مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الأول ، الصفحة : 355
أحالت مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 47 إلى ما ورد في مذكرة المشروع التمهيدي للمادة 44 والتي جاء تفصيلها على النحو التالي :
مذكرة المشروع التمهيدي:
1 - سن المشروع المبادئ الرئيسية في الأهلية باعتبار أن أهلية الأداء هی إحدى خاصيات الشخص الطبيعي . واقتصر على أن يشير إشارة سريعة إلى الأدوار التي يمر بها الإنسان . فهو إلى السابعة فاقد التمييز فيكون معدوم الأهلية . وهو من السابعة إلى الثامنة عشرة ناقص التمييز فتكون له أهلية ناقصة ومن الثامنة عشرة إلى الواحدة والعشرين يتسع تمييزه فتتسع أهليته حتى إذا بلغ سن الرشد وهي إحدى وعشرون سنة ميلادية كاملة كما هو القانون الحالى متمتعاً بقواه العقلية استكمل التمييز فالأهلية ، كل هذا إذا لم يصب بعاهة في عقله كالغفلة والبله والسفه و العته والجنون فيفقد التمييز ويفقد معه الأهلية . ويتبين من ذلك أن الأهلية تتمشى مع التمييز توجد بوجوده و تنعدم بانعدامه.
2- قانون المجالس الحسبية هو الذي ينظم الأهلية وما يستتبعها من أحكام الولاية والوصاية والقوامة .
1 ـ النص فى المادة 7/1 من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال على أن "لا يجوز للأب أن يتصرف فى عقار القاصر أو فى محله التجاري، أو الأوراق المالية إذا زادت قيمتها على ثلاثمائة جنيه إلا بإذن المحكمة" والنص فى المادة 13 منه على أن "لا تسري القيود المنصوص عليها فى هذا القانون على ما آل للقاصر من مال بطريق التبرع من أبيه, صريحاً كان التبرع أو مستترا ولا يلزم الأب حساب هذا المال" - يدل على أن المشرع استهدف حماية مال الصغير ووضع قيود على سلطة الولي الأب فى التصرف فى هذا المال من بينها وجوب استئذان محكمة الأحوال الشخصية قبل التصرف فيما يزيد قيمته على ثلاثمائة جنيه منه, وإلا كان تصرفه غير نافذ فى حق الصغير ولم يستثن المشرع من ذلك إلا ما يكون الأب قد تبرع به من مال لصغيره حيث يكون له التصرف فيه بجميع التصرفات القانونية دون قيد على سلطته فى هذا الخصوص.
(الطعن رقم 3101 لسنة 70 جلسة 2001/06/05 س 52 ع 2 ص 817 ق 164)
2 ـ مفاد نصوص المواد 47 مدنى ، 47 ، 78 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية على المال ، 970 من قانون المرافعات ، أنه إذا مات المطلوب الحجر عليه قبل صدور حكم فى الطلب المقدم فإنه ينتهى الحق فيه و تنتفى ولاية محكمة الحجر بنظره لهلاك الشخص المراد إخضاعه للحجر تبعاً لإستحالة أن يقضى بعد الموت بقيد ينصب على شخص المطلوب الحجر عليه أو بالتحفظ على ماله يؤيد هذا النظر أن المشرع بموجب المادة 78 من المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 أجرى الأحكام المقررة فى شأن الوصاية على القوامة ، و قصد بذلك - و على ما جرى بالمذكرة الإيضاحية - أن القواعد الخاصة بالوصاية تسرى على القوامة بالقدر الذى تتلاءم فى حدود أحكامها مع طبيعتها ، مما مفاده أنه إذا توفى المطلوب الحجر عليه فقد طلب الحجر محله و موضوعه و إستحال قانوناً أن تمضى المحكمة فى نظرها . و أكد المشرع هذا المعنى فى المادة 970 من قانون المرافعات بإستبعاده إتباع الإجراءات و الأحكام الخاصة بالولاية على المال و منها توقيع الحجر و رفعه و تعيين القامة و مراقبة أعمالهم و حساباتهم إذ إنتهت الولاية على المال فيما عدا حالتى الفصل فى الحساب السابق تقديمه للمحكمة و تسليم الأموال لورثة ناقصى الأهلية أو عديميها إعتباراً بأن الولاية مشروطة بقيام موجبها فإذا إنعدم الموجب زالت الولاية . و جاء بالمذكرة الإيضاحية لقانون المرافعات تعليقاً على تلك المادة ما مؤداه أنه يستحيل على المحكمة أن تأمر بتعيين قيم على شخص ليس على قيد الحياة لتنافر ذلك مع طبيعة الحجر ذاته ، أو أن يعهد إليه بتسليم أمواله أو تولى إدارتها و حفظها لأن الموت لا يبقى له على مال بعد أن إنتقل بمجرد الوفاة و بقوة القانون للوارث أو الموصى له ، فينقضى بالتالى الطلب المقدم بالحجر و يصبح بسبب الموت غير ذى موضوع .
(الطعن رقم 33 لسنة 45 جلسة 1977/05/25 س 28 ع 1 ص 1293 ق 223)
3 ـ مفاد نص المادة 47 / 1من المرسوم بقانون رقم 119 لسنة 1952 بشأن الولاية على المال والمادة 970 من قانون المرافعات أنه إذا بلغ القاصر إحدى وعشرين سنة تنتهي مهمة الوصي وتنتفي ولاية المحكمة التي تتولى رعاية شئونه اعتباراً بأن الولاية مشروطة بقيام موجبها فإن إنعدم الموجب زالت الولاية، وكان النص فى المادة 107 من القانون المدني على أن "إذا كان النائب ومن تعاقد معه يجهلان معاً وقت العقد انقضاء النيابة فإن أثر العقد الذي يبرمه حقاً كان أو التزاماً يضاف إلى الأصيل أو خلفائه" مفاده أن يتوافر لدى طرفي التعاقد الجهل بإنقضاء الولاية وقت العقد ولئن كان التحقيق من ذلك يدخل فى نطاق سلطة محكمة الموضوع التقديرية بغير رقابة محكمة النقض إلا أن شرط ذلك أن يكون بيانها سائغاً ومؤدياً إلى النتيجة التي انتهت إليها، ونيابة الموصى عن القاصر هي نيابة موقوتة بأجل حدده القانون بحيث يكون معلوماً للوصي وللمحكمة التي ترعى شئون القاصر والجهل الذي يعتد به هو الذي يقوم على مبرر قوامه عدم إمكان العلم بإنتهاء الولاية وهو أمر يتجافى مع قيام الوصي والمحكمة برعاية شئون القاصر، فإن الحكم المطعون فيه إذ استدل على توافر جهل الوصية بإنتهاء ولايتها بمجرد القول بأنها والدة لهم وأنها كانت تعلم بإنتهاء الولاية لما تقدمت بطلب الإذن إلى المحكمة المختصة ببيع نصيب القاصر يكون الحكم قد عابه الفساد فى الإستدلال.
(الطعن رقم 1185 لسنة 55 جلسة 1989/01/25 س 40 ع 1 ص 265 ق 55)
القانون الذي يحكم الولاية علي المال :
يخضع فاقدوا الأهلية وناقصوها لأحكام الولاية أو الوصاية أو القوامة بحسب الأحوال، فالقاصر، وهو من لم يبلغ سن الرشد، يخضع للولاية إن وجد ولي له وإلا فإنه يخضع للوصاية، أما إذا بلغها دون هذا العارض، كان كامل التمييز والأهلية فترتفع عنه الولاية أو الوصاية فإذا إعتره بعد ذلك عارض من عوارض الأهلية، كجنون أو عته أو سفه أو غفلة، أقامت له المحكمة قيماً ومن ثم فإنه يخضع لأحكام القوامة .
الولاية :
تنص المادة الأولي من القانون رقم 119 لسنة 1952 على أن تكون الولاية للأب ثم للجد الصحيح إذا لم يكن الأب قد إختار وصياً للولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له أن يتنحى عنها إلا بإذن المحكمة .
وللأب أن يتعاقد مع نفسه باسم القاصر سواء أكان ذلك لحسابه هو أم لحساب شخص آخر، حينئذ لا يلزم إذن المحكمة إذا زادت قيمة التصرف عن ثلاثمائة جنية، أما الجد فلا يجوز له ذلك إلا بإذن المحكمة، ولا يقيد تصرف الأب إلا مانصت عليه المادة السادسة من أنه لا يجوز للوالي أن يتصرف في عقار القاصر لنفسه أو لزوجة أو لأقاربه أو لاقربائها إلي الدرجة الرابعة إلا بإذن المحكمة ولا يجوز له أن يرهن عقار القاصر لدين علي نفسه .
ولا يسأل الأب عن خطته الجسيم أما الجد فيسأل مسئولية الوصي .
الوصاية :
الوصاية ولاية علي مال الصغير، ويعتبر الوصي نائباً عن الصغير . ويجب أن يكون عدلاً كفؤا ذا أهلية كاملة فلا يجوز أن يعين وصياً :
1-المحكوم عليه في جريمة مخلة بالآداب أو ماسة بالشرف أو النزاهة ويجوز التجاوز عن هذا الشرط للضرورة إذا انقضت مدة على خمس سنوات على تنفيذ العقوبة .
2-من حكم عليه في جريمة كانت تقتضي سلب ولايته علي نفس القاصر لو أنه كان في ولايته .
3-من اشتهر عنه سوء السلوك أو لم يكن له وسيلة مشروعة للتعيش .
4-المحكوم بافلاسه إلي أن يحكم برد اعتباره .
5-من سبق أن سلبت ولايته أو عزل من الوصاية علي قاصر آخر .
6-من حرمة الأب بموجب ورقة رسمية أو عرفية مصدق على إمضاء الأب فيها أو مكتوبة بخطه وموقعه بإمضائه من الوصاية لأسباب مبررة يخضع فيها الأب لتقدير المحكمة.
7-من كان بينه هو أو أحد أصوله أو فروعه أو زوجه وبين القاصر نزاع قضائي أو كان بينه وبين القاصر أو عائلته عداوة إذا كان يخشى من ذلك كله على مصلحة القاصر .
8-أن يكون الوصي من طائفة القاصر، فإن لم يكن فمن أهل مذهبه والا فمن أهل دينه ، ولما كانت الوصاية ولاية، وكانت القاعدة الشرعية أن لا ولاية لذمي على مسلم ، فإن وصاية الذمي تسقط بإسلام الصغير كما تسقط ولايته .
وهذه الشروط قاصرة علي الأوصياء فلا تتعدي إلي الأولياء ما لم يتطلب الأمر تعيين وصي خاص لعمل معين .
الوصي الخاص :
وتقيم المحكمة وصياً خاصاً وتحدد المهمة المنوطة به في الأحوال الآتية :
أ-إذا تعارضت مصلحة القاصر مع مصلحة الولي أو مع مصلحة قاصر آخر مشمول بولايته.
ب- إذا تعارضت مصلحة القاصر مع مصلحة الولي أو زوجة أو أحد أصوله أو فروعه أو مع من يمثله الوصي .
ج-إبرام عقد من عقود المعارضة أو تعديله أو فسخه أو إبطاله أو الغاؤة بين القاصر وبين الوصي أو أحد من المذكورين في البند السابق .
د-إذا آل إلى القاصر مال بطريق التبرع وشرط المتبرع ألا يتولى الولي إدارته .
هـ-إذا تطلبت الظروف دراية خاصة لأداء بعض الأعمال .
و-إذا كان الولي غير أهل لمباشرة حق من حقوق الولاية .
