأصلح للمتهم بمجرد صدوره أي بمجرد تصديق رئيس الجمهورية عليه، ودون حاجة لانتظار مرور المدة المتعين فواتها بعد النشر بل ودون حاجة لانتظار نشره. وعلة هذه التفرقة أن القوانين التي تجرم سلوكاً كان مباحاً أو تشدد العقاب عليه يتعين عدم إلزام الناس بها إلا إذا علموا بها عن طريق نشرها وانقضاء المدة المحددة بعد النشر التي تعتبر قرينة على هذا العلم. أما القوانين التي في صالح المتهم. فيكتفي الشارع في شأنها بمجرد علم القضاء بها من صدورها وذلك للتعجيل باستفادة المتهم منها .

 ثالثا: حكم القوانين الجنائية التي تلغي تجريماً سابقاً: 

قدر المشرع أنه في حالة معينة قد لا يتجاوب هذا الشرط الأخير مع مشاعر الجماعة وهو ما يتحقق إذا صدر قانون جديد يلغي تجريماً سابقاً ويجعل الفعل مباحاً وذلك أن اعتبارات العدالة تأبى أن يخضع شخص لتنفيذ عقوبة عن فعل لم يعد يكون جريمة، أي أن الدولة لم تعد تعتبره مخالفاً لصالح الجماعة. لهذا فقد أضافت الفقرة الثالثة من المادة الخامسة عقوبات حكماً ينظم حالة ما إذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه فحينئذ يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي آثاره الجنائية.

فيجب الإعمال هذا النص أن يكون الإلغاء كاملاً للقاعدة الجنائية السابقة. أي أن الواقعة تصبح كما لو لم يكن قد فرض عليها عقاب أصلاً. ففي هذه الحالة يستفيد المتهم من القانون الجديد ولو كان صادراً بعد الحكم البات في الواقعة. فإذا كان الحكم لم ينفذ بعد يمتنع البدء في تنفيذه أما إذا كان قد بدأ تنفيذه فيوقف الاستمرار فيه، وعلى ذلك لو كان المتهم محكوماً عليه مثلاً بعقوبة سالبة للحرية يخلى سبيله، وتنتهي الآثار القانونية للحكم فلا يعد مثلاً سابقة في العود.

حكم القوانين المحددة الفترة :

تنص الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة عقوبات على ما يأتي: "غير أنه في حالة قيام إجراءات الدعوى أو صدور حكم بالإدانة فيها وكان ذلك عن فعل وقع مخالفاً  لقانون ينهى عن ارتكابه في فترة محددة فإن انتهاء هذه الفترة لا يحول دون السير في الدعوى أو تنفيذ العقوبات المحكوم بها"، والحكم الذي تضمنته هذه الفقرة يعد استثناء من قاعدة رجعية النصوص الأصلح للمتهم، فالفرض أن الجاني باشر سلوكاً جرم بناءاً على قانون صادر لفترة محددة، ثم انتهت هذه الفترة وأصبح السلوك محكوماً بالقانون العادي الذي لا يجرمه أو الذي يعاقب عليه بعقوبة أخف، ومقتضى إعمال قاعدة رجعية النصوص الأصلح للمتهم استفادته من تطبيق القانون العادي عليه، غير أن الفقرة الأخيرة من المادة الخامسة قضت بعكس ذلك واستمرار خضوع السلوك للقانون المحدد الفترة الذي كان نافذاً وقت إتيان السلوك والحكمة التي أملت النص على هذا الاستثناء أن القانون المحدد الفترة يصدر لمواجهة ظروف خاصة، والمفروض أنه سيلغي بزوال هذه الظروف، فإذا قام شخص بمخالفته وقت نفاذه، تعين معاقبته وفقاً لأحكامه حتى بعد إلغاء القانون، لأنه لم يراع المبررات الخاصة التي دعت لإصداره، فكل ما يقع مخالفاً للقانون يجب أن يظل محلاً للعقاب المقرر فيه.

ومن ناحية أخرى فإن توقع الناس إلغاء القانون بزوال الظروف التي أدت الإصداره يشجع البعض على مخالفته والتحايل لإطالة أمد المحاكمة إلى أن يلغي القانون قبل صدور الحكم النهائي، ولا سبيل لتفويت هذا الغرض عليهم إلا بمؤاخذتهم بمقتضى القانون الذي أرادوا التهرب من الخضوع لأحكامه. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 79).

 

عدم رجعية قانون العقوبات - استثناء القوانين الأصلح للمتهم :

أن المبدأ الذي يحكم نطاق سريان قواعد قانون العقوبات في الزمان يتكون من شقين:

الأول : هو عدم رجعية قواعد قانون العقوبات على الماضي.

