1 ـ لما كان الشروع كما عرفته المادة 45 من قانون العقوبات هو البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها ، لما كان ذلك وكان الحكم قد دان الطاعن بجنحة الشروع فى سرقة . باعتبارها مرتبطة بجريمة القتل العمد . ولم يقل فى ذلك إلا أن المتهم دخل محل المجنى عليه ووقف بجوار الدرج الذى يحتفظ فيه الأخير بمتحصلات البيع من النقود ثم لجوئه إلى حيلة لكى يبعد المجنى عليه عن مكان الدرج فيسهل له الاستيلاء على ما به من مبالغ نقدية فراح يطلب منه عدة طلبات لم يكن فى حاجة إليها إلا أن المجنى عليه اكتشف أمر المتهم ونيته فى سرقة النقود فنهره وحاول طرده ثم أمسك به فى محاولة لضبطه وتشابك مع المتهم بالأيدى كى يتخلص منه ويفر هارباً وما أن شاهد المتهم سكيناً أعلى ثلاجة داخل محل المجنى عليه حتى تناولها وطعن بها المجنى عليه فى بطنه بقصد الفرار من مكان الجريمة خشية ضبطه فإن ما وقع من الطاعن . على النحو سالف البيان . مجرد عزم على ارتكاب جريمة السرقة وتحضير لها لا يعاقب الشارع على ما أتيه الفاعل منه ويكون الحكم معيباً إذ لم يأت بما يفيد توافر البدء فى التنفيذ وهو من الأركان التى لا تقوم جريمة الشروع فى السرقة إلا به ومن ثم يكون قاصراً فى استظهار رابطة السببية بين القتل والشروع فى السرقة مما يعيب الحكم من هذه الناحية أيضاً . لما كان ما تقدم فإنه يتعين نقضه والإعادة وذلك بغير حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن .
(الطعن رقم 5658 لسنة 79 ق - جلسة 2010/10/13)
2 ـ لما كان ذلك ، وكانتالمادة 45 من قانون العقوبات قد عرفت الشروع بأنه : " البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها " ، فلا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفى لاعتبار أنه شرع فى ارتكاب جريمة جناية أو جنحة أن يبدأ فى تنفيذ فعل ما سابق مباشرة على تنفيذ الركن المادى لها ومؤدى إليه حتماً ، وبعبارة أخرى يكفى أن يكون الفعل الذى باشره الجاني هو الخطوة الأولى فى سبيل ارتكاب الجريمة وأن يكون بذاته مؤدياً حالاً وعن طريق مباشر إلى ارتكاب الجريمة ما دام قصد الجاني من هذا الفعل معلوماً وثابتاً ، وكان من المقرر أن تقدير العوامل التى أدت إلى وقف الفعل الجنائي أو خيبة أثره ، وكون الأسباب التى من أجلها لم تتم الجريمة هى إرادية أو خارجة عن إرادة الجاني هو أمر متعلق بالوقائع يفصل فيه قاضى الموضوع ، وكان الثابت من الحكم على السياق المتقدم أن الطاعن عقد العزم وأعد عدته لتقليد العملات الورقية المحلية وقد أبدى هذه الرغبة للشاهدين الأول والثانى فأعدا له جهاز الكمبيوتر والطباعة الملونة بينما قام هو بإعداد الأوراق والأحبار اللازمة وأنه حال قيامه بطباعة الأوراق المالية من عملات محلية مختلفة تم القبض عليه ، فإن ما خلص إليه الحكم من تحقق أركان هذه الجريمة ، وأن الطاعن لم يعدل إرادياً عن ارتكابها , بل كان ذلك لسبب خارج عن إرادته يكون قد أصاب صحيح القانون ، ويكون منعى الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص غير سديد .
(الطعن رقم 19775 لسنة 74 ق - جلسة 2005/04/04 س 56 ص 245 ق 36)
3 ـ لما كان من المقرر أن الشروع كما عرفته المادة 45 من قانون العقوبات هو البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها - وكان من المقرر أنه لا يلزم لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل فى تنفيذ ذات الفعل المكون للجريمة إلا أنه يتعين أن يكون الفعل الذي بدء فى تنفيذه من شأنه أن يؤدي فورا ومباشرة إلى ارتكاب الجريمة .
(الطعن رقم 8858 لسنة 67 ق - جلسة 1999/05/09 س 50 ص 282 ق 66)
4 ـ من المقرر أن الشروع فى حكم المادة 45 من قانون العقوبات هو البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لاسباب لادخل لارادة الفاعل فيها فلا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونه للركن المادى للجريمة بل يكفى لاعتباره شارعاً فى ارتكاب جريمة أن يأتى فعلاً سابقاً على تنفيذ الركن المادى لها ومؤديا إليه حالا . لما كان ذلك ، وكان الثابت بالحكم أن الطاعن صعد إلى مكان الحادث مع المتهمين الآخرين بقصد السرقة فإنه يكون بذلك قد تجاوز مرحلة التحضير ودخل فعلاً فى دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالا إلى ارتكاب جريمة السرقة وإنه بفرض صحة ما يثيره الطاعن بوجه طعنه من أن دوره اقتصر على التواجد على درج سلم المجنى عليه فإن ذلك لا يغير من الأمر من أنه دخل فعلاً فى دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالاً لارتكاب السرقة التى اتفق على ارتكابها مع المتهمين الأخرين الذين تمنكوا من دخول مسكن المجنى عليه ومن ثم يكون ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد غير مقبول .
(الطعن رقم 22120 لسنة 62 ق - جلسة 1994/10/19 س 45 ص 879 ق 137)
5 ـ الشروع فى حكم المادة 45 من قانون العقوبات هو البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها. فلا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتباره شارعاً فى ارتكاب جريمة أن يأتي فعلاً سابقاً على تنفيذ الركن المادي لها ومؤدياً إليه حالاً. ولما كان الثابت فى الحكم أن الطاعن أحضر "الموتورات" الثلاثة إلى جوار فتحة سور المصنع الذي يعمل به تمهيداً لإخراجها من تلك الفتحة وأنه انتوى سرقتها بدلالة وعده لخفير المصنع بإعطائه جزءاً من ثمن بيعها وأنقده جنيهاً على سبيل الرشوة لقاء معاونته فى إتمام جريمته، فإنه يكون بذلك قد دخل فعلاً فى دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالاً إلى ارتكاب الجريمة، وبالتالي فإن ما ارتكبه سابقاً على ضبطه يعد شروعاً فى جناية الاستيلاء على المال المملوك للدولة المسندة إليه، ويكون الحكم إذ دانه بهذا الوصف بريئاً من قالة الخطأ فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 1318 لسنة 38 ق - جلسة 1968/11/11 س 19 ع 3 ص 954 ق 191)
6 ـ الشروع فى حكم المادة 45 من قانون العقوبات هو البدء فى تنفيذ فعل بقصد إرتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها . فلا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادى للجريمة بل يكفى لإعتباره شارعا فى إرتكاب جريمة أن يأتى فعلا سابقا على تنفيذ الركن المادى لها و مؤديا إليه حالا . و لما كان الثابت فى الحكم أن الطاعنين الثلاثة الأول تسلقوا السور الخارجى للحديقة إلى داخل المنزل و بقى الطاعن الرابع بالسيارة فى الطريق فى انتظارهم حتى إتمام السرقة و أن الطاعن الثانى عالج الباب الداخلى بأدوات أحضرها لكسره إلى أن كسر بعض أجزائه ، و أثبت الحكم أنهم كانوا ينوون سرقة محتويات المنزل ، فإنهم يكونون بذلك قد دخلوا فعلا فى دور التنفيذ بخطوة من الخطوات المؤدية حالا إلى إرتكاب السرقة التى اتفقوا على ارتكابها بحيث أصبح عدولهم بعد ذلك باختيارهم عن مقارفة الجريمة المقصودة بالذات أمرا غير متوقع ، و يكون ما ارتكبوه سابقا على ضبطهم شروعا فى جناية السرقة .
(الطعن رقم 994 لسنة 36 ق - جلسة 1966/10/04 س 17 ع 3 ص 911 ق 168)
7 ـ من المقرر أنه لا يشترط لتحقيق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادى للجريمة بل يكفى لإعتبار الفعل شروعاً فى حكم المادة 45 من قانون العقوبات أن يبدأ الجاني فى تنفيذ فعل سابق على تنفيذ الركن المادى للجريمة و مؤد إليه حالاً و مباشرة . و لما كان الحكم قد أثبت أن الطاعن الأول بعد أن توجه إلى المخزن المعد لتفريغ " المأزوت " لم يقم بالتفريغ و إكتفى بإزالة " الرصاص " الذى يقفل به صنبور خزان السيارة و حصل على توقيع الطاعن الثانى على الفاتورة بما يفيد إستلامه الزيت ثم سلك الطريق المؤدى إلى خارج مصنع الشركة و عندئذ إكتشف شيخ الخفراء وجود " المأذوت " بالسيارة و قام بضبطه فإن ذلك يعتبر بدءاً فى التنفيذ لجريمة السرقة لأنه مؤد فوراً و مباشرة إلى أتمامها و من ثم فإن الحكم إذا إعتبر ما وقع من الطاعن الأول شروعاً فى سرقة يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح .
(الطعن رقم 1019 لسنة 33 ق - جلسة 1964/01/20 س 15 ع 1 ص 66 ق 14)
8 ـ من المقرر أنه لا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل تنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادى للجريمة بل يكفى إعتبار الفعل شروعاً فى حكم المادة 45 من قانون العقوبات أن يبدأ الجاني فى تنفيذ فعل سابق على تنفيذ الركن المادى للجريمة و مؤد إليه حالاً و مباشرة . و لما كان الحكم قد أثبت أن الطاعنين و آخر قد دخلوا منزل المجنى عليه من بابه ثم تسللوا جميعاً إلى الحظيرة بقصد سرقة ما بها من مواشى و عندئذ هاجمتهم القوة ، فإن ذلك يعتبر بداءاً فى تنفيذ لجريمة السرقة لأنه يؤدى فوراً و مباشرة إلى إتمامها ، و من ثم فإن الحكم إذ إعتبر ما وقع من الطاعنين شروعاً فى سرقة يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح .
(الطعن رقم 2593 لسنة 32 ق - جلسة 1963/03/11 س 14 ع 1 ص 178 ق 37)
9 ـ إذا كان السلاح صالحاً بطبيعته لإحداث النتيجة التى قصدها المتهم من إستعماله و هى قتل المجنى عليه فإن عدم تحقق هذا المقصد - إذا كان لأسباب خارجة عن إرادة المتهم - لا يكون به الفعل جريمة مستحيلة بل هو جريمة خائبة . فإطلاق الرصاص على سيارة بقصد قتل من فيها ، و عدم تمام هذه الجريمة بسبب أن السيارة كانت مسرعة فى سيرها و مغلقة نوافذها هو شروع فى قتل بحسب نص المادة 45 من قانون العقوبات .
(الطعن رقم 1685 لسنة 9 ق - جلسة 1939/12/25 س 5 ص 60 ق 34)
10 ـ إن الشروع فى عرف المادة 45 من قانون العقوبات الأهلي هو " البدء فى تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها ". فلا يشترط - بحسب هذا التعريف - لتحقيق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة، بل يكفي لاعتبار أنه شرع فى ارتكاب جريمة أن يبدأ بتنفيذ فعل ما سابق مباشرة على تنفيذ الركن المادي لها ومؤد إليه حتما. وبعبارة أخرى يكفي أن يكون الفعل الذي باشره الجاني هو الخطوة الأولى فى سبيل ارتكاب الجريمة وأن يكون بذاته مؤدياً حالاً ومن طريق مباشر إلى ارتكابها، ما دام قصد الجاني من مباشرة هذا الفعل معلوماً وثابتاً. فإذا كان الثابت بالحكم أن المتهمين تسلقوا جدار المنزل الملاصق للمنزل الذي أثبت ذلك الحكم أنهم كانوا ينوون سرقته وصعدوا إلى سطحه، فلا تفسير لذلك إلا أنهم دخلوا فعلاً فى دور التنفيذ وأنهم قطعوا أول خطوة من الخطوات المؤدية حالاً ومن طريق مباشر إلى ارتكاب السرقة التي اتفقوا على ارتكابها من المنزل الملاصق، بحيث أصبح عدولهم بعد ذلك باختيارهم عن مقارفة الجريمة المقصودة بالذات أمراً غير محتمل. وإذن فيجب اعتبار الفعل الذي ارتكبوه إلى حين مداهمتهم شروعاً فى جريمة السرقة.
(الطعن رقم 1611 لسنة 4 ق - جلسة 1934/10/29 س ع ع 3 ص 375 ق 282)
11 ـ لا يشترط لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة، بل يكفي لإعتبار الشروع قائماً وفقاً لنص المادة 45 من قانون العقوبات أن يبدأ الجاني بتنفيذ فعل ما سابق على تنفيذ الركن المادى للجريمة ومؤد إليه حالاً ومباشرة.
(الطعن رقم 1293 لسنة 28 ق - جلسة 1958/12/15 س 9 ع 3 ص 1068 ق 258)
ومن هذا التعريف يتبين أنه لوجود الشروع قانوناً يجب أن تتوافر الأركان الآتية:
1) البدء في تنفيذ فعل.
2) أن يكون ذلك بقصد ارتکاب جناية أو جنحة.
3) أن يقف التنفيذ أو يخيب أثره الأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.
وفيما يلي تفصيل لازم لكل ركن من هذه الأركان.
1- البدء في التنفيذ:
عبر الشارع المصري عن الركن المادي في الشروع بتعبير "البدء في تنفيذ فعل" فمتى يعتبر الفعل الذي أتاه الجاني " بدءاً في تنفيذ الجريمة" ومتى لا يعتبر كذلك ؟ وللإجابة على ذلك يلزم تحديد المراحل التي تمر بها الجريمة لكي نميز بين مرحلتين وهما مرحلة لا يعاقب عليها ومرحلة تالية يحق العقاب عليها.
أولاً : المرحلة التي لا عقاب عليها في الجريمة :
لا يتدخل القانون بالعقاب على مرحلتين من مراحل الجريمة الأولى هي التفكير فيها والتصميم عليها والثانية هي الأعمال التحضيرية لها.
ومرحلة التفكير في الجريمة والتصميم عليها هي مرحلة نفسية مستترة في النفس الأصل أنه لا عقاب عليها لأنها لا تعدو أن تكون مجرد خواطر لم تظهر في العالم الخارجي في شكل فعل أو امتناع ومعروف أن القانون لا يعتد إلا بالإرادة التي عبر عنها في شكل فعل مادي أو بامتناع وإذا كان التصميم على ارتكاب الجريمة غير كاف لقيامها فإنه في الوقت نفسه لا يعد شروعاً فيها لأن الشروع في أمر يقتضي بالضرورة نشاط يتجاوز مجرد التصميم عليه وعلى الرغم من أن هذا الحكم بديهية مسلمة فقد حرص المشرع على تأكيده درءا لأي شبهة فنص في المادة 45 عقوبات في فقرتها الثانية على أنه لا يعد شروعاً في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها " وإذا كان القانون يعاقب في بعض نصوصه على مجرد التحريض على ارتكاب جرائم معينة أو على التهديد بارتكاب بعض الجرائم أو على الاتفاق الجنائي فليس في ذلك نقض الحكم السابق لاننا لسنا بصدد نوايا مجردة ولكننا بصدد أفعال خارجية جاوزت العزم وإن أفصحت عنه والعقاب عليها مقرر لا باعتبارها شروعاً في الجريمة التي أنصب التحريض أو التهديد أو الاتفاق عليها بل باعتبارها جريمة قائمة بذاتها لها أركانها المستقلة وعقوبتها المتميزة.
أما المرحلة الثانية للجريمة والتي لا عقاب عليها فهي مرحلة الأعمال التحضيرية.
والأعمال التحضيرية هي التي يتهيأ بها الجاني لتنفيذ الجريمة كإعداد السلاح للقتل وآلات کسر الأبواب والمفاتيح المصطنعة للسرقة وهي مرحلة تتوسط التفكير في الجريمة وتنفيذها فهي وإن كانت مظهراً خارجياً مادياً للتصميم على الجريمة فهي لا تدخل في تنفيذها ولا تربطها بها إلا رابطة فكرية في ذهن الجاني ومن أجل ذلك لا يعاقب عليها القانون من حيث علاقتها بالجريمة التي وقعت هذه الأعمال تحضيراً لها فهي لا تدخل في معنى الشروع المعاقب عليه (بالفقرة الثانية من المادة 45 من قانون العقوبات). والعلة في ذلك أنها أعمال مبهمة لا تدل بذاتها على اتجاه إجرامي فالسلاح قد يعد للقتل وقد يكون لغرض آخر مشروع كالصيد أو الدفاع عن النفس وحتى إذا ثبت التصميم على الجريمة وتعين الغرض من العمل التحضيري فالقانون لا يعاقب عليه الاحتمال تكون الجاني عن تنفيذ ما كان مقدماً عليه إذ لا يزال المدى أمامه متسعاً لذلك ومن حسن السياسة ألا يعجلة القانون بالعقاب وهو في هذه المرحلة له المجال في العدول وإلا لدفعه إلى التمادي في الجريمة مادام قد وقع تحت طائلة العقاب فعلاً.
- ومع ذلك قد يجد الشارع من الأعمال التحضيرية ما يعتبره خطراً على الأمن الجماعي فيجرمه ويضع له عقاباً باعتباره فاعلاً أصلياً أو باعتباره اشتراکاً فهو يعاقب مثلا بصفة أصلية كل من صنع أو حاز بغير مسوغ أدوات أو آلات أو معدات مما يستعمل في تقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها (م204 مکرراً ع) وكل من يقلد مفاتيح أو يغير فيها ويصنع آلة استعمال ذلك في ارتكاب جريمة (م 324 ) وكل من يدخل بيتاً مسكوناً أو معداً للسكن بقصد ارتكاب جريمة فيه (م 370 ع) وكل من يحرز سلاحاً بدون ترخيص (قانون 394 لسنة 1954) وكل من يحرز سلاح أو يحوز أو يصنع مفرقعات بدون ترخيص (م 102 مکرراً ع) - ويعاقب كل من يعطى للفاعل أو الفاعلين سلاحاً أو آلات أو أي شئ آخر مما استعمل في ارتكاب الجريمة مع علمه بها أو يساعدهم بأي طريقة في الأعمال المجهزة أو المسهلة أو المتممة لارتكابها طبقاً للمادة 3 / 40 ع باعتباره شريكاً في الجريمة فهو يعاقب على أعمال المساعدة التي تعتبر أساساً من الأعمال التحضيرية - وقد يجعل الشارع من الأعمال التحضيرية ظرفاً مشدداً للجريمة كالتسلق في السرقة (317 ع ).
ثانياً : المراحل التي عاقب عليها القانون في الجريمة :
إذا جاوز الجاني هاتين المرحلتين دخل في مرحلة (التنفيذ) وإذا جاوز مرحلة التنفيذ دخل في مرحلة " التمام" وهاتان المرحلتان : مرحلة التنفيذ ومرحلة التمام عليهما القانون. وتحديد بدء مرحلة التنفيذ يقتضي تحديد معیار بمقتضاه يتم التمييز بين " العمل التحضيري" والعمل التنفيذي في الجريمة أن نميز بين عمل لأعقاب عليه وعمل معاقب عليه لأنه يكون "شروعاً" في الجريمة وقد تردد الفقه بتحديد هذا المعيار بين مذهبين هما المذهب المادي والمذهب الشخص.
