loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الأول ، الصفحة : 355

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - سن المشروع المبادئ الرئيسية في الأهلية باعتبار أن أهلية الأداء هی إحدى خاصيات الشخص الطبيعي . واقتصر على أن يشير إشارة سريعة إلى الأدوار التي يمر بها الإنسان . فهو إلى السابعة فاقد التمييز فيكون معدوم الأهلية . وهو من السابعة إلى الثامنة عشرة ناقص التمييز فتكون له أهلية ناقصة ومن الثامنة عشرة إلى الواحدة والعشرين يتسع تمييزه فتتسع أهليته حتى إذا بلغ سن الرشد وهي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة كما هو القانون الحالى متمتعاً بقواه العقلية استكمل التمييز فالأهلية، كل هذا إذا لم يصب بعاهة في عقله كالغفلة والبله والسفه والعته والجنون فيفقد التمييز ويفقد معه الأهلية . ويتبين من ذلك أن الأهلية تتمشى مع التمييز توجد بوجوده و تنعدم بانعدامه.

2- قانون المجالس الحسبية هو الذي ينظم الأهلية وما يستتبعها من أحكام الولاية والوصاية والقوامة. 

الأحكام

1 ـ ان شخصية الانسان وهى صلاحيته لوجوب الحقوق له أو عليه - لا تبدأ - كأصل عام وطبقا لما نصت عليه المادة 29 من القانون المدنى - الا بولاته حيا، ومن ثم فان لم يكن موجودا على قيد الحياة عند وفاة اخر لا تكون له ذمة مالية ولا دعوى شخصية يطالب فيها بتعويض عن ضرر لم يصبه - ماديا كان هذا الضرر أو أدبيا، حتى ولو كان من أقاربه الى الدرجة الثانية الذين أجازت المادة 222 من القانون ذاته تعويضهم عما قد يصيبهم من الم من جراء تلك الوفاة. لان المشرع بهذا النص قصر الحق فى التعويض عن الضرر الادبى الشخصى المباشر على من هؤلاء موجودا على قيد الحياة فى تاريخ الوفاة دون أن يوسع من نطاق هذا الحق بحيث يشمل من لم يكن له وجود حين الوفاة، سواء كان لم يولد بعد أو كان قد مات قبل موت المصاب ، فان أياً من هؤلاء يستحيل تصور أن يصيبه ضرر أدبى نتيجة موته.

(الطعن رقم 5462 لسنة 70 جلسة 2002/01/08 س 53 ع 1 ص 125 ق 20)

2 ـ إذا كان الشخص الطبيعى يتمتع بأهلية الوجوب وهى الصلاحية لاكتساب الحقوق وتحمل الالتزامات فى حين أن أهلية الأداء هى قدرة الشخص على التعبير بنفسه عن إرادته تعبيراً منتجاً لآثاره القانونية فى حقه ، وتتطلب تمام التمييز والإرادة ، فيقع أن تتوافر للشخص أهلية الوجوب فيكون متمتعاً بالحق دون أن تكون لديه أهلية الأداء أى استعمال حقه بنفسه فتحل إرادة نائبه محل إرادته مع انصراف الأثر القانونى إلى الأخير .

(الطعن رقم 1345 لسنة 72 جلسة 2003/06/23 س 54 ع 2 ص 1037 ق 183)

3 ـ النص فى المادة 65 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 على أن " يحكم بالحجر على البالغ للجنون أو للعته أو للسفة أو للغفلة ، و لا يرفع الحجر إلا بحكم " يدل على أن المشرع ذهب إلى أن توقيع الحجر و رفعه لا يكون إلا بمقتضى حكم ، خلافاً لما تواضع عليه فقهاء الشرع الإسلامى من أن الحجر يكون بقيام موجبه و رفعه يكون بزوال هذا الموجب دون حاجة إلى صدور حكم به ، مما مؤداه أن نشوء الحالة القانونية المترتبة على توقيع الحجر أو رفعه يتوقف على صدور حكم بهما .

(الطعن رقم 33 لسنة 45 جلسة 1977/05/25 س 28 ع 1 ص 1293 ق 223)

4 ـ الراحج فى مذهب الامام أبى حنيفة أن البلوغ بالسن هو خمس عشرة سنة بالنسبة للولد والبنت وأنه متى بلغ الولد ذكراً كان أو أنثى عاقلاً زالت عنه الولاية على النفس يُخًاصِم ويُخَاصَم بشخصه فيما يتعلق بشئون نفسه.

(الطعن رقم 104 لسنة 59 جلسة 1991/02/05 س 42 ع 1 ص 398 ق 66)

5 ـ إذا كان الطاعن قد أعلن طعنه للمطعون ضدهم من الثالث إلى الخامس لبلوغهم سن الرشد و قد حضر وكيل عنهم لمباشرة الخصومة لدى نظر طلب وقف تنفيذ الحكم المطعون فيه فلا محل لإختصام النائب عنهم - و هو المطعون ضده الثانى - لزوال صفته بإنتهاء ولايته عليهم بالبلوغ فيكون الطعن غير مقبول فى حقه لرفعه على غير ذى صفة .

(الطعن رقم 112 لسنة 48 جلسة 1984/04/26 س 35 ع 1 ص 1083 ق 206)

شرح خبراء القانون

فأهلية الوجوب تبقى للشخص طوال الفترة التي يعترف القانون بوجوده خلالها، بأن تكون هناك نصوص قانونية منظمة لهذا الوجود ، فالقانون يعترف بالشخص منذ أن يكون حملاً مستكناً حتى تمام تصفيته تركته بعد وفاته إذا كانت تركته خاضعة لنظام التصفية فإن لم تكن كذلك انعدمت شخصية الشخص بمجرد موته.

وكذلك الحال بالنسبة للشخص الاعتباري، فإن القانون يعترف به منذ البدء في تكوينه وحتى تمام تصفيته.

أهلية الأداء :

هي صفة يكتسبها الشخص متى توافرت فيه توافرت شروط تجعله صالحاً لمباشرة كافة حقوقه بنفسه عن طريق إبرام التصرفات القانونية المختلفة وفقاً لما نصت عليه المادة 109 وما بعدها .

والأصل بالنسبة للشخص الاعتباري ، توافر أهلية الأداء لديه يباشرها عن طريق الممثل القانوني له، إلا أن القانون قد يحد من الأهلية في حالات معينة وحينئذ لاتتوافر أهلية الأداء – وكذلك أهلية الوجوب – بالنسبة للشخص الاعتباري فيما يتعلق بالتصرفات التي حصرها هذا القانون دون غيرها .

بلوغ سن الرشد :

سن الرشد هي إحدى وعشرون سنة كاملة، بالنسبة للمصريين كافة، رجالاً ونساء، مسلمين وغير مسلمين. 

وكل من بلغها متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية.

وتنصرف القوة العقلية إلى الجنون والعتة، ومن شأنها انعدام الإرادة، ومفاد ذلك أن من بلغ هذه السن مجنوناً أو معتوهاً، لا يكون كامل الأهلية حتي لو لم يصدر حكم قبل هذا البلوغ، فتستمر عليه الولاية أن كان وليه على قيد الحياة، أو الوصاية أن كان خاضعاً لها.

ولما كانت القوة العقلية لا تنصرف إلي الغفلة والسفه، ومن ثم بلغ الشخص سن الرشد وكان ذا غفلة أو سفيهاً فإن الولاية أو الوصاية لاتستمر عليه إلا إذا صدر حكم باستمرارها قبل بلوغه هذه السن فإن لم يصدر، أعتبر كامل الأهلية حتى يصدر حكم بالحجر عليه . (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني، الصفحة:5)

وهذه السن عامة لجميع المصريين، مسلمين أو غير مسلمين فمتى بلغ القاصر هذه السن غير مجنون ولا معتوه وغير محكوم عليه باستمرار الولاية أو الوصاية لسبب من أسباب الحجر أصبح رشيداً أي كامل الأهلية أما إذا كان قبل بلوغه هذه السن قد حكم عليه باستمرار الولاية أو الوصاية لجنون أو عته أو غفلة أو سفه، أو لم يحكم عليه ولكنه بلغ السن مجنوناً أو معتوهاً فتستمر الولاية عليه أو الوصاية يحسب الأحوال  . ويترتب على ذلك أنه إذا بلغ السن وكان ذا غفلة أو سفيهاً ولم يكن قد حكم عليه باستمرار الولاية أو الوصاية للغفلة أو السفه، فإنه يصبح رشيداً كامل الأهلية، وإذا أريد الحجر عليه بعد ذلك وجب استصدار حكم بالحجر، وتختار المحكمة له قيما قد يكون غير الولى أو الوصى .

فإذا بلغ القاصر سن الحادية والعشرين رشيداً كملت أهليته . وكان له بذلك أهلية اغتناء وأهلية الإدارة وأهلية التصرف وأهلية التبرع، يباشر كل ذلك بنفسه . ويسلمه وليه أو وصيه ماله ليكون حر التصرف فيه وكل دعوى للقاصر على وصيه ( أو للمحجور عليه على قيمه ) تكون متعلقة بأمور الوصاية ( أو القوامة ). خلال سنة من تاريخ تقديم الوصي الحساب عن وصايته أنظر المادة 52 من قانون الولاية على المال . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول، الصفحة : 361 )

أهلية الوجوب هي صلاحية الشخص لكسب الحقوق والتحمل بالالتزامات، أو هي صلاحية الشخص لوجوب الحقوق له أو عليه.

وأهلية الوجوب في الأصل يتساوى فيها الناس جميعاً، ذلك أن الناس كقاعدة عامة متساوون في التمتع بالحقوق.

ولكن استثناء قد تكون هذه الأهلية مقيدة بالنسبة لبعض الحقوق.

ومثل ذلك:

1- الجنسية: فالحقوق السياسية لا تثبت إلا للوطنيين دون الأجانب.

2- السن: فالحقوق السياسية لا تثبت للشخص إلا إذا بلغ سناً معينة.

3- الحكم على الشخص ببعض العقوبات: فهو يحرم الشخص من حقوقه السياسية إلى أن يرد له اعتباره.

وإذا كانت أهلية الوجوب لا تحد إلا بالنسبة إلى الحقوق السياسية دون المدنية، إلا أنه في بعض الأحوال الاستثنائية يرد القيد عليها بالنسبة إلى هذه الحقوق الأخيرة، وأهم هذه الأحوال حرمان الشخص من الحق في أن يرث قريبه، إذا كان قد قتله عمدا بغير حق ولا عذر، أو شهد زورا شهادة أدت إلى إعدامه (المادة 5 من قانون المواريث).

أهلية الأداء  

هي صلاحية الشخص لأن يباشر بنفسه التصرفات القانونية التي من شأنها أن تكسبه حقا أو تحمله ديناً على وجه يعتد به قانوناً، كأهلية الشخص في أن يبيع ماله أو يرهنه أو أن يؤجره.

ويجب عدم الخلط بين أهلية الأداء وبين أهلية الوجوب. فالمقصود بأهلية الوجوب هو صلاحية الشخص لأن يكون صاحب حق أو مدينا بالتزام.

فمن المتصور أن يكون شخص متمتعاً بأهلية الوجوب كاملة ولكن تنعدم لديه أهلية الأداء. فمثلاً الصبي غير المميز وهو يقل عمره عن سبع سنوات لديه أهلية وجوب كاملة بمعنى أنه يمكن أن يكون مالكاً لشئ ويثبت له الحق في الإرث ولكن هذا الطفل تنعدم لديه أهلية الأداء بمعنى أنه لا يستطيع أن يقوم بنفسه بأي تصرف قانوني من شأنه أن يكسبه حقاً وأن يحمله بالتزام فلا تتوافر لديه الأهلية اللازمة للشراء أو البيع.

وأهلية الأداء تفترض لقيامها بالضرورة توافر أهلية الوجوب لأنها تعني صلاحية الشخص لأن يباشر التصرف القانوني الذي من شأنه أن يرتب له الحق أو أن يحمله بالالتزام. وطبيعي أنه إذا لم يكن الشخص صالحاً لأن يكون صاحباً للحق أو مديناً بالالتزام، كان التصرف الذي من شأنه أن يرتبهما له غير ذي موضوع، وبالتالي لا يتصور قيام الأهلية لأدائه.

تمييز أهلية الأداء عن النظم التي تختلط بها :

 (أ) - الأهلية والولاية:

ذكرنا أن أهلية الأداء هي قدرة الشخص أو صلاحيته لمباشرة الأعمال القانونية.

ويقصد بذلك صلاحيته لمباشرة هذه الأعمال لحساب نفسه ولصالحه. أما الولاية فهي سلطة مقررة للشخص تجعله قادراً على القيام بأعمال قانونية تنفذ في حق الغير، فتكسبه حقاً أو تحمله بالتزام.

فالقاصر لا يستطيع أن يباشر كسب الحقوق ولا تحمل الالتزامات بنفسه. فيقال إنه ناقص الأهلية أو عديمها. وإنما يباشر هذه الأعمال لحسابه وليه أو وصية. فهذه الأعمال متى صدرت من الولي أو الوصي أحدثت أثرها في ذمة القاصر لا في ذمة الولي أو الوصي، مع أن القاصر فاقد الأهلية. وعندئذ لا يقال إن الولي أو الوصي "أهل" لمباشرة هذه الأعمال بدلاً من القاصر، بل يقال إن الولاية على القاصر تجعل أعماله نافذة في حقه. فأهلية الأداء هي صفة تلحق الشخص فتصبح بها أعماله منتجة لآثارها القانونية في حق نفسه، والولاية هي سلطة شرعية تقوم على ترخيص القانون، فتجعل الشخص صالحاً لأن يعمل عملاً ينفذ في حق شخص آخر). 

(ب) - أهلية الأداء وعدم قابلية المال للتصرف فيه:

في بعض الأحيان يكون مال معين غير قابل للتصرف فيه قانوناً، وذلك مثل الأموال العامة المملوكة للدولة مثل الطرق والشوارع ومثل الأموال التي يلحقها شرط المنع من التصرف.

ولا يجب الخلط بين انتفاء أهلية الأداء وبين المنع من التصرف. ففي حالة انتفاء أهلية الأداء يكون الشخص نفسه غير صالح للقيام بنفسه بالتصرفات القانونية فالشخص نفسه هو الذي يوصف بأنه منعدم أو ناقص الأهلية أما في حالة المنع من التصرف فإن المال نفسه غير قابل للتصرف فيه فالمنع من التصرف وصف يلحق بالمال نفسه وليس الشخص .

كمال الأهلية:

إذا بلغ الشخص سن الرشد - وهي إحدى وعشرون سنة في القانون المصري - اعتبره القانون في الأصل كامل التمييز والإرادة الواعية البصيرة. ولما كان كمال التمييز والإرادة مناط أهلية الأداء. فيكون هذا الشخص كامل الأهلية كمالاً مطلقاً بحيث يملك إجراء كل أنواع التصرفات القانونية بنفسه منها النافع نفعاً محضاً والضار ضرراً محضاً و الدائر بين النفع والضرر، سواء كان هذا الشخص مسلماً أو غير مسلم رجلاً أم امرأة.

واكتمال أهلية الشخص ببلوغ سن الرشد على هذا النحو، معناه انتهاء الولاية أو الوصاية التي كانت مقامة عليه، ما لم تحكم المحكمة قبل بلوغه هذه السن باستمرار الولاية أو الوصاية عليه، بسبب إصابته بعارض يفقده قواه العقلية كالجنون أو العته، أو يخل بتقديره وتدبيره كالسفه والغفلة. ومتى تقرر استمرار الولاية أو الوصاية عليه بعد بلوغ سن الرشد، فتظل قائمة لا يرفعها إلا قرار من المحكمة في حال رجوع العقل أو اعتدال التقدير، فيصبح الشخص به حينئذ كامل الأهلية.

أما إذا كان قبل بلوغه هذه السن قد حكم عليه باستمرار الولاية أو الوصاية لجنون أو عته أو غفله أو سفه، أو لم يحكم عليه ولكنه بلغ السن مجنوناً أو معتوهاً، فتستمر الولاية عليه أو الوصاية بحسب الأحوال. ويترتب على ذلك أنه إذا بلغ السن وكان ذا غفلة أو سفيها ولم يكن قد حكم عليه باستمرار الولاية أو الوصاية للغفلة أو السفه، فإنه يصبح رشیداً كامل الأهلية، وإذ أريد الحجر عليه بعد ذلك وجب استصدار حكم بالحجر، وتختار المحكمة له قيما قد يكون غير الولي أو الوصي. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الأول، الصفحة /613)

تعريف الأهلية ونوعها - يعرف الفقهاء الأهلية بأنها صلاحية الشخص لأن تتعلق به حقوق له أو عليه، ولأن يباشر بنفسه الأعمال القانونية والقضائية المتعلقة بهذه الحقوق.

والأهلية نوعان : أهلية وجوب -  وأهلية  أداء "

وأهلية الوجوب هي صفة تقوم بشخص تجعله صالحاً لأن يتعلق به حق معين له أو عليه.

أما أهلية الأداء ، فهي صفة تقوم بشخص تجعله صالحاً لأن يباشر بنفسه عملاً قانونياً أو قضائياً خاصاً بالحقوق والواجبات التي يملح هذا الشخص لتعلقها به.