والثاني : هو عدم امتداد قواعد قانون العقوبات إلى الوقائع التي تحدث بعد انتهاء العمل بها أما لإلغائها، وإما، لانقضاء الفترة الزمنية المحددة لسريانها. ومعنى ذلك أن سريان قواعد قانون العقوبات يحكمها المبدأ العام الذي يقضي بأن نطاق هذا السريان يتحدد بالوقائع التي حدثت في الوقت الذي كانت فيه تلك القواعد سارية المفعول. فقواعد قانون العقوبات لا تحكم إلا الوقائع التي حدثت في ظل سريانها دون الوقائع السابقة عليها واللاحقة على انقضائها. وهذا ما يعبر عنه الفقه بالأثر الفوري والمباشر لقانون العقوبات. والذي هو نتيجة منطقية وضرورية لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ومع ذلك فهناك استثناء يرد على المبدأ السابق يقضي بتطبيق القانون الأصلح للمتهم على الوقائع السابقة على صدوره. ومؤدي هذا الاستثناء أن الواقعة لا يحكمها القانون الذي حدثت في ظله وإنما قانون آخر خلافا لقاعدة الأثر الفوري والمباشر لقانون العقوبات وقد نظم المشرع القواعد التي تحكم سريان قانون العقوبات بالمادة الخامسة محددا نطاق المبدأ وما يرد من استثناءات تتعلق بتطبيق القانون الأصلح للمتهم.

من ذلك كله نخلص إلى أن القواعد التي تحكم نطاق سريان قانون العقوبات في الزمان تختلف باختلاف فروض ثلاثة:

الأول: أن يأتي القانون الجديد بقواعد تجريبية لأفعال لم تكن تخضع قبل صدوره لقانون العقوبات.

الثاني: أن يبيح القانون الجديد فعلاً كان موضوعاً للتجريم وفقاً للقانون القديم.

الثالث: أن يقتصر القانون الجديد على تعديل أحكام القانون القديم مع الاحتفاظ بالصفة التجريمية للفعل.

وسنتناول هذه الفروض الثلاثة في البنود التالية.

التجريم الجديد لأفعال لم تكن خاضعة لقانون العقوبات :

الفرض الذي نحن بصدده يتحقق في الحالات التي يأتي قانون جديد يتناول بالتجريم والعقاب أفعالاً كانت مشروعاً جنائياً في القانون القديم وهذا الفرض هو أيضا صورة من صور تتابع القوانين الجنائية في الزمان ذلك أن عدم العقاب السابق على الفعل ليس معناه عدم اعتداد القانون القديم بالوضع القانوني للفعل. فهذا الأخير يكون خاضعاً للقاعدة القانونية العامة التي تقضي بأن كل فعل غير مجرم بنص القانون يعتبر فعلاً مشروعاً جنائياً. ولذلك إذا صدر قانون جديد يتناول الفعل بالتجريم والعقاب فنكون بصدد ظاهرة تتابع القوانين في الزمان.

وتتابع القوانين في هذا الفرض تحكمه القاعدة العامة التي تضمنها نص المادة الخامسة فقرة أولي والتي مؤداها أن الواقعة تحكم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها ومفاد ذلك أن الواقعة التي حدثت في ظل القانون القديم تظل مشروعة ولا يمكن أن يسري عليها القانون اللاحق الذي يتناولها بالتجريم والعقاب. وذلك يعتبر تطبيقاً لقاعدة الأثر الفوري والمباشر للقانون بشقيها سالفي الذكر وهما أن القانون الجديد يسري فقط على الوقائع التي تحدث بعد سريانه، وأنه لا يمكن أن ينسحب على وقائع حدثت في ظل القانون القديم .

وإذا كانت القاعدة بالنظر إلى القانون الجديد هي عدم الرجعية والتطبيق بأثر مباشر، فمؤدى ذلك أن الواقعة تظل محكومة بالقانون الذي وقعت في ظله. ومعنى ذلك أن القاعدة بالنظر إلى القانون القديم هي أنه يحكم الوقائع التي حدثت في ظله، ولا يتجاوزها إلى الوقائع التي تحدث في ظل القانون الجديد.

وبإختصار فإن قاعدة سريان قانون العقوبات على الوقائع التي تحدث في ظله مهما تعاقبت القوانين في الفرض الذي نحن بصدده فاعليتها الكاملة والتي لا تحتمل أدني استثناء. وهذه القاعدة التي تفيد عدم رجعية قانون العقوبات على الماضي ترتبط بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات. فلا يكفي لتوافر مبدأ الشرعية أن يكون التجريم والعقاب بناء على قانون. وإنما يلزم أيضاً أن يكون التجريم والعقاب بناء على قانون سابق على ارتكاب الفعل، وإلا لأهدرت حريات الأفراد بشكل يتعارض وأبسط قواعد العدالة كما هي راسخة في الوجدان الاجتماعي. ولذلك حرص الدستور في المادة 66 منه على النص على مبدأ الشرعية وعدم رجعية القوانين الجنائية. فبعد أن نص على أنه لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون أردف بأنه «ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة لتاريخ نفاذ القانون».

 إلغاء التجريم السابق بإباحة الفعل - رجعية قانون العقوبات على الماضي :

إذا صدر قانون جديد يلغي صفة التجريم عن الفعل الذي كان يعتبر جريمة وفقاً للقانون القديم، فبطبيعة الحال يقف أثر القانون القديم بالنسبة للأفعال التي تقع لاحقة على إلغائه. أما الأفعال التي وقعت في ظل سريان ذلك القانون القديم، فلا يطبق بشأنها القانون الذي كان معمولاً به وقت ارتكابها، كما هو الشأن بالنسبة للفرض الأول، وإنما تطبق قاعدة أخرى هي رجعية قانون العقوبات على الماضي إذا كان يبيح فعلاً يعتبر جريمة وفقاً لقانون قديم. فلا يمكن أن يعاقب شخص على جريمة ارتكبها في ظل قانون قديم إذا كان قد صدر قانون جديد يبيح الفعل. إذ معنى ذلك أن الفعل المرتكب لم يعد مكوناً لاعتداء على مصلحة جوهرية للمجتمع تجعله جديراً بالتجريم والعقاب.