ولا يجوز للوصي التبرع بمال القاصر إلا لأداء واجب انساني أو عائلي علي أن يكون ذلك بإذن من المحكمة ،كما يلزم هذا الإذن للقيام بقسمة مال القاصر بالتراضي مع باقي المشتاعين، ويجب عليه إخطار المحكمة بالدعاوى التي ترفع علي القاصر وما يتخذ قبله من إجراءات التنفيذ وأن يتبع في شأنها ما تأمر به المحكمة ، فإن لم توجهه سلك سبيله فيها باذلاً عناية الشخص المعتاد ، وعليه إيداع مايحصله من نقود للقاصر بعد استبعاد النفقة المقررة ومصاريف الادارة ، أما خزانة المحكمة أو أحد المصارف حسبما تشير به المحكمة ولا يجوز له سحب شئ منها إلا بإذن المحكمة .
انتهاء الولاية والوصاية :
تنتهي الولاية ببلوغ القاصر إحدى وعشرين سنة ما لم تحكم المحكمة قبل بلوغه هذه السن باستمرارها، وتحكم المحكمة بوقف الولاية إذا أعتبر الولي غائباً أو اعتقل تنفيذاً لحكم لمدة تتجاوز سنة، وتسلب الولاية إذا أصبحت أموال القاصر في خطر بسبب سوء تصرف الولي أو لأي سبب آخر ولها بدلاً من سلبها الحد منها، ومتى حكم بسلب الولاية بسلب الولاية علي نفس الصغير أو وقفها، سقوطها أو وقفها بالنسبة إلي ماله ولا تعود الولاية بعد سلبها أو وقفها إلا بقرار من المحكمة بعد زوال الأسباب التي أدت إلي ذلك فإن رفض الطلب فلا يجوز إعادة تقديمه إلا بعد انقضاء سنتين من تاريخ الحكم النهائي بالرفض.
أما الوصية فتنتهي مهمة الوصي : (1) ببلوغ القاصر إحدي وعشرين سنة إلا إذ تقرر استمرارها . (2)بعودة الولاية للولي .(3)بعزل الوصي أو قبول استقالته. (4)بفقد أهليته او ثبوت غيبته أو موته أو موت القاصر .
عوارض الأهلية :
تنحصر عوارض الأهلية في الجنون والعته والسفه والغفلة، فالجنون والعته يعدمان الأهلية، أما السفه والغفلة فينقصانها، وفقاً لما أوضحناه بالمادة 113 .
الحجر بعد بلوغ سن الرشد :
تنص المادة 65 من قانون الولاية علي المال علي أن يحكم بالحجر على البالغ الجنون أو العته أو السفه أو للغفلة ولا يرفع الحجر إلا بحكم وتقييم المحكمة علي من يحجر عليه قيماً لإدارة أمواله، وتنص المادة 68 من ذات القانون على أن تكون القوامة للابن البالغ ثم للأب ثم للجد ثم لمن تختاره المحكمة.
ومتى حكم بالحجر وتعيين قيم، خضعت القوامة لأحكام المقررة في شأن الوصاية، فيشترط في القيم ما تطلبته المادة 27 من قانون الولاية علي المال بالنسبة للوصي، علي أنه اذا كان القيم الابن أو الأب أو الجد فللمحكمة إذا رأت مصلحة في هذا التعيين أن تسقط الشرطين الخاصين بوجوب ألا يكون القيم قد حكم عليه في جريمة مخلة بالآداب أو الشرف أو النزاهة وألا يكون قد حكم بإفلاسه، فللمحكمة أن تعين أي منهم رغم صدور تلك الأحكام ضدهم متى رأت مصلحة في ذلك.
المساعدة القضائية :
تنص المادة 70 من قانون الولاية علي المال علي أنه إذا كان الشخص أصم أبكم أو أعمى أصم أو أعمي أبكم وتعذر عليه بسبب ذلك التعبير عن إرادته جاز للمحكمة أن تعين له مساعداً قضائياً يعاونه في التصرفات المنصوص عليها في المادة 39 . كما يجوز لها ذلك بسبب العجز الجسماني الشديد، تنص المادة 73 على أن يعتبر المساعد القضائي في حكم النائب في تطبيق أحكام المواد 108 ، 382 ، 479 من القانون المدني.
انفراد المساعد القضائي بالتصرف :
للمساعد القضائي الانفراد بإبرام التصرف متى آذنته المحكمة، على نحو ما سلف، أما إذا انفرد بالتصرف بدون هذا الإذن، كان التصرف غير نافذ في حق الخاضع للمساعدة، ولا يجوز للأخير أجازته، لأن الاجازة تصرف قانوني لا يجوز للخاضع مباشرته طالما تعلق بالتصرف الذي لا يجوز له إبرامه .
مجاوزة الولي أو الوصي أو القيم حدود الولاية:
يترتب علي مجاوزة الولي أو الوصي أو القيم حدود الولاية ، أن يصبح ماتجاوز به غير نافذ في حق الخاضع للولاية ما لم يجزه بعد إنتهاء الولاية عليه .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني، الصفحة/ 11)
1- أن الولاية على القاصر تكون للأب ثم للجد الصحيح (الجد لأب) إذا لم يكن الأب قد اختار وصياً للولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له أن يتنحى عنها إلا بإذن المحكمة .
وهذه الولاية تثبت بقوة القانون ولاتحتاج إلى قرار يصدر بها من محكمة الأسرة.
2- أنه إذا لم يكن للقاصر ولى (أب أو جد صحيح) فإن المحكمة تعين له وصياً إذا لم يكن الأب قد عين وصياً مختاراً لولده القاصر أو للحمل المستكن، أو إذا لم يكن المتبرع قد عين وصياً مختاراً إذا اشترط عدم دخول المال المتبرع به في الولاية. ويشترط لاختيار الوصي المختار في هاتين الحالتين أن يثبت الاختيار بورقة رسمية أو عرفية مصدق على توقيع الأب أو المتبرع فيها أو مكتوبة بخطه وموقعه بإمضائه.
ويجوز للأب والمتبرع في أي وقت أن يعدلا عن اختيارهما. وتعرض الوصاية على المحكمة لتثبيتها (م 28).
3- إذا لم يكن للقاصر أو للحمل المستكن وصي مختار تعين المحكمة وصياً ويبقى وصى الحمل المستكن وصياً على المولود ما لم تعين المحكمة غيره (م 29).
4- يجوز عند الضرورة تعيين أكثر من وصی واحد وفي هذه الحالة لا يجوز لأحدهم الانفراد إلا إذا كانت المحكمة قد بينت اختصاصاً لكل منهم في قرار تعيينه أو في قرار لاحق ومع ذلك لكل من الأوصياء اتخاذ الإجراءات الضرورية أو المستعجلة أو المتمخضة لنفع القاصر.
وعند الاختلاف بين الأوصياء برفع الأمر إلى المحكمة لتأمر بما يتبع (م30 )
5- تقييم المحكمة وصياً خاصاً تحدد مهمته، وذلك في الأحوال الآتية:
(أ)- إذا تعارضت مصلحة القاصر مع مصلحة الولي أو مصلحة قاصر آخر مشمول بولايته.
(ب)- إذا تعارضت مصلحة القاصر مع مصلحة الوصي أو زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو مع من يمثله الوصی.
(ج)- إبرام عقد من عقود المعاوضة أو تعديله أو فسخه أو إبطاله أو إلغاؤه بين القاصر وبين الوصي أو أحد من المذكورين في البند (ب).
(د)- إذا آل إلى القاصر مال بطريق التبرع وشرط المتبرع ألا يتولى الولى إدارة المال.
(هـ)- إذا استلزمت الظروف دراية خاصة لأداء بعض الأعمال.
(و)- إذا كان الولى غير أهل لمباشرة حق من حقوق الولاية (م 31) .
6- تقييم المحكمة وصياً مؤقتاً إذا حكم بوقف الولاية ولم يكن للقاصر ولی آخر، وكذلك إذا وقف الوصي أو حالت ظروف مؤقتة دون أدائه لواجباته (م 32).
7- يجوز للمحكمة أن تقيم وصي خصومة ولو لم يكن للقاصر مال (م 33).
وتسري على الوصي الخاص والوصي المؤقت ووصي الخصومة أحكام الوصايا الواردة في هذا القانون مع مراعاة ما تقتضيه طبيعة مهمة كل منهم (343) .
8- تنتهي مهمة الوصي الخاص والوصي المؤقت بانتهاء العمل الذي أقيم لمباشرته أو المدة التي اقتضت بها تعيينه (م35).
9- تكون القوامة للإبن البالغ ثم للأب ثم للجد ثم لمن تختاره المحكمة(م 86 ).(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الأول الصفحة/630)
نظم المرسوم بقانون 119 لسنة 1952 بأحكام الولاية والوصاية والقوامة والوكالة علي القصر والمحجوزين والغائبين .(التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 459 ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 210
مَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ الْوِصَايَةُ:
10 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْوِصَايَةَ تَكُونُ عَلَى الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، وَهُمُ الْمَجَانِينُ وَالْمَعْتُوهُونَ مِنَ الْجِنْسَيْنِ؛ لأِنَّ هُمْ يَحْتَاجُونَ إِلَى مَنْ يَرْعَى شُؤُونَهُمْ فِي التَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ وَالتَّزْوِيجِ إِنِ احْتَاجُوا إِلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ لَهُمْ مَالٌ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ يَقُومُ بِحِفْظِهِ وَصِيَانَتِهِ وَاسْتِثْمَارِهِ.
شُرُوطُ الْوَصِيِّ:
11 - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ شُرُوطًا لاَ يَصِحُّ الإْيصَاءُ إِلاَّ بِتَوَافُرِهَا، وَهَذِهِ الشُّرُوطُ بَعْضُهَا اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اشْتِرَاطِهَا، وَبَعْضُهَا اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِهِ.
أَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِهَا فَهِيَ:
(1) الْعَقْلُ وَالتَّمْيِيزُ، وَعَلَى هَذَا لاَ يَصِحُّ الإْيصَاءُ إِلَى الْمَجْنُونِ وَالْمَعْتُوهِ وَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ؛ لأِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لأِحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي شُئُونِ غَيْرِهِ بِالطَّرِيقِ الأْوْلَى.
(2) الإْسْلاَمُ، إِذَا كَانَ الْمُوصَى عَلَيْهِ مُسْلِمًا؛ لأِنَّ الْوِصَايَةَ وِلاَيَةٌ، وَلاَ وِلاَيَةَ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ( وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وَلأِنَّ الاِتِّفَاقَ فِي الدِّينِ بَاعِثٌ عَلَى الْعِنَايَةِ وَشِدَّةِ الرِّعَايَةِ بِالْمُوَافِقِ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الاِخْتِلاَفَ فِي الدِّينِ بَاعِثٌ فِي الْغَالِبِ عَلَى تَرْكِ الْعِنَايَةِ بِمَصَالِحِ الْمُخَالِفِ فِيهِ.
(3) قُدْرَةُ الْمُوصَى إِلَيْهِ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا أُوصِيَ إِلَيْهِ فِيهِ، وَحُسْنُ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الْقِيَامِ بِذَلِكَ؛ لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرِ سِنٍّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَلاَ يَصِحُّ الإْيصَاءُ إِلَيْهِ؛ لأِنَّهُ لاَ مَصْلَحَةَ تُرْجَى مِنَ الإْيصَاءِ إِلَى مَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ.