المذهب المادي :بمقتضى هذا المذهب فإن البدء في التنفيذ هو البدء في ارتكاب الأعمال المكونة لنفس الجريمة والتي تعتبر من أركانها ولاتقوم الجريمة بدونها أما الأعمال التحضيرية فإنها سابقة على تنفيذ نفس الجريمة وممهدة لها ولكنها من أركانها ولا تدل على قصد الفاعل بطريقة قاطعة وعليه لا يعتبر الشخص الذي يضبط بعد أن تسلق حائط المنزل ودخله أنه شرع في السرقة.
المذهب الشخصي :أما انصار المذهب الشخصي فيقررون أن البدء في التنفيذ يتوفر بارتكاب الأعمال التى وإن لم تكن من أركان نفس الجريمة إلا أنها تؤدي مباشرة إلى ارتكابها مع ثبوت نية الفاعل في ارتكاب الجريمة وبعبارة أخرى لأجل اعتبار الشخص شارعاً في ارتكاب جريمة معينة يجب أن يثبت أنه كان يقصد ارتكاب تلك الجريمة وأتى أعمالا وإن كانت سابقة عليها إلا أنها تؤدي مباشرة إليها كالسارق الذي يضبط وهو يفتح الخزنة التي بها النقود أو الحلى المراد سرقتها فإنه يعتبر شارعا في السرقة. أو كمن يضبط وقد رفع يده بسكين وعلى وشك أن يطعن بها خصمه فإنه يعتبر شارعاً في القتل .
مذهب القضاء المصري : استقرت محكمة النقض على الأخذ بالمذهب الشخصي فقررت في أحد أحكامها أن الشروع في عرف المادة 45 من قانون العقوبات الأهلي هو " البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره الأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها " فلا يشترط بحسب هذا التعرف لتحقق الشروع أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة بل يكفي لاعتبار أنه شرع في ارتكاب جريمة أن يبدأ في تنفيذ فعل ما سابق مباشرة على تنفيذ الركن المادي لها مؤد إليه حتماً. وبعبارة أخرى يكفي أن يكون الفعل الذي باشره الجاني هو الخطوة الأولى في سبيل ارتكاب الجريمة وأن يكون بذاته مؤدياً حالاً ومن طريق مباشر إلى ارتكاب الجريمة مادام قصد الجاني من مباشرة هذا الفعل معلوماً وثابتاً.
لما كان البدء في التنفيذ من أركان الشروع القانونية فإن اعتبار الأفعال التي ترتكب بدءاً في التنفيذ أو أنها أعمال تحضيرية هو فصل في نقطة قانونية ومن ثم يخضع لرقابة محكمة النقض ومن أجل ذلك يجب على محكمة الموضوع أن تبين في حكمها الأفعال التي ثبت لديها أن المتهم ارتكبها وتقديرها في ذلك نهائي. أما وصف هذه الوقائع بأنها بدء في التنفيذ أو مجرد أعمال تحضيرية فيخضع لرقابة محكمة النقض.
2- قصد ارتکاب جناية أو جنحة :
الركن الثاني من أركان الشروع هو قصد ارتکاب جناية أو جنحة وقد نصت المادة 45 على ذلك بقولها " الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة ".
والقصد الجنائي هو نية تسلط إرادة الجانى لارتكاب جريمة معينة مع علمه بأركانها القانونية وأن القانون يعاقب عليها والقصد الجنائي في الشروع هو أهم أركانه لأن الفعل المرتكب يكون في بعض الحالات قابلاً للتأويل حتى تظهر نية الفاعل وما انطوى عليه صدره فيصبح هذا الفعل عملاً من الأعمال التي بدأ بها تنفيذ الجريمة فيعاقب مقارنة بعقوبة الشروع. وتظهر هذه النية من طبيعة الفعل ومن ملابسات وشخصية فاعله وسوابقه ونوع الوسائل التي استعملها أو غير ذلك من الأمور والقرائن التي تعلن ما خفي من نية الجاني فإذا لم يعرف قصد الفاعل فلا يمكن عقابه باعتباره شارعاً وإن كان يجوز اعتباره مرتكباً لجريمة أخرى يعاقب عليها القانون مثال ذلك وجود شخص بداخل منزل وعدم بلوغ التحقيق حد الكشف عن نوع الجريمة التي أراد ارتكابها بحيث يبقى قصده مجهولاً. فيجوز عقابه على جريمة أخرى وهي دخول المنزل بقصد ارتكاب جريمة فيه (م 370 ) .
ويترتب على ما سبق أن الشروع غير متصور بالنسبة للجرائم التي يقوم الركن القوى فيها على غير القصد الجنائي فلا يتصور الشروع بالنسبة للجرائم غير العمدية والتي لا تتجه فيها الإرادة إلى النتيجة غير المشروعة التي تحققت كالقتل الخطأ أو الإصابة الخطأ كما لا يتصور الشروع أيضاً بالنسبة للجرائم المتجاوزة القصد كالضرب المفضي إلى موت أو الضرب المفضى إلى عاهة إذا في هذه الفروض يقوم الشروع فقط بالنسبة لجنحة الضرب دون النتيجة المتجاوزة والتي لا يعاقب عليها إلا إذا تحققت فعلاً ومع ذلك يتصور الشروع بالنسبة للضرب المفضي إلى عاهة إذا انصرفت الإرادة إلى تحقيق العاهة ذلك أن تلك الجريمة ليست دائماً متجاوزة القصد إذ من الجائز أن يكون تحقق العاهة عمدياً - ويجب أن تتجه الإرادة إلى تحقيق جناية أو جنحة من الجنح المعاقب عليها بوصف الشروع فلا يكفي أن يكون البدء في التنفيذ هو بقصد تحقيق جريمة أياً كانت وإنما يلزم أن تكون جناية أو جنحة، ويجب أن تكون جناية أو جنحة معينة وليست مجهلة باعتبار أن الفعل التنفيذي المعاقب عليه كشروع إنما يرتبط بغاية محددة يعتبر بالنسبة لها بدءاً في التنفيذ. ويترتب على ذلك أنه لا شروع في المخالفات ولا في الجنح التي لم ينص القانون على تجريم الشروع فيها .
سلطة القضاء في إثبات توافر القصد الجنائي :
إثبات القصد الجنائي يكون بجميع طرق الإثبات وهو من الوقائع فلا رقابة لمحكمة النقض في إثباته أو نفيه وبعبارة أخرى فإن التحقق من توافر القصد الجنائي يدخل في اختصاص قاضي الموضوع الذي يستخلصه من وقائع الدعوى وقرائنها ولا رقابة لمحكمة النقض عليه إلا إذا أخطأ في تحديد عناصره وأحكامه إذ يكون للمحكمة أن ترده إلى التحديد الصحيح ويلتزم قاضى الموضوع بأن يثبت في حكمه بالإدانة من أجل الشروع توافر القصد المتجه إلى الجريمة فإن لم يفعل فحكمه قاصر التسبيب إذ أغفل بیان رکن تقوم عليه المسئولية الجنائية عن الشروع .
3- وقف التنفيذ أو خيبة أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.
الشروع وإن كان معاقباً عليه بوصفه جريمة استوفت أركانها إلا أنه بالقياس إلى الجريمة المشروع فيها يعتبر مرحلة من مراحلها ومن هذه الزاوية وحدها يمكن القول بأن الشروع جريمة غير تامة فالشروع في القتل جريمة لكنها جريمة شروع في قتل لا جريمة قتل وعدم التمام له صور وأسباب بينتها المادة 45 حين تحدثت عن وقف الفعل أو خيبة أثره الأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها.
الجريمة الموقوفة والجريمة الخائبة : تكون الجريمة موقوفة إذا كان الجاني لم يتم الأفعال اللازمة لوقوعها لسبب خارج عن إرادته كأن يحاول عادل قتل غريمه وعندما يهم بأعمال السلاح فيه يتدخل آخر فيعطل حركته ويمنعه من إتمام فعله أو يحاول لص السرقة من منزل فيقبض عليه قبل أن يتمكن من الاستيلاء على ما أراد سرقته. أما الجريمة الخائبة فهي التي يقوم فيها الجاني من جانبه بالأعمال التي من شأنها أحداث الجريمة ولكنه يفشل في تحقيق غرضه كما لو أطلق شخص على آخر عياراً نارياً قاصداً قتله فلا يصيبه أو يصيبه في غير مقتل أو يدس له مادة سامة في الصورتين فإن القانون يسوي بينهما في الحكم ويعد الجاني فيها شارعاً متى كان وقف الأفعال أو خيبة أثرها لأسباب لا دخل لإرادته فيها (المادة 1/45) من قانون العقوبات.
العدول الاختياري : يجب أن يكون عدم إتمام الجريمة- سواء كانت جريمة موقوفة أو خائبة - راجعاً إلى سبب لا دخل لإرادة المجنى فيه أي سبباً خارجياً يحدث ويتدخل في منع إتمام الجريمة على الرغم من الفاعل الذي بدأ التنفيذ فعلاً فإذا عدل الجاني قبل أن يبدأ تنفيذ الجريمة فلا عقاب عليه إذا كان عدو له بإرادته تشجيعاً من الشارع للجاني الذي يثنيه شعوره عن متابعة نشاطه الإجرامي وإتاحة الفرصة له في تلك اللحظة التي يواجه فيها التنفيذ فيكون من مأمن من العقاب أن هو عدل من تلقاء نفسه. ولا ينظر القانون إلى السبب الذي حمل الجاني على العدول عن إتمام الجريمة فسواء عنده إن كان هذا السبب هو الندم أو الخوف أو لأن الجاني شعر بأن الظروف غير مناسبة بل المهم أنه كان في وسعه مادي إتمام الجريمة ولم يفعل - ولكن إذا كان عدول الجاني باختياره يعفيه من عقوبة الشروع فإنه لا يعفيه من العقاب إذا كانت الأفعال التي تمت تعتبر جريمة في ذاتها كما إذا قصد السرقة بإكراه وبعد أن ضرب المجني عليه وألجأه إلى الفرار عدل عن السرقة فإنه لا يعاقب على الشروع في السرقة ولكنه يكون مسئولاً عن جريمة الضرب. وقد يعدل الجاني باختياره بعد توافر أركان الشروع أي بعد أن يخيب أثر فعله لسبب غير إرادي وفي هذه الحالة لا يكون للعدول الاختياري أي أثر على جريمة الشروع وقد تمت منذ ذلك أن يطلق المجرم عياراً نارياً على المجني عليه فيخطئه ثم حجم بإرادته عن الإستمرار في نشاطه مع قدرته عليه فمع أن الجريمة لم تتم وإنما لازالت في مرحلة الشروع فإن عدول الجاني لا يفيد لحصوله بعد أن خاب أثر فعله لسبب أجنبي ومن باب أولى لا تأثير للعدول الاختياري عن تحقيق الغاية بعد تمام الجريمة وإن صح للقاضي أن يدخله في حساب العقوبة أو عند الحكم في مسألة التعويض المدنی فرد الموظف العطية أو الهدية إلى الراشی بعد تمام الرشوة لا تأثير له على الرشوة. ولا يمحو الحريق أن يعمد الجاني إلى إطفاء النار التي أشعلها .
وقد يكون العدول مختلطاً من حيث طبيعته إذ فيه جانب غير اختیاری وجانب اختیاری ويعني ذلك أنه لم يكن وليد عملية نفسية خالصة وإنما عرضت للفاعل واقعة خارجية أثرت على تفكيره وإرادته وجعلته يقف في نشاطه الإجرامي والغرض أنه إذا لم تعرض هذه الواقعة ما كان يعدل عن الجريمة مثال ذلك أن يرى شخصاً مقبلاً نحوه أو يسمع صوتاً قريباً منه فيعتقد أنه مهدد بالقبض عليه فيوقف نشاطه الإجرامي وقد تكون الواقعة موهومة كما لو توهم أنه يرى شخصاً أو يسمع صوتاً والحقيقة أنه لاوجود لذلك والرأي الراجح في ذلك هو الحاق العدول المختلط بالعدول غير الاختياري إذ لا وجود لذلك إذ لا يكون العدول اختيارياً إلا إذا كان تلقائياً راجعاً إلى أسباب نفسية خالصة وهذه الصفة التلقائية غير متوافرة في العدول المختلط إذ ليس مرجعه إلى نفسية الفاعل وحدها.
العدول في نوعي الشروع :
العدول الاختیاری متصور في نوعي الشروع كل ما هناك أنه إذا كان الشروع ناقصاً (الجريمة الموقوفة) فإن العدول يتخذ صورة موقف سلبي بينما يتخذ صورة موقف إيجابي في الشروع التام الجريمة الخائبة- فإذا رفع الجاني عصا ليعتدي على المجنى عليه قاصداً قتله فإنه يكفي لاعتبار العدول اختيارياً في هذه الحالة ( وهي حالة الشروع الناقص أو الجريمة الموقوفة) أن يمتنع عن إنزال الضربة. أما إذا أعطى شخص عدوه مادة سامة تناولها على الفور فإن العدول الاختياري يتصور في هذه الحالة (وهي حالة الشروع التام) حالة الجريمة الخائبة أو الشروع التام إذا سارع الجاني بإعطاء المجنى عليه ترياقاً يفسد أثر السم وكذلك الشأن لو أراد قتله غرقاً فألقى به في الماء ثم عدل عن الجريمة فسارع إلى انتشاله وإنقاذ حياته.
تقدير العدول الموضوعي :وتقدير كون الأسباب التي من أجلها لم تتم الجريمة هي إرادية أو خارجة عن إرادة الجاني هو أمر متعلق بالوقائع يفصل فيه قاضي الموضوع بغیر رقابة عليه من محكمة النقض ولما كان من الأركان الجوهرية في الشروع أن يقف التنفيذ أو يخيب أثره لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه لابد أن ينص الحكم على هذا الركن وإلا كان محلاً للنقض ومع ذلك فليس من الضروري أن ينص الحكم على ذلك بعبارة صريحة مادامت الوقائع الثابتة به مشتملة في ذاتها على ما يستفاد منه أن أثر الجريمة قد خاب لظروف خارجة عن إرادة المتهم.
الجريمة المستحيلة :
يقصد بالجريمة المستحيلة تلك الصورة من صور النشاط الإجرامي التي يبدأ فيها الجاني فعلاً ولكنه لا يستطيع تحقيق نتيجة بالنظر إلى قيام ظروف خاصة تجعل من غير الممكن بالنسبة له أو بالنسبة لغيره - تحقيق هذه النتيجة فالجريمة المستحيلة أشبه بالجريمة الخائبة بيد أن أسباب الخيبة منها ليست عارضة وإنما محققة ومثلها أن يطلق شخص النار على آخر بقصد قتله فإذا به ميت من قبل أو يحاول الاستيلاء على مال يعتقد أنه مملوك لغيره فإذا به مملوك له. أو يحاول قتل شخص بالسم فيستعمل مادة غير سامة وهو يعتقد أنها يمكن أن تسبب الوفاة.
ومعنى الاستحالة هو أن الجريمة لا يمكن أن تقع أما لانعدام موضوعها أو عدم كفاية أو عدم صلاحية وسائل ارتكابها. وهذه الاستحالة تنصب في الواقع على نتيجة الجريمة وبذلك يقف الفعل في هذه الجرائم عند حد الشروع فهی قريبة الشبه بالجرائم التي يخيب أثرها لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه ومثل الجريمة المستحيلة التي لا تتحقق نتيجتها لإنعدام موضوعها كمن يطلق عياراً نارياً قاصداً القتل ولكن المقصود قتله يكون قد فارق الحياة من قبل ومثل الجريمة المستحيلة التي لا تتحقق نتيجتها لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت كمن يحاول إطلاق عيار ناري من بندقية غير محشوة أو غير صالحة للاستعمال وهو لا يعلم ذلك. ( موسوعة هرجة الجنائية، للمستشار/ مصطفى مجدي هرجه، المجلد / الأول، دار محمود الصفحة / 488).
الشروع في الجريمة
تعريف: وضع الشارع تعريفاً للشروع في الجريمة ضمنه المادة 45 من قانون العقوبات التي نصت على أن «الشروع هو البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف أو خاب أثره لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها» . ويحدد هذا النص أركان الشروع فيجعلها : البدء في تنفيذ فعل، وقصد ارتکاب جناية أو جنحة، وإيقاف أثر الفعل أو خيبته لأسباب غير راجعة إلى إرادة الجاني ويبرز هذا النص الفكرة الأساسية في الشروع، وهي عدم تمام الجريمة، إذ أن التنفيذ لم يستمر حتى ختام الجريمة وإنما أوقف أو خاب؛ بالإضافة إلى ذلك فالقصد الجنائي متجه إلى ارتكاب الجريمة تامة وفي النهاية فقد حدد هذا النص نوعي الجرائم المتصور الشروع فيها، وهما الجنايات والجنح، واستبعد بذلك المخالفات.
ماهية الشروع :
الشروع جريمة ناقصة، ويعني ذلك أنه قد تخلفت بعض عناصرها، أما إذا توافرت هذه العناصر جميعاً فالجريمة تامة ولا محل للبحث في الشروع وموضع النقص هو النتيجة الإجرامية : فالجاني قد اقترف الفعل الذي أراد به تحقيق هذه النتيجة، ولكن فعله لم يفض إلى ذلك ولتخلف النتيجة صورتان : الأولى تفترض أن النتيجة لم تحقق على الإطلاق، مثال ذلك أن يطلق شخص النار على عدوه بنية قتله فلا يصيبه؛ والثانية تفترض أن النتيجة التي أرادها الجاني قد تحققت ولكن بناء على سبب آخر غير فعله، أي أن علاقة السببية قد انتفت بين الفعل والنتيجة، مثال ذلك أن يطلق شخص بنية القتل الرصاص على عدوه الذي يوجد في سفينة على وشك الغرق، ثم تحدث الوفاة كأثر للغرق لا للجروح اليسيرة التي أصابته ويقرر الشارع المساواة بين هاتين الصورتين، فالشروع تتوافر فيهما أركانه، إذ أن انتفاء علاقة السببية بين الفعل والنتيجة يعني أنه لا صلة بينهما وأن الفعل لم ينتج أثراً، فتعد النتيجة بالنسبة له كما لو كانت لم تتحقق على الإطلاق، ومن ثم تتماثل الصورتان في عدم تحقق النتيجة بناء على الفعل.
وإذا كان موضع النقص في الشروع هو النتيجة الإجرامية، فمعنى ذلك ألا نقص بالنسبة لسائر عناصر الجريمة، أي أن الشروع يفترض توافر كل عناصر الجريمة التامة فيما عدا النتيجة ويهمنا أن نقرر أنه لا فرق بين الشروع والجريمة التامة من حيث الركن المعنوي، فالقصد الجنائي يتوافر في الشروع على ذات النحو الذي يتوافر به في الجريمة التامة ويقوم في الحالتين على ذات العناصر. وقد سلم الشارع بذلك، فتطلب من بين أركان الشروع « قصد ارتكاب جناية أو جنحة».