وقد نص المشرع صراحة على هذا المبدأ في الفقرة الثالثة من المادة الخامسة حيث قضي بأنه «وإذا صدر قانون بعد حكم نهائي يجعل الفعل الذي حكم على المجرم من أجله غير معاقب عليه يوقف تنفيذ الحكم وتنتهي أثاره الجنائية».

ويستفاد من الفقرة السابقة أن القانون اللاحق الذي يبيح الفعل هو الذي يطبق على الواقعة المرتكبة في ظل قانون قديم يعاقب عليها حتى ولو كان القانون الجديد قد صدر بعد الحكم النهائي وأثناء تنفيذ العقوبة. إذ يترتب عليه في هذه الحالة وقف تنفيذ العقوبة وانقضاء الآثار الجنائية للحكم.

والواقع أن الفرض الذي نحن بصدده إنما هو تطبيق للاستثناء الخاص برجعية القوانين الجنائية الأصلح للمتهم. بمعنى أن القانون الأصلح للمتهم هو الذي يكون واجب التطبيق على الفعل المرتكب بالرغم من أن ارتكابه كان سابقاً على صدوره ولما كانت تلك القاعدة الخاصة برجعية القوانين الأصلح للمتهم نجد حدوداً لها في الحكم النهائي. أي أنه لا يجوز تطبيق القانون الجديد بالرغم من صلاحيته للمتهم على الواقعة التي حدثت في ظل قانون سابق مادامت قد صدر فيها حكم نهائي فقد أفرد المشرع للفرض الخاص بالإلغاء الكلي للتجريم فقرة مستقلة أورد فيها القاعدة بالنسبة لمثل تلك القوانين ألا وهي وجوب تطبيقها بالرغم من صدور حكم نهائي.

وجدير بالذكر أن إلغاء التجريم العبرة فيه بالوضع القانوني للواقعة المرتكبة. بمعنى أن الفرض محل البحث يتحقق سواء أكان القانون الجديد ينفي الصفة التجريمية عن الواقعة المرتكبة بحالتها ويجعل منها واقعة مشروعه غير معاقب عليها، أم كان يتطلب في الواقعة المرتكبة بعض عناصر أخرى، لا تتوافر في واقعة الحال، لكي تتوافر الصفة غير المشروعة أو لكي يمكن اعتباره فعلاً معاقباً عليه. ومثال ذلك اشتراط القانون الجديد في الواقعة المعاقب عليها أن يتوافر ركن الاعتياد بينما كان القانون القديم يعاقب على الفعل الواحد غير المتكرر.

الإبقاء على صفة التجريم والتعديل في الآثار القانونية للفعل تطبيق القانون الأصلح للمتهم:

في هذا الفرض يبقى القانون الجديد على الصفة غير المشروعة للواقعة المرتكبة في ظل قانون قديم يعاقب عليها. وكل ما هنالك هو أن القانون الجديد يأتي بتعبير في الآثار القانونية المترتبة على الفعل كأن يشدد العقوبة أو يخفف منها ولذلك فإن هذا يختلف عن سابقيه في أن الفعل يعتبر جريمة في نظر القانونين المتعاقبين إلا أن العقوبة والآثار الجنائية التي يرتبها كل منهما مختلفة.

والحكم بالنسبة لهذا الفرض يختلف باختلاف ما إذا كان القانون الجديد قد عدل من آثار الجريمة إلى ما هو أصلح للمتهم أم كان التعديل إلى أسوأ فإذا كان التعديل يسئ إلى مركز المتهم فإن القاعدة التي تطبق هي القاعدة العامة التي تقضي بأن يعاقب على الجرائم بمقتضى القانون المعمول به وقت ارتكابها، فإذا كان الفعل ارتكب في ظل القانون القديم، فإن هذا القانون هو الذي يحكم الواقعة. وإذا كان قد وقع في ظل القانون الجديد، فبطبيعة الحال هو الذي يطبق إذا لا يمكن أن يمتد القانون القديم ليحكم وقائع حدثت في ظل قانون جديد أي بعد انقضاء مفعول سريانه.

