loading

موسوعة قانون العقوبات​

المذكرة الإيضاحية

المادتان 52 و 53 - قد رأي إدماج المادتين الأولي والثانية من القانون رقم 5 الصادر في 11 يوليو سنة 1908 بشأن المجرمين لمعتادي الإجرام في باب العود ووضعها عقب المادة 51 من المشروع لارتباطها الوثيق بها إذ أنها كلها متعلقة بالمجرم الذي يتخذ السرقة وما في حكمها من الجرائم عادة له وجعل حكم المادة الثانية من القانون المذكور جوازياً بعد إن كان وجوبياً لأن التطبيق أثبت أنه لا يتناسب في كثير من الحالات مع ظروف الجريمة وأضيف إليها الشروع ليكون نصها متفقاً مع نص المادة التي قبلها وقد أصبحت المادة الأولى المادة 52 من المشروع وأصبحت المادة الثانية المادة 53 منه .

الأحكام

1 ـ لما كانت المادة 53 من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 59 لسنة 1970 قد نصت على أنه " إذا سبق الحكم على العائد بالأشغال الشاقة عملاً بالمادة 51 من هذا القانون أو بإعتباره مجرماً إعتاد الإجرام ، ثم إرتكب فى خلال سنتين من تاريخ الإفراج عنه جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى تلك المادة ، حكمت المحكمة بإيداعه إحدى مؤسسات العمل المشار إليها فى المادة السابقة إلى أن يأمر وزير العدل بالإفراج عنه بناء على إقتراح إدارة المؤسسة و موافقة النيابة العامة . و لا يجوز أن تزيد مدة الإيداع فى هذه الحالة على عشر سنوات " و مقتضى هذا النص أنه إذا سبق الحكم على العائد بإعتباره عائداً عوداً متكرراً و حكم عليه بعقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة عملاً بالمادة 51 من قانون العقوبات أو سبق الحكم عليه بهذه العقوبة بإعتباره مجرماً إعتاد الإجرام عملاً بالمادة 52 من قانون العقوبات ثم إرتكب فى خلال سنتين من تاريخ الإفراج عنه جريمة منتمية إلى فئة الجرائم التى نصت عليها المادة 51 من ذلك القانون تعين الحكم عليه بإيداعه إحدى مؤسسات العمل المنصوص عليها فى الفقرة الثانية من المادة 52 من قانون العقوبات ، تقديراً من الشارع بأن هذا النوع من معتادى الإجرام أو محترفيه لم تعد تجدى معهم العقوبات على تعددها إلى حد توقيع أغلظها و هى عقوبة الأشغال الشاقة .

(الطعن رقم 9016 لسنة 60 ق - جلسة 1991/12/03 س 42 ع 1 ص 1269 ق 176)

جرى نص المادة 51 من قانون العقوبات بأنه "إذا سبق الحكم على العائد بعقوبتين مقيدتين للحرية كلتاهما لمدة سنة على الأقل أو ثلاث عقوبات مقيدة للحرية إحداهما على الأقل لمدة سنة أو أكثر وذلك لسرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو شروع فى هذه الجرائم. ثم ثبت ارتكابه لجنحة سرقة أو إخفاء أشياء مسروقة أو نصب أو خيانة أمانة أو تزوير أو شروع معاقب عليه فى هذه الجرائم بعد الحكم عليه بآخر تلك العقوبات فللقاضي أن يحكم عليه بالأشغال الشاقة من سنتين إلى خمس بدلاً من تطبيق أحكام المادة السابقة "ونصت المادة 52 المضافة بالقانون رقم 59 لسنة 1970 على أنه إذا توافر العود طبقاً لأحكام المادة السابقة جاز للمحكمة بدلاً من توقيع العقوبة المبينة فى تلك المادة أن تقرير اعتبار العائد مجرماً اعتاد الإجرام ... وفي هذه الحالة تحكم المحكمة بإيداعه إحدى مؤسسات العمل" كما جرى نص المادة 54 من قانون العقوبات بأن "للقاضي أن يحكم بمقتضى نص المادة 51 على العائد الذي سبق الحكم عليه لارتكابه جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى المواد 355، 356، 367، 358 بعقوبتين مقيدتين للحرية كلتاهما لمدة سنة على الأقل أو ثلاث عقوبات مقيدة للحرية إحداهما على الأقل لمدة سنة أو أكثر ثم ثبت ارتكابه جريمة من المنصوص عليها فى المادتين 355، 367 بعد آخر حكم عليه بالعقوبات السالفة". ويبين من استقراء هذه النصوص أنه يلزم لتوافر ظرف العود المتكرر المنصوص عليه فى المادة 52 من قانون العقوبات - التي تحيل إليها المادة 52 سالفة البيان - أن تكون الجريمة الجديدة جنحة - بغض النظر عما إذا كانت السوابق الماضية فى جنح أو جنايات. وهذا الوجوب مستفاد من صريح نص المادة 51 عندما أورد عبارة "ثم ثبت ارتكابه جنحة سرقة أو ... ..." ومن استلزام المادة 54 أن تكون الجريمة الجديدة من الجرائم المنصوص عليها فى المادتين 355، 367 وهي جرائم كلها جنح. وقد قصد المشرع رفع عقوبة الجنحة للمتهم العائد عوداً متكرراً طبقاً للمادة 51 علاجاً لمشكلة معتادي الإجرام مرتكبي الجنح المتماثلة حيث لا تجدي معهم عقوبة الجنحة. أما إذا كانت الجريمة الجديدة بطبيعتها جناية، فلا تتحقق أية صورة من صور العود البسيط أو المتكرر لأن عقوبة الجناية أشد بطبيعتها من عقوبة الجنحة وللمحكمة فى نطاق عقوبة الجناية المقررة بطبيعتها للواقعة الجديدة من الحرية ما يسمح لها بالتشديد إلى المدى الذي تراه مناسباً لجسامة الواقعة الجديدة ولخطورة مرتكبها من جهة أخرى بغير حاجة إلى الاستعانة بأحكام التشديدة للعود البسيط أو المتكرر. لما كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه بعد أن أثبت فى حق المطعون ضده ارتكابه جناية السرقة المنصوص عليها فى المادة 314/1 من قانون العقوبات قد أعمل حكم المادتين 51، 52 من هذا القانون بدلاً من توقيع العقوبة المقررة للجناية التي ارتكبها فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وفي تأويله بما يوجب نقضه.