ونحن بذلك نرفض الرأي القائل بقيام الشروع إذا انتفى عنصر أياً كان من العناصر القانونية للجريمة وكان الجاني جاهلاً ذلك: مثال ذلك أن يستولى الجاني على ماله معتقداً أنه مال غيره، أو أن يثبت في محرر ما يطابق الحقيقة معتقداً أنه يقرر ما يخالفها، ويذهب هذا الرأي إلى اعتبار الغلط جوهر الشروع، إذ الفرض أن ما حققه الجاني قد خالف ظنه، وهذا الغلط في غير مصلحته، إذ يحاسب على مقتضى ظنه الذي ابتعد عن الحقيقة، لا على مقتضى ما صدر عنه فعلاً. والحجة في رفض هذا الرأي مستمدة من مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، إذ لا يجوز أن تقوم المسئولية الجنائية من أجل فعل لم يجرمه القانون وليس من شأنه تهديد حق أو مصلحة بالخطر، فغير متصور أن ينسب إلى الشارع أنه أراد تجريم استيلاء المالك على ماله أو تصرفه فيه، أو أنه أراد تجريم فعل من يثبت في محرر ما يطابق الحقيقة تماماً وخطأ هذا الرأي أنه يغفل الركن الشرعي من بين أركان الشروع، فإذا كان الشارع لم يصرح به في المادة 45 من قانون العقوبات، فهو يفترضه لأنه لم يقصد بالعقاب على الشروع الخروج على مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، ويعني ذلك أن الشروع لا يقوم إلا بفعل غير مشروع، ولذلك لم يكن من السائغ القول بالمسئولية الجنائية إذا انتفى من الجريمة عنصر ضروري الإسباغ الصفة غير المشروعة على الفعل. ولا يجوز القول بأن النية الإجرامية كافية لكي تقوم بها المسئولية الجنائية، إذ لا يعرف القانون الحديث جرائم تقوم بالنية وحدها. وفي النهاية، فإن هذا الرأي يبتعد عن دلالة تعبير « الشروع »، إذ تنصرف هذه الدلالة إلى محاولة إدراك غاية والعجز عن بلوغها، ولا يصدق ذلك على من حقق نتيجة ظنها غير مشروعة وهي في الحقيقة مشروعة.
الفرق بين الشروع والجريمة الظنية : الجريمة الظنية أو الوهمية هي فعل لا يجرمه القانون، ولكن اعتقد مرتكبه تجريم القانون له، وقد سبق أن أتينا بمثالين لها، وميزنا بينها وبين الشروع الذي يفترض فعلاً يجرمه القانون ولكن لم تتحقق نتيجته ونضيف مثالين آخرين : شخص يقرض بفوائد يسمح بها القانون معتقداً أن الشارع يحظر كل فائدة، وشخص يعطي كمبيالة بغير مقابل وفاء معتقداً أن القانون يجرم ذلك .
وحكم الجريمة الظنية ألا عقاب يوقع من أجلها، إذ لا عقاب من أجل فعل لم يجرمه القانون، والمرجع في التجريم والعقاب إلى نصوص القانون لا إلى اعتقاد من ارتكب الفعل، إذ لا يستطيع بظنه أن يغير حكم القانون في فعله، وأن يحيله من فعل مشروع إلى فعل غير مشروع .
علة العقاب على الشروع : يعاقب القانون على الجريمة التامة لأنها تقع عدوانا على مصلحة أو حق جدير بالحماية الجنائية، ولكن هذا الاعتداء لا يتحقق في الشروع، إذ الفرض فيه عدم تحقق النتيجة التي يتمثل فيها الاعتداء، ولو أن الشارع جعل التجريم رهناً بالاعتداء الفعلی علی الحق لما جرم الشروع ولذلك يقوم تجريم الشرع على علة أخرى، هي حماية الحق من الخطر الذي يهدده : فالأفعال التي يقوم بها الشروع من شأنها إحداث الاعتداء، ولدى مرتكبها نية إحداثه، ويعني ذلك أن ثمة خطراً على الحق وإذا كان الخطر اعتداء محتملاً، وكانت الحماية الكاملة للحق مقتضية وقايته من كل صور الاعتداء، لم يكن بد من تجريم الشروع.
وللخطر مصدران : أفعال الجاني ونيته الإجرامية، ومن المتعين اعتداد الشارع بهما معاً ولكن التساؤل يثور حول تحديد أجدرهما بالترجيح؛ والإجابة على هذا التساؤل محل نزاع بين المذهبين الموضوعي والشخصي اللذين يتنازعان أحكام الشروع ولا مفر من القول بأن الشارع يعترف بأهمية واضحة للنية الإجرامية، ونستطيع القول بأنه يرجحها في حدود على ماديات الجريمة، والدليل على ذلك أنه يسأل الجاني من أجل ما أراد أن يفعل لا من أجل ما فعل.
وتجريم الشروع نوع من الخروج على القواعد العامة، ذلك أنه إذا تطلب القانون لقيام الجريمة توافر عناصر معينة، فمعنى ذلك أنه إذا انتفى أحدها لم يعد للعقاب محل، ولما كان المشروع يفترض تخلف النتيجة الإجرامية، وهي أحد عناصر الجريمة، فقد كان ذلك مقتضياً عدم توقيع العقاب من أجله، ولذلك يعد العقاب عليه نوعاً من التوسع في المسئولة الجنائية بتقريرها في حالة لا تتوافر فيها كل شروطها.
أنواع الشروع :الشروع نوعان :
شروع ناقص، ويطلق عليه كذلك تعبير الجريمة الموقوفة، أما النوع الثاني فهو الشروع التام، ويطلق عليه كذلك تعبير الجريمة الخائبة والفرق بينهما أن الشروع الناقص يفترض عدم إتيان الجاني كل الأفعال التنفيذية اللازمة للجريمة، مثال ذلك أن يصوب سلاحه نحو المجنى عليه ولكن يحول بينه وبين الضغط على الزناد شخص ثالث أما الشروع التام فيفترض إتيان الجاني كل الأفعال اللازمة لتنفيذ الجريمة وعدم تحقق نتيجتها على الرغم من ذلك، كما لو أطلق الجاني الرصاص على المجنى عليه ولكن لم يصبه .
وفي تحديد معيار للتمييز بين نوعي الشروع يثور النزاع بين نظريتين : نظرية موضوعية ترى العبرة بما إذا كان الجاني قد أتى كل الأفعال اللازمة في الحقيقة لتنفيذ الجريمة أم اقتصر على بعضها، أما النظرية الشخصية فترى العبرة بما إذا كان الجاني قد أتى كل الأفعال اللازمة - في تقديره وطبقاً لخطته - لتنفيذ الجريمة، أم اقتصر على بعض هذه الأفعال والنظرية الموضوعية معيبة لأنه لو أتي الجاني كل الأفعال اللازمة في الحقيقة لتنفيذ الجريمة لغات تامة، وما كنا بصدد شروع، أما النظرية الشخصية فتتفق مع طبيعة الشروع باعتبارها الشروع التام مفترضاً أن الجاني قد أتي كل ما رآه لازمة لتنفيذ الجريمة في حين أن ما أتاه لم يكن كافياً لذلك والأخذ بهذه النظرية يجعل تحديد نوع الشروع رهنا بخطة الجريمة، وقد تختلف من حالة الأخرى، فإذا صمم شخص على قتل آخر عن طريق عشر جرعات من مادة سامة قدر كفايتها لإحداث الوفاة، فأعطاها له ولكن لم تحدث الوفاة فالشروع تام، ولكن إذا قدر شخص آخر أن تسميم المجني عليه يقتضي خمس عشرة جرعة من نفس المادة السامة ثم لم يستطع إعطاءه غير عشر فقط، فالشروع ناقص.
وللشروع التام ذات عقاب الشروع الناقص، ولكن للتفرقة بينهما أهميتها بالنسبة للعدول الاختياري الذي يحول دون العقاب.
أركان الشروع
تمهيد : قدمنا أن القانون حصر أركان الشروع في ثلاثة : البدء في التنفيذ، والقصد الجنائي، وعدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني .
ويمثل البدء في التنفيذ الركن المادي المشروع، إذ تكمن فيه كل مادياته، ويعد القصد الجنائي ركنه المعنوي أما الركن الثالث فهو المميز بين الشروع والجريمة التامة، وهو المميز كذلك بين الشروع وحالات البدء في التنفيذ الذي يعقبه عدول اختيارى فلا يوقع فيها عقاب .
وهذا التحديد الأركان الشروع محل للنظر : فالأجدر أن يعد الشروع قائماً على ركنية المادي والمعنوي، بالإضافة إلى ركنه الشرعي الذي يتعين التحقق منه، ولا يثير توافره في أغلب الحالات شكاً ويتعين بعد ذلك أن يعد العدول الاختیاری مجرد مانع من العقاب على شروع توافرت جميع أركانه، ويستند هذا المانع إلى اعتبارات تتعلق بسياسة العقاب، وترد إلی الحرص على تشجيع العدول عن إتمام الجرائم والحجة فيما نقول به أن الشروع صورة من الجريمة، ولذلك يقوم على ذات أركانها، فإن توافرت وجب العقاب عليه، ولا محل لتطلب ركن إضافي، فإذا قرر الشارع امتناع العقاب بناء على سبب معين، فالتكييف الصحيح له أنه مانع عقاب.
البدء في التنفيذ
تحديد مدلول البدء في التنفيذ يقتضى استقراء المراحل التي تجتازها الجريمة، وتحديد المرحلة التي يتدخل فيها القانون بالعقاب وتمييزها عن المراحل السابقة عليها التي لا يقرر فيها عقاباً.
ومراحل الجريمة هي : التفكير فيها والتصميم عليها ثم التحضير لها ثم البدء في تنفيذها، وقد يبلغ التنفيذ غايته فتتم الجريمة به، وقد يخيب أو يقف فتظل الجريمة عند مرحلة الشروع.
ونرى أن نبين مراحل الجريمة التي لا يعاقب القانون عليها، ثم نعرض لمراحلها التي يقرر القانون العقاب عليها.
1- مراحل الجريمة التي لا يعاقب القانون عليها
تمهيد : لا يتدخل القانون بالعقاب على مرحلتين من مراحل الجريمة : الأولى، هي التفكير فيها والتصميم عليها، والثانية، هي الأعمال التحضيرية لها .
التفكير في الجريمة والتصميم عليها : هذه هي المرحلة النفسية للجريمة، إذ الجريمة فيها محض فكرة أو مجرد إرادة . ولا عقاب على هذه المرحلة، ولو ثبت التفكير أو التصميم على نحو لا شك فيه، كما لو اعترف به صاحبه أو تبليغ غيره عنه . وقد صرح الشارع بذلك، فنصت الفقرة الثانية من المادة 45 من قانون العقوبات على أنه «لا يعد شروعاً في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها أو الأعمال التحضيرية لذلك » . والعلة في عدم العقاب واضحة : فكل صور الجريمة - ولو كانت مجرد شروع - تتطلب رکناً مادياً، ويقتضى هذا الركن فعلاً، وللفعل كيان مادي يقوم على حركة عضوية، ولا وجود لذلك حينما تكون الجريمة محض فكرة أو مجرد إرادة، ومن ثم لا يكون للتجريم محل. وبالإضافة إلى ذلك، فإن علم العقاب على هذه المرحلة تشجيع على العدول عن تنفيذ الجريمة، وبذلك يكون الخطة الشارع سند قوي من سياسة العقاب.
وقد يرد إلى الذهن أن لهذه القاعدة استثناءها حيث يعاقب القانون على التحريض في ذاته (المواد 95، 97، 172 من قانون العقوبات)، أو الاتفاق الجنائي (المادة 96 من قانون العقوبات)، أو التهديد (المادة 327 من قانون العقوبات) . ولكن الحقيقة أن هذه الحالات ليست استثناء وارداً على القاعدة، إذ تفترض جميعاً تعبير الجاني عن تصميمه الإجرامي بقول أو إيماء أو كتابة، ويعني ذلك أن ثمة فعلاً يقوم به الركن المادي للجريمة، فالجاني لم يقف عند مرحلة التفكير أو التصميم، بل جاوزها إلى مرحلة التنفيذ الكامل لجريمة تقوم بفعل التحريض أو الاتفاق أو التهديد وبالإضافة إلى ذلك، فإن الشارع لا يعاقب على هذه الأفعال باعتبارها شروعاً في الجريمة محل التحريض أو الاتفاق أو التهديد، ولكن يعاقب عليها كجرائم متميزة مستقلة بذاتها .
الأعمال التحضيرية للجريمة : تتخذ الجريمة في هذه المرحلة کیاناً مادياً، إذ يعبر الجاني عن تصميمه بأفعال ملموسة ويراد بالأعمال التحضيرية كل فعل يحوز به الجاني وسيلة ارتكاب الجريمة، كشراء السلاح أو تجهيز المادة السامة أو استعارة أداة فتح الخزانة، وتشمل الأعمال التحضيرية كذلك كل فعل يضع به الجاني نفسه في الموضع الذي يمكنه من الإقدام بعد ذلك على تنفيذ الجريمة، كاتخاذه مكاناً في عربة النقل العام السرقة بعض مستقليها أو سيره في الطريق الموصل إلى مسكن المجني عليه حيث يريد ارتكاب القتل أو السرقة أو الإتلاف، وفي تعبير أعم يراد بالأعمال التحضيرية كل فعل يهدف به الجاني إلى خلق الوسط الملائم لتنفيذ الجريمة والقاعدة ألا عقاب على هذه الأفعال، أي أنها لا تعد شروعاً في الجرائم محل التحضير، وقد صرح الشارع بذلك في الفقرة الثانية من المادة 45 من قانون العقوبات وعلة هذه القاعدة أن العمل التحضيري متجرد من الأهمية القانونية، إذ لا ينطوي على خطر يهدد حقاً أو مصلحة؛ وهو بعد ذلك غامض، إذ لا يكشف في صورة أكيدة عن نية إجرامية، فشراء السلاح قد يدل على اتجاه إلى جريمة، ولكنه قد يدل على اتجاه إلى استعماله في الدفاع عن النفس، وتركيب مادة سامة قد يدل على اتجاه إلى جريمة، ولكنه قد يدل على اتجاه إلى استعمالها في إبادة الحشرات، ويعني ذلك أن صعوبات إثبات النية الإجرامية تقف عقبة ضد الإجراءات الجنائية إذا ما اعتبر العمل التحضيري للجريمة صورة للشروع فيها وبالإضافة إلى ذلك، فإن لهذه القاعدة سندها من سياسة العقاب : ذلك أن عدم العقاب على العمل التحضيري هو تشجيع على العدول عن البدء في تنفيذ الجريمة، وهذه المصلحة تتفوق على كل مصلحة للمجتمع يهدف إلى تحقيقها عن طريق توقيع العقاب ولكن تجرد الأعمال التحضيرية من الأهمية القانونية إنما هو بالنسبة إلى الجرائم محل التحضير، ويعني ذلك أن العمل التحضيري قد تكون له من وجهة أخرى أهمية قانونية.
العمل التحضيري کجريمة قائمة بذاتها : على الرغم من أن العمل التحضيري لا يعد شروعاً في الجريمة محل التحضير، فقد يعتبره القانون جريمة تامة متميزة عن الجريمة التي يستهدف التحضير لها ويقرر الشارع ذلك حينما يقدر أن العمل التحضيري ينطوي على خطر أو يكشف على نحو واضح عن خطورة مرتكبه : مثال ذلك تجريم حيازة السلاح بدون ترخيص، وتقليد المفاتيح أو التغيير فيها، أو صنع آلة ما مع توقع استعمالها في ارتكاب جريمة.
العمل التحضيري كظرف مشدد : إذا وقف الجاني عند العمل التحضيري فلا عقاب عليه، ولكن إذا جاوزه فيبدأ في تنفيذ الجريمة أو أتمها، فقد يعد تحضيرها على نحو معين سبباً لتشديد عقابها ويعني ذلك أنه إذا لم تكن للعمل التحضيري أهمية في ذاته، فقد تكون له أهمية في تحديد مقدار العقاب الذي يوقع من أجل الجريمة محل التحضير، فحيازة السلاح عمل تحضيري للسرقة ولا عقاب عليه بهذا الوصف؛ ولكن إذا نفذت الجريمة وكان الجاني حاملاً سلاحاً شدد عقابها .
العمل التحضيري كوسيلة اشتراك : إذا اقتصر نشاط الجاني على مجرد إتيان العمل التحضيري فلا عقاب عليه، ولكنه إذا ربط بينه وبين نشاط فاعل الجريمة بحيث كان وسيلة لتعضيده، فإن العمل التحضيري يعد بذلك وسيلة مساهمة في الجريمة، ويكون أساساً لمسئولية مرتكبه عنها باعتباره شريكاً فيها بالمساعدة : فإذا حاز الجاني سلاحاً بنية استعماله في القتل ووقف نشاطه عند ذلك فلا عقاب عليه من أجل القتل؛ ولكن إذا سلم السلاح إلى شخص استعمله في القتل كان مسئولاً عن هذه الجريمة باعتباره شريكاً فيها .
2- مراحل الجريمة التي يعاقب القانون عليها
إذا جاوز الجانى مرحلة العمل التحضيري للجريمة فبدأ في تنفيذها تدخل القانون بالعقاب؛ ومن باب أولى يعاقبه القانون إذا أتم تنفيذها؛ ومن ثم كان الانتقال من مرحلة التحضير إلى مرحلة البدء في التنفيذ هو انتقال من مجال الإباحة إلى مجال العقاب وتحديد بداية المراحل التي يتدخل القانون فيها بالعقاب يقتضي تحديد معيار التفرقة بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ، فإذا خلصنا إلى معيار معين تعين بعد ذلك تطبيقه على الجريمة المستحيلة لبيان ما إذا كان من السائغ تكييف مادياتها بأنها بدء في التنفيذ .
سلطة القضاء في التحقق من توافر هذا الركن : تحديد ما صدر عن المتهم من أفعال وما عاصرها من ظروف يدخل فى سلطة قاضى الموضوع، ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك، إذ أنه بحث في وقائع الدعوى ولكن تكييف هذه الأفعال بأنها بدء في تنفيذ جريمة معينة أو مجرد عمل تحضيري لها هو فصل في مسألة قانونية يخضع قاضي الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض: ذلك أن هذا التكييف هو تكييف قانوني؛ إذ هو تفسير للتعبير « البدء في التنفيذ » الذي ورد في نص القانون، وهو في النهاية. فصل في توافر ركن يقوم عليه التجريم والعقاب وهذه الرقابة تتيح لمحكمة النقض أن تلزم قاضي الموضوع بمعيار معين للبدء في التنفيذ، إذ أن رقابتها على التكييف الذي يقرره قاضى الموضوع إنما تكون بالرجوع إلى معيار معين تقدر وفقاً له ما إذا كان هذا التكييف صحيحاً أم غير صحيح.
(ب) تطبيق معيار البدء في التنفيذ على الجريمة المستحيلة
تعريف الجريمة المستحيلة : نعني بالجريمة المستحيلة حالة ما إذا لم يكن في وسع الجاني - في الظروف التي أتى فيها فعله - أو في وسع شخص آخر مكانه أن يحقق النتيجة الإجرامية . والجريمة المستحيلة أشبه بالجريمة الخائبة باعتبار أن الجاني قد أتى كل نشاطه، وعلى الرغم من ذلك لم تتحقق النتيجة . ولكن تتميز الجريمة المستحيلة بأن أسباب الخيبة فيها كانت قائمة وقت اقتراف الفعل، فهي ليست عارضة، وإنما هي مقدرة منذ لحظة بدء الجاني في مشروعه الإجرامي، وكانت تواجه كل شخص سواه يأتي الفعل في ذات الظروف، ولو حاز من المهارة ما لم يكن متوافرا لدى الجاني . وفي تعبير آخر، الخيبة محتملة عند بدء الجاني في الجريمة الخائبة، ولكنها محققة عند بدئه في الجريمة المستحيلة . وأهم أمثلة للجريمة المستحيلة أن يطلق شخص الرصاص على آخر بنية قتله فإذا به ميت من قبل، أو أن يحاول الاستيلاء على مال يعتقد أنه مملوك لغيره فإذا به مملوك له، أو أن يحاول شخص قتل آخر فيستعمل لذلك مادة غير سامة معتقداً أنها سامة، أو يستعمل مادة سامة ولكن بكمية قليلة لا تكفي لإحداث الوفاة.