أما إذا كان القانون الجديد قد أتي بتعديل للاثار القانونية للجريمة يحقق صالحاً للمتهم لا يتوافر له بالنسبة للقانون القديم الذي وقعت الجريمة في ظله، فهناك يقف العمل بالقاعدة العامة السابقة والخاصة بسريان القوانين على الوقائع التي حدثت في ظلها، وتطبق قاعدة أخرى هي رجعية القانون الأصلح للمتهم. أي أن القانون الجديد يرتد إلى الماضي لحكم الوقائع التي حدثت في ظل القانون القديم. ورجعية القانون الجديد في هذه الحالة تستند إلى اعتبارات إنسانية أكثر منها قانونية. إذ لا مبرر لتحمل الشخص لقانون أشد جسامة في آثاره من قانون جديد قدر المشرع أنه أكثر عدالة في تنظيمه للآثار القانونية الجريمة. ولذلك فإن شرط رجعية القانون الجديد هو أن تكون الرابطة القانونية الناشئة بين المتهم وبين الدولة بسبب ارتكابه للجريمة مازالت قائمة ولم تنتف بحكم بات يثبت أن ينفي حق الدولة في العقاب. أما إذا كان القانون الجديد قد صدر بعد الحكم البات الذي به تنتهي الرابطة القانونية المذكورة فلا مجال لإعمال قاعدة الرجعية. وهذا هو ما قرره المشرع صراحة في الفقرة الثانية من المادة الخامسة حيث نص على أنه «ومع ذلك إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائيا قانون أصلح للمتهم فهو الذي يتبع دون غيره»، ويلاحظ أن المشرع حين وضع الحكم البات كحد فاصل بين تطبيق القانون الجديد الأصلح للمتهم من عدمه، إنما قدر أن مصلحة المجتمع هي في الحفاظ على عدم الرجوع في الحكم البات لمجرد أن قانونا جديدا قد صدر يقرر قواعد أصلح للمتهم. فاستقرار الأحكام الجنائية في هذا الفرض تشكل مصلحة اجتماعية تفوق مصلحة المتهم في تحمل آثار جنائية أخف حدة من الآثار المقررة بمقتضى القانون. ويستثنى من شرط الحكم البات القوانين الملغية للتجريم والتي رأينا أن المشرع قد أفرد لها حكماً خاصاً يقضي بتطبيق القانون الجديد حتى بعد صدور الحكم البات.

معيار صلاحية القانون بالنسبة للمتهم :

رأينا أن رجعية القانون الجديد مشروطة بصلاحيته للمتهم. ولذلك يتعين التثبت من الشرط السابق لإمكان تطبيق القانون الجديد على الواقعة المرتكبة قبل صدوره. والعبرة في الصلاحية هي بالظروف الخاصة بالواقعة المعروضة وبيان أي من القانونين أصلح للمتهم. غير أن التثبت من شرط الصلاحية قد يكون سهلاً في بعض الفروض، ويثير صعوبة في فروض أخرى.

والمعايير التي تستفاد منها الصلاحية لا تخرج عن الآتي :

1- إذا كان القانون الجديد قد أبقى على نوعية العقوبة ونزل بالحد الأقصى المقرر وفقا للقانون القديم أو أبقي أيضاً على الحد الأقصى ونزل بالحد الأدني، فإن القانون الجديد يكون هو الأصلح. أما إذا كان القانون الجديد قد ارتفع بالحد الأقصى أو ارتفع بالحد الأدنى فإن القانون القديم يكون هو الواجب التطبيق وفقا للقواعد العامة.

2- إذا كان القانون الجديد قد غير من نوعية العقوبة المقررة للجريمة فالعبرة هي وضع العقوبة الجديدة بين العقوبات الجنائية بحسب ترتيب جسامتها ولا تقيد في هذه الحالة بمدة العقوبة مادامت قد اختلفت في النوع.

فالأشغال الشاقة لمدة ثلاث سنوات أشد من السجن لمدة خمس سنوات وهكذا.

3- إذا كان القانون الجديد قد أتى بعقوبات تبعية أو تكميلية لم يكن ينص عليها القانون القديم فيطبق القانون القديم، بينما يطبق القانون الجديد إذا كان قد ألغى كل أو بعض العقوبات التكميلية أو التبعية التي كان ينص عليها القانون القديم. والحال كذلك بالنسبة لإضافة الظروف المشددة أو النص على ظروف مخففة.

4- إذا كان القانون الجديد يعتبر في شق منه أصلح للمتهم وفي شق آخر يسيء إلى مركز المتهم فإن الأمر يثير صعوبة. ومثال ذلك رفع الحد الأقصى المقرر للجريمة مع النزول بالحد الأدنى، أو النزول بالحد الأقصى ورفع الحد الأدنى، أو النزول بالحد الأقصى مع إضافة عقوبات تكميلية.

وفي مثل تلك الفروض لا يجوز بأي من الأحوال التوفيق بين القانونين بقاعدة تجمع بين الأصلح فيهما للمتهم، فلا يجوز الاعتداد بالحد الأقصى المخفف بالقانون الجديد والحد الأدنى المقرر بالقانون القديم مثلاً، لأن معنى ذلك أن القاضي يطبق قاعدة من إنشائه هو لا مقابل لها في أي من القانونين.

والراجح فقهاً في مثل الفروض السابقة هو أن العبرة بظروف الواقعة وظروف المتهم، فإذا كانت هذه الظروف مجتمعة تستدعي تطبيق الحد الأقصى للعقوبة فإن القانون الأصلح للمتهم يكون هو القانون الذي يقرر حدا أقصي أحف من الحد الأقصى المقرر بالقانون الآخر. فإذا كانت ظروف المتهم والجريمة تستدعي تطبيق الحد الأدنى فإن القانون الواجب التطبيق بوصفه الأصلح للمتهم هو الذي ينزل بالحد الأدني عن الحد المقرر بالقانون الآخر.

وعموماً فإن تقرير الصلاحية من عدمه إنما يتوقف على محكمة الموضوع خاضعة في ذلك لتقرير محكمة النقض بالنظر إلى الظروف الخاصة بالجريمة والمتهم.