وَأَمَّا الشُّرُوطُ الَّتِي اخْتَلَفُوا فِيهَا فَهِيَ:
)1) الْبُلُوغُ، فَهُوَ شَرْطٌ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَلاَ يَصِحُّ الإْيصَاءُ إِلَى الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ؛ لأِنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لاَ وِلاَيَةَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ عَلَى مَالِهِ، فَلاَ تَكُونُ لَهُ الْوِلاَيَةُ عَلَى غَيْرِهِ وَمَالِهِ، كَالصَّبِيِّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: بُلُوغُ الْمُوصَى إِلَيْهِ لَيْسَ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الإْيصَاءِ إِلَيْهِ، بَلِ الشَّرْطُ عِنْدَهُمْ هُوَ التَّمْيِيزُ، وَعَلَى هَذَا: لَوْ أَوْصَى الأْبُ أَوِ الْجَدُّ إِلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ كَانَ الإْيصَاءُ صَحِيحًا عِنْدَهُمْ، وَلِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْوِصَايَةِ، وَيُعَيِّنَ وَصِيًّا آخَرَ بَدَلاً مِنْهُ؛ لأِنَّ الصَّبِيَّ لاَ يَهْتَدِي إِلَى التَّصَرُّفِ، وَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الإْخْرَاجِ، قِيلَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَقِيلَ لاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ إِلْزَامُهُ بِالْعُهْدَةِ فِيهِ.
وَخَرَّجَ الْقَاضِي وَجْهًا فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ بِصِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَى الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ؛ لأِنَّ أَحْمَدَ قَدْ نَصَّ عَلَى صِحَّةِ وَكَالَتِهِ، وَعَلَى هَذَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ قَدْ جَاوَزَ الْعَشْرَ.
)2) الْعَدَالَةُ، وَالْمُرَادُ بِهَا: الاِسْتِقَامَةُ فِي الدِّينِ، وَتَتَحَقَّقُ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ الدِّينِيَّةِ، وَعَدَمِ ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ مِنَ الْكَبَائِرِ، كَالزِّنَى وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى غَيْرِ الْعَدْلِ - وَهُوَ الْفَاسِقُ - لاَ تَصِحُّ؛ لأِنَّ الْوِصَايَةَ وِلاَيَةٌ وَائْتِمَانٌ، وَلاَ وِلاَيَةَ وَلاَ ائْتِمَانَ لِفَاسِقٍ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْعَدَالَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ، فَيَصِحُّ عِنْدَهُمُ الإْيصَاءُ لِلْفَاسِقِ مَتَى كَانَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ، وَلاَ يُخْشَى مِنْهُ الْخِيَانَةُ. وَيُوَافِقُ الْحَنَفِيَّةَ فِي ذَلِكَ الْمَالِكِيَّةُ، حَيْثُ إِنَّهُمْ قَالُوا: الْمُرَادُ بِالْعَدَالَةِ الَّتِي هِيَ شَرْطٌ فِي الْوَصِيِّ: الأْمَانَةُ وَالرِّضَى فِيمَا يَشْرَعُ فِيهِ وَيَفْعَلُهُ، بِأَنْ يَكُونَ حَسَنَ التَّصَرُّفِ، حَافِظًا لِمَالِ الصَّبِيِّ، وَيَتَصَرَّفُ فِيهِ بِالْمَصْلَحَةِ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ: إِذَا كَانَ (يَعْنِي الْوَصِيَّ) مُتَّهَمًا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ يَدِهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ أَمِينًا.
أَمَّا الذُّكُورَةُ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي الْوَصِيِّ، فَيَصِحُّ الإْيصَاءُ إِلَى الْمَرْأَةِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله تعالي عنه أَوْصَى إِلَى ابْنَتِهِ حَفْصَةَ، وَلأِنَّ الْمَرْأَةَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ كَالرَّجُلِ، فَتَكُونُ أَهْلاً لِلْوِصَايَةِ مِثْلَهُ.
الْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ لِتَوَافُرِ الشُّرُوطِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ:
12 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَقْتِ الْمُعْتَبَرِ لِتَوَافُرِ الشُّرُوطِ الْمَطْلُوبَةِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ أَحَدُ وَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ لِتَحَقُّقِ الشُّرُوطِ فِي الْمُوصَى إِلَيْهِ أَوْ عَدَمُ تَحَقُّقِهَا هُوَ وَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي؛ لأِنَّ هَذَا الْوَقْتَ هُوَ وَقْتُ اعْتِبَارِ الْقَبُولِ وَتَنْفِيذُ الإْيصَاءِ، فَيَكُونُ هُوَ الْمُعْتَبَرَ دُونَ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا لَوِ انْتَفَتِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا عِنْدَ الإْيصَاءِ، ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَ الْمَوْتِ، صَحَّ الإْيصَاءُ ، وَلَوْ تَحَقَّقَتِ الشُّرُوطُ كُلُّهَا عِنْدَ الإْيصَاءِ، ثُمَّ انْتَفَتْ أَوِ انْتَفَى بَعْضُهَا عِنْدَ الْمَوْتِ، فَلاَ يَصِحُّ الإْيصَاءُ .
وَهَذَا الرَّأْيُ أَيْضًا هُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَإِنْ لَمْ نَجِدْهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمُ الَّتِي رَجَعْنَا إِلَيْهَا، وَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا قَالُوهُ فِي اشْتِرَاطِ أَلاَّ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ بِالْمَالِ وَارِثًا لِلْمُوصِي، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوَقْتَ الْمُعْتَبَرَ لِتَحَقُّقِ هَذَا الشَّرْطِ أَوْ عَدَمِ تَحَقُّقِهِ هُوَ وَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي، لاَ وَقْتُ الْوَصِيَّةِ، وَهَذَا يَدُلُّ دَلاَلَةً وَاضِحَةً عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْمَوْتِ هُوَ أَيْضًا الْمُعْتَبَرُ عِنْدَهُمْ فِي الشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَافُرُهَا فِي الْوَصِيِّ إِلَيْهِ لِصِحَّةِ الإْيصَاءِ.
وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَمُقَابِلُ الأْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، الْوَقْتُ الْمُعْتَبَرُ لِتَحَقُّقِ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَوْ عَدَمِ تَحَقُّقِهَا هُوَ وَقْتُ الإْيصَاءِ وَوَقْتُ وَفَاةِ الْمُوصِي جَمِيعًا، أَمَّا وَجْهُ اعْتِبَارِ وُجُودِهَا عِنْدَ الإْيصَاءِ فَلأِنَّ هَا شُرُوطٌ لِصِحَّةِ عَقْدِ الإْيصَاءِ، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهَا حَالَ وُجُودِهِ، كَسَائِرِ الْعُقُودِ.
وَأَمَّا وَجْهُ اعْتِبَارِ وُجُودِهَا عِنْدَ الْمَوْتِ؛ فَلأِنَّ الْمُوصَى إِلَيْهِ إِنَّمَا يَتَصَرَّفُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي، فَاعْتُبِرَ وُجُودُهَا عِنْدَهُ، كَالإْيصَاءِ لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَالِ.
سُلْطَةُ الْوَصِيِّ:
13 - سُلْطَةُ الْوَصِيِّ إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى حَسَبِ الإْيصَاءِ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَإِنْ كَانَ الإْيصَاءُ خَاصًّا بِشَيْءٍ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ أَوِ اقْتِضَائِهَا، أَوْ رَدِّ الْوَدَائِعِ أَوِ اسْتِرْدَادِهَا، أَوِ النَّظَرِ فِي أَمْرِ الأْطْفَالِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، كَانَتْ سُلْطَةُ الْوَصِيِّ مَقْصُورَةً عَلَى مَا أُوصِيَ إِلَيْهِ فِيهِ، لاَ تَتَعَدَّاهُ إِلَى غَيْرِهِ. وَإِنْ كَانَ الإْيصَاءُ عَامًّا، كَأَنْ قَالَ الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ فِي كُلِّ أُمُورِي، كَانَتْ سُلْطَةُ الْوَصِيِّ شَامِلَةً لِجَمِيعِ التَّصَرُّفَاتِ، كَقَضَاءِ الدُّيُونِ وَاقْتِضَائِهَا، وَرَدِّ الْوَدَائِعِ وَاسْتِرْدَادِهَا، وَحِفْظِ أَمْوَالِ الصِّغَارِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَتَزْوِيجِ مَنِ احْتَاجَ إِلَى الزَّوَاجِ مِنْ أَوْلاَدِهِ. وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِالإْذْنِ مِنَ الْمُوصِي كَالْوَكِيلِ. فَإِنْ كَانَ الإْذْنُ خَاصًّا كَانَتْ سُلْطَتُهُ مَقْصُورَةً عَلَى مَا أُذِنَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ الإْذْنُ عَامًّا كَانَتْ سُلْطَتُهُ عَامَّةً، وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ تَزْوِيجُ الصَّغِيرِ وَالصَّغِيرَةِ، فَقَالُوا: لاَ يَصِحُّ الإْيصَاءُ بِتَزْوِيجِهِمَا؛ لأِنَّ الصَّغِيرَ وَالصَّغِيرَةَ لاَ يُزَوِّجُهُمَا إِلاَّ الأْبُ أَوِ الْجَدُّ؛ وَلأِنَّ الْوَصِيَّ لاَ يَتَعَيَّرُ بِدُخُولِ الدَّنِيِّ فِي نَسَبِهِمْ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ فِي الْمَذْهَبِ: إِنَّ الإْيصَاءَ الصَّادِرَ مِنَ الأْبِ يَكُونُ عَامًّا، وَلاَ يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ بِنَوْعٍ أَوْ مَكَان أَوْ زَمَانٍ؛ لأِنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الأْبِ، وَوِلاَيَةُ الأْبِ عَامَّةٌ، فَكَذَلِكَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلأِنَّهُ لَوْلاَ ذَلِكَ لاَحْتَجْنَا إِلَى تَعْيِينِ وَصِيٍّ آخَرَ، وَالْمُوصِي قَدِ اخْتَارَ هَذَا وَصِيًّا فِي بَعْضِ أُمُورِهِ، فَجَعْلُهُ وَصِيًّا فِي الْكُلِّ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ؛ لأِنَّهُ رَضِيَ بِتَصَرُّفِ هَذَا فِي الْبَعْضِ، وَلَمْ يَرْضَ بِتَصَرُّفِ غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلاً، وَعَلَى هَذَا: لَوْ أَوْصَى الأْبُ إِلَى رَجُلٍ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِ مَالِهِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مَثَلاً، صَارَ وَصِيًّا عَامًّا عَلَى أَوْلاَدِهِ وَتَرِكَتِهِ، وَلَوْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَإِلَى آخَرَ بِتَنْفِيذِ وَصَيِّتَةِ، كَانَا وَصِيَّيْنِ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
حُكْمُ عُقُودِ الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ:
14 - الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي عُقُودِ الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ: أَنَّ الْوَصِيَّ مُقَيَّدٌ فِي تَصَرُّفِهِ بِالنَّظَرِ وَالْمَصْلَحَةِ لِمَنْ فِي وِصَايَتِهِ، وَعَلَى هَذَا لاَ يَكُونُ لِلْوَصِيِّ سُلْطَةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا كَالْهِبَةِ، أَوِ التَّصَدُّقِ، أَوِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، فَإِذَا بَاشَرَ الْوَصِيُّ تَصَرُّفًا مِنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَانَ تَصَرُّفُهُ بَاطِلاً، لاَ يَقْبَلُ الإْجَازَةَ مِنْ أَحَدٍ، وَيَكُونُ لَهُ سُلْطَةُ مُبَاشَرَةِ التَّصَرُّفَاتِ النَّافِعَةِ نَفْعًا مَحْضًا، كَقَبُولِ الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ، وَالْكَفَالَةِ لِلْمَالِ. وَمِثْلُ هَذَا: التَّصَرُّفَاتُ الدَّائِرَةُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالإْجَارَةِ وَالاِسْتِئْجَارِ وَالْقِسْمَةِ وَالشَّرِكَةِ، فَإِنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُبَاشِرَهَا، إِلاَّ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهَا ضَرَرٌ ظَاهِرٌ، فَإِنَّهَا لاَ تَكُونُ صَحِيحَةً.