تحديد موضوع البحث : يدور الجدل في الفقه حول معرفة ما إذا كانت الجريمة المستحيلة تلحق بالجريمة الخائبة فيكون لها عقابها باعتبارها صورة للشروع، أم أن الاستحالة تحول دون تدخل الشارع بالعقاب . لا شك في أن الشارع إذا عاقب على البدء في التنفيذ فهو يفترض التنفيذ ممكناً، ولكن موضع التساؤل هو تحديد نوع الإمكان الذي يتطلبه القانون : هل يتطلب كون التنفيذ ممكناً في ذاته، أم يكتفي بكونه كذلك في ذهن الجاني وتقديره؟ اختلف المذهبان الموضوعي والشخص في الإجابة على هذا التساؤل . وعلى هذا النحو، فليس الاختلاف بين المذهبين في تطلب أحدهما كون التنفيذ ممكناً وإغفال الآخر ذلك، ولكن الخلاف بينهما هو في تحديد ما إذا كان الإمكان فكرة موضوعية أم عقيدة لدى الجاني وإن كانت بعيدة عن الحقيقة.
ونعرض فيما يلي الآراء المختلفة التي قيل بها لحسم هذه المشكلة .
لا عقاب على كل حالات الاستحالة : ذهب إلى القول بذلك الأوائل من أنصار المذهب الموضوعي، ويعتمدون في ذلك على حجتين : الأولى، أن تنفيذ الجريمة تنفيذا كاملاً يفترض أنه ممكن، فحيث توجد الاستحالة لا يتصور التنفيذ، وما يصدق على التنفيذ الكامل يصدق كذلك على التنفيذ الجزئي، أى البدء في التنفيذ، فحيث لا يتصور التنفيذ لا يتصور كذلك البدء فيه . أما الحجة الثانية، فمستمدة من المادة 301 من قانون العقوبات الفرنسي، وهي مماثلة للمادة 233 من قانون العقوبات المصرى، ويعرف هذا النص مرتكب جريمة التسميم بأنه « من قتل أحدا عمدا بجواهر يتسبب عنها الموت عاجلاً أو آجلاً »، ويعني ذلك أن الركن المادي لهذه الجريمة يتطلب استعمال مواد من شأنها إحداث الوفاة، أي يتطلب كون الوسيلة من شأنها إحداث النتيجة وليست هذه القاعدة خاصة بجريمة التسميم، وإنما هي قاعدة عامة تخضع لها الجرائم كافة؛ وما يصدق على الجريمة التامة يصدق على الشروع فيها كذلك .
وهذا الرأي يعيبه أنه يضيق على نحو مبالغ فيه من نطاق العقاب، فيهدر بذلك مصلحة المجتمع : فمن يضع يده بقصد السرقة في جيب خال من النقود؛ ومن يستعمل في قتل المجني عليه مادة سامة ولكن بكمية تقل قليلاً عما كان كافيا لإحداث الوفاة لا يوقع عليهما عقاب على الرغم من أن فعل كل منهما في حد ذاته خطير، ومن أن المجني عليه كان مهددا بخطر حقيقي لم تنقذه منه غير المصادفة البحتة وبالإضافة إلى ذلك، فليست الحجج التي يعتمد عليها هذا الرأي ذات أساس من القانون : فإذا افترض القانون أن يكون التنفيذ ممكناً فمحل ذلك أن ترتكب الجريمة كاملة، إذ يقتضي تمام الجريمة ذلك؛ أما إذا لم تتم فمن المنصور في المنطق أن يكون عدم تمامها راجعاً إلى أسباب جعلت التنفيذ في بعض مراحله غير ممكن . أما المادة 233 من قانون العقوبات فتحدد أركان الجريمة التامة ولا شأن لها بالشروع فيها، ولذلك يكون استبعادها من نطاق البحث متعيناً.
التفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية : الاستحالة المطلقة تحول دون العقاب، ولكن الاستحالة النسبية لا تحول دونه . وضابط التفرقة بينهما أن الاستحالة المطلقة هي استحالة عامة مجردة تعرض في كل الحالات التي يحاول فيها شخص الاعتداء على موضوع الحق نفسه مستعملاً عين الوسيلة، ومن ثم يسوغ القول بأن الحق لم يكن معرضا لخطر علی الإطلاق . أما الاستحالة النسبية، فخاصة بالحالة التي حاول فيها الجاني ارتكاب جريمته، أي ترجع إلى الظروف الواقعية التي أحاطت بموضوع الحق أو وسيلة الاعتداء عليه، وهذه الاستحالة ما كانت تعرض لو ارتكبت الجريمة نفسها في ظروف أخرى مساساً بموضوع آخر للحق أو عن طريق وسيلة أخرى، ومن ثم يسوغ القول بأن الحق كان معرضاً لخطر فعلي لم تنقذه منه غير المصادفة البحتة . والاستحالة بنوعيها قد ترجع إلى موضوع الحق وقد ترجع إلى وسيلة الاعتداء عليه . فالاستحالة المطلقة الراجعة إلى الموضوع تفترض عدم وجوده أو فقده صفة لا غنى عنها لتصوره محلاً لحق المعتدى عليه، مثال ذلك إطلاق الرصاص بنية القتل على شخص مات من قبل؛ ومحاولة اختلاس مال مملوك للجاني نفسه؛ ومحاولة إجهاض امرأة غير حامل أما الاستحالة المطلقة الراجعة إلى الوسيلة، فتفترض استعمال الجاني وسيلة غير صالحة في أية حالة من الحالات لإحداث النتيجة الإجرامية، مثال ذلك أن يستعمل الجاني بنية القتل سلاحاً نارياً غير معبأ بالطلقات، أو أن يستعمل في التسميم مادة غير سامة على الإطلاق . وتفترض الاستحالة النسبية الراجعة إلى الموضوع وجوده واستيفاءه كل شروطه ولكن في مكان غير ما اعتقد الجاني وجوده فيه، مثال ذلك إطلاق الجاني الرصاص على المكان الذي اعتاد المجنى عليه الوجود فيه في وقت معين وتغيبه عنه مصادفة، ومحاولة السرقة من جيب خال من النقود . أما الاستحالة النسبية الراجعة إلى الوسيلة فتفترض صلاحيتها بصفة عامة لإحداث النتيجة، وعدم جدواها لأن الجاني لم يحسن استعمالها، مثال ذلك إلقاء قنبلة على جمع من الناس دون إزالة صمامها، أو استعمال مادة سامة بكمية غير كافية لإحداث التسميم .
وهذا الرأي يعيبه أنه غير منطقي، إذ الاستحالة نوع واحد، فمن غير المقبول القول بأن لها درجات وأنواعا، فالجريمة إما أن تكون ممكنة وإما أن تكون مستحيلة ولا وسط بين الأمرين . والدليل على ذلك أنه إذا نظرناً إلى الحالات التي يقال إن الاستحالة فيها نسبية وافترضنا أن ظروف ارتكاب الفعل ظلت دون تغيير، فإن تحقيق النتيجة يظل كذلك مستحيلاً. فالتفرقة بين نوعي الاستحالة أساسه افتراض تغير الظروف في حالة الاستحالة النسبية، وليس هذا الافتراض غير محض مجاز، أما إذا نظرنا إلى الفعل في ذات الظروف، فالجريمة مستحيلة دائماً .
التفرقة بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية: تعنی الاستحالة القانونية انتفاء أحد عناصر الجريمة بحيث لا يمكن أن توصف النتيجة التي يسعى الجاني إلى تحقيقها بأنها نتيجة إجرامية، فهو يسعى إلى تحقيق وضع لا يجرمه القانون، ومن ثم لا عقاب عليه، أما الاستحالة المادية فترجع إلى ظروف مادية جعلت الجاني لا يستطيع تحقيق النتيجة الإجرامية التي يهدف إليها، وبذلك توافرت بفعله عناصر الشروع المعاقب عليه . وأساس التفرقة بين نوعي الاستحالة أن القانون لا يتدخل بالعقاب إلا إذا توافرت جميع عناصر الجريمة، ولكنه يقرر استثناء وحيداً لذلك إذا تخلفت من عناصر الجريمة نتيجتها، إذ يعاقب على هذا الوضع باعتباره شروعاً، أما إذا ما انتفى عنصر سواها فلا محل للعقاب لانتفاء أحد شروطه، بالإضافة إلى أن هذا الوضع لا يعد شروعاً . فمن يطلق النار على شخص مات من قبل لا عقاب عليه لأن من أركان جريمة القتل كون المجني عليه حياً وقت فعل الجاني، ومن يستولي على ماله معتقداً أنه مال مملوك الغيره لا عقاب عليه لأن من أركان السرقة كون محلها مالاً مملوكاً لغير الجاني ويضيف هذا الرأي حجة ثانية : ذلك أنه إذا كان القانون يتطلب القيام الجريمة توافر عناصر معينة، فهو يتطلبها سواء أكانت تامة أم وقفت عند حد الشروع، فمن غير المقبول أن نذكرها بين عناصر الجريمة، فإن أردنا العقاب على مجرد الشروع أغفلناها وفي النهاية، يفترض الشروع أن الجاني يتجه قصده إلى نتيجة غير مشروعة في ذاتها، فإن كان من شأن انتفاء بعض عناصر الجريمة أن تجردت النتيجة من هذه الصفة فلا يكون للشروع محل ولا يعتد هذا الرأي باستحالة ترجع إلى الوسيلة، أي أن كل حالات الاستحالة الراجعة إلى الوسيلة هي صور للاستحالة المادية، وهي لذلك لا تحول دون العقاب وتفسير ذلك أن القانون لا يعتد بوسيلة إحداث النتيجة، إذ كل الوسائل سواء طالما كان من شأنها الاعتداء على الحق؛ ولهذا الأصل استثناء حيث يعتد القانون بالوسيلة كالوضع في جريمة التسميم، إذ تعد محاولة قتل شخص عن طريق مادة غير سامة صورة للاستحالة القانونية.
والنقد الأساسي الذي وجه إلى هذا الرأي أنه لا يفترق في شيء عن الرأي القائل بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والاستحالة النسبية . ولكن هذا النقد غير صحيح، إذ يفترق الرأيان في أن أحدهما - دون الآخر - يعترف باستحالة ترجع إلى الوسيلة ؛ وبالإضافة إلى ذلك فهما مختلفان من حيث الأساس القانوني .
العقاب في كل حالات الاستحالة يرفض أنصار المذهب الشخصي كل تفرقة بين حالات الاستحالة، ويرون العقاب عليها كافة . وسندهم في ذلك الحجج التالية : أن الإرادة الإجرامية هي التي يتجه القانون إليها بالعقاب في الشروع، وتفترض كل حالات الاستحالة وجود هذه الإرادة، والتعبير عنها بنشاط يصلح في تقدير صاحبه لتحقيق النتيجة، فيكون كل ما يتطلبه القانون لتوقيع العقاب متوافراً ويضيف أنصار هذا المذهب إلى ذلك القول بأن من طبيعة الشروع أن تفقد الجريمة أحبذ عناصرها، وسواء عند القانون أهمية العنصر الذي فقدته، إذ لن يتحقق الاعتداء على الحق الذي يحميه القانون، ويعني ذلك أنه من العبث أن نحاول تصنيف الحالات التي يخيب فيها أثر الفعل أو أن نقرر حكماً خاصاً بحالات الاستحالة، إذ هي سواء فإذا ثبت على هذا النحو أنه لا وجود للمعيار الموضوعي، فلا مفر من الركون إلى تقدير الجاني والاكتفاء بكون تحقق النتيجة في ذهنه ممكناً . ولا يرى أنصار هذا المذهب حالات تخرج عن دائرة العقاب إلا حيث يتضح أن الوسيلة التي التجأ الجاني إليها تدل على سذاجته، كمن يحاول القتل عن طريق السحر، إذ السذاجة تعنى انعدام الخطر على الحق وانتفاء علة العقاب على الشروع .
مذهب القضاء المصري : يبدو أن الاتجاه العام للقضاء المصري هو ترجيح الرأي القائل بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية والعقاب على الثانية دون الأولى . فقد قررت محكمة النقض أنه « متى كانت المادة المستعملة للتسميم صالحة بطبيعتها لإحداث النتيجة المبتغاة فلا محل للأخذ بنظرية الجريمة المستحيلة، لأن مقتضى القول بهذه النظرية ألا يكون في الإمكان تحقق الجريمة مطلقاً لانعدام الغاية التي ارتكبت من أجلها الجريمة أو لعدم صلاحية الوسيلة التي استخدمت لارتكابها». ويعني ذلك أن القضاء يقر نظرية الجريمة المستحيلة إذا لم يكن في الإمكان تحقق الجريمة مطلقاً، سواء أرجع ذلك إلى انعدام الغاية أو عدم صلاحية الوسيلة، وفي غیر حالات « عدم إمكان تحقق الجريمة مطلقاً » أي حيث يكون عدم الإمكان نسبياً، كما لو كانت المادة المستعملة في القتل « تؤدي في بعض الصور إلى النتيجة المقصودة منها »، فإن العقاب على الشروع يكون متعيناً، وتطبيقاً لذلك، قضى بالعقاب على الشروع في التسميم إذا كانت المادة المستعملة قد أعطيت بكمية غير كافية لإحداث الوفاة، أو كان مذاقها السيء حائلاً دون تناول المجني عليه الكمية الكافية منها؛ وقضى بالعقاب كذلك على الشروع في التسميم عن طريق وضع زئبق في أذن المجني عليه على الرغم من أن هذا الفعل لا يؤدي إلى حدوث الوفاة إلا إذا كانت بالأذن جروح، وهو ما لم يكن متحققاً في حالة المجني عليه وقضى بالعقاب على الشروع في النصب على الرغم من أن المجني عليه كان عالماً بكذب الجاني بحيث كان انخداعه بحيلته مستحيلاً .
وإلى جانب هذا الاتجاه العام، فثمة أحكام قليلة قررت العقاب على صور من الاستحالة المطلقة كمحاولة التسميم باستعمال مادة غير ضارة، أو محاولة القتل عن طريق سلاح غير صالح لإخراج المقذوف .
المقارنة بين الآراء المختلفة في مشكلة الجريمة المستحيلة : يمثل المذهب الشخصي أرجح الآراء في الفقه الحديث، سواء في فرنسا أو في مصر ولكن الحجج التي يستند إليها يعوزها الأساس القانوني : فالقول بأن الإرادة الإجرامية هي التي يتجه إليها القانون بالعقاب في حالات الشروع ينقضه أن القانون الحديث لا يعاقب على إرادة مجردة، وإنما يتطلب ارتكاب فعل يهدد بالخطر الحقوق الجديرة بالحماية، ولو كان القانون يعاقب على الإرادة في ذاتها لما كانت ثمة حاجة إلى اعتبار البدء في التنفيذ رکنا في الشروع، ولما ساغ القول بأن التصميم على الجريمة والتحضير لها الا عقاب عليهما . أما الحجة الثانية التي تدعم هذا المذهب فجوهرها أن من طبيعة الشروع أن تفقد الجريمة أحد عناصرها، وأنه سواء عند القانون العنصر الذي فقدته، وهذه الحجة غير صحيحة، لأن الشروع لا يعني فقد الجريمة عنصراً أياً كان من عناصرها، وإنما يعني تخلف عنصر بالذات هو النتيجة الإجرامية؛ أما إذا فقدت عنصراً سواها كما لو كان المال ملكاً لمن اختلسه أو كان ما يثبته الجاني في المحرر مطابقاً للحقيقة، فليس ذلك من الشروع في شيء، وإنما هو حالة انتفاء أحد الأركان التي يتطلبها القانون لقيام الجريمة، وعندئذ لا يكون مفر من القول بعدم قيام الجريمة. والمذهب الشخصي يقود إلى العقاب على أفعال لا خطر منها على الحقوق والمصالح التي يحميها القانون، فما الضرر الذي ينال المجتمع إذا ما استولى شخص على شيء يملكه، أو أثبت شخص في محرر ما يطابق الحقيقة تماماً؟ إن العقاب على ذلك يعني العقاب على أفعال مشروعة في ذاتها، وإغفال الركن الشرعي من بين الأركان التي تقوم عليها الجريمة في صورة الشروع.
وعندنا أن العقاب على الجريمة المستحيلة رهن بكون الفعل الذي أتاه الجاني مهدداً بالخطر للحق الذي يحميه القانون، ويثبت هذا الخطر طالما كان من شأن الفعل وفقاً للسير العادي للأمور أن يحدث النتيجة الإجرامية، ويتحقق هذا الخطر في أغلب حالات الاستحالة لأن العوائق التي تعترض سبيل تحقق النتيجة تدخل عادة في نطاق السير العادي للأمور ومن ثم كان الأصل في حالات الاستحالة أن يعاقب عليها، ولكن تستثنى من ذلك الحالات التي يتبين فيها أن الجريمة قد فقدت عنصراً من عناصرها غير النتيجة الإجرامية ونحن نرى بذلك صواب التفرقة بين الاستحالة القانونية والاستحالة المادية والعقاب على الثانية دون الأولى . وإذا أردنا الدقة في التعبير لقلنا إن الاستحالة في المعنى الصحيح هي الاستحالة المادية، وحينما نقول بالعقاب عليها فإن ذلك يعني العقاب على كل حالات الاستحالة أما الاستحالة القانونية، فالأجدر أن يفصل بينها وبين نظرية الشروع، إذ لا صلة بينهما باعتبار أن الشروع يفترض تخلف النتيجة الإجرامية وتوافر سائر عناصر الجريمة في حين أن الاستحالة القانونية تفترض تخلف عنصر من عناصر الجريمة غير النتيجة والتكييف الصحيح للاستحالة القانونية أنها « حالة تخلف ركن للجريمة مما ينبني عليه عدم قيامها وعدم العقاب عليها » . وقد انتقد هذا المذهب بأنه صورة ثانية من الرأي القائل بالتفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية، وقد بينا فساد هذا النقد، لأن الرأيين يختلفان من حيث اعتداد أحدهما - دون الآخر - بالاستحالة التي ترجع إلى الوسيلة . ونضيف إلى ذلك أن النقد الذي وجه إلى التفرقة بين الاستحالة المطلقة والنسبية لا يصدق على الرأي الذي نقول به . فالتفرقة المنتقدة تحاول أن تستند إلى طبيعة الأشياء، وهذه تأبى أن تكون للاستحالة درجات؛ ولكن التفرقة التي نقول بها تستند إلى المنطق القانوني، باعتبار أن الشارع إذا تطلب لتوافر الجريمة عناصر معينة فإن تخلف أحدها يؤدي إلى عدم قيام الجريمة، وهذه الفكرة الأساسية لم يوجه إليها نقد . وفي النهاية، فإننا ندعم هذا الرأي بملاحظة أنه من غير المقبول أن تتطلب للجريمة بصفة عامة أركاناً معينة، فإذا عاقبنا عليها باعتبارها شروعاً أغفلنا هذه الأركان وقلنا بتوقيع العقاب على الرغم من انتفاء بعضها.
القصد الجنائي
الأحكام التي يخضع لها القصد الجنائي في الشروع : ليس بين الشروع والجريمة التامة فارق من حيث الركن المعنوي، وإنما ينحصر الفرق بينهما في الركن المادي الذي تكتمل عناصره إذا كانت الجريمة تامة في حين تتخلف منه النتيجة الإجرامية إذا اقتصرت الجريمة على مجرد الشروع . ويترتب على ذلك أن القصد الجنائي الذي يتعين توافره بالنسبة للشروع في الجريمة هو عين القصد الجنائي الذي يتعين توافره إذا كانت الجريمة تامة، فيقوم في الحالين على نفس العناصر ويخضع لذات الأحكام؛ وعلى سبيل المثال، نقرر أنه إذا كان القصد الجنائي يتطلب في القتل التام نية إزهاق الروح وفي السرقة نية التملك، فهو يتطلب نفس النية بالنسبة للشروع في كل من الجريمتين .