الوضع الخاص بالقوانين محددة الفترة :

استثنى المشرع من تطبيق رجعية القانون الأصلح للمتهم والقوانين المعنية للتجريم، الجرائم التي تقع بالمخالفة لقوانين محددة الفترة. فهذه الجرائم تظل محكومية والقانون الذي كان ساري المفعول وقت وقوعها بالرغم من انتهاء العمل به وإباحة الفعل وفقاً للقانون الجديد. وقد نصت على هذا الاستثناء المادة الخامسة في فقرتها الأخيرة حيث جاء بها «غير أنه في حالة قيام إجراءات الدعوى أو صدور حكم بإدانة فيها وكان ذلك عن فعل وقع مخالفاً لقانون ينهى عن ارتكابه في فترة محددة فان انتهاء هذه الفترة لا يحول دون السير في الدعوى أو تنفيذ العقوبات المحكوم بها ».

ومفاد ذلك أنه إذا كان القانون الذي وقعت الجريمة في ظل سريانه محددة في فترة تطبيقه فإن القاعدة العامة في تطبيق قانون العقوبات من حيث الزمان وهي أعمال القانون المعمول به وقت ارتكاب الجريمة، تكون هي الواجبة التطبيق بالرغم من تعاقب القوانين التي تتضمن صالحا للمتهم والحكمة من ذلك النص في أن القوانين محددة الفترة تفتقد فاعليتها إذا ما طبقنا قاعدة رجعية القانون الأصلح للمتهم، باعتبار أن تحديد فترة لتطبيق القانون يستتبع بالضرورة وجوب إعمال القانون على الوقائع التي حدثت في ظله حتى بعد انتهاء العمل به، وإلا سيؤدي إلى عدم احترام القانون وإفلات الكثير من العقاب المقرر بتلك القوانين.

ولذلك إذا انتهت الفترة المحددة وأصبح الفعل المرتكب في ظل القانون الساري في تلك الفترة مباحاً أو معاقباً عليه بعقوبة أخف من تلك المقررة بالقانون السابق، فإن ذلك لا يحول دون تطبيق العقوبة المنصوص عليها بالقانون محدد الفترة.

وقد اختلف الرأي بخصوص المقصود بالقوانين محددة الفترة، فذهب البعض إلى اعتبار القانون مؤقت الفترة سواء بالنص أي بتحديد تاريخ للسريان وآخر لانتهائه دون حاجة إلى إلغاءه. وسواء بالطبيعة أي القوانين التي تواجه ظروف مؤقتة بطبيعتها ولو لم ينص فيها على تاريخ للسريان والانتهاء كالقوانين التي تصدر لمجابهة ظروف الحرب والظروف الاقتصادية والمالية للدولة بينما يتجه البعض الآخر إلى أن القوانين محددة الفترة في فقط تلك التي ينص فيها على تاريخ لسريانها وآخر لانتهاء العمل بها.

أما القوانين التي تواجه ظروفاً خاصة والتي يطلق عليها البعض قوانين مؤقتة بطبيعتها فتطبق في شأنها القواعد العامة. وهذا الرأي هو الأولى بالاتباع لاتفاقه والغاية من النص من ناحية ومع المنطق من ناحية الأخرى. فالقول بأن القوانين التي تواجه ظروفاً هي محددة المدة بطبيعتها لا يسمح بمساواتها مع القوانين محددة الفترة بنص. ذلك أن القوانين جميعها مؤقتة وليست بداية.

والشرط الجوهري لعد أعمال رجعية القانون الأصلح للمتهم بالنسبة للجرائم المرتكبة في ظل قوانين وقتية انتهي العمل بها. هو أن تكون الجريمة قد بوشرت بصددها إجراءات الدعوى في ظل القانون محدد الفترة، ويكفي في هذا الصدد أن تكون الدعوى الجنائية الناشئة عنه قد حركت ولو لم تكن قد رفعت بعد إلى القضاء.

 حكم تعاقب القوانين محددة الفترة :

قد يحدث أن تتعاقب قوانين محددة الفترة بأن يصدر قانون جديد يعدل من أحكام القانون القديم ويكون كلاهما محدد الفترة، فهل يمكن إعمال رجعية القانون الأصلح للمتهم بالنسبة للوقائع التي حدثت في ظل القانون القديم؟.

لم ينظم المشرع المصري هذه الحالة، وإنما اقتصر فقط على تنظيم الفرض الذي ينتهي فيه العمل بالقانون محدد الفترة ليخضع الفعل بعد ذلك للقانون العادي. ونرى أنه لا مانع من إعمال رجعية القانون الأصلح للمتهم من بين القوانين محددة الفترة طالما أنه لم يصدر حكم بات في الدعوى.

إذ تنتفي العلة في حظر رجعية القانون الأصلح للمتهم عند انتهاء العمل بالقانون مجدد الفترة. فالفعل يظل محكوماً بذات الاعتبارات التي دعت المشرع إلى تحديد فترة معينة لتطبيق القانون وإن عدلت بعض قواعده طالما لم تنتف عنه صفة التأقيت. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة :  60).

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة ( 25 ) .