تقدم أن أهلية الأداء صفة تقوم بشخص. تجعله صالحاً لأن يباشر بنفسه عملاً من الأعمال القانونية أو القضائية المتعلقة بحق أو التزام تكون لهذا الشخص بالنسبة إليه أهلية الوجوب .

فأهلية الأداء تفترض توافر أهلية الوجوب، دون العكس، لأن أهلية الأداء تقوم على أهلية الوجوب، فلا يكون الشخص صالحاً لمباشرة عمل قانوني کعقد بيع أو هبة إلا إذا كان صالحاً لأن يكون مالكاً للحق المتصرف فيه، أو مكلفاً بالالتزام الذي ينشأ من ذلك التصرف ويمكن أن تكون للشخص أهلية الوجوب بالنسبة إلى حق معين دون أن تكون له أهلية الأداء بالنسبة إلى الأعمال القانونية المتعلقة بهذا الحق.

ومتى ثبتت لشخص أهلية الوجوب بالنسبة إلى حق معين أو التزام معين ، فإن الأعمال القانونية المتعلقة بهذا الحق أو الالتزام أعمال متعددة ومتنوعة، وليس حتماً أن يكون ذلك الشخص صالحاً لمباشرتها كلها بنفسه، أو أن تكون صلاحيته معدومة بالنسبة إليها كلها، وإنما يجوز أن يصلح لمباشرة بعضها دون البعض الآخر  بل الأصح أن ينظر في صلاحيته لذلك إلى كل من تلك الأعمال القانونية على حدة فالشخص نفسه يمكن أن يكون أهلاً للتعاقد بالإيجار وليس أهلاً للتعاقد بالبيع، أو يكون أهلاً للتصرف بالبيع وليس أهلاً للتبرع (كالتصرف بالهبة ) وهلم جراً.

ولأن أهلية الأداء هي صلاحية الشخص للقيام بالأعمال القانونية التي يترتب عليها كسب الحقوق أو نشوء الالتزامات أو انتقالها أو انقضائها، فإن تعيينها  يقتضي حصر هذه الأعمال وتقسيمها وسنفصل ذلك عندما نتناول مصادر الحق.

أما الآن فيكفينا أن نذكر أن الحقوق والالتزامات تنشأ أما بحكم القانون، وأما بتصرف إرادي من الشخص.

وفي الحالة الأولى أما أن يكون نشوء الحقوق والالتزامات من القانون مباشرة أى دون حاجة بالشخص إلى القيام بأي عمل وذلك كالأرث يهبط على الوارث بمجرد وفاة مورثه، فيكسب الوارث به ملكية الأموال التي كانت لمورثه، وكالنفقة يفرضها القانون مباشرة على القريب الموسر لقريبه المعسر، وكالالتزام بالضرائب وبالخدمة العسكرية الخ .. وإما أن يكون نشوءها من القانون بطريق غير مباشر أي أنه يحتاج فيه إلى عمل مادي يقوم به الشخص، وهو العمل الذي يرتب عليه القانون، نشوء الحق أو الالتزام، وذلك كالفعل الضار والفعل النافع .

وسواء أكان القانون هو مصدر الحقوق أو الالتزامات بطريق مباشر. أم كان مصدرها بطريق غير مباشر، لا يكون ثمة مجال للبحث عن توافر أهلية الأداء أو عدم توافرها للشخص، بل يكفي أن تتوافر فيه أهلية الوجوب حتى تتعلق به تلك الحقوق والواجبات بحكم القانون ، ففي النفقة والإرث مثلاً لا تشترط في الشخص أهلية الأداء بل يكفي أن تكون له أهلية الوجوب الالتزام النفقة أو للحقوق التي تشملها  تركة المورث.

أما إذا كان نشوء الحقوق أو الالتزامات بتصرف إرادي، وهو ما يسمى عملاً قانونياً، ويشمل العقود وما يلحق بها من تصرفات فلابد من أن تتوافر في الشخص أهلية الأداء لهذا التصرف، ذلك أن العمل القانوني ليس سوى اتجاه إرادة شخص نحو إحداث أثر قانوني هو في الغالب، انشاء الحق أو الالتزام وليست أهلية الأداء سوى صلاحية الإرادة لأحداث هذا الأثر القانوني .

فالأعمال التي ينظر فيها إلى توافر أهلية الأداء أو عدم توافرها هي الأعمال القانونية أو التصرفات.

وكما أن القانون يحدد أهلية الوجوب بالنسبة إلى الحقوق المختلفة ، فهو أيضاً الذي يحدد أهلية الأداء بالنسبة إلى الأعمال القانونية المختلفة .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول،  الصفحة/ 743)

ويتعلق حكم المادة باهلية الأداء والولاية على المال أما الولاية على النفس فإن المادة الثانية من القانون رقم 1 لسنة 2000 الصادر بتنظيم بعض أوضاع وإجراءات التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية قد حددت أهلية التقاضي في مسائل الأحوال الشخصية بإتمام خمس عشرة سنة ميلادية وهو ما يتفق مع الرأي الراجح في مذهب أبي حنيفة الذي كان معمولاً به عملاً بالمادة 280 من لائحة ترتيب المحاكم الشرعية التي ألقاها القانون المذكور.(التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003  الصفحة :  452)

متى بلغ القاصر إحدى وعشرين سنة أصبح رشيداً وتثبت له الأهلية كاملة بحكم القانون متى كان متمتعاً بقواه العقلية ، ولم يحجر عليه، ويكون كامل الأهلية أيضاً لمباشرة حقوقه المدنية . (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 231 )

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني، الصفحة /  16

سنّ الْبلوغ:

26 - لقدْ جعل الشّارع الْبلوغ أمارةً على تكامل الْعقْل؛ لأنّ الاطّلاع على تكامل الْعقْل متعذّرٌ، فأقيم الْبلوغ مقامه. وقد اخْتلف في سنّ الْبلوغ: فيرى الشّافعيّة والْحنابلة وأبو يوسف ومحمّدٌ من الْحنفيّة، وبرأْيهما يفْتى في الْمذْهب، والأْوْزاعيّ، أنّ الْبلوغ بالسّنّ يكون بتمام خمْس عشْرة سنةً قمريّةً للذّكر والأْنْثى تحْديديّةٌ كما صرّح الشّافعيّة، لخبر ابْن عمر « عرضْت على النّبيّ صلي الله عليه وسلم يوْم أحدٍ وأنا ابْن أرْبع عشْرة سنةً، فلمْ يجزْني ولمْ يرني بلغْت، وعرضْت عليْه يوْم الْخنْدق وأنا ابْن خمْس عشْرة سنةً، فأجازني، ورآني بلغْت». رواه ابْن حبّان، وأصْله في الصّحيحيْن قال الشّافعيّ: ردّ النّبيّ صلي الله عليه وسلم سبْعة عشر من الصّحابة وهمْ أبْناء أرْبع عشْرة سنةً، لأنّه لمْ يرهمْ بلغوا، ثمّ عرضوا عليْه وهمْ أبْناء خمْس عشْرة، فأجازهمْ، منْهمْ زيْد بْن ثابتٍ، ورافع بْن خديجٍ، وابْن عمر». وروي عنْ أنسٍ أنّ النّبيّ  صلي الله عليه وسلم قال: «إذا اسْتكْمل الْموْلود خمْس عشْرة سنةً كتب ما له وما عليْه، وأخذتْ منْه الْحدود».

ويرى الْمالكيّة أنّ الْبلوغ يكون بتمام ثماني عشْرة سنةً، وقيل بالدّخول فيها، أو الْحلم أي الإْنْزال، لقوْله صلي الله عليه وسلم «رفع الْقلم عنْ ثلاثٍ: عن الصّبيّ حتّى يحْتلم..»، أو الْحيْض لقوْله  «لا يقْبل اللّه صلاة حائضٍ إلاّ بخمارٍ» أو الْحبل للأْنْثى، أو الإْنْبات الْخشن للْعانة وقدْ أوْرد الْحطّاب خمْسة أقْوالٍ في الْمذْهب، ففي روايةٍ ثمانية عشر وقيل سبْعة عشر، وزاد بعْض شرّاح الرّسالة ستّة عشر، وتسْعة عشر، وروى ابْن وهْبٍ خمْسة عشر لحديث ابْن عمر.

ويرى أبو حنيفة أنّ بلوغ الْغلام بالسّنّ هو بلوغه ثماني عشْرة سنةً، والْجارية سبْع عشْرة سنةً. وذلك لقوله تعالي ( ولا تقْربوا مال الْيتيم إلاّ بالّتي هي أحْسن حتّى يبْلغ أشدّه) قال ابْن عبّاسٍ رضي الله عنه ثماني عشْرة سنةً وهي أقلّ ما قيل فيه، فأخذ به احْتياطًا. هذا أشدّ الصّبيّ، والأْنْثى أسْرع بلوغًا من الْغلام فنقصْناها سنةً ويرْجع في تفْصيل الأْحْكام إلى مصْطلحي احْتلامٌ وبلوغٌ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع   ، الصفحة / 151

أَهْلِيَّةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الأْهْلِيَّةُ مَصْدَرٌ صِنَاعِيٌّ لِكَلِمَةِ (أَهْلٍ) وَمَعْنَاهَا لُغَةً - كَمَا فِي أُصُولِ الْبَزْدَوِيِّ -: الصَّلاَحِيَّةُ.

وَيَتَّضِحُ تَعْرِيفُ الأْهْلِيَّةِ  فِي الاِصْطِلاَحِ مِنْ خِلاَلِ تَعْرِيفِ نَوْعَيْهَا: أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ، وَأَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ.

فَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ هِيَ: صَلاَحِيَّةُ الإْنْسَانِ  لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ.

وَأَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ هِيَ: صَلاَحِيَّةُ الإْنْسَانِ  لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّكْلِيفُ:

2 - التَّكْلِيفُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: إِلْزَامُ مَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ.

وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ كَذَلِكَ، حَيْثُ قَالُوا: التَّكْلِيفُ إِلْزَامُ الْمُخَاطَبِ بِمَا فِيهِ كُلْفَةٌ وَمَشَقَّةٌ مِنْ فِعْلٍ أَوْ تَرْكٍ.

فَالأْهْلِيَّةُ وَصْفٌ لِلْمُكَلَّفِ.

ب - الذِّمَّةُ:

3 - الذِّمَّةُ مَعْنَاهَا فِي اللُّغَةِ: الْعَهْدُ وَالضَّمَانُ وَالأَْمَانُ.

وَأَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَإِنَّهَا: وَصْفٌ يُصَيِّرُ الشَّخْصَ بِهِ أَهْلاً لِلإِْلْزَامِ وَالاِلْتِزَامِ.

فَالْفَرْقُ بَيْنَ الأْهْلِيَّةِ  وَالذِّمَّةِ: أَنَّ الأْهْلِيَّةَ  أَثَرٌ لِوُجُودِ الذِّمَّةِ.

مَنَاطُ الأْهْلِيَّةِ  وَمَحَلُّهَا:

4 - الأْهْلِيَّةُ بِمَعْنَاهَا الْمُتَقَدِّمِ مَنَاطُهَا، أَيْ مَحَلُّهَا الإْنْسَانُ، مِنْ حَيْثُ الأْطْوَارُ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا، فَإِنَّهُ فِي الْبِدَايَةِ يَكُونُ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الأْهْلِيَّةِ  الْخَاصَّةِ بِالْجَنِينِ، وَبَعْدَ الْوِلاَدَةِ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ يَكُونُ طِفْلاً، فَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الأْهْلِيَّةِ الْخَاصَّةِ بِالطِّفْلِ، وَبَعْدَ التَّمْيِيزِ تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الأْهْلِيَّةِ  الْخَاصَّةِ بِالْمُمَيَّزِ إِلَى أَنْ يَصِلَ بِهِ الأْمْرُ إِلَى سِنِّ الْبُلُوغِ، فَتَثْبُتُ لَهُ الأْهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ، كَطُرُوءِ عَارِضٍ يَمْنَعُ ثُبُوتَ تِلْكَ الأْهْلِيَّةِ  الْكَامِلَةِ لَهُ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى أَقْسَامِ الأْهْلِيَّةِ  وَعَوَارِضِهَا.

أَقْسَامُ الأْهْلِيَّةِ  وَأَنْوَاعُهَا:

5 - الأْهْلِيَّةُ قِسْمَانِ: أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ، وَأَهْلِيَّةُ أَدَاءً.

وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ قَدْ تَكُونُ كَامِلَةً، وَقَدْ تَكُونُ نَاقِصَةً.

وَكَذَا أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلاً: أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ:

6 - سَبَقَ أَنَّ مَعْنَى أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ: صَلاَحِيَّةُ الشَّخْصِ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعًا، أَوْ لَهُ، أَوْ عَلَيْهِ.

وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ تَنْقَسِمُ فُرُوعُهَا وَتَتَعَدَّدُ بِحَسَبِ انْقِسَامِ الأْحْكَامِ، فَالصَّبِيُّ أَهْلٌ لِبَعْضِ الأْحْكَامِ، وَلَيْسَ بِأَهْلٍ لِبَعْضِهَا أَصْلاً، وَهُوَ أَهْلٌ لِبَعْضِهَا بِوَاسِطَةِ رَأْيِ الْوَلِيِّ، فَكَانَتْ هَذِهِ الأْهْلِيَّةُ مُنْقَسِمَةً نَظَرًا إِلَى أَفْرَادِ الأْحْكَامِ، وَأَصْلُهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ الصَّلاَحُ لِلْحُكْمِ، فَمَنْ كَانَ أَهْلاً لِحُكْمِ الْوُجُوبِ بِوَجْهٍ كَانَ هُوَ أَهْلاً لِلْوُجُوبِ، وَمَنْ لاَ فَلاَ.

وَمَبْنَى أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ هَذِهِ عَلَى الذِّمَّةِ، أَيْ أَنَّ هَذِهِ الأْهْلِيَّةَ  لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بَعْدَ وُجُودِ ذِمَّةٍ صَالِحَةٍ؛ لأِنَّ  الذِّمَّةَ هِيَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ، وَلِهَذَا يُضَافُ إِلَيْهَا وَلاَ يُضَافُ إِلَى غَيْرِهَا بِحَالٍ، وَلِهَذَا اخْتَصَّ الإْنْسَانُ بِالْوُجُوبِ دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ لَهَا ذِمَّةٌ.

وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثُبُوتِ هَذِهِ الذِّمَّةِ لِلإْنْسَانِ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، حَتَّى يَكُونَ صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ، فَيَثْبُتُ لَهُ مِلْكُ النِّكَاحِ بِتَزْوِيجِ الْوَلِيِّ إِيَّاهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْمَهْرُ بِعَقْدِ الْوَلِيِّ.

أَنْوَاعُ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ:

7 - أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ نَوْعَانِ:

أ - أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ النَّاقِصَةُ، وَتَتَمَثَّلُ فِي الْجَنِينِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، بِاعْتِبَارِهِ نَفْسًا مُسْتَقِلَّةً عَنْ أُمِّهِ ذَا حَيَاةٍ خَاصَّةٍ، فَإِنَّهُ صَالِحٌ لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ مِنْ وَجْهٍ كَمَا سَيَأْتِي، لاَ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  ذِمَّتَهُ لَمْ تَكْتَمِلْ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ.

ب - أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ الْكَامِلَةُ، وَهِيَ تَثْبُتُ لِلإْنْسَانِ مُنْذُ وِلاَدَتِهِ، فَإِنَّهُ تَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ الْكَامِلَةُ؛ لِكَمَالِ ذِمَّتِهِ حِينَئِذٍ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَيَكُونُ بِهَذَا صَالِحًا لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ.

ثَانِيًا: أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ:

8 - سَبَقَ أَنَّ أَهْلِيَّةَ الأْدَاءِ هِيَ: صَلاَحِيَّةُ الإْنْسَانِ  لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدَ بِهِ شَرْعًا.

وَأَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ هَذِهِ لاَ تُوجَدُ عِنْدَ الشَّخْصِ إِلاَّ إِذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ؛ لِقُدْرَتِهِ حِينَئِذٍ عَلَى فَهْمِ الْخِطَابِ وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ الإْجْمَالِ، وَلِقُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ بِبَعْضِ الأْعْبَاءِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ الْقَاصِرَةُ، وَهِيَ الَّتِي تُنَاسِبُهُ مَا دَامَ نُمُوُّهُ لَمْ يَكْتَمِلْ جِسْمًا وَعَقْلاً، فَإِذَا اكْتَمَلَ بِبُلُوغِهِ وَرُشْدِهِ ثَبَتَتْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ الْكَامِلَةِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَهْلاً لِلتَّحَمُّلِ وَالأْدَاءِ، بِخِلاَفِ غَيْرِ الْمُمَيَّزِ، فَإِنَّهُ لاَ تَثْبُتُ لَهُ هَذِهِ الأْهْلِيَّةُ لاِنْتِفَاءِ الْقُدْرَتَيْنِ عَنْهُ.

أَنْوَاعُ أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ:

9 - أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ نَوْعَانِ:

أ - أَهْلِيَّةُ أَدَاءٍ قَاصِرَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ بِقُدْرَةٍ قَاصِرَةٍ.