هَذَا مُجْمَلُ الْقَوْلِ فِي عُقُودِ الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ، أَمَّا تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِيهَا فَهُوَ كَمَا يَأْتِي:
أ - يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَمْوَالِ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ، وَأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُمْ، مَا دَامَ الْبَيْعُ أَوِ الشِّرَاء بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ بِغَبْنٍ يَسِيرٍ، وَهُوَ مَا يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ عَادَةً؛ لأِنَّ الْغَبْنَ الْيَسِيرَ لاَ بُدَّ مِنْ حُصُولِهِ فِي الْمُعَامَلاَتِ الْمَالِيَّةِ، فَإِذَا لَمْ يَتَسَامَحْ فِيهِ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى سَدِّ بَابِ التَّصَرُّفَاتِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْبَيْعُ أَوِ الشِّرَاءُ بِغَبْنٍ فَاحِشٍ، وَهُوَ مَا لاَ يَتَغَابَنُ فِيهِ النَّاسُ عَادَةً، فَإِنَّ الْعَقْدَ لاَ يَكُونُ صَحِيحًا.
وَهَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولاً، أَمَّا إِنْ كَانَ عَقَارًا فَلاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَهُ، إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مُسَوِّغٌ شَرْعِيٌّ؛ لأِنَّ الْعَقَارَ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ، فَلاَ حَاجَةَ إِلَى بَيْعِهِ إِلاَّ إِذَا وُجِدَ مُسَوِّغٌ شَرْعِيٌّ، كَأَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْعَقَارِ خَيْرًا مِنْ بَقَائِهِ، وَذَلِكَ فِي الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
(1) أَنْ يَرْغَبَ شَخْصٌ فِي شِرَاءِ الْعَقَارِ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ عَقَارًا أَنْفَعَ مِنَ الَّذِي بَاعَهُ.
(2) أَنْ تَكُونَ ضَرِيبَةُ الْعَقَارِ وَمَا يُصْرَفُ عَلَيْهِ لِلصِّيَانَةِ أَوِ الزِّرَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى غَلاَّتِهِ.
(3) أَنْ يَكُونَ الصِّغَارُ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ فِي حَاجَةٍ إِلَى النَّفَقَةِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى تَدْبِيرِ ذَلِكَ إِلاَّ بِبَيْعِ الْعَقَارِ الْمَمْلُوكِ لَهُمْ، فَيَسُوغُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَكْفِي لِلإِْنْفَاقِ عَلَيْهِمْ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ بَيْعُ وَصِيِّ الأْبِ أَوِ الْجَدِّ مَالَ نَفْسِهِ لِلْمُوصَى عَلَيْهِمْ، أَوْ شِرَاءُ مَالِ نَفْسِهِ لَهُمْ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ لِلْمُوصَى عَلَيْهِمْ، كَأَنْ يَبِيعَ الْعَقَارَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ، وَيَشْتَرِيَهُ مِنْهُمْ بِضِعْفِ قِيمَتِهِ، وَفِي غَيْرِ الْعَقَارِ: أَنْ يَبِيعَ لَهُمْ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ، وَيَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشَرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَهَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْمُفْتَى بِهِ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ رَأْيُ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ، وَمُحَمَّدٌ، وَأَبُو يُوسُفَ فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ: لاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَبِيعَ أَوْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُوصَى عَلَيْهِمْ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ وُفُورِ شَفَقَتِهِ، مِمَّا يَجْعَلُهُ يُؤْثِرُ مَصْلَحَةَ نَفْسِهِ عَلَى مَصْلَحَةِ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ؛ وَلأِنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي هَذَا التَّصَرُّفِ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْمُوصَى عَلَيْهِمْ، نَظَرَ الْحَاكِمُ فِيهِ، فَإِنْ وَجَدَ فِي شِرَائِهِ مَصْلَحَةً، بِأَنِ اشْتَرَى الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ أَمْضَاهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فِيهِ مَصْلَحَةً رَدَّهُ.
وَلِلْوَصِيِّ اقْتِضَاءُ الدَّيْنِ مِمَّنْ هُوَ عَلَيْهِ، وَلَهُ تَأْخِيرُ اقْتِضَاءِ الدَّيْنِ الْحَالِّ إِنْ كَانَ فِي تَأْخِيرِهِ مَصْلَحَةٌ.
ب - وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ لِمَنْ يَسْتَثْمِرُهُ اسْتِثْمَارًا شَرْعِيًّا، كَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُشَارَكَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُلِّ مَا لَهُمْ فِيهِ خَيْرٌ وَمَنْفَعَةٌ.
كَمَا أَنَّ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِالاِتِّجَارِ فِيهِ بِنَفْسِهِ، فِي نَظِيرِ جُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يُكْرَهُ لِلْوَصِيِّ اسْتِثْمَارُ مَالِ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ بِجُزْءٍ مِنَ الرِّبْحِ؛ لِئَلاَّ يُحَابِيَ نَفْسَهُ، فَإِنِ اسْتَثْمَرَهُ مَجَّانًا فَلاَ يُكْرَهُ، بَلْ هُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ. وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَتَى اتَّجَرَ الْوَصِيُّ فِي الْمَالِ بِنَفْسِهِ، فَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِلْيَتِيمِ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَاسْتِثْمَارُ مَالِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ وَاجِبٌ عَلَى الْوَصِيِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي تعالي الله عنه: ابْتَغُوا فِي أَمْوَالِ الْيَتَامَى، لاَ تَأْكُلْهَا الصَّدَقَةُ وَمَنْدُوبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ فِيهِ خَيْرًا وَنَفْعًا لأِصْحَابِ الْمَالِ، وَالشَّرْعُ يَحُثُّ عَلَى فِعْلِ مَا فِيهِ الْخَيْرُ لِلنَّاسِ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ، وَالأْمْرُ بِالاِتِّجَارِ فِي قَوْلِ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، كَمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ.
ج - وَلِلْوَصِيِّ الإْنْفَاقُ عَلَى الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ بِحَسَبِ قِلَّةِ الْمَالِ وَكَثْرَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ، فَلاَ يَضِيقُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ الْكَثِيرِ دُونَ نَفَقَةِ مِثْلِهِ، وَلاَ يُوَسِّعُ عَلَى صَاحِبِ الْمَالِ الْقَلِيلِ بِأَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ مِثْلِهِ.
وَلَهُ أَنْ يَدْفَعَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ النَّفَقَةِ إِلَيْهِمْ أَوْ إِلَى مَنْ يَكُونُونَ فِي حَضَانَتِهِ لِمُدَّةِ شَهْرٍ، إِذَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لاَ يُتْلِفُونَهُ، فَإِنْ خَافَ إِتْلاَفَهُ دَفَعَ إِلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَهُ يَوْمًا فَيَوْمًا.
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ لاَ يَضْمَنُ مَا أَنْفَقَهُ فِي الْمُصَاهَرَاتِ بَيْنَ الْيَتِيمِ وَالْيَتِيمَةِ وَغَيْرِهِمَا فِي خَلْعِ الْخَاطِبِ أَوِ الْخَطِيبَةِ، وَفِي الضِّيَافَاتِ الْمُعْتَادَةِ، وَالْهَدَايَا الْمَعْهُودَةِ، وَفِي الأْعْيَادِ - وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ - وَفِي اتِّخَاذِ ضِيَافَةٍ لِخَتْنِهِ لِلأْقَارِبِ وَالْجِيرَانِ، مَا لَمْ يُسْرِفْ فِيهِ، وَكَذَا لِمُؤَدِّبِهِ، وَمَنْ عِنْدَهُ مِنَ الصِّبْيَانِ، فَإِنْ أَسْرَفَ كَانَ ضَامِنًا لِمَا أَسْرَفَ فِيهِ.
كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى الْيَتِيمِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالأْدَبِ، إِنْ كَانَ أَهْلاً لِذَلِكَ، وَصَارَ الْوَصِيُّ مَأْجُورًا عَلَى تَصَرُّفِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلاً لِهَذَا التَّعَلُّمِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَكَلَّفَ فِي تَعْلِيمِهِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ فِي صَلاَتِهِ. وَفِي الْمُغْنِي: يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُلْحِقَ الصَّبِيَّ بِالْمَكْتَبِ لِيَتَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَالْكِتَابَةَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ حَاكِمٍ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي صِنَاعَةٍ، إِذَا كَانَتْ مَصْلَحَتُهُ فِي ذَلِكَ.
د - وَلِلْوَصِيِّ أَنْ يَحْتَالَ بِدَيْنِ مَنْ فِي وِصَايَتِهِ إِذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ أَمْلأََ مِنَ الْمَدِينِ الأْصْلِ يِّ، فَإِنْ كَانَ أَعْسَرَ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ؛ لأِنَّ وِلاَيَتَهُ مُقَيَّدَةٌ بِالنَّظَرِ، وَلَيْسَ مِنَ النَّظَرِ قَبُولُ الْحَوَالَةِ عَلَى الأْعْسَرِ.
هـ - وَلاَ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ أَنْ يَهَبَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِ، وَلاَ أَنْ يَتَصَدَّقَ، وَلاَ أَنْ يُوصِيَ بِشَيْءٍ مِنْهُ؛ لأِنَّ هَا مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الضَّارَّةِ ضَرَرًا مَحْضًا، فَلاَ يَمْلِكُهَا الْوَصِيُّ، وَلاَ الْوَلِيُّ وَلَوْ كَانَ أَبًا.
و - وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْرِضَ مَالَ الصَّغِيرِ وَنَحْوَهُ لِغَيْرِهِ، وَلاَ أَنْ يَقْتَرِضَهُ لِنَفْسِهِ؛ لِمَا فِي إِقْرَاضِهِ مِنْ تَعْطِيلِ الْمَالِ عَنِ الاِسْتِثْمَارِ، وَالْوَصِيُّ مَأْمُورٌ بِتَنْمِيَتِهِ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ. وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجُوزُ الإْقْرَاضُ بِلاَ ضَرُورَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الْقَاضِي. وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ عَدَمَ جَوَازِ الإْقْرَاضِ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ لِلْيَتِيمِ، فَمَتَى أَمْكَنَ الْوَصِيُّ التِّجَارَةَ بِهِ أَوْ تَحْصِيلَ عَقَارٍ لَهُ فِيهِ الْحَظُّ لَمْ يُقْرِضْهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ وَكَانَ فِي إِقْرَاضِهِ حَظٌّ لِلْيَتِيمِ جَازَ، كَأَنْ يَكُونَ لِلْيَتِيمِ مَالٌ مَثَلاً يُرِيدُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، فَيُقْرِضُهُ لِرَجُلٍ لِيَقْضِيَهُ بَدَلَهُ فِي الْبَلَدِ الآْخَرِ، يَقْصِدُ حِفْظَهُ مِنَ الْغَرَرِ فِي نَقْلِهِ، أَوْ يَخَافُ عَلَيْهِ الْهَلاَكَ مِنْ نَهْبٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، أَوْ يَكُونُ مِمَّا يُتْلَفُ بِتَطَاوُلِ مُدَّتِهِ، أَوْ يَكُونُ حَدِيثُهُ خَيْرًا مِنْ قَدِيمِهِ كَالْحِنْطَةِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَظٌّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ إِرْفَاقَ الْمُقْتَرِضِ وَقَضَاءَ حَاجَتِهِ، فَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ.
النَّاظِرُ عَلَى الْوَصِيِّ، وَمُهِمَّتُهُ:
15 - النَّاظِرُ عَلَى الْوَصِيِّ هُوَ الشَّخْصُ الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْمُوصِي أَوِ الْقَاضِي لِمُرَاقَبَةِ أَعْمَالِ الْوَصِيِّ وَتَصَرُّفَاتِهِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْوِصَايَةِ، دُونَ أَنْ يَشْتَرِكَ مَعَهُ فِي إِجْرَائِهَا، وَذَلِكَ لِضَمَانِ قِيَامِ الْوَصِيِّ بِعَمَلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الأْكْمَلِ. وَتَسْمِيَتُهُ بِهَذَا الاِسْمِ اصْطِلاَحُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَيُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ أَيْضًا وَالشَّافِعِيَّةُ: مُشْرِفًا، أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيُسَمُّونَهُ: أَمِينًا.
وَمُهِمَّةُ الْمُشْرِفِ أَنْ يُرَاقِبَ الْوَصِيَّ فِي إِدَارَةِ مَالِ الصِّغَارِ وَمَنْ فِي حُكْمِهِمْ، وَتَصَرُّفَاتُهُ فِيهِ. وَعَلَى الْوَصِيِّ أَنْ يُجِيبَ الْمُشْرِفَ إِلَى كُلِّ مَا يَطْلُبُهُ مِنْ إِيضَاحٍ عَنْ إِدَارَتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، كَيْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الْقِيَامِ بِمُهِمَّتِهِ الَّتِي عُيِّنَ مِنْ أَجْلِهَا، وَلَيْسَ لِلْمُشْرِفِ حَقُّ الاِشْتِرَاكِ فِي الإْدَارَةِ وَلاَ الاِنْفِرَادِ بِالتَّصَرُّفِ، وَإِذَا خَلاَ مَكَانُ الْوَصِيِّ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْعَى مَالَ الصَّغِيرِ وَيَحْفَظَهُ إِلَى أَنْ يُعَيَّنَ وَصِيٌّ جَدِيدٌ.
تَعَدُّدُ الأْوْصِيَاءِ:
16 - الإْيصَاءُ قَدْ يَكُونُ لِوَاحِدٍ، وَقَدْ يَكُونُ لأِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. فَإِذَا كَانَ الإْيصَاءُ لأِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ وَصَدَرَ الإْيصَاءُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، بِأَنْ قَالَ الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ وَفُلاَنٍ، وَقَبِلَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْوِصَايَةَ صَارَ وَصِيًّا، وَكَذَلِكَ إِذَا حَصَلَ الإْيصَاءُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ، بِأَنْ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ، ثُمَّ أَوْصَى إِلَى رَجُلٍ آخَرَ، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ وَصِيَّيْنِ، إِلاَّ إِذَا قَالَ الْمُوصِي: أَخْرَجْتُ الأْوَّلَ أَوْ عَزَلْتُهُ، أَمَّا إِذَا وُجِدَتِ الْوَصِيَّةُ إِلَيْهِمَا بِعَقْدَيْنِ مِنْ غَيْرِ عَزْلِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ وَصِيَّيْنِ، كَمَا لَوْ أَوْصَى إِلَيْهِمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً.
فَإِذَا تَعَدَّدَ الأْوْصِيَاءُ، وَحَدَّدَ الْمُوصِي لِكُلِّ وَاحِدٍ اخْتِصَاصَهُ، بِأَنْ عَهِدَ إِلَى أَحَدِ الأَوْصِيَاءِ الْقِيَامَ بِشُئُونِ الأْرَاضِي، وَإِلَى آخَرَ بِشُئُونِ الْمَتْجَرِ، أَوِ الْمَصْنَعِ، وَإِلَى ثَالِثٍ بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِهِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَكُونُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ مَا جُعِلَ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَوْصَى إِلَى وَصِيَّيْنِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا التَّصَرُّفَ مُنْفَرِدًا، بِأَنْ يَقُولَ: أَوْصَيْتُ إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا بِالنَّظَرِ فِي أَمْرِ أَطْفَالِي، وَلِكُلٍّ مِنْكُمَا أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ، كَانَ لِكُلِّ وَصِيٍّ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ؛ لأِنَّ الْمُوصِيَ جَعَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَصِيًّا مُنْفَرِدًا، وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَّةَ تَصَرُّفِهِ عَلَى الاِنْفِرَادِ.
أَمَّا لَوْ أَوْصَى إِلَى وَصِيَّيْنِ لِيَتَصَرَّفَا مُجْتَمِعَيْنِ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، فَلَوْ تَصَرَّفَ أَحَدُهُمَا بِدُونِ الآْخَرِ أَوْ تَوْكِيلٍ مِنْهُ كَانَ لَهُ رَدُّ تَصَرُّفِهِ؛ لأِنَّ الْمُوصِيَ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَرْضَ بِنَظَرِهِ وَحْدَهُ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الصُّورَةِ الأْولَى، وَهِيَ مَا إِذَا خَصَّصَ لِكُلِّ وَصِيٍّ عَمَلاً، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إِنَّ الْوِصَايَةَ لاَ تَتَخَصَّصُ بِالتَّخْصِيصِ مِنَ الْمُوصِي، بَلْ يَكُونُ الْوَصِيُّ وَصِيًّا فِيمَا يَمْلِكُهُ الْمُوصِي، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْكَلاَمِ عَلَى سُلْطَةِ الْوَصِيِّ.
وَإِذَا تَعَدَّدَ الأْوْصِيَاءُ، وَكَانَ الإْيصَاءُ مُطْلَقًا عَنِ التَّخْصِيصِ أَوِ التَّقْيِيدِ بِالاِنْفِرَادِ أَوِ الاِجْتِمَاعِ، بِأَنْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَيْكُمَا بِالنَّظَرِ فِي شُئُونِ أَطْفَالِي مَثَلاً، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ. فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ يَقُولاَنِ: لَيْسَ لأِحَدِ الْوَصِيَّيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، إِلاَّ أَنَّهُمَا اسْتَثْنَيَا مِنْ ذَلِكَ بَعْضَ التَّصَرُّفَاتِ، فَأَجَازَا لِكُلِّ وَاحِدٍ الاِنْفِرَادَ بِهَا لِلضَّرُورَةِ، لأِنَّ هَا تَصَرُّفَاتٌ عَاجِلَةٌ لاَ تَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ، أَوْ لأِنَّ هَا لاَزِمَةٌ لِحِفْظِ الْمَالِ، أَوْ لأِنَّ اجْتِمَاعَ الرَّأْيِ فِيهَا مُتَعَذَّرٌ، كَتَجْهِيزِ الْمَيِّتِ وَقَضَاءِ دَيْنِهِ، وَرَدِّ الْمَغْصُوبِ الْمُعَيَّنِ، وَرَدِّ الْوَدِيعَةِ وَتَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ الْمُعَيَّنَتَيْنِ، وَشِرَاءِ مَا لاَ بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَقَبُولِ الْهِبَةِ لَهُ، وَالْخُصُومَةِ عَنِ الْمَيِّتِ فِيمَا يُدْعَى لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَشُقُّ الاِجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، أَوْ يَضُرُّ تَأْخِيرُهُ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ قَرِيبٌ مِمَّا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَوْصَى إِلَى اثْنَيْنِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا الاِنْفِرَادَ بِالتَّصَرُّفِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ اجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ، وَهَذَا فِي أَمْرِ الأَْطْفَالِ وَأَمْوَالِهِمْ، وَتَفْرِقَةِ الْوَصَايَا غَيْرِ الْمُعَيَّنَةِ، وَقَضَاءُ دَيْنٍ لَيْسَ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ. وَأَمَّا رَدُّ الأْعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْوَدَائِعِ وَالأْعْيَانِ الْمُوصَى بِهَا وَقَضَاءُ دَيْنٍ فِي التَّرِكَةِ جِنْسُهُ، فَلأِحَدِ هِمَا الاِسْتِقْلاَلُ بِهِ.
وَحُجَّةُ أَصْحَابِ هَذَا الرَّأْيِ أَنَّ الْوِصَايَةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّفْوِيضِ مِنَ الْمُوصِي، فَيُرَاعَى وَصْفُ هَذَا التَّفْوِيضِ، وَهُوَ الاِجْتِمَاعُ؛ لأِنَّهُ وَصْفٌ مُفِيدٌ، إِذْ رَأْيُ الْوَاحِدِ لاَ يَكُونُ كَرَأْيِ الاِثْنَيْنِ، وَالْمُوصِي مَا رَضِيَ إِلاَّ بِرَأْيِهِمَا، بِدَلِيلِ اخْتِيَارِهِ لأِكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ دَلاَلَةً ظَاهِرَةً عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ اجْتِمَاعُ رَأْيِهِمَا وَاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ، حَتَّى تَكُونَ أَصْلَحَ وَأَنْفَعَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِهَا وَصِيٌّ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا جَازَ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمُسْتَثْنَاةِ لأِنَّ هَا ضَرُورِيَّاتٌ، وَالضَّرُورِيَّاتُ مُسْتَثْنَاةٌ دَائِمًا.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ لَيْسَ لأِحَدٍ الْوَصِيَّيْنِ الاِنْفِرَادُ بِالتَّصَرُّفِ، وَهَذَا فِي جَمِيعِ الأْشْيَاءِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا فَالْحَاكِمُ - كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ - يُقِيمُ أَمِينًا مَقَامَ الْغَائِبِ.
وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْمُوصِيَ قَدْ شَرَّكَ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ فِي النَّظَرِ، فَلَمْ يَكُنْ لأِحَدِ هِمَا الاِنْفِرَادُ فِي التَّصَرُّفِ، كَالْوَكِيلَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لأِحَدِ هِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ بِدُونِ الآْخَرِ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيَّانِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لِكُلٍّ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِالتَّصَرُّفِ فِي جَمِيعِ الأْشْيَاءِ، وَحُجَّتُهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ الْوِصَايَةَ مِنْ قَبِيلِ الْوِلاَيَةِ، وَهِيَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ لاَ يَتَجَزَّأُ، فَتَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنَ الْوَصِيِّينَ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، كَوِلاَيَةِ الإْنْكَاحِ إِلَى الأْخَوَيْنِ، فَإِنَّهَا تَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ، فَكَذَلِكَ الْوِصَايَةُ تَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ؛ لأِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وِلاَيَةٌ.
وَلَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يُجْعَلْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّصَرُّفُ مُنْفَرِدًا جَعَلَ الْقَاضِيَ مَكَانَهُ آخَرًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ الْوَصِيَّ لَمَّا أَوْصَى إِلَى الاِثْنَيْنِ لَمْ يَرْضَ بِنَظَرِ الْبَاقِي مِنْهُمَا وَحْدَهُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لَوْ مَاتَ أَحَدُ الْوَصِيَّيْنِ، وَلَمْ يُوصِ قَبْلَ مَوْتِهِ إِلَى صَاحِبِهِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِ، كَانَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَنْظُرَ فِيمَا فِيهِ الأْصْلَحُ، فَإِنْ رَأَى الأْصْلَحَ فِي إِبْقَاءِ الْحَيِّ مِنْهُمَا وَصِيًّا وَحْدَهُ لَمْ يَجْعَلْ مَعَهُ وَصِيًّا آخَرَ، وَإِنْ رَأَى الأْصْلَحَ فِي جَعْلِ غَيْرِهِ وَصِيًّا مَعَهُ جَعَلَ مَعَهُ غَيْرَهُ.
الأْجْرُ عَلَى الْوِصَايَةِ:
17 - يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْخُذَ أَجْرًا عَلَى نَظَرِهِ وَعَمَلِهِ؛ لأِنَّ الْوَصِيَّ كَالْوَكِيلِ، وَالْوَكِيلُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الأْجْرِ عَلَى عَمَلِهِ، فَكَذَلِكَ الْوَصِيُّ، بِهَذَا قَالَ الْحَنَابِلَةُ وَبِهِ أَيْضًا قَالَ الْمَالِكِيَّةُ، فَإِنَّهُمْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّ إِذَا طَلَبَ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ، فَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لَهُ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ بِقَدْرِ شُغْلِهِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَشِرَاءِ نَفَقَتِهِ. فَإِنْ تَوَرَّعَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ. كَمَا نَصُّوا عَلَى أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَفْرِضَ لِلْوَصِيِّ أُجْرَةً عَلَى نَظَرِهِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ سَدَادًا لِلأْيْتَامِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا كَانَ النَّاظِرُ فِي أَمْرِ الطِّفْلِ أَجْنَبِيًّا، فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ قَدْرَ أُجْرَةِ عَمَلِهِ، فَإِنْ أَخَذَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَ مَا أَخَذَهُ، وَلَوْ لِكِفَايَتِهِ، وَإِنْ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا، أَوْ أُمًّا - بِحُكْمِ الْوَصِيَّةِ لَهَا - فَلاَ يَأْخُذُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا إِنْ كَانَ غَنِيًّا، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَنَفَقَتُهُ عَلَى الطِّفْلِ، وَلَهُ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ مَالِهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنِ حَاكِمٍ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الْوَصِيَّ إِنْ كَانَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ فَلَيْسَ لَهُ أَجْرٌ عَلَى وَصِيَّتِهِ، وَإِنْ كَانَ وَصِيَّ الْقَاضِي، فَلِلْقَاضِي أَنْ يَجْعَلَ لَهُ أَجْرَ الْمِثْلِ عَلَى وَصِيَّتِهِ.
وَمَعَ هَذَا فَقَدْ أَجَازُوا لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ إِذَا كَانَ مُحْتَاجًا، وَيَرْكَبَ دَابَّتَهُ إِذَا ذَهَبَ فِي حَاجَتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ عِنْدِي يَتِيمًا عِنْدَهُ مَالٌ، وَلَيْسَ لِي مَالٌ، آكُلُ مِنْ مَالِهِ؟ قَالَ: كُلْ بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُسْرِفٍ».
انْتِهَاءُ الْوِصَايَةِ:
18 - تَنْتَهِي الْوِصَايَةُ بِأَحَدِ الأْمُورِ الآْتِيَةِ:
(1) مَوْتُ الْوَصِيِّ، أَوْ فَقْدُهُ لِشَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ، فَإِنْ مَاتَ الْوَصِيُّ، أَوْ فَقَدَ شَرْطًا مِنَ الشُّرُوطِ الْوَاجِبِ تَوَافُرُهَا لِصِحَّةِ الإْيصَاءِ، كَالإْسْلاَمِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِهِمَا انْتَهَتْ وِصَايَتُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ كَمَا تُعْتَبَرُ فِي الاِبْتِدَاءِ تُعْتَبَرُ فِي الدَّوَامِ وَالْبَقَاءِ.
(2) انْتِهَاءُ مُدَّةِ الْوِصَايَةِ، فَإِذَا أُقِّتَتِ الْوِصَايَةُ بِمُدَّةٍ، كَأَنْ قَالَ الْمُوصِي: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ، أَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إِلَى فُلاَنٍ مُدَّةَ غِيَابِ وَلَدِي فُلاَنٍ، أَوْ إِلَى أَنْ يَصِيرَ رَشِيدًا، فَإِذَا حَضَرَ أَوْ رَشَدَ فَهُوَ وَصِيِّي، فَإِنَّ الإْيصَاءَ يَنْتَهِي إِذَا حَضَرَ وَلَدُهُ، أَوْ صَارَ رَشِيدًا؛ لأِنَّ الإْيصَاءَ كَالإْمَارَةِ، وَالإْمَارَةُ يَصِحُّ تَوْقِيتُهَا وَتَعْلِيقُهَا عَلَى الشَّرْطِ، فَكَذَلِكَ الإْيصَاءُ ؛ وَلأِنَّ الإْيصَاءَ مُؤَقَّتٌ شَرْعًا بِبُلُوغِ الأْيْتَامِ أَوْ إِينَاسِ الرُّشْدِ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مُؤَقَّتًا بِالشَّرْطِ، وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا.
(3) عَزْلُ الْوَصِيِّ نَفْسَهُ، فَلَوْ عَزَلَ الْوَصِيُّ نَفْسَهُ بَعْدِ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِ الإْيصَاءِ، انْتَهَتْ وِصَايَتُهُ، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، فَإِنَّ الْوَصِيَّ لَيْسَ لَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ عَنِ الإْيصَاءِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبُولِهِ إِيَّاهُ إِلاَّ لِعُذْرٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَنْ ذَلِكَ فِي حُكْمِ الإْيصَاءِ.
(4) انْتِهَاءُ الْعَمَلِ الَّذِي عُهِدَ إِلَى الْوَصِيِّ الْقِيَامُ بِهِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَلُ هُوَ قَضَاءُ الدُّيُونِ الَّتِي عَلَى الْمَيِّتِ، أَوِ اقْتِضَاءُ دُيُونِهِ الَّتِي لَهُ عَلَى غَيْرِهِ، أَوْ تَوْزِيعُ وَصَايَاهُ عَلَى الْمُوصَى لَهُمْ بِهَا، انْتَهَتِ الْوِصَايَةُ بِدَفْعِ الدُّيُونِ إِلَى أَصْحَابِهَا، أَوْ بِأَخْذِهَا مِمَّنْ كَانَتْ عَلَيْهِمْ، أَوْ بِإِعْطَاءِ الْوَصَايَا لِمَنْ أَوْصَى لَهُمْ بِهَا. وَإِنْ كَانَ هَذَا الْعَمَلُ هُوَ النَّظَرُ فِي شُئُونِ الأْوْلاَدِ الصِّغَارِ وَأَمْوَالِهِمُ، انْتَهَتْ هَذِهِ الْوِصَايَةُ بِبُلُوغِ الصَّغِيرِ عَاقِلاً رَشِيدًا، بِحَيْثُ يُؤْتَمَنُ فِي إِدَارَةِ أَمْوَالِهِ، وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، وَلَمْ يُحَدِّدْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لِهَذَا الرُّشْدِ سِنًّا مُعَيَّنَةً يُحْكَمُ بِزَوَالِ الْوِصَايَةِ عَنِ الْقَاصِرِ مَتَى بَلَغَهَا، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى ظُهُورِهِ بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الاِخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، فَإِذَا دَلَّتِ التَّجْرِبَةُ عَلَى تَحَقُّقِ الرُّشْدِ حُكِمَ بِرُشْدِهِ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ).
وَإِذَا بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ وَكَانَ عَاقِلاً لاَ تَكْمُلُ أَهْلِيَّتُهُ، وَلاَ تَرْتَفِعُ الْوِلاَيَةُ أَوِ الْوِصَايَةُ عَنْهُ فِي مَالِهِ، بَلْ تَبْقَى أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : ( وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفًا وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فَإِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلِيَاءَ وَالأْوْصِيَاءَ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ إِلَى السُّفَهَاءِ، وَأَنَاطَ دَفْعَ الْمَالِ إِلَيْهِمْ بِحُصُولِ أَمْرَيْنِ: الْبُلُوغِ وَالرُّشْدِ. فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إِلَيْهِمْ بِالْبُلُوغِ، مَعَ عَدَمِ الرُّشْدِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا النَّصِّ وَلاَ فِي غَيْرِهِ تَحْدِيدٌ لِلرُّشْدِ بِسِنٍّ مُعَيَّنَةٍ، بَلْ هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى ظُهُورِهِ بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ عَنْ طَرِيقِ الاِخْتِبَارِ وَالتَّجْرِبَةِ، فَإِنْ دَلَّتْ عَلَى تَحَقُّقِ الرُّشْدِ كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَسُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَإِلاَّ بَقِيَتِ الْوِلاَيَةُ عَلَيْهِ، وَبَقِيَتْ أَمْوَالُهُ تَحْتَ يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ، كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الْبُلُوغِ مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ غَيْرَ رَشِيدٍ - وَكَانَ عَاقِلاً - كَمُلَتْ أَهْلِيَّتُهُ، وَارْتَفَعَتِ الْوِلاَيَةُ أَوِ الْوِصَايَةُ عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ تُسَلَّمُ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، بَلْ تَبْقَى فِي يَدِ وَلِيِّهِ أَوْ وَصِيِّهِ حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهُ بِالْفِعْلِ، أَوْ يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَ هَذِهِ السِّنَّ سُلِّمَتْ إِلَيْهِ أَمْوَالُهُ، وَلَوْ كَانَ مُبَذِّرًا لاَ يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ؛ لأِنَّ مَنْعَ الْمَالِ عَنْهُ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الاِحْتِيَاطِ وَالتَّأْدِيبِ، وَلَيْسَ عَلَى سَبِيلِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، وَالإْنْسَانُ بَعْدَ بُلُوغِ هَذِهِ السِّنِّ، وَصَلاَحِيَّتِهِ لأَنْ يَكُونَ جَدًّا، لاَ يَكُونُ أَهْلاً لِلتَّأْدِيبِ.
___________________________________________________________________
أورد المستشار/ أنور طلبه بحثاً قيماً في كتابه القيم "المطول في شرح القانون المدني" بشأن موضوع الحجر في الفقه الإسلامي، نوجز منه ما يلي:
الحجر عند الحنفية :
الحجر هو منع المحجور من التصرف ، ويراد به شرعاً المنع من نفاذ التصرف المحجور القولي ولزومه متي كان دائراً بين النفع والمضرة .
وأسباب الحجر عندهم ثلاثة ، الصغر والجنون والرق ، فالصغير والمجنون لا يهتديان إلي مصلحتهما من وراء التصرف ، فيجب شرعاً عدم نفاذه في حقهما إلا إذا تم ممن نصب عليهما كالأب أو القاضي . أما العبد فهو وماله ملك للمولي ، فينصب عليه .
والمجنون هو المغلوب علي عقله ، لا يفيق ولا يعقل ، فجنونه مطبق ، فإن لم كذلك ، بأن كان تنتابه فترات لا يعقل فيها تتخللها فترات تعقل ، فيسري عليه حكم الصبي المميز ، فلا تنفذ تصرفاته إن كان جنونه مطبقاً ، وتكون معلقة علي إجازة وليه إن لم يكن قد أذنه به فلا تلزم إجازته .
ويلحق بالمجنون الذي لا يفيق ، الصبي غير المأذون ، فلا تصح تصرفاتهما وإقرارهما وطلاقهما وعتاقهما ، وأن أتلفا شيئاً لزمهما لأن الضمان مقرر ولو مع انتفاء القصد كجناية النائم والحائط المائل ، بينما يلحق الصبي المميز بالسفيه إلا في خصال أربع هي في تصرف الوصي وفي العتق وفي تدبير العبد وفي الوصايا .
أما كل من السفيه وذي الغفلة فيحجر عليهما عند أبي يوسف ومحمد ويمنعان من التصرف في أموالهما ، لأن المكلف إذا بذر في أمواله وأنفقها علي خلاف الشرع والعقل كان سفيها فيحجر عليه ويمنع من أمواله . وان لم يهتد إلي البيانات الرابحة فيغبن في تصرفاته بسلامة قلبه فهو ذو غفلة فيحجر عليه ، لحمايتها من الباياعات ظاهرة الخسران ، وقد باع رسول الله صلي الله عليه وسلم علي معاذ ماله وقضي ديونه . ولم ير أبو حنيفة الحجر علي السفيه أو ذي الغفلة مخالفاً لأصحابه . واستند إلي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام بخصوص حيان بن منقذ وقال له اذا اتبعت فقل لا خلابه – خديعة – ولي الخيار ثلاثة أيام ، مما رأي معه الامام أن الحجر هنا يهدر الآدمية وهو ضرر أعلي لدفع ضرر أدنى هو اضاعة المال وفي رواية أخري أن الرسول أطلق عنه الحجر ، فإن كان السفه موجباً للحجر ما أطلق عنه الحجر كما استدل بآيات الكفارات من الظهار والقتل لوجوبها علي السفيه وغيره .
وإذ بلغ الصبي سن البلوغ وهو إثنتا عشر سنة في الرجل وتسع سنوات في المرأة ومنتهاه في كليهما خمس عشرة سنة ، وكان غير رشيد فلا تدفع إليه أمواله ويمنع من التصرف ما لم يتحقق رشده ، أو يجزه القاضي . فإذا بلغ الخامسة والعشرين ولم يؤنس رشده ، ففي المسألة قولان ، أولهما يسلم له ماله ويلزمه تصرفه إن كان قد تم قبل ذلك وهو قول أبي حنيفة ، وثانيهما وهو قول أبو يوسف ومحمد وجاء في المبسوط ترجيحاً له ، وقد أخذت به مجلة الأحكام العدلية في المادة 982 ، لا يدفع له ماله ولا يجوز تصرفه إلا بإجازة القاضي ، ويتحقق الرشد بالصلاحية في التصرفات المالية ولو كان فاسقاً .
أما سن التمييز فقدر بسبع سنين لقول الرسول عليه الصلاة والسلام مروهم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً . ابن عابدين جــ5 ص 92 والمبسوط جـ 20 ص 88 ، جــ 24 ص 156 " .
الحجر عند المالكية :
الحجر صفة حكمية يترتب علي ثبوتها المنع من نفاذ التصرف فيما جاوز ضروريات الحياة ويقتصر عدم النفاذ في التبرعات علي ما جاوز الثلث ، وترجع أسباب الحجر إلي الصبا والجنون والسفه والفلس والرق ، وهذا هو الحجر العام ، أما الحجر الخاص فينصرف إلي ما جاوز ثلث التركة وهو حجر المريض مرض الموت وحجر الزوجية .
وتثبت الولاية في الحجر العام للأب الرشيد ثم الوصي المختار الذي اختاره الأب ثم وصي الوصي المختار وذلك عندما يثبت الحجر قبل بلوغ الرشد، فإن لم يوجد أب أو طرأ الجنون أو السفه بعد الرشد ، كان القاضي ولي هؤلاء ، ولا ولاية إذن للجد أو الأخ أو العم إلا إذا أوصى الأب بذلك ، ولا ولاية للأم ولكن لها الحضانة .
أما في الحجر الخاص فيثبت الولاية علي المريض بورثته بالنسبة لتبرعه المنجز حال مرضه ، فتخرج بذلك الوصية لأنها غير منجزة وإنما مضافة إلي ما بعد الموت ، ويرد الحجر علي ما تجاوز الثلث ، فإن كان الباقي من المال يؤمن تغيره كعقار وأن يظل علي حاله إلي وقت القبض ، فإن التبرع إن كان في حدود الثلث ينفذ ، أما أن تجاوزه فينفذ في حدود الثلث ويعلق ما جاوزه ، فإن برئ من مرضه نفذ وإن مات رد للورثة . أما أن كان الباقي لا يؤمن تغيره كالعروض فهي معرضه للتلف والضياع ، وقف التبرع ، فإن برئ من مرضه نفذ كل تبرعه وان مات نفذ في حدود الثلث وفقاً للتقدير وقت القبض أي يوم التنفيذ .
وتثبت الولاية علي الزوجة لزوجها الرشيد ، فإن لم يكن كذلك فلوليه ، ذلك بالنسبة لتبرعها المنجز الزائد علي ثلث مالها ، وإذا ورد التبرع في حدود الثلث فليس لها ذلك مرة أخري إلا بعد إنقضاء عام هجري علي تبرعها السابق .
والحجر المقرر علي الزوجة لدرء مضره ، ولذلك إذا تبرعت بما يجاوز الثلث كان لزوجها أو وليه رد كل ما تبرعت به فلا ينفذ تبرعها في أي قدر ، أما ان تبرعت في حدود الثلث وقصدت به زوجها كان له رده .
هذا بالنسبة للتبرعات ، أما في المعاوضات كالبيع والايجار والمقايضة وغيرها ، ونفقة أبويها ، وتبرعها بالثلث دون أن تقصد مضرة زوجها ، فلا حجر عليها .
ويوجد قول في المذهب ، أن الزوج أو ليه لا يرد إلا ما جاوز الثلث وان كان التبرع في حدود الثلث وقصدت به مضرة زوجها فلا يحق له رده .
والرد هنا هو رد إيقاف لا رد إبطال ، ومفاد ذلك أن المال الذي رد إن بقي في يدها بعد الطلاق ، فيزول أثر الايقاف ، فينفذ في حقها ، ، خلافاً لرد الابطال ، فلا ينفذ .
تصرف الولي :
للأب التصرف في مال ابنه المحجور عليه سواء لنفسه أو لأجنبي دون حاجة لاذن القاضي مهما بلغت قيمة هذا المال وسواء كان الأب متبرعاً بالثمن الذي اشتري به المال لإبنه أو كان قد آل للابن عن طريق آخر ، ويحمل تصرف الأب علي تحقيق مصلحة الابن بأن يكون الثمن لا غبن فيه ان تم لأجنبي فإذا ثبت عكس ذلك تعين فسخ البيع ورد البيع فإن تعذر ذلك دفعت قيمته .
فإن ابتاع الوالد المال لنفسه ، فالراجع في المذهب افتراض أن البيع تم لمصلحة المحجور عليه حتي يثبت خلافه .
أما الوصي المختار أو وصية ، فيشترط لتصرفه في عقار المحجور عليه أن يقيم البينة علي أن التصرف تم كصفقة رابحة بتجاوز ثمنه ثلث ثمن مثله علي الأقل أو يكون فيه نفع كبير أو ان التصرف تم لدرء مضره من بقاء العقار أو لحاجه المحجور للانفاق أو لدفع ديونه .
وللقاضي ، بإعتباره ولياً للمحجور عليه ، أن يبيع أمواله سواء كانت عقار أو منقول إذا دعت الضرورة لذلك ، كحاجته لنفقة أو وفاء لديونه ، يشترط لذلك الاعلان عن البيع وألا يقل الثمن عن ثمن المثل .
وليس لكافل اليتيم التصرف في ماله إلا بإذن القاضي ، وإلا رد تصرفه ، وروي عن الأمام مالك أنه قال أن الكافل مثل الوصي ، وجري عرف البوادي ولدي بعض أهل الريف ، بأن ينصب كفيلاً علي اليتيتم أقرب الناس إليه كأخ أو جد أو عم ، فلا يتبعون نظام الايصاء .
تصرف الصبي والسفيه :
إذا كان تصرف الصبي أوالسفيه معاوضة كما في البيع والشراء ، كان لوليه إجازته أو رده وفقاً لما تحقق به مصلحة المحجور ، أم ان كان التصرف تبرعاً ، كالهبة أو يترتب عليه ضرر محض كإقرار بالدين أو تقرير لمسئوليته عن فعله ، وجب علي الولي رده . والرد هنا هو رد إبطال وليس رد إيقاف ومفاده أن المال محل التصرف إذا بقي في يد الصبي أو السفيه إلي ما بعد الحجر ،فإن تصرفه السابق لا يلزمه لأنه أبطل ولم يوقف .
فإن كان الصبي لا ولي له ، كان له رده اذا بلغ رشيداً علي ما قال به ابن رشد وقال غيره ليس له رده وإنما يلزمه ، فإن مات قبل بلوغه انتقل حقه في الرد لورثته وقال البعض لا ينتقل .
وبالنسبة للسفيه الذي لا ولي له ، إذا رفع الحجر عنه ، قال مالك وبعض أصحابه ، يلزمه تصرفه ولا يجوز له الرد ، وقال ابن القاسم أن تصرفه لا يلزمه وله رده .
رفع الحجر :
ترفع ولاية الأب عن محجوره متي علم بلوغ الأخير رشده دون حاجة إلي فك الحجر إذ يكفي زوال سببه ، خلافاً لمحجور الوصي فإنه لا يخرج من الحجر بمجرد بلوغه رشيداً وإنما يلزم فك حجره من الوصي دون حاجة لإذن القاضي وهو أحد قولين في المذهب ، ويذهب القول الآخر إلي أن محجور الوصي كمحجور الأب يفك حجره متي علم ببلوغه ورشده دون حاجة إلي فك حجره من وصيه ، والمشهور في المذهب المساواة بين الذكر والأنثي ، وهناك قول للامام مالك بأن الأنثي لا تخرج من الحجر الا بالبلوغ والرشد ودخول الزوج بها ويثبت رشدها بالبينة .
وعن سن البلوغ ، فالمشهور أنه ثمان عشرة سنة كاملة ، وهناك أقوال أخري بإعتباره تسع عشرة سنة ، وقيل سبع عشرة ، وقيل ستة عشرة سنة ، ويتحقق الرشد بعد البلوغ يدل عليه حفظ المال وحسن التصرف فيه .
الحجر عند الشفاعية :
يراد بالحجر ، المنع من التصرفات المالية لمصلحة المحجور وهو الصبي والمجنون والسفيه ، أو لمصلحة الغير كدائن المفلس والمرتهن ، والمجنون هو المغلوب علي عقله المظطربة أفعالة ولا يفيق ، والسفيه هو من يبذر ماله ويضيعه بغبن فاحش ، ولا يعد سفيهاً من ينفق ماله في وجوه الخير أوفيما لا يتناسب مع حالته كالاسراف في المطاعم والملابس ، لأن المال وسيلة لينتفع به ويتلذذ ، وكان الحجر علي السفيه لقوله تعالي : ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " أي أموالهم " لقوله تعالي : وارزقوهم فيها وجاء في المبسوط أن المراد أموال المخاطبين بالآية لا أموال السفهاء " جــ24 ص 161 " . وذو الغفلة هو من لا يهتدي إلي التصرفات المفيدة لسلامة قلبه فيغبن فيها وهذا لا يحجر عليه ، واستند الشافعية إلي حديث الرسول صلي الله عليه وسلم في صبان بن منقذ بن عمرو وكان يغبن فقال له ان كنت غير تارك فبايع وقل لا خلابة – خديعة – ولي الخيار ثلاثاً . ويتفق الشافعية هنا بالنسبة لعدم الحجر علي ذي الغفلة مع رأي أبي حنيفة وهو ما أخذت به مجلة الأحكام العدلية إذ أسقطت ذا الغفلة في مواد الحجر " أنظر المواد 957 – 959 " .
وجاء في المبسوط أن الفاسق عند الشافعي يحجر عليه علي سبيل الزجر والعقوبة ولهذا لم يجعل الفاسق أهلاً للولاية ، وعند باقي الأئمة لا يحجر عليه وهو أهل للولاية علي نفسه وعلي غيره إذا وجد شرط تعدي ولايته لغيره ، فالفاسق هو المفسد في دينه ولو كان مصلحاً في ماله " جـ 24 ص 157 " وجاء في المادة 963 من المجلة من المجلة أنه لا يحجر علي الفاسق بمجرد سبب فسقه مالم يبذر ويسرف في ماله ، وبذلك قصرت الحجر علي السفيه في حالة الفاسق .
والحجر لمصلحة الغير يكون علي المفلس لحق الغرماء ، وعلي الراهن في العين المرهونة للدائن المرتهن ، وعلي المريض مرض الموت لحق الورثة فيما جاوز ثلث امواله ان لم يوجد دين ، وعلي المرتد لحق المسلمين .
ويستمر الحجر إذا بلغ الصبي غير رشيد ، يكون سبب الحجر في هذه الحالة ليس الصغير إنما الجنون أوالسفه أو إختلال صلاح الدين ، ومن كان وليا عليه يظل كذلك .
فالرشد عند الشافعية يثبت بصلاح الدين والمال ولذلك يتعين أختباره قبل بلوغه مرتين فأكثر ، والقول حينئذ لوليه ، فإن قال بان الصبي بلغ غير رشيد صدق فلا ينفك الحجر إلا بإختبار رشده .
وصلاح الدين يثبت بألا يفعل محرماً يبطل العدالة من كبيرة أو إصرار علي صغيرة ويكون ملتزماً في العبادات متجنباً المحظورات وتلك محل اختباره في أمر صلاح الدين ، أما في المعاملات فيختبرالولد في مهنة أبيه والمرأة في صون الطعام وحفظ المؤوتة .
أما إن بلغ الصبي رشيداً ، أنفك عنه الحجر دون حاجة لأمر القاضي ويسلم له ماله ، ويتحقق البلوغ بالأمناء من ذكر أو أنثي ، في نوم أويقظة ، وإحتماله باستكمال تسع سنين قمرية ويزاد الحيض لأنثي ، أما غير المسلم فيستدل علي البلوغ بظهور شعر العانة الخشن ، ويحصل حكماً ببلوغ خمس عشرة سنة قمرية فقد روي إبن عمرو أنه قال عرضت علي النبي صلي الله عليه وسلم يوم واحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم بلغت وعرضت عليه يوم الخندق وأنا إبن خمس عشرة سنة فأجازني ورآني بلغت .
أما المجنون ، فتسلب منه الولايات فلا ولاية له فيما ثبت له شرعاً كولاية النكاح والقضاء ، ولا يعتد بقوله ، لفإن قال أسلمت وكان ذمياً فلا يثبت اسلامه ، ولا يؤخذ باقراره في المعاملات لإنتفاء قصده . أما أفعاله فتلتزمه كاتلافه مال غيره واحباله والتزامه المهر بوطئه والتحريم علي إرضاعه وغيرها .
ثبت الولاية علي الصغير لأبية ثم لجده الصحيح وإن علا ثم لوصي من تأخر موته متأخراً عن موت الأب ، فينصب وصي الجد دون وصي الأب ، فإن لم يجد أحد من هؤلاء ، كان القاضي ولي من لاولي له ، والأصل أن يباشر القاضي بنفسه شئون الصغير ، ولكن له أن يعين أمنياً ينوب عنه .
والقاعدة الشرعية " أن لا ولاية لذمي علي مسلم " فلا تثبت الولاية علي الصغير المسلم لأبيه غير المسلم ، فإن كانا غير مسلمين فتثبت ولاية المال للقاضي المسلم لما تتطلبه من أمانة هي في المسلم أظهر ، أما الولاية علي النفس ومنها ولاية النكاح فتتطلب الموالاة وهي في غير المسلم أظهر .
ولا ولاية للأم في الراجح ، وقول آخر أن لها الولاية بعد الأب والجد وتقدم علي وصيهما ، أما سائر العصبات كالأخ والعم فلا ولاية لهم .
ويسري الترتيب المتقدم بالنسبة لولي المجنون سواء بلغ رشيد أو بلغ رشيداً ثم طرأ عليه الجنون .
فإن بلغ الصبي غير رشيد لسفه خضع لذات الترتيب ، أما إن طرأ عليه السفه بعد أن بلغ رشيداً ، حجر عليه القاضي لزوال ولاية الصغر ، وروي عن الشافعي أن القاضي ينيب فيه الأب أوالجد ، ولكن لا يفك الحجر إلا بامر القاضي ، وقيل بالمساواة بين السفيه والمجنون في السفه الطارئ فيكون وليه هو من كانت له الولاية في الصغر .
تصرف الولي :
يتقيد الولي في تصرفه في مال المحجور بمصلحته لقوله تعالي " ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن " وقوله تعالي " وإن تخالطوهم فاخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح " مما يوجب علي الولي ألا يشتري بمال المحجور شيئاً يسرع اليه التلف ولا أن يضارب بهذا المال ولو كان هناك احتمال للربح لأن الخسارة محتملة كذلك ، وله أن يبيع بثمن المثل ، فإن تمهل انتظاراً لربح أكبر فتلف المال في يده فلا يضمن ، وان خاف خراب العقار أو كانت غلته غير كافية للانفاق ولم يجد من يقرضه ، أو خاف فوات فرصة تمكنه من بيعه بما يجاوز ثمن مثله ، حق له بيعه ، وإذاباع مال المحجور بالنسيئة تعين عليه أن يشهد وأن يرتهن بالثمن ما يضمن به الحق وإلا ضمن والراجح رد البيع ، والرد هنا هو رد ابطال وليس رد إيقاف ، ومفاد ذلك أنه في حالة فك الحجز لا يكون البيع لازماً للمحجور إن كان المبيع لم يزل في يده .
وأجاز الشافعية للولي أن يخرب بعض المال حفاظاً علي أغلبه واستدلوا علي ذلك بخرق سيدنا الخضر لسفينة اليتامي .
وليس للولي اقراض مال المحجور الا لضرورة ، وللقاضي هذا الحق اطلاقاً .
تصرف الوصي :
إن كان للأب والجد بيع مال المحجور فلا يلزمها الارتهان ولا إثبات مصلحته لأنهما غير متهمين ، ولكن يلزمها اقامة البينة بعدالتهما ، أما الوصي فيجب اقامة البينة بالمصلحة وبالعدالة وليس له شراء المحجور لمظنة التهمة .
الحجر عند الحنابلة :
الحجر لغة هو التضييق والمنع ، أما شرعاً فهو منع المالك من التصرف في ماله ، وهو إما أن يكون لمصلحة المحجور عليه ، كما في الحجر للصغر أو لجنون أو سفه ، واما أن يكون لمصلحة الغير ، كما في الحجر علي المفلس والمدين الراهن والمريض مرض الموت فيما جاوز ثلث ماله والمرتد لأن تركته حق للمسلمين .
الحجر علي الصغير والسفيه والمجنون :
يحجر علي الصغير فيمنع من التصرف في ماله أو ذمته إلا إذن له وليه لقول الله سبحانه وتعالي " وابتلوا اليتامي حتي اذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم "
كما يحجر علي السفيه لقوله سبحانه وتعالي " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم " وقيل أن المراد أموال السفهاء إلا أنها أضيفت إلي " الأولياء " لأنهم القائمون عليها المدربون لها ، وجاء في المبسوط أن المراد أموال الخاطبين بالآية .
أما المجنون فيحجر عليه لأن حكم الصغير والسفيه يتعدي اليه من باب أولي . ويثبت الحجر علي هؤلاء بتحقيق سببه دون حاجة إلي حكم ، فيثبت الحجر علي الصغير فور ولادته إلي يوم بلوغه رشيداً ، فإن بلغها سفيهاً أو مجنوناً استمرت الولاية وتبعها الحجر دون حاجة لحكم بهذا الاستمرار ، وأيضاً اذا بلغ الصغير رشيداً ، فإن بلغها سفيهاً أو مجنوناً استمرت الولاية وتبعها الحجر دون حاجة لحكم بهذا الاستمرار ، وأيضاً اذا بلغ الصغير رشيداً ، أنفك عنه الحجر بدون حكم لأنه لم يثبت بحكم .
وتكون الولاية للأب ثم لوصيه ثم للقاضي ، ويشترط في الوصي ما يشترط في الولي ، فإن افتقد شروط الولاية انتقلت للقاضي الذي له أن ينيب عنه أميناً .
أما إن بلغ رشيداً ثم طرأ عليه السفه أو الجنون فلا يحجز عليه ولا يفك حجره إلا بحكم لما يتطلبه الأمر من اجتهاد ، وتكون الولاية للقاضي ويحسن أن يشهر الحجر لتجنب معاملتهما . ويجوز الحجر لعته الشيخوخة لإتحاد العلة .
سن الرشد :
يثبت بلوغ الصغير بأحد أمور ثلاثة : (1) نزول المني سواء في اليقظة أو بجماع أو غيره ، أو في المنام بإحتلام ، لقوله تعالي " وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا " " (2) بلوغ الصغير خمس عشرة سنة قمرية كاملة لما روي عن ابن عمر " أوردنا الحديث فيما تقدم بالمذهب الشافعي" " (3) ظهور الشعر الخشن حول القبل ، واستدل الحنابلة علي ذلك من آن سعد بن معاذ لما حكم فى بنى قريظة ، حكم بقتل مقاتليهم وسبى ذراريهم ، وآمر آن يكشف عن مؤتزرهم فمن أنبت فهو من المقاتله ومن لم ينبت فهو من الذرية ، ولما بلغ ذلك رسول الله صلي الله عليه وسلم: لقد حكم بحكم الله من فوق سبعة آرقعة.
آما بلوغ الصغيرة ، فيثبت بأحد خمس أمور، تشترك مع الصغير في الثلاثة المتقدمة ، ويضاف اليها أمران :
(1) الحيض. (2)الحمل ، فإن وضعت ثبت بلوغها قبل الوضع بستة أشهر وهي أقصر مدة للحمل .
فإذا قرر الصغير – أو الصغيرة – أنه بلغ رشيداً وشهد بذلك شاهداه ، ثبت رشده رغم إنكار وليه ، أما أن لم يقم الصغير البينة علي رشده ، كان له علي وليه اليمين بأنه لا يعلم رشده ،فإن حلفها ظل أما إن نكل عنها ، ثبت الرشد .
تصرف الصبي المميز :
قال الله سبحانه وتعالى " وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فان أنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم "، فالأصل ان الصغير لا يجوز له التصرف الا بعد بلوغه رشيدا ، ولكن ابتلاء الصغير الذي لم يبلغ ، يكون باحتباره للوقوف على مدى رشده ويتحقق ذلك بإسناد تصرف معين يقوم به الصغير بما يتفق وظروفه ، فإن كان أبوه تاجراً ، عهد اليه بعمل تجاري من بيع وشراء فإن نأي عن الغبن الفاحش دل علي إيناس رشده ، ويتعين أن يتكرر الاختبار . فإن غلب علي تصرفاته ًيناس الرشد ، تعين أن يدفع له الولي أمواله عند بلوغه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة 53 )
يخفع فاقدو الأهلية وناقصوها بحسب الأحوال لأحكام الولاية أو الوصاية أو القوامة بالشروط ووفقاً للقواعد المقررة في القانون .
تطابق هذا النص المادة 47 من التقنين الحالي .