 (مادة 8)

 يطبق على الجرائم التعزيرية القانون المعمول به وقت ارتكابها، على أنه إذا صدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل القصاص فيها بحكم بات قانون أصلح للمتهم - وجب تطبيق هذا القانون دون غيره، ويوقف تنفيذ الحكم البات، وتنتهي آثاره الجنائية إذا صدر بعده قانون يجعل الفعل غير معاقب عليه. وفي جميع الأحوال إذا كان القانون الذي وقعت الجريمة بالمخالفة له محدودة الفترة بمدة معينة، أو دعت إلى إصداره حالة الطوارئ - فإن إلغاء القانون لا يحول دون السير في الدعوى، أو تنفيذ العقوبة المحكوم بها. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 65

مُتَّهَمٌ

التَّعْرِيفُ :

- الْمُتَّهَمُ لُغَةً:

مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ وَالتُّهْمَةُ هِيَ: الشَّكُّ وَالرِّيبَةُ وَاتَّهَمْتُهُ: ظَنَنْتُ بِهِ سُوءًا فَهُوَ تَهِيمٌ، وَاتُّهِمَ الرَّجُلُ اتِّهَامًا: أَتَى بِمَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ :

- الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ دَعْوَى دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ حَقٍّ وَالْمُدَّعِي: هُوَ مَنْ يَلْتَمِسُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُتَّهَمِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ مِنْ أَحْكَامٍ :

تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا:

الْمُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم

- عَدَّ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ الْمُتَّهَمَ بِالْكَذِبِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْكَذَّابِ مِنْ مَرَاتِبِ أَلْفَاظِ التَّجْرِيحِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: تَجُوزُ رِوَايَةُ حَدِيثِ مَنْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ فِي غَيْرِ الأْحْكَامِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ فَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ مَعَ بَيَانِ حَالِهِمْ. وَالَّذِي يَتَبَيَّنُ مِنْ عَمَلِ الإْمَامِ أَحْمَدَ وَكَلاَمِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الرِّوَايَةَ عَنِ الْمُتَّهَمِينَ وَالَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ كَثْرَةُ الْخَطَأِ لِلْغَفْلَةِ وَسُوءِ الْحِفْظِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْمُتَّهَمَ بِالْفِسْقِ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً قُبِلَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ وَقَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الأْكْثَرِ وَهُوَ أَعْدَلُهَا وَأَوْلاَهَا.

الْمُتَّهَمُ فِي الْجَرَائِمِ

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لاَ تُقَامُ عَلَى الْمُتَّهَمِ بِالتُّهْمَةِ. أَمَّا التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَلَمْ يَكْتَمِلْ نِصَابُ الْحُجَّةِ، أَوِ اسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ يَعِيثُ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا وَقَالُوا: إِنَّ الْمُتَّهَمَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَلاَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بَلْ يُعَزَّرُ مُتَّهَمُهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ فَيُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ بِالْحَبْسِ، وَقَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.

(ر: تُهْمَةٌ ف 14).

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَرَائِمُ مَحْظُورَاتٌ شَرْعِيَّةٌ زَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَلَهَا عِنْدَ التُّهْمَةِ حَالُ اسْتِبْرَاءٍ تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ الدِّينِيَّةُ وَلَهَا عِنْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا حَالُ اسْتِيفَاءٍ تُوجِبُهُ الأْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ.

فَأَمَّا حَالُهَا بَعْدَ التُّهْمَةِ وَقَبْلَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ النَّظَرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ حَاكِمًا رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ قَدِ اتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَكُنْ لِتُهْمَةٍ بِهَا تَأْثِيرٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْبِسَهُ لِكَشْفٍ وَلاَ اسْتِبْرَاءٍ وَلاَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَسْبَابِ الإْقْرَارِ إِجْبَارًا وَلَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي السَّرِقَةِ إِلاَّ مِنْ خَصْمٍ مُسْتَحِقٍّ لِمَا قَرَفَ وَرَاعَى مَا يَبْدُو مِنْ إِقْرَارِ الْمَتْهُومِ أَوْ إِنْكَارِهِ إِنِ اتُّهِمَ بِالزِّنَا لَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا وَيَصِفَ مَا فَعَلَهُ بِهَا بِمَا يَكُونُ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَإِنْ أَقَرَّ حَدَّهُ بِمُوجِبِ إِقْرَارِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ وَكَانَتْ بَيِّنَةً سَمِعَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْلَفَهُ فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا طَلَبَ الْخَصْمُ الْيَمِينَ. وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَتْهُومُ أَمِيرًا كَانَ لَهُ مَعَ هَذَا الْمَتْهُومِ مِنْ أَسْبَابِ الْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَذَلِكَ مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا : أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ قَرْفَ الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الإْمَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِلدَّعْوَى الْمُقَرَّرَةِ وَيَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِمْ فِي الإْخْبَارِ عَنْ حَالِ الْمَتْهُومِ وَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الرِّيَبِ؟ وَهَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِمِثْلِ مَا قُرِفَ بِهِ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ بَرَّءُوهُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ خَفَّتِ التُّهَمَةُ وَوُضِعَتْ وَعَجَّلَ إِطْلاَقَهُ وَلَمْ يَغْلُظْ عَلَيْهِ وَإِنْ قَرَّفُوهُ بِأَمْثَالِهِ وَعَرَّفُوهُ بِأَشْبَاهِهِ غَلُظَتِ التُّهَمَةُ وَقَوِيَتْ وَاسْتُعْمِلَ فِيهَا مِنْ حَالِ الْكَشْفِ مَا يُنَاسِبُهُ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ.