ب - أَهْلِيَّةُ أَدَاءٍ كَامِلَةٍ، وَهِيَ الَّتِي تَثْبُتُ بِقُدْرَةٍ كَامِلَةٍ.

وَالْمُرَادُ بِالْقُدْرَةِ هُنَا: قُدْرَةُ الْجِسْمِ أَوِ الْعَقْلِ، أَوْ هُمَا مَعًا؛ لأِنَّ  الأْدَاءَ  - كَمَا قَالَ الْبَزْدَوِيُّ - يَتَعَلَّقُ بِقُدْرَتَيْنِ: قُدْرَةِ فَهْمِ الْخِطَابِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ، وَقُدْرَةِ الْعَمَلِ بِهِ وَهِيَ بِالْبَدَنِ، وَالإْنْسَانُ  فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ عَدِيمُ الْقُدْرَتَيْنِ، لَكِنْ فِيهِ اسْتِعْدَادٌ وَصَلاَحِيَّةٌ لأَِنْ تُوجَدَ فِيهِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْقُدْرَتَيْنِ شَيْئًا فَشَيْئًا بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا دَرَجَةَ الْكَمَالِ، فَقَبْلَ بُلُوغِ دَرَجَةِ الْكَمَالِ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَاصِرَةً، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الصَّبِيِّ الْمُمَيَّزِ قَبْلَ الْبُلُوغِ، وَقَدْ تَكُونُ إِحْدَاهُمَا قَاصِرَةً، كَمَا فِي الْمَعْتُوهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنَّهُ قَاصِرُ الْعَقْلِ مِثْلُ الصَّبِيِّ، وَإِنْ كَانَ قَوِيَّ الْبَدَنِ، وَلِهَذَا أُلْحِقَ بِالصَّبِيِّ فِي الأْحْكَامِ

فَالأْهْلِيَّةُ الْكَامِلَةُ: عِبَارَةٌ عَنْ بُلُوغِ الْقُدْرَتَيْنِ أَوَّلَ دَرَجَاتِ الْكَمَالِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالاِعْتِدَالِ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ. وَالْقَاصِرَةُ: عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَتَيْنِ قَبْلَ بُلُوغِهِمَا أَوْ بُلُوغِ إِحْدَاهُمَا دَرَجَةَ الْكَمَالِ.

ثُمَّ الشَّرْعُ بَنَى عَلَى الأْهْلِيَّةِ  الْقَاصِرَةِ صِحَّةَ الأْدَاءِ، وَعَلَى الْكَامِلَةِ وُجُوبَ الأْدَاءِ وَتَوَجَّهَ الْخِطَابُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلْزَامُ الإْنْسَانِ  الأْدَاءَ  فِي أَوَّلِ أَحْوَالِهِ؛ إِذْ لاَ قُدْرَةَ لَهُ أَصْلاً، وَإِلْزَامُ مَا لاَ قُدْرَةَ لَهُ عَلَيْهِ مُنْتَفٍ شَرْعًا وَعَقْلاً، وَبَعْدَ وُجُودِ أَصْلِ الْعَقْلِ وَأَصْلِ قُدْرَةِ الْبَدَنِ قَبْلَ الْكَمَالِ، فَفِي إِلْزَامِ الأْدَاءِ حَرَجٌ؛ لأِنَّهُ يُحْرِجُ الْفَهْمَ بِأَدْنَى عَقْلِهِ، وَيُثْقِلُ عَلَيْهِ الأْدَاءَ  بِأَدْنَى قُدْرَةِ الْبَدَنِ، وَالْحَرَجُ مُنْتَفٍ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) فَلَمْ يُخَاطَبْ شَرْعًا لأِوَّلِ أَمْرِهِ حِكْمَةً، وَلأِوَّلِ مَا يَعْقِلُ وَيَقْدِرُ رَحْمَةً، إِلَى أَنْ يَعْتَدِلَ عَقْلُهُ وَقُدْرَةُ بَدَنِهِ، فَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ الْفَهْمُ وَالْعَمَلُ بِهِ.

ثُمَّ وَقْتُ الاِعْتِدَالِ يَتَفَاوَتُ فِي جِنْسِ الْبَشَرِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُمْكِنُ إِدْرَاكُهُ إِلاَّ بَعْدَ تَجْرِبَةٍ وَتَكَلُّفٍ عَظِيمٍ، فَأَقَامَ الشَّرْعُ الْبُلُوغَ الَّذِي تَعْتَدِلُ لَدَيْهِ الْعُقُولُ فِي الأْغْلَبِ مَقَامَ اعْتِدَالِ الْعَقْلِ حَقِيقَةً، تَيْسِيرًا عَلَى الْعِبَادِ، وَصَارَ تَوَهُّمُ وَصْفِ الْكَمَالِ قَبْلَ هَذَا الْحَدِّ، وَتَوَهُّمُ بَقَاءِ الْقُصُورِ بَعْدَ هَذَا الْحَدِّ سَاقِطِي الاِعْتِبَارِ؛ لأِنَّ  السَّبَبَ الظَّاهِرَ مَتَى أُقِيمَ مَقَامَ الْمَعْنَى الْبَاطِنِ دَارَ الْحُكْمُ مَعَهُ وُجُودًا وَعَدَمًا، وَأَيَّدَ هَذَا كُلَّهُ قَوْلُهُ عليه السلام: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ، وَالنَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ».  وَالْمُرَادُ بِالْقَلَمِ: الْحِسَابُ، وَالْحِسَابُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ لُزُومِ الأْدَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَثْبُتُ إِلاَّ بِالأْهْلِيَّةِ  الْكَامِلَةِ، وَهِيَ اعْتِدَالُ الْحَالِ بِالْبُلُوغِ عَنْ عَقْلٍ.

أَثَرُ الأْهْلِيَّةِ  فِي التَّصَرُّفَاتِ:

10 - التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَحْكُمُهَا الأْهْلِيَّةُ - سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَمْ مِنْ حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ - تَخْتَلِفُ وَتَتَعَدَّدُ أَحْكَامُهَا تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ نَوْعِ الأْهْلِيَّةِ ، وَتَبَعًا لاِخْتِلاَفِ مَرَاحِلِ النُّمُوِّ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الإْنْسَانُ الَّذِي هُوَ مَنَاطُ تِلْكَ الأْهْلِيَّةِ ، فَالأْهْلِيَّةُ - كَمَا سَبَقَ - إِمَّا أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ وَإِمَّا أَهْلِيَّةُ أَدَاءٍ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَدْ تَكُونُ نَاقِصَةً وَقَدْ تَكُونُ كَامِلَةً، وَلِكُلٍّ حُكْمُهُ.

هَذَا، وَلِلْوُقُوفِ عَلَى تِلْكَ الأْحْكَامِ، لاَ بُدَّ أَنْ نَتَنَاوَلَ تِلْكَ الْمَرَاحِلَ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الإْنْسَانُ، وَبَيَانُ الأْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِهِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ تِلْكَ الْمَرَاحِلِ.

الْمَرَاحِلُ الَّتِي يَمُرُّ بِهَا الإْنْسَانُ:

11 - يَمُرُّ الإْنْسَانُ مِنْ حِينِ نَشْأَتِهِ بِخَمْسِ مَرَاحِلَ أَسَاسِيَّةٍ، وَهَذِهِ الْمَرَاحِلُ هِيَ:

(1مَرْحَلَةُ مَا قَبْلَ الْوِلاَدَةِ، أَيْ حِينَ يَكُونُ جَنِينًا فِي بَطْنِ أُمِّهِ.

(2مَرْحَلَةُ الطُّفُولَةِ وَالصِّغَرِ، أَيْ بَعْدَ انْفِصَالِهِ عَنْ أُمِّهِ، وَقَبْلَ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ.

(3مَرْحَلَةُ التَّمْيِيزِ، أَيْ مِنْ حِينِ بُلُوغِهِ سِنَّ التَّمْيِيزِ إِلَى الْبُلُوغِ.

(4مَرْحَلَةُ الْبُلُوغِ، أَيْ بَعْدَ انْتِقَالِهِ مِنْ سِنِّ الصِّغَرِ إِلَى سِنِّ الْكِبَرِ.

(5مَرْحَلَةُ الرُّشْدِ، أَيِ اكْتِمَالُ الْعَقْلِ.

هَذَا، وَلِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاحِلِ أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ نَذْكُرُهَا فِيمَا يَلِي:

الْمَرْحَلَةُ الأْولَى - الْجَنِينُ:

12 - الْجَنِينُ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذٌ مِنَ الاِجْتِنَانِ، وَهُوَ الْخَفَاءُ، وَهُوَ وَصْفٌ لِلْوَلَدِ مَا دَامَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ، وَالْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِهِمْ لِلْجَنِينِ لاَ يَخْرُجُونَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى، إِذْ مَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ: وَصْفٌ لِلْوَلَدِ مَا دَامَ فِي الْبَطْنِ.

وَالْجَنِينُ إِذَا نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ كَالْجُزْءِ مِنْ أُمِّهِ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا يُحْكَمُ بِعَدَمِ اسْتِقْلاَلِهِ، فَلاَ تَثْبُتُ لَهُ ذِمَّةٌ، وَبِالتَّالِي فَلاَ يَجِبُ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.

وَإِذَا نُظِرَ إِلَيْهِ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ نَفْسًا مُسْتَقِلَّةً بِحَيَاةٍ خَاصَّةٍ يُحْكَمُ بِثُبُوتِ الذِّمَّةِ لَهُ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ أَهْلاً لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ لَهُ وَعَلَيْهِ. وَلَمَّا لَمْ يُمْكِنْ تَرْجِيحُ إِحْدَى الْجِهَتَيْنِ عَلَى الأْخْرَى  مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَإِنَّ الشَّرْعَ عَامَلَهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ جُزْءًا مِنْ أُمِّهِ بِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ، وَعَامَلَهُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهِ نَفْسًا مُسْتَقِلَّةً بِحَيَاةٍ خَاصَّةٍ بِكَوْنِهِ أَهْلاً لِلْوُجُوبِ لَهُ، وَبِهَذَا لاَ يَكُونُ لِلْجَنِينِ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ كَامِلَةٍ، بَلْ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ نَاقِصَةٍ.

13 - وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى إِثْبَاتِ بَعْضِ الْحُقُوقِ لِلْجَنِينِ، كَحَقِّهِ فِي النَّسَبِ، وَحَقِّهِ فِي الإْرْثِ، وَحَقِّهِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَحَقِّهِ فِي الْوَقْفِ.

فَأَمَّا حَقُّهُ فِي النَّسَبِ مِنْ أَبِيهِ: فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ وَأَتَتِ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ، إِذَا تَوَافَرَتْ شُرُوطُ ثُبُوتِ النَّسَبِ الْمُبَيَّنَةُ فِي مَوْضِعِهَا. ر: (نَسَبٌ).

وَأَمَّا حَقُّهُ فِي الإْرْثِ: فَهُوَ ثَابِتٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ كَمَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ الْحَمْلِ لِلإْرْثِ  مَتَى قَامَ بِهِ سَبَبُ اسْتِحْقَاقِهِ وَتَوَافَرَتْ فِيهِ شُرُوطُهُ.

وَكَذَلِكَ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لَهُ. وَأَمَّا حَقُّهُ فِي الْوَقْفِ: فَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ الْوَقْفَ عَلَيْهِ، قِيَاسًا عَلَى الْوَصِيَّةِ، وَيَسْتَحِقُّهُ إِنِ اسْتَهَلَّ.

وَلَمْ يُجَوِّزِ الشَّافِعِيَّةُ الْوَقْفَ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  الْوَقْفَ تَسْلِيطٌ فِي الْحَالِ بِخِلاَفِ الْوَصِيَّةِ.

وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ يَصِحُّ عِنْدَهُمُ الْوَقْفُ عَلَى حَمْلٍ أَصَالَةً، كَأَنْ يَقِفَ دَارَهُ عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ؛ لأِنَّهُ تَمْلِيكٌ، وَالْحَمْلُ لاَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ الإْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، أَمَّا إِذَا وَقَفَ عَلَى الْحَمْلِ تَبَعًا لِمَنْ يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَيْهِ، كَأَنْ يَقِفَ عَلَى أَوْلاَدِهِ، أَوْ عَلَى أَوْلاَدِ فُلاَنٍ وَفِيهِمْ حَمْلٌ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يَشْمَلُهُ عِنْدَهُمْ.

الْمَرْحَلَةُ الثَّانِيَةُ - الطُّفُولَةُ:

14 - تَبْدَأُ هَذِهِ الْمَرْحَلَةُ مِنْ حِينِ انْفِصَالِ الْجَنِينِ عَنْ أُمِّهِ حَيًّا، وَتَمْتَدُّ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ، فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ تَثْبُتُ لِلْمَوْلُودِ الذِّمَّةُ الْكَامِلَةُ، فَيَصِيرُ أَهْلاً لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ، أَمَّا أَهْلِيَّتُهُ لِلْوُجُوبِ لَهُ فَهِيَ ثَابِتَةٌ حَتَّى قَبْلَ الْوِلاَدَةِ - كَمَا سَبَقَ - فَتَثْبُتُ لَهُ بَعْدَهَا بِطَرِيقِ الأَْوْلَى، بَلْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ: بِأَنَّ لَهُ يَدًا وَاخْتِصَاصًا كَالْبَالِغِ.

وَأَمَّا أَهْلِيَّتُهُ لِلْوُجُوبِ عَلَيْهِ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ يَأْتِي.

وَوُجُوبُ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ عَلَى الطِّفْلِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، الْمُرَادُ مِنْهُ: حُكْمُهُ، وَهُوَ الأْدَاءُ  عَنْهُ، فَكُلُّ مَا يُمْكِنُ أَدَاؤُهُ عَنْهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَمَا لاَ فَلاَ.

وَإِنَّمَا قُيِّدَ الأْدَاءُ  بِالْمُمْكِنِ؛ لأِنَّ  الطِّفْلَ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ كَافَّةُ الْحُقُوقِ كَالْبَالِغِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُعَامَلُ بِمَا يُنَاسِبُهُ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ؛ لِضَعْفِ بِنْيَتِهِ، وَلِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى مُبَاشَرَةِ الأْدَاءِ بِنَفْسِهِ، فَيُؤَدِّي عَنْهُ وَلِيُّهُ مَا أَمْكَنَ أَدَاؤُهُ عَنْهُ، وَلِهَذَا فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ ذَكَرُوا تَفْصِيلاً فِي الْحُقُوقِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، الَّتِي تُؤَدَّى عَنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَمْ حُقُوقِ الْعِبَادِ، كَمَا ذَكَرُوا أَيْضًا حُكْمَ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ. وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:

أَوَّلاً: حُقُوقُ الْعِبَادِ:

15 - حُقُوقُ الْعِبَادِ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا مَا يَجِبُ أَدَاؤُهُ عَنِ الطِّفْلِ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ وَلاَ يُؤَدَّى عَنْهُ.

فَحُقُوقُ الْعِبَادِ الْوَاجِبَةُ وَالَّتِي تُؤَدَّى عَنْهُ هِيَ:

أ - مَا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْمَالَ وَيَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي عَنْهُ؛ لِوُجُوبِهِ عَلَيْهِ كَالْغُرْمِ وَالْعِوَضِ.

ب - مَا كَانَ صِلَةً شَبِيهَةً بِالْمُؤَنِ كَنَفَقَةِ الْقَرِيبِ، أَوْ كَانَ صِلَةً شَبِيهَةً بِالأَْعْوَاضِ كَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، فَإِنَّهُ يُؤَدَّى عَنْهُ.

وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ الَّتِي لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ وَلاَ تُؤَدَّى عَنْهُ فَهِيَ:

أ - الصِّلَةُ الشَّبِيهَةُ بِالأْجْزِيَةِ كَتَحَمُّلِ الدِّيَةِ مَعَ الْعَاقِلَةِ، فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ.

ب - الْعُقُوبَاتُ كَالْقِصَاصِ، أَوِ الأْجْزِيَةِ الشَّبِيهَةِ بِهَا كَالْحِرْمَانِ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ.

ثَانِيًا: حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى:

16 - هَذِهِ الْحُقُوقُ أَيْضًا مِنْهَا مَا يَجِبُ عَلَى الطِّفْلِ، وَمِنْهَا مَا لاَ يَجِبُ.

فَالْحُقُوقُ الَّتِي هِيَ مَئُونَةٌ مَحْضَةٌ كَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ تَجِبُ عَلَيْهِ، وَتُؤَدَّى عَنْهُ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنْهَا الْمَالُ، فَتَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ، وَيُمْكِنُ أَدَاؤُهُ عَنْهُ.

وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ فَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بَدَنِيَّةً أَمْ مَالِيَّةً.

أَمَّا الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِهَا، فَإِنَّهَا لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ لِعَجْزِهِ عَنِ الْفَهْمِ وَضَعْفِ بَدَنِهِ.

وَأَمَّا الْمَالِيَّةُ، فَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ فِطْرٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ مَالٍ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ هَا لَيْسَتْ عِبَادَةً خَالِصَةً بَلْ فِيهَا مَعْنَى الْمَئُونَةِ، أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الأْغْنِيَاءِ حَقًّا لِلْمُحْتَاجِينَ، فَتَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ كَمَا فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ هَا عِنْدَهُمْ عِبَادَةٌ خَالِصَةٌ، وَتَحْتَاجُ إِلَى النِّيَّةِ، وَلاَ تَصِحُّ فِيهَا النِّيَابَةُ.

وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ حُقُوقُ اللَّهِ عُقُوبَاتٍ كَالْحُدُودِ، فَإِنَّهَا لاَ تَلْزَمُهُ وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ، كَمَا لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُقُوبَاتُ الَّتِي هِيَ حُقُوقُ الْعِبَادِ كَالْقِصَاصِ؛ لأِنَّ  الْعُقُوبَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ جَزَاءً لِلتَّقْصِيرِ، وَهُوَ لاَ يُوصَفُ بِهِ.

ثَالِثًا: أَقْوَالُهُ وَأَفْعَالُهُ:

17 - أَقْوَالُ الصَّبِيِّ وَأَفْعَالُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا حُكْمٌ؛ لأِنَّهُ مَا دَامَ لَمْ يُمَيِّزْ فَلاَ اعْتِدَادَ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ.

الْمَرْحَلَةُ الثَّالِثَةُ: التَّمْيِيزُ:

18 - التَّمْيِيزُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ: مِزْتُهُ مَيْزًا، مِنْ بَابِ بَاعَ، وَهُوَ: عَزْلُ الشَّيْءِ وَفَصْلُهُ مِنْ غَيْرِهِ.

وَيَكُونُ فِي الْمُشْتَبِهَاتِ وَالْمُخْتَلِطَاتِ، وَمَعْنَى تَمَيُّزِ الشَّيْءِ: انْفِصَالُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَمِنْ هُنَا فَإِنَّ الْفُقَهَاءَ يَقُولُونَ: سِنُّ التَّمْيِيزِ، وَمُرَادُهُمْ بِذَلِكَ: تِلْكَ السِّنُّ الَّتِي إِذَا انْتَهَى إِلَيْهَا عَرَفَ مَضَارَّهُ وَمَنَافِعَهُ، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ مَيَّزْتُ الأْشْيَاءَ: إِذَا فَرَّقْتُهَا بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِهَا، وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ: التَّمْيِيزُ قُوَّةٌ فِي الدِّمَاغِ يُسْتَنْبَطُ بِهَا الْمَعَانِيَ.

وَهَذِهِ الْمَرْحَلَةُ تَبْدَأُ بِبُلُوغِ الصَّبِيِّ سَبْعَ سِنِينَ، وَهُوَ سِنُّ التَّمْيِيزِ كَمَا حَدَّدَهُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَتَنْتَهِي بِالْبُلُوغِ، فَتَشْمَلُ الْمُرَاهِقَ وَهُوَ الَّذِي قَارَبَ الْبُلُوغَ.

فَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ يُصْبِحُ عِنْدَ الصَّبِيِّ مِقْدَارٌ مِنَ الإِْدْرَاكِ وَالْوَعْيِ يَسْمَحُ لَهُ بِمُبَاشَرَةِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ الْقَاصِرَةِ؛ لأِنَّ  نُمُوَّهُ الْبَدَنِيَّ وَالْعَقْلِيَّ لَمْ يَكْتَمِلاَ بَعْدُ، وَبَعْدَ اكْتِمَالِهِمَا تَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ الْكَامِلَةِ؛ لأِنَّ  أَهْلِيَّةَ الأْدَاءِ الْكَامِلَةِ لاَ تَثْبُتُ إِلاَّ بِاكْتِمَالِ النُّمُوِّ الْبَدَنِيِّ وَالنُّمُوِّ الْعَقْلِيِّ، فَمَنْ لَمْ يَكْتَمِلْ نُمُوُّهُ الْبَدَنِيُّ وَالْعَقْلِيُّ مَعًا، أَوْ لَمْ يَكْتَمِلْ فِيهِ نُمُوُّ أَحَدِهِمَا فَأَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ فِيهِ تَكُونُ قَاصِرَةً.

فَالْمَعْتُوهُ كَالصَّبِيِّ؛ لِعَدَمِ اكْتِمَالِ الْعَقْلِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ كَامِلاً مِنَ النَّاحِيَةِ الْبَدَنِيَّةِ، بِخِلاَفِ أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ كَامِلَةً مُنْذُ الْوِلاَدَةِ، فَالطِّفْلُ أَهْلٌ لِلْوُجُوبِ لَهُ وَعَلَيْهِ، كَمَا سَبَقَ.

وَلِلتَّمْيِيزِ أَثَرُهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ، فَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ يَجُوزُ لَهُ بِأَهْلِيَّتِهِ الْقَاصِرَةِ مُبَاشَرَةُ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ وَتَصِحُّ مِنْهُ؛ لأِنَّ  الثَّابِتَ مَعَ الأْهْلِيَّةِ  الْقَاصِرَةِ صِحَّةُ الأْدَاءِ، وَيُمْنَعُ مِنْ مُبَاشَرَةِ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الأْخْرَى ، وَخَاصَّةً تِلْكَ الَّتِي يَعُودُ ضَرَرُهَا عَلَيْهِ، فَلاَ تَصِحُّ مِنْهُ.

وَمِنَ التَّصَرُّفَاتِ أَيْضًا مَا يَمْتَنِعُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَنْ يُبَاشِرَهَا بِنَفْسِهِ، بَلْ لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ إِذْنِ الْوَلِيِّ.

وَفِيمَا يَلِي مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الإْجْمَالِ، أَمَّا التَّفْصِيلُ فَفِي مُصْطَلَحِ (تَمْيِيزٍ).

تَصَرُّفَاتُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ:

19 - التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي يُبَاشِرُهَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِمَّا: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْحُقُوقُ عِبَادَاتٍ وَعَقَائِدَ، أَوْ حُقُوقًا مَالِيَّةً، أَوْ عُقُوبَاتٍ، وَإِمَّا: أَنْ تَكُونَ تِلْكَ التَّصَرُّفَاتُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، وَهِيَ إِمَّا: مَالِيَّةٌ أَوْ غَيْرُ مَالِيَّةٍ.

أ - حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى:

20 - أَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ كَالصَّلاَةِ، فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَمِ وُجُوبِهَا عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِأَدَائِهَا فِي سِنِّ السَّابِعَةِ، وَيُضْرَبُ عَلَى تَرْكِهَا فِي سِنِّ الْعَاشِرَةِ؛ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم فِيمَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «مُرُوا صِبْيَانَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ».

وَأَمَّا الْعَقَائِدُ كَالإْيمَانِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ، فَيُعْتَبَرُ إِيمَانُهُ؛ لأِنَّهُ خَيْرٌ مَحْضٌ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: إِنَّ إِسْلاَمَهُ لاَ يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ؛ لِحَدِيثِ: «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ وَمِنْهَا عَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ..»

وَأَمَّا رِدَّتُهُ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى عَدَمِ صِحَّةِ رِدَّتِهِ؛ لأِنَّ هَا ضَرَرٌ مَحْضٌ.

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ رِدَّتِهِ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مَا عَدَا الْقَتْلَ.

وَنُقِلَ فِي التَّتَارْخَانِيَّةِ وَالْمُنْتَقَى رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إِلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.

وَأَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَالِيَّةُ كَالزَّكَاةِ، فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَلاَ تَجِبُ فِي مَالِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَأَمَّا الْعُقُوبَاتُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِحُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَحَدِّ السَّرِقَةِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهَا لاَ تُقَامُ عَلَى الصَّبِيِّ، وَهَذَا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ.

ب - حُقُوقُ الْعِبَادِ:

21 - أَمَّا الْمَالِيَّةُ مِنْهَا كَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَأُجْرَةِ الأْجِيرِ  وَنَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالأَْقَارِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهَا تَجِبُ فِي مَالِهِ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ الْمَالُ، وَأَدَاؤُهُ يَحْتَمِلُ النِّيَابَةَ، فَيَصِحُّ لِلصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ أَدَاؤُهُ، فَإِنْ لَمْ يُؤَدِّهِ أَدَّاهُ وَلِيُّهُ.

وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا عُقُوبَةُ الْقِصَاصِ، فَإِنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ  فِعْلَ الصَّبِيِّ لاَ يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ، فَلاَ يَصْلُحُ سَبَبًا لِلْعُقُوبَةِ لِقُصُورِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ فِي فِعْلِهِ، وَلَكِنْ تَجِبُ فِي فِعْلِهِ الدِّيَةُ؛ لأِنَّ هَا وَجَبَتْ لِعِصْمَةِ الْمَحَلِّ، وَالصِّبَا لاَ يَنْفِي عِصْمَةَ الْمَحَلِّ؛ وَلأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنْ وُجُوبِهَا الْمَالُ، وَأَدَاؤُهُ قَابِلٌ لِلنِّيَابَةِ، وَوُجُوبُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى عَاقِلَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَخَالَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ عَلَى الأْصَحِّ  عِنْدَهُمْ، حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ فِي الْجِنَايَاتِ عَمْدٌ، فَتَغْلُظُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، وَيُحْرَمُ إِرْثَ مَنْ قَتَلَهُ.

22 - أَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ الْمَالِيَّةُ، فَفِيهَا تَفْصِيلٌ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

(1تَصَرُّفَاتٌ نَافِعَةٌ لَهُ نَفْعًا مَحْضًا، وَهِيَ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا دُخُولُ شَيْءٍ فِي مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ، مِثْلُ قَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ، وَهَذِهِ تَصِحُّ مِنْهُ، دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ؛ لأِنَّ هَا خَيْرٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

(2تَصَرُّفَاتٌ ضَارَّةٌ بِالصَّغِيرِ ضَرَرًا مَحْضًا، وَهِيَ الَّتِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا خُرُوجُ شَيْءٍ مِنْ مِلْكِهِ مِنْ غَيْرِ مُقَابِلٍ، كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَقْفِ وَسَائِرِ التَّبَرُّعَاتِ وَالطَّلاَقِ وَالْكَفَالَةِ بِالدَّيْنِ، وَهَذِهِ لاَ تَصِحُّ مِنْهُ، بَلْ تَقَعُ بَاطِلَةً، وَلاَ تَنْعَقِدُ، حَتَّى وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَلِيُّ أَوِ الْوَصِيُّ؛ لأِنَّ هُمَا لاَ يَمْلِكَانِ مُبَاشَرَتَهَا فِي حَقِّ الصَّغِيرِ فَلاَ يَمْلِكَانِ إِجَازَتَهَا.

(3تَصَرُّفَاتٌ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ بِحَسَبِ أَصْلِ وَضْعِهَا، كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ  وَسَائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ، وَهَذِهِ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيهَا:

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَصِحُّ صُدُورُهَا مِنْهُ، بِاعْتِبَارِ مَا لَهُ مِنْ أَصْلِ الأْهْلِيَّةِ ؛ وَلاِحْتِمَالِ أَنَّ فِيهَا نَفْعًا لَهُ، إِلاَّ أَنَّهَا تَكُونُ مَوْقُوفَةً عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ لِنَقْصِ أَهْلِيَّتِهِ، فَإِذَا أَجَازَهَا نَفَذَتْ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا بَطَلَتْ.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَقَعُ صَحِيحَةً لَكِنَّهَا لاَ تَكُونُ لاَزِمَةً، وَيَتَوَقَّفُ لُزُومُهَا عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ لاَ يَصِحُّ صُدُورُهَا مِنَ الصَّبِيِّ، فَإِذَا وَقَعَتْ كَانَتْ بَاطِلَةً لاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيُّ أَثَرٍ.

الْمَرْحَلَةُ الرَّابِعَةُ - الْبُلُوغُ:

23 - الْبُلُوغُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: قُوَّةٌ تَحْدُثُ لِلشَّخْصِ، تَنْقُلُهُ مِنْ حَالِ الطُّفُولَةِ إِلَى حَالِ الرُّجُولَةِ.

وَهُوَ يَحْصُلُ بِظُهُورِ عَلاَمَةٍ مِنْ عَلاَمَاتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالاِحْتِلاَمِ، وَكَالْحَبَلِ وَالْحَيْضِ فِي الأْنْثَى، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعَلاَمَاتِ كَانَ الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَقْدِيرِهِ، فَقَدَّرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لِلْفَتَى، وَسَبْعَ عَشْرَةَ سَنَةً لِلْفَتَاةِ، وَقَدَّرَهُ الصَّاحِبَانِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَقْدِيرُهُ بِثَمَانِي عَشْرَةَ سَنَةً لِكُلٍّ مِنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى.

وَفِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ، وَهِيَ مَرْحَلَةُ الْبُلُوغِ، يَكْتَمِلُ فِيهَا لِلإْنْسَانِ نُمُوُّهُ الْبَدَنِيُّ وَالْعَقْلِيُّ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ الْكَامِلَةِ، فَيَصِيرُ أَهْلاً لأِدَاءِ  الْوَاجِبَاتِ وَتَحَمُّلِ التَّبِعَاتِ، وَيُطَالَبُ بِأَدَاءِ كَافَّةِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، وَغَيْرِ الْمَالِيَّةِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ أَمْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ.

وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا اكْتَمَلَ نُمُوُّهُ الْعَقْلِيُّ مَعَ اكْتِمَالِ نُمُوِّهِ الْبَدَنِيِّ، أَمَّا إِذَا وَصَلَ إِلَى سِنِّ الْبُلُوغِ وَلَمْ يَكْتَمِلْ نُمُوُّهُ الْعَقْلِيُّ، بِأَنْ بَلَغَ مَعْتُوهًا أَوْ سَفِيهًا، فَإِنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، وَيَسْتَمِرُّ ثُبُوتُ الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِ، خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ فِي السَّفِيهِ.

الْمَرْحَلَةُ الْخَامِسَةُ - الرُّشْدُ:

24 - الرُّشْدُ فِي اللُّغَةِ: الصَّلاَحُ وَإِصَابَةُ الصَّوَابِ.

وَالرُّشْدُ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: حُسْنُ التَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ، وَالْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِثْمَارِهِ وَاسْتِغْلاَلِهِ اسْتِغْلاَلاً حَسَنًا.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: صَلاَحُ الدِّينِ وَالصَّلاَحُ فِي الْمَالِ.

وَهَذَا الرُّشْدُ قَدْ يَأْتِي مَعَ الْبُلُوغِ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، تَبَعًا لِتَرْبِيَةِ الشَّخْصِ وَاسْتِعْدَادِهِ وَتَعَقُّدِ الْحَيَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ وَبَسَاطَتِهَا، فَإِذَا بَلَغَ الشَّخْصُ رَشِيدًا كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).

وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، وَكَانَ عَاقِلاً كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، بَلْ تَبْقَى فِي يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ بِالْفِعْلِ، أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَلَوْ كَانَ مُبَذِّرًا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ؛ لأِنَّ  مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الاِحْتِيَاطِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  أَبَا حَنِيفَةَ لاَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ، وَالإْنْسَانُ  بَعْدَ بُلُوغِهِ هَذِهِ السِّنَّ وَصَلاَحِيَّتِهِ لأَنْ يَكُونَ جَدًّا لاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلتَّأْدِيبِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الشَّخْصَ إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَلَكِنْ لاَ تَرْتَفِعُ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ، وَتَبْقَى أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلاَ تُؤْتُواالسُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فَإِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلِيَاءَ  وَالأْوْصِيَاءَ  مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَى السُّفَهَاءِ، وَنَاطَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بِتَوَافُرِ أَمْرَيْنِ: الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الْمَالَ إِلَيْهِمْ بِالْبُلُوغِ مَعَ عَدَمِ الرُّشْدِ.

أَمَّا إِذَا بَلَغَ الشَّخْصُ رَشِيدًا، ثُمَّ طَرَأَ السَّفَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ عَنْهُ فِي هَذَا الْبَحْثِ، بَيْنَ عَوَارِضِ الأْهْلِيَّةِ .

عَوَارِضُ الأْهْلِيَّةِ :

25 - الْعَوَارِضُ: جَمْعُ عَارِضٍ أَوْ عَارِضَةٍ، وَالْعَارِضُ فِي اللُّغَةِ مَعْنَاهُ: السَّحَابُ، وَمِنْهُقوله تعالي : ( فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا).

وَأَمَّا الْعَوَارِضُ فِي الاِصْطِلاَحِ فَمَعْنَاهَا: أَحْوَالٌ تَطْرَأُ عَلَى الإْنْسَانِ  بَعْدَ كَمَالِ أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ، فَتُؤَثِّرُ فِيهَا بِإِزَالَتِهَا أَوْ نُقْصَانِهَا، أَوْ تُغَيِّرُ بَعْضَ الأْحْكَامِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَأْثِيرٍ فِي أَهْلِيَّتِهِ.

