loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1 ـ إن المقرر فى قضاء هذه المحكمة - محكمة النقض - أن مناط الارتباط فى حكم المادة 32/2 من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة ولم يقض بالبراءة فى إحداها أو سقوطها أو انقضائها أو الحكم على إحداها بحكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب ، لأن تماسك الجريمة المرتبطة وانضامهما بقوة الارتباط القانوني إلى الجريمة المقررة لها أشد العقاب لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدى المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتاً ونفياً - ولازم ذلك ومقتضاه - أن شرط انطباق إعمال المادة 32 من قانون العقوبات القضاء بعقوبة بمفهومها القانوني للجريمة الأشد - فإذا قضى الحكم بغير العقوبة فى الجريمة الأشد ينفك الارتباط الذى هو رهن بالقضاء بالعقوبة فى الجريمة الأشد ، ومن ثم فإنه لا محل لإعمالالمادة 32 من قانون العقوبات عند القضاء بالبراءة فى خصوص الجريمة الأشد، وبالتالي ينفك الارتباط بما مؤداه وجوب الفصل فى باقي التهم ثبوتاً أو نفياً . لما كان ذلك ، وكان البيِّن من المفردات المضمومة أن المحكمة العسكرية العليا كانت قد قضت بتاريخ 16/5/2011 ببراءة الطاعنين مما نسب إليهما الاتهامين السادس والسابع بقرار الإحالة - وهما إحراز كل منهما لسلاح ناري مششخن " بندقية آلية " وذخائر مما لا يجوز الترخيص به ، وقضت بإدانتهما عن باقي التهم المسندة إليهم ، وقم تم التصديق على ذلك الحكم ، ومن ثم أصبح نهائياً سيما وأنه لم يُطعن على حكم البراءة بأي طعن من النيابة العسكرية ، وإذ طعن المحكوم عليهما على ذلك الحكم أمام المحكمة العليا للطعون والتي قضت بنقض الحكم والإحالة ، وأعيد محاكمة المحكوم عليهما أمام المحكمة العسكرية العليا ونظرت الدعوى من خلال ما أسند إليهما من اتهامات - عدا تهمتي إحراز سلاح ناري مششخن وذخيرة - لسبق القضاء ببراءتهما منهما - وقضت بإدانتهما - فطعنا عليه للمرة الثانية أمام المحكمة العليا للطعون التي قضت بنقض الحكم وبعدم اختصاص القضاء العسكري ولائياً بنظر الدعوى ، وإذ أحيلت القضية بعد ذلك إلى محكمة جنايات .... وأسند إلى المتهمين جميع التهم السابق إسنادها إليهما أمام المحكمة العسكرية العليا ومن بينهما جريمتي إحراز سلاح ناري مششخن وذخائر - السابق صدور حكم ببراءتهما منهما - وقد حاز حجية الأمر المقضي ، فما كان يجوز إعادة محاكمة الطاعنين عن هاتين الجريمتين مرة أخرى ، إلَّا أنه ولما كان البيِّن من الحكم المطعون فيه أنه قد قضى بإدانة الطاعنين بعقوبة السجن المشدد لمدة ثلاث سنوات لما أسند إليهم ، وكانت هذه العقوبة مقررة للجريمة الأولى وهى الإتلاف العمدى لخطوط الكهرباء ، فإن ما يثيره الطاعنين فى هذا الخصوص يكون غير سديد .

(الطعن رقم 26646 لسنة 85 ق - جلسة 2018/04/22)

2 ـ لما كان الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت فى حق الطاعن اقترافه جرائم الاحتجاز دون وجه حق المقترن بتعذيبات بدنية وإحراز سلاح ناري غير مششخن وذخائر بغير ترخيص وإطلاق أعيرة نارية داخل المدن وأعمل حكم المادة 32 من قانون العقوبات لارتباط الجرائم ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة وجرى منطوقه خطأ بتغريم الطاعن مبلغ ألف جنيه فإنه يتعين انزالاً لحكم القانون على وجهه الصحيح تصحيح الحكم فيما قضى به من عقوبة الغرامة اكتفاء بالعقوبة المقررة للجريمة الأشد وهى الأولى وذلك عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 وتصحيح الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه فى أسباب الطعن .

(الطعن رقم 5816 لسنة 87 ق - جلسة 2017/10/14)

3 ـ لما كان مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها المشرع بالحكم الوارد بالفقرة المشار إليها ، وكان الأصل أن تقدير قيام الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ، وكانت الوقائع كما أثبتها الحكم تفيد أن ما وقع من الطاعنين بشأن جريمة الالتحاق بجماعة إرهابية مقرها خارج البلد لم يكن وليد نشاط إجرامي واحد مع سائر الجرائم التي دينوا بها ، مما لا يتحقق به الارتباط الذى لا يقبل التجزئة بين جريمة الالتحاق بجماعة إرهابية مقرها خارج البلد وسائر الجرائم التي دينوا بها ، فإن الحكم المطعون فيه إذ أوقع عليهم عقوبة مستقلة عن جريمة الالتحاق بجماعة إرهابية مقرها خارج البلد لا يكون قد خالف القانون فى شيء .

(الطعن رقم 33442 لسنة 86 ق - جلسة 2017/07/31)

4 ـ لما كان تقدير قيام الارتباط المنصوص عليه فى المادة 32 من قانون العقوبات متعلقاً بموضوع الدعوى ، وكان لمحكمة الجنايات إذا ما أحيلت إليها جنحة مع جناية للفصل فيهما معاً حق فصل الجناية عن الجنحة متى لم يكن بينهما ارتباط ، فإن قضاء المحكمة بعدم اختصاصها بجنحة إحراز الطاعن لسلاح أبيض بغير ترخيص بعدما رأت عدم ارتباطها بجناية السرقة بالإكراه باستخدام سلاح ناري لا مخالفة فيه للقانون ، ولا تجوز إثارة الجدل فيه أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 33760 لسنة 83 ق - جلسة 2016/01/10)

5- لما كانت المادة 32 من قانون العقوبات إذ نصت في فقرتها الأولى على أنه " إذا كوَّن ‏الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها " ، فقد دلت ‏بصريح عباراتها على أنه في الحالة التى يكوِّن فيها الفعل الواحد عدة أوصاف يجب اعتبار الجريمة التي ‏تمخض عنها الوصف أو التكييف القانوني الأشد للفعل والحكم بعقوبتها وحدها دون غيرها من الجرائم التي ‏قد تتمخض عنها الأوصاف الأخف والتي لا قيام لها البتة مع قيام الجريمة ذات الوصف الأشد ؛ إذ يعتبر ‏الجاني كأن لم يرتكب غير هذه الجريمة الأخيرة ، وذلك على خلاف حالة التعدد الحقيقي للجرائم المرتبطة ‏ببعضها ببعض بحيث لا تقبل التجزئة التي اختصت بها الفقرة الثانية من المادة 32 سالفة الذكر ، إذ لا ‏أثر لاستبعاد العقوبات الأصلية للجرائم الأخف في وجوب الحكم بالعقوبات التكميلية المتعلقة بهذه الجرائم ‏؛ ضرورة ذلك أن العقوبات التكميلية إنما تتعلق بطبيعة الجريمة ذاتها لا بعقوبتها ، كما أن الأصل ‏أن العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ببعضها ارتباطاً لا يقبل التجزئة تَجُب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم ، دون أن يمتد هذا الجب إلى العقوبات التكميلية التي تحمل في طياتها فكرة رد الشيء إلى أصله أو التعويض المدني للخزانة أو كانت ذات طبيعة وقائية كالمصادرة ومراقبة البوليس والتي هي في واقع أمرها عقوبات نوعية مراعى فيها طبيعة الجريمة ، ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما يرتبط بتلك الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد . لما كان ذلك ، وكان مما يصدق عليه هذا النظر عقوبة وضع المتهم تحت مراقبة الشرطة ، فإن الحكم المطعون فيه إذ التزم هذا النظر وقضى بوضع الطاعن الأول تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية للعقوبة كعقوبة تكميلية لعقوبة الجريمة الأشد التي ارتبطت بها جريمة استعراض القوة أمام شخص أو التلويح له بالعنف أو بتهديده باستخدام القوة أو العنف ..... إلخ المشار إليها في نص المادة 375 مكرر أ عقوبات في فقرتها الأخيرة والتي حددت للجريمة المذكورة الوضع تحت مراقبة الشرطة مدة لا تقل عن سنة ولا تجاوز خمس سنوات ، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن الأول بوضعه تحت مراقبة الشرطة مدة مساوية لمدة العقوبة المقضي بها وهي السجن المؤبد ، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ويتعين معه نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه بوضع المحكوم عليه المذكور تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات عملاً بالحق المخوَّل لها بالفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 .

 ( الطعن رقم 18344 لسنة 83 ق - جلسة 2014/11/8 )

6 ـ إن المقرر أن المفاضلة بين تطبيق قانون خاص وقانون عام إنما تكون عند وحدة الفعل المنصوص عليه فى كل منهما وحدة تشتمل كل عناصر هذا الفعل وأركانه أما إذا كان الفعل المنصوص عليه فى احدهما يختلف عن الفعل الذى ينص عليه الآخر فإن المزاحمة بينهما تمتنع ويمتنع بالتبع الإشكال فى تطبيقهما لانطباق كل من القانونين على الواقعة المنصوص عليها فيه . ولما كان كل من القانون رقم 127 لسنة 1955 المعدل ، ورقم 182 لسنة 1960 المعدل يعالج واقعة مستقلة عن الأخرى ، كما لا يوجد بين القانونين وحدة فى الواقعة التي يعالجها كل منهما ، وذلك لا يمنع بالبداهة أن يكون الفعل الواحد مكوناً احياناً للجريمة المنصوص عليها فى كل منهما وفى هذه الحالة يوجد التعدد المعنوي المنصوص عليه فى المادة 32 من قانون العقوبات وعندئذ يجب توقيع العقوبة الأشد وهى المنصوص عليها فى القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل ، وإذ كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بهذا النظر بتطبيق المادة 32 من قانون العقوبات فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.

 (الطعن رقم 14027 لسنة 83 ق - جلسة 2014/10/14)

7ـ لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه اعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة وعاقبه بالعقوبة المقررة لأشدها ، ومن ثم فلا مصلحة فيما يثيره الطاعن بشأن جريمة إحراز سلاح أبيض ما دامت المحكمة قد دانته بجريمة السرقة بالإكراه وأوقعت عليه عقوبتها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات بوصفها الأشد .

 (الطعن رقم 24118 لسنة 83 ق - جلسة 2014/06/07 س 65 )

8 ـ لمَّا كَان الحُكم المطعون فيه قد دان الطاعنين بجريمة السرقة بإكراه وإحراز سلاح أبيض ، وأعمل نص المادة 32 من قانون العقوبات لارتباط الجريمتين ببعضهما ارتباطاً لا يقبل التجزئة ، إلا أنه قد جرى منطوقه خطأ بتغريم كُل طاعن مبلغ مائتي جُنيه عن الجريمة الأخيرة ، فإنه إذ قضى بتلك العقوبة يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون - كسابقه - مما كَان يَتعيَّن معه نقضه نقضاً جُزئياً وتصحيحه بإلغائها إلا أنه نظراً لِمَا سبق وانتهت إليه المحكمة من نقض الحُكم المطعون فيه والإعادة ، فإنها لا تملك التَعرُّض لِمَا أنزله من عقوبة الغرامة ، إذ ليس بوسعها أن تصحح منطوق حُكم قَضت بنقضه ، بل على محكمة الموضوع عند إعادة الدعوى إليها ألا تقضي بتلك العقوبة ، إذا رأت أن تدين الطاعنين .

(الطعن رقم 22147 لسنة 83 ق - جلسة 2014/05/14 س 65 )

9 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد خلص إلى إدانة المطعون ضده بجريمتي إحراز سلاح ناري مششخن " بندقية آلية " مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه وذخائر مما تستعمل على ذلك السلاح وعاقبه بالمواد 1/1 ، 6 ، 26 ، 30/1 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل والبند ب من القسم الأول من الجدول رقم 3 الملحق والمادة 32 من قانون العقوبات ثم أوقع الحكم على المطعون ضده عقوبتي السجن المشدد لمدة ثلاث سنوات والغرامة التي قدرها خمسة آلاف جنيه والمصادرة . لما كان ذلك ، وكان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن عقوبة الغرامة المقررة فى الفقرة الخامسة من المادة 26 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 26 لسنة 1978 ، 165 لسنة 1981 لجريمة إحراز الذخيرة - وهي الجريمة الأخف - ولو أنها تعد عقوبة مكملة للعقوبة المقيدة للحرية المنصوص عليها فى تلك الفقرة ، إلا أنها لما كانت طبيعة هذه الغرامة لها صبغة عقابية بحتة ، بمعنى أنها لا تعد من قبيل الغرامة النسبية التي أساسها فى الواقع الصحيح فكرة التعويض المختلط بفكرة الجزاء وتتنافر مع العقوبات التكميلية ذات الطبيعة الوقائية والتي تخرج عن نطاق قاعدة الجب المقررة لعقوبة الجريمة الأشد ، فإنه كان يتعين إدماج تلك الغرامة فى عقوبة هذه الجريمة الأشد وعدم الحكم بها بالإضافة إليها . لما كان ما تقدم ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بتوقيع الغرامة المقررة لجريمة إحراز الذخيرة بدون ترخيص وهي الجريمة الأخف بعد أن قضى بتوقيع العقوبة المقررة لجريمة إحراز سلاح نارى مششخن مما لا يجوز الترخيص بحيازته أو إحرازه وهي الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات ، يكون قد خالف القانون مما يتعين معه قبول الطعن وتصحيح الحكم المطعون فيه بإلغاء عقوبة الغرامة المقضي بها ورفض الطعن فيما عدا ذلك .

(الطعن رقم 3075 لسنة 83 ق - جلسة 2014/04/07 س 65 )

10 ـ من المقرر أنه لا مصلحه للطاعن فى النعى على الحكم بأوجه تتصل بجريمة التزوير ، مادامت المحكمة قد طبقت على الطاعن المادة 32 من قانون العقوبات وقضت بمعاقبته بالعقوبة الأشد وهى المقررة لجريمة الاختلاس التى أثبتتها فى حقه ، مجردة من الظرف المشدد الخاص بارتباطها بجريمة تزوير محرر واستعماله .

(الطعن رقم 24987 لسنة 74 ق - جلسة 2005/01/06 س 56 ص 61 ق 8)

11 ـ من المقرر أن مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد فى الفقرة المشار إليها سالفاً ، وأن تقدير توافر الارتباط بين الجرائم هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بلا معقب ، متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذى يحصله الحكم تتفق قانوناً مع ما انتهى إليه – كحال الحكم المطعون فيه - هذا فضلاً ، عن أن الأصل أن الارتباط بين الجرائم من المسائل الموضوعية التى تدخل فى تقدير وقائع الدعوى فلا تسوغ إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض ، وإذ لم يدفع الطاعن أمام محكمة الموضوع بعدم توافر الارتباط بين الجرائم المسندة إليه ، فلا يجوز له أن يثير هذا الدفع لأول مرة أمام محكمة النقض لكونه يحتاج إلى تحقيق موضوعى يخرج عن وظيفتها .

(الطعن رقم 15810 لسنة 74 ق - جلسة 2004/12/21 س 55 ع 1 ص 868 ق 128)

12 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعن بعقوبة مستقلة عن كل من جرائم الإصابة الخطأ وعبور مزلقان عند اقتراب مرور القطار واتلاف منقول بإهمال التى دان الطاعن بها على الرغم مما تنبئ عنه صورة الواقعة كما أوردها الحكم من أن تلك الجرائم قد وقعت وليدة نشاط إجرامى واحد يتحقق به الارتباط الذى لا يقبل التجزئة الذى عناه الشارع بالحكم الوارد فى الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات مما كان يوجب الحكم على الطاعن بعقوبة الجريمة الأشد وحدها وهى العقوبة المقررة للجريمة الأولى ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً وتصحيحه بإلغاء عقوبة الغرامة المقضى بها عن التهمتين الثانية والثالثة المسندتين إلى الطاعن .

(الطعن رقم 21540 لسنة 65 ق - جلسة 2004/04/22 س 55 ع 1 ص 442 ق 59)

13 ـ إن مسألة تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات مسألة راجعة إلى تقدير محكمة الموضوع .

(الطعن رقم 77 لسنة 48 ق - جلسة 1931/01/08 س ع ع 2 ص 191 ق 151)

14 ـ إذا كانت الواقعة الثابتة بالحكم هي أنه ضبط بمسكن الطاعن بندقيتان أحداهما مششخنة والأخرى من ذات الخرطوش، من غير ترخيص فى حملهما، فإن هذه الواقعة تنطبق عليها الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات، ويتعين توقيع عقوبة واحدة عليه هي عقوبة الجريمة الأشد. فإذا قضي عليه بعقوبة عن كل تهمة من التهمتين تعين نقض الحكم فيما قضي به من عقوبة عن التهمة التي عقوبتها أقل.