القصد الجنائي يتطلب إرادة إحداث النتيجة الإجرامية: يفترض الشروع اتجاه إرادة الجاني إلى ارتكاب الجريمة تامة، ولا يتصور أن تتجه إرادته إلى مجرد الشروع فيها، إذ لن يحقق الشروع له غرضا؛ وبالإضافة إلى ذلك، فالفرض أن عدم إتمام الجريمة لم يكن مرجعه إلى إرادة الجاني، ولذلك لم يكن متصوراً أن تتجه إرادته إلى عدم إتمام الجريمة وإذا ثبت أن إرادة الجاني لم تتجه إلى إتمام الجريمة، فإنه لا يسأل عن شروع فيها؛ وإنما يسأل عن الجريمة التي تقوم بالأفعال التي أراد أن يقصر نشاطه على إتيانها .
القصد الجنائي يتطلب إرادة ارتكاب جريمة معينة : الشروع ينصرف إلى جريمة معينة، ولا يعرف القانون شروعاً مجرداً أي شروعاً في غير جريمة محددة ويترتب على ذلك أنه إذا لم تتحدد إرادة الجاني بالاتجاه إلى إحداث نتيجة إجرامية معينة فلا محل للشروع، ولا وجه للعقاب إلا إذا كان النشاط الذي صدر عنه يعد جريمة قائمة بذاتها، وكانت الإرادة الصادرة عنه تصلح لأن تقوم بها هذه الجريمة، فمن يدخل منزلاً دون أن تكون إرادته متجهة إلى ارتكاب جريمة معينة لا يسأل عن شروع، ولكن قد يسأل عن انتهاك حرمة ملك الغير المادة 369 وما بعدها من قانون العقوبات.
أهمية اعتبار القصد الجنائي رکناً للشروع : يترتب على اعتبار القصد الجنائي رکنا للشروع حصر نطاقه باستبعاد طوائف من الجرائم لا يعد القصد الجنائي من أركانها، إذ يعني ذلك أن يتخلف بالنسبة للشروع فيها أحد الأركان المتطلبة لقيامه، فلا يكون الشروع طبقاً للقانون متصوراً وهذه الجرائم طائفتان : الجرائم غير العمدية، والجرائم ذات النتائج التي تجاوز قصد الجاني .
لا شروع في الجرائم غير العمدية : لا يقوم الركن المعنوي في هذه الجرائم على القصد الجنائي، بل يفترض انتفاءه وتوافر الخطأ غير العمدي، ومن ثم لم يكن للشروع فيها محل، إذ ينقصه دائماً أحد أركانه وعلى هذا النحو، فالفعل المنطوي على خطر يهدد حقاً والصادر عن خطأ غير عمدي لا يعد شروعاً إذا لم تحدث النتيجة التي يتمثل فيها الاعتداء على الحق وتقوم بها جريمة غير عمدية معينة، ولكن هذا الفعل قد يعد جريمة في ذاته إذا كان القانون يعاقب عليه مجرداً، أو كان قد أحدث نتيجة تقوم بها جريمة غير عمدية أخرى فقيادة سيارة بسرعة في طريق مزدحم بالمارة وعلى نحو يهدد بالخطر حياة بعضهم لا يعد شروعاً في قتل غیر عمدی؛ ولكنه قد يعد جريمة تجاوز السرعة المسموح بها، أو جريمة إصابة غير عمدية إذا أفضى الفعل إلى إصابة ولكن لم تتحقق وفاة المصاب.
لا شروع في الجرائم ذات النتائج التي تجاوز قصد الجاني : تفترض هذه الجرائم أن الجاني قد ارتكب فعلاً أراد به إحداث نتيجة معينة، ولكن حدثت نتيجة أشد جسامة لم يتجه إليها قصده وبديهي أن يكون الشروع غير متصور بالنسبة للنتيجة الجسيمة، إذ لم يتجه القصد الجنائي إليها، فيعني ذلك أن أحد أركان الشروع يتخلف دائما بالنسبة لها فالشروع لا يتصور في جريمة الضرب المفضي إلى الموت، إذ لا يتجه القصد إلى إحداث الوفاة، وإلا كانت الجريمة قتلاً عمدياً، وإنما يقتصر اتجاه القصد على مجرد المساس بسلامة الجسم ثم تحدث الوفاة دون أن ينصرف القصد إليها. ويصدق الحكم نفسه على كل جريمة ذات نتيجة تجاوز قصد مرتكبها، مثال ذلك الجرائم المنصوص عليها في المواد 126 و168 و 257 و 286 من قانون العقوبات .
أما جريمة الضرب المفضي إلى عاهة مستديمة فلها صورتان : إذا قد تكون ذات نتيجة تجاوز قصد مرتكبها كما لو اقتصر قصده على مجرد المساس بسلامة الجسم ثم حدثت العاهة، وقد تكون عمدية عادية كما لو اتجه القصد إلى إحداث العاهة، مثال ذلك أن يصيب شخص جسم آخر بنية بتر يده أو فقء عينه ففي الصورة الأولى لا يتصور الشروع؛ ولكن في الصورة الثانية يكون الشروع متصوراً، إذ يتوافر القصد المتجه إلى النتيجة، فإن توافرت سائر أركانه فلا مفر من العقاب عليه.
سلطة القضاء في إثبات توافر القصد الجنائي : التحقق من توافر القصد الجنائي يدخل في اختصاص قاضي الموضوع الذي يستخلصه من وقائع الدعوى وقرائنها ولا رقابة لمحكمة النقض عليه إلا إذا أخطأ في تحديد عناصره وأحكامه، إذ يكون للمحكمة أن ترده إلى التحديد الصحيح ويلتزم قاضي الموضوع بأن يثبت في حكمه بالإدانة من أجل الشروع توافر القصد المتجه إلى الجريمة، فإن لم يفعل فحكمه قاصر التسبيب، إذ أغفل بیان ركن تقوم عليه المسئولية الجنائية عن الشروع .
عدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني:
يفترض الشروع المعاقب عليه أمرين : عدم إتمام الجريمة، وكون ذلك غير راجع إلى إرادة الجاني . فالأمر الأول يكفل التمييز بين الشروع والجريمة التامة، والأمر الثاني يكفل التمييز بين الشروع المعاقب عليه وحالات البدء في التنفيذ التي يعقبها عدول اختیاری فلا يوقع فيها عقاب .
الفرق بين الجريمة التامة والشروع : قدمنا أن هذا الفرق ينحصر في استكمال الركن المادي في الجريمة التامة كل عناصره، في حين أنه تتخلف منه النتيجة الإجرامية في حالة الشروع ونضيف إلى ذلك أن تحديد ما إذا كانت الجريمة تامة أم اقتصر النشاط الإجرامي على مجرد الشروع يقتضي الرجوع إلى نص القانون الخاص بالجريمة واستخلاص الكيفية التي يحدد بها عناصر الركن المادي، وبصفة خاصة تحديد. الواقعية التي تعد نتيجة إجرامية بالنسبة لهذه الجريمة، ثم تطبيق ذلك على س لوك الجاني وآثاره لبيان ما إذا كانت النتيجة قد تحققت أم لم تتحقق .. وتختلف الجرائم فيما بينها، ولذلك لا نستطيع أن تضع قاعدة عامة، وإنما نكتفي بالإشارة إلى بعض الجرائم : لا تتم جريمة القتل إلا بوفاة المجنى عليه، فإن لم تتحقق هذه النتيجة فالجريمة في مرحلة الشروع أيا كانت خطورة الإصابات، ولا تتم جريمة السرقة إلا إذا أخرج الجانى الشيء من حيازة المجني عليه وأدخله في حيازة أخرى، فإن لم تتغير الحيازة على هذا النحو، فالسرقة في مرحلة الشروع أياً كان المدى الذي بلغه الجاني في نشاطه الإجرامي؛ ولكن جريمة الحريق تتم بمجرد وضع النار في المكان المراد إحراقه سواء اشتعل الحريق أو لم يشتعل، ويعني ذلك أنه إذا وضع الجاني النار فانطفأت ولم تتلف شيئا فالجريمة تامة .
الفرق بين العدول الاختياري وعدم إتمام الجريمة لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني : يضع هذا الفرق الحدود بين مجالين : مجال لا يعاقب القانون فيه ومجال يقرر القانون فيه توقيع العقاب وتفسير علم العقاب في حالة العدول الاختیاری مستمد من سياسة العقاب، إذ يقدر الشارع أن مصلحة المجتمع تقتضي تشجيع من بدأ في تنفيذ الجريمة على أن يعدل عن إتمامها باختياره وفي تعبير آخر يقدر الشارع أن عدم إتمام الجريمة اختياراً يحقق للمجتمع مصلحة ترجح على مصلحته في توقيع العقاب من أجل البدء في التنفيذ وهذا التفسير يجعل التكييف الصحيح للعدول الاختيارى أنه مانع عقاب .
ويكون العدول اختيارياً إذا كان يرجع إلى أسباب نفسية خالصة جعلت مرتكب الفعل يتخذ قراره في حرية تامة بعدم المضي في إتمام الجريمة ؛ وفي تعبير آخر يكون العدول اختيارياً إذا لم تكن ثمة عوامل خارجية مستقلة عن شخص الفاعل أثرت عليه ووجهت إرادته إلى عدم إتمام الجريمة؛ وعلى هذا النحو فالعدول الاختياري هو العدول التلقائي، وقد عبر « فرانك » عن ذلك بقوله إن العدول الاختياري يفترض أن الفاعل يستطيع إتمام الجريمة ولكنه لا يريد ذلك . ولا يعتد القانون بالبواعث التي تحمل على العدول الاختياري : فقد تكون الإشفاق على المجنى عليه أو الرغبة في احترام القانون أو تعاليم الأخلاق أو الدين، وقد تكون خشية مقاومة المجنى عليه أو التعرض للقبض والمحاكمة .
ويكون العدول غير اختياري إذا كان يرجع إلى أسباب خارجية فرضت على الجاني عدم إتمام الجريمة، فإرادة الفاعل لم تكن حرة في عدولها، بل كان ثمة إكراه مادي أو معنوي يرسم لها اتجاها؛ مثال ذلك أن يتعرض لمقاومة المجنى عليه فيعجز عن التغلب عليها، أو أن يتدخل شخص بوقف نشاط الجاني كشرطي يقبض عليه أو شخص يناصر المجني عليه في مقاومته أو يهدده بشر جسيم إذا استمر في تنفيذ جريمته وحكم العدول غير الاختياري لا يثير شكاً، إذ يوقع العقاب على الرغم منه .
وقد يكون العدول مختلطاً من حيث طبيعته، إذ فيه جانب غير اختیاری و جانب اختیاری؛ ويعني ذلك أنه لم يكن وليد عملية نفسية خالصة، وإنما عرضت للفاعل واقعة خارجية أثرت على تفكيره وإرادته وجعلته يقف في نشاطه الإجرامي، والفرض أنه إذا لم تعرض هذه الواقعة ما كان يعدل عن الجريمة ؛ مثال ذلك أن يرى شخصاً مقبلاً نحوه أو يسمع صوتاً قريباً منه فيعتقد أنه مهدد بالقبض عليه فيوقف نشاطه الإجرامي؛ وقد تكون الواقعة موهومة، كما لو توهم أنه يرى شخصاً أو يسمع صوتاً والحقيقة أنه الا وجود لذلك، وحكم العدول المختلط محل خلاف في الفقه : ففريق يرى إلحاقه بالعدول الاختيارى محتجاً بأن الواقعة الخارجية - حقيقة كانت أو موهومة - لا تعدو غير أن تكون باعثاً على اتجاه إرادة الفاعل إلى عدم المضي في الجريمة، والقاعدة أن البواعث لا يعتد بها القانون، وهذا الرأي معيب، إذ أن الواقعة الخارجية هي منشأ الاتجاه الإرادي، وهي بذلك تباشر تأثيراً شبيها بما تباشره في حالة العدول غير الاختياري، الأمر الذي ينفي عن العدول أنه اختياري، وذهب رأي إلى وجوب تحديد العامل الغالب، فإن كان الإرادة فالعدول اختیاری، وإن كان الواقعة الخارجية فهو غير اختیاری ويعيب هذا الرأي صعوبة تطبيقه، إذ يتطلب تحليلا دقيقا النفسية الجاني، وليس من اليسير على القاضي القيام به والصحيح في تقديرنا إلحاق العدول المختلط بالعدول غير الاختياري، إذ لا يكون العدول اختيارياً إلا إذا كان تلقائياً راجعاً إلى أسباب نفسية خالصة، وهذه الصفة التلقائية غير متوافرة في العدول المختلط، إذ ليس مرجعه إلى نفسية الجاني وحدها ويصدق على هذا العدول تعريف « فرانك » للعدول غير الاختياري بأنه ما كان مفترضاً أن الجاني يريد إتمام الجريمة ولكنه لا يستطيع ذلك.
وتطبيقاً لهذه القواعد، فإن العدول يكون غير إختياري إذا دخل السارق مسكن المجني عليه فلم يجد ما يسرقه؛ ولكنه يكون اختيارياً إذا وجد ما يسرق ولكنه لم يره مطابقاً ما كان يتوقعه فلم يستول عليه وفي التشريعات التي تعاقب على الشروع في الإجهاض - وليس القانون المصرى منها - يكون العدول اختيارياً إذا حاولت الحامل إجهاض نفسها فوضعت في فمها المادة المجهضة ثم لم تبتلعها لرداءة طعمها، ويكون عدولها غير اختیاری إذا أحدثت المادة التهاباً بالفم والبلعوم فلم تستطع ابتلاعها .
العدول في نوعى الشروع : قدمنا أن الشروع نوعان :
ناقص، وهو الجريمة الموقوفة؛ وتام، وهو الجريمة الخائبة والعدول في صورتيه متصور في الشروع الناقص؛ وهو متصور كذلك في الشروع التام، فالجريمة قد تخيب لأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها كما لو أطلق شخص الرصاص على عدوه فلم يصبه، أو أصابه في مقتل ثم شفي من إصاباته ؛ ولا يثير العقاب في هذه الحالة شكاً ولكن هل يتصور العدول الاختياري في الشروع التام ؟ أنكر ذلك بعض الفقهاء محتجين بأن الجاني قد أتي كل ما يلزم لتنفيذ الجريمة . ويعني ذلك أنه إذا كانت النتيجة لم تتحقق على الرغم من ذلك، فالمرجع إلى أسباب غير إرادية، فلا يكون للعدول الاختيارية محل وهذا الرأي معيب، فالعدول الاختیاری منصور إذا أتى الجاني - بعد إتمامه نشاطه الإجرامي - فعلا فسد به ذلك النشاط وحال دون تحقق النتيجة، مثال ذلك أن يعطي شخص عدوه مادة سامة فيتناولها ثم يعدل عن مشروعه الإجرامي فيعطى المجني عليه ترياقا يفسد أثر السم فلا تحدث الوفاة؛ أو أن يلقى به في الماء لإغراقه ثم يعدل عن ذلك فينتشله وينقذ حياته .
فإذا أفسد الجاني نشاطه على هذا النحو، فلا يقال إن خيبة الجريمة ترجع إلى أسباب « لا دخل لإرادة الجاني فيها »، وإنما هي راجعة إلى أسباب إرادية، ومن ثم يخرج هذا الوضع من نطاق تعريف القانون للشروع، فلا يكون محل لتوقيع العقاب .
وعلى هذا النحو، فالفرق بين نوعي الشروع - من حيث العدول - لا يقوم على أساس أن العدول الاختیاری متصور في أحدهما دون الآخر، وإنما أساسه اختلاف صورته في كل نوع : فإذا كان الشروع ناقصاً، فإن العدول الاختياري يتخذ صورة موقف سلبي يتخذه الجاني بدءاً من مرحلة معينة من مراحل تنفيذ الجريمة، إذ الفرض أنه بدأ في تنفيذها ولكنه لم يتم ذلك، ولذلك يتحقق العدول بكفه عن إتيان الأفعال التالية التي تلزم لإتمام الجريمة : فإذا رفع الجاني عصاه ليضرب المجنى عليه بنية قتله فإنه يكفي للعدول الاختياري أن يمتنع عن إنزال ضربته به أما إذا كان الشروع تاماً، فإن العدول الاختياري يتخذ صورة فعل إيجابي يفسد به الجاني آثار عمله السابق ويحول بذلك دون أن يؤدي إلى تحقق النتيجة الإجرامية، إذ الفرض أنه قد قام من جانبه بكل الأفعال التي يسعى القيام بها لتنفيذ الجريمة وأن النتيجة توشك أن تتحقق كأثر لهذه الأفعال، فيتعين أن يأتي فعلاً إيجابياً تالياً يحبط به عمله السابق؛ فإذا عاق بإرادته تحقق النتيجة الإجرامية فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً في جريمة . وقد سبق أن أتينا بأمثلة للعدول الاختياري في الشروع التام .
مرحلة الجريمة التي ينتج العدول الاختياري فيها أثره : لا ينتج العدول الاختياري أثره فيحول دون العقاب إلا إذا كان سابقا على لحظة تمام الجريمة، وسابقا كذلك على لحظة توافر أركان الشروع بوقوف التنفيذ أو خيبة أثره لأسباب لا ترجع إلى إرادة الجاني . فإذا تمت الجريمة استحق مرتكبها العقاب، فلا يجديه بعد ذلك ندم أو إصلاح الضرر الذي ترتب على الجريمة، فالتوبة الإيجابية، أي اللاحقة على الجريمة لا أثر لها في القانون المصري . وتعليل ذلك أن الأهمية القانونية للعدول مقتصرة على الشروع دون الجريمة التامة . وإذا توافرت أركان الشروع فوقف التنفيذ أو خاب لأسباب غير راجعة إلى إرادة الجاني، فقد استحق العقاب فلا يجديه بعد ذلك أنه عدل اختيارياً عن تكرار فعله على الرغم من أنه كان يستطيع ذلك، فمن أطلق النار على عدوه بنية قتله فلم يصبه فقد توافرت أركان المشروع وتعين العقاب، وانقضت بذلك المرحلة التي كان متصوراً أن يكون للعدول فيها تأثير، فلا يجدي الجاني القول بأنه كان يستطيع أن يطلق عياراً ثانياً، ومع ذلك فقد أحجم بإرادته عن ذلك .
أثر العدول الاختياري : يترتب على العدول الاختياري عدم توقيع العقاب من أجل الشروع، سواء في ذلك أقلنا إنه مانع عقاب، أم اعتبرناه نافياً أحد أركان الشروع، وهو « إيقاف تنفيذ الفعل أو خيبة أثره الأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها ». وعدم العقاب ينصرف إلى تكييف الفعل بأنه شروع، ولكن إذا كان القانون يكفيه في الوقت نفسه بأنه جريمة تامة وقع العقاب من أجله : فالفعل يحتمل في القانون تكييفين، و عقاب عليه طبقاً لأحدهما في حين يعاقب عليه وفقا للآخر، ويدعم هذا الحكم أنه ليس مقبولاً أن يتخلص الجاني من عقاب جريمة لمجرد أنه فشل في ارتكاب جريمة أخرى أشد منها . فإذا بدأ الجاني في تنفيذ القتل ثم عدل باختياره عن إتمامه فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً فيه، ولكنه يعاقب باعتباره مرتكباً جريمة جرح أو ضرب إذا ترتب على فعله مساس بسلامة جسم المجنى عليه؛ وإذا بدأ الجاني في تنفيذ جريمة تسميم ثم خيب اختيارا أثر فعله بإعطاء المجنى عليه ترياقا فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً في تسميم، ولكنه يعاقب باعتباره مرتكبا جريمة إعطاء مواد ضارة؛ وإذا حاول الجاني ارتكاب جريمة اغتصاب ثم عدل عنها باختياره فلا عقاب عليه باعتباره شارعاً فيها، ولكنه قد يعاقب باعتباره مرتكباً جريمة هتك عرض بالقوة أو التهديد .