(الطعن رقم 254 لسنة 44 ق - جلسة 1974/03/17 س 25 ع 1 ص 280 ق 62

3 ـ تنص المادة 53 من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 59 لسنة 1970 على أنه "إذا سبق الحكم على العائد بالأشغال الشاقة عملاً بالمادة 51 من هذا القانون أو باعتباره مجرماً. أعتاد الإجرام, ثم ارتكب فى خلال سنتين من تاريخ الإفراج عنه جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى تلك المادة, حكمت المحكمة بإيداعه إحدى مؤسسات العمل المشار إليها فى المادة السابقة . ." ولما كانت المادة 52 من قانون العقوبات المضافة بذات القانون تنص على أنه "وفي هذه الحالة تحكم المحكمة بإيداعه إحدى مؤسسات العمل التي يصدر بإنشائها وتنظيمها وكيفية معاملة من يودعون بها قرار من رئيس الجمهورية". لما كان ذلك, وكانت هذه المادة الأخيرة تتطلب لإعمال حكمها وحكم المادة 53 صدور قرار من رئيس الجمهورية بإنشاء مؤسسات العمل وتنظيمها وكيفية معاملة من يودعون بها، وكان الثابت من خطاب مدير مصلحة السجون المؤرخ 21 مايو سنة 1973 أنه لم يصدر بعد قرار جمهوري بإنشاء مؤسسات العمل سالفة الذكر ومن ثم فإن أحكام المادتين 52 و53 من قانون العقوبات تعتبران معطلتان عملاً عن التطبيق لاستحالة تنفيذهما, وتكون المادة 51 من القانون المذكور هي الواجبة التطبيق إذا استوفت شرائطها إلى أن يصدر القرار الجمهوري المشار إليه وهو ما انتهت إليه المحكمة فى حكمها المطعون فيه.

(الطعن رقم 287 لسنة 43 ق -  جلسة 1973/05/28 س 24 ع 2 ص 668 ق 138)

4 ـ إذا كان الظاهر من صحيفة سوابق المتهم أنه سبق الحكم عليه بالحبس لمدة سنة بتاريخ 21 سبتمبر سنة 1938 من أجل جريمة دخول فى منزل بقصد إرتكاب جريمة فيه ، و كانت جريمة السرقة المطلوبة محاكمته من أجلها قد وقعت فى 21 ديسمبر سنة 1942 أى قبل مضى خمس سنين من تاريخ إنقضاء تلك العقوبة ، فإنه يكون عائداً طبقاً للفقرة الثانية من المادة 49 ع . و إذا كان الثابت بالصحيفة المذكورة أن المتهم سبق الحكم عليه أيضاً بتسع عقوبات مقيدة للحرية فى سرقات و شروع فيها و خيانة أمانة إثنتان منها بالحبس لمدة سنة مما يكون معه عائداً فى حكم المادة 51 ع ، فإنه إذ كان العائد طبقاً لهذه المادة يجوز الحكم عليه بمقتضاها و بمقتضى المادة 52 من قانون العقوبات بعقوبة الجناية يكون من الواجب على قاضى الإحالة أن يأمر بإحالة هذا المتهم إلى المحكمة المختصة بنظر الدعوى بإعتبارها جناية ، فإذا هو لم يفعل فإن الأمر الصادر منه بإعتبار الواقعة جنحة يكون خاطئاً متعيناً نقضه .

(الطعن رقم 1171 لسنة 13 ق - جلسة 1943/05/10 س 6 ع 6 ص 254 ق 186)

5 ـ المادة 52 من قانون العقوبات المعدلة بالمادة الثانية من مرسوم 19 أكتوبر سنة 1925 تشترط لإيقاف التنفيذ فى عقوبة الحبس ألا يكون سبق الحكم على المدان بعقوبة من نوع خاص . كما تشترط أيضاً تسبيب إيقاف التنفيذ المقضى به و الذى هو إختيارى دائماً للمحكمة .

(الطعن رقم 13 لسنة 46 ق - جلسة 1928/11/22 س ع ع 1 ص 43 ق 23)

شرح خبراء القانون

تنص المادتان 52، 53 من قانون العقوبات على جواز توقيع عقوبة أخرى غير السجن المشدد على المجرم العائد الذي تنطبق عليه شروط المادة 51 من قانون العقوبات وذلك بأن تقرر المحكمة أنه مجرم اعتاد الإجرام وتأمر بإرساله إلى محل خاص تعينه الحكومة ليسجن فيه إلى أن يأمر وزير العدل بالإفراج عنه. ونص المادة 52 ع يطابق نص المادة الأولى من القانون رقم 5 لسنة 1908 وينطبق في كل الحالات التي تنطبق فيها المادة 51 من قانون العقوبات تماماً بلا خوف ولايختلف عنها إلا في نوع العقوبة المقررة في كل من المادتين ففي كل الأحوال التي يجوز فيها تطبيق المادة 51 وتوقيع عقوبة السجن المشدد يجوز تطبيق المادة 52 واعتبار المتهم اعتاد الإجرام ووضعه في المحل المخصص لمعتادي الإجرام والحكم بذلك جوازي على أي حال.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الأول ،  الصفحة: 573)

الاعتياد على الإجرام: نصت على أحكام الإعتياد على الإجرام المادتان 52 ،53 من قانون العقوبات المضافتان بالقانون رقم 56 لسنة 1970)، فتنص المادة 52 على أنه «إذا توافر العود طبقاً لأحكام المادة - السابقة جاز للمحكمة. بدلاً من توقيع العقوبة المبينة في تلك المادة ، أن تقرر اعتبار العائد مجرماً اعتاد الإجرام متى تبين لها من ظروف الجريمة وبواعثها ومن أحوال المتهم وماضيه أن هناك احتمالاً جدياً لاقدامه على اقتراف جريمة جديدة ، وفي هذه الحالة تحكم المحكمة بإيداعه إحدى مؤسسات العمل التي يصدر بإنشائها وتنظيمها وكيفية معاملة من يودعون بها قرار من رئيس الجمهورية وذلك إلى أن يأمر وزير العدل بالإفراج عنه بناء على اقتراح إدارة المؤسسة وموافقة النيابة العامة. ولا يجوز أن تزيد مدة الإبداع في المؤسسة على ست سنوات».

ويتضح من ذلك أن شروط الاعتياد على الإجرام هي بعينها شروط العود المتكرر التي سلفت دراستها، مضافاً إليها شرط جديد هو «الخطورة الإجرامية» للمتهم، وهذه الخطورة - كما عرفها الشارع - هي «الاحتمال الجدي للإقدام على اقتراف جريمة جديدة». وقد بين الشارع العناصر التي يستمد منها القاضي القول بتوافر الخطورة، فذكر أنها «ظروف الجريمة وبواعثها وأحوال المتهم وماضيه»، وعلى القاضي أن يفحص ظروف الجريمة المرتكبة وبواعثها وأن يفحص أحوال المتهم وماضيه لكي يستخلص من كل ذلك مدى توافر الاحتمال السابق، ومؤدى ذلك أن القاضي يتمتع بسلطة تقديرية في استخلاص ذلك الاحتمال وإشارة الشارع إلى «أحوال المتهم» هي إشارة إلى شخصيته الإجرامية ، وهو ما يفترض «الفحص السابق» الذي يقوم به خبراء متخصصون يقدمون نتائج فحصهم إلى القاضي کی يستعين بها في تحديد معالم الشخصية الإجرامية للمتهم. وقد أشار الشارع كذلك إلى الماضى الإجرامي للمتهم، ويعني به عدد أحكام الإدانة السابقة ضده فيما يزيد على القدر الأدنى الذي يتطلبه القانون: فكلما زاد عدد هذه الأحكام، وكلما أسرع النشاط الإجرامي في التلاحق فكانت المدة الفاصلة بين كل جريمة وما يليها قصيرة كان ذلك قرينة على الاعتياد. ويعتبر تاريخ الابتداء في النشاط الإجرامي من هذه القرائن كذلك: فالمجرم المعتاد يبتدىء نشاطه في الغالب في سن مبكرة. ومن القرائن التي تعين على التحقق من الخطورة أن المتهم قد أقدم على جرائمه - أو على أغلبها - على الرغم من أنه توجد لديه فرص عمل شريف، أو بصفة عامة سبل شريفة لتحقيق الغايات التي ينشدها عن طريق الإجرام.

ولم يحدد الشارع نوع الجريمة التالية، ولكنا نعتقد وجوب انتمائها إلى ذات المجموعة التي تنتمي إليها الجرائم السابقة التي صدرت من أجلها أحكام الإدانة. والحجة في ذلك أن الشارع قد أحال في بيان عناصر الاعتياد على الإجرام إلى شروط العود المتكرر، وهي تفترض ذلك؛ بالإضافة إلى أن الفكرة العلمية للاعتياد على الإجرام تفترض التخصص في الإجرام.

وحكم الاعتياد على الإجرام هو «إيداع المتهم في إحدى مؤسسات العمل». وعلى الرغم من أن الشارع قد استعمل تعبير «جاز للمحكمة» ، مما قد يفهم منه أن إنزال هذا التدبير جوازي للمحكمة، إلا أن هذا الجواز منصرف إلى تخويل المحكمة سلطة تحري الخطورة الإجرامية ، فإذا ثبت توافرها فإن الشارع ينص في صورة آمرة على أنه «في هذه الحالة تحكم المحكمة بإيداعه إحدى مؤسسات العمل»، مما يعني التزامها بإنزال التدبير. ويتفق هذا التفسير مع الحقائق العلمية: فإذا توافرت الخطورة الإجرامية كان التدبير الاحترازي هو الوسيلة الملائمة لمواجهتها، مما يعني بالضرورة أن العقوبة لم تعد ذات جدوى.

وهذا التدبير غير محدد المدة: فليس له حد أدني على الإطلاق ، وحده الأقصى هو ست سنوات. ولا يحدد القاضي المدة التي يبقى خلالها المعتاد على الإجرام في مؤسسة العمل ، وإنما يقتصر على الأمر بالإرسال إليها ، ويجوز الإفراج عنه في أي وقت. والسلطة المختصة بالإفراج هی وزير العدل بناء على اقتراح إدارة المؤسسة وموافقة النيابة العامة. وتحدد لحظة الإفراج بزوال خطورة المعتاد على الإجرام ، أي حين ينقضي احتمال إقدامه على اقتراف جريمة جديدة ، وتحديد ذلك يقتضي فحصا لشخصيته للتحقق من زوال هذا الاحتمال .

وعلة النص على الحد الأقصى هي صيانة الحريات العامة کی لا يبقى المجرم في مؤسسة العمل أبد حياته ، أو مدة تجاوز ما يحتمل أن يتطلبه علاج الخطورة الكامنة في شخصيته.(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:   953)

وعلى ذلك فشروط تطبيق هذا التدبير بدلاً من عقوبة الأشغال الشاقة المقررة بالمادة 51 عقوبات مناطها استظهار المحكمة لخطورة المجرم.

وهذه الصورة تستفاد من وجود احتمال قوي لإقدامه على ارتكاب جريمة جديدة ويقوم هذا الاحتمال على ضوابط مستفادة من سوابق المتهم وماضيه وظروفه المعيشية وغير ذلك من الظروف المحيطة بالمجرم. ومتى رأی القاضي توافر ذلك الاحتمال فله أن يحكم بإيداع المحكوم عليه إحدى مؤسسات العمل لمدة غير محددة بشرط ألا تزيد على ست سنوات.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 695)

العود المتكرر الخطر (الاعتياد على الإجرام):

لقد نص المشرع على هذه الصورة صورة العود المتكرر الخطر أو الاعتياد على الإجرام) وذلك في المادة التي نحن بصددها. والتي تمثل الصورة الأولى من صورتي الاعتياد على الإجرام أما الصورة الثانية فقد نص عليها بالمادة (53) عقوبات .

ولم يعتبر المشرع كل من يعود عودة متكررة- ولو كانت جرائمه متماثلة - مجرماً معتاداً بل علق ذلك على ما تتبينه المحكمة من خطورة المتهم كما أن المشرع قد قصر نطاق الاعتياد على الإجرام في طائفة الجرائم التي تقع على المال بقصد الاستيلاء عليه وأخرج من هذا النطاق مجموعة الجرائم الأخرى التي تقوم بها إحدى صور العود المتكرر وهي الجرائم الاعتداء على الأموال بقصد الانتقام والكيد (المادة 54 عقوبات) وذلك لأن المشرع قدر أن الطائفة الأولى من الجرائم هي التي يتصور الاعتياد على ارتكابها لما تحققه من كسب مادي.

ويلاحظ أن المشرع يتطلب بالنسبة لهذه الصورة من العود المتكرر نفس الأركان والشروط التي يتطلبها بالنسبة للعود المتكرر البسيط والسابق بيانها (المادة 51) بالإضافة إلى شرط جديد هو "الخطورة الإجرامية للمتهم.

ويعرف القانون هذه الخطورة "بأنها الاحتمال الجدي للإقدام على اقتراف جريمة جديدة.

ويستدل القاضي عليها "من ظروف الجريمة وبواعثها ومن أحوال المتهم وماضيه.

وللقاضي سلطة تقديرية في استخلاص هذه الخطورة بعد دراسة ظروف الفعل المكون للجريمة وبواعثه ودراسة شخصية المتهم وأحواله.

أثر توافر العود المتكرر الخطر الاعتياد على الإجرام:

الأثر المترتب على توافر هذه الصورة من العود المتكرر هو الحكم بإيداع المتهم إحدى مؤسسات العمل والحكم بالإيداع وجوبي يتعين على المحكمة القضاء به متى انتهت إلى الخطورة الإجرامية بجانب الأركان الأخرى للعود المتكرر البسيط.

ويلاحظ أن المحكمة غير ملزمة بالبحث في خطورة المتهم فهذا الأمر جوازي لها حسبما تراه من ظروف القضية ولكن إذا ما قامت بدراسة ظروف الجريمة وشخصية المتهم ثم انتهت إلى قيام الخطورة الإجرامية وجب عليها الحكم بالإيداع في إحدى مؤسسات العمل.

والإيداع في إحدى مؤسسات العمل ليس عقوبة وإنما هو تدبير احترازي يتجه أساسا إلي المستقبل بهدف إزالة الخطورة الإجرامية لدى معتادي الإجرام.

وحتى يتحقق هذا التعبير لم يجعل له المشرع حداً أدنى وجعل حده الأقصی ست سنوات. وفضلاً عن ذلك لا يحدد القاضي في حكمه المدة التي يظل خلالها المعتاد على الإجرام في مؤسسة العمل فهو يختص بالإرسال إليها فقط أما الإفراج فمن اختصاص وزير العدل بناءاً على اقتراح إدارة المؤسسة وموافقة النيابة العامة وذلك متى تحقق من زوال الخطورة الإجرامية ويعني ذلك اختلاف مدة البقاء في المؤسسة باختلاف ظروف وأحوال كل محكوم عليه بشرط ألا تزيد على ست سنوات في جميع الأحوال ولقد قصد المشرع من النص على الحد الأقصى لمدة الإيداع حماية الحريات العامة حتى لا يتحول الإيداع في مؤسسة العمل إلى إجراء مؤبد.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 609)

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة49 .

 

(مادة 62) 

إذا توافر العود طبقاً لأحكام المادة السابقة، جاز للمحكمة بدلاً من توقيع العقوبة المبينة في تلك المادة - أن تقرر اعتبار العائد مجرما اعتاد الإجرام متى تبين لها من ظروف الجريمة وبواعثها ومن أحوال المتهم وماضيه - أن هناك احتمالاً جدياً لإقدامه على اقتراف جريمة جديدة، وفي هذه الحالة تحكم المحكمة بإيداعه إحدى مؤسسات العمل التي يصدر بإنشائها وتنظيمها وكيفية معاملة من يودعون بها - قرار من رئيس الجمهورية، وذلك إلى أن يأمر وزير العدل بالإفراج عنه بناء على اقتراح إدارة المؤسسة وموافقة النيابة العامة.

 ولا يجوز أن تزيد مدة الإيداع في المؤسسة على ست سنوات. 

 وعالج المشروع في المواد من (59) إلى (63) تشديد العقوبة بسبب العود إلى الجريمة، فبين أحوال العود، وسلطة القاضي في تشديد العقوبة بناء عليه وقد أقرت الشريعة نظام العود، فالمجرم يعاقب بالعقوبة المقررة للجريمة، فإن عاد لها أمن تشديد العقوبة، ومن الأمثلة على ذلك اللواطة لغير المحصن، فالفاعل والمفعول به يعاقب کلاهما بالعقوبة المقررة للجريمة، فإن اعتاد الجريمة ولم تردعه العقوبة قتل بشناعة الجريمة، وللحيلولة دون إفساد الأخلاق، والسارق إذا اعتاد السرقة يعاقب على الاعتياد بعقوبة مغلظة. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 307

حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الْمَالِ :

أ - حَبْسُ الْعَائِدِ إِلَى السَّرِقَةِ بَعْدَ قَطْعِهِ :

- إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّرِقَةِ يُحْبَسُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِمَنْعِ ضَرَرِهِ عَنِ النَّاسِ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي تَحْدِيدِ عَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي يُقْطَعُ أَوْ يُحْبَسُ بَعْدَهَا. (ر: سَرِقَةٌ).