(الطعن رقم 1584 لسنة 21 ق - جلسة 1900/02/08 س 3 ع 2 ص 386 ق 146)

15 ـ يشترط لتطبيق الفقرة الثانية من المادة 198 من قانون العقوبات التي تقضي بعقوبة الإعدام أن تكون الجريمة المقترنة أو المرتبطة مستقلة عن جناية القتل ومتميزة عنها. وإذن فهي لا تنطبق على من يطلق عياراً واحداً بقصد القتل فيصيب به شخصين، إذ أن ما وقع من الجاني هو فعل واحد كون جريمتين، والقانون يوجب فى هذه الصورة تطبيق الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات ويكتفي بتوقيع العقوبة الأشد.

(الطعن رقم 952 لسنة 7 ق - جلسة 1937/04/05 س 4 ع 1 ص 64 )

16 ـ من المقرر أن مناط الارتباط فى حكم المادة 32 من قانون العقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يجر على إحداها حكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب لأن تماسك الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الارتباط القانونى إلى الجريمة الآخرى لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدى المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتا ونفياً ومن ثم فإن الارتباط بين جريمة الضرب بفرض صحة التصالح فيها وبين باقى الجرائم المسندة للطاعن لا يوجب البتة الحكم بانقضاء الدعوى الجنائية عن أى منها تبعاً لانقضائها بالنسبة لجريمة الضرب بالتصالح ولا تقتضى بداهة انسحاب أثر الصلح فى جريمة الضرب لباقى الجرائم .

(الطعن رقم 167 لسنة 70 ق - جلسة 2004/01/05 س 55 ع 1 ص 79 ق 2)

17 ـ لما كان الحكم المطعون فيه وقد دان الطاعن بجرائم طلب وأخذ وعرض رشوة والتزوير فى محرر رسمى وأوقع عليه العقوبة المقررة للجناية الأولى التى ارتكبها عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات ، فإنه لا يجدى الطاعن منعاه فى صدد جريمة التزوير ومن عدم رد الحكم على دفاعه القائم على انتفاء القصد الجنائي لديه بالنسبة لهذه الجريمة أو عدم إطلاع المحكمة على المحرر المزور وعدم إطلاع الدفاع عليه مما يعد لغواً لا قيمة له .

(الطعن رقم 51792 لسنة 72 ق - جلسة 2003/12/14 س 54 ص 1221 ق 170)

18 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمتى مواقعة أنثى بغير رضاها وحجزها بغير أمر من أحد الحكام المختصين وتعذيبها وأعمل فى حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع عليه عقوبة واحدة هى العقوبة المقررة للجريمة الأشد فإنه لا جدوى للطاعن مما يثيره تعييباً للحكم فى خصوص جريمة الحجز بغير أمر من أحد الحكام المختصين المقترن بتعذيبات بدنية وهى الجريمة الأخف .

(الطعن رقم 21724 لسنة 69 ق - جلسة 2003/12/01 س 54 ص 1136 ق 156)

19 ـ لما هو مقرر فى قضاء هذه المحكمة من أن الإعفاء من العقاب ليس إباحة للفعل أو محواً للمسئولية الجنائية ، بل هو مقرر لمصلحة الجاني التى تحققت فى فعله وفى شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب ، كل ما للعذر المعفى من العقاب من أثر هو حط العقوبة عن الجاني بعد استقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة فى ذاتها ، وإذ كان مناط الارتباط فى حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض فى إحداها بالبراءة ، وإذ كانت المحكمة قد انتهت إلى توافر الارتباط الذى لا يقبل التجزئة بين جريمتى الرشوة ودمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهى جريمة الرشوة ، فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع المتهم عن تحقق موجب الإعفاء فى جريمة الرشوة امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهى جريمة دمغ المشغولات بطريقة غير مشروعة .

(الطعن رقم 30639 لسنة 72 ق - جلسة 2003/04/23 س 54 ص 583 ق 74)

20 ـ لا جدوى للطاعنين من نقض الحكم المطعون فيه بالنسبة لتهمة الاتفاق الجنائي والقضاء ببراءتهما منها بعد قضاء المحكمة الدستورية العليا بحكمها الصادر بتاريخ ........... فى الدعوى رقم ..... لسنة ..... ق دستورية ، بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون العقوبات ، مما يخرج الواقعة التى كانت مؤثمة بمقتضاها عن نطاق التجريم طالما أن السند التشريعى فى تجريمها قد ألغى. ما دام الحكم قد دانهما بالجريمتين المسندتين إليهما وأعمل فى حقهما المادة 32 من قانون العقوبات ، وأوقع عليهما عقوبة واحدة وهى الأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وهى العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد باعتبارها الجريمة الأشد التى أثبتها فى حقهما ، ومن ثم فلا مصلحة لهما من تبرئتها من تهمة الاتفاق الجنائي .

(الطعن رقم 30159 لسنة 69 ق - جلسة 2003/02/17 س 54 ص 309 ق 30)

21 ـ إذ كان مناط الارتباط فى حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض فى إحداها بالبراءة، وكانت المحكمة قد خلصت فى منطق سائغ إلى قيام الارتباط بين جريمتي تقليد الأختام والتزوير فى الأوراق الرسمية ارتباطا لا يقبل التجزئة، فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهي عقوبة التقليد. فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع الطاعن عن تحقق موجب الإعفاء من العقاب فى جريمة التقليد، امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهي جريمة التزوير فى الأوراق الرسمية.

(الطعن رقم 1946 لسنة 56 ق - جلسة 1986/04/06 س 37 ع 1 ص 646 ق 123)

22 ـ لما كان الحكم قد بين الجريمتين اللتين ارتكبهما الطاعن المستوجبتين لعقابه وأنهما ارتكبتا لغرض واحد بما يوجب الحكم عليه بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد هاتين الجريمتين - وكان الحكم قد قضى على الطاعن بعقوبة واحدة عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات، فإنه يكون قد أعمل حكم هذه المادة، ولا يؤثر فى سلامته أنه أغفل ذكر الجريمة الأشد، إذ أن العقوبة المقررة قانوناً للجريمة الأولى هي ذات العقوبة للجريمة الثانية وفقاً للمادة 34/1، د من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها.

(الطعن رقم 5517 لسنة 55 ق - جلسة 1986/02/02 س 37 ع 1 ص 217 ق 45)

23 ـ لما كان فعل عرض كحول غير مطابق للمواصفات للبيع (و هو وصف الغش فى التهمة الأولى) - ينطوي فى ذاته على حيازته منتجا فى معمل أو مصنع غير مرخص و بالتالي مهربا من أداء رسوم الانتاج و من ثم فإنه يمثل فعلا واحدا تقوم به جريمتان . لما كان ذلك ، وكانت المادة 32 من قانون العقوبات قد نصت فى فقرتها الأولى على أنه "إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد و الحكم بعقوبتها دون غيرها . " لما كان ذلك - فإن ما تنعاه الطاعنة من عدم توافر الارتباط بين الجريمتين اللتين دين بهما المطعون ضده يكون غير سديد .

(الطعن رقم 3945 لسنة 55 ق - جلسة 1986/01/14 س 37 ع 1 ص 70 ق 15)

24 ـ لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة الطاعنين بعقوبة مستقلة عن كل من جريمتى الإشتراك فى التزوير فى عقد الزواج و الزنا اللتين دان الطاعنين بهما على الرغم مما تنبئ عنه صورة الواقعة كما أوردها أن الجريمتين قد إنتظمتهما خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض فتكونت منها مجتمعه الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات مما كان يوجب الحكم على الطاعنين بعقوبة الجريمة الأشد و حدها و هى العقوبة المقررة للجريمة الأولى ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً و تصحيحه بإلغاء عقوبة الحبس المقضى بها عن الجريمة الثانية المسندة للطاعنين - و هى جريمة الزنا - إكتفاء بالعقوبة المقضى بها عن التهمة الأولى بإعتبارها الجريمة الأشد عملاً بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات .

(الطعن رقم 884 لسنة 55 ق - جلسة 1985/05/09 س 36 ص 631 ق 112)

25 ـ لا مجال للبت فى الإرتباط الذى يترتب عليه تطبيق المادة 32 من قانون العقوبات إلا فى حالة إتصال محكمة الموضوع بالدعاوى الأخرى المطروحة أمامها مع الدعوى المنظورة المثار فيها بالإرتباط و هو ما تخلف توافره فى الدعوى المطروحة و لا يقبل من الطاعن أن يثيره لأول مرة أمام محكمة النقض لما يتطلبه من تحقيق موضوعى لا يصح أن يطالب محكمة النقض بإجرائه - و من ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد غير سديد .

(الطعن رقم 4209 لسنة 54 ق - جلسة 1985/03/28 س 36 ص 493 ق 82)

26 ـ لا مصلحة للطاعن مما ينعاه على الحكم بالنسبة لجريمة الرشوة ما دام البين من مدوناته أنه طبق المادة 32 من قانون العقوبات و أوقع على الطاعن عقوبة واحدة عن كافة الجرائم التى دانه بها تدخل فى حدود العقوبة المقررة لجلب المواد المخدرة .

(الطعن رقم 2358 لسنة 54 ق - جلسة 1985/01/24 س 36 ص 117 ق 16)

27 ـ لما كان من المقرر أن مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد إنتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد فى الفقرة المشار إليها ، و أن تقدير قيام الإرتباط بين الجرائم هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع بلا معقب متى كانت وقائع الدعوى على النحو الذى حصله الحكم تتفق قانوناً مع ما إنتهى إليه - كما هو الحال فى الدعوى المطروحة - و من ثم فإن ما تنعاه الطاعنة فى هذا الصدد يكون غير سديد .

(الطعن رقم 6822 لسنة 53 ق - جلسة 1984/03/18 س 35 ص 299 ق 63)

28 ـ لما كان ما أورده الحكم على السياق المتقدم من اعتبار الطاعن الأول فاعلا أصليا فى جناية الاختلاس التى دانه بها ، ثم عودته من بعد إلى إعتباره شريكا فيها ثم إنتهاؤه إلى أنه فاعل أصلى فى الجريمة تلك ، يدل على اضرابه فى بيان واقعة الاختلاس - و هى الجريمة ذات العقوبة الأشد - التى أوقع على الطاعنين عقوبتها عملاً بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات ، و يفصح عن أن الواقعة و عناصرها لم تكن مستقرة فى ذهن المحكمة الإستقرار الذى يجعلها فى حكم الوقائع الثابتة ، الأمر الذى يتعذر معه بالتالى على محكمة النقض تبين صحة الحكم من فساده .

(الطعن رقم 1151 لسنة 53 ق - جلسة 1983/06/15 س 34 ص 778 ق 153)

29 ـ لا جدوى للطاعنين من نعيمها على الحكم بالقصور فى التدليل على أركان جريمة إختلاس المحجوزات ما دامت المحكمة قد طبقت المادة 32 من قانون العقوبات الأشد المقررة لجريمة التزوير والاشتراك فيه التى إثبتها الحكم فى حقهما.

(الطعن رقم 168 لسنة 62 ق - جلسة 1993/12/14 س 44 ع 1 ص 1142 ق 179)

30 ـ لما كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بتوقيع عقوبة الغرامة المقررة لجريمة احراز الذخيرة بدون ترخيص - وهى الجريمة الأخف - بعد أن قضى بتوقيع العقوبة المقررة لجريمة القتل العمد مع سبق الأصرار - وهى الأشد عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات فإنه يكون قد خالف القانون ويتعين تصحيح بإلغاء عقوبة الغرامة المقضى بها عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 959 ، ومن نقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه فى أسباب الطعن مع رفض الطعن فيما عدا ذلك .

(الطعن رقم 4221 لسنة 61 ق - جلسة 1992/12/21 س 43 ع 1 ص 1192 ق 186)

31 ـ لما كانت المحكمة قد دانت الطاعن الأول بجريمتى الرشوة والوساطة فى رشوة الطاعن الثانى وأعملت فى حقه المادة 32 من قانون العقوبات وأوقعت عليه عقوبة واحدة عنهما تدخل فى نطاق العقوبة المقررة لجريمة الرشوة ومن ثم فإنه لا مصلحة له فيما يثيره نعيا على الحكم من خطأ فى الرد على الدفع بالإعفاء فى جريمة الوساطة فى رشوة الطاعن الثانى .

(الطعن رقم 124 لسنة 61 ق - جلسة 1992/10/04 س 43 ع 1 ص 766 ق 118)

32- الارتباط الذي تتأثر به المسئولية عن الجريمة الصغرى طبقاً للفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات ينظر إليه عند الحكم فى الجريمة الكبرى بالعقوبة دون البراءة، لأن تماسك الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الارتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها العقاب الأشد لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدي المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتاً ونفياً. ومن ثم فإنه لا محل لإعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات عند القضاء بالبراءة فى إحدى التهم - ولو كانت جناية - كما هو الشأن فى خصوص الدعوى المطروحة - وإذ التزم الحكم المعروض بهذه الوجهة من النظر، فإنه يكون قد التزم بالمبادئ التي استقرت فى أحكام محكمة النقض فى هذا الصدد.لما كان ما تقدم، فإنه يتعين إقرار الحكم المعروض والقضاء بعدم قبول الطلب .

(الطعن رقم 1 لسنة 2010 ق - جلسة 2012/03/19 س 55 ص 8 )

33- مناط الارتباط فى حكم الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات هو كون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض فى إحداها بالبراءة، وكانت المحكمة قد خلصت فى منطق سائغ إلى قيام الارتباط بين جريمتي الشروع فى تقليد العملة الورقية وحيازة أدوات مما تستعمل فى التقليد ارتباطا لا يقبل التجزئة، فقد وجب اعتبارهما جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشدهما وهي عقوبة الشروع فى التقليد، فإذا أسفر تمحيص المحكمة لدفاع الطاعن عن تحقق موجب الإعفاء من العقاب فى جريمة الشروع فى التقليد، امتنع عليها توقيع عقوبة الجريمة الأخف وهي جريمة حيازة أدوات مما تستعمل فى التقليد.

(الطعن رقم 25484 لسنة 67 ق - جلسة 2000/02/21 س 51 ص 217 ق 40)

34- الارتباط الذي تتأثر به المسئولية عن الجريمة الصغرى طبقا للمادة 32/ 2 من قانون العقوبات ينظر إليه عند الحكم فى الجريمة الكبرى بالعقوبة دون البراءة، لأن تماسك الجريمة المرتكبة وانضمامها بقوة الارتباط القانوني إلى الجريمة المقرر لها بالعقاب الأشد لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدي المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتا ونفيا. لما كان ذلك، فإنه لا محل لإعمال حكم المادة 32 من قانون العقوبات عند القضاء بالبراءة فى إحدى التهم - كما هو الشأن فى خصوص الدعوى المطروحة - ويضحى ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد على غير سند.

(الطعن رقم 26365 لسنة 67 ق - جلسة 2000/03/13 س 51 ص 299 ق 54)

35- وإن كان تقدير قيام الارتباط بين الجرائم المنصوص عليه فى المادة 32 من قانون العقوبات مما يدخل فى السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع التي لها وحدها أن تقرر فيه ما تراه استنادا إلى الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى ما انتهت إليه، إلا أنه متى كانت وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم توجب تطبيق المادة المذكورة عملاً بنصها, فإنه بعدم تطبيقها يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون. مما يتعين معه تصحيحه بإنزال حكم القانون طبقا للفقرة الأولى من المادة 39 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض, ولما كان الحكم الابتدائي المأخوذ بأسبابه والمعدل بالحكم المطعون فيه قد قضى بمعاقبة المطعون ضده بعقوبة مستقلة عن كل من جريمتي فك الأختام وإدارة محل سبق غلقه اللتين دانه بهما رغم ما تنبئ عنه صورة الواقعة كما أوردها - بقوله بأن المتهم أزال الجمع الذي كان موضوع على محله وإدارة المحل وفتحه للعمل - من أن الجريمتين قد انتظمتهما خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التي عناها الشارع بالحكم الوارد بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات،مما كان يوجب الحكم على المطعون ضده بعقوبة الجريمة الأشد وحدها وهي العقوبة المقررة للجريمة الأولى، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بعقوبة مستقلة عن كل من الجريمتين فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون, ولما كان تصحيح هذا الخطأ لا يخضع لأي تقدير موضوعي مادامت محكمة الموضوع قد قالت كلمتها فى ثبوت التهمة التي دانت المطعون ضده بها، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضا جزئيا وتصحيحه بإلغاء ما قضى به من عقوبة أصلية وتكميلية عن الجريمة الثانية والاكتفاء بعقوبة الغرامة التي قضى بها الحكم عن الجريمة الأولى باعتبارها الجريمة الأشد.

(الطعن رقم 121 لسنة 65 ق - جلسة 2001/05/26 س 52 ع 1 ص 526 ق 94)

36- من المقرر قانوناً طبقاً لمادة 2/35 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات و إجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن للمحكمة أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا تبين لها مما هو ثابت فيه أنه مبنى على مخالفة القانون أو على خطأ فى تطبيقه أو فى تأويله و كان ما أورده الحكم فى بيان واقعة الدعوى التى أثبتها فى حق الطاعن أنه سهل للمتهمة الثانية إرتكاب الدعارة و عاونها عليها و إستغل بغاء تلك المتهمة و أدار محلاً لممارسة الدعارة يتحقق به معنى الإرتباط الوارد بالمادة 2/32 من قانون العقوبات لأن الجرائم الأربعة المسندة إلى الطاعن وقعت جميعها لغرض واحد كما أنها مرتبطة ببعضها إرتباطاً لا يقبل التجزئة مما يقضى وجوب إعتبارها جريمة واحدة و الحكم بالعقوبة المقررة لأشدها ، و لما كان الحكم المطعون فيه قد قضى بعقوبة مستقلة عن التهمة الأولى الخاصة بإدارة المحل للدعارة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون بما يقتضى نقضه نقضاً جزئياً و تصحيحه وفقاً للقانون .

(الطعن رقم 1445 لسنة 49 ق - جلسة 1980/02/27 س 31 ع 1 ص 301 ق 58)

37- مناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات أن تكون الجرائم قد إنتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد فى الفقرة المشار إليها . ولما كان الأصل أن تقدير قيام الإرتباط بين الجرائم هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع . و كانت الوقائع كما أثبتها الحكم المطعون فيه وعلى ما يسلم به الطاعن فى طعنه تشير إلى أن الجرائم التى قارفها قد وقعت على أشخاص مختلفين وفى تواريخ وأمكنة وظروف مختلفة وهو ما يفيد بذاته أن ما وقع منه فى كل جريمة لم يكن وليد نشاط إجرامى واحد فإن ذلك لا يتحقق به الإرتباط الذى لا يقبل التجزئة بين الجريمة موضوع الدعوى الحالية وبين الجريمتين الأخرتين موضوع الدعويين المشار إليهما فى أسباب الطعن واللتين كانتا منظورتين معها فى الجلسة نفسها التى صدر فيها الحكم المطعون فيه .

(الطعن رقم 2260 لسنة 49 ق - جلسة 1980/04/02 س 31 ع 1 ص 474 ق 88)

38- من حيث إن الفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات قد نصت على أنه إذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد ، وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب إعتبارها كلها جريمة واحدة و الحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم و قد جرى قضاء هذه المحكمة على أن مناط تطبيق الفقرة المشار إليها تلازم عنصرين هما وحدة الغرض وعدم القابلية للتجزئة بأن تكون الجرائم المرتكبة قد إنتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال متكاملة تكون مجموعاً إجراماً لا ينفصم فإن تخلف أحد العنصرين سالفى البيان إنتفت الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد فى تلك الفقرة و إرتد الأمر إلى القاعدة العامة فى التشريع العقابى وهى تعدد العقوبات بتعدد الجرائم وفقاً للمادتين 33 ، 27 من قانون العقوبات مع التقيد عند التنفيذ بالقيود المشار إليها فى المواد 35 ، 36 ، 38 من ذلك القانون . لما كان ذلك ، وكانت جريمتا صاحب العمل من عدم توفير أجهزة الإطفاء اللازمة وعدم وضع الأسلاك والتوصيلات الكهربائية فى مواسير عازلة هى من جرائم العمد التى تتحقق فى صور سلبية تتمثل فى مخالفة أمر الشارع أو القعود عن تنفيذه وهما بطبيعتهما غير متلازمتين إذ يمكن تصور وقوع إحداهما دون الأخرى كما أن القيام بتنفيذ إحداهما لا يجزئ عن القيام بالإخرى وهذا النظر يتمشى مع روح التشريع الصادر فى شأنه قانون العمل وهو القانون 91 لسنة 1959 الذى وإن تضمن أنواعاً مختلفة من الإلتزامات المستقلة التى إستهدف ببعضها حماية العمال أثناء العمل من الإضرار الصحية وأخطار العمل والآلات ضماناً لسلامتهم فى أدائهم لأعمالهم وترسم فى البعض الآخر الأوضاع التنظيمية التى تكفل سلامة تطبيقه ومراقبة السلطات المختصة بتنفيذ أحكامه ، إلا أن الواقع من الأمر أن تلك الإلتزامات تدور فى مجموعها حول حماية العمال أثناء العمل كما تصورها الشارع ومن ثم فهى تأتلف مع الإتجاه العام الذى دل عليه الشارع حيث نص فى القرارات الوزارية ومنها القرار 48 لسنة 1967 والذى أعمل الحكم المطعون فيه مقتضاه بصدد الدعوى المطروحة على تعدد إلتزامات صاحب العمل نحو تأمين وسلامة العمال أثناء أداء أعمالهم ، الأمر الذى يباعد بين أحكامه وبين القاعدة الواردة فى الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات ويتأدى عقلاً إلى التضييق فى تطبيق الفقرة الثانية من هذه المادة حيث تتعدد الإلتزامات المختلفة وتتعدد الجرائم بتعددها . لما كان ذلك ، فإن الحكم المطعون فيه إذا إنتهى إلى توافر الإرتباط بين جريمتى عدم توفير أجهزة الإطفاء اللازمة وعدم وضع الأسلاك والتوصيلات الكهربائية فى مواسير عازلة وقضى بعقوبة واحدة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 1481 لسنة 49 ق - جلسة 1980/05/18 س 31 ع 1 ص 626 ق 121)

39 - لما كانت جريمة إقامة بناء بغير ترخيص وجريمة إقامته بدون موافقة اللجنة المختصة إنما تقومان على فعل مادى واحد هو إقامة البناء ، فالواقعة المادية التى تتمثل فى إقامة البناء هى عنصر مشترك يبين كافة الأوصاف القانونية التى يمكن أن تعطى لها والتى تتباين صورها بتنوع وجه المخالفة للقانون ، غير أنها كلها نتائج متولدة عن فعل البناء الذى تم مخالفاً للقانون ، وكان الحكم المطعون فيه ، قد أخطأ فى القانون ، إذ قضى بعقوبتين مختلفتين عن الجريمتين سالفتى الذكر مع وجوب تطبيق الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون العقوبات والحكم بالعقوبة والحكم بالعقوبة الأشد ، وكانت جريمة إقامة بناء بدون موافقة اللجنة المختصة ، هى الجريمة ذات العقوبة الأشد ، فإن نقض الحكم بالنسبة لتهمة إقامة البناء بدون موافقة اللجنة المختصة ، على السياق المتقدم - يوجب نقضه بالنسبة لتهمة إقامته بدون ترخيص .

(الطعن رقم 1126 لسنة 53 ق - جلسة 1983/06/08 س 34 ص 742 ق 148)

شرح خبراء القانون

ماهية التعدد المعنوي للجرائم:

يعني التعدد المعنوي للجرائم تعدد الأوصاف الإجرامية للفعل الواحد بحيث يسوغ القول بأن هذا الفعل تقوم به عدة جرائم، باعتبار أن كل وصف تقوم به جريمة على حدة؛ وقد حدد الشارع مجال التعدد المعنوي بأنه حالة ما إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة» (المادة 32 من قانون العقوبات، الفقرة الأولى). ولما كان كل وصف يتضمنه نص تجريم، فإن من السائغ وصف التعدد المعنوي بأنه اجتماع نصوص تجريم إزاء فعل واحد أو انطباق نصوص متعددة على هذا الفعل». ويتضح بذلك أن التعدد المعنوي يقوم على عنصرين:

وحدة الفعل وتعدد الأوصاف.

ويكفل العنصر الأول التمييز بينه وبين التعدد المادي للجرائم، ذلك أنه إذا تعددت الأفعال وتت تبعاً لذلك الجرائم الناشئة عن كل منها، فذلك تعدد مادي للجرائم. ويمثل العنصر الثاني جوهر التعدد المعنوي، ذلك أنه إذا انتفى التعدد في الأوصاف، أي كان للفعل وصف واحد فمعنى ذلك أنه تقوم به جريمة واحدة، ومن ثم لا يكون محل لتعدد الجرائم. ويفترض هذا العنصر أن الأوصاف المتعددة جميعاً تصدق علی الفعل، أما إذا كان أحدها يستبعد سائرها بحيث لا يخضع الفعل في النهاية إلا لنص واحد، فليس ثمة تعدد في الجرائم، وإنما تعد حالة تنازع نصوص» يتغلب أحدها في النهاية، فلا تقوم بالفعل غير جريمة واحدة. وأمثلة التعدد المعنوي أن يهتك المتهم عرضاً في مكان عام، فتقوم بهذا الفعل جريمتا هتك العرض (المادة 268 من قانون العقوبات والفعل الفاضح العلني (المادة 278 من قانون العقوبات)، أو أن يستعمل شخص محرراً مزوراً مع علمه بذلك للاحتيال على غيره، فتقوم بفعله جريمتا استعمال المحررات المزورة (المادة 124 أو 215 من قانون العقوبات والنصب أو الشروع فيه (المادة 336 من قانون العقوبات) .

حالات التعدد المعنوي للجرائم:

الحالة الأصلية للتعدد المعنوي الجرائم في حالة ارتكاب فعل واحد ترتبت عليه نتيجة إجرامية واحدة يصدق عليهما وصفان إجراميان أو أكثر، وقد تقدم ذكر مثالين لها ولكن التعدد المعنوي يتضمن حالتين أخريين: فيتضمن كذلك حالة ارتكاب فعل واحد أفضي إلى نتائج عديدة متنوعة، كل منها تقوم به جريمة على حدة كما لو أطلق شخص رصاصة واحدة قتلت شخصاً وجرحت آخر وأتلفت مالاً لثالث، إذ يصدق على هذا الفعل خضوعه لأوصاف متعددة.

ويضم التعدد المعنوي في النهاية حالة ارتكاب فعل واحد أفضى إلى نتائج عديدة متماثلة، كما لو أطلق شخص رصاصة واحدة أصابت شخصاً فقتلته ثم نفذت منه فأصابت شخصاً ثانياً فقتلته كذلك، فهذا الفعل تتعدد به جريمتا قتل تعدداً معنویاً .

تكييف التعدد المعنوي للجرائم:

يثور الجدل في الفقه حول ما إذا كان التكييف الصحيح للتعدد المعنوي أن تقوم به جريمة واحدة أم جرائم متعددة: فذهب رأي إلى أنه لا تقوم به إلا جريمة واحدة، هي الجريمة الأشد من بين الجرائم التي تقوم بالأوصاف المتعددة، فهذه الجريمة هي التي يحكم بعقوبتها وحدها، فيعتبر المتهم أنه لم يرتكب سواها، وحجة هذا الرأي أن المتهم لم يرتكب سوی فعل واحد، ولما كانت كل جريمة على حدة تتطلب فعلاً خاصاً بها، فإن تعدد الجرائم يفترض حتماً تعدد الأفعال، وينبني على ذلك أنه إذا كان الفعل واحداً فلابد أن تكون الجريمة واحدة، ومن ثم لا يكون استعمال لفظ التعدد في هذا الموضع غیر استعمال مجازی فحسب.

ويذهب رأي آخر إلى القول بتعدد الجرائم في حالات التعدد المعنوي، ويرفض حجة الرأي الأول قائلاً إنه لا وجود لتلازم حتمى بين عدد الأفعال وعدد الجرائم: فالجريمة تتوافر عناصرها إذا تحققت مقتضيات النموذج القانوني الخاص بها، فإذا تحققت مقتضيات عدة نماذج إجرامية تعديت الجرائم ولو كان ذلك بناء على فعل واحد. وهذا الرأي في تقديرنا هو الصحيح: فالمراد بالجريمة في نظرية «التعدد» الوصف الإجرامي فحسب، لا الجريمة بأركانها المتعددة مجتمعة، وهذا الوصف هو مجرد تكييف قانونی مستخلص من نص تجريم، ومن المتصور أن تتعدد تكييفات الفعل الواحد، فتتعدد الجرائم في هذا المعنى. وهذا الرأي هو الذي تبناه الشارع، فقد وصف التعدد المعنوي بأنه تكوين الفعل الواحد «جرائم متعددة».

حكم التعدد المعنوي:

حدد الشارع حكم التعدد المعنوي للجرائم في قوله «إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها». ويعني ذلك التزام القاضي بأن يقتصر على تطبيق النص الذي يقرر العقوبة الأشد وأن يغفل سائر النصوص التي تقرر العقوبات الأقل شدة؛ وفي عبارة أخرى، فإن عليه أن يقضي في الفعل على أساس وصفه الأشد ويصرف النظر عن سائر أوصافه. ومؤدى ذلك أن قاعدة تعدد العقوبات لا تطبق في حالات التعدد المعنوي، وإنما يحكم القاضي بالعقوبة الأشد من بين العقوبات المتعددة التي تقررها للفعل أوصافه وخطاب الشارع في شأن التعدد المعنوی متجه إلى القاضي لا إلى سلطة التنفيذ. 

فالقاضي عليه أن يفحص الأوصاف المختلفة للفعل، ثم يقتصر على إثبات الوصف الأشد وتطبيق النص الذي يقرر هذا الوصف والحكم بالعقوبة التي حددها هذا النص؛ ومن ثم يعد القاضي مخطئاً في تطبيق القانون إذا نطق بعقوبات متعددة من أجل الفعل (باعتبار عقوبة عن كل وصف) وأمر سلطات التنفيذ بأن تقتصر على توقيع العقوبة الأشد. وعلة الاقتصار على العقوبة الأشد أن المتهم لم يصدر عنه غير فعل واحد، فهو لا يستحق عدالة إلا عقوبة واحدة . ويحدد القاضي النص الذي يقرر العقوبة الأشد على أساس المقارنة بين العقوبات الأصلية التي تقررها النصوص المختلفة التي تحدد أوصاف الفعل وتعيين أشد هذه العقوبات، ويطبق القاضي في هذه المقارنة الضوابط التي سلفت دراستها عند البحث في « تطبيق النصوص الأصلح للمتهم»؛ ويعني ذلك أن العقوبات التبعية أو التكميلية أو التدابير الاحترازية التي تقررها هذه النصوص لا يجوز أن تكون عناصر في هذه المقارنة.

وغني عن البيان أن القاضي لا يلتزم بالحكم بالحد الأقصى للعقوبة الأشد، فله أن يستعمل سلطته التقديرية وفقاً للقواعد العامة، ومؤدى ذلك أن يكون له الحكم بالحد الأدنى لهذه العقوبة، وقد تكون العقوبة التي يقضي بها على هذا النحو أقل من الحد الأقصى للعقوبة المقررة حسب الوصف الأخف الفعل .

وترتبط بهذه القاعدة النتائج التالية:

 يختص بالدعوى القضاء المنوط به النظر في أشد أوصاف الفعل لأنه الذي يستطيع النطق بالعقوبة المقررة لهذا الوصف. وإذا صدر في شأن الفعل حكم بالبراءة أو الإدانة على أساس أحد أوصافه كان حائلاً دون تحريك الدعوى على أساس وصف آخر ولو كان أشد، وذلك تطبيقاً لمبدأ «عدم جواز المحاكمة مرتين من أجل فعل واحد» (المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية)، وتطبيق النص الذي يقرر الوصف والعقوبة الأشد ينطوي على أمرين:

الأول، أن هذا النص يجب أن يطبق بجميع أحكامه، فينطق القاضي بما يقرره من عقوبات أصلية وتكميلية وتدابير احترازية.

والثاني، أن النصوص التي تقرر العقوبات الأقل شدة يجب أن تستبعد، فكما لا يجوز للقاضي أن ينطق بما تقرره من عقوبات أصلية، لا يجوز له كذلك أن ينطق بما تقرره من عقوبات تكميلية أو تدابير احترازية .

نصت المادة 32 من قانون العقوبات فى فقرتها الثانية على أنه «إذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم». وموضع هذا الاستثناء أن تتعدد الجرائم تعدداً مادياً، إذ كان الأصل أن تتعدد العقوبات بذلك، ولكن الشارع يقرر - إذا توافر شرط الاستثناء - الاقتصار على الحكم بالعقوبة المقررة لأشد هذه الجرائم، فمجال هذا الاستثناء مختلف عن مجال التعدد المعنوي للجرائم حيث يكون الحكم بالعقوبة الأشد هو الأصل العام.

وشرطة الاستثناء هما: وحدة الغرض، والارتباط الذي لا يقبل التجزئة.

علة الاستثناء:

يبرر هذا الاستثناء أنه حين تجمع بين الجرائم المتعددة وحدة العرض والارتباط الذي لا يقبل التجزئة، فإنها تكون مشروعاً إجرامياً واحداً وتكون هذه الجرائم بمثابة وسائل هذا المشروع:

فالجانى له غاية إجرامية واحدة، ولو كان يستطيع إدراكها بجريمة واحدة لاكتفي بها، ولكن الظروف التي يسعى فيها إلى تحقيق غايته قد فرضت عليه أن يرتكب جرائم متعددة، ويرى الشارع أن هذه الظروف لا يجوز عدالة أن تغير من وضعه القانوني، وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشارع يلتمس في مجال هذا الاستثناء وسيلة للحد من إطلاق قاعدة «تعدد العقوبات».

وحدة الغرض، تعنى وحدة الغرض أن يستهدف الجاني بجرائمه المتعددة إدراك غاية واحدة، ويعني ذلك صدور هذه الجرائم عن باعث» واحد، وتفهم الغاية في مدلولها الذي سلف تحديده من أنها «إشباع حاجة» ووحدة الغاية والباعث لا يعنيان «وحدة القصد»، ذلك أن الجرائم المتعددة مستقلة فيما بينها، مما يقتضي أن يكون لكل منها ركنها المعنوي الخاص بها.

الإرتباط الذي لا يقبل التجزئة، يريد الشارع بالارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين الجرائم المتعددة أن تكون بينها صلة وثيقة بحيث تجعل منه «وحدة إجرامية» ولم يحدد الشارع عناصر هذه الصلة، مما يقتضى أن يكون مرد ذلك إلى قاضي الموضوع ، ومن القرائن عليها أن يكون بعض الجرائم مرتباً على بعض بحيث لم يكن متصوراً ارتكاب بعضها ما لم يرتكب البعض الآخر، ومن هذه القرائن كذلك اتحاد زمن هذه الجرائم أو مكانها أو المجنى عليه فيها، ولكن هذه القرائن بسيطة، فيجوز إثبات عكسها وقد حددت محكمة النقض ضابط هذا الارتباط بأن تكون الجرائم قد انتظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال كمل بعضها بعضا فتكونت منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع»  وأهم أمثلة الجرائم اتصلت بوحدة الغرض والارتباط غير القابل للتجزئة أن يختلس موظف مالاً ثم يزور محرراً ليخفى الاختلاس؛ أو أن يزور شخص محرراً ثم يستعمله في الغرض الذي زوره من أجله؛ أو أن يزيف شخص عملات ثم يروجها، أو أن يهدم شخص جداراً ليسرق أتقاضيه، أو أن يصدر شخص عدة شيكات لصالح شخص واحد في يوم واحد وعن معاملة واحدة، ويتحقق الارتباط كذلك بين جريمتي امتناع عن بيع سلعة مسعرة بالسعر المعين وبيعها بسعر يزيد عليه، وبين جريمتي الفعل الفاضح العلني والتعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها.

حكم الاستثناء من حيث العقوبة الأصلية:

حدد الشارع حكم الاستثناء بقوله إن الجرائم المتعددة يجب «اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم». ومؤدى ذلك أن يقتصر القاضي على الحكم بعقوبة واحدة من أجل الجرائم المتعددة، وهي أشد العقوبات المقررة لهذه الجرائم ولا يعني الشارع باعتبار هذه الجرائم «جريمة واحدة» أن تفقد كل منها ذاتيتها واستقلالها لتصير مجرد عنصر في مجموعة إجرامية واحدة، وإنما أراد تقرير اعتبارها في حكم الجريمة الواحدة من حيث توقيع عقوبة أصلية واحدة من أجلها جميعا. ولذلك كان الأصل المقرر هو احتفاظ الجرائم الأقل عقوبة بذاتيتها وكيانها القانوني، مما ينبني عليه أن تلحق بها آثار قانونية عديدة، فحكم الاستثناء هو «تعدد الجرائم ووحدة العقوبة».

وقاعدة الاقتصار على توقيع العقوبة الأشد موجهة إلى القاضی، وهي إلزامية له فيخطئ إذا حكم بعقوبات متعددة وأمر سلطات التنفيذ أن تقتصر على توقيع العقوبة الأشد من بينها. ولكن شرط تطبيق هذه القاعدة أن يدان المتهم بالجريمة ذات العقوبة الأشد، فيتصور الاكتفاء بهذه  العقوبة، أما إذا بريء منها فإن توقيع عقوبة الجريمة الأخف يصير متعيناً، إذ لم يعد للقاعدة مبرر تطبيقها.

ويترتب على احتفاظ الجرائم الأقل شدة بكيانها القانوني أن القاضي يلتزم بتقرير توافرها، وعليه أن يشير إلى النصوص الخاصة بها، ثم يشير إلى وحدة العرض والارتباط بينها ويوقع العقوبة المقررة للجريمة الأشد ومن ثم لم يكن لتطبيق الحكم الخاص بالارتباط محل إذا انتفى أحد أركان الجريمة الأقل شدة أو عرض لها سبب يمنع المسئولية عنها أو يمنع عقابها، إذ يحكم القاضي بعقوبة الجريمة الأثر باعتبارها الوحيدة التي يسال المتهم عنها ولما كانت الجرائم الأقل شدة تعتبر قائمة في نظر القانون، وكانت القاعدة توقيع عقوبة كل جريمة يسأل المتهم عنها، فإن العقوبة الأشد التي  يقتصر القاضي على الحكم بها تعتبر عقوبة لكل الجرائم المرتبطة التي أسندت إلى المتهم.

حكم الاستثناء من حيث العقوبات التبعية والتكميلية وسائر الآثار الجنائية للجرائم الأقل شدة يترتب على استبعاد العقوبات الأصلية المقررة الجرائم الأقل شدة أن تستبعد كذلك العقوبات التبعية الملحقة بها، فالقاعدة أن كل عقوبة تبعية ترتبط بعقوبة أصلية وتدور معها وجوداً وعدماً، ومن ثم كان عدم توقيع العقوبة الأصلية مستبعاً بالضرورة عدم توقيع العقوبة التبعية الملحقة بها. ولكن ليس الوحدة العرض والارتباط تأثير على العقوبات التكميلية المرتبطة بالجرائم الأقل شدة، فيجب توقيعها على الرغم من عدم توقيع العقوبات الأصلية لهذه الجرائم، وتفسير ذلك أن العقوبة التكميلية مرتبطة بالجريمة - لا بعقوبتها الأصلية - ولما كانت الجريمة الأقل شدة ما تزال محتفظة بكيانها، فإن ذلك يستتبع توقيع العقوبات التكميلية المرتبطة بها، وقد عبرت محكمة النقض عن ذلك في قولها إن «العقوبات التكميلية من غرامة ورد ومصادرة في عقوبات نوعية لازمة عن طبيعة الجريمة التي تقتضيها وملحوظ للشارع بصفة خاصة ضرورة توقيعها. فمهما تكن العقوبة المقررة لما يرتبط بتلك الجريمة من الجرائم الأخرى فإن تطبيقها لا ينبغي أن يجب تلك العقوبات التكميلية كما يجب العقوبة الأصلية التابعة  هي لها. بل لا يزال ولجيا الحكم بها مع الحكم بعقوبة الجريمة الأشد»، ولكن المحكمة أخرجت من هذه القاعدة العقوبات التكميلية «ذات الصبغة العقابية البحتة»، فقضت بإدماجها في عقوبة الجريمة الأشد وعدم الحكم بها بالإضافة إليها، وهذه التفرقة بين نوعين من العقوبات التكميلية غير ذات سند من القانون: فالعقوبات التكميلية جميعاً ذات طبيعة واحدة، وهي سواء من حيث ارتباطها بالجريمة ووجوب توقيعها طالما ظلت هذه الجريمة محتفظة بكيانها القانوني، وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما ذكرته محكمة النقض من أمثلة العقوبات تكميلية ذات صبغة عقابية هي في حقيقتها عقوبات أصلية.

حكم الاستثناء من حيث الإجراءات الجنائية، يثير الاقتصار على توقيع العقوبة الأشد من أجل الجرائم المرتبطة صعوبات من حيث الإجراءات الجنائية، وهذه الصعوبات مرجعها إلى الحرص على تمكين القضاء من الحكم بهذه العقوبة.

المحكمة المختصة بالنظر في الجرائم المرتبطة: القاعدة هي أن تحال الجرائم المرتبطة جميعا إلى محكمة واحدة، كي يتاح لها التثبت من توافر شروط الارتباط وتوقيع عقوبة واحدة عنها، وقد يؤدي ذلك إلى الخروج على القواعد المنظمة للاختصاص، فإذا تفاوتت الجرائم من حيث الجسامة اختصت بها المحكمة ذات الاختصاص بالنسبة لأشدها جسامة؛ وتطبيقاً لذلك فإذا كان بعض هذه الجرائم جنایات وبعضها جنح اختصت بها جميعاً محكمة الجنايات، وإذا كانت بعض الجرائم من اختصاص محكمة عادية وبعضها من اختصاص محكمة استثنائية اختصت المحكمة العادية بنظرها جميعاً: فقد نصت المادة 214 من قانون الإجراءات الجنائية (الفقرة الرابعة على أنه «إذا كانت الجرائم من اختصاص محاكم من درجات مختلفة تحال إلى المحكمة الأعلى درجة»، وأضافت إلى ذلك أنه «إذا كانت بعض الجرائم من اختصاص المحاكم العادية وبعضها من اختصاص محاكم خاصة يكون رفع الدعوى بجميع الجرائم أمام المحاكم العادية ما لم ينص القانون على غير ذلك» .

تأثير الحكم الصادر في شأن إحدى الجرائم المرتبطة على الدعاوى الناشئة عن الجرائم الأخرى؛ نفترض أن المتهم قد حوكم من أجل جريمة وصدر في شأنها حكم صار باتاً ثم اكتشفت جريمة أخرى مرتبطة بالأولى فأقيمت الدعوى من أجلها، فماذا يكون تأثير الحكم البات على هذه الدعوى؟ هذا الوضع يتضمن حالات ثلاثة يتعين التمييز بينها، فقد يصدر الحكم في شأن الجريمة الأشد؛ وقد يصدر في شأن الجريمة الأخف؛ وقد يصدر في شأن جريمة تعادل الجريمة المرتبطة بها من حيث الجسامة.

صدور الحكم في شأن الجريمة الأشد: إذا حوكم المتهم من أجل الجريمة الأشد وصدر من أجلها الحكم بالعقاب ثم اكتشفت الجريمة الأخف المرتبطة بها، فلا يجوز أن تقام الدعوى الناشئة عنها، ذلك أن موضوع الدعوى الجنائية هو توقيع العقاب على المتهم. فإذا كان القانون يحظر توقيع عقوبة من أجل الجريمة الأخف فإن الدعوى الناشئة عنها تغدو غير ذات موضوع. ويعادل ذلك انقضاءها وقد قضت محكمة النقض تطبيقاً لذلك. بأنه إذا اتهم شخص بتزوير واختلاس مرتبطين فحكمت عليه محكمة الموضوع بعقوبة واحدة عن جريمة التزوير باعتبارها أشد الجريمتين، فإنه لا يجوز رفع الدعوى من جديد «لأن القانون قال بوجوب توقيع عقوبة واحدة» وقد أضافت إلى ذلك أنه «ليس للنيابة أن تحتج بأنها لم تكن تريد من تقديم المتهم دفعة ثانية إلى محكمة الجنايات أن يحكم عليه، بل كانت تريد توقيع العقوبات التكميلية عليه»

صدور الحكم في شأن الجريمة الأخف: إذا أقيمت الدعوى الناشئة عن الجريمة الأخف وصدر فيها حكم بات ثم اكتشفت الجريمة الأشد. فيا تأثير هذا الحكم على الدعوى الناشئة عن هذه الجريمة ؟ غنى عن البيان أن العقوبة التي قضى بها هذا الحكم ليست هي التي يقررها القانون من أجل الجريمتين، فالقانون يقرر أشد العقوبتين، وهذه أخفهما؛ ولذلك يكون تحريك الدعوى الثانية هو الوسيلة إلى التطبيق الصحيح للقانون، وتكون العقوبة التي يقضي بها الحكم الصادر في هذه الدعوى هي وحدها الواجبة التوقيع على المتهم باعتبارها أشد العقوبتين  وتعرض في هذه الحالة مشكلة: ذلك أن المتهم قد تنفذ فيه العقوبة الأخف التي قضى عليه بها أولا ثم يصدر ضده الحكم بالعقوبة الأشد، فماذا يكون وضعه بين العقوبتين ؟ لا شك في أن العقوبة الثانية هي الواجبة التنفيذ، وما نفذ من العقوبة الأولى لم يكن متفقاً مع القانون، إذ أن أخف العقوبتين غير واجبة التنفيذ. ولكن المتهم ينبغي ألا يضار من إجراء غير صحيح اتخذته السلطات ولم يكن في وسعه أن يحول دونه، فلا يجوز أن تضاف إلى العقوبة الأشد المدة التي أمضاها من العقوبة الأخف. ولذلك يكون الحل المتسق مع المنطق القانوني هو اعتبار المتهم أثناء خضوعه للعقوبة الأخف في حكم المحبوس احتياطياً، فتستنزل من مدة العقوبة الأشد المدة التي أمضاها خاضعاً للعقوبة الأخف وليس ذلك مفتقراً إلى السند، ذلك أن سلب حرية المحكوم عليه قبل أن يصدر ضده الحكم الواجب التنفيذ - وقد ثبت أن الحكم بالعقوبة الأخف غير واجب التنفيذ - هو حبس احتياطي باعتباره غير مستند إلى حكم قضائي.

صدور الحكم في شأن جريمة معادلة في الجسامة: إذا كانت الجريمة التي اكتشفت أخيراً معادلة في الجسامة للجريمة التي صدر في شأنها الحكم البات، فإن تحديد قوة هذا الحكم على الجريمة المكتشفة يتوقف على ما إذا كان ذلك الحكم قد قضى بالحد الأقصى للعقاب أم قضى بما دونه.

فإذا قضی بالحد الأقصى لم يكن محل الإقامة الدعوى الناشئة عن الجريمة التي اكتشفت بعد ذلك، أما إذا قضى بما دون ذلك الحد جازت إقامة الدعوى، وكان للقاضي أن يحكم من أجل الجريمة التالية بعقوبة لا تجاوز الفرق بين العقوبة التي قضى بها ذلك الحكم والحد الأقصى الذي يقرره القانون  وتبرير ذلك أنه إذا قضى في الدعوى الأولى بالحد الأقصى للعقاب كانت هذه العقوبة هي كل ما يقرره القانون من أجل الجرائم المرتبطة التي تتماثل جسامة، إذ يصدق عليها أنها «عقوبة مقررة لأشد تلك الجرائم»؛ أما إذا قضى في الدعوى الأولى بما دون ذلك الحد، فالمتهم لم ينزل به بعد كل الجزاء الذي يقرره القانون لجرائمه، إذ لم يحكم عليه بالعقوبة المقررة لأشد الجرائم المرتبطة، فيكون القاضي أن ينطق بالعقوبة من أجل الجريمة الثانية ملتزماً الحدود التي يرسمها القانون لسلطته متمثلة في العقوبة المقررة لأشد الجرائم المرتبطة.(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة: 983)

يتحقق التعدد الصوري في الفروض التي يخالف فيها الشخص بسلوك واحد نصاً تجريمياً أكثر من مرة أو يخالف أكثر من نص تجريمي، وبالتالي تتحقق أكثر من جريمة. وإذا كانت مخالفة النص التجريمي تتضمن إضراراً بالحق أو المصلحة المحمية.فإن المخالفة المتعددة تتضمن بالضرورة تعدد في النتائج القانونية المترتبة على السلوك. ولذلك فأن التعدد الصوري أو المعنوي يتوافر كلما ترتب على السلك الواحد أكثر من نتيجة يعتمد بها المشرع قانوناً ويستوي بعد ذلك أن تكون النتائج متماثلة أو مختلفة.

فمن يقتل بعيار واحد أكثر من شخص نكون بصدد تعدد معنوي بين جريمتي القتل اللتين تحققتا كذلك من يرتكب هتك العرض والفعل العام يرتكب جريمتين متعددتين تعدداً معنوياً وهنا هتك العرض والفعل الفاضح العلني.

ويتميز التعدد المعنوي بين الجرائم بأن تلك الأخيرة تشترك معاً في قدر مشترك من عناصرها وهو السلوك الإجرامي، أما بقية العناصر فهي مختلفة، ولذلك لا تعتبر الجرائم المتعددة معنوياً جريمة واحدة كما يعتقد البعض، وإنما تتعدد الوقائع الإجرامية بالرغم من وحدة العمل فيها وهو السلوك - ومن أجل ذلك يلزم لتوافر التعدد المعنوي أن يتعدد الموقف النفسي للجاني حيال كل نتيجة من المتحققة سواء في شكل القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي.