سلطة القضاء في إثبات إيقاف الفعل أو خيبة أثره : القول بأن تنفيذ الجريمة قد أوقف أو خاب أثره، وتحديد ما إذا كان مرجع ذلك إلى إرادة الجاني فينتفى الشروع المعاقب عليه أم إلى أسباب غير إرادية على نحو يتوافر به الشروع، كل ذلك يدخل في سلطة قاضي الموضوع يستخلصه من وقائع الدعوى دون رقابة عليه من محكمة النقض . ولكن يلتزم القاضي - إذا أدان المتهم بالشروع - بأن يثبت في حكمه أن إيقاف التنفيذ أو خيبة أثره يرجع إلى أسباب غير إرادية، فإن لم يفعل فحكمة قاصر التسبيب، إذ قد أغفل بيان ركن يقوم عليه الشروع . ولما كان القانون يضع بواعث العدول الاختياري على قدم المساواة ويقرر كذلك حكماً واحدا لكل حالات الإيقاف أو الخيبة التي لا ترجع إلى إرادة الجاني، فإن قاضي الموضوع لا يلزم ببيان ذلك، ولايقبل فيه جدال أمام محكمة النقض. (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة:384) .
أركان المشروع:
يستفاد من التعريف السابق أن الشروع يقوم على أركان ثلاثة هي:
1) البدء في التنفيذ (الركن المادي).
2) أن يكون ذلك بقصد ارتکاب جناية أو جنحة (الركن المعنوي).
3) أن يوقف التنفيذ أو يخيب أثره الأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها الظرف الطارئ.
البدء في التنفيذ:
إذا كان القانون قد عرف الشروع بأنه البدء في التنفيذ إلا أنه لم يفصح عن ماهية النشاط الذي يقوم به الشخص ويعد بدءا في تنفيذ الجريمة، فهو لم يضع معياراً للتمييز بين النشاط الذي يعد كذلك والنشاط الذي يسبقه ولا يعاقب عليه. فالقانون لا يعاقب على مجرد اعتزام شخص ارتكاب جريمة حتى ولو اعترف بذلك. فالعزم ليس إلا حديث نفس ولا عقاب على النيات. ولا عقاب كذلك على ما يقوم به الشخص تحضيراً وإعداداً للجريمة (المادة 45 الفقرة الثانية)، كما لو اشترى السلاح الذي سيستخدمه في القتل. فقد أراد المشرع أن يفسح أمامه السبيل حتى يعدل عن ارتكاب الجريمة، إذا لو عاقبه في هذه المرحلة الأسرع في ارتكاب الجريمة ما دام سيعاقب سواء بدأ في تنفيذها أو لا.
ولما كان البدء في التنفيذ من أركان الشروع القانونية لذلك فإن اعتبار ما إذا كانت الأفعال المرتكبة تعد بدءاً في التنفيذ أو تعد أعمالاً تحضيرية هو فصل في مسألة قانونية ومن ثم يخضع لرقابة محكمة النقض وعلى هذا يجب علي محكمة الموضوع أن تبين في حكمها الأفعال التي تثبت لديها أن المتهم أرتكبها وتقديرها في ذلك يعتبر نهائياً، أما وصف هذه الوقائع بأنها بدءاً في التنفيذ أو مجرد أعمال تحضيرية فيخضع لرقابة محكمة النقض.
قصد ارتکاب جناية أو جنحة (الركن المعنوي) :
لا يعتبر البدء في التنفيذ شروعاً إلا إذا كان القصد منه ارتكاب جناية أو جنحة. فلا شروع في المخالفات وذلك لبساطتها. والقصد الجنائي للشروع في الجريمة هو ذات القصد المتطلب في الجريمة التامة، وليس من المتصور أن تتجه إرادة الجاني إلى مجرد الشروع فيها، لأن الشروع يعني أن الجاني يرغب في إتمام الجريمة ولكنها لا تتم لسبب خارج عن إرادته.
ولا يكون الشروع إلا في الجرائم العمدية، أما الجرائم غير العمدية فلا شروع فيها، لأنه يستلزم اتجاه القصد لتحقيق نتيجة معينة والنتيجة لا تحدث في الجرائم غير العمدية بقصد من الجاني .ولكنها تقع عن خطأ منه.
و للسبب نفسه لا يتصور الشروع في الجرائم التي يقرر القانون فيها إلقاء عبء النتيجة على الفاعل، كالضرب أو الجرح المفضي إلى الموت (المادة 236 عقوبات). والضرب المفضي للعاهة المستديمة (240 عقوبات). فالجاني في هذه الجرائم لا يقصد تحقيق النتيجة التي يحمله القانون تبعتها.
أما إذا تعمد شخص إحداث عاهة مستديمة بأخر وأوقف فعله أو خاب أثره لسبب خارج عن إرادته، فإن الشروع يتوافر في هذه الحالة ويعاقب الجاني عليه.
ويجب الاعتبار سلوك الجاني شروعاً أن يكون قد قصد به تحقيق جريمة معينة. وعلى المحكمة أن تبين أن المتهم كان يقصد ارتكاب الجريمة التي تعده شارعاً فيها وإلا كان حكمها معيباً ومحلاً للنقض.
فلا يكفي أن تثبت المحكمة أن الجاني كان يقصد تحقيق نتيجة مجرمة بغير تعيين. فمن يدخل بيتاً مسكوناً وصار شك حول ماهية الجريمة التي كان يقصد ارتكابها كقتل أو زنا أو سرقة فلا يعتبر دخوله المنزل في هذه الحالة شروعاً في أي من هذه الجرائم وإن كان يعاقب عن جريمة دخول منزل بقصد ارتكاب جريمة.
والتحقق من توافر القصد الجنائي من اختصاص قاضي الموضوع يستخلصه من وقائع الدعوى وملابساتها ولا رقابة عليه في ذلك من محكمة النقض. فإذا انتهت محكمة الموضوع إلى توافر قصد القتل لدى الجاني ودانته باعتباره شارعاً في القتل فلا يجدي الطاعن القول بأن قصر مدة علاج المجني عليه يدل على أن الجريمة في حقيقتها جريمة ضرب. فقصد القتل لا ينفيه أو يؤكده قصر مدة العلاج أو طولها.
وقف التنفيذ أو خيبة أثره (الظرف الطارئ):
يراد بوقف تنفيذ الفعل أو خيبة أثره عدم تمام الجريمة ويجب أن يكون ذلك لأسباب خارجة عن إرادة الجاني. وعدم تمام الجريمة في هذا المقام يكون بأحد أمرين:
1) أن يوقف تنفيذ السلوك الذي هدف به الجاني تحقيق الجريمة،كأن يمسك أحدهم بيد الجاني أثناء محاولته طعن المجني عليه بسكين، أو أن يضبط اللص أثناء دخول المنزل للسرقة منه. وهذه الصورة تسمى الشروع الناقص أو الجريمة الموقوفة. وفيها لا يتم الجاني الأفعال اللازمة لوقوع الجريمة لسبب خارج عن إرادته.
2) والصورة الثانية يكمل فيها الجاني السلوك الإجرامي اللازم لتحقيق النتيجة ولكنها لا تتحقق ويخيب أثر هذا السلوك. كما لو أطلق شخص على أخر عياراً نارياً قاصداً قتله، فلا يصيبه، أو يصيبه في غير مقتل، أو يضع له سما في طعامه فيتناوله المجني عليه ولكنه لا يموت لإسعافه بالعلاج وهذه الصورة تسمى الشروع التام أو الجريمة الخائبة.
ولا تفرق الفقرة الأولى من المادة (45) في الحكم بين الصورتين إذ يعد الجاني شارعاً في الجريمة متى كان وقف التنفيذ أو خيبة أثر السلوك راجعاً لأسباب لا دخل لإرادته فيها.
العدول الاختياري :
يفيد مفهوم المخالفة للفقرة الأولى من المادة (45) عقوبات أنه حيث يكون الإرادة الفاعل دخل في الأسباب التي تؤدي إلى وقف تنفيذ السلوك أو خيبة أثره لا يقوم الشروع قانوناً. فإذا توقف الشخص عن المضي في السلوك الإجرامي أو أحبط بنفسه نتيجته فلا يعاقب، عن شروع في الجريمة التي كان يقصد تحقيقها غير أنه يسأل فقط عن الجريمة التي يكونها السلوك الذي أتاه إذا كان القانون يعاقب عليه، فإذا أنتوي أحدهم قتل خصم له بضربه عدة ضربات بعصا غليظة ولكنه بعد أن ضرب المجني عليه أول ضربة أخذته الشفقة به فعدل عن قتله فإنه لا يعاقب باعتباره شارعاً في قتل وإن كان يعاقب عن جريمة ضرب.
والحكمة التي حدت بالمشرع إلى عدم العقاب علي الشروع إذا حال الجاني دون إتمام الجريمة ترجع إلى الرغبة في إفساح المدى للجناة لمراجعة أنفسهم والعدول عما تورطوا فيه لأن منع الجريمة يحقق مصلحة اجتماعية تعلو عن العقاب عليها بعد وقوعها. وفضلاً عن ذلك فإن الهدف من العقاب على الشروع هو مواجهة خطورة المجني التي يكشف عنها سلوكه وإذا عدل الشخص من تلقاء نفسه عن تنفيذ الجريمة أو حال دون وقوعها فإن هذا يعني أننا لسنا بإزاء شخصية خطيرة تستحق العقاب.
ويشترط للاعتداد بالعدول حتى يمنع قيام الشروع قانون أن يكون راجعاً لمحض إرادة الفاعل. ولا عبرة بالبواعث التي تدعوه لهذا العدول فهو لا يعد شارعاً سواء كانت هذه البواعث نبيلة كالتوبة أو الندم أو الإشفاق علي المجني عليه أو لم تكن كذلك كالخوف من العقاب أو خشية الإخفاق.
أما إذا كان العدول اضطرارياً فإن الشروع يتوافر ويستحق الجاني العقاب عليه، سواء كان هذا العدول ناشئة عن عامل خارجي وجد بالفعل، أو توهم الجاني وجوده.
فلا عبرة بالعدول إذا كف اللص عن الاسترسال في تنفيذ السرقة لاستيقاظ صاحب المنزل أو سماعه عواء كلب أو وقع أقدام.
ولا عبرة بالعدول أيضاً إذا كان راجعاً لتوهم الجاني وجود سبب دفعه لهذا العدول بالرغم من عدم وجود هذا السبب فعلاً. فإذا هرب اللص بعد دخول المنزل لاعتقاده بوجود بعض رجال البوليس يتربصون له للقبض عليه وكان هؤلاء غير موجودين حقيقة، فإنه يعد شارعاً في سرقة لأنه كان مضطراً لهذا العدول.
هل يعتد بالعدول الاختياري في حالة الشروع التام "الجريمة الخائبة"
يحدث العدول الاختياري في أغلب الحالات في صورة الشروع الناقص أي الجريمة الموقوفة، بأن يكف الشخص بمطلق إرادته عن المضي في تنفيذ سلوكه الإجرامي، كأن يمتنع عن إخماد سكينه في خصمه شفقة عليه، أو يخرج من المنزل تاركاً الأشياء التي كان ينتوي سرقتها.
والعدول الاختياري في صورة الشروع التام (أي الجريمة الخائبة) متصور أيضاً وإن كان قليل الحدوث عملاً. ومن أمثلته أن يعطي الشخص عدوه مادة سامة لقتله فيتناولها المجني عليه، ثم تأخذه الشفقة به فيعطيه دواء يفسد أثر السم، فلا يموت المجني عليه لإسعافه بالعلاج.
وتقطع المادة (45) عقوبات بأن المشرع يعتد بالعدول الاختياري في الحالتين - ويرتب عليه أثره فلا يقوم الشروع قانوناً ولا يعاقب الفاعل عليه.
ذلك لأن هذه المادة تنص على قيام الشروع إذا بدأ الجاني في تنفيذ فعل ثم أوقف "وهذه صورة الجريمة الموقوفة" أو خاب أثره "وهذه صورة الجريمة الخائبة" الأسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها. وهو ما يعني بمفهوم المخالفة أن العدول عن تحقيق النتيجة في صورتيه يحول دون قيام الشروع إذا كان العدول راجعاً لإرادة الفاعل.
سلطة القضاء في إثبات وقف التنفيذ أو خيبة أثره:
الفصل فيما إذا كان وقف التنفيذ أو خيبة أثر السلوك راجعاً لإرادة الفاعل أو الأسباب لا ترجع لإرادته يدخل في سلطة قاضي الموضوع، وهو يستخلصه من وقائع الدعوى وملابساتها دون رقابة عليه من محكمة النقض. إلا إذا كانت النتيجة التي خلص إليها لا تتفق عقلاً ولا منطقة مع الأسباب التي استند إليها.
ويتعين على القاضي إذا أدان المتهم بالشروع، أن يثبت في حكمه أن إيقاف التنفيذ أو خيبة أثره ترجع لأسباب خارجة عن إرادة الفاعل لأن ذلك من أركان الشروع فيجب على محكمة الموضوع دائماً أن تبرز كافة أركان الجريمة حتى تستطيع محكمة النقض بسط رقابتها والتأكد من صحة تطبيق القانون.
الجريمة المستحيلة :
يراد بها الجريمة التي يستحيل تنفيذها وهي أشبه بالجريمة الخائبة من حيث أن الجاني يقوم فيهما بكل السلوك اللازم لتحقيق النتيجة ومع ذلك لا تتحقق. والذي يفرق بينها وبين الجريمة الموقوفة والجريمة الخائبة أنه في هاتين الصورتين كان من الممكن تحقيق النتيجة المقصودة لولا ظرف عارض طرأ بعد أن بدأ الفاعل سلوكه فأدي إلي وقف تنفيذه أو خيبة أثره بينما يرجع عدم تحقيق النتيجة في الجريمة المستحيلة إلى سبب معاصر لسلوك الفاعل منذ بدايته فالإخفاق فيها أمر محتم.
ومن أمثلتها محاولة تسميم شخص بمادة غير سامة أو بمادة سامة ولكن بكمية لا تكفي لإحداث الوفاة ومحاولة السرقة من جيب خال.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 507)
من هذا النص يبين أن أركان الشروع ثلاثة:
1- البدء في التنفيذ
2 - القصد.
3- عدم تمام الجريمة لسبب خارج عن إرادة الجاني.
وسوف نتناول تلك الأركان في البنود التالية:
أولاً- البدء في التنفيذ
يعتبر البدء في التنفيذ الركن الأول من أركان الشروع. إذ في هذه اللحظة يتحقق الخطر الذي من أجله تدخل المشرع بالعقاب على الشروع. أما المرحلة السابقة على ذلك وهي مرحلة التفكير والإعداد للجريمة فلا تستاهل التدخل التشريعي نظراً لأنها أفعال لا تنطوي في ذاتها على خطورة بالنسبة للمصلحة المحمية جنائياً وإن كشفت عن خطورة صاحبها. ومن أجل ذلك نص المشرع صراحة في المادة 2/45 على أنه لا يعتبر شروعاً في الجناية أو الجنحة مجرد العزم على ارتكابها ولا الأعمال التحضيرية لذلك. فخطورة الأفعال المرتكبة بالنسبة للمصلحة محل الحماية تبرز في اللحظة التي يبدأ فيها الجاني تنفيذ الجريمة . أما في اللحظة السابقة على ذلك فلا خطر على تلك المصلحة نظراً لاعتبارين: الأول هو أن الأعمال التحضيرية ليست قاطعة في دلالتها على إرادة الفاعل . والثاني أنها تحتمل نكوث الفاعل عن البدء في تنفيذ الجريمة. فمن يشتري سلاحاً نارياً لاستخدامه في قتل غريمه لا ينطوي على خطورة فعلية على الحياة نظراً لأن الفاعل قد لا يقدم على جريمته إطلاقاً ويستبعد فكرة القتل. بينما تتحقق تلك الخطورة إذا كان الفاعل قد صوب السلاح الناري في مواجهة غريمه ووضع يده على الزنا تمهيدا للضغط عليه. كذلك من يحوم حول المنزل المراد سرقته لمعرفة ما إذا كان خاليا من عدمه لا يمثل فعلاً خطراً على الأموال المراد سرقتها، بينما تتحقق تلك الخطورة إذا كان الفاعل قد بدأ في كسر الباب تمهيداً لدخوله.
وإذا كانت الأعمال التحضيرية لا تدخل في عداد الأفعال المعاقب عليها على سبيل الشروع، فإن ذلك لا يحول دون تجريمها والعقاب عليها بوصفها جريمة مستقلة. ولذلك نجد المشرع يجرم التحريض غير المتبوع بأثر بوصفه جريمة مستقلة، كما هو الشأن في جريمة عرض الرشوة دون قبولها (م 109 مكرر)، كما يجرم الاتفاق الجنائي غير المتبوع بأثر (م 48 عقوبات).
وإذا كان الشروع المعاقب عليه يتطلب البدء في تنفيذ الفعل المكون للجريمة فإن التمييز بين الأعمال التحضيرية وأعمال البدء في التنفيذ هو من الأهمية بمكان. إذ أن ذلك يحدد نطاق التجريم من نطاق الأفعال التي تخرج عن ذلك. وقد اجتهد الفقه في تحديد معيار البدء في التنفيذ واختلفت الآراء فيما بينهما. ويمكن رد الآراء المختلفة إلى اتجاهين أساسيين: الأول هو الاتجاه الموضوعي والثاني هو الاتجاه الشخصي.
والمعيار السابق يتميز بالبساطة والتجديد. ومع ذلك فقد تعرض لنقد شديد. إذ كل ما يؤدي إليه هو تغيير شكل المشكلة دون جوهرها. فمتى نكون بصدد بدء تنفيذ الفعل النموذجي المكون للجريمة؟ هذا بالإضافة إلى أن هناك كثيراً من الجرائم ليس من السهولة تفريد الفعل الإجرامي في نموذجها التشريعي . وهذا ما يحدث بالنسبة لجرائم الشكل المطلق والتي تتحدد فيها الأفعال موضوع التجريم وفقاً لمعيار السببية أي تبعاً لارتباطها بالنتيجة غير المشروعة. وأصدق مثال لذلك هو جرائم القتل حيث يكتفي المشرع بتجريم أي سلوك يؤدي إلى إزهاق الروح. وبالإضافة إلى ذلك كله فإن المعيار السابق يؤدي إلى تضييق نطاق العقاب على الشروع حيث يخرج منه قدراً غير يسير من الأفعال الخطرة على المصالح المعاقب عليه ويكفي لبيان ذلك أن الذي يتسلق المنزل ويكسر باب المسكن لا يعتبر شارعاً في جريمة السرقة لأنه لم يبدأ بعد في الفعل النموذجي لجريمة السرقة.