ب - حَبْسُ السَّارِقِ تَعْزِيرًا لِتَخَلُّفِ مُوجِبِ الْقَطْعِ :

- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حَالاَتٍ يُحْبَسُ فِيهَا السَّارِقُ لِتَخَلُّفِ مُوجِبَاتِ الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ: حَبْسُ مَنِ اعْتَادَ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَحَبْسُ مَنِ اعْتَادَ سَرِقَةَ بَزَابِيزِ الْمِيَضِ (صَنَابِيرِ الْمَاءِ) وَنِعَالِ الْمُصَلِّينَ. وَنَصُّوا عَلَى حَبْسِ الطَّرَّارِ وَالْقَفَّافِ وَالْمُخْتَلِسِ، وَمَنْ يَدْخُلُ الدَّارَ فَيَجْمَعُ الْمَتَاعَ فَيُمْسَكُ وَلَمَّا يُخْرِجْهُ. وَكُلُّ سَارِقٍ انْتَفَى عَنْهُ الْقَطْعُ لِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهَا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 65

مُتَّهَمٌ

التَّعْرِيفُ :

- الْمُتَّهَمُ لُغَةً:

مَنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ التُّهْمَةُ وَالتُّهْمَةُ هِيَ: الشَّكُّ وَالرِّيبَةُ وَاتَّهَمْتُهُ: ظَنَنْتُ بِهِ سُوءًا فَهُوَ تَهِيمٌ، وَاتُّهِمَ الرَّجُلُ اتِّهَامًا: أَتَى بِمَا يُتَّهَمُ عَلَيْهِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ :

- الْمُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ دَعْوَى دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ حَقٍّ وَالْمُدَّعِي: هُوَ مَنْ يَلْتَمِسُ لِنَفْسِهِ ذَلِكَ قِبَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمُتَّهَمِ وَبَيْنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مُطْلَقٌ.

مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ مِنْ أَحْكَامٍ :

تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَّهَمِ أَحْكَامٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنْهَا:

الْمُتَّهَمُ بِالْكَذِبِ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم

- عَدَّ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ الْمُتَّهَمَ بِالْكَذِبِ فِي الْمَرْتَبَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْكَذَّابِ مِنْ مَرَاتِبِ أَلْفَاظِ التَّجْرِيحِ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: تَجُوزُ رِوَايَةُ حَدِيثِ مَنْ كَثُرَتْ غَفْلَتُهُ فِي غَيْرِ الأْحْكَامِ وَأَمَّا رِوَايَةُ أَهْلِ التُّهْمَةِ بِالْكَذِبِ فَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ مَعَ بَيَانِ حَالِهِمْ. وَالَّذِي يَتَبَيَّنُ مِنْ عَمَلِ الإْمَامِ أَحْمَدَ وَكَلاَمِهِ أَنَّهُ يَتْرُكُ الرِّوَايَةَ عَنِ الْمُتَّهَمِينَ وَالَّذِينَ غَلَبَ عَلَيْهِمْ كَثْرَةُ الْخَطَأِ لِلْغَفْلَةِ وَسُوءِ الْحِفْظِ. وَذَكَرَ الْحَافِظُ الْعِرَاقِيُّ أَنَّ الْمُتَّهَمَ بِالْفِسْقِ الْمُبْتَدِعَ الَّذِي لَمْ يَكْفُرْ بِبِدْعَتِهِ إِذَا كَانَ دَاعِيَةً إِلَى بِدْعَتِهِ لَمْ تُقْبَلْ رِوَايَتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَاعِيَةً قُبِلَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ كَمَا قَالَ الْخَطِيبُ وَقَالَ ابْنُ الصَّلاَحِ: وَهَذَا مَذْهَبُ الْكَثِيرِ أَوِ الأْكْثَرِ وَهُوَ أَعْدَلُهَا وَأَوْلاَهَا.

الْمُتَّهَمُ فِي الْجَرَائِمِ

لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْحُدُودَ لاَ تُقَامُ عَلَى الْمُتَّهَمِ بِالتُّهْمَةِ. أَمَّا التَّعْزِيرُ بِالتُّهْمَةِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِلْقَاضِي تَعْزِيرَ الْمُتَّهَمِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا وَلَمْ يَكْتَمِلْ نِصَابُ الْحُجَّةِ، أَوِ اسْتَفَاضَ عَنْهُ أَنَّهُ يَعِيثُ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا وَقَالُوا: إِنَّ الْمُتَّهَمَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى فَلاَ يَجُوزُ تَعْزِيرُهُ بَلْ يُعَزَّرُ مُتَّهَمُهُ وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ أَمْرُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ فَيُعَزَّرُ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ بِالْحَبْسِ، وَقَالُوا: وَهُوَ الَّذِي يَسَعُ النَّاسَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ.

(ر: تُهْمَةٌ ف 14).

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْجَرَائِمُ مَحْظُورَاتٌ شَرْعِيَّةٌ زَجَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا بِحَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ وَلَهَا عِنْدَ التُّهْمَةِ حَالُ اسْتِبْرَاءٍ تَقْتَضِيهِ السِّيَاسَةُ الدِّينِيَّةُ وَلَهَا عِنْدَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا حَالُ اسْتِيفَاءٍ تُوجِبُهُ الأْحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ.