الثَّانِي : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يُرَاعِيَ شَوَاهِدَ الْحَالِ وَأَوْصَافَ الْمَتْهُومِ فِي قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا فَإِنْ كَانَتِ التُّهَمَةُ زِنًا وَكَانَ الْمَتْهُومُ مُطِيعًا لِلنِّسَاءِ ذَا فُكَاهَةٍ وَخَلاَبَةٍ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ، وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ، وَإِنْ كَانَتِ التُّهَمَةُ بِسَرِقَةٍ وَكَانَ الْمَتْهُومُ بِهَا ذَا عِيَارَةٍ أَوْ فِي بَدَنِهِ آثَارٌ لِضَرْبٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ حِينَ أُخِذَ مُنَقِّبٌ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ أَيْضًا.

الثَّالِثُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يُعَجِّلَ حَبْسَ الْمَتْهُومِ لِلْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ لِذَلِكَ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَبْسَهُ لِلاِسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ لاَ يَتَجَاوَزُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الإْمَامِ وَاجْتِهَادِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ أَنْ يَحْبِسُوا أَحَدًا إِلاَّ بِحَقٍّ وَجَبَ.

الرَّابِعُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ أَنْ يَضْرِبَ الْمَتْهُومَ ضَرْبَ التَّعْزِيرِ لاَ ضَرْبَ الْحَدِّ لِيَأْخُذَ بِالصِّدْقِ عَنْ حَالِهِ فِيمَا قُرِفَ بِهِ وَاتُّهِمَ، فَإِنْ أَقَرَّ وَهُوَ مَضْرُوبٌ اعْتُبِرَتْ حَالُهُ فِيمَا ضُرِبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ لَمْ يَكُنْ لإِقْرَارِهِ تَحْتَ الضَّرْبِ حُكْمٌ، وَإِنْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ عَنْ حَالِهِ وَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ قُطِعَ ضَرْبُهُ وَاسْتُعِيدَ إِقْرَارُهُ فَإِذَا أَعَادَهُ كَانَ مَأْخُوذًا بِالإْقْرَارِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الإْقْرَارِ الأْوَّلِ وَلَمْ يَسْتَعِدْهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِالإْقْرَارِ الأْوَّلِ وَإِنْ كَرِهْنَاهُ.

الْخَامِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ عَنْهَا بِالْحُدُودِ أَنْ يَسْتَدِيمَ حَبْسَهُ إِذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ بِجَرَائِمِهِ حَتَّى يَمُوتَ، بَعْدَ أَنْ يَقُومَ بِقُوتِهِ وَكِسْوَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ عَنِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ.

السَّادِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ إِحْلاَفُ الْمَتْهُومِ اسْتِبْرَاءً لِحَالِهِ، وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِ فِي التُّهْمَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالطَّلاَقِ وَالْعِتَاقِ، وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ إِحْلاَفُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ أَنْ يُجَاوِزُوا الأَْيْمَانَ بِاللَّهِ إِلَى الطَّلاَقِ أَوِ الْعِتْقِ.

السَّابِعُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يَأْخُذَ أَهْلَ الْجَرَائِمِ بِالتَّوْبَةِ إِجْبَارًا، وَيُظْهِرَ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِمْ مَا يَقُودُهُمْ إِلَيْهَا طَوْعًا، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدَ بِالْقَتْلِ فِيمَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ، لأِنَّهُ وَعِيدُ إِرْهَابٍ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْكَذِبِ إِلَى حَيِّزِ التَّعْزِيرِ وَالأْدَبِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ وَعِيدَهُ بِالْقَتْلِ فَيَقْتُلَ فِيمَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ.

الثَّامِنُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِهَنِ وَمَنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ الْقُضَاةُ إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ.

التَّاسِعُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ النَّظَرَ فِي الْمُوَاثَبَاتِ وَإِنْ لَمْ تُوجِدْ غُرْمًا وَلاَ حَدًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ سَمِعَ قَوْلَ مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا أَثَرٌ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِسَمَاعِ دَعْوَى مَنْ بِهِ الأْثَرُ وَلاَ يُرَاعَى السَّبْقُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَوْلَ أَسْبَقِهِمَا بِالدَّعْوَى، وَيَكُونُ الْمُبْتَدِئُ بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمَهُمَا جُرْمًا وَأَغْلَظَهُمَا تَأْدِيبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْدِيبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا:  بِحِسَابِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الاِقْتِرَافِ وَالتَّعَدِّي، وَالثَّانِي: بِحَسَبِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الْهَيْبَةِ وَالتَّصَاوُنِ.