حكم التعدد الصوري:

أورد المشرع حكم التعدد المعنوي بالمادة 32 عقوبات في فقرتها الأولي فقد نص المشرع على أنه «إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها».

وقد أخذ المشرع المصري وحده العقوبة في التعدد المعنوي كما أنه أخذ بهذا النظام في صورته المبسطة أي التي لا تجعل من التعدد المعنوي سبباً للتشديد في العقوبة الواحدة واجبة التطبيق. وعليه، يتعين على القاضي أن ينطق بعقوبة واحدة وهي المقررة للجريمة الأشد. أما العقوبات المقررة للجرائم الأخف فلا تطبق سواء أكانت أصلية أم تبعية أم تكميلية. فقد عالج المشرع التعدد المعنوي كما لو كان جريمة واحدة جاعلاً معیار الجريمة الأشد هو المناط في تحديد العقوبة واجبة التطبيق.

ويستفاد من النص السابق أن الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة هي شكل من أشكال التعدد المادي أو الحقيقي بين الجرائم. فهي تفترض تعددا ماديا في الجرائم بالإضافة إلى رابطة لها صفة معينة قائمة بين تلك الجرائم ولذلك يخرج عن نطاق النص السابق صور التوحيد القانوني الجرائم حيث تكون فيها بصدد جريمة واحدة تحقق نموذجاً تشريعياً واحداً وبالتالي تفقد كل جريمة استقلالها القانوني أما في الجرائم المرتبطة فأننا نجد أن كل جريمة مستقلة في عنصرها ومكوناتها القانونية عن الجريمة الأخرى. ومعنى ذلك أن كل جريمة تستحق قانونا العقوبة المقررة لها وهذا يفيد أن كل جريمة يحكمها نص تجريمي واجب التطبيق وبالتالي تتعدد القواعد القانونية بتعدد الجرائم. وأمثلة الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة ارتكاب جناية تزوير من قبل الموظف العمومي لإخفاء اختلاس أموال أميرية، والتزوير في عقد زواج لإخفاء جريمة زنا، وتزوير محرر رسمي واستعماله، وارتكاب جناية حريق عمد لإخفاء جريمة سرقة أو اختلاس.

ويشترط لتوافر الاستثناء محل البحث شرطان: الأول هو وحدة الغرض والثاني هو ارتباط الذي لا يقبل التجزئة.

الشرط الأول وحدة الغرض :

يلزم أن ترتكب الجرائم المتعددة تنفيذاً لغرض واحد. ويقصد بذلك وحدة الهدف الذي يرمي إليه الجاني بحيث تعبر الجرائم المتعددة عن مشروع إجرامي واحد. ومعنى وحدة المشروع الإجرامي هو أن كل جريمة من الجرائم المتعددة تشكل مرحلة من مراحل تنفيذ المشروع الإجرامي. ولذلك إذا أنتفت وحدة هذا المشروع بأن ارتكبت كل جريمة لغاية مستقلة عن الأخرى كنا بصدد القاعدة العامة في التعدد الحقيقي بين الجرائم ولسنا في محيط الجرائم المرتبطة، فمن يضرب المجني عليه حتى يفقده وعيه ثم ينتهز تلك الفرصة ويتلق له مزروعاته فلا نكون بصدد جرائم مرتبطة الانتفاء وحدة الغرض. كذلك من يزور مستنداً رسمياً لاستخدامه في إثبات براءته من تهمة منسوبة إليه فيستعمله في ارتكاب جريمة نصب فلا يوجد ارتباط بين التزوير وجريمة النص. بينما تتوافر وحدة العرض في التزوير والاختلاس إذا ارتكب الأول لإخفاء الثاني، وفي التزوير واستعمال محرر مزور إذا كان الاستعمال قد تم تنفيذا للهدف من التزوير.

الشرط الثاني : الارتباط الذي لا يقبل التجزئة :

لا شك أن وحدة الغرض يتحقق بها الارتباط بين الجرائم المرتكبة، ذلك أن الارتباط بين الجرائم يتوافر إذا تواجد عامل مشترك بينها، غير أن الارتباط البسيط غير كاف لتوافر الاستثناء الذي نحن بصده، وإنما يلزم أن تكون له صفة خاصة. وهذه الصفة الخاصة تتمثل في كون الارتباط غير قابل للتجزئة ويقصد بذلك، وفقاً للرأي السائد أن تكون الجرائم المرتكبة مرتبة على بعضها البعض بحيث ما كانت ترتكب الجريمة التالية لولا وقوع التي تسبقها.

الآثار القانونية للجرائم المرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة :

رتب المشرع أثراً قانونياً على الجرائم مجال البحث متمثلاً في وجوب اعتبارها جريمة واحدة والحكم فيها بعقوبة الجريمة الأشد.

فقد استثني المشرع هذا النوع من الجرائم من الأثر القانوني المترتب على التعدد المادي، غير أن هذا الاستثناء قاصر فقط عليه تعدد العقوبات فهذه الجرائم تشكل فرضاً من فروض التعدد المادي وبالتالي تخضع في أحكامها المتعلقة بالنظرية العامة للجريمة لقواعد التعدد، فمثلاً المساهمة الجنائية في إحدى الجرائم لا نستتبع المساءلة عن جميع الجرائم المرتكبة إلا إذا توافرت شروط المساهمة فيها. كذلك أيضاً بالنسبة للتقادم والانقطاع تستقل كل جريمة عن غيرها، كما أن المشروع لا يعتبر شروعاً في الجرائم الأخرى.

وعلى ذلك فإن أثر الارتباط الذي يقبل التجزئة ينحصر في وجوب توقيع عقوبة واحدة ألا وهي العقوبة المقررة للجريمة الأشد، ولا يجوز القاضي أن ينطق بعقوبة لكل جريمة من تلك الجرائم وإنما ينطبق فقط بالعقوبة المقررة للوصف الأشد. وتعتبر العقوبة أيضاً بالنسبة للجرائم الأخف.

وينبني على قصر الاستثناء فقط على الحكم بالعقوبة أن الجرائم ذات الوصف الأخف لا تفقد وجودها القانوني والآثار الأخرى غير العقوبة كاحتسابها في التماثل في أحكام العود وفي أحكام رد الاعتبار وغير ذلك من الآثار القانونية المترتبة على ارتكاب الجريمة خلاف الأثر الخاص بالعقوبة.

ونظراً لأن الجرائم ذات الوصف الأخف تظل قائمة قانوناً بالرغم من الحكم بعقوبة الجريمة الأشد، فإن العقوبات التكميلية المترتبة على ارتكابها يجب الحكم بها إلى جانب العقوبة المقررة للوصف الأشد، وذلك وفق الراجح فقهاً وقضاء، أما العقوبات التبعية والتكميلية الجوازية جانب العقوبة المقررة للوصف الأشد.

 حجية الحكم في الجرائم المرتبطة :

إذا صدر الحكم في الجرائم المرتبطة بعقوبة الجريمة ذات الوصف الأشد فإنه يكتسب بالنسبة لجميع الجرائم الأخرى ذات الوصف الأخف حتى تلك التي لم تكن ضمن موضوع الدعوى الجنائية، فإذا كانت هناك جريمة منسوبة لذات المتهم لم تكتشف إلا بعد الحكم بالإدانة فلا تجوز معاقبة المتهم عنها إذا كانت تحمل وصفا أخف من الجريمة الصادر الحكم بعقوبتها. كذلك الحال إذا كانت الجريمة التي لم ترتفع بها الدعوى الجنائية من وصف مماثل لتلك الصادر الحكم بعقوبتها. أما إذا كانت الجريمة هي ذات الوصف الأشد جاز رفع الدعوى الجنائية عنها على أن يراعي القاضي قدر العقوبة المحكوم به في الجريمة الأخف ويستنزل من العقوبة التي يحكم بها في خصوص الجريمة الأشد.

 استثناءات من آثار الارتباط :

إذا كانت آثار الارتباط تتميز في وجوب الحكم بالجريمة الأشد، فإن المشرع خرج عن تلك في بعض الحالات. وقد أخذ الخروج عن قاعدة الارتباط شكلين: الأول : وهو يقضي بتعدد العقوبات بتعدد الجرائم المرتبطة أي أن المشرع يرجع إلى الأصل العام في تعدد الجرائم بالنسبة لبعض الجرائم. ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 138 عقوبات من تعدد العقوبات بتعدد الجرائم بالنسبة لجريمة هرب المحبوسين إذا كان مصحوباً بالقوة أو بجريمة أخرى والثاني : يشدد فيه المشرع العقوبة المقررة للجريمة الأشد بسبب الارتباط، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 234 عقوبات من أنه إذا كان القتل قد قصد به التأهب لفعل جنحة أو تسهيلها ارتكابها بالفعل أو مساعدة مرتكبيها أو شركائهم على الهرب أو التخلص من العقوبة فيحكم بالإعدام أو بالأشغال الشاقة المؤبدة. على حين أن عقوبة القتل العمد غير المقترن بظروف، والتي تشكل الوصف هي الأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. (قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 647)

يقصد بتعدد الجرائم حالة ارتكاب الشخص لعدة جرائم قبل أن يحكم عليه نهائياً في واحدة منها. فهو يختلف عن العود في أن هذا الأخير يستلزم ارتكاب الجريمة بعد الحكم نهائياً على الجاني في جريمة أخرى ومفاد ذلك أن تعدد الجرائم يختلف عن العود في أنه في العود يقارف الجانی جرائمه الجديدة بعد سبق الحكم عليه نهائياً في جريمة سابقة أما في التعدد فهو يقارفها قبل الحكم عليه في أية جريمة أي قبل أن يتلقى بالتالى إنذار القضاء وتحذيره له بعدم العودة لسلوكه الآثم لذا يعد أقل إثما وخطورة من المجرم العائد لكنه أشد إثما بطبيعة الحال من الجاني الذي يرتكب جريمة واحدة فحسب.

التعدد الصور والتعدد الحقيقي :

والتعدد عموماً نوعان تعدد صوري أو معنوی وتعدد حقیقی أو مادي والنوع الأول يكون إذا ما ارتكب المتهم فعلاً واحداً ينطبق عليه أكثر من نص في القانون أي يوصف قانونا بأكثر من وصف واحد كحالة من يرتكب في الطريق العام جناية هتك عرض فإن هذا الفعل فضلاً عن وصفه المنطبق على المادة 268 من قانون العقوبات يوصف في الوقت نفسه بأنه فعل فاضح علني وفقاً للمادة 278 منه. أما النوع الثاني وهو التعدد الحقيقي فيكون بارتكاب الشخص العدة أفعال مستقلة يكون كل منها جريمة على حدة كمن يسرق من إنسان ويقتل آخر ويضرب ثالثاً وفيما يلي نعرض لأحكام كل من التعدد الصوري أو المعنوي و التعدد الحقيقي أو المادي.

أولاً : حكم التعدد الصوري أو المعنوي :

بينت المادة 1/ 32 عقوبات حكم التعدد الصور والذي يتمثل فيما إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة أي إذا وقع تحت طائلة عدة نصوص قانونية فنصت على أنه " إذا كون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها" وفي الواقع لايوجد في هذه الحالة تعدد جرائم بل يوجد تعدد نصوص أو تعدد أوصاف قانونية لأن الأمر لا يتعلق بوقوع عدة جرائم بل بمخالفة عدة قوانين جنائية. مثال ذلك إذا ضرب أحد آخر بقصد القتل ولم ينشأ عن الضرب إلا عجز عن الأشغال أكثر من عشرين يوما فهذا الفعل يكون في آن واحد جناية شروع في قتل معاقبا عليها بالمادة 234 عقوبات وجنحة ضرب معاقباً عليها بالمادة 241 عقوبات وإذا هتك شخص عرض طفل في الطريق العام فإنه يعد مرتكباً لجريمة هتك عرض وجريمة فعل فاضح علني مخل بالحياء، ومن صور التعدد المعنوي أيضاً حالة إطلاق عيار ناری على مجني عليه معين بقصد قتله فلا يصيبه ويصيب شخصاً آخر غير مقصود بالقتل فيقضى عليه فإنه عن هذه الحيدة في الهدف تنشأ جناية شروع في قتل عمد بالنسبة للمجني عليه المقصود بالقتل الذي اخطأه العيار. وجناية قتل تامة بالنسبة المجني عليه الذي توفي بالفعل وتكون الحالة حالة تعدد معنوي لا مادي ومثل هذه الأمثلة للتعدد المعنوى أخذ المشرع المصرى فيها بنظام وحدة العقوبة في صورته المبسطة أي التي لا تجعل من التعدد المعنوي سبباً للتشديد في العقوبة الواحدة واجبة التطبيق وعليه يتعين على القاضي أن يطبق عقوبة واحدة هي المقررة الجريمة الأشد أما العقوبات المقررة لجرائم الأخف فلا تطبق سواء أكانت أصلية أم تبعية أم تكميلية فقد عالج المشرع التعدد المعنوي كما لو كان جريمة واحدة جاعلاً معيار الجريمة الأشد هو المناط في تحديد العقوبة واجبة التطبيق، وهكذا يكون الاعتبار في صور التعدد المعنوي للوصف الأشد وحده ولا يقضى على الجاني بغير عقوبته. ويراعى أن انطباق نص المادة 1/ 32 عقوبات على الواقعة كما يكون الحكم قد أثبتها والقول بوحدة الجريمة أو بتعددها هو من التكييف القانوني الذي يخضع لرقابة محكمة النقض متى توافرت المصلحة من الطعن.

ويلاحظ أن تقدير العقوبة الأشد يكون بالنظر إلى العقوبات الأصلية المقررة للجريمة ولا عبرة بما قد يوجد معها من عقوبات تكميلية أو ما يترتب عليها من عقوبات تبعية ذلك أن العقوبات الأصلية هي العقوبات المرتبة في القانون على حسب جسامتها كما يلاحظ أن القاضي في تطبيقه للعقوبة الأشد ليس مقيداً بوجوب تطبيقها في حدها الأقصى بل أنه حرفی توقيع أي قدر منها فيما بين حديها ولو كانت العقوبة التي يحكم بها فعلاً أقل من الحد الأقصى المقرر العقوبة على حسب الوصف الأخف.

ونظراً لوحدة الفعل في حالة التعدد الصوري فإن المتهم يعتبر قد ارتكب الجريمة الأشد عقوبة فقط دون الجريمة أو الجرائم الأخف وإذا كانت إحدى الجرائم الناتجة من الفعل الواحد جنحة والأخرى جناية وجب رفع الدعوى لدى محكمة الجنايات ووجب على محكمة الجنح إذا رفعت لها دعوى الجنحة وحدها وتبين لها أن الجنحة هي مظهر أي صورة من صور جناية أن تحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى.

ويترتب على ذلك أن المختص بالدعوى هو القضاء المنوط به النظر في أشد أوصاف الفعل لأنه الذي يستطيع النطق بالعقوبة المقررة لهذا الوصف وإذا صدر في شأن الفعل حكم بالبراءة أو الإدانة على أساس أحد أوصافه كحائلاً دون تحريك الدعوى على أساس وصف آخر ولو كان أشد وذلك تطبيقاً لمبدأ، عدم جواز المحاكمة مرتين أو من أجل فعل واحد" المادة 455 من قانون الإجراءات الجنائية.

ثانياً : حكم التعدد الحقيقي أو المادي

المقصود بالتعدد الحقيقي أو المادي :

يقصد بالتعدد الحقيقي أو المادي ارتكاب الجاني أفعالاً متعددة يعد كل منها جريمة قائمة بذاتها سواء أكانت كلها من نوع واحد كما لو ارتكب عدة سرقات أم كانت من أنواع مختلفة كما لو ارتكب جنحاً أو جنايات مختلفة النوع.

وعلى ذلك فإن التعدد الحقيقي أو المادي يتوافر إذا تعدد السلوك المرتكب من الجاني وترتب على ذلك تعددا في الوقائع الإجرامية المتحققة فتعدد السلوك مع تعدد النتائج المترتبة يعطي شكل التعدد المادي بين الجرائم ومثال ذلك سرقة محتويات مسكن المجنى عليه ثم اغتصاب أنثي مقيمة به أو ضرب المجني عليه وإتلاف منقولات عمداً والصفة المميزة للتعدد المادي أو الحقيقي هي استقلال كل واقعة من الوقائع الأخرى في العناصر المكونة لها فالجرائم المتعددة لا تشترك ولو جزئياً في الفعل التنفيذي لها وإنما تستقل كل منها عن الأخرى في الفعل المكون لها وهذا ما يميز تلك الصورة عن التعدد المعنوي وبذلك يخرج من هذا المعنى الأفعال المتعددة التي يجعل القانون من بعضها ظرفاً مشدداً للبعض الآخر إذا اقترن به وإن كان كل منها مستقلاً يعد جريمة فإن العقاب عليها عند اجتماعها بعقوبة خاصة يجعل من مجموعها وحدة غير قابلة للتجزئة وليست حالة تعدد ومثالها السرقة بكسر من الخارج (المادة 317 "ثانياً" من قانون العقوبات) كما يخرج منه جرائم الاعتياد فهي وإن تكونت من عدة أفعال إلا أن هذه الأفعال جميعاً تدخل في جريمة واحدة باعتبارها من عناصرها وكذلك الجرائم المستمرة لأنها عبارة عن حالة جنائية تتجدد وتستمر الفعل المستمر واحد والجرائم المتتابعة فهي وإن تكررت تكون في مجموعها جريمة واحدة.

القاعدة والاستثناء في تعدد العقوبات :

أخذ المشرع المصري كقاعدة عامة بمبدأ تعدد العقوبات تبعا لتعدد الجرائم وهذا المبدأ يطبق على كافة الجرائم سواء منها الجنايات أو الجنح أو المخالفات وعلى ذلك نصت المادة 33 عقوبات بأن " تتعدد العقوبات المقيدة للحرية إلا ما استثنى بنص المادتين 35، 36 " كما قررت المادة 37 عقوبات بأنه " تتعدد العقوبات بالغرامة دائماً" كما نصت المادة 38 عقوبات على أن " تتعدد عقوبات مراقبة البوليس ولكن لا يجوز أن تزيد مدتها كلها على خمس سنين " وعلى ذلك فإن الأصل في القانون المصري هو تعدد العقوبات تبعاً لتعدد الجرائم وهذا الأصل يرد عليه استثناء مقرر بنص الفقرة الثانية من المادة 32 عقوبات والتي تنص على أنه "إذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم".

 ومن ثم فإنه يشترط لتوافر هذا الاستثناء شرطان:

 الأول : هو وحدة الغرض :

الثاني : هو الارتباط الذي لا يقبل التجزئة.

 وحدة الغرض :

تنص المادة 32 عقوبات في فقرتها الثانية على الحالة التي ترتكب فيها عدة جرائم لغرض واحد فتكون مرتبطة بعضها ببعض بوحدة الغرض بحيث تكون مجموعا غير قابل للتجزئة كما لو اختلس صراف شيئاً من الأموال الأميرية التي في عهدته وزور في الدفاتر بقصد إخفاء اختلاسه وكما لو ساعد أحد الأفراد متهما على الهرب وآواه في منزله بعد ذلك وكما لو زيف شخص نقود وتعامل بها بعد ذلك . وأذن فمناط تطبيق الفقرة الثانية من المادة 32 أن تكون الجرائم قد نظمتها خطة جنائية واحدة بعدة أفعال مكملة لبعضها البعض بحيث تتكون منها مجتمعة الوحدة الإجرامية التى عناها الشارع بالحكم الوارد في الفقرة المشار إليها فإذا كانت الجرائم التي قارفها المتهم قد وقعت على أشخاص مختلفين وفي تواريخ وأمكنة وظروف مختلفة وهو ما يفيد بذاته أن ما وقع منه في كل جريمة لم يكن وليد نشاط إجرامي واحد فإن ذلك لايتحقق به الارتباط الذي لا يقبل التجزئة ولو كانت الجرائم من نوع واحد.

والخلاصة أنه لا عبرة بتعدد الوسائل مهما تعددت ولا بإختلاف أشخاص المجني عليهم فيها مهما انقطعت الصلة بينهم ولا بالمظاهر الخارجية للسلوك الإجرامي مهما تفاوتت فكلما ظهرت وحدة الغرض كلما صح إمكان القول بالارتباط الذي لا يقبل التجزئة وكلما انتفت هذه الوحدة كلما تعذر إمكان البحث في مدى توافر عدم التجزئة بين الجرائم المتعددة.

وتقدير وحدة الغرض أمر موضوعي ينظر فيه إلى ظروف كل واقعة وتستقل به محكمة الموضوع بغير رقابة عليها من محكمة النقض.

الارتباط الذي لا يقبل التجزئة :

لا شك أن وحدة الغرض يتحقق بها الارتباط بين الجرائم المرتكبة ذلك أن الارتباط بين الجرائم يتوافر إذا تواجد عامل مشترك بينهما غير أن الارتباط البسيط غير كاف لتوافر الاستثناء الذي نحن بصدده وإنما يلزم أن تكون له صفة خاصة. وهذه الصفة تتمثل في كون الارتباط غير قابل للتجزئة ويقصد بذلك وفقاً رأي السائد في أن تكون الجرائم المرتكبة مرتبة على بعضها البعض بحيث ما كانت ترتكب الجريمة التالية لولا وقوع التي تسبقها.

وتقدير قيام الارتباط في الجرائم هو مما يدخل في حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليها إلا إذا كانت. وقائع الدعوى كما أثبتها الحكم لاتؤدي إلى النتيجة التي انتهت إليها المحكمة.

 أثر التعدد بالنسبة للعقوبات التبعية والتكميلية :

يترتب على أنه يحكم في الجرائم المرتبطة بعقوبة الجريمة الأشد فقط أنه يمنع تنفيذ العقوبات التبعية الخاصة بالجريمة الأخف وذلك لأنها جزاءات قانونية ألحقها الشارع ببعض العقوبات الأصلية وجعلها ملازمة لها تقوم بقيامها وتزول بزوالها- أما العقوبات التكميلية فهي في واقع أمرها عقوبة نوعية مراعي فيها طبيعة الجريمة ولذلك يجب توقيعها مهما تكون العقوبة المقررة لما ترتبط بتلك الجريمة من جرائم أخرى ولا يجوز أن تجب العقوبات التكميلية كما تجب العقوبة الأصلية التابعة هي لها بل يظل واجباً الحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد. وعقوبة المصادرة المنصوص عليها في المادة 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 في شأن الأسلحة والذخائر هي عقوبة تكميلية مراعي فيها طبيعة الجريمة. ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما ترتبط به هذه الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد. (موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار/ مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود  الصفحة / 263).

يقصد بتعدد الجرائم الحالة التي يرتكب فيها نفس الشخص أكثر من جريمة دون أن يكون قد صدر ضده في إحداها حكم بات ويستخلص من هذا التعريف أن تعدد الجرائم يقوم على عنصرين:

العنصر الأول : ارتكاب نفس الشخص جريمتين على الأقل:

وهذا العنصر يميز تعدد الجرائم عن حالات أخري قد تختلط به. فيميزه عن المساهمة الجنائية التي يرتكب فيها أكثر من شخص جريمة واحدة، ويميزه كذلك عن الجريمة المستمرة أو الجريمة المتتابعة، ففي الحالتين الجريمة واحدة وأفعال الاستمرار أو التتابع ما هي إلا تعبير عن قصد جنائي واحد أو تصميم إرادي واحد.

ومن أمثلة الجريمة المستمرة حمل سلاح بدون ترخيص، ومن أمثلة الجريمة المتتابعة السرقة على دفعات، وتتميز أيضاً حالة تعدد الجرائم عن جريمة العادة التي تتكون من عدة أفعال لا يكون كل فعل منها بذاته جريمة مستقلة، كالاعتياد على الإقراض بربا فاحش.

وتختلف حالة تعدد الجرائم كذلك عن الجريمة المركبة التي تتكون من جريمتين أو أكثر تكون إحداها عنصرا فيها أو ظرفاً مشدداً لها ويدمج المشرع هذه الجرائم معتبراً إياها جريمة واحدة، ومن أمثلة هذه الجرائم السرقة بالإكراه أو السرقة من منزل مسكون.

العنصر الثاني: عدم صدور حکم بات في إحدى الجرائد المتعددة:

والعنصر الثاني الذي يقوم عليه تعدد الجرائم هو عدم صدور حكم بات في إحدى هذه الجرائم قبل ارتكاب نفس الشخص لجريمته أو لجرائمه التالية، ومن هنا يختلف التعدد عن حالة العود التي تفترض سبق صدور حكم بات بالإدانة قبل ارتكاب الشخص لجريمته التالية، أما تعدد الجرائم فيفترض ارتكاب أكثر من جريمة دون أن يفصل بينها حكم بات صادر في إحداها.

المشكلة القانونية التي يثيرها تعدد الجرائم :

يثير تعدد الجرائم مشكلة تحديد العقوبة أو العقوبات الواجبة التطبيق علي الشخص الذي توافرت فيه هذه الحالة، فذهب رأي إلى أن العقوبات تتعدد بتعدد الجرائم، وذهب رأي أخر إلى القول بتطبيق عقوبة الجريمة الأشد. وهناك رأي وسط بين الرأيين السابقين هو أفضل الحلول المشكلة تعدد الجرائم وأثره في العقوبات، وهو ما تأخذ به أغلب القوانين الحديثة بأساليب مختلفة. فمنها ما يأخذ بتعدد العقوبات ولكن يضع لها حداً أقصي أو يقرر جب بعضها البعض، ومنها ما يأخذ بقاعدة توقيع عقوبة الجريمة الأشد ثم يقرر تغليظها بأن يجعل من التعدد ظرفاً مشدداً، وهذا الرأي الوسط هو الذي أخذ به المشرع المصري.

صور تعدد الجرائم :

التعدد الجرائم صورتان، التعدد المعنوي و التعدد المادي، ولقد نص المشرع المصري على هاتين الصورتين وبين أحكام كل منهما على التفصيل التالي:

الصورة الأولى : التعدد المعنوي:

أولاً: المقصود بالتعدد المعنوي:

يقصد بالتعدد المعنوي للجرائم تعدد الأوصاف الإجرامية للفعل الواحد، أي ارتكاب الجاني لفعل إجرامي واحد مع خضوع هذا الفعل لأكثر من وصف قانوني، يقود كل وصف منها إلى تطبيق نص تجريمي مختلف، فالتعدد المعنوي للجرائم يفترض تعدداً في الأوصاف الإجرامية يقابله تعدد في النصوص التجريمية، بحيث يمكن القول أن كل وصف منها تقوم به جريمة على حدة. ومن أمثلة التعدد المعنوي ارتكاب المتهم هتك عرض في مكان عام، فتقوم بهذا الفعل جريمتا هتك العرض والفعل الفاضح العلني.

ويتضح من هذا المثال أن الفعل الواحد قد يرتب نتيجة واحدة لها أكثر من وصف قانوني، ويطلق على التعدد المعنوي التعدد الصوري للجرائم.

 ثانياً :حكم التعدد المعنوي للجرائم :

بينت المادة ( 1/ 32) عقوبات حكم هذا التعدد حين نصت على أنه "إذا کون الفعل الواحد جرائم متعددة وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها اشد والحكم بعقوبتها دون غيرها". ويتضح من هذا النص أن المشرع يوجه خطابه إلي القاضي لا إلي سلطات التنفيذ، فيلتزم القاضي باستخلاص الأوصاف المختلفة للفعل، ويقتصر على الوصف الأشد منها، ويطبق النص الذي يقرر هذا الوصف، ويحكم بالعقوبة التي حددها هذا النص، أي أن المشرع عالج التعدد المعنوي كما لو كان جريمة واحدة، فاعتبر من الجرائم المتعددة الجريمة ذات الوصف الأشد، وطلب من القاضي الحكم بعقوبة هذه الجريمة دون غيرها.

ويقصد بعقوبة الجريمة الأشد جميع عقوباتها، سواء أكانت أصلية أو تكميلية أو حتى تدابير احترازية.

ويتم تحديد الجريمة ذات العقوبة الأشد عن طريق النظر إلى العقوبات الأصلية للجرائم المتعددة، والمقابلة بينها حسب تدرجها في سلم العقوبات كما نص عليه المشرع في المواد (10، 11، 12) عقوبات. فإذا اتحدت العقوبات درجة ونوعاً، وجبت المقارنة بينها على أساس الحد الأقصى دون اعتداد بالحد الأدنى، فإذا كان الحد الأقصى واحدا، وجب الاعتداد بالحد الأدنى.

والجريمة ذات العقوبات الأشد هي التي تتحدد على أساسها المحكمة المختصة بنظر الدعوى، فهي المحكمة المختصة بالنظر في أشد أوصاف الفعل، لأنها هي التي تستطيع النطق بالعقوبة المقررة لهذا الوصف. يترتب على ذلك أن القاضي لا يحكم في الجرائم الأخف ولا يقضي بعقوبات هذه الجرائم، فيجب عليه استبعاد عقوبات الجرائم الأقل شدة، سواء كانت أصلية أو تكميلية أو حتى تدابير احترازية. وينبني علي ذلك أن الحكم بالإدانة أو البراءة في شأن الفعل الواحد على أساس أحد أوصافه يكون منهياً للخصومة، وحائلاً دون تحريك الدعوى الجنائية على أساس وصف أخر ولو كان أشد، وذلك تطبيقاً لمبدأ عدم جواز المحاكمة مرتين من أجل فعل واحد.

وينبغي مراعاة عدم الخلط بين التعدد المعنوي للجرائم بالمعنى السابق، وتنازع النصوص الجنائية وتزاحمها إزاء فعل واحد فالتفسير السليم لحالة تنازع النصوص يؤدي في النهاية إلى أن نصة واحد منها هو الذي يكون واجب التطبيق، فلا تتعدد الأوصاف الإجرامية للفعل ولا تتعدد الجرائم بعكس التعدد المعنوي.

ومثال تنازع النصوص أن يرتكب شخص سرقة بإكراه فيتبين أن فعله خاضع للنص الخاص بالسرقة البسيطة (مادة 318 عقوبات) وكذلك خاضع لنص السرقة بإكراه (مادة 314 عقوبات). ولكن التفسير الصحيح لهذين النصين ينتهي إلى تطبيق النص الثاني وحده واستبعاد النص الخاص بالسرقة البسيطة.

الصورة الثانية : التعدد المادي:

التعدد المادي للجرائم - ويطلق عليه أيضاً التعدد الواقعي أو الحقيقي وهو ارتكاب نفس الجاني عدة أفعال مستقلة يشكل كل منها جريمة مستقلة بذاتها فكل فعل من هذه الأفعال يتطابق والنموذج القانوني لجريمة من الجرائم، ومن ثم تتعدد الجرائم بتعدد الأفعال التي تتطابق مع نماذجها الإجرامية.

ويستوي أن تكون الجرائم المتعددة من نوع واحد کارتكاب جرائم سرقة متعددة، أو من أنواع مختلفة كارتكاب جرائم قتل وسرقة وهتك عرض كما يستوي أن تكون كلها جنايات أو من الجنح أو المخالفات خليطاً منها.

وقد تعددت المعايير للتمييز بين وحدة الفعل وتعدده، والراجح في نظرنا المعيار الذي يعول على وحدة الغرض كضابط في هذا الصدد.

ويقصد بوحدة الغرض عدم تعدده، أما الغرض في ذاته فهو الهدف القريب أو المباشر للسلوك الذي اتجهت إليه الإرادة، وهو يختلف عن الغاية باعتبارها الهدف البعيد أو الغير المباشر للإدارة. فالغرض من القتل مثلاً هو إزهاق روح المجني عليه، أما الغاية منه فتختلف باختلاف الجناة. فقد تكون غاية القتل الانتقام أو الثأر أو الشفقة بالمجني عليه.

فإذا ما تعدت الأفعال استناداً إلى المعيار السابق، وتعددت بالتالي الجرائم فإن البحث يثور بصدد تحديد أثر تعدد هذه الجرائم على العقوبات.

والقاعدة العامة في القانون هي أنه في حالة التعدد المادي للجرائم تتعدد العقوبات لكن المشرع أورد استثناء علي هذه القاعدة، يقضي بتطبيق عقوبة واحدة على الرغم من تعدد الجرائم مادية، إذا كان بين هذه الجرائم ارتباط لا يقبل التجزئة. ولهذا نتناول أولاً القاعدة العامة، ثم ننتقل ثانياً إلى دراسة الاستثناء المقرر عليها.

أولاً : القاعدة العامة (تعدد العقوبات) :

تطبق قاعدة تعدد العقوبات على جميع الجرائم، لا فرق بين الجنايات أو الجنح أو المخالفات ولكن تطبيق هذه القاعدة على الأنواع المختلفة للعقوبات ليس واحداً ولا مطلقاً.

ثانياً : الاستثناء من قاعدة تعدد العقوبات:

حالة الارتباط الذي لا يقبل التجزئة:

قاعدة تعدد العقوبات يرد عليه استثناء هو حالة الارتباط الذي لا يقبل التجزئة، ولقد نصت عليه المادة ( 2/ 32) عقوبات بقولها "إذا وقعت عدة جرائم لغرض واحد وكانت مرتبطة ببعضها بحيث لا تقبل التجزئة وجب اعتبارها كلها جريمة واحدة والحكم بالعقوبة المقررة لأشد تلك الجرائم". وهذه المادة وضحت شروط الاستثناء وحكمه وسوف نتعرض له تباعاً.

شروط الاستثناء:

يتحقق هذا الاستثناء عندما تتعدد الجرائم تعدداً حقيقياً لا معنوياً، بأن تتعدد الأفعال ويكون كل فعل منها جريمة مستقلة في ذاته.

وقد كان من الواجب في هذه الحالة تطبيق قاعدة تعدد العقوبات، إلا أن المشرع وضع حكماً خاصاً وهذا هو الاستثناء الذي يقضي بتوقيع عقوبة واحدة هي عقوبة الجريمة الأشد إذا توافر شرطان:

 (أ) أن تكون الجرائم المتعددة قد وقعت لغرض واحد.

(ب) أن تكون مرتبطة بعضها ببعض ارتباطاً لا يقبل التجزئة.

وتعني وحدة الغرض وحدة الدافع أو وحدة الغاية التي يسعى الجاني إلى الوصول إليها، وذلك بأن تهدف جرائمه المتعددة إلى غاية واحدة.

ولا يقصد المشرع بوحدة الغرض وحدة القصد الجنائي، ذلك أن الجرائم المتعددة مستقلة فيما بينها. ولا شك في أن وحدة الغاية بالمعنى السابق، يتحقق بها الارتباط بين الجرائم المتعددة ارتباطا لا يقبل التجزئة. ولكن ليست هذه هي الحالة الوحيدة التي يقوم عليها الارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين الجرائم المتعددة. ولهذا ينتهي الأمر إلى ضرورة توافر شرط واحد لانطباق المادة ( 2/ 32) عقوبات وهو الارتباط الذي لا يقبل التجزئة، ولم يبين المشرع المقصود بهذا الارتباط، مما اقتضى ترك الأمر إلى تقدير قاضي الموضوع.

ويمكن القول بأن الارتباط الذي لا يقبل التجزئة بين الجرائم المتعددة يتوافر في حالات ثلاث

الحالة الأولى: وهي وحدة الغاية بالنسبة لجميع الجرائم المتعددة.

 الحالة الثانية: أن يكون بعضها وسيلة وبعضها الآخر غاية.

 الحالة الثالثة: أن يكون وقوع بعضها يترتب على وقوع بعضها الآخر.

ومن أمثلة الجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة اختلاس موظف أموالاً وتزويره الدفاتر الرسمية لإخفاء هذا الاختلاس، وتزويره الدفاتر الرسمية لإخفاء هذا الاختلاس، وتزوير محرر رسمي أو عرفي ثم استعماله، وتزييف مسكوكات ثم ترويجها.

 حكم الاستثناء :

متى تحقق الاستثناء المذكور، وجب اعتبار الجرائم المتعددة جريمة واحدة والحكم فيها بعقوبة واحدة هي المقررة لأشد تلك الجرائم، والخطاب هنا موجه إلى القاضي، فهو يلتزم بأن يطبق بعقوبة الجريمة الأشد، فإذا قضى بعقوبات متعددة، تاركاً تنفيذ العقوبة الأشد إلي سلطات التنفيذ، يكون قد أخطأ في تطبيق القانون.. حالات مستثناة من حكم المادة ( 2/ 32) عقوبات.

 ينص القانون صراحة في بعض الأحوال على تعدد العقوبات بالرغم من كون الجرائم المرتكبة يجمعها وحدة العرض والارتباط الذي لا يقبل التجزئة. من ذلك ما تقرره المادة ( 3/ 138) عقوبات من تعدد العقوبات إذا ارتكبت جريمة الهرب بالقوة أو كانت مصحوبة بجريمة أخرى.وقد يعتبر القانون الجريمة الأخف ظرفاً مشدداً لعقوبة الجريمة الأشد. فالقتل بغير سبق إصرار أو ترصد يعاقب عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة. فإذا ارتبط بجنحة تصبح عقوبته الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة (المادة 234/2عقوبات) أو السرقة بإكراه (المادة 314 عقوبات). ولولا هذه النصوص وأمثالها، لطبقت القاعدة الواردة في المادة ( 2/ 32) عقوبات. غير أن المشرع قدر خطورة الجرائم المتعددة المرتكبة في هذه الحالات. فلم يكتف بالحكم فيها بعقوبة الجريمة الأشد وحدها.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول،  الصفحة: 292).

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة:     .

 

(مادة 65)

 إذا انطبق على الفعل الواحد أكثر من وصف قانوني - وجب اعتبار الوصف ذي العقوبة الأشد والحكم بها، فإن تساوت عقوباتها فيحكم بإحداها. 

(مادة 66) 

إذا وقعت جريمتان أو أكثر تربطها وحدة الغرض - وجب الحكم بالعقوبة المقررة الأشد تلك الجرائم، فإن تساوت عقوباتها، حكم بإحداها. 

ولا يخل الحكم السابق بتوقيع العقوبات التكميلية المقررة بالنسبة للجريمة ذاتها أو الجرائم الأخرى. 

وإذا حوكم المتهم عن الجريمة ذات العقوبة الأخف ثم تبين ارتكابه الجريمة ذات العقوبة الأشد - وجب الحكم عليه بعقوبة هذه الجريمة، على أن يستنزل منها ما نفذ من الحكم السابق، على ألا يكون سابقة في العود إلا الحكم الأخير. 

وقد عالجت المواد من (65) إلى (69) حكم التعدد المعنوي والتعدد المادي للجرائم، ووفقا للشريعة الإسلامية فإن الجرائم في حالة التعدد تتداخل عقوباتها بعضها ببعض، بحيث يعاقب على جميع الجرائم بعقوبة واحدة، ولا ينفذ على الجاني إلا عقوبة واحدة كما لو كان قد ارتكب جريمة واحدة (شرح فتح القدير جـ (4) ص (208))، فإذا كانت الجرائم المتعددة من أنواع مختلفة، وجب للحكم بعقوبة واحدة أن تكون العقوبات المقررة لهذه الجرائم قد وضعت لتحقيق غرض واحد. 

تعدد الجرائم إذا كان بينها جرائم اعتداء على ما دون النفس 

موجبة للقصاص 

اجتماع جريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص مع جريمة أخرى: 

مادة (245): 

1- إذا ارتكب الجاني جريمة اعتداء على ما دون النفس، مما فيه قصاص، وأخرى معاقبا عليها بالإعدام حداً، أو قصاصاً، أو تعزيراً - فإن عقوبة الإعدام تجب عقوبة القصاص إذا طلبه المجني عليه، أما إذا طلب الدية فلا تخل عقوبة الإعدام بحقه فيها. 

2- وإذا ارتكب الجاني جريمة اعتداء على ما دون النفس مما فيه قصاص، وأخرى فيها الدية أو معاقبا عليها بغير الإعدام، فلا تخل العقوبات عن الجرائم الأخرى بعقوبة القصاص التي تقدم على غيرها عند اتحاد المحل. 

3- وتكون عقوبة القصاص أسبق في الترتيب من العقوبات المبينة في المادة (72) 

من هذا القانون.

الإيضاح 

واجهت الفقرة الأولى من هذه المادة حالة اجتماع جريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص، مع جريمة أخرى معاقب عليها بالإعدام سواء أكانت عقوبة الإعدام موقعة في جريمة من جرائم الحدود، أم في جريمة قتل موجبة للقصاص، أم في جريمة تعزيرية (كالو قطع الجاني يد شخص وارتكب جريمة حرابة يعاقب عليها بالإعدام حدا، أو جريمة قتل موجبة للقصاص، أو جريمة تعزيرية عقوبتها الإعدام). وقد نص المشروع على الحكم الذي سبق النص عليه في الفقرة الرابعة من المادة (79)، غير أن مجال إعمال هذا الحكم في جرائم الاعتداء على ما دون النفس أن يكون المجني عليه قد طلب القصاص، كأن طلب قطع يد الجاني، فإن إعدام الجاني للجريمة الموجبة للإعدام يجب قطع يده في هذه الحالة بحسبان أن قتل الجاني يستغرق قطع يده، ويكون الرأي القائل بعدم الاجتماع أولى بالاتباع. أما إذا كان المجني عليه قد اختار الدية دون القصاص، فإن إعدام الجاني لا يخل بحق المجني عليه في الدية عما قطع منه؛ لأن الدية حق مالي للمجني عليه لا تجبه عقوبة الإعدام على خلاف عقوبة القصاص. 

أما الفقرة الثانية من المادة فتواجه حالة اجتماع جريمة اعتداء على ما دون النفس موجبة للقصاص مع جريمة أخرى فيها الدية أو معاقب عليها بغير الإعدام، وفي هذه الصورة فإن العقوبة المقررة للجريمة الأخرى لا تخل بتوقيع عقوبة القصاص، ومثال ذلك أن يقطع الجاني يد شخص ويجرحه جائفة، ففي القطع قصاص وفي الجائفة الدية، ولا تخل إحداهما بالأخرى، أو أن يقطع الجاني يد شخص ويسرق، فمعاقبته عن السرقة لا تخل بعقوبة القصاص عن قطع اليد، وإذا كانت السرقة مما يعاقب عليها حدا يقطع يمني السارق، فلا تخل بحق المجني عليه، فله أن يطلب قطع يمناه قصاصا إذا كانت اليمني هي التي قطعت من المجني عليه، وفي هذه الحالة تقدم عقوبة القصاص على عقوبة السرقة، وهذا هو المقصود مما ورد في نهاية الفقرة الثانية من أن عقوبة القصاص تقدم على غيرها عند اتحاد المحل. 

(يراجع في تعدد الجرائم وتداخلها واتجاهات المذاهب فيها - على وجه الخصوص - 

المغني ج (8) ص (296) وما بعدها). 

وينص المشروع في الفقرة الثانية من المادة على أن تكون عقوبة القصاص الترتيب من العقوبات المبينة في المادة (72) من هذا القانون. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الحادي والعشرون ، الصفحة / 86

تَدَاخُلُ الدِّيَاتِ وَتَعَدُّدُهَا:

الأَصْلُ أَنَّ الدِّيَةَ تَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ وَإِتْلاَفِ الأْعْضَاءِ أَوِ الْمَعَانِي الْمُخْتَلِفَةِ إِذَا لَمْ تُفِضْ إِلَى الْمَوْتِ. فَإِنْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ مَعًا وَلَمْ يَمُتِ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ تَجِبُ دِيَتَانِ.

وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَعَقْلَهُ وَجَبَ ثَلاَثُ دِيَاتٍ، وَهَكَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي رَجُلٍ رَمَى آخَرَ بِحَجَرٍ فَذَهَبَ عَقْلُهُ وَبَصَرُهُ وَسَمْعُهُ وَكَلاَمُهُ فَقَضَى فِيهِ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ وَهُوَ حَيٌّ؛ لأِنَّهُ أَذْهَبَ مَنَافِعَ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دِيَةٌ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ دِيَاتُهَا كَمَا لَوْ أَذْهَبَهَا بِجِنَايَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ.

أَمَّا إِذَا أَفَضَتِ الْجِنَايَةُ إِلَى الْمَوْتِ فَتَتَدَاخَلُ دِيَاتُ الأْطْرَافِ وَالْمَعَانِي فِي دِيَةِ النَّفْسِ فَلاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ.

- وَبِنَاءً عَلَى هَذَا الأْصْلِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَالُ وَكَانَتْ مِنْ جَانٍ وَاحِدٍ تَتَدَاخَلُ مَعَ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ.

فَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً قَبْلَ الْبُرْءِ لاَ يَجِبُ عَلَى الْجَانِي إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ. وَكَذَلِكَ إِذَا قَطَعَ سَائِرَ أَعْضَائِهِ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ سَرَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى الأْطْرَافِ إِلَى النَّفْسِ فَمَاتَ مِنْهَا.

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ تَتَدَاخَلُ الأْعْضَاءُ فِي مَنَافِعِهَا، وَالْمَنَافِعُ فِي الأْعْضَاءِ إِذَا كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى نَفْسِ الْمَحَلِّ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَمْ بِدَفَعَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ، إِذَا لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهَا الْبُرْءُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَأَذْهَبَ شَمَّهُ لاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا أَذْهَبَ بَصَرَهُ ثُمَّ فَقَأَ عَيْنَيْهِ لاَ تَجِبُ إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَكَذَا. وَسَوَاءٌ أَحَصَلَتِ الْجِنَايَتَانِ مَعًا أَمْ بِالتَّرَاخِي بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ.

وَهَذَا إِذَا اتَّفَقَتْ صِفَةُ الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ وَالأْطْرَافِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَكَانَتِ الْجِنَايَةُ فِي الأْطْرَافِ بِالْقَطْعِ وَإِتْلاَفِ الْمَعَانِي فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ، وَلَمْ يَطْرَأْ عَلَى الْجِنَايَتَيْنِ انْدِمَالٌ.

وَإِذَا طَرَأَ الْبُرْءُ وَالاِنْدِمَالُ بَيْنَ الْجِنَايَتَيْنِ عَلَى الأْطْرَافِ، أَوْ عَلَى طَرَفٍ وَمَعْنًى مِنْ نَفْسِ الطَّرَفِ تَتَعَدَّدُ الدِّيَاتُ. فَإِذَا قَطَعَ أَنْفَهُ وَانْدَمَلَ ثُمَّ أَتْلَفَ شَمَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ. وَإِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَلَمْ يَسْرِ إِلَى النَّفْسِ وَانْدَمَلَتْ تَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ، وَهَكَذَا.

أَمَّا إِنِ اخْتَلَفَتِ الْجِنَايَةُ صِفَةً، بِأَنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَمْدًا وَالأْخْرَى خَطَأً، أَوْ لَمْ يَكُنْ مَحَلُّ الْجِنَايَتَيْنِ وَاحِدًا، وَلَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى لَكِنَّهَا سَرَتْ إِلَى طَرَفٍ أَوْ مَعْنًى آخَرَ فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَفُرُوعٍ أُخْرَى مِنْ نَوْعِهَا خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ، بَيَانُ ضَوَابِطِهِ فِيمَا يَلِي:

- يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ خَطَأً ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا قَبْلَ أَنْ تَبْرَأَ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً أَوْ قَطَعَ يَدَهُ خَطَأً فَبَرِئَتْ يَدُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ خَطَأً، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَبَرَأَتْ ثُمَّ قَتَلَهُ عَمْدًا فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ بِالأْمْرَيْنِ جَمِيعًا.

جَاءَ فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ: الأْصْلُ فِيهِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الْجِرَاحَاتِ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ تَتْمِيمًا لِلأْوَّلِ لأِنَّ الْقَتْلَ فِي الأْعَمِّ يَقَعُ بِضَرَبَاتٍ مُتَعَاقِبَةٍ وَفِي اعْتِبَارِ كُلِّ ضَرْبَةٍ بِنَفْسِهَا بَعْضُ الْحَرَجِ إِلاَّ أَنْ لاَ يُمْكِنَ الْجَمْعُ فَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْجَمْعُ فِي هَذِهِ الْفُصُولِ فِي الأْوَّلَيْنِ لاِخْتِلاَفِ حُكْمِ الْفِعْلَيْنِ وَفِي الآْخَرَيْنِ لِتَخَلُّلِ الْبُرْءِ، وَهُوَ قَاطِعٌ لِلسِّرَايَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ وَقَدْ تَجَانَسَا بِأَنْ كَانَا خَطَأَيْنِ يَجْمَعُ بِالإْجْمَاعِ لإِمْكَانِ الْجَمْعِ وَاكْتُفِيَ بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَقَالَ الْمُوصِلِيُّ الْحَنَفِيُّ: مَنْ شَجَّ رَجُلاً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ دَخَلَ فِيهِ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ؛ لأِنَّ الْعَقْلَ إِذَا فَاتَ فَاتَتْ مَنْفَعَةُ جَمِيعِ الأْعْضَاءِ فَصَارَ كَمَا إِذَا شَجَّهُ فَمَاتَ، وَأَمَّا الشَّعْرُ فَلأِنَّ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ لِفَوَاتِ بَعْضِ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ سَقَطَ الأْرْشُ، وَالدِّيَةُ تَجِبُ بِفَوَاتِ جَمِيعِ الشَّعْرِ، وَقَدْ تَعَلَّقَا بِفِعْلٍ وَاحِدٍ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَا لَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَشُلَّتْ يَدُهُ .

وَإِنْ ذَهَبَ سَمْعُهُ أَوْ بَصَرُهُ أَوْ كَلاَمُهُ لَمْ تَدْخُلْ، وَيَجِبُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ مَعَ ذَلِكَ، لِمَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَضَى فِي ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ؛ وَلأِنَّ مَنْفَعَةَ كُلِّ عُضْوٍ مِنْ هَذِهِ الأْعْضَاءِ مُخْتَصَّةٌ بِهِ لاَ تَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِ فَأَشْبَهَ الأْعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ، بِخِلاَفِ الْعَقْلِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهُ تَتَعَدَّى إِلَى جَمِيعِ الأْعْضَاءِ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الشَّجَّةَ تَدْخُلُ فِي دِيَةِ السَّمْعِ وَالْكَلاَمِ دُونَ الْبَصَرِ؛ لأِنَّ السَّمْعَ وَالْكَلاَمَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَقْلِ، أَمَّا الْبَصَرُ فَأَمْرٌ ظَاهِرٌ فَلاَ يُلْتَحِقُ بِهِ.

وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ: الْجِنَايَةُ إِذَا وَقَعَتْ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ فَأَتْلَفَتْ شَيْئَيْنِ، وَأَرْشُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرُ، دَخَلَ الأْقَلُّ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى عُضْوَيْنِ لاَ يَدْخُلُ، وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْشُهُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِسُقُوطِ الْقِصَاصِ بِهِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ لِلأْوَّلِ الْقِصَاصُ إِنْ كَانَ عَمْدًا وَأَمْكَنَ الاِسْتِيفَاءُ، وَإِلاَّ فَكَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ. وَقَالَ زُفَرُ لاَ يَدْخُلُ أَرْشُ الأْعْضَاءِ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ؛ لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلاَ يَتَدَاخَلاَنِ كَسَائِرِ الْجِنَايَاتِ.

- يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: تَتَعَدَّدُ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ إِلاَّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا، فَلَوْ ضَرَبَ صُلْبَهُ فَبَطَلَ قِيَامُهُ وَقُوَّةُ ذَكَرِهِ حَتَّى ذَهَبَ مِنْهُ أَمْرُ النِّسَاءِ لَمْ يَنْدَرِجْ، وَوَجَبَتْ دِيَتَانِ، كَمَا أَنَّ مَنْ شَجَّ رَجُلاً مُوضِحَةً فَذَهَبَ مِنْ ذَلِكَ سَمْعُهُ وَعَقْلُهُ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتَانِ بِجَانِبِ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ.

أَمَّا إِذَا ذَهَبَتِ الْمَنْفَعَةُ بِمَحَلِّهَا فَتَنْدَرِجُ الْجِنَايَتَانِ، فَتَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ، عَلَى الْمَنْفَعَةِ وَمَحَلِّهَا مَعًا.

وَكَذَا إِذَا جَنَى عَلَى لِسَانِهِ فَأَذْهَبَ ذَوْقَهُ وَنُطْقَهُ أَوْ فَعَلَ بِهِ مَا مَنَعَ بِهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا، أَوْ هُمَا مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ إِذَا ذَهَبَ كُلُّهُ بِضَرْبَةٍ أَوْ بِضَرَبَاتٍ فِي فَوْرٍ. وَأَمَّا بِضَرَبَاتٍ بِغَيْرِ فَوْرٍ فَتَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا الَّذِي لاَ تُوجَدُ إِلاَّ بِهِ. فَإِنْ وُجِدَتْ بِغَيْرِهِ وَبِهِ وَلَوْ أَكْثَرَهَا، كَأَنْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَأَقْعَدَهُ وَذَهَبَتْ قُوَّةُ الْجِمَاعِ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِمَنْعِ قِيَامِهِ، وَدِيَةٌ لِعَدَمِ قُوَّةِ الْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا فِي الصُّلْبِ.

وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْمَالِكِيَّةِ فِي الأْذُنِ وَالأْنْفِ، فَقَدْ نَقَلَ أَكْثَرُ شُرَّاحِ خَلِيلٍ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ فِي الشَّمِّ دِيَةً وَيَنْدَرِجُ فِي الأْنْفِ كَالْبَصَرِ مَعَ الْعَيْنِ وَالسَّمْعِ مَعَ الأْذُنِ. وَهَذَا مُطَابِقٌ لِقَاعِدَةِ: إِنَّ الْمَنْفَعَةَ لاَ تَتَعَدَّدُ بِمَحَلِّهَا، كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ خَلِيلٍ: (وَتَعَدَّدَتِ الدِّيَةُ بِتَعَدُّدِهَا إِلاَّ الْمَنْفَعَةَ بِمَحَلِّهَا)، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، كَمَا قَالَ الْبُنَانِيِّ.

وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَلاَ يَشْمَلُ قَوْلُهُ (بِمَحَلِّهَا) الأْذُنَ وَالأْنْفَ، وَإِنِ اقْتَضَاهُ كَلاَمُ بَعْضِ الشُّرَّاحِ، بَلْ فِي قَطْعِ الأْذُنِ أَوِ الأْنْفِ غَيْرِ الْمَارِنِ حُكُومَةٌ، وَالدِّيَةُ فِي السَّمْعِ وَالشَّمِّ؛ لأِنَّ السَّمْعَ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأْذُنَ، وَالشَّمَّ لَيْسَ مَحَلُّهُ الأْنْفَ بِدَلِيلِ تَعْرِيفَيْهِمَا.

- أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْمِنْهَاجِ: إِذَا أَزَالَ الْجَانِي أَطْرَافًا تَقْتَضِي دِيَاتٍ كَقَطْعِ أُذُنَيْنِ، وَيَدَيْنِ وَرِجْلَيْنِ، وَلَطَائِفَ (مَعَانِي) تَقْتَضِي دِيَاتٍ، كَإِبْطَالِ سَمْعٍ، وَبَصَرٍ وَشَمٍّ، فَمَاتَ سِرَايَةً مِنْهَا، وَكَذَا مِنْ بَعْضِهَا وَلَمْ يَنْدَمِلِ الْبَعْضُ كَمَا اقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ إِذَا كَانَ قَبْلَ الاِنْدِمَالِ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ فَدِيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَسَقَطَ بَدَلُ مَا ذَكَرَهُ؛ لأِنَّهَا صَارَتْ نَفْسًا، أَمَّا إِذَا مَاتَ بِسِرَايَةِ بَعْضِهَا بَعْدَ انْدِمَالِ بَعْضٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَدْخُلْ مَا انْدَمَلَ فِي دِيَةِ النَّفْسِ قَطْعًا، وَكَذَا لَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا خَفِيفًا لاَ مَدْخَلَ لِلسِّرَايَةِ فِيهِ ثُمَّ أَجَافَهُ (أَصَابَهُ بِجَائِفَةٍ) فَمَاتَ بِسِرَايَةِ الْجَائِفَةِ قَبْلَ انْدِمَالِ ذَلِكَ الْجُرْحِ فَلاَ يَدْخُلُ أَرْشُهُ فِي دِيَةِ النَّفْسِ كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، أَمَّا مَا لاَ يُقَدَّرُ بِالدِّيَةِ فَيَدْخُلُ أَيْضًا كَمَا فُهِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ بِالأْوْلَى، وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الْجَانِي أَيْ قَطَعَ عُنُقَ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَبْلَ انْدِمَالِهِ مِنَ الْجِرَاحَةِ يَلْزَمُهُ لِلنَّفْسِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الأْصَحِّ الْمَنْصُوصِ؛ لأِنَّ دِيَةَ النَّفْسِ وَجَبَتْ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا عَدَاهَا فَيَدْخُلُ فِيهَا بَدَلُهُ كَالسِّرَايَةِ. وَالثَّانِي تَجِبُ دِيَاتُ مَا تَقَدَّمَهَا؛ لأِنَّ السِّرَايَةَ قَدِ انْقَطَعَتْ بِالْقَتْلِ فَأَشْبَهَ انْقِطَاعَهَا بِالاِنْدِمَالِ. وَمَا سَبَقَ هُوَ عِنْدَ اتِّحَادِ الْفِعْلِ الْمَجْنِيِّ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مُخْتِلَفًا كَأَنْ حَزَّ الرَّقَبَةَ عَمْدًا وَالْجِنَايَةُ الْحَاصِلَةُ قَبْلَ الْحَزِّ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ عَكْسَهُ كَأَنْ حَزَّهُ خَطَأً وَالْجِنَايَاتُ عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ فَلاَ تَدَاخُلَ لِشَيْءٍ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ فِيهَا فِي الأْصَحِّ، بَلْ يَسْتَحِقُّ الطَّرَفَ وَالنَّفْسَ لاِخْتِلاَفِهِمَا وَاخْتِلاَفِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ، فَلَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ عَمْدًا، أَوْ قَطَعَ هَذِهِ الأْطْرَافَ عَمْدًا ثُمَّ حَزَّ الرَّقَبَةَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَعَفَا الأْوَّلُ فِي الْعَمْدِ عَلَى دِيَتِهِ وَجَبَتْ فِي الأْولَى دِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَدِيَةُ عَمْدٍ، وَفِي الثَّانِيَةِ دِيَتَا عَمْدٍ وَدِيَةُ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ، وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ تَسْقُطُ الدِّيَاتُ فِيهِمَا، وَلَوْ حَزَّ الرَّقَبَةَ غَيْرُهُ أَيِ الْجَانِي الْمُتَقَدِّمِ تَعَدَّدَتْ، أَيِ الدِّيَاتُ؛ لأِنَّ فِعْلَ الإْنْسَانِ لاَ يَدْخُلُ فِي فِعْلِ غَيْرِهِ، فَيَلْزَمُ كُلًّا مِنْهُمَا مَا أَوْجَبَتْهُ جِنَايَتُهُ. 

- وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ثُمَّ عَادَ فَضَرَبَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ تَنْدَمِلَ جِرَاحُهُ، وَصَارَ الأْمْرُ إِلَى الدِّيَةِ بِعَفْوِ الْوَلِيِّ أَوْ كَوْنِ الْفِعْلِ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْوَاجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ؛ لأِنَّهُ قَاتِلٌ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ الْجُرْحِ، فَدَخَلَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ فِي أَرْشِ النَّفْسِ، كَمَا لَوْ سَرَتْ إِلَى النَّفْسِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تَجِبُ دِيَةُ الأْطْرَافِ الْمَقْطُوعَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ؛ لأِنَّهُ لَمَّا قَطَعَ بِسِرَايَةِ الْجُرْحِ بِقَتْلِهِ صَارَ كَالْمُسْتَقِرِّ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ.

وَإِنْ قَطَعَ الْجَانِي بَعْضَ أَعْضَائِهِ ثُمَّ قَتَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَرِئَتِ الْجِرَاحُ، مِثْلُ إِنْ قَطَعَ الْجَانِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَبَرِئَتْ جِرَاحَتُهُ ثُمَّ قَتَلَهُ فَقَدِ اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْقَطْعِ بِالْبُرْءِ وَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْخِيَارُ، إِنْ شَاءَ عَفَا وَأَخَذَ ثَلاَثَ دِيَاتٍ، وَإِنْ شَاءَ قَتَلَهُ وَأَخَذَ دِيَتَيْنِ، دِيَةً لِلْيَدَيْنِ وَدِيَةً لِلرِّجْلَيْنِ؛ لأِنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ مِنْ ذَلِكَ اسْتَقَرَّ حُكْمُهَا، كَمَا قَالَ الْبُهُوتِيُّ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ لاَ تَدَاخُلَ بَعْدَ الاِنْدِمَالِ عِنْدَهُمْ لاَ فِي النَّفْسِ وَلاَ فِي الأْعْضَاءِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 272

تَعَدُّدُ الْعُقُوبَاتِ :

أَجَازَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ اجْتِمَاعَ الْعُقُوبَاتِ وَتَعَدُّدَهَا فِي جَرِيمَةٍ وَاحِدَةٍ، لَكِنْ بِصِفَةٍ مُخْتَلِفَةٍ، فَقَدْ يَجْتَمِعُ التَّعْزِيرُ مَعَ الْحَدِّ، فَالْحَنَفِيَّةُ لاَ يَرَوْنَ تَغْرِيبَ الزَّانِي غَيْرِ الْمُحْصَنِ فِي حَدِّ الزِّنَى، وَلَكِنْ يُجِيزُونَ تَغْرِيبَهُ تَعْزِيرًا بَعْدَ الْجَلْدِ حَدًّا.وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْجَارِحَ عَمْدًا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَيُؤَدَّبُ تَعْزِيرًا، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ يُجِيزُونَ اجْتِمَاعَ التَّعْزِيرِ مَعَ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْقَتْلَ الَّذِي عُفِيَ عَنِ الْقِصَاصِ فِيهِ تَجِبُ فِيهِ عَلَى الْقَاتِلِ الدِّيَةُ، وَيُضْرَبُ مِائَةً وَيُحْبَسُ سَنَةً تَعْزِيرًا.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث والثلاثون ، الصفحة / 277

الْقِصَاصُ فِي الْجِنَايَتَيْنِ:

إِذَا قَطَعَ أُصْبُعَ آخَرَ مِنْ مُنْتَصَفِ الْمَفْصِلِ، ثُمَّ قَطَعَهَا مِنَ الْمَفْصِلِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ إِنْ كَانَتْ قَبْلَ الْبُرْءِ مِنَ الأْولَى اقْتُصَّ مِنْهُ مِنَ الْمَفْصِلِ؛ لأِنَّهُ قَطْعٌ وَاحِدٌ فِي الْحُكْمِ، وَلَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ الثَّانِيَةُ بَعْدَ الْبُرْءِ مِنَ الأْولَى لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ؛ لأِنَّ الْجِنَايَةَ الأْولَى لاَ قِصَاصَ فِيهَا؛ لأِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْمَفْصِلِ فَتَعَذَّرَتِ الْمُسَاوَاةُ، وَالثَّانِيَةُ قَطْعٌ لِعُضْوٍ نَاقِصٍ فَلاَ قِصَاصَ فِيهَا أَيْضًا.

وَلَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ ثُمَّ قَتَلَهُ، فَإِنْ بَرِئَ بَعْدَ الْقَطْعِ اقْتُصَّ مِنْهُ بِالْقَطْعِ وَالْقَتْلِ؛ لأِنَّ كُلَّ جِنَايَةٍ مِنْهُمَا مُسْتَقْبَلَةٌ فَيُقَادُ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ بَعْدَ الْقَطْعِ فَقَوْلاَنِ لِلْحَنَفِيَّةِ، قَوْلٌ لأِبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الظَّاهِرُ بِأَنَّهُمَا كَجِنَايَتَيْنِ فَيُقْطَعُ وَيُقْتَلُ كَمَا إِذَا بَرِئَ، وَقَوْلٌ لِلصَّاحِبَيْنِ يُقْتَلُ وَلاَ يُقْطَعُ.

وَأَطْلَقَ الشَّافِعِيَّةُ الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْجِنَايَتَيْنِ إِذَا كَانَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ، مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ الْبُرْءِ أَوْ عَدَمِهِ، قَالَ الشِّيرَازِيُّ: وَإِنْ جَنَى عَلَى رَجُلٍ جِنَايَةً يَجِبُ فِيهَا الْقِصَاصُ ثُمَّ قَتَلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهِمَا؛ لأِنَّهُمَا جِنَايَتَانِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَوَجَبَ الْقِصَاصُ فِيهِمَا عِنْدَ الاِجْتِمَاعِ، كَقَطْعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ.

فَإِذَا جَنَى عَلَى اثْنَيْنِ فَقَطَعَ يَمِينَ كُلٍّ مِنْهُمَا اقْتُصَّ مِنْهُ بِقَطْعِ يَمِينِهِ، ثُمَّ إِنْ حَضَرَا مَعًا فَلَهُمَا أَنْ يَقْطَعَا يَمِينَهُ، وَيَأْخُذَا مِنْهُ دِيَةً بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ حَضَرَ الأْوَّلُ فَقَطَعَ لَهُ، ثُمَّ حَضَرَ الثَّانِي فَلَهُ الدِّيَةُ وَحْدَهُ - دِيَةُ الْيَدِ - وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَطْعَ يَنْدَرِجُ فِي الْقَتْلِ سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْجِنَايَتَانِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَقْصِدْ مُثْلَةً، فَإِنْ قَصَدَ مُثْلَةً لَمْ تَنْدَرِجِ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ إِنْ كَانَتَا عَلَى وَاحِدٍ، فَإِنْ تَعَدَّدَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِمُ انْدَرَجَتْ مُطْلَقًا، وَقَالَ الزَّرْقَانِيُّ: وَانْدَرَجَ فِي قَتْلِ النَّفْسِ طَرَفٌ إِنْ تَعَمَّدَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ، وَإِنْ كَانَ الطَّرَفُ لِغَيْرِهِ كَقَطْعِ يَدِ شَخْصٍ وَفَقْءِ عَيْنِ آخَرَ وَقَتْلِ آخَرَ عَمْدًا فَيَنْدَرِجَانِ فِي النَّفْسِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يَقْصِدْ مُثْلَةً، خَاصٌّ بِطَرَفِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الَّذِي قَتَلَهُ بَعْدَ قَطْعِ طَرَفِهِ، أَمَّا طَرَفُ غَيْرِهِ فَيَنْدَرِجُ.