فَأَمَّا حَالُهَا بَعْدَ التُّهْمَةِ وَقَبْلَ ثُبُوتِهَا وَصِحَّتِهَا فَمُعْتَبَرٌ بِحَالِ النَّظَرِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ حَاكِمًا رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ قَدِ اتُّهِمَ بِسَرِقَةٍ أَوْ زِنًا لَمْ يَكُنْ لِتُهْمَةٍ بِهَا تَأْثِيرٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْبِسَهُ لِكَشْفٍ وَلاَ اسْتِبْرَاءٍ وَلاَ أَنْ يَأْخُذَهُ بِأَسْبَابِ الإْقْرَارِ إِجْبَارًا وَلَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ فِي السَّرِقَةِ إِلاَّ مِنْ خَصْمٍ مُسْتَحِقٍّ لِمَا قَرَفَ وَرَاعَى مَا يَبْدُو مِنْ إِقْرَارِ الْمَتْهُومِ أَوْ إِنْكَارِهِ إِنِ اتُّهِمَ بِالزِّنَا لَمْ يَسْمَعِ الدَّعْوَى عَلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَذْكُرَ الْمَرْأَةَ الَّتِي زَنَى بِهَا وَيَصِفَ مَا فَعَلَهُ بِهَا بِمَا يَكُونُ زِنًا مُوجِبًا لِلْحَدِّ فَإِنْ أَقَرَّ حَدَّهُ بِمُوجِبِ إِقْرَارِهِ وَإِنْ أَنْكَرَ وَكَانَتْ بَيِّنَةً سَمِعَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْلَفَهُ فِي حُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ دُونَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا طَلَبَ الْخَصْمُ الْيَمِينَ. وَإِنْ كَانَ النَّاظِرُ الَّذِي رُفِعَ إِلَيْهِ هَذَا الْمَتْهُومُ أَمِيرًا كَانَ لَهُ مَعَ هَذَا الْمَتْهُومِ مِنْ أَسْبَابِ الْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ مَا لَيْسَ لِلْقُضَاةِ وَالْحُكَّامِ وَذَلِكَ مِنْ تِسْعَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا : أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ قَرْفَ الْمَتْهُومِ مِنْ أَعْوَانِ الإْمَارَةِ مِنْ غَيْرِ تَحْقِيقٍ لِلدَّعْوَى الْمُقَرَّرَةِ وَيَرْجِعَ إِلَى قَوْلِهِمْ فِي الإْخْبَارِ عَنْ حَالِ الْمَتْهُومِ وَهَلْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الرِّيَبِ؟ وَهَلْ هُوَ مَعْرُوفٌ بِمِثْلِ مَا قُرِفَ بِهِ أَمْ لاَ؟ فَإِنْ بَرَّءُوهُ مِنْ مِثْلِ ذَلِكَ خَفَّتِ التُّهَمَةُ وَوُضِعَتْ وَعَجَّلَ إِطْلاَقَهُ وَلَمْ يَغْلُظْ عَلَيْهِ وَإِنْ قَرَّفُوهُ بِأَمْثَالِهِ وَعَرَّفُوهُ بِأَشْبَاهِهِ غَلُظَتِ التُّهَمَةُ وَقَوِيَتْ وَاسْتُعْمِلَ فِيهَا مِنْ حَالِ الْكَشْفِ مَا يُنَاسِبُهُ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ.

الثَّانِي : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يُرَاعِيَ شَوَاهِدَ الْحَالِ وَأَوْصَافَ الْمَتْهُومِ فِي قُوَّةِ التُّهْمَةِ وَضَعْفِهَا فَإِنْ كَانَتِ التُّهَمَةُ زِنًا وَكَانَ الْمَتْهُومُ مُطِيعًا لِلنِّسَاءِ ذَا فُكَاهَةٍ وَخَلاَبَةٍ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ، وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ، وَإِنْ كَانَتِ التُّهَمَةُ بِسَرِقَةٍ وَكَانَ الْمَتْهُومُ بِهَا ذَا عِيَارَةٍ أَوْ فِي بَدَنِهِ آثَارٌ لِضَرْبٍ أَوْ كَانَ مَعَهُ حِينَ أُخِذَ مُنَقِّبٌ قَوِيَتِ التُّهَمَةُ وَإِنْ كَانَ بِضِدِّهِ ضَعُفَتْ وَلَيْسَ هَذَا لِلْقُضَاةِ أَيْضًا.

الثَّالِثُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يُعَجِّلَ حَبْسَ الْمَتْهُومِ لِلْكَشْفِ وَالاِسْتِبْرَاءِ وَاخْتُلِفَ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ لِذَلِكَ فَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ حَبْسَهُ لِلاِسْتِبْرَاءِ وَالْكَشْفِ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ وَاحِدٍ لاَ يَتَجَاوَزُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى رَأْيِ الإْمَامِ وَاجْتِهَادِهِ وَهَذَا أَشْبَهُ وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ أَنْ يَحْبِسُوا أَحَدًا إِلاَّ بِحَقٍّ وَجَبَ.

الرَّابِعُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ مَعَ قُوَّةِ التُّهْمَةِ أَنْ يَضْرِبَ الْمَتْهُومَ ضَرْبَ التَّعْزِيرِ لاَ ضَرْبَ الْحَدِّ لِيَأْخُذَ بِالصِّدْقِ عَنْ حَالِهِ فِيمَا قُرِفَ بِهِ وَاتُّهِمَ، فَإِنْ أَقَرَّ وَهُوَ مَضْرُوبٌ اعْتُبِرَتْ حَالُهُ فِيمَا ضُرِبَ عَلَيْهِ، فَإِنْ ضُرِبَ لِيُقِرَّ لَمْ يَكُنْ لإِقْرَارِهِ تَحْتَ الضَّرْبِ حُكْمٌ، وَإِنْ ضُرِبَ لِيَصْدُقَ عَنْ حَالِهِ وَأَقَرَّ تَحْتَ الضَّرْبِ قُطِعَ ضَرْبُهُ وَاسْتُعِيدَ إِقْرَارُهُ فَإِذَا أَعَادَهُ كَانَ مَأْخُوذًا بِالإْقْرَارِ الثَّانِي دُونَ الأْوَّلِ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى الإْقْرَارِ الأْوَّلِ وَلَمْ يَسْتَعِدْهُ لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِالإْقْرَارِ الأْوَّلِ وَإِنْ كَرِهْنَاهُ.

الْخَامِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ فِيمَنْ تَكَرَّرَتْ مِنْهُ الْجَرَائِمُ وَلَمْ يَنْزَجِرْ عَنْهَا بِالْحُدُودِ أَنْ يَسْتَدِيمَ حَبْسَهُ إِذَا اسْتَضَرَّ النَّاسُ بِجَرَائِمِهِ حَتَّى يَمُوتَ، بَعْدَ أَنْ يَقُومَ بِقُوتِهِ وَكِسْوَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ عَنِ النَّاسِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِلْقُضَاةِ.

السَّادِسُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ إِحْلاَفُ الْمَتْهُومِ اسْتِبْرَاءً لِحَالِهِ، وَتَغْلِيظًا عَلَيْهِ فِي الْكَشْفِ عَنْ أَمْرِهِ فِي التُّهْمَةِ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَهُ بِالطَّلاَقِ وَالْعِتَاقِ، وَلَيْسَ لِلْقُضَاةِ إِحْلاَفُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ أَنْ يُجَاوِزُوا الأَْيْمَانَ بِاللَّهِ إِلَى الطَّلاَقِ أَوِ الْعِتْقِ.

السَّابِعُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ أَنْ يَأْخُذَ أَهْلَ الْجَرَائِمِ بِالتَّوْبَةِ إِجْبَارًا، وَيُظْهِرَ مِنَ الْوَعِيدِ عَلَيْهِمْ مَا يَقُودُهُمْ إِلَيْهَا طَوْعًا، وَلاَ يُضَيِّقُ عَلَيْهِمُ الْوَعِيدَ بِالْقَتْلِ فِيمَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ، لأِنَّهُ وَعِيدُ إِرْهَابٍ يَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الْكَذِبِ إِلَى حَيِّزِ التَّعْزِيرِ وَالأْدَبِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَقِّقَ وَعِيدَهُ بِالْقَتْلِ فَيَقْتُلَ فِيمَا لاَ يَجِبُ فِيهِ الْقَتْلُ.

الثَّامِنُ : أَنَّهُ يَجُوزُ لِلأْمِيرِ أَنْ يَسْمَعَ شَهَادَاتِ أَهْلِ الْمِهَنِ وَمَنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ الْقُضَاةُ إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ.

التَّاسِعُ : أَنَّ لِلأْمِيرِ النَّظَرَ فِي الْمُوَاثَبَاتِ وَإِنْ لَمْ تُوجِدْ غُرْمًا وَلاَ حَدًّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَثَرٌ سَمِعَ قَوْلَ مَنْ سَبَقَ بِالدَّعْوَى، وَإِنْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا أَثَرٌ فَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِسَمَاعِ دَعْوَى مَنْ بِهِ الأْثَرُ وَلاَ يُرَاعَى السَّبْقُ، وَالَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَسْمَعُ قَوْلَ أَسْبَقِهِمَا بِالدَّعْوَى، وَيَكُونُ الْمُبْتَدِئُ بِالْمُوَاثَبَةِ أَعْظَمَهُمَا جُرْمًا وَأَغْلَظَهُمَا تَأْدِيبًا، وَيَجُوزُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي التَّأْدِيبِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا:  بِحِسَابِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الاِقْتِرَافِ وَالتَّعَدِّي، وَالثَّانِي: بِحَسَبِ اخْتِلاَفِهِمَا فِي الْهَيْبَةِ وَالتَّصَاوُنِ.

وَإِذَا رَأَى مِنَ الصَّلاَحِ فِي رَدْعِ السَّفِلَةِ أَنْ يُشَهِّرَهُمْ، وَيُنَادَى عَلَيْهِمْ بِجَرَائِمِهِمْ، سَاغَ لَهُ ذَلِكَ. فَهَذِهِ أَوْجُهٌ يَقَعُ بِهَا الْفَرْقُ فِي الْجَرَائِمِ بَيْنَ نَظَرِ الأْمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ فِي حَالِ الاِسْتِبْرَاءِ وَقَبْلَ ثُبُوتِ الْحَدِّ لاِخْتِصَاصِ الأْمِيرِ بِالسِّيَاسَةِ وَاخْتِصَاصِ الْقُضَاةِ بِالأْحْكَامِ.

- وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: دَعَاوَى التُّهَمِ وَهِيَ دَعْوَى الْجِنَايَةِ وَالأْفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ كَدَعْوَى الْقَتْلِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَالْعُدْوَانِ يَنْقَسِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِيهَا إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:

فَإِنَّ الْمُتَّهَمَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَرِيئًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ التُّهْمَةِ، أَوْ فَاجِرًا مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يَعْرِفُ الْوَالِي وَالْحَاكِمُ حَالَهُ.

فَإِنْ كَانَ بَرِيئًا لَمْ تَجُزْ عُقُوبَتُهُ اتِّفَاقًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ الْمُتَّهِمِ لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا يُعَاقَبُ صِيَانَةً لِتَسَلُّطِ أَهْلِ الشَّرِّ وَالْعُدْوَانِ عَلَى أَعْرَاضِ الأْبْرِيَاءِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يُعْرَفُ بِبِرٍّ وَلاَ فُجُورٍ، فَهَذَا يُحْبَسُ حَتَّى يَنْكَشِفَ حَالُهُ عِنْدَ عَامَّةِ عُلَمَاءِ الإْسْلاَمِ، وَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الأْئِمَّةِ أَنَّهُ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَالْوَالِي، وَقَالَ أَحْمَدُ: قَدْ «حَبَسَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي تُهْمَةٍ،» قَالَ أَحْمَدُ: وَذَلِكَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لِلْحَاكِمِ أَمْرُهُ، وَقَدْ وَرَدَ مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ فِي تُهْمَةٍ».

وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْحَبْسُ فِي التُّهَمِ إِنَّمَا هُوَ لِوَالِي الْحَرْبِ دُونَ الْقَاضِي. وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الْحَبْسِ فِي التُّهْمَةِ هَلْ هُوَ مُقَدَّرٌ أَوْ مَرْجِعُهُ إِلَى اجْتِهَادِ الْوَالِي وَالْحَاكِمِ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُمَا، فَقَالَ الزُّبَيْرِيُّ: هُوَ مُقَدَّرٌ بِشَهْرٍ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: غَيْرُ مُقَدَّرٍ.