أَنْوَاعُ عَوَارِضِ الأْهْلِيَّةِ :

26 - عَوَارِضُ الأْهْلِيَّةِ  نَوْعَانِ: سَمَاوِيَّةٌ وَمُكْتَسَبَةٌ:

فَالْعَوَارِضُ السَّمَاوِيَّةُ: هِيَ تِلْكَ الأْمُورُ الَّتِي لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهَا اخْتِيَارٌ، وَلِهَذَا تُنْسَبُ إِلَى السَّمَاءِ؛ لِنُزُولِهَا بِالإْنْسَانِ  مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَإِرَادَتِهِ، وَهِيَ: الْجُنُونُ، وَالْعَتَهُ، وَالنِّسْيَانُ، وَالنَّوْمُ، وَالإْغْمَاءُ، وَالْمَرَضُ، وَالرِّقُّ، وَالْحَيْضُ، وَالنِّفَاسُ، وَالْمَوْتُ.

وَالْمُكْتَسَبَةُ: هِيَ تِلْكَ الأْمُورُ الَّتِي كَسَبَهَا الْعَبْدُ أَوْ تَرَكَ إِزَالَتَهَا، وَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، فَالَّتِي تَكُونُ مِنْهُ: الْجَهْلُ، وَالسُّكْرُ، وَالْهَزْلُ، وَالسَّفَهُ، وَالإْفْلاَسُ، وَالسَّفَرُ، وَالْخَطَأُ، وَالَّذِي يَكُونُ مِنْ غَيْرِهِ الإْكْرَاهُ.

وَفِيمَا يَلِي مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْعَوَارِضِ إِجْمَالاً، مَعَ إِحَالَةِ التَّفْصِيلِ إِلَى الْعَنَاوِينِ الْخَاصَّةِ بِهَا.

الْعَوَارِضُ السَّمَاوِيَّةُ:

أَوَّلاً: الْجُنُونُ:

27 - الْجُنُونُ فِي اللُّغَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ: أَجَنَّهُ اللَّهُ فَجُنَّ، فَهُوَ مَجْنُونٌ، بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ.

وَأَمَّا عِنْدَ الأْصُولِيِّينَ فَإِنَّهُ: اخْتِلاَلٌ لِلْعَقْلِ يَمْنَعُ مِنْ جَرَيَانِ الأْفْعَالِ وَالأْقْوَالِ عَلَى نَهْجِ الْعَقْلِ. وَالْجُنُونُ يُؤَثِّرُ فِي أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ، فَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْعِبَادَاتِ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ.

وَفِي زَكَاةِ مَالِ الْمَجْنُونِ خِلاَفٌ، مَعَ مُرَاعَاةِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ وَغَيْرِهِ.

وَأَمَّا الْمُعَامَلاَتُ، فَحُكْمُهُ فِيهَا حُكْمُ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ، فَلاَ يُعْتَدُّ بِأَقْوَالِهِ لاِنْتِفَاءِ تَعَقُّلِهِ لِلْمَعَانِي.

وَأَمَّا أَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ، فَلاَ يُؤَثِّرُ فِيهَا الْجُنُونُ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ يَرِثُ وَيَمْلِكُ لِبَقَاءِ ذِمَّتِهِ، وَالْمُتْلَفَاتُ بِسَبَبِ أَفْعَالِهِ مَضْمُونَةٌ فِي مَالِهِ كَالصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يَصِلْ إِلَى سِنِّ التَّمْيِيزِ.

وَتَفْصِيلُ الأْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْجُنُونِ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جُنُونٍ).

ثَانِيًا: الْعَتَهُ:

28 - الْعَتَهُ فِي اللُّغَةِ: نُقْصَانُ الْعَقْلِ مِنْ غَيْرِ جُنُونٍ أَوْ دَهْشٍ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: آفَةٌ تُوجِبُ خَلَلاً فِي الْعَقْلِ، فَيَصِيرُ صَاحِبُهَا مُخْتَلَطَ الْكَلاَمِ، فَيُشْبِهُ بَعْضُ كَلاَمِهِ كَلاَمَ الْعُقَلاَءِ، وَبَعْضُهُ كَلاَمَ الْمَجَانِينِ.

وَالْمَعْتُوهُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ، فَتَثْبُتُ لَهُ أَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ الْقَاصِرَةِ، إِذْ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيِّ كَمَا جَاءَ فِي التَّلْوِيحِ، إِلاَّ فِي مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ: أَنَّ امْرَأَةَ الْمَعْتُوهِ إِذَا أَسْلَمَتْ لاَ يُؤَخَّرُ عَرْضُ الإْسْلاَمِ  عَلَيْهِ، كَمَا لاَ يُؤَخَّرُ عَرْضُهُ عَلَى وَلِيِّ الْمَجْنُونِ بِخِلاَفِ الصَّبِيِّ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ، فَإِنَّ الصِّبَا مُقَدَّرٌ بِخِلاَفِ الْعَتَهِ وَالْجُنُونِ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (عَتَهٍ).

ثَالِثًا: النِّسْيَانُ:

29 - النِّسْيَانُ فِي اللُّغَةِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تَرْكُ الشَّيْءِ عَلَى ذُهُولٍ وَغَفْلَةٍ، وَهُوَ خِلاَفُ التَّذَكُّرِ.

وَثَانِيهِمَا: التَّرْكُ عَنْ تَعَمُّدٍ، وَمِنْهُ قوله تعالي : ( وَلاَ تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ).

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَدَمُ اسْتِحْضَارِ صُورَةِ الشَّيْءِ فِي الذِّهْنِ وَقْتَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ. وَالنِّسْيَانُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ، وَلاَ يُؤَثِّرُ أَيْضًا فِي أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ لِكَمَالِ الْعَقْلِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ النِّسْيَانَ عُذْرٌ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّ الإْثْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «وُضِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ»...

وَلِلنِّسْيَانِ أَحْكَامٌ تَفْصِيلُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (نِسْيَانٍ).

رَابِعًا: النَّوْمُ:

30 - النَّوْمُ: غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَهْجُمُ عَلَى الْقَلْبِ فَتَقْطَعُهُ عَنِ الْمَعْرِفَةِ بِالأْشْيَاءِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: فُتُورٌ يَعْرِضُ مَعَ قِيَامِ الْعَقْلِ يُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ إِدْرَاكِ الْمَحْسُوسَاتِ وَالأْفْعَالِ الاِخْتِيَارِيَّةِ وَاسْتِعْمَالِ الْعَقْلِ.

وَالنَّوْمُ لاَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الْوُجُوبِ لِعَدَمِ إِخْلاَلِهِ بِالذِّمَّةِ، إِلاَّ أَنَّهُ يُوجِبُ تَأْخِيرَ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِالأْدَاءِ إِلَى حَالِ الْيَقِظَةِ؛ لأِنَّهُ فِي حَالِ النَّوْمِ عَاجِزٌ عَنِ الْفَهْمِ فَلاَ يُنَاسِبُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْخِطَابُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا انْتَبَهَ مِنَ النَّوْمِ أَمْكَنَهُ الْفَهْمُ، وَلِهَذَا فَإِنَّ النَّائِمَ مُطَالَبٌ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ مِنَ الصَّلَوَاتِ فِي أَثْنَاءِ نَوْمِهِ، وَأَمَّا عِبَارَاتُ النَّائِمِ مِنَ الأَْقَارِيرِ وَغَيْرِهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ، وَلاَ يُعْتَدُّ بِهَا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (نَوْمٍ).

خَامِسًا: الإْغْمَاءُ:

31 - الإْغْمَاءُ فِي اللُّغَةِ: الْخَفَاءُ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: آفَةٌ فِي الْقَلْبِ أَوِ الدِّمَاغِ تُعَطِّلُ الْقُوَى الْمُدْرِكَةَ وَالْحَرَكَةَ عَنْ أَفْعَالِهَا مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ مَغْلُوبًا.

وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْمَرَضِ، وَلِذَا لَمْ يُعْصَمْ مِنْهُ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام.

وَتَأْثِيرُ الإْغْمَاءِ  عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ أَشَدُّ مِنْ تَأْثِيرِ النَّوْمِ عَلَى النَّائِمِ، وَلِذَا اعْتُبِرَ فَوْقَ النَّوْمِ؛ لأِنَّ  النَّوْمَ حَالَةٌ طَبِيعِيَّةٌ كَثِيرَةُ الْوُقُوعِ، وَسَبَبُهُ شَيْءٌ لَطِيفٌ سَرِيعُ الزَّوَالِ، وَالإْغْمَاءُ عَلَى خِلاَفِهِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّ التَّنْبِيهَ وَالاِنْتِبَاهَ مِنَ النَّوْمِ فِي غَايَةِ السُّرْعَةِ، وَأَمَّا التَّنْبِيهُ مِنَ الإْغْمَاءِ  فَغَيْرُ مُمْكِنٍ.

وَحُكْمُ الإْغْمَاءِ  فِي كَوْنِهِ عَارِضًا مِنْ عَوَارِضِ الأْهْلِيَّةِ  حُكْمُ النَّوْمِ، فَلَزِمَهُ مَا لَزِمَ النَّوْمُ، وَلِكَوْنِهِ يَزِيدُ عَنْهُ جَعَلَهُ نَاقِضًا لِلْوُضُوءِ فِي جَمِيعِ الأْحْوَالِ  حَتَّى فِي الصَّلاَةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (إِغْمَاءٍ).

سَادِسًا: الرِّقُّ:

32 - الرِّقُّ فِي اللُّغَةِ بِكَسْرِ الرَّاءِ: الْعُبُودِيَّةُ. وَأَمَّا فِي الشَّرْعِ فَهُوَ: حَجْزٌ حُكْمِيٌّ عَنِ الْوِلاَيَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَمِلْكِيَّةِ الْمَالِ وَالتَّزَوُّجِ وَغَيْرِهَا.

هَذَا وَالأْحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِالرَّقِيقِ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ: (رِقٍّ).

سَابِعًا: الْمَرَضُ:

33 - الْمَرَضُ فِي اللُّغَةِ: حَالَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الطَّبْعِ ضَارَّةٌ بِالْفِعْلِ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يَعْرِضُ لِلْبَدَنِ فَيُخْرِجُهُ عَنِ الاِعْتِدَالِ الْخَاصِّ.

وَهُوَ لاَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفَاتِ، أَيْ ثُبُوتُهُ وَوُجُوبُهُ عَلَى الإِْطْلاَقِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُخِلُّ بِالْعَقْلِ وَلاَ يَمْنَعُهُ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ، فَيَصِحُّ مَا تَعَلَّقَ بِعِبَارَتِهِ مِنَ الْعُقُودِ وَغَيْرِهَا، وَلَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبُ الْمَوْتِ بِتَرَادُفِ الآْلاَمِ، وَأَنَّهُ - أَيِ الْمَوْتَ - عَجْزٌ خَالِصٌ، كَانَ الْمَرَضُ مِنْ أَسْبَابِ الْعَجْزِ، فَشُرِعَتِ الْعِبَادَاتُ مَعَهُ بِقَدْرِ الْمُكْنَةِ؛ لِئَلاَّ يَلْزَمَ تَكْلِيفُ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ، فَيُصَلِّي قَاعِدًا إِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ، وَمُضْطَجِعًا إِنْ عَجَزَ عَنْهُ، وَيُعْتَبَرُ الْمَرَضُ سَبَبًا لِلْحَجْرِ عَلَى الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ حِفْظًا لِحَقِّ الْوَارِثِ وَحَقِّ الْغَرِيمِ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْمَرَضَ الْمُمِيتَ هُوَ سَبَبُ الْحَجْرِ لاَ نَفْسُ الْمَرَضِ.

هَذَا، وَتَفْصِيلُ الأْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْمَرَضِ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مُصْطَلَحِ (مَرَضٍ)

ثَامِنًا: الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ:

34 - الْحَيْضُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: السَّيَلاَنُ، وَمِنْهُ الْحَوْضُ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الدَّمُ الْخَارِجُ مِنَ الرَّحِمِ لاَ لِوِلاَدَةٍ وَلاَ لِعِلَّةٍ.

وَأَمَّا النِّفَاسُ فَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْوِلاَدَةُ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الدَّمُ الْخَارِجُ عَقِبَ فَرَاغِ الرَّحِمِ مِنَ الْحَمْلِ.

وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ لاَ يُؤَثِّرَانِ فِي أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ، وَلاَ فِي أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ، إِلاَّ أَنَّهُمَا اعْتُبِرَا مِنَ الْعَوَارِضِ لأِنَّ  الطَّهَارَةَ مِنْهُمَا شَرْطٌ لِصِحَّةِ كُلِّ عِبَادَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا الطَّهَارَةُ كَالصَّلاَةِ مَثَلاً.

وَتَفْصِيلُ الأْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ مَحَلُّهُ (حَيْضٌ، وَنِفَاسٌ).

تَاسِعًا: الْمَوْتُ:

35 - الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَوْتِ تَتَلَخَّصُ فِي أَنَّ تِلْكَ الأْحْكَامَ إِمَّا دُنْيَوِيَّةٌ أَوْ أُخْرَوِيَّةٌ، وَالدُّنْيَوِيَّةُ مِنْ حَيْثُ التَّكْلِيفُ حُكْمُهَا السُّقُوطُ إِلاَّ فِي حَقِّ الْمَأْتَمِ، أَوْ مَا شُرِعَ لِحَاجَةِ نَفْسِهِ أَوْ لِحَاجَةِ غَيْرِهِ.

وَالأْخْرَوِيَّةُ حُكْمُهَا الْبَقَاءُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ وَاجِبَةً لَهُ عَلَى الْغَيْرِ، أَمْ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِ، مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ وَالْمَظَالِمِ، أَوْ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ ثَوَابٍ بِوَاسِطَةِ الطَّاعَاتِ، أَوْ عِقَابٍ بِوَاسِطَةِ الْمَعَاصِي.

هَذَا، وَمَحَلُّ تَفْصِيلِ هَذِهِ الأْحْكَامِ مُصْطَلَحُ (مَوْتٍ)

الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ:

36 - الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ إِمَّا مِنَ الإْنْسَانِ ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.

أَوَّلاً: الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ الَّتِي مِنَ الإْنْسَانِ  هِيَ:

أ - الْجَهْلُ:

37 - مَعْنَى الْجَهْلِ فِي اللُّغَةِ: خِلاَفُ الْعِلْمِ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: عَدَمُ الْعِلْمِ مِمَّنْ شَأْنُهُ الْعِلْمُ.

وَالْجَهْلُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الأْهْلِيَّةِ  مُطْلَقًا، وَلَهُ أَقْسَامٌ بَعْضُهَا يَصْلُحُ عُذْرًا، وَبَعْضُهَا لاَ يَصْلُحُ عُذْرًا. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (جَهْلٍ) 

ب - السُّكْرُ:

38 - مِنْ مَعَانِي السُّكْرِ: زَوَالُ الْعَقْلِ، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ أَسْكَرَهُ الشَّرَابُ: أَيْ أَزَالَ عَقْلَهُ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: حَالَةٌ تَعْرِضُ لِلإِْنْسَانِ مِنْ تَنَاوُلِ الْمُسْكِرِ، يَتَعَطَّلُ مَعَهَا عَقْلُهُ، فَلاَ يُمَيِّزُ بَيْنَ الأْمُورِ الْحَسَنَةِ وَالْقَبِيحَةِ.

وَالسُّكْرُ حَرَامٌ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَخَاصَّةً إِنْ كَانَ طَرِيقُهُ مُحَرَّمًا، كَأَنْ يَتَنَاوَلَ الْمُسْكِرَ مُخْتَارًا عَالِمًا بِأَنَّ مَا يَشْرَبُهُ يُغَيِّبُ الْعَقْلَ.

وَخُلاَصَةُ مَا قَالَهُ الْفُقَهَاءُ فِي السُّكْرِ هُوَ: أَنَّهُمْ لَمْ يَجْعَلُوا الْمُسْكِرَ مُسْقِطًا لِلتَّكْلِيفِ وَلاَ مُضَيِّعًا لِلْحُقُوقِ، وَلاَ مُخَفِّفًا لِمِقْدَارِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي تَصْدُرُ مِنَ السَّكْرَانِ، لأِنَّهُ جِنَايَةٌ، وَالْجِنَايَةُ لاَ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَفِيدَ مِنْهَا صَاحِبُهَا. وَتَفْصِيلُ الأْحْكَامِ الْخَاصَّةِ بِالسُّكْرِ مَحَلُّهَا مُصْطَلَحُ: (سُكْرٍ).

ج - الْهَزْلُ:

39 - الْهَزْلُ: ضِدُّ الْجِدِّ، أَوْ هُوَ اللَّعِبُ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: مَأْخُوذٌ مِنْ هَزَلَ فِي كَلاَمِهِ هَزْلاً: إِذَا مَزَحَ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: أَلاَّ يُرَادَ بِاللَّفْظِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ وَلاَ الْمَجَازِيَّ، بَلْ يُرَادُ بِهِ غَيْرُهُمَا.

وَالْهَزْلُ لاَ يُنَافِي الأْهْلِيَّةَ ، إِلاَّ أَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي بَعْضِ الأْحْكَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلْهَازِلِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (هَزْلٍ).

د - السَّفَهُ:

40 - السَّفَهُ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ، وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ. وَفِي الاِصْطِلاَحِ: خِفَّةٌ تَعْتَرِي الإْنْسَانَ فَتَبْعَثُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِخِلاَفِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ، مَعَ عَدَمِ الاِخْتِلاَلِ فِي الْعَقْلِ.

وَإِنَّمَا كَانَ السَّفَهُ مِنَ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنَ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ؛ لأِنَّ  السَّفِيهَ بِاخْتِيَارِهِ يَعْمَلُ عَلَى خِلاَفِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ مَعَ بَقَاءِ الْعَقْلِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ السَّفَهِ وَالْعَتَهِ ظَاهِرٌ، فَإِنَّ الْمَعْتُوهَ يُشَابِهُ الْمَجْنُونَ فِي بَعْضِ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ، بِخِلاَفِ السَّفِيهِ فَإِنَّهُ لاَ يُشَابِهُ الْمَجْنُونَ لَكِنْ تَعْتَرِيهِ خِفَّةٌ، فَيُتَابِعُ مُقْتَضَاهَا فِي الأْمُورِ الْمَالِيَّةِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ وَرَوِيَّةٍ فِي عَوَاقِبِهَا؛ لِيَقِفَ عَلَى أَنَّ عَوَاقِبَهَا مَحْمُودَةٌ أَوْ مَذْمُومَةٌ.

وَالسَّفَهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الأْهْلِيَّةِ  بِقِسْمَيْهَا، وَلاَ يُنَافِي شَيْئًا مِنَ الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، فَالسَّفِيهُ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الْخِطَابُ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّرِيعَةَ رَاعَتْ مَا فِيهِ الْمَصْلَحَةُ، فَقَرَّرَتْ أَنْ يُمْنَعَ السَّفِيهُ مِنْ حُرِّيَّةِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ صِيَانَةً لَهُ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (سَفَهٍ).

هـ - السَّفَرُ:

41 - السَّفَرُ - بِفَتْحَتَيْنِ - مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: قَطْعُ الْمَسَافَةِ، وَيُقَالُ ذَلِكَ إِذَا خَرَجَ لِلاِرْتِحَالِ أَوْ لِقَصْدِ مَوْضِعٍ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى؛ لأِنَّ  الْعَرَبَ لاَ يُسَمُّونَ مَسَافَةَ الْعَدْوَى سَفَرًا.

وَفِي الشَّرْعِ: الْخُرُوجُ بِقَصْدِ الْمَسِيرِ مِنْ مَحَلِّ الإْقَامَةِ إِلَى مَوْضِعٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَسِيرَةُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَمَا فَوْقَهَا بِسَيْرِ الإْبِلِ وَمَشْيِ الأْقْدَامِ. عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ.

وَالسَّفَرُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الأْهْلِيَّةِ  بِقِسْمَيْهَا، إِلاَّ أَنَّهُمْ جَعَلُوهُ مِنَ الْعَوَارِضِ؛ لأِنَّ  الشَّارِعَ جَعَلَهُ سَبَبًا لِلتَّخْفِيفِ فِي الْعِبَادَاتِ، كَقَصْرِ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَالْفِطْرِ فِي الصَّوْمِ لِلْمُسَافِرِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (سَفَرٍ).

و- الْخَطَأُ:

42 - الْخَطَأُ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ: مَا قَابَلَ الصَّوَابَ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ: مَا قَابَلَ الْعَمْدَ، وَهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمُرَادُ بِهِ فِي عَوَارِضِ الأْهْلِيَّةِ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: فِعْلٌ يَصْدُرُ مِنَ الإْنْسَانِ  بِلاَ قَصْدٍ إِلَيْهِ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ أَمْرٍ مَقْصُودٍ سِوَاهُ.

وَالْخَطَأُ لاَ يُنَافِي الأْهْلِيَّةَ  بِنَوْعَيْهَا؛ لأِنَّ  الْعَقْلَ مَوْجُودٌ مَعَهُ، وَالْجِنَايَةُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ، وَلِذَا يُؤَاخَذُ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، فَلاَ تُقَدَّرُ الْعُقُوبَةُ فِيهِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ نَفْسِهَا، وَإِنَّمَا بِقَدْرِ عَدَمِ التَّثَبُّتِ الَّذِي أَدَّى إِلَى حُصُولِهَا.

وَالْخَطَأُ يُعْذَرُ بِهِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِذَا اجْتَهَدَ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَاعْتَبَرَهُ الشَّارِعُ شُبْهَةً تَدْرَأُ الْعُقُوبَةَ عَنِ الْمُخْطِئِ، وَأَمَّا حُقُوقُ الْعِبَادِ فَلاَ يُعْتَبَرُ الْخَطَأُ عُذْرًا فِيهَا، وَلِذَا فَإِنَّ الْمُخْطِئَ يَضْمَنُ مَا تَرَتَّبَ عَلَى خَطَئِهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ تَلَفٍ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (خَطَأٍ).

ثَانِيًا: الْعَوَارِضُ الْمُكْتَسَبَةُ الَّتِي مِنْ غَيْرِ الإْنْسَانِ  نَفْسِهِ:

43 - وَهِيَ عَارِضٌ وَاحِدٌ فَقَطْ وَهُوَ الإْكْرَاهُ: وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْحَمْلُ عَلَى الأْمْرِ قَهْرًا.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى مَا لاَ يَرْضَاهُ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَلاَ يَخْتَارُ مُبَاشَرَتَهُ لَوْ تُرِكَ وَنَفْسَهُ.

وَهُوَ مُعْدِمٌ لِلرِّضَى لاَ لِلاِخْتِيَارِ؛ لأِنَّ  الْفِعْلَ يَصْدُرُ عَنِ الْمُكْرَهِ بِاخْتِيَارِهِ، لَكِنَّهُ قَدْ يَفْسُدُ الاِخْتِيَارُ بِأَنْ يَجْعَلَهُ مُسْتَنِدًا إِلَى اخْتِيَارٍ آخَرَ، وَقَدْ لاَ يُفْسِدُهُ بِأَنْ يَبْقَى الْفَاعِلُ مُسْتَقِلًّا فِي قَصْدِهِ.

هَذَا، وَالإْكْرَاهُ سَوَاءٌ أَكَانَ مُلْجِئًا أَمْ غَيْرَ مُلْجِئٍ كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ - أَوْ إِكْرَاهًا بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ - كَمَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ - لاَ يُؤَثِّرُ فِي أَهْلِيَّةِ الْوُجُوبِ لِبَقَاءِ الذِّمَّةِ، وَلاَ يُؤَثِّرُ فِي أَهْلِيَّةِ الأْدَاءِ لِبَقَاءِ الْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ عَدُّوهُ مِنَ الْعَوَارِضِ؛ لأِنَّهُ يُفْسِدُ الاِخْتِيَارَ، وَيُجْعَلُ الْمُكْرَهُ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - فِي بَعْضِ صُوَرِهِ آلَةً لِلْمُكْرِهِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ -

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ مَحَلُّهُ مُصْطَلَحُ: (إِكْرَاهٍ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن   ، الصفحة / 191

الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ:

20 - جعل الشّارِعُ الْبُلُوغ أمارةً على أوّلِ كمالِ الْعقْلِ؛  لأِنّ  الاِطِّلاع على أوّلِ كمالِ الْعقْلِ مُتعذِّرٌ، فأُقِيم الْبُلُوغُ مقامهُ.

والْبُلُوغُ بِالسِّنِّ: يكُونُ عِنْد عدمِ وُجُودِ علامةٍ مِنْ علاماتِ الْبُلُوغِ قبْل ذلِك، واخْتلف

 الْفُقهاءُ فِي سِنِّ الْبُلُوغِ.

فيرى الشّافِعِيّةُ، والْحنابِلةُ، وأبُو يُوسُف ومُحمّدٌ مِن الْحنفِيّةِ:  أنّ الْبُلُوغ بِالسِّنِّ يكُونُ بِتمامِ خمْس عشْرة سنةً قمرِيّةً لِلذّكرِ والأْنْثى، كما صرّح الشّافِعِيّةُ بِأنّها تحْدِيدِيّةٌ؛ لِخبرِ ابْنِ عُمر «عُرِضْتُ على النّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم يوْم أُحُدٍ، وأنا ابْنُ أرْبع عشْرة سنةً فلمْ يُجِزْنِي، ولمْ يرنِي بلغْتُ، وعُرِضْتُ عليْهِ يوْم الْخنْدقِ وأنا ابْنُ خمْس عشْرة سنةً فأجازنِي، ورآنِي بلغْتُ » .

قال الشّافِعِيُّ: ردّ النّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم سبْعة عشر مِن الصّحابةِ، وهُمْ أبْناءُ أرْبع عشْرة سنةً،  لأِنّ هُ لمْ يرهُمْ بلغُوا، ثُمّ عُرِضُوا عليْهِ وهُمْ مِنْ أبْناءِ خمْس عشْرة فأجازهُمْ، مِنْهُمْ: زيْدُ بْنُ ثابِتٍ ورافِعُ بْنُ خدِيجٍ وابْنُ عُمر.  

ويرى الْمالِكِيّةُ أنّ الْبُلُوغ يكُونُ بِتمامِ ثمانِي عشْرة سنةً، وقِيل بِالدُّخُولِ فِيها، وقدْ أوْرد الْحطّابُ خمْسة أقْوالٍ فِي الْمذْهبِ، ففِي رِوايةٍ: ثمانِية عشر، وقِيل: سبْعة عشر، وزاد بعْضُ شُرّاحِ الرِّسالةِ: سِتّة عشر، وتِسْعة عشر، ورُوِي عنِ ابْنِ وهْبٍ خمْسة عشر،  لِحدِيثِ ابْنِ عُمر السّابِقِ.

ويرى أبُو حنِيفة: أنّ الْبُلُوغ بِالسِّنِّ لِلْغُلامِ هُو بُلُوغُهُ ثمانِي عشْرة سنةً، والْجارِيةِ سبْع عشْرة سنةًلقوله تعالي : (  ولا تقْربُوا مال الْيتِيمِ إِلاّ بِالّتِي هِي أحْسنُ حتّى يبْلُغ أشُدّهُ)  قال ابْنُ عبّاسٍ رضي الله عنه الأْشُدُّ ثمانِي عشْرة سنةً. وهِي أقلُّ ما قِيل فِيهِ، فأخذ بِهِ احْتِياطًا، هذا أشُدُّ الصّبِيِّ، والأُنْثى أسْرعُ بُلُوغًا فنقصتْ سنةً.  

السِّنُّ الأْدْنى لِلْبُلُوغِ الّذِي لا تصِحُّ دعْوى الْبُلُوغِ قبْلهُ:

21 - السِّنُّ الأْدْنى لِلْبُلُوغِ فِي الذّكرِ: عِنْد الْمالِكِيّةِ والشّافِعِيّةِ بِاسْتِكْمالِ تِسْعِ سِنِين قمرِيّةٍ بِالتّمامِ، وفِي وجْهٍ آخر لِلشّافِعِيّةِ: مُضِيُّ نِصْفِ التّاسِعةِ، ذكرهُ النّووِيُّ فِي شرْحِ الْمُهذّبِ.  

وعِنْد الْحنفِيّةِ: اثْنتا عشْرة سنةً . وعِنْد الْحنابِلةِ: عشْرُ سِنِين. ويُقْبلُ إِقْرارُ الْولِيِّ بِأنّ الصّبِيّ بلغ بِالاِحْتِلامِ، إِذا بلغ عشْر سِنِين .

والسِّنُّ الأْدْنى لِلْبُلُوغِ فِي الأْنْثى: تِسْعُ سِنِين قمرِيّةٍ عِنْد الْحنفِيّةِ، والشّافِعِيّةِ على الأْظْهرِ عِنْدهُمْ، وكذا الْحنابِلةُ   لأِنّ هُ أقلُّ سِنٍّ تحِيضُ لهُ الْمرْأةُ، ولِحدِيثِ: «إِذا بلغتِ الْجارِيةُ تِسْع سِنِين فهِي امْرأةٌ»  والْمُرادُ حُكْمُها حُكْمُ الْمرْأةِ، وفِي رِوايةٍ لِلشّافِعِيّةِ: نِصْفُ التّاسِعةِ، وقِيل: الدُّخُولُ فِي التّاسِعةِ؛ و لأِنّ  هذا أقلُّ سِنٍّ لِحيْضِ الْفتاةِ .

والسِّنُّ الأْدْنى لِلْبُلُوغِ فِي الْخُنْثى: تِسْعُ سِنِين  قمرِيّةٍ بِالتّمامِ، وقِيل نِصْفُ التّاسِعةِ، وقِيل: الدُّخُولُ فِيها .

إِثْباتُ الْبُلُوغِ:

يثْبُتُ الْبُلُوغُ بِالطُّرُقِ الآْتِيةِ:

الطّرِيقُ الأْولى: الإْقْرارُ:

22 - تتّفِقُ كلِمةُ الْفُقهاءِ فِي الْمذاهِبِ الأْرْبعةِ على أنّ الصّغِير إِذا كان مُراهِقًا، وأقرّ بِالْبُلُوغِ بِشيْءٍ مِن الْعلاماتِ الطّبِيعِيّةِ الّتِي تخْفى عادةً، كالإْنْزالِ والاِحْتِلامِ والْحيْضِ، يصِحُّ إِقْرارُهُ، وتثْبُتُ لهُ أحْكامُ الْبالِغِ فِيما لهُ وما عليْهِ. قال الْمالِكِيّةُ: يُقْبلُ قوْلُهُ فِي الْبُلُوغِ نفْيًا وإِثْباتًا، طالِبًا أوْ مطْلُوبًا. فالطّالِبُ كمنِ ادّعى الْبُلُوغ لِيأْخُذ سهْمهُ فِي الْغنِيمةِ، أوْ لِيؤُمّ النّاس، أوْ لِيُكْمِل الْعدد فِي صلاةِ الْجُمُعةِ. والْمطْلُوبُ كجانٍ ادّعى عدم الْبُلُوغِ لِيدْرأ عنْ نفْسِهِ الْحدّ أوِ الْقِصاص أوِ الْغرامة فِي إِتْلافِ الْودِيعةِ، وكمُطلِّقٍ ادّعى عدم الْبُلُوغِ عِنْد الطّلاقِ؛ لِئلاّ يقع عليْهِ الطّلاقُ.

ويُشْترطُ لِقبُولِ قوْلِهِ أنْ يكُون قدْ جاوز السِّنّ الأْدْنى لِلْبُلُوغِ، بلْ لا تُقْبلُ الْبيِّنةُ بِبُلُوغِهِ قبْل ذلِك. فعِنْد الْحنفِيّةِ: لا يُقْبلُ إِقْرارُ الصّبِيِّ قبْل تمامِ اثْنيْ عشر عامًا، وعِنْد الْحنابِلةِ لا يُقْبلُ إِقْرارُهُ بِذلِك قبْل تمامِ الْعاشِرةِ، وعِنْد كِليْهِما: لا يُقْبلُ إِقْرارُ الصّبِيّةِ بِهِ قبْل تمامِ التّاسِعةِ؛ ووجْهُ صِحّةِ الإْقْرارِ بِالْبُلُوغِ: أنّهُ معْنًى لا يُعْرفُ إِلاّ مِنْ قِبلِ الشّخْصِ نفْسِهِ، وفِي تكْلِيفِ الاِطِّلاعِ عليْهِ عُسْرٌ شدِيدٌ.

ولا يُكلّفُ الْبيِّنة على ذلِك.

ولا يحْلِفُ أيْضًا حتّى عِنْد الْخُصُومةِ، فإِنْ لمْ يكُنْ فِي الْحقِيقةِ بالِغًا فلا قِيمة لِيمِينِهِ؛ لِعدمِ الاِعْتِدادِ بِيمِينِ الصّغِيرِ، وإِنْ كان بالِغًا فيمِينُهُ تحْصِيلُ حاصِلٍ.

وقدِ اسْتثْنى الشّافِعِيّةُ بعْض الصُّورِ يحْلِفُ فِيها احْتِياطًا، لكِنّهُ يُزاحِمُ غيْرهُ فِي الْحُقُوقِ، كما لوْ طلب فِي الْغنِيمةِ سهْم مُقاتِلٍ .

23 - واشْترط الْفُقهاءُ فِي الْمذاهِبِ الأْرْبعةِ لِصِحّةِ إِقْرارِهِ بِذلِك: أنْ لا يكُون بِحالٍ مُرِيبةٍ، أوْ كما عبّر الشّافِعِيُّ رحمه الله يُقْبلُ إِنْ أشْبه، فإِنْ لمْ يُشْبِهْ لمْ يُقْبلْ، ولوْ صدّقهُ أبُوهُ. وعبّر الْحنفِيّةُ بِقوْلِهِمْ إِنْ لمْ يُكذِّبْهُ الظّاهِرُ، بلْ يكُونُ بِحالٍ يحْتلِمُ مِثْلُهُ. والْمُرادُ أنْ يكُون حالُ جِسْمِهِ عِنْد الإِْقْرارِ حال الْبالِغِين، ولايُشكُّ فِي صِدْقِهِ.

هكذا أطْلق فُقهاءُ الْمذاهِبِ - ما عدا الْمالِكِيّة - قبُول قوْلِهِ، وفصّل الْمالِكِيّةُ فقالُوا: إِنِ ارْتِيب فِيهِ يُصدّقُ فِيما يتعلّقُ بِالْجِنايةِ والطّلاقِ، فلا يُحدُّ لِلشُّبْهةِ، ولا يقعُ عليْهِ الطّلاقُ اسْتِصْحابًا لأِصْلِ الصِّغرِ، ولا يُصدّقُ فِيما يتعلّقُ بِالْمالِ، فلوْ أقرّ بِإِتْلافِ الْودِيعةِ، وأنّهُ بالِغٌ، فقال أبُوهُ: إِنّهُ غيْرُ بالِغٍ، فلا ضمان .

وقدْ تعرّض بعْضُ الْمالِكِيّةِ لِقبُولِ قوْلِ الْمُراهِقيْنِ فِي الْبُلُوغِ إِنِ ادّعياهُ بِالإْنْباتِ. والْفرْقُ بيْن الإْنْباتِ وبيْن غيْرِهِ مِن الْعلاماتِ الطّبِيعِيّةِ الّتِي ذُكِرتْ سابِقًا: أنّهُ يسْهُلُ الاِطِّلاعُ عليْهِ. وقدْ أمر النّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم بِالْكشْفِ عمّنْ شُكّ فِي بُلُوغِهِ مِنْ غِلْمانِ بنِي قُريْظة. إِلاّ أنّ كوْن الْعوْرةِ فِي الأْصْلِ يحْرُمُ كشْفُها، دعا إِلى قوْلِ الْفُقهاءِ إِنّهُ يُقْبلُ قوْلُ الشّخْصِ الْمشْكُوكِ فِيهِ فِي نباتِها وعدمِهِ، إِلاّ أنّ ابْن الْعربِيِّ الْمالِكِيّ خالف فِي ذلِك وقال: إِنّهُ ينْبغِي أنْ يُنْظر إِليْها، ولكِنْ لا يُنْظرُ مُباشرةً بلْ مِنْ خِلالِ الْمِرْآةِ. وردّ كلامهُ ابْنُ الْقطّانِ مِن الْمالِكِيّةِ وقال: لا يُنْظرُ إِليْها مُباشرةً، ولا مِنْ خِلالِ الْمِرْآةِ، ويُقْبلُ كلامُهُ إِنِ ادّعى الْبُلُوغ بِالإْنْباتِ.

الْبُلُوغُ شرْطٌ لِلُزُومِ الأْحْكامِ الشّرْعِيّةِ عِنْد الْفُقهاءِ:

24 - ذهب الْفُقهاءُ إِلى أنّ الشّارِع ربط التّكْلِيف بِالْواجِباتِ والْمُحرّماتِ ولُزُومِ آثارِ الأْحْكامِ فِي الْجُمْلةِ بِشرْطِ الْبُلُوغِ، واسْتدلُّوا على ذلِك بِأدِلّةٍ مِنْها:

أ - قوْلُ اللّهِ تعالى: (وإِذا بلغ الأْطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُم فلْيسْتأْذِنُوا كما اسْتأْذن الّذِين مِنْ قبْلِهِمْ) جعل الْبُلُوغ مُوجِبًا لِلاِسْتِئْذانِ.

ب – ومِنْها قوله تعالي ( وابْتلُوا الْيتامى حتّى إِذا بلغُوا النِّكاح فإِنْ آنسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فادْفعُوا إِليْهِمْ أمْوالهُمْ)  جعل بُلُوغ النِّكاحِ مُوجِبًا لاِرْتِفاعِ الْوِلايةِ الْمالِيّةِ عنِ الْيتِيمِ، بِشرْطِ كوْنِهِ راشِدًا.

ج - ومِنْها قوْلُ النّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم لِمُعاذٍ لمّا أرْسلهُ إِلى الْيمنِ: «خُذْ مِنْ كُلِّ حالِمٍ دِينارًا أوْ عِدْلهُ معافِرِيًّا»  جعل الاِحْتِلام مُوجِبًا لِلْجِزْيةِ.

د - ومِنْها ما حصل يوْم قُريْظة، مِنْ أنّ منِ اشْتبهُوا فِي بُلُوغِهِ مِن الأْسْرى كان إِذا أنْبت قُتِل، فإِنْ لمْ يكُنْ أنْبت لمْ يُقْتلْ. فجُعِل الإْنْباتُ علامةً لِجوازِ قتْلِ الأْسِيرِ.

هـ - ومِنْها قوْلُ النّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم «لا يقْبلُ اللّهُ صلاة حائِضٍ إِلاّ بِخِمارٍ»  فجعل الْحيْض مِن الْمرْأةِ مُوجِبًا لِفسادِ صلاتِها، إِنْ صلّتْ بِغيْرِ خِمارٍ.

و - ومِنْها حدِيثُ: «غُسْلُ يوْمِ الْجُمُعةِ واجِبٌ على كُلِّ مُحْتلِمٍ»  بوّب عليْهِ الْبُخارِيُّ «باب بُلُوغِ الصِّبْيانِ وشهادتِهِمْ» قال ابْنُ حجرٍ: ويُسْتفادُ مقْصُودُ التّرْجمةِ - يعْنِي شهادة الصِّبْيانِ - بِالْقِياسِ على بقِيّةِ الأْحْكامِ مِنْ حيْثُ تعلُّقُ الْوُجُوبِ بِالاِحْتِلامِ.  

ز - ومِنْها حدِيثُ: «رُفِع الْقلمُ عنْ ثلاثةٍ: عنِ الصّغِيرِ حتّى يكْبُر...»  جعل الْخُرُوج عنْ حدِّ الصّغِيرِ مُوجِبًا لِكِتابةِ الإْثْمِ، على منْ فعل ما يُوجِبُهُ.

فهذِهِ الأْدِلّةُ وأمْثالُها - مِمّا يأْتِي فِي شأْنِ علاماتِ الْبُلُوغِ - تدُلُّ على أنّ الشّارِع ربط التّكْلِيف ولُزُوم الأْحْكامِ عامّةً بِشرْطِ الْبُلُوغِ، فمنِ اعْتُبِر بالِغًا بِأيِّ علامةٍ مِنْ علاماتِ الْبُلُوغِ فهُو رجُلٌ تامٌّ أوِ امْرأةٌ تامّةٌ، مُكلّفٌ - إِنْ كان عاقِلاً - كغيْرِهِ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ، يلْزمُهُ ما يلْزمُهُمْ، وحُقّ لهُ ما يحِقُّ لهُمْ. وقدْ نقل 

بعْضُهُمُ الإْجْماع على ذلِك، فقال ابْنُ الْمُنْذِرِ: وأجْمعُوا على أنّ الْفرائِض والأْحْكام تجِبُ على الْمُحْتلِمِ الْعاقِلِ . وقال ابْنُ حجرٍ: أجْمع الْعُلماءُ على أنّ الاِحْتِلام فِي الرِّجالِ والنِّساءِ يلْزمُ بِهِ الْعِباداتُ والْحُدُودُ وسائِرُ الأْحْكامِ .

ما يُشْترطُ لهُ الْبُلُوغُ مِن الأْحْكامِ:

أ - ما يُشْترطُ لِوُجُوبِهِ الْبُلُوغُ:

25 - التّكْلِيفُ بِالْفرائِضِ والْواجِباتِ وترْكِ الْمُحرّماتِ يُشْترطُ لهُ الْبُلُوغُ، ولا تجِبُ على غيْرِ الْبالِغِ لِقوْلِ النّبِيِّ  صلي الله عليه وسلم (رُفِع الْقلمُ عنْ ثلاثةٍ: عنِ الصّغِيرِ حتّى يكْبُر...) الْحدِيث، وذلِك كالصّلاةِ  والصّوْمِ  والْحجِّ  على أنّ فِي الزّكاةِ خِلافًا.

ومع هذا ينْبغِي لِولِيِّ الصّغِيرِ أنْ يُجنِّبهُ الْمُحرّماتِ، وأنْ يأْمُرهُ بِالصّلاةِ ونحْوِها لِيعْتادها، لِقوْلِ النّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : (مُرُوا أبْناءكُمْ بِالصّلاةِ لِسبْعٍ، واضْرِبُوهُمْ عليْها لِعشْرٍ، وفرِّقُوا بيْنهُمْ فِي الْمضاجِعِ» .

ومع هذا إِذا أدّاها الصّغِيرُ، أوْ فعل الْمُسْتحبّاتِ تصِحُّ مِنْهُ، ويُؤْجرُ عليْها.

ولا يجِبُ الْقِصاصُ والْحُدُودُ، كحدِّ السّرِقةِ  وحدِّ الْقذْفِ  ولكِنْ يجُوزُ أنْ يُؤدّب.

ب - ما يُشْترطُ لِصِحّتِهِ الْبُلُوغُ:

26 - الْبُلُوغُ شرْطُ صِحّةٍ فِي كُلِّ ما يُشْترطُ لهُ تمامُ الأْهْلِيّةِ، ومِنْ ذلِك: الْوِلاياتُ كُلُّها، كالإْمارةِ والْقضاءِ  والْوِلايةِ على النّفْسِ  والشّهادةِ فِي الْجُمْلةِ . ومِنْ ذلِك التّصرُّفاتُ الْمُتمحِّضةُ لِلضّررِ كالْهِبةِ  والْعارِيّةِ  والْوقْفِ  والْكفالةِ . ومِنْ ذلِك أيْضًا: الطّلاقُ، وما فِي معْناهُ كالظِّهارِ والإْيلاءِ  والْخُلْعِ  والْعِتْقِ، وكذلِك النّذْرُ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 212

رُشْدٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الرُّشْدُ فِي اللُّغَةِ: الصَّلاَحُ وَإِصَابَةُ الصَّوَابِ وَالاِسْتِقَامَةُ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ مَعَ تَصَلُّبٍ فِيهِ، وَهُوَ خِلاَفُ الْغَيِّ وَالضَّلاَلِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: رَشِدَ رُشْدًا مِنْ بَابِ تَعِبَ، وَرَشَدَ يَرْشُدُ مِنْ بَابِ قَتَلَ، فَهُوَ رَاشِدٌ، وَالاِسْمُ الرَّشَادُ.

وَالرَّشِيدُ فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى الْهَادِي إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ، وَالَّذِي حَسُنَ تَقْدِيرُهُ، قَالَ فِي اللِّسَانِ: وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الرَّشِيدُ: هُوَ الَّذِي أَرْشَدَ الْخَلْقَ إِلَى مَصَالِحِهِمْ أَيْ هَدَاهُمْ، وَدَلَّهُمْ عَلَيْهَا، فَهُوَ رَشِيدٌ بِمَعْنَى مُرْشِدٍ، وَقِيلَ: هُوَ الَّذِي تَنْسَاقُ تَدْبِيرَاتُهُ إِلَى غَايَاتِهَا عَلَى سَبِيلِ السَّدَادِ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةِ مُشِيرٍ وَلاَ تَسْدِيدِ مُسَدِّدٍ.

وَلاَ يَخْرُجُ تَعْرِيفُهُ فِي الاِصْطِلاَحِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَالرَّشَدُ أَخَصُّ مِنَ الرُّشْدِ فَإِنَّهُ يُقَالُ فِي الأْمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالأْخْرَوِيَّةِ، وَالرَّشَدُ مُحَرَّكَةٌ فِي الأْمُورِ الأْخْرَوِيَّةِ لاَ غَيْرَ.

وَالرُّشْدُ الْمُشْتَرَطُ لِتَسْلِيمِ الْيَتِيمِ مَالَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُشْتَرَطُ لَهُ الرُّشْدُ هُوَ صَلاَحُ الْمَالِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَصَلاَحُ الْمَالِ وَالدِّينِ مَعًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ.

وَذَلِكَ فِي الْحُكْمِ بِرَفْعِ الْحَجْرِ لِلرُّشْدِ ابْتِدَاءً، فَلَوْ فَسَقَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.

وَالْمُرَادُ بِالصَّلاَحِ فِي الدِّينِ أَنْ لاَ يَرْتَكِبَ مُحَرَّمًا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ. وَفِي الْمَالِ: أَنْ لاَ يُبَذِّرَ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الأْهْلِيَّةُ:

2 - الأْهْلِيَّةُ لُغَةً: الصَّلاَحِيَةُ، وَهِيَ نَوْعَانِ: أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ، وَأَهْلِيَّةُ أَدَاءٍ.

فَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ هِيَ: صَلاَحِيَةُ الإْنْسَانِ  لِوُجُوبِ الْحُقُوقِ الْمَشْرُوعَةِ لَهُ وَعَلَيْهِ.

وَأَهْلِيَّةُ الأْدَاءِ هِيَ: صَلاَحِيَةُ الإْنْسَانِ  لِصُدُورِ الْفِعْلِ مِنْهُ عَلَى وَجْهٍ يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا.

هَذَا وَالرُّشْدُ هُوَ الْمَرْحَلَةُ الأْخِيرَةُ مِنْ مَرَاحِلِ الأْهْلِيَّةِ، فَإِذَا بَلَغَ الشَّخْصُ رَشِيدًا كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ وَارْتَفَعَتْ عَنْهُ الْوِلاَيَةُ وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِلاَ خِلاَفٍ.

ب - الْبُلُوغُ:

3 - مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ: الاِحْتِلاَمُ وَالإْدْرَاكُ. وَأَمَّا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فَهُوَ قُوَّةٌ تَحْدُثُ لِلشَّخْصِ تَنْقُلُهُ مِنْ حَالِ الطُّفُولَةِ إِلَى حَالِ الرُّجُولَةِ، وَهُوَ يَحْصُلُ بِظُهُورِ عَلاَمَةٍ مِنْ عَلاَمَاتِهِ الطَّبِيعِيَّةِ كَالاِحْتِلاَمِ، وَكَالْحَبَلِ وَالْحَيْضِ فِي الأْنْثَى، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْعَلاَمَاتِ كَانَ الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ، وَالرُّشْدُ وَالْبُلُوغُ قَدْ يَحْصُلاَنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ الرُّشْدُ عَنِ الْبُلُوغِ تَبَعًا لِتَرْبِيَةِ الشَّخْصِ وَاسْتِعْدَادِهِ.

ج - التَّبْذِيرُ:

4 - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: مُشْتَقٌّ مِنْ بَذْرِ الْحَبِّ فِي الأْرْضِ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: تَفْرِيقُ الْمَالِ عَلَى وَجْهِ الإْسْرَافِ.

وَالتَّبْذِيرُ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَدَمُ الصَّلاَحِ فِي الْمَالِ، فَمَنْ كَانَ مُبَذِّرًا كَانَ سَفِيهًا أَيْ غَيْرَ رَشِيدٍ.

د - الْحَجْرُ:

5 - وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْمَنْعُ مِنَ التَّصَرُّفِ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ مَنْعَ مَوْصُوفِهَا مِنْ نُفُوذِ تَصَرُّفِهِ فِي الزَّائِدِ عَلَى قُوتِهِ أَوْ تَبَرُّعِهِ بِمَالِهِ، أَوِ الْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْحَجْرِ وَالرُّشْدِ أَنَّ الْحَجْرَ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ فِقْدَانِ الرُّشْدِ.

هـ - السَّفَهُ:

6 - وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: نَقْصٌ فِي الْعَقْلِ وَأَصْلُهُ الْخِفَّةُ.

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: خِفَّةٌ تَعْتَرِي الإْنْسَانَ فَتَبْعَثُهُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ بِخِلاَفِ مُقْتَضَى الْعَقْلِ، مَعَ عَدَمِ الاِخْتِلاَلِ فِي الْعَقْلِ، وَالسَّفَهُ نَقِيضُ الرُّشْدِ.

وَقْتُ الرُّشْدِ وَكَيْفِيَّةُ مَعْرِفَتِهِ:

7 - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الرُّشْدَ الْمُعْتَدَّ بِهِ لِتَسْلِيمِ الْمَالِ لِلْيَتِيمِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ، فَإِنْ لَمْ يَرْشُدْ بَعْدَ بُلُوغِهِ اسْتَمَرَّ الْحَجْرُ عَلَيْهِ حَتَّى وَلَوْ صَارَ شَيْخًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ خِلاَفًا لأَبِي حَنِيفَةَ.

وَهَذَا الرُّشْدُ قَدْ يَأْتِي مَعَ الْبُلُوغِ، وَقَدْ يَتَأَخَّرُ عَنْهُ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، تَبَعًا لِتَرْبِيَةِ الشَّخْصِ وَاسْتِعْدَادِهِ وَتَعَقُّدِ الْحَيَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ أَوْ بَسَاطَتِهَا، فَإِذَا بَلَغَ الشَّخْصُ رَشِيدًا كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ).

وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ وَكَانَ عَاقِلاً كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، بَلْ تَبْقَى فِي يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ بِالْفِعْلِ، أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَلَوْ كَانَ مُبَذِّرًا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ؛ لأِنَّ  مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الاِحْتِيَاطِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ؛ لأِنَّ  أَبَا حَنِيفَةَ لاَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ، وَالإْنْسَانُ بَعْدَ بُلُوغِهِ هَذِهِ السِّنَّ وَصَلاَحِيَتِهِ لأَنْ  يَكُونَ جَدًّا لاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلتَّأْدِيبِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الشَّخْصَ إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَلَكِنْ لاَ تَرْتَفِعُ الْوِلاَيَةُ عَنْهُ، وَتَبْقَى أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ؛ لقوله تعالي: ( وَلاَتُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًاوَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) فَإِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلِيَاءَ وَالأْوْصِيَاءَ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَى السُّفَهَاءِ، وَنَاطَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بِتَوَافُرِ أَمْرَيْنِ: الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ الْمَالُ إِلَيْهِمْ بِالْبُلُوغِ مَعَ عَدَمِ الرُّشْدِ.

8 - وَيُعْرَفُ رُشْدُ الصَّبِيِّ بِاخْتِبَارِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ) يَعْنِي اخْتَبِرُوهُمْ، وَاخْتِبَارُهُ بِأَنْ تُفَوِّضَ إِلَيْهِ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَتَصَرَّفُ فِيهَا أَمْثَالُهُ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ طَبَقَاتِ النَّاسِ، فَوَلَدُ التَّاجِرِ يُخْتَبَرُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا، وَوَلَدُ الزَّارِعِ فِي أَمْرِ الزِّرَاعَةِ وَالإْنْفَاقِ عَلَى الْقُوَّامِ بِهَا، وَالْمُحْتَرِفُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي أَمْرِ تَدْبِيرِ الْمَنْزِلِ، وَحِفْظِ الثِّيَابِ، وَصَوْنِ الأْطْعِمَةِ وَشِبْهِهَا مِنْ مَصَالِحِ الْبَيْتِ، وَلاَ تَكْفِي الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ فِي الاِخْتِبَارِ بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِحَيْثُ يُفِيدُ غَلَبَةَ الظَّنِّ بِرُشْدِهِ.

وَذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ الاِخْتِبَارِ أَصَحُّهُمَا: أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِ قَدْرٌ مِنَ الْمَالِ وَيُمْتَحَنَ فِي الْمُمَاكَسَةِ وَالْمُسَاوَمَةِ فَإِذَا آلَ الأْمْرُ إِلَى الْعَقْدِ، عَقَدَ الْوَلِيُّ.

وَالثَّانِي: يَعْقِدُ الصَّبِيُّ وَيَصِحُّ مِنْهُ هَذَا الْعَقْدُ لِلْحَاجَةِ، وَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ الْمَالُ الْمَدْفُوعُ إِلَيْهِ لِلاِخْتِبَارِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْوَلِيِّ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ أَيْضًا وَجْهَيْنِ فِي كَيْفِيَّةِ اخْتِبَارِ الصَّبِيِّ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَأَمَّلَ أَخْلاَقَهُ وَيَسْتَمِعَ إِلَى أَغْرَاضِهِ، فَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِنَجَابَتِهِ وَالْمَعْرِفَةُ بِالسَّعْيِ فِي مَصَالِحِهِ، وَضَبْطِ مَالِهِ، أَوِ الإْهْمَالِ لِذَلِكَ.

الثَّانِي: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ مَالِهِ إِنْ تَوَسَّمَ الْخَيْرَ مِنْهُ وَيُبِيحَ لَهُ التَّصَرُّفَ فِيهِ، فَإِنْ نَمَّاهُ وَأَحْسَنَ النَّظَرَ فِيهِ فَلْيُسَلِّمْ إِلَيْهِ مَالَهُ جَمِيعَهُ، وَإِنْ أَسَاءَ النَّظَرَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِمْسَاكُ مَالِهِ عَنْهُ.

9 - وَأَمَّا وَقْتُ الاِخْتِبَارِ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ الْبُلُوغِ لقوله تعالي: ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ ) الآْيَةَ فَإِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الآْيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ابْتِلاَءَهُمْ قَبْلَ الْبُلُوغِ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَمَّاهُمْ يَتَامَى، وَإِنَّمَا يَكُونُونَ يَتَامَى قَبْلَ الْبُلُوغِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَدَّ اخْتِبَارَهُمْ إِلَى الْبُلُوغِ بِلَفْظَةِ حَتَّى، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الاِخْتِبَارَ قَبْلَهُ؛ وَلأِنَّ  تَأْخِيرَ الاِخْتِبَارِ إِلَى الْبُلُوغِ يُؤَدِّي إِلَى الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ؛ لأِنَّ  الْحَجْرَ يَمْتَدُّ إِلَى أَنْ يُخْتَبَرَ وَيُعْلَمَ رُشْدُهُ، وَاخْتِبَارُهُ قَبْلَ الْبُلُوغِ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَكَانَ أَوْلَى، لَكِنْ لاَ يُخْتَبَرُ إِلاَّ الْمُرَاهِقُ الْمُمَيِّزُ الَّذِي يَعْرِفُ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ وَالْمَصْلَحَةَ مِنَ الْمَفْسَدَةِ.

وَذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِلِ الأْصَحِّ وَالْحَنَابِلَةُ فِي وَجْهٍ أَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لأِنَّهُ قَبْلَهُ لَيْسَ أَهْلاً لِلتَّصَرُّفِ، إِذِ الْبُلُوغُ الَّذِي هُوَ مَظِنَّةُ الْعَقْلِ لَمْ يُوجَدْ، فَكَانَ عَقْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَعْدُومِ.

وَلَمْ يُجَوِّزْ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ لِلصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ التِّجَارَةَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ مَالاً لِيَتَّجِرَ بِهِ حَيْثُ قَالَ فِي جَوَابِ مَنْ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ: لاَ أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا؛ لأِنَّ  الصَّبِيَّ مُولًى عَلَيْهِ، فَإِذَا كَانَ مُولًى عَلَيْهِ فَلاَ أَرَى الإِْذْنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ إِذْنًا.

وَقَالَ فِي الْيَتِيمِ الَّذِي بَلَغَ وَاحْتَلَمَ وَالَّذِي لاَ يَعْلَمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ إِلاَّ خَيْرًا فَأَعْطَاهُ ذَهَبًا بَعْدَ احْتِلاَمِهِ لِيَخْتَبِرَهُ بِهِ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لِيَخْتَبِرَهُ بِذَلِكَ، أَوْ لِيَعْرِفَ، فَدَايَنَ النَّاسَ فَرَهِقَهُ دَيْنٌ: لاَ أَرَى أَنْ يُعَدَّى عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، لاَ فِيمَا فِي يَدِهِ، وَلاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ.

قِيلَ لِمَالِكٍ: إِنَّهُ قَدْ أَمْكَنَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ، أَفَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ؟ قَالَ: لاَ، لَمْ يَدْفَعْ إِلَيْهِ مَالَهُ الْمَحْجُورَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ دَفَعَهُ إِلَيْهِ لِيَخْتَبِرَهُ بِهِ فَهُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ. وَجَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْمُخَاطَبَ بِالاِخْتِبَارِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ قَبْلَ الْبُلُوغِ كُلُّ وَلِيٍّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَكُونُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَوَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الاِخْتِبَارَ يَكُونُ لِلْوَلِيِّ.

وَالثَّانِي: يَكُونُ لِلْحَاكِمِ فَقَطْ.

وَنَسَبَ الْجُورِيُّ الأْوَّلَ إِلَى عَامَّةِ الأْصْحَابِ، وَالثَّانِيَ إِلَى ابْنِ سُرَيْجٍ.

وَلاَ فَرْقَ فِي وَقْتِ الاِخْتِبَارِ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأُنْثَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِلاَّ أَنَّ أَحْمَدَ أَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ إِلَى أَنَّ الاِخْتِبَارَ قَبْلَ الْبُلُوغِ خَاصٌّ بِالْمُرَاهِقِ الَّذِي يَعْرِفُ الْمُعَامَلَةَ وَالْمَصْلَحَةَ، بِخِلاَفِ الْجَارِيَةِ لِنَقْصِ خِبْرَتِهَا، وَأَمَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَهُمَا سَوَاءٌ.

دَفْعُ الْمَالِ إِلَى الْحُرِّ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ غَيْرِ الرَّشِيدِ:

10 - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّ الْغُلاَمَ إِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ لَمْ يُسَلَّمْ إِلَيْهِ مَالُهُ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لأِنَّهُ لاَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى الْحُرِّ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ إِلاَّ إِذَا تَعَدَّى ضَرَرُهُ إِلَى الْعَامَّةِ كَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ، فَإِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً يُسَلَّمُ إِلَيْهِ مَالُهُ وَإِنْ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ وَهُوَ مَذْهَبُ النَّخَعِيِّ

وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الأْشْهَرِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ إِلَى غَيْرِ الرَّشِيدِ حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ بَعْدَ الْبُلُوغِ، وَلاَ يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ حَتَّى وَلَوْ صَارَ شَيْخًا، وَلاَ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ أَبَدًا، وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ.

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَكْثَرُ عُلَمَاءِ الأْمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ يَرَوْنَ الْحَجْرَ عَلَى كُلِّ مُضَيِّعٍ لِمَالِهِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، وَلَمْ يُفَرِّقِ الشَّافِعِيَّةُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالأْنْثَى.

وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ زَادُوا فِي حَقِّ الأْنْثَى لِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهَا دُخُولَ زَوْجٍ بِهَا وَشَهَادَةَ الْعُدُولِ بِحِفْظِهَا مَالِهَا.

وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ فِي مُقَابِلِ الأْشْهَرِ وَالأْصَحِّ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْجَارِيَةَ لاَ يُدْفَعُ إِلَيْهَا مَالُهَا بَعْدَ رُشْدِهَا حَتَّى تَتَزَوَّجَ وَتَلِدَ أَوْ تُقِيمَ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ سَنَةً. وَاخْتَارَ ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَالشِّيرَازِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ لِمَا رَوَى شُرَيْحٌ قَالَ: عَهِدَ إِلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لاَ أُجِيزَ لِجَارِيَةٍ عَطِيَّةً حَتَّى تَحُولَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلاً أَوْ تَلِدَ.

وَذَكَرَ صَاحِبُ الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَنَّ الْخِلاَفَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَجْرِ عَلَى الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ بِسَبَبِ السَّفَهِ وَالْغَفْلَةِ إِنَّمَا مَحَلُّهُ التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَيُبْطِلُهَا الْهَزْلُ، وَأَمَّا التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي لاَ تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَلاَ يُبْطِلُهَا الْهَزْلُ فَلاَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِيهَا بِالإْجْمَاعِ. وَقَوْلُهُمَا هُوَ الْمُفْتَى بِهِ صِيَانَةً لِمَالِهِ فَيَكُونُ فِي أَحْكَامِهِ كَصَغِيرٍ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ) فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَهُوَ تَنْصِيصٌ عَلَى وُجُوبِ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ، إِلاَّ أَنَّهُ مَنَعَ عَنْهُ مَالَهُ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ بِالإْجْمَاعِ وَلاَ إِجْمَاعَ هُنَا فَيَجِبُ دَفْعُ الْمَالِ بِالنَّصِّ. وَإِنَّمَا سُمِّيَ يَتِيمًا لِقُرْبِهِ مِنَ الْبُلُوغِ؛ وَلأِنَّ  أَوَّلَ أَحْوَالِ الْبُلُوغِ قَدْ لاَ يُفَارِقُهُ السَّفَهُ بِاعْتِبَارِ أَثَرِ الصِّبَا فَقَدَّرْنَاهُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً؛ لأِنَّهُ حَالُ كَمَالِ لُبِّهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله تعالي عنه أَنَّهُ قَالَ: يَنْتَهِي (يَتِمُّ) لُبُّ الرَّجُلِ إِذَا بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً. وَقَالَ أَهْلُ الطَّبَائِعِ: مَنْ بَلَغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ بَلَغَ رُشْدَهُ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ بَلَغَ سِنًّا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَصِيرَ جَدًّا؛ لأِنَّ  أَدْنَى مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا الْغُلاَمُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ، ثُمَّ الْوَلَدُ يَبْلُغُ فِي اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، فَيُولَدُ لَهُ وَلَدٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَقَدْ صَارَ بِذَلِكَ جَدًّا؛ وَلأِنَّ  مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ عَلَى سَبِيلِ التَّأْدِيبِ عُقُوبَةٌ عَلَيْهِ، وَالاِشْتِغَالُ بِالتَّأْدِيبِ عِنْدَ رَجَاءِ التَّأَدُّبِ، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ فَقَدِ انْقَطَعَ رَجَاءُ التَّأَدُّبِ فَلاَ مَعْنَى لِمَنْعِ الْمَالِ بَعْدَهُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا حُرٌّ بَالِغٌ عَاقِلٌ مُكَلَّفٌ فَلاَ يُحْجَرُ عَلَيْهِ كَالرَّشِيدِ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِعَدَمِ جَوَازِ دَفْعِ الْمَالِ إِلَيْهِ قَبْلَ رُشْدِهِ، وَعَدَمِ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) فَقَدْ عَلَّقَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِمْ عَلَى شَرْطَيْنِ: الْبُلُوغِ، وَإِينَاسِ الرُّشْدِ. وَالْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ عَلَى شَرْطَيْنِ لاَ يَثْبُتُ بِدُونِهِمَا، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( وَلاَتُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ ) يَعْنِي أَمْوَالَهُمْ.

وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى : ( فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ) فَأَثْبَتَ الْوِلاَيَةَ عَلَى السَّفِيهِ؛ وَلأِنَّهُ مُبَذِّرٌ لِمَالِهِ فَلاَ يَجُوزُ دَفْعُهُ إِلَيْهِ كَمَنْ لَهُ دُونَ ذَلِكَ.

هَذَا وَالْخِلاَفُ فِي اسْتِدَامَةِ الْحَجْرِ إِلَى إِينَاسِ الرُّشْدِ، أَوْ إِلَى بُلُوغِ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ بَلَغَ مُبَذِّرًا. فَإِنْ بَلَغَ مُصْلِحًا لِلْمَالِ فَاسِقًا فِي الدِّينِ اسْتُدِيمَ الْحَجْرُ عَلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لقوله تعالي: ( فَإِنْآنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ) وَالْفَاسِقُ لَمْ يُؤْنَسْ مِنْهُ الرُّشْدُ؛ وَلأِنَّ  حِفْظَهُ لِلْمَالِ لاَ يُوثَقُ بِهِ مَعَ الْفِسْقِ لأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَدْعُوَهُ الْفِسْقُ إِلَى التَّبْذِيرِ فَلَمْ يُفَكَّ الْحَجْرُ عَنْهُ.

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

11 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ الرُّشْدَ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، فَقَدْ ذَكَرُوهُ فِي الْبَيْعِ وَفِي الشَّرِكَةِ وَفِي الْوَكَالَةِ وَفِي ضَمَانِ تَلَفِ الْعَارِيَّةِ وَفِي شَرْطِ الْمُعِيرِ وَفِي الإِْقْرَارِ فِيمَا لَوْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَارِثِينَ بِوَارِثٍ.

وَجَعَلَهُ الشَّافِعِيَّةُ شَرْطًا لِخُرُوجِهِ لِفَرْضِ الْكِفَايَةِ، وَذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي الْهِبَةِ، وَفِي الْوَقْفِ، وَفِي وَلِيِّ النِّكَاحِ، وَفِي رِضَا الزَّوْجِ بِالنِّكَاحِ، وَفِي الْخُلْعِ فِي شُرُوطِ الْمُوجِبِ وَالْقَابِلِ، وَفِي حَاضِنِ اللَّقِيطِ، وَالتَّفْصِيلُ مَحَلُّهُ الأْبْوَابُ الْخَاصَّةُ بِتِلْكَ الْمَوَاضِعِ هَذَا فَضْلاً عَمَّا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ فِي أَحْكَامِ الْحَجْرِ عَلَى الصَّبِيِّ وَالسَّفِيهِ.

وَيُنْظَرُ: (حَجْر) (وَسَفَه).

  ___________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

 ( مادة 50)

١- كل شخص يبلغ سن الرشد متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه ، يكون كامل الأهلية لمباشرة حقوقه المدنية •

۲ - وسن الرشد هي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة .

يطابق هذا النص المادة 44 من التقنين الحالي ، والفقرة الأولى منه مستمدة من الشريعة الإسلامية . أما الفقرة الثانية فتستند إلى المبدأ الشرعي الذي يخول ولي الأمر سلطة سن ما تقتضيه مصلحة شرعية لا تناقض نصاً . اذ أن سن البلوغ في الشريعة الاسلامية خمس عشرة سنة : وهی تقابل المادة 106 من التقنين العراقي التي تنص على أن " سن الرشد هی ثماني عشرة سنة كاملة"  كما تقابل المادة 43 فقرة ثانية من التقنين الأردني التي تنص على أن « سن الرشد هي ثماني عشرة سنة شمسية كاملة " .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 184)
يجوز للحر العاقل البالغ غير المحجور عليه أن يباشر أي عقد كان بنفسه أو يوكل به غيره فمن باشر عقداً من العقود بنفسه لنفسه فهو الملزوم دون غيره بما يترتب عليه من الحقوق والأحكام.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م  )

مادة (۱۰۷) :

(یبطل بيع المجنون وبيع المعتوه والصبي الذين لا يعقلان).

المذكرة الإيضاحية

يبطل بيع المجنون المطبق وكذا بيع الذي يفيق ويجن إذا باع حالة جنونه ، وذلك لانعدام الأهلية فيهما، و يبطل كذلك بيع الصبي والمعتوه الذين لا يعقلان لعجزهما عن الفهم بخلاف الذي يعقل منهما .