وَإِذَا رَأَى مِنَ الصَّلاَحِ فِي رَدْعِ السَّفِلَةِ أَنْ يُشَهِّرَهُمْ، وَيُنَادَى عَلَيْهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ، سَاغَ لَهُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ أَوْجُهٌ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ فِي الْجَرَائِمِ بَيْنَ نَظَرِ الأْمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ فِي حَالِ الاِسْتِبْرَاءِ وَقَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ لاِخْتِصَاصِ الأْمِيرِ بِالسِّيَاسَةِ وَاخْتِصَاصِ الْقُضَاةِ بِالأْحْكَامِ.

- وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: دَعَاوَى التُّهَمِ وَهِيَ دَعْوَى الْجِنَايَةِ وَالأْفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَدَعْوَى الْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْعُدْوَانِ يَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:

فَإِنَّ الْمُتَّهَمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ، أَوْ فَاجِرًا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يَعْرِفُ الْوَالِي وَالْحَاكِمُ حَالَهُ.

فَإِنْ كَانَ بَرِيئًا لَمْ تَجُزْ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهِمِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا يُعَاقَبُ صِيَانَةً لِتَسَلُّطِ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الأْبْرِيَاءِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يُعْرَفُ بِبِرٍّ وَلاَ فُجُورٍ، فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الإْسْلاَمِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الأْئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي، وَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ «حَبَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي تُهْمَةٍ،» قَالَ أَحْمَدُ: وَذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَمْرُهُ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ».

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْحَبْسُ فِي التُّهَمِ إِنَّمَا هُوَ لِوَالِي الْحَرْبِ دُونَ الْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ هَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ أَوْ مَرْجِعُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْوَالِي وَالْحَاكِمِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرُ مُقَدَّرٍ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُولِ فَحَبْسُ هَذَا أَوْلَى، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الأْئِمَّةِ يَقُولُ: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ وَيُرْسَلُ بِلاَ حَبْسٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ مَذْهَبًا لأِحَدٍ مِنَ الأْئِمَّةِ الأْرْبَعَةِ وَلاَ غَيْرِهِمْ مِنَ الأْئِمَّةِ. وَيَسُوغُ ضَرْبُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْرَ بِتَعْذِيبِ الْمُتَّهَمِ الَّذِي غَيَّبَ مَالَهُ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ فِي قِصَّةِ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلِ الَّذِي يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي أَوْ كِلاَهُمَا أَوْ لاَ يَسُوغُ ضَرْبُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لاَ يُضْرَبُ، ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ عَنْ بِدْعَتِهِ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ.

الْمُتَّهَمُ فِي الْقَسَامَةِ

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الأْيْمَانَ تُوَجَّهُ إِلَى الْمُدَّعِينَ، فَإِنْ نَكَلُوا عَنْهَا وُجِّهَتِ الأْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تُوَجَّهُ تِلْكَ الأْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ ابْتِدَاءً، فَإِنْ حَلَفُوا لَزِمَ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قَسَامَةٌ ف 17).

تَحْلِيفُ الْمُتَّهَمِ فِي الأْمَانَاتِ

- يَحْلِفُ الْمُودَعُ وَالْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ وَكُلُّ مَنْ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ عَلَى تَلَفِ مَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى خِيَانَتِهِ كَخَفَاءِ سَبَبِ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 15).

وَإِذَا ادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ دَعْوَى الرَّدِّ وَدَعْوَى الضَّيَاعِ، إِذْ إِنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ يَدَّعِي يَقِينًا أَنَّ الْمُودَعَ كَاذِبٌ، فَيَحْلِفُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَّهَمًا أَمْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ لاَ عِلْمَ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ بِحَقِيقَةِ دَعْوَى الضَّيَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ فَلاَ يَحْلِفُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الأْظْهَرُ أَنْ تُلْحَقَ الْيَمِينُ إِذَا قَوِيَتِ التُّهَمَةُ، وَتَسْقُطَ إِذَا ضَعُفَتْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الْمُودَعُ مَحَلَّ تُهْمَةٍ فَوُجِّهَتْ إِلَيْهِ الْيَمِينُ وَنَكَلَ عَنْهَا ضَمِنَ وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا. وَصِفَةُ يَمِينِ الْمُتَّهَمِ أَنْ يَقُولَ: لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطْتُ، وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ مَا فَرَّطْتُ إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ.

رَدُّ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا بِالْمَحَبَّةِ وَالإْيثَارِ أَوْ بِالْعَدَاوَةِ أَوْ بِالْغَفْلَةِ وَالْغَلَطِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 8 - 10، شَهَادَةٌ ف 26).

 

الشَّكُّ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَّهَمُ

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإْمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَكٌّ ف 38).

 

رُجُوعُ الْمُتَّهَمِ فِي إِقْرَارِهِ

إِذَا أَقَرَّ الْمُتَّهَمُ بِحَقِّ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَإِنْ كَانَ الإْقْرَارُ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى أَنَّهُ يُحَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ. أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، أَوْ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لاَ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالزَّكَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي إِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 59 - 60).

صِحَّةُ إِقْرَارِ الْمُتَّهَمِ

يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ عَامَّةً شُرُوطٌ مِنْهَا:

عَدَمُ التُّهْمَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي إِقْرَارِهِ؛ لأِنَّ التُّهْمَةَ تُخِلُّ بِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي الإْقْرَارِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 22 وَمَا بَعْدَهَا).