وبناء على الانتقادات السابقة اتجه أنصار المعيار الموضوعي إلى توسيع نطاق الأعمال التنفيذية بحيث تشمل الأفعال السابقة على الفعل النموذجي والتي ترتبط به مباشرة وتكون ضرورية لتحقيقه . غير أن الأفعال السابقة والمرتبطة ارتباطاً مباشرا بالفعل النموذجي الضرورية لتحقيقه هي متعددة ومتنوعة ويمكن أن تمتد إلى كثير من الأفعال التحضيرية. فالارتباط المباشر هو تعبير واسع وغير دقيق. كما أن الارتباط الضروري هو قائم بالنسبة لكل الأعمال التحضيرية. ولذلك فقد حاول أنصار الاتجاه السابق تكملة المعيار الأخير بمعيار آخر وهو أن يكون الفعل اعتداء مباشراً على الحق أو المصلحة محل الحماية بالقاعدة التجريمية .
غير أن الالتجاء إلى معيار الاعتداء المباشر على الحق أو المصلحة محل الحماية ليس أحسن حظاً من سابقيه بل أنه يسمح بقدر كبير من عدم الدقة والتحديد للأفعال المعاقب عليها بوصف الشروع. وبدلاً من أن ينشغل الباحث بتفريد العمل التنفيذي من العمل التحضيري فإنه سوف ينشغل بمشكلة أكبر وهي تحديد متى نكون بصدد اعتداء على المصلحة محل الحماية من عدمه.
ولهذا فقد لجأ البعض إلى معيار آخر مستفاد من طبيعة الفعل الذي يرتكبه الجاني واتجاهه وفقا لمجرى الأمور. فالقاضي يتعين عليه أن يفرد بالنسبة لكل جريمة الفعل المعبر عن لحظة البدء في التنفيذ وفقاً لنموذج الجريمة التشريعي، ومستعيناً أيضاً بالخبرة في هذا الصدد فالفعل التنفيذي، وفقاً لهذا الرأي، يتحدد وفقاً لرابطة منطقية بينه وبين الأفعال الأخرى المكونة للجريمة تستفاد من طبيعته وجوهره وليس وفقاً لدرجة التقارب أو التباعد في التسلسل السببي. وهذه الصفة الموضوعية للفعل التنفيذي تكملها الصفة النفسية المستفادة من ارتكابه بقصد التحقيق الفوري للجريمة.
وواضح أن الالتجاء للمعيار السابق القائم على طبيعة واتجاه الفعل التنفيذي لا يقدم حلاً مرضياً للمشكلة نظراً لعدم دقته وتحديده بالنسبة للكثير من الجرائم.
الاتجاه الشخصي :
يذهب أنصار هذا الاتجاه إلى أن الشروع ينطوي على خطورة للفاعل ينبغي مواجهتها بالعقاب على الأفعال المعبرة عن تلك الخطورة. ولذلك يكفي لتوافر الشروع المعاقب عليه أن يرتكب الشخص فعلا يكشف عن قصده في ارتكاب الجريمة . ولذلك لم يركز أنصار هذا الاتجاه على درجة خطورة الفعل بالنسبة للمصالح محل الحماية الجنائية بقدر التركيز على دلالة الفعل عن قصد صاحبه. وفي سبيل التعبير عن المعنى السابق اختلف الفقه في بيان الصيغة الملائمة للمعنى السابق. ومع ذلك فقد استقر أنصار الاتجاه الشخصي على أن الفعل التنفيذي المكون للشروع هو الفعل الذي يؤدي حالاً ومباشرة إلى إتمام الجريمة بحيث لا يسمح بتأويل مختلف القصد الجاني في ذلك. أي أن الجاني يعتبر قد بدأ في التنفيذ بارتكاب أي فعل سابق مباشرة على تنفيذ الركن المادي المكون للجريمة والمؤدي إليها حتماً.
ولا ينفي ما في المذهب الشخصي من توسع في نطاق الأفعال المعاقب عليها كشروع في الجريمة. فكثير من الأعمال التحضيرية وفقاً للمعيار الموضوعي تعتبر شروعاً معاقباً عليه وفقاً للمعيار الشخصي . هذا فضلاً عن أن معيار الاتجاه الحال والمباشر ليس دقيقاً ويحتاج إلى تحديد استناداً إلى ضوابط موضوعية.
والواقع أن معيار البدء في التنفيذ يجب أن يستند إلى صفات موضوعية تتعلق بالفعل المرتكب ولا يكفي لبيانه مجرد دلالته على قصد صاحبه. ذلك أن العقاب على الشروع إنما يستند أساساً إلى خطورة الفعل المرتكب بالنسبة للحق أو المصلحة محل الحماية الجنائية وليس إلى خطورة فاعله وما يكشف عن قصده. ذلك أن سمة الأعمال التحضيرية جميعها هي التعبير عن نية الشخص في الإقدام على الجريمة، ومع ذلك لا عقاب عليها نظراً لأنها لا تمثل في ذاتها خطورة على المصالح محل الحماية الجنائية.
ولا شك أن خطورة الفعل التنفيذي تتجسد في اللحظة التي يعبر فيها الفعل عن الغاية أو الهدف من ارتكابه ويستبعد في الوقت ذاته أي احتمال معقول لعدول الجاني. ويضاف إلى ذلك أن يكون الفعل يملك مقومات إتمام الجريمة منظوراً إليه في الظروف التي أحاطت بارتكابه ولعل هذا هو الذي يفسر التعارض الظاهري في بعض أحكام النقض المصري. فبينما قضت في بعض أحكامها بأن نثر بعض الغاز على نافذة منزل المجني عليه وعلى دكة خشبية موجودة به لا يعد بدءاً في تنفيذ جريمة وضع النار عمداً وإنما هو عمل تحضيري لها . نجد أنها في حكم آخر قضت بأن سكب الغاز على أبواب الأمكنة المراد إحراقها هو بدء تنفيذ جريمة الحريق .
وعلى حين قضت بأن مجرد طلب الفحشاء من أنثي وجذبها من يدها وملابسها ليس مما يعد بدءاً في التنفيذ بالنسبة لجريمة مواقعة أنثى بغير رضاها وإنما هي مجرد أعمال تحضيرية نجد أنها اعتبرت رفع المتهم الملابس المجني عليها أثناء نومها وإمساكها برجلها يصح أن يعد شروعاً في مواقعه أثني متى اقتنعت المحكمة أن المتهم يقصد إليها.
ومفاد ما سبق أن البدء في التنفيذ لا يخضع لمعيار مجرد وإنما هو يستفاد من خطورة الفعل المرتكب بالنسبة لكل حالة على حدة بحسب ما إذا كان كاشفاً عن الغاية منه وعن اتجاه قصد الجاني وكان يملك مقومات إحداث النتيجة غير المشروعة. ومعنى ذلك أن معيار البدء في التنفيذ ليس موضوعياً بحتاً، كما أنه ليس شخصيا بحتاً وإنما هو مزيج من الصفتين معاً الأولي مستمدة من خطورة الفعل وكفاءته لإحداث النتيجة والثانية مستمدة من دلالة الفعل على عزم صاحبه على تحقيق الجريمة.
وعلى هذا النهج سار قضاء النقض الحديث.
ثانياً - القصد الجنائي
لا يكفي لتوافر الشروع قانوناً أن يكون الجاني قد بدأ في تنفيذ الجريمة على النحو السابق بيانه، وإنما يلزم أن تكون الأفعال المرتكبة قد قصد بها الجاني تحقيق جناية أو جنحة. ومعنى ذلك أن يكون الجاني قد اتجهت إرادته إلى السلوك المرتكب وإلى النتيجة التي يهدف إلى تحقيقها عن طريق السلوك المكون للبدء في التنفيذ. ولذلك فإن القصد الجنائي في جريمة الشروع هو ذاته القصد الجنائي المتطلب للجريمة التامة ويترتب على ذلك أنه إذا لم تتواجد إرادة النتيجة غير المشروعة فلا نكون بصدد شروع في الجريمة طالما أن الإرادة اقتصر مضمونها على الأفعال المرتكبة فقط وفي هذه الحالة يعاقب الجاني على ما حققه من أفعال إذا كانت تكون بذاتها جريمة مستقلة. فكسر باب المسكن إذا لم يكن بقصد تحقيق السرقة، وإنما اقتصرت الإرادة على فعل الكسر ذاته لأي غرض آخر خلاف الدخول إلى المسكن، لا يتحقق به الشروع في السرقة وإن كان يمكن عقاب الجاني على فعل الكسر وحده بوصفه جريمة إتلاف.
ويترتب على ما سبق أن الشروع غير منصور بالنسبة للجرائم التي يقوم الركن المعنوي فيها على غير القصد الجنائي، فلا يتصور الشروع بالنسبة للجرائم غير العمدية والتي لا تتجه فيها الإرادة إلى النتيجة غير المشروعة التي تحققت، كالقتل الخطأ أو الإصابة الخطأ كما لا يتصور الشروع أيضاً بالنسبة للجرائم المتجاوزة القصد كالضرب المفضي إلى موت أو الضرب المفضي إلى عاهة إذ في هذه الفروض يقوم الشروع فقط بالنسبة لجنحة الضرب دون النتيجة المتجاوزة والتي لا يعاقب عليها إلا إذا تحققت فعلاً ومع ذلك يتصور الشروع بالنسبة للضرب المفضي إلى عاهة إذا انصرفت الإرادة إلى تحقيق العاهة. ذلك أن تلك الجريمة ليست دائما متجاوزة القصد إذ من الجائز أن يكون تحقيق العاهة عمدياً.
ويجب أن تتجه الإرادة إلى تحقيق جناية أو جنحة من الجنح المعاقب عليها بوصف الشروع. فلا يكفي أن يكون البدء في التنفيذ هو بقصد تحقيق جريمة أياً كانت، وإنما يلزم أن تكون جناية أو جنحة. ويجب أن تكون جناية أو جنحة معينة وليست مجهلة باعتبار أن الفعل التنفيذي المعاقب عليه كشروع إنما يرتبط بغاية محدودة يعتبر بالنسبة لها بدءاً في التنفيذ. أما المخالفات فقد أخرجها المشرع من نطاق جرائم الشروع وذلك لاعتبارين: الأول هو تفاهة المخالفات وعدم انطوائها على خطورة اجتماعية والثاني هو أن المخالفات لا يلزم للعقاب عليها توافر القصد الجنائي كقاعدة. وهذا القصد هو المتطلب لتوافر الشروع. ولذلك فإن القاعدة هي عدم العقاب على الشروع في المخالفات حتى ما كان منها عمدية نظرا لضآلة الضرر الاجتماعي.
ثالثاً- وقف التنفيذ أو خيبة أثره لسبب خارج عن إرادة الجاني :
إن جريمة الشروع تختلف عن الجريمة التامة في كونها غير كاملة سواء لعدم تمام الفعل التنفيذي المكون لها أو لعدم تحقق النتيجة غير المشروعة بالرغم من قيام الجاني بجميع الأفعال التي من شأنها أن تؤدي إليها . وعدم تمام الجريمة إذا كان راجعاً لعدم إتمام العمل التنفيذي يطلق عليه الشروع الناقص أو الجريمة الموقوفة. أما عدم تمام الجريمة الراجع لعدم تحقق النتيجة بالرغم من اكتمال الفعل التنفيذي فيطلق عليه الشروع التام أو الجريمة الخائبة.
وسواء في الجريمة الموقوفة والخائبة فإنه يشترط أن يكون عدم تمام الجريمة راجعاً لسبب خارج عن إرادة الجاني. بمعني أن يكون وقف التنفيذ أو خيبة الأثر إنما يرجع لظروف لا دخل لإرادة الجاني فيها، كأن يمنعه الحاضرون من إتمام فعله التنفيذي أو أن يقوم الغير بتعطيل أثر الفعل فلا تحقق النتيجة أو أن يرتكلية الجاني الفعل التنفيذي ولا تتحقق النتيجة لعدم مهارته أو إحكام فعله.
وقد سوى المشرع بين الجريمة الموقوفة والجريمة الخائبة في تعريفه للشروع، فقد نصت المادة 1/45 على توافر الشروع متى أوقف الفعل أو خاب أثره لسبب لا دخل لإرادة الجاني فيه، ومع ذلك فإن التفرقة بين الجريمة الموقوفة والجريمة الخائبة لها أهميتها في النطاق الذي ينتج فيه العدول الاختياري للجاني أثره، كما سنرى.
العدول الاختياري :
رأينا أن العنصر الثالث لتوفر الشروع قانوناً هو وقف التنفيذ أو خيبة أثر الفعل لسبب خارج عن إرادة الجاني. ولذلك ينتفي ذلك العنصر إذا كانت إرادة الجاني هي السبب في وقف التنفيذ أو خيبة أثره. بمعنى أنه لا شروع إذا كان الجاني قد عدل بمحض إرادته عن إتمام العمل التنفيذي أو قام بعد التنفيذ بتعطيل أثر الفعل بمنع تحقق النتيجة غير المشروعة التي كان من شأنه أن يؤدي إليها، وقد قدر المشرع في ذلك أن في عدم العقاب نفعاً اجتماعياً أكبر من العقاب على الأفعال المرتكبة بوصف الشروع. إذ في تلك السياسية الجنائية تشجيع للمجرمين على عدم المضي في تنفيذ الجريمة أو عدم إتمام النتيجة وبالتالي يتفادى بذلك الإضرار الفعلي بالمصالح المحمية جنائياً. هذا بالإضافة إلى أن العدول الاختياري يعبر عن عدم خطورة الفاعل من الناحية الإجرامية .
والعدول الاختياري يقوم على عنصرين: الأول : مادي والثاني : معنوي. والعنصر المادي قد يأخذ شكلاً سلبياً متمثلاً في عدم إتمام الفعل التنفيذي كما قد يأخذ شكلاً إيجابياً متمثلاً في القيام بفعل لاحق للعمل التنفيذي يعطل آثاره. أما العنصر المعنوي فيتمثل في اتجاه إرادة الجاني إلى عدم إتمام الفعل أو إلى إيقاف آثاره بشرط ألا تكون الإرادة متأثرة بالظروف الخارجية التي أحاطت بالتنفيذ، كالخوف من القبض عليه أو بمقاومة المجني عليه أو غير ذلك من الظروف، أما البواعث التي تقف وراء إرادة العدول الحرة فلا قيمة لها . فقد يكون الباعث هو الخوف من العقاب أو الإشفاق على المجني عليه أو الازدراء الاجتماعي إذا ما انكشف أمره.
ويلزم أن يكون العدول الاختياري منتجاً. فلا تكفي توبة الجاني وندمه على ما حققه من سلوك، بل يلزم أن تتجه إرادة الجاني إلى وقف التنفيذ أو تعطيل آثاره وأن النتيجة لم تتحقق فعلاً كأثر لتدخل الجاني اللاحق أو عدم إتمامه الفعل التنفيذي، ومعنى ذلك أن عدول الجاني غير المنتج لا قيمة له قانوناً ويتوافر الشروع في أركانه المكونة له. فمن يعطي لآخر مادة سامة قاصداً قتله ثم يندم على ذلك ويعطيه دواء لإبطال مفعول السم ولا تتحقق النتيجة بسبب التدخل الطبي بناء على استدعاء المجني عليه وليس بناء على الدواء الذي كان غير منتج في إبطال مفعول السم، يكون مرتكباً لشروع في قتل. كذلك من يطلق عياراً نارياً على آخر بقصد قتله فيخطئ المجني عليه ثم يندم على فعلته ويعدل عن إطلاق عيار آخر يكون مرتكباً الشروع في قتل متوافر الأركان. ذلك أن عدول الجاني هنا لم يكن يؤثر على الفعل التنفيذي الذي تم كاملاً بإطلاق العيار الأول كما أن النتيجة لم تتحقق عن العيار الأولى ليس بسبب العدول وإنما لسبب خارج عن إرادة الجاني وهو عدم الدقة في التصويب.
ولذلك فإن التفرقة بين الجريمة الموقوفة والجريمة الخائبة تبدو أهميتها في محيط العدول الاختياري. فهذا العدول له أثره في جميع فروض الجريمة الموقوفة حينما يكون وقف التنفيذ راجعاً لإرادة الجاني. أما الجريمة الخائبة فينبغي التفرقة بين الأحوال التي تكون فيها النتيجة هي أثر ملازم للحظة تمام الفعل التنفيذي وبين الأحوال التي يتراخى فيها تحقيق النتيجة، ففي الحالة الأولى لا مجال للعدول الاختياري بتعطيل أثر الفعل بينما في الثانية يمكن للجاني القيام بفعل إيجابي لاحق على الفعل التنفيذي يعطل به القوة وتكون خيبة الأثر راجعة لإرادة الجاني . فالشروع يكون تاماً في الحالة الأولى حيث لا مجال للتدخل اللاحق من قبل الجاني حتى ولو عدل عن تكرار الفعل التنفيذي بينما يكون هناك مجال لتدخله في الحالة الثانية، بمعنى أن العدول الاختياري يجد مجاله دائماً في الشروع الناقص، بينما في الشروع التام يمكن أن يحدث أثره فقط في الأحوال التي يتراخى فيها تحقق النتيجة بحيث يكون هناك مجال لتدخل إيجابي من الجاني لتعطيل آثار الفعل التنفيذي وقبل بداية ظهور تلك الآثار.
وغني عن البيان أن قيام الجاني بإصلاح الأضرار الناشئة عن الجريمة بعد ارتكابها سواء في شكلها التام أو في شكل الشروع لا يعتبر عدولاً اختيارياً وإنما يمكن أن يكون له أثره في تقدير العقوبة التي يقررها القاضي ومثال ذلك قيام الجاني برد المسروقات إلى المجني عليه باختياره أو قيامه بنقل المجني عليه بعد طعنه عدة طعنات في مقتل أو بعد إصابته بالأعيرة النارية إلى المستشفى لعلاجه.
الآثار القانونية للعدول الاختياري:
متى وقع العدول الاختياري متوافر الشروط السابقة كان له أثره في نفي العنصر الثالث من عناصر الشروع وبالتالي تنتفي جريمة الشروع.
غير أن انتفاء الشروع وإن كان يؤدي إلى عدم العقاب على الأفعال المرتكبة بهذا الوصف، إلا أنه لا ينفي إمكان العقاب عليها بوصفها جريمة مستقلة إذا كان القانون يعتبرها كذلك. فكسر باب المسكن تمهيداً للسرقة يمكن عقاب الجاني عليه بوصفه جريمة إتلاف وذلك إذا ما عدل عن الشروع في السرقة، كما أن إعطاء مادة سامة للمجني عليه وإبطال مفعولها بتدخل الجاني الإرادي يمكن العقاب عليه بوصفها جريمة إعطاء مواد ضارة أو إيذاء وإن كان لا يعاقب على الشروع في قتل.
ويلاحظ أن تقدير ما إذا كان العدول اختيارياً هو من المسائل الموضوعية التي يستقل بتقديرها قاضي الموضوع ولا رقابة لمحكمة النقض عليه في ذلك.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 480)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 32 .
(مادة 21)
يعتبر شروعاً في الجريمة البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا أوقف، أو خاب أثره لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه.
(مادة 24)
لا عقاب إذا عدل الجاني عن إتمام الجريمة التي شرع في ارتكابها، متى توقف من تلقاء نفسه عن المضي في تنفيذها.
وقد نص الفصل الرابع على الشروع في الجريمة (المواد (21) - (24))، فعرف الشروع (المادة (21))، وحدد عقوبته في الجنايات المادة (22))، ونص على عدم العقاب على الشروع في الجنح إلا إذا نص القانون على غير ذلك المادة (23))، ونص على عدم العقاب في حالة العدول عن إتمام الجريمة التي شرع الجاني في ارتكابها، متى توقف من تلقاء نفسه عن المضي في تنفيذها (المادة (24)).