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمُتَّهَمُ مَعْرُوفًا بِالْفُجُورِ كَالسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ وَالْقَتْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا جَازَ حَبْسُ الْمَجْهُولِ فَحَبْسُ هَذَا أَوْلَى، قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَا عَلِمْتُ أَحَدًا مِنَ الأْئِمَّةِ يَقُولُ: إِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الدَّعَاوَى يَحْلِفُ وَيُرْسَلُ بِلاَ حَبْسٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَلَيْسَ هَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ مَذْهَبًا لأِحَدٍ مِنَ الأْئِمَّةِ الأْرْبَعَةِ وَلاَ غَيْرِهِمْ مِنَ الأْئِمَّةِ. وَيَسُوغُ ضَرْبُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْمُتَّهَمِينَ كَمَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الزُّبَيْرَ بِتَعْذِيبِ الْمُتَّهَمِ الَّذِي غَيَّبَ مَالَهُ حَتَّى أَقَرَّ بِهِ فِي قِصَّةِ كِنَانَةَ بْنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَاخْتَلَفُوا فِيهِ هَلِ الَّذِي يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي أَوْ كِلاَهُمَا أَوْ لاَ يَسُوغُ ضَرْبُهُ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ.

الثَّانِي: أَنَّهُ يَضْرِبُهُ الْوَالِي دُونَ الْقَاضِي وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: لاَ يُضْرَبُ، ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ: إِنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ عَنْ بِدْعَتِهِ أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَمُوتَ.

الْمُتَّهَمُ فِي الْقَسَامَةِ

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ الْقَسَامَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّ الأْيْمَانَ تُوَجَّهُ إِلَى الْمُدَّعِينَ، فَإِنْ نَكَلُوا عَنْهَا وُجِّهَتِ الأْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تُوَجَّهُ تِلْكَ الأْيْمَانُ إِلَى الْمُتَّهَمِينَ ابْتِدَاءً، فَإِنْ حَلَفُوا لَزِمَ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ الدِّيَةُ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (قَسَامَةٌ ف 17).

تَحْلِيفُ الْمُتَّهَمِ فِي الأْمَانَاتِ

- يَحْلِفُ الْمُودَعُ وَالْوَكِيلُ وَالْمُضَارِبُ وَكُلُّ مَنْ يُصَدَّقُ قَوْلُهُ عَلَى تَلَفِ مَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ إِذَا قَامَتْ قَرِينَةٌ عَلَى خِيَانَتِهِ كَخَفَاءِ سَبَبِ التَّلَفِ وَنَحْوِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 15).

وَإِذَا ادَّعَى الْمُودَعُ أَنَّهُ رَدَّ الْوَدِيعَةَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ يُونُسَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: يُفَرَّقُ بَيْنَ دَعْوَى الرَّدِّ وَدَعْوَى الضَّيَاعِ، إِذْ إِنَّ رَبَّ الْوَدِيعَةِ فِي دَعْوَى الرَّدِّ يَدَّعِي يَقِينًا أَنَّ الْمُودَعَ كَاذِبٌ، فَيَحْلِفُ، سَوَاءٌ أَكَانَ مُتَّهَمًا أَمْ غَيْرَ مُتَّهَمٍ، وَفِي دَعْوَى الضَّيَاعِ لاَ عِلْمَ لِرَبِّ الْوَدِيعَةِ بِحَقِيقَةِ دَعْوَى الضَّيَاعِ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ جِهَةِ الْمُودَعِ فَلاَ يَحْلِفُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَّهَمًا.

وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: الأْظْهَرُ أَنْ تُلْحَقَ الْيَمِينُ إِذَا قَوِيَتِ التُّهَمَةُ، وَتَسْقُطَ إِذَا ضَعُفَتْ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ الْمُودَعُ مَحَلَّ تُهْمَةٍ فَوُجِّهَتْ إِلَيْهِ الْيَمِينُ وَنَكَلَ عَنْهَا ضَمِنَ وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ هُنَا. وَصِفَةُ يَمِينِ الْمُتَّهَمِ أَنْ يَقُولَ: لَقَدْ ضَاعَ وَمَا فَرَّطْتُ، وَغَيْرُ الْمُتَّهَمِ مَا فَرَّطْتُ إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ.

رَدُّ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْمُتَّهَمِ إِذَا كَانَ مُتَّهَمًا بِالْمَحَبَّةِ وَالإْيثَارِ أَوْ بِالْعَدَاوَةِ أَوْ بِالْغَفْلَةِ وَالْغَلَطِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (تُهْمَةٌ ف 8 - 10، شَهَادَةٌ ف 26).

الشَّكُّ يَنْتَفِعُ بِهِ الْمُتَّهَمُ

ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ، وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم : «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ، فَإِنَّ الإْمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ».

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (شَكٌّ ف 38).

رُجُوعُ الْمُتَّهَمِ فِي إِقْرَارِهِ

إِذَا أَقَرَّ الْمُتَّهَمُ بِحَقِّ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ إِقْرَارِهِ، فَإِنْ كَانَ الإْقْرَارُ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْحُدُودِ، فَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ الْحَدَّ يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ، وَذَهَبَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى أَنَّهُ يُحَدُّ وَلاَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ. أَمَّا إِذَا أَقَرَّ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، أَوْ بِحَقٍّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لاَ تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ وَالزَّكَاةِ، ثُمَّ رَجَعَ فِي إِقْرَارِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ. وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 59 - 60).

صِحَّةُ إِقْرَارِ الْمُتَّهَمِ

يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ عَامَّةً شُرُوطٌ مِنْهَا:

عَدَمُ التُّهْمَةِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ لِصِحَّةِ إِقْرَارِهِ: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ فِي إِقْرَارِهِ؛ لأِنَّ التُّهْمَةَ تُخِلُّ بِرُجْحَانِ الصِّدْقِ عَلَى جَانِبِ الْكَذِبِ فِي الإْقْرَارِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِقْرَارٌ ف 22 وَمَا بَعْدَهَا).