ويلاحظ أن الشروع في الجرائم يقتصر على الجرائم التعزيرية دون الجرائم الحدية،
وقواعد الشريعة الموضوعة للعقاب على التعازير تمكن من وضع قواعد خاصة للشروع في الجرائم، وتكفي لحكم جرائم الشروع؛ لأن قواعد الحدود والقصاص تعالج جرائم تامة وقائمة بذاتها، أما إذا شرع في ارتكاب حد أو جريمة قصاص فإنه يمكن أن توقع العقوبة تعزيراً لعدم اكتمال جريمة الحد أو القصاص ويكون العقاب هنا على السلوك الإجرامي جائزا طبقا لقواعد التعزير في الشريعة.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 328
الشُّرُوعُ فِي الأْخْذِ:
- يُعْتَبَرُ شُرُوعًا فِي السَّرِقَةِ كُلُّ فِعْلٍ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى سَرِقَةٍ، وَلَكِنَّ السَّرِقَةَ لَمْ تَكْتَمِلْ مَعَهُ، وَذَلِكَ كَالْوَسَائِلِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى هَتْكِ الْحِرْزِ، أَوْ أَخْذِ الشَّيْءِ دُونَ عِلْمِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَرِضَاهُ، أَوْ إِخْرَاجِ الشَّيْءِ الْمَسْرُوقِ مِنْ حِرْزِهِ، وَمِنْ حِيَازَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، دُونَ أَنْ يَدْخُلَ فِي حِيَازَةِ الآْخِذِ، أَوْ إِخْرَاجِ مَا دُونَ النِّصَابِ. أَمَّا إِذَا تَمَّتِ السَّرِقَةُ فَإِنَّ الْحَدَّ يُقَامُ عَلَى السَّارِقِ بِاعْتِبَارِهِ قَدِ ارْتَكَبَ جَرِيمَةً مُوجِبَةً لِلْحَدِّ شَرْعًا، وَذَلِكَ دُونَ نَظَرٍ إِلَى كُلِّ فِعْلٍ بِمُفْرَدِهِ مِنَ الأْفْعَالِ الَّتِي كَوَّنَتِ السَّرِقَةَ.
حُكْمُ الشُّرُوعِ فِي السَّرِقَةِ:
- مِنَ الْمُقَرَّرِ فِي الشَّرْعِ الإْسْلاَمِيِّ: أَنَّ كُلَّ مَعْصِيَةٍ يَنْجُمُ عَنْهَا عُدْوَانٌ عَلَى حَقِّ إِنْسَانٍ أَوْ عَلَى حَقِّ الأْمَّةِ فَإِنَّ مُرْتَكِبَهَا يَخْضَعُ لِلْحَدِّ أَوْ لِلتَّعْزِيرِ أَوْ لِلْكَفَّارَةِ، وَحَيْثُ إِنَّ الْحُدُودَ وَالْكَفَّارَاتِ مُحَدَّدَةٌ شَرْعًا، فَكُلُّ مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ يُمْكِنُ أَنْ يُعَاقَبَ مُرْتَكِبُهَا عَلَى وَجْهِ التَّعْزِيرِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ أَتَى جَرِيمَةً كَامِلَةً، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ كَوْنِ فِعْلِهِ يُعْتَبَرُ شُرُوعًا فِي جَرِيمَةٍ أُخْرَى. انْظُرْ مُصْطَلَحَ: (تَعْزِير).
وَعَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، فَإِنَّهُمْ يَمْنَعُونَ إِقَامَةَ الْحَدِّ إِذَا لَمْ تَتِمَّ السَّرِقَةُ، وَلَكِنَّهُمْ يُوجِبُونَ التَّعْزِيرَ عَلَى مَنْ يَبْدَأُ فِي الأْفْعَالِ الَّتِي تُكَوِّنُ بِمَجْمُوعِهَا جَرِيمَةَ السَّرِقَةِ. لَيْسَ بِاعْتِبَارِهِ شَارِعًا فِي السَّرِقَةِ، وَلَكِنْ بِاعْتِبَارِهِ مُرْتَكِبًا لِمَعْصِيَةٍ تَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَّ سَارِقًا نَقَبَ خِزَانَةَ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَبِي وَدَاعَةَ، فَوُجِدَ بِهَا، قَدْ جَمَعَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَخْرُجْ بِهِ. فَأُتِيَ بِهِ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ، فَجَلَدَهُ، وَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ. فَمَرَّ بِابْنِ عُمَرَ، فَسَأَلَ فَأُخْبِرَ، فَأَتَى ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَمَرْتَ بِهِ أَنْ يُقْطَعَ ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: فَمَا شَأْنُ الْجَلْدِ ؟ قَالَ: غَضِبْتُ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعٌ حَتَّى يَخْرُجَ مِنَ الْبَيْتِ، أَرَأَيْتَ لَوْ رَأَيْتَ رَجُلاً بَيْنَ رِجْلَيِ امْرَأَةٍ لَمْ يُصِبْهَا، أَأَنْتَ حَادُّهُ ؟ قَالَ: لاَ.
وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: عَلَى أَنَّ الشُّرُوعَ فِي السَّرِقَةِ لَيْسَ لَهُ عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَإِنَّمَا تُطَبَّقُ فِيهِ الْقَوَاعِدُ الْعَامَّةُ لِلتَّعْزِيرِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 93
الشُّرُوعُ فِي الْجِنَايَاتِ:
يَتَحَقَّقُ الشُّرُوعُ فِي الْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ: بِالْفِعْلِ لاَ بِالْقَوْلِ، وَلاَ بِالنِّيَّةِ.
مَا يَجِبُ إِتْمَامُهُ بِالشُّرُوعِ:
مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - عَلَى الْمُكَلَّفِ، إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُهُ بِاتِّفَاقٍ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُهُ أَوِ الاِنْصِرَافُ عَنْهُ إِلاَّ بَعْدَ إِتْمَامِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ حَالَةُ الضَّرُورَةِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ إِتْمَامِهِ، كَأَنْ يُنْتَقَضَ وُضُوءُ الْمُصَلِّي، أَوْ يُغْمَى عَلَيْهِ، أَوْ تَحِيضَ الْمَرْأَةُ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَعُوقُ الْمُكَلَّفَ عَنِ الإْتْمَامِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (اسْتِئْنَافٌ - حَيْضٌ - صَلاَةٌ).
وَمِثْلُ الصَّلاَةِ كُلُّ مَفْرُوضٍ مِنْ: صِيَامٍ أَوْ زَكَاةٍ، أَوْ حَجٍّ، إِذَا شَرَعَ فِيهِ وَجَبَ إِتْمَامُهُ، وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ، وَقَدْ يَجْلِبُ عَلَيْهِ الْعِقَابَ فِي الدُّنْيَا، كَالْكَفَّارَةِ لِمَنْ أَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فِي رَمَضَانَ بِدُونِ عُذْرٍ، وَلُزُومِ الْهَدْيِ لِمَنْ أَفْسَدَ حَجَّهُ أَوْ عُمْرَتَهُ، وَإِعَادَتُهُمَا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ أَمْرٌ لاَزِمٌ مُتَعَلِّقٌ بِذِمَّتِهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: أَمَّا الشَّارِعُ فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ، إِذَا أَرَادَ قَطْعَهُ فَإِنْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ قَطْعِهِ بُطْلاَنُ مَا مَضَى مِنَ الْفِعْلِ حَرُمَ كَصَلاَةِ الْجِنَازَةِ، وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ تَفُتْ بِقَطْعِهِ الْمَصْلَحَةُ الْمَقْصُودَةُ لِلشَّارِعِ، بَلْ حَصَلَتْ بِتَمَامِهَا، كَمَا إِذَا شَرَعَ فِي إِنْقَاذِ غَرِيقٍ ثُمَّ حَضَرَ آخَرُ لإِنْقَاذِهِ جَازَ قَطْعًا.
نَعَمْ ذَكَرُوا فِي اللَّقِيطِ أَنَّ مَنِ الْتَقَطَ لَيْسَ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِنْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، لَكِنْ لاَ عَلَى التَّمَامِ، وَالأْصَحُّ أَنَّ لَهُ الْقَطْعَ أَيْضًا، كَالْمُصَلِّي فِي جَمَاعَةٍ يَنْفَرِدُ، وَإِنْ قُلْنَا الْجَمَاعَةُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَالشَّارِعُ فِي الْعِلْمِ فَإِنَّ قَطْعَهُ لَهُ لاَ يَجِبُ بِهِ بُطْلاَنُ مَا عَرَفَهُ أَوَّلاً؛ لأِنَّ بَعْضَهُ لاَ يَرْتَبِطُ بِبَعْضٍ، وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، فَالصُّوَرُ ثَلاَثَةٌ:
قَطْعٌ يُبْطِلُ الْمَاضِيَ فَيَبْطُلُ قَطْعًا، وَقَطْعٌ لاَ يُبْطِلُهُ وَلاَ يُفَوِّتُ الشَّاهِدَ فَيَجُوزُ قَطْعًا، وَقَطْعٌ لاَ يُبْطِلُ أَصْلَ الْمَقْصُودِ، وَلَكِنْ يُبْطِلُ أَمْرًا مَقْصُودًا عَلَى الْجُمْلَةِ، فَفِيهِ خِلاَفٌ.
قَالَ الْفَتُوحِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يَتَعَيَّنُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالشُّرُوعِ فِيهِ، وَيَجِبُ إِتْمَامُهُ عَلَى الأْظْهَرِ وَيُؤْخَذُ لُزُومُهُ بِالشُّرُوعِ مِنْ مَسْأَلَةِ حِفْظِ الْقُرْآنِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ تَرْكُ الْحِفْظِ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَفِي وَجْهٍ يُكْرَهُ.
أَمَّا مَا نَدَبَ إِلَيْهِ الشَّارِعُ مِنَ السُّنَنِ فَإِنْ كَانَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً وَشَرَعَ فِيهِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ الإْتْمَامُ بِاتِّفَاقٍ، لقوله تعالى :(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا فَإِتْمَامُهُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ مَحَلُّ خِلاَفٍ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي نَفْلٍ لَزِمَهُ إِتْمَامُهُ لقوله تعالى :(وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) فَمَا أَدَّاهُ وَجَبَ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنِ الإْبْطَالِ؛ لأِنَّ الْعَمَلَ صَارَ حَقًّا لِلَّهِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى حِفْظِهِ إِلاَّ بِالْتِزَامِ الْبَاقِي، فَوَجَبَ الإْتْمَامُ ضَرُورَةً.
فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ بِدُونِ عُذْرٍ، لَزِمَهُ الْقَضَاءُ، وَعَلَيْهِ الإْثْمُ، وَالْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لِعُذْرٍ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ. فَأَصْبَحَتِ النَّافِلَةُ عِنْدَهُمْ وَاجِبًا بَعْدَ الشُّرُوعِ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنَ النَّفْلِ بِعُذْرٍ، فَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا شَرَعَ فِي النَّفْلِ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمُضِيُّ فِيهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إِذَا لَمْ يُتِمَّهُ؛ لأِنَّ النَّفَلَ لَمَّا شُرِعَ غَيْرَ لاَزِمٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ، وَجَبَ أَنْ يَبْقَى كَذَلِكَ بَعْدَ الشُّرُوعِ؛ لأِنَّ حَقِيقَةَ الشَّرْعِ لاَ تَتَغَيَّرُ بِالشُّرُوعِ وَلَوْ أَتَمَّهُ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلنَّفْلِ، لاَ مُسْقِطًا لِلْوُجُوبِ. أَمَّا لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إِتْمَامَهُ، لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي النَّفْلِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْبَقَاءُ فِيهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ لاَ إِثْمَ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
أَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: إِذَا شَرَعَ الْمُكَلَّفُ فِيهَا، فَيُكْرَهُ قَطْعُهَا لِمُكَالَمَةِ النَّاسِ، فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْثِرَ كَلاَمَهُ عَلَى قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. وَقَدْ وَرَدَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ لَمْ يَتَكَلَّمْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ.
وَأَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَإِنَّهُمَا إِذَا شَرَعَتَا فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، نَاسِيَةً إِحْدَاهُمَا أَنَّهَا حَائِضٌ، وَالأْخْرَى أَنَّهَا نُفَسَاءُ، فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الاِسْتِمْرَارُ فِي الْقِرَاءَةِ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَطْعُ.
أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ، وَمَنْ بِهِ عُذْرٌ، كَسَلَسِ الْبَوْلِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُهُمَا لِلصَّلاَةِ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ، فَإِذَا شَرَعَ فِي قِرَاءَةٍ مُتَوَضِّئًا، فَلاَ يَقْطَعُ نَدْبًا، وَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِ إِتْمَامُ السُّورَةِ أَوِ الْحِزْبِ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
أَمَّا إِذَا شَرَعَ الْمُكَلَّفُ الَّذِي لاَ يَمْنَعُهُ مَانِعٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، ثُمَّ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ لِضَرُورَةٍ طَرَأَتْ عَلَيْهِ - كَخُرُوجِ رِيحٍ، أَوْ حَصْرِ بَوْلٍ، فَلَهُ عَدَمُ إِتْمَامِ مَا قَرَأَ وَيَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ يَقِفُ، وَإِذَا تَرَكَهُ لاَ لِضَرُورَةٍ، فَلاَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَتَخَيَّرَ الْوَقْفَ، بِانْتِهَاءِ مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا يَقْرَأُ، فَلَوْ كَانَ يَقْرَأُ فِي قِصَّةِ مُوسَى، أَوْ هُودٍ أَوْ أَهْلِ الْكَهْفِ، فَلْيُتِمَّهَا نَدْبًا حَتَّى لاَ يَكُونُ كَلاَمُهُ مَبْتُورًا، وَحَتَّى تَكْتَمِلَ فِي رَأْسِهِ الْمَوْعِظَةُ.
أَمَّا إِذَا شَرَعَ فِي غَيْرِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ - كَوِرْدٍ مِنَ الأْوْرَادِ، أَوْ مَا يُسَمَّى بِالذِّكْرِ الْجَمَاعِيِّ أَوِ الْفَرْدِيِّ - فَلاَ يُطَالَبُ بِإِتْمَامِهِ؛ لأِنَّهُ غَيْرُ مُلْزَمٍ بِهِ.
وَأَمَّا الْمُبَاحُ: إِذَا شَرَعَ فِيهِ الْمُكَلَّفُ فَإِتْمَامُهُ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ؛ لأِنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - خَيَّرَ الْمُكَلَّفَ بَيْنَ فِعْلِهِ وَتَرْكِهِ.
الشُّرُوعُ فِي الْعُقُودِ:
أَوَّلاً: عَقْدُ الْبَيْعِ:
الْبَيْعُ إِيجَابٌ وَقَبُولٌ، فَإِنْ حَصَلَ الإِْيجَابُ كَانَ شُرُوعًا فِي الْبَيْعِ، فَإِنْ وَافَقَهُ الْقَبُولُ كَانَ إِتْمَامًا لِلْبَيْعِ. فَإِنْ رَجَعَ الْمُوجِبُ فِي إِيجَابِهِ، قَبْلَ صُدُورِ الْقَبُولِ، يَكُونُ رُجُوعًا عَنِ الشُّرُوعِ فِي الْبَيْعِ فَإِنْ صَدَرَ الْقَبُولُ قَبْلَ عَوْدِ الْمُوجِبِ تَمَّ الْبَيْعُ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (إِيجَابٌ) (وَبَيْعٌ)
ثَانِيًا: الْهِبَةُ:
يَكُونُ الشُّرُوعُ فِي الْهِبَةِ بِلَفْظِ: وَهَبْتُ، وَأَعْطَيْتُ، وَنَحَلْتُ، وَلاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَلاَ تَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ.
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (هِبَةٌ).
ثَالِثًا: الْوَقْفُ:
الشُّرُوعُ فِي الْوَقْفِ يَكُونُ بِلَفْظِ: وَقَفْتُ، وَحَبَسْتُ، فَمَنْ أَتَى بِكَلِمَةٍ مِنْهُمَا، كَانَ شَارِعًا فِي الْوَقْفِ، وَلَزِمَهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِ غَيْرِهِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِلَى أَنَّ الْوَقْفَ لاَ يَلْزَمُ بِمُجَرَّدِهِ، وَلِلْوَاقِفِ الرُّجُوعُ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَلْزَمَ، أَوْ يَحْكُمَ بِلُزُومِهِ حَاكِمٌ.
وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ، فَقَالاَ بِلُزُومِهِ، وَأَنَّهُ يَنْقُلُ الْمِلْكَ، وَلاَ يَقِفُ لُزُومُهُ عَلَى الْقَبْضِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ إِلاَّ بِالْقَبْضِ، وَإِخْرَاجِ الْوَقْفِ لَهُ عَنْ يَدِهِ.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وَقْفٌ).
رَابِعًا: الْوَصِيَّةُ:
الشُّرُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ يَقَعُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْكِتَابَةِ، كَأَنْ يُوصِيَ لِشَخْصٍ مُعَيَّنٍ أَوْ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَتَتِمَّ وَيَلْزَمَ بِقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنَ بَعْدَ وَفَاةِ الْمُوصِي.
انْظُرْ مُصْطَلَحَ (وَصِيَّةٌ).
خَامِسًا: الْعَارِيَّةُ:
يَكُونُ الشُّرُوعُ فِيهَا كَسَائِرِ الْعُقُودِ الْمُنْضَبِطَةِ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَيَكُونُ الإْيجَابُ بِقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ كَذَا شُرُوعًا فِي الإْعَارَةِ، وَيَكُونُ الْقَبُولُ فِيهَا إِتْمَامًا لِعَقْدِ الْعَارِيَّةُ، فَبِهِ يَتِمُّ الْعَقْدُ، وَلِكُلٍّ مِنَ الْمُعِيرِ وَالْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ قَبْلَ صُدُورِ الْقَبُولِ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ أَيْضًا بِرَفْضِ أَخْذِهَا، وَلَهُ الرُّجُوعُ بَعْدَ ذَلِكَ لأَِنَّهَا عَقْدٌ جَائِزٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ. (ر: إِعَارَةٌ).
الشُّرُوعُ بِدُونِ إِذْنٍ فِيمَا يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ:
الشُّرُوعُ فِي الْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِذْنٍ، إِذْ إِنَّ فَرْضِيَّتَهَا عَلَى الْمُكَلَّفِينَ لاَ يَقْتَضِي إِذْنًا مِنْ أَحَدٍ.
أَمَّا الْعِبَادَاتُ غَيْرُ الْمَفْرُوضَةِ، وَالْمُعَامَلاَتُ، فَقَدْ أَوْجَبَ الشَّارِعُ الإْذْنَ فِيهَا لِحَقِّ مَنْ لَهُ الْحَقُّ عَلَى الْمُكَلَّفِ، كَحَقِّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ، وَحَقِّ الْوَلِيِّ عَلَى الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ.
فَأَعْطَى لِلزَّوْجِ أَنْ تَسْتَأْذِنَهُ زَوْجَتُهُ فِي فِعْلِ بَعْضِ النَّوَافِلِ مِنَ الْعِبَادَاتِ فَإِذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهَا، وَلَمْ تُطِعْهُ، كَانَ لَهُ مَنْعُهَا، فَإِذَا شَرَعَتِ الْمَرْأَةُ فِي الْحَجِّ تَطَوُّعًا، بِدُونِ إِذْنِ زَوْجِهَا، فَلِلزَّوْجِ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ.
وَكَذَا إِذَا شَرَعَتْ فِي صِيَامِ نَفْلٍ بِدُونِ إِذْنِهِ، لَهُ أَنْ يُفَطِّرَهَا، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ».