تعليق تنفيذ الأحكام على شرط
قد أدخلت تعديلات جوهرية علي هذا الباب في شروط ايقاف التنفيذ وسلطة المحكمة فيه وإجراءاته والغاء الإيقاف، أما شروط ايقاف التنفيذ فمنها ما يتعلق بالجاني ومنها ما يتعلق بالجريمة ومنها ما يتعلق بالعقوبة، ففيما يتعلق بالجاني يشترط لجواز الامر بإيقاف التنفيذ إن يكون له من أخلاقه او ماضيه او سنه او الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون (المادة 55).
وقد ترك الأمر لفطنة القاضي وحسن تقديره فلم يشترط ما اشترط في قانون سنة 1904 من عدم سبق الحكم على الجاني بعقوبة علي درجة معينة من الجسامة بل جعل للقاضي الحق في ايقاف التنفيذ حتي مع وجود سوابق للمتهم ما دام يري من الظروف المتقدم ذكرها ما يبعث على الإعتقاد بأنه سوف يقلع عن ارتكاب الجرائم كما له إن لا يوقف التنفيذ حتي مع خلو صحيفة المتهم من السوابق إذا رأى من تلك الظروف إن لا أمل في صلاح حاله، علي إن صحيفة السوابق هي من أهم العناصر التي يتمكن بها القاضي من معرفة أخلاق المحكوم عليه وماضيه ويستعين بها علي تكوين رايه في الإيقاف .
ويشترط فيما يتعلق بالجريمة إن يكون الحكم صادراً في مواد الجنح والجنايات (المادة 55) وفيما يتعلق بالعقوبة إن يكون الحكم صادراً بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد علي سنة (المادة 55 ) أو بهما معاً، وكان الأمر بوقف تنفيذ حكم صادر بالغرامة غير جائز في قانون العقوبات الأهلي فأجازه المشروع اسوة بالقانون الفرنسي والقانون الإيطالي لأنه ليس من الانصاف إذا حكم في قضية واحدة على أحد المتهمين بالغرامة وعلى الآخر بالحبس أن يستفيد المحكوم عليه بالحبس من إيقاف التنفيذ دون المحكوم عليه بالغرامة، ويجوز جعل الإيقاف شاملاً لأية عقوبة تبعية كمراقبة البوليس والحرمان من حق الإنتخاب كما يجوز إن يشمل جميع الآثار الجنائية المترتبة علي الحكم كإعتبار الحكم سابقة في العود ( المادة 55 فقرة أخيرة ) ولم يكن هذا جائزاً في قانون سنة 1904 وقد اقتبسه المشروع من القوانين الحديثة، وأما عن سلطة المحكمة فمتي توفرت الشروط السابق بيانها يجوز للقاضي إن يأمر بإيقاف التنفيذ أي إن الإيقاف اختياري متروك لتقدير القاضي فله إن يامر به بناءً علي طلب الخصوم او من تلقاء نفسه كما إن له إن يرفضه ومتي أمر بالإيقاف تعين عليه إن يذكر أسباب ذلك في الحكم ( المادة 55) .
1- إن المادة 55 من قانون العقوبات حين نصت على جواز وقف تنفيذ العقوبة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالحبس أو الغرامة انما عنت العقوبات الجنائية بالمعنى الحقيقى دون الجزاءات الاخرى التى لا تعتبر عقوبات بحته حتى و لو كان فيها معنى العقوبة و لما كانت عقوبة اغلاق المحل المنصوص عليها فى المادة 19 من القانون رقم 34 لسنة 1976 المار بيانه لا تعتبر عقوبة بحته و إن بدا أنها تتضمن معنى العقوبة فإن الحكم المطعون فيه اذ امر بوقف تنفيذ عقوبة إغلاق المحل دون تمييز بينها و بين عقوبة الغرامة المقضى بها فانه يكون قد اخطأ صحيح القانون فى هذا الصدد ايضا مما يعيبه و يستوجب نقضه ،
(الطعن رقم 1710 لسنة 50 ق - جلسة 1981/01/22 س 32 ص 68 ق 9)
2- مصادرة ما لا يجوز إحرازه أو حيازته من الأشياء التى تخرج بذاتها عن دائرة التعامل إنما هو تدبير عينى وقائى ينصب على الشئ ذاته لإخراجه من تلك الدائرة لأن أساسها رفع الضرر أو دفع الخطر من بقائها فى يد من يحرزها أو يحوزها ، و من ثم كانت المصادرة الوجوبية فى معنى نص المادة 2/30 من قانون العقوبات و المادة 30 من القانون رقم 394 لسنة 1954 فى شأن الأسلحة و الذخائر لأن الشارع ألصق بالسلاح طابعاً جنائياً يجعله فى نظره مصدر ضرر أو خطر عام الأمر الذى لا يتحقق رفعه أو دفعه إلا بمصادرته ، و إذ كان الغرض من هذا التدبير لا يتحقق إذا جاز وقف تنفيذه برد الشئ إلى صاحبه الذى لا يجيز له القانون حيازته هذا الى أن القول بوقف تنفيذ المصادرة - يقتضى حتماً القول برد الشئ المضبوط بناء على وقف التنفيذ إلى صاحبه ، ثم طلبه و إعادة ضبطه عند مخالفة شروط وقف التنفيذ فى المدة المحددة بالقانون لتنفيذ المصادرة فيه و هو ما لا يمكن التسليم به أو تصور إجازته ، و من ثم فإن القضاء بوقف تنفيذ عقوبة مصادرة السلاح المضبوط يكون معيباً بالخطأ فى تطبيق القانون .لما كان ما تقدم ، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً و تصحيحه وفقاً للقانون فى خصوص الأمرين بمصادرة الذخيرة المضبوطة بالإضافة إلى ما قضى به من عقوبات ، و بإلغاء ما قضى به من وقف تنفيذ عقوبة مصادرة السلاح المضبوط .
(الطعن رقم 186 لسنة 51 ق - جلسة 1981/06/08 س 32 ص 612 ق 108)
3- متى كان البين من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه أمر بإيقاف تنفيذ عقوبتى الحبس و الغرامة إستناداً إلى ظروف الدعوى و إلى عدم ثبوت وجود سوابق للمتهم و ثبت من المفردات أنها لم ترفق بها صحيفة حالة المتهم الجنائية و أنه أنكر فى التحقيقات سبق الحكم عليه فى قضايا مخدرات و إن أورد الضابط فى محضره و أقواله بالتحقيقات أن المطعون ضده قد سبق إتهامه و الحكم عليه فى عدة قضايا مخدرات . لما كان ذلك ، و كانت النيابة العامة لم تتقدم إلى المحكمة قبل الفصل فى الدعوى بما يخالف هذا الظاهر من الأوراق أن تطلب تأجيل نظر الدعوى لهذا الغرض فإن المحكمة إذ قضت فى الدعوى بناء على الأوراق المطروحة أمامها فحسب لا تكون قد خالفت القانون فى شيء و يكون الطعن على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً .
(الطعن رقم 2436 لسنة 49 ق - جلسة 1980/05/12 س 31 ع 1 ص 612 ق 117)
4- إذا قضت المحكمة بأكثر من عقوبة على المتهم فليس ثمة ما يلزمها إذا ما رأت وقف التنفيذ أن تأمر به بالنسبة لجميع العقوبات المقضى بها ، كما أن شمول الإيقاف لجميع الآثار الجنائية أو عدم شموله لها هو - كتقدير العقوبة فى الحدود المقررة قانوناً - مما يدخل فى سلطة قاضى الموضوع ، ضمن حقه تبعاً لما يراه من ظروف الجريمة و حال مرتكبها أن يأمر بوقفت تنفيذ العقوبة التى يحكم بها عليه أو أن يجعل هذا الإيقاف شاملا لجميع الآثار الجنائية ، وهذا الحق لم يجعل الشارع للمتهم شأنا فيه و إنما خص به قاضى الموضوع و لم يلزمه باستعماله بل رخص له فى ذلك وتركه لمشيئته و ما يصير إليه رأيه ، و من ثم فإن ما ينعاه الطاعن بشأن إيقاف تنفيذ عقوبة الحبس دون سواها و عدم شمول الإيقاف لجميع الآثار الجنائية يكون غير سديد .
(الطعن رقم 6667 لسنة 52 ق - جلسة 1983/04/05 س 34 ص 488 ق 99)
5- لما كانت الفقرة الأولى من المادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1960 فى شأن مكافحة المخدرات وتنظيم استعمالها والاتجار فيها قد نصت على أنه "لا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر بعقوبة الجنحة على من سبق الحكم عليه فى إحدى الجرائم المنصوص عليها فى هذا القانون" وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة تحقيقا لوجه الطعن أن صحيفة الحالة الجنائية للمطعون ضده أوقفت بالأوراق قبل نظر الدعوى، وأنها تضمنت سبق الحكم عليه فى جناية لإحرازه مواد مخدرة - بالتطبيق لأحكام القانون 182 لسنة 1960 - سالف الذكر - فإن المحكمة إذ انتهت فى قضائها فى الدعوى الماثلة إلى توقيع عقوبة الجنحة على المطعون ضده عن جريمة إحراز جوهر مخدر فى غير الأحوال المصرح بها قانوناً التي دانته بها وفقا لأحكام ذلك القانون، ما كان يجوز لها أن تأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة طالما أنه قد تبين لها من صحيفة حالة المتهم الجنائية التي كانت مطروحة أمامها أنه قد سبق الحكم عليه فى إحدى الجرائم التي نص عليها فى القانون ذاته.
(الطعن رقم 1022 لسنة 49 ق - جلسة 1979/12/26 س 30 ع 1 ص 977 ق 210)
6-الأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة هو كتقدير العقوبة فى الحدود المقررة فى القانون مما يدخل فى حدود سلطة قاضي الموضوع فمن حقه تبعاً لما يراه من ظروف الجريمة وحال مرتكبها أن يأمر بوقف تنفيذ العقوبة التي يحكم بها عليه وهذا الحق لم يجعل الشارع للمتهم شأناً فيه بل خص به قاضي الموضوع أو لم يلزمه باستعماله بل رخص له فى ذلك وتركه لمشيئته وما يصير إليه رأيه .
(الطعن رقم 533 لسنة 46ق - جلسة 1976/10/25 س 27 ع 1 ص 785 ق 178)
7- إن المادة 55 من قانون العقوبات حين نصت على جواز وقف تنفيذ العقوبة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالحبس أو الغرامة إنما عنت العقوبات الجنائية بالمعنى الحقيقي دون الجزاءات الأخرى التي لا تعتبر عقوبات بحتة حتى لو كان فيها معنى العقوبة. لما كان ذلك، وكانت عقوبة تلقيح النباتات الموجودة بالحديقة المنشأة بغير الطريق القانوني - المنصوص عليها فى المادة 100 من القانون رقم 53 لسنة 1966 سالف الذكر - والتي عبر عنها الحكم المطعون فيه - بالإزالة - لا تعتبر عقوبة بحتة - وإن بدا أنها تتضمن معنى العقوبة، إذ المقصود بها - رد الأرض الزراعية إلى الحالة التي كانت عليها قبل المخالفة وإزالة أثرها، فإن الحكم المطعون فيه إذ أمر بوقف تنفيذها دون تمييز بينها وبين عقوبة الغرامة المقضي بها يكون قد أخطأ صحيح القانون مما يعيبه ويستوجب تصحيحه بإلغاء ما أمر به من وقف التنفيذ لجزاء الإزالة.
(الطعن رقم 243 لسنة 46 ق - جلسة 1976/06/14 س 27 ص 636 ق 141)
8- إن المادة 55 من قانون العقوبات قد رخصت للمحكمة عند الحكم فى جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر فى نفس الحكم بوقف تنفيذ العقوبة إذا ما رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون. وظاهر من نص هذه المادة أن ليس فيها ما يلزم المحكمة إذا ما رأت وقف التنفيذ أن تأمر به بالنسبة لعقوبتي الحبس والغرامة. وإذن فإذا كانت المحكمة قد رأت أن تجعل وقف التنفيذ مقصوراً على عقوبة الحبس دون الغرامة فإنها لا تكون قد أخطأت فى تطبيق القانون.
(الطعن رقم 978 لسنة 20 ق - جلسة 1950/10/09 س 2 ع 1 ص 32 ق 13)
9- إذا كانت المحكمة قد صرحت فى أسباب الحكم بأنها تقصد أن يكون وقف التنفيذ شاملاً للعقوبة الأصلية والعقوبات التبعية والآثار الجنائية المترتبة على الحكم ولكنها قضت فى منطوقه بوقف التنفيذ بالنسبة إلى العقوبة الأصلية وحدها، فهذا الحكم يكون متخاذلاً متعيناً نقضه.
(الطعن رقم 1029 لسنة 20 ق - جلسة 1951/11/07 س 2 ع 1 ص 131 ق 52)
10- لما كانت الفقرة الثانية من المادة الخامسة من قانون العقوبات تقضى بأنه" إذا صدر بعد وقوع الفعل وقبل الحكم فيه نهائياً قانون أصلح للمتهم فهو الذى يتبع دون غيره "وإذ كان قضاء المحكمة الدستورية بعدم دستورية الفقرة الأخيرة من المادة 155 من قانون الزراعة رقم 53 لسنة 1966 قد أعاد للقاضى سلطة وقف تنفيذ العقوبة المنصوص عليها فى المادة 155 من قانون الزراعة المذكور طبقاً للقواعد العامة المنصوص عليها فى المادتين 55 ، 56 من قانون العقوبات ومن ثم فإنه يكون فى حكم القانون الأصلح فى تطبيق المادة الخامسة من قانون العقوبات إذ أنه ينشىء له وضعاً أصلح ، ذلك بأنه أصبح من حق القاضى أن يأمر بوقف تنفيذ العقوبة فى الجريمة المسندة إلى الطاعن .لما كان ذلك ،وكان لهذه المحكمة _محكمة النقض _طبقاً لنص الفقرة الثانية من المادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالقانون رقم 57 لسنة 1959 أن تنقض الحكم لمصلحة المتهم من تلقاء نفسها إذا صدر بعد الحكم المطعون فيه قانون أصلح يسرى على واقعة الدعوى .
(الطعن رقم 4441 لسنة 61 ق - جلسة 1998/10/28 س 49 ص 1161 ق 159)
كثيراً ما يبدو للقاضي أن الجاني قد تورط في ارتكاب الجريمة وأن ماضيه الحسن يدل على أنه لن يعود إلى الإجرام وأنه لا فائدة من توقيع العقوبة عليه بل قد ينجم عن تنفيذها ضرراً بالغاً كما إذا كانت العقوبة سالبة للحرية فعندئذ لا يترتب على تنفيذها إلا إفساد المحكوم عليه بمخالطة المسجونين ومن أجل ذلك تأخذ التشريعات المختلفة بنظام تهديد مرتكب الجريمة بتوقيع العقوبات عليه إذا عاد إلى مخالفة القانون مستقبلاً وعلى ذلك فإن الحكم الذي يصدر بالإيقاف هو في الحقيقة حكم تهديدي يتوعد المحكوم عليه بتنفيذ العقوبة المحكوم بها إذا هو عاد للإجرام ويعده بالعفو عنها إذا هو استقام وهكذا يبقى الحكم سيفاً مسلولاً على المحكوم عليه في المدة المعينة يمنعه من الشر ويدفعه إلى الخير.
شروط الأمر بوقف تنفيذ الحكم :
إعمالاً لنص المادة 55 عقوبات فإنه يتعين للأمر في الحكم بوقف التنفيذ شروطاً تتعلق بالجريمة وشروطاً تتعلق بالجاني وشروطاً تتعلق بالعقوبة.
أولاً : الشروط المتعلقة بالجريمة :
استلزمت المادة 55 أن تكون الجريمة هي جناية أو جنحة ومعنى ذلك عدم جواز وقف التنفيذ في المخالفات باعتبار أن الحكمة من وقف التنفيذ غير متوافرة فيها نظراً لأن المخالفات لا تظهر في صحيفة سوابق المتهم وبالتالي يتعذر على المحكمة التثبيت من ماضي المتهم وسوابقه في هذا المجال، كما أن الحكم بالغرامة في المخالفة مع تحصيلها أولى من الحكم بالحبس مع وقف تنفيذه - ولا يكفي أن تكون الجريمة جناية أو جنحة بل يلزم ألا يكون القانون قد نص صراحة على عدم جواز وقف التنفيذ وحرمان المحكوم عليه من هذه الميزة ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات من أنه لا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر بعقوبة الجنحة على من سبق الحكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون وقد يخرج المشرع بعض الجنايات من نظام وقف التنفيذ وذلك بخطر استخدام ظروف الرأفة بصددها، ومثال ذلك الجرائم المنصوص عليها بالمواد 77 أن 77ب، 77ج، 77د من قانون العقوبات إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية أو مكلف بخدمة عامة حيث حظر المشرع إستعمال المادة 17 عقوبات والخاصة بظروف الرأفة.
ثانياً : الشروط المتعلقة بالعقوبة :
تنص المادة 55 عقوبات على أن إيقاف التنفيذ لا يجوز إلا لحكم صادر بعقوبة الغرامة أو الحبس لمدة لا تزيد على سنة.
فلا يجوز إيقاف تنفيذ الحكم الصادر بإرسال المحكوم عليه الصغير للإصلاحية، كما وأن وقف التنفيذ لا يكون بحسب صريح النصوص التي وضعت له في القانون - إلا بالنسبة للعقوبات فلا يجوز في التعويضات وهی تشمل سائر أحوال الرد، ويجوز إيقاف تنفيذ الحكم الحضوري والحكم الغيابی على السواء.
وإذا تناول الحكم عقوبتين إحداهما بالحبس والأخرى بالغرامة فإنه يجوز إيقاف تنفيذ إحدى العقوبتين دون الأخرى.
وبعكس ذلك لا يجوز إيقاف جزء من الحبس أو جزء من الغرامة لأنه بذلك تفوت الحكمة المقصودة من تعليق تنفيذ العقوبة وهذه الحكمة أظهر في عقوبة الحبس منها في عقوبة الغرامة.
وقد أجاز القانون تنفيذ العقوبات التكميلية والتبعية التي تلحق الحكم بالعقوبة الأصلية (م 55 فقرة ثانية) ولو أن القانون ذكر عبارة (أية عقوبة تبعية) فإن هذا الوصف يمتد إلى العقوبات التكميلية أيضاً لأن المشرع لم يعن بذكر النوعين مكتفياً في المادة 24 ع بوصف واحد لهذه العقوبات جميعاً بأنها تبعية وبغير تفريق بين النوعين، واجب على القاضي أن يذكر في الحكم صراحة إيقاف تنفيذ العقوبة التكميلية أو التبعية التي تلحق عقوبة أصلية حكم بها، ويلاحظ أنه لا يجوز إيقاف تنفيذ المصادرة إذا كان الحكم بها وجوبيا لأن القانون حتم الحكم بها في جميع الأحوال (م 30 فقرة ثانية) حتى ولو صدر حكم بالبراءة فالمصادرة تكون عندئذ إجراء متعلقاً بالنظام العام، وأخيراً فإن المادة 55 تجيز أن يجعل الإيقاف شاملاً جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم بإعتباره سابقة في العود بمعنى أن المحكوم عليه إذا ارتكب جريمة في مدة الإيقاف فلا يكون الحكم الذي أوقفت آثاره سابقة تجيز التشديد عليه أما إذا انقضت مدة الإيقاف بغير أن يلغي هذا الإيقاف فإن الحكم يعتبر كأن لم يكن بذلك لا يثار مسألة اعتباره سابقة في العود وهنا أيضاً يتعين على محكمة الموضوع أن تنص في حكمها على شمول الإيقاف للآثار الجنائية.
ثالثاً : الشروط التي ترجع للجاني :
وقف التنفيذ جائز بالنسبة للمتهم بغض النظر عن سوابقه ومهما جسامة العقوبة التي سبق الحكم بها عليه وكل ما تشترطه المادة 55 من القانون الحالي فيما يتعلق بالجاني أن يكون له من أخلاقه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الإعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، وقد ترك الأمر لفطنة القاضي وحسن تقديره فصار له الحق في أن يأمر بوقف التنفيذ حتى مع وجود سوابق للمتهم مادام يرى في الظروف المتقدم ذكرها ما يبعث على الإعتقاد بأنه سوف يقلع عن إرتكاب الجرائم كما أن القاضي أن لا يوقف التنفيذ حتى مع خلو صحيفة المتهم من السوابق إذا رأى من الظروف الآنفة الذكر أنه لا أمل في صلاح حاله.
أثر توافر الشروط السابقة :
إذا ما توافرت الشروط المتطلبة في الجريمة والجاني والعقوبة ورأى القاضى الأمر بوقف التنفيذ أصدر هذا الأمر نصاً في الحكم محدداً نطاقه. والقاضي له مطلق التقدير في ذلك وله أن يأمر بالإيقاف من تلقاء نفسه أو بناء على طلب المتهم وإذا تعدد المتهمون فيمكن أن يأمر بإيقاف التنفيذ بالنسبة لأحدهم دون الباقيين، وكل ما يلزمه به القانون في الأمر بإيقاف التنفيذ وجوب بيان الأسباب التي دعته إلى ذلك وإلا جاء الحكم قاصراً في أسبابه مستوجباً النقض - وقد يصدر الحكم متضمناً الأمر بإيقاف التنفيذ في محكمة أول درجة كما يمكن أن يصدر من محكمة ثاني درجة بإعتبارها هي أيضاً محكمة موضوع ولكنه لا يجوز أن يصدر حكم محكمة النقض متضمناً الأمر بإيقاف التنفيذ بإعتبارها محكمة قانون وليست محكمة موضوع إلا في الأحوال الاستثنائية التي تختص فيها بالحكم في الموضوع كما في حالة نقض الحكم للمرة الثانية وبالشروط المقررة قانوناً .
(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الأول ، الصفحة: 580)
وقف التنفيذ هو تعليق تنفيذ عقوبة على شرط موقف خلال مدة تجربة يحددها القانون.
ويتضح من هذا التعريف أن وقف التنفيذ يفترض إدانة المتهم والحكم بعقوبة عليه ، ومن ثم لم يكن له محل إذا ثبت عدم جدارته بالعقوبة لأي سبب من الأسباب، ويعني ذلك أن هذا النظام تتصرف آثاره المباشرة إلى إجراءات تنفيذ العقوبة ، وتؤدي هذه الآثار إلى عدم اتخاذ هذه الإجراءات، فإن كان الحكم بعقوبة سالبة للحرية يترك المتهم حراً أو يفرج عنه إذا كان محبوساً من قبل احتياطياً ، وإن كان الحكم بغرامة فهو لا يطالب بأدائها، ويعني ذلك تشابه وضعه المادي بوضع من لم يحكم عليه بعقوبة، ولكن هذه الآثار لا تنشىء وضعاً مستقراً ، إذ يحدد القانون وقائع يقوم بها الشرط الذي يعلق على تحققه انقضاء هذا الوضع: فإن تحقق الشرط خلال المدة التي يحددها القانون نفضت العقوبة، أما إذا يتحقق خلال هذه المدة فليس لتنفيذ العقوبة محل ، بل ان الحكم الصادر يعتبر كأن لم يكن .
شروط وقف التنفيذ
أجملت المادة 55 من قانون العقوبات شروط وقف التنفيذ في قولها «يجوز للمحكمة عند الحكم في جناية أو جنحة بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر في نفس الحكم بايقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يبعث على الإعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون، ويجب أن تبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ»، ويتضح بذلك أن الشارع قد تطلب شروطاً في الجريمة التي يجوز الحكم من أجلها بالعقوبة مع وقف التنفيذ، وتطلب شروطاً في هذه العقوبة ، وتطلب في النهاية شروطا في المحكوم عليه، وهذه الأخيرة هي أهم شروط وقف التنفيذ، بإعتبارها تتصل مباشرة بعلته، ولا يستفيد المحكوم عليه من وقف التنفيذ إلا إذا صرح القاضي بذلك في الحكم ، فإن سكت فمعنى ذلك أنه قضى بالعقوبة مع النفاذ ، إذ الأصل في العقوبات تنفيذها، ومن ثم لا يوقف التنفيذ إلا استثناء، وحيث يقرر القاضى ذلك في حدود ما خوله القانون من سلطة تقديرية .
الشروط المتعلقة بالمحكوم عليه :
حدد الشارع هذه الشروط في عبارات عامة ترسم اتجاها أكثر مما تضع شروطاً دقيقة مفصلة، فنص على أنه يجوز للمحكمة أن تأمر بإيقاف التنفيذ «إذا رأت من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب الجريمة فيها ما يبعث علی الإعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون». وتستهدف هذه الشروط التحقق من جدارة المحكوم عليه بوقف التنفيذ ، وبصفة خاصة التحقق من أن تأهيله محتمل دون حاجة إلى تنفيذ العقوبة فيه إكتفاء بتهديده بذلك خلال مدة التجربة، ويتعين أن يمتد بحث القاضي إلى جميع ظروف المتهم، سواء في ذلك ما تعلق منها بحياته قبل الجريمة أو بسلوكه بعدها، بل إن هذا البحث يتعين أن يمتد إلى الظروف التي يتوقع أن يعيش فيها بعد إيقاف تنفيذ العقوبة فيه، والسبيل الفني إلى ذلك هو «الفحص السابق على الحكم».
ولا يتطلب القانون في المتهم أن يكون مجرماً مبتدئاً ، أي أنه لا يستبعد العائدين من وقف التنفيذ، وقد عدل بذلك عن خطة القانون القديم الذي كان يشترط ألا يكون قد سبق الحكم على المتهم بعقوبة جناية أو بالحبس مدة أكثر من أسبوع . وقد قدر الشارع بذلك أن بعض العائدين قد تدل ظروف جرائمهم على تورطهم فيها وتكشف عن غلبة إحتمال تأهيلهم دون تنفيذ العقوبة فيهم ؛ وفي مقابل ذلك فإنه لا يجوز أن توضع قاعدة عامة تقضي بوقف تنفيذ عقوبة الجريمة الأولى للمتهم، فبعض المبتدئين تدل جرائمهم على خطورتهم الواضحة وعن الحاجة إلى تنفيذ العقوبة فيهم. ومع ذلك فلا شك في أن كون المجرم مبتدئاً هو واحد من الإعتبارات التي يجوز للقاضي أن يضعها في تقديره عند منح وقف التنفيذ، كما أن العود إعتبار يغلب أن يحمل القاضي على رفض وقف التنفيذ.
الشروط المتعلقة بالجريمة، مجالى وقف التنفيذ هو الجنايات والجنح، ومن ذلك يتضح أنه لا مجال له في المخالفات، وأن نطاقه يشمل كل طوائف الجنايات والجنح إلا إذا استبعد القانون بعضها.
وقد علل الشارع استبعاد المخالفات بأن «تذاكر السوابق لا تحتوي . على ذكر الأحكام الصادرة في مواد المخالفات فليست ثمة طريقة لمعرفة ما إذا كانت المخالفة المرتكبة هي أول جريمة أم لا وفضلاً عن هذا فإن الحكم بغرامة وتحصيلها في حالة مخالفة يكون أولى من الحكم بالحبس وتعليق تنفيذه على شرط إلا إذا كانت فيها ظروف توجب التشديد»، وهذا التعليل غير مقنع: فعدم اشتمال صحيفة السوابق على الأحكام الصادرة في مخالفات لا تؤثر على تطبيق نظام وقف التنفيذ، إذ لم يعد من شروطه كون المجرم مبتدئاً، أما القول بأن الحكم بالغرامة وتحصيلها أولى من الحكم بالحبس وإيقاف تنفيذه فغير مفهوم ، بإعتبار أن الشارع قد أجاز وقف تنفيذ الغرامة، وعلى الرغم من أن أحكام الإدانة الصادرة من أجل المخالفات لا تسجل في صحائف الحالة الجنائية، فإن للمحكوم عليهم بها مصلحة في جواز شمول العقوبات المحكوم بها بإيقاف التنفيذ، إذ يتفادون تنفيذها في خلال فترة التجربة، ويمتنع تنفيذها عليهم إذا لم يلغ الإيقاف خلال هذه الفترة.
الشروط المتعلقة بالعقوبة: غني عن البيان أن نطاق وقف التنفيذ لا يجوز أن يمتد إلى جميع العقوبات ، فنطاقه الطبيعي هو العقوبات السالبة للحرية ذات المدة القصيرة، ومن ثم يتعين أن يقتصر عليها، وفي تحديد العقوبات التي يجوز وقف تنفيذها يتعين التفرقة بين العقوبات الأصلية من ناحية، والعقوبات التبعية والتكميلية من ناحية ثانية، ويتعين في النهاية البحث في شمول وقف التنفيذ جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم».
فالعقوبتان الأصليتان اللتان يجوز وقف تنفيذهما هما الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة والغرامة. ويعني ذلك أن ما عدا هاتين العقوبتين لا يجوز وقف تنفيذه، فالحبس الذي تزيد مدته على سنة لا يجوز وقف تنفيذه، وإذا تعددت عقوبات الحبس المحكوم بها على المتهم فليست العبرة بمجموع مادها، وإنما تؤخذ كل عقوبة على حدة ويقدر مدى جواز إيقاف تنفيذها، وإذا تعين خصم الحبس الاحتياطي من مدة العقوبة المحكوم بها، فليست العبرة عند تحديد جواز الإيقاف بالمتبقي بعد الخصم، وإنما ينبغي أن توضع في الإعتبار المدة كما حددها الحكم ، إذ أن الخصم لا ينفي عن القدر المخصوم أنه جزء من مدة العقوبة، أما الغرامة فيجوز وقف تنفيذها بالغاً ما بلغ مقدارها، وقد كان قانون العقوبات الصادر سنة 1904 لا يجيز وقف تنفيذ الغرامة. ولكن قانون سنة 1937 أجاز ذلك، وقد برره بأنه «ليس من الإنصاف إذا حكم في قضية واحدة على أحد المتهمين بالغرامة وعلى الآخر بالحبس أن يستفيد المحكوم عليه بالحبس من إيقاف التنفيذ دون المحكوم عليه بالغرامة»، ومزايا إيقاف تنفيذ الغرامة هي علم إلزام المحكوم عليه خلال مدة الإيقاف بدفع مبلغها، وعدم إخضاعه للإكراه البدني كوسيلة لتنفيذها ، ثم زوال الحكم إذا انتهت مدة الإيقاف دون أن يلغی .
ويجوز أن يشمل وقف التنفيذ جميع العقوبات التبعية والتكميلية ، فقد نصت الفقرة الثانية من المادة 55 من قانون العقوبات على أنه «يجوز أن يجعل الإيقاف شاملاً لأي عقوبة تبعية»، ولكن يشترط نص القاضي في حكمه على ذلك، أما إذا اقتصر على تقرير وقف تنفيذ العقوبة الأصلية فمؤدي ذلك تنفيذ العقوبات التبعية والتكميلية، إذ الأصل في كل عقوبة تنفيذها ما لم يقرر القاضي - في حدود السلطة التقديرية المخولة له - خلاف ذلك، ويجري القضاء على إستبعاد المصادرة من عداد العقوبات التي يجوز وقف تنفيذها، ويفسر ذلك تعارض طبيعة وقف التنفيذ مع أحكام المصادرة: فوقف تنفيذ المصادرة يعنى رد الشيء المضبوط إلى المحكوم عليه فيكون له أن يتصرف فيه، فإذا ألغي وقف التنفيذ، فقد يستحيل ضبط الشيء تمهيداً لمصادرته ، وعندئذ لا يكون لإلغاء الإيقاف أثر، وبالإضافة إلى ذلك، فالحكم بإلغاء وقف تنفيذ المصادرة هو كالحكم بالمصادرة ابتداء، ومن ثم كان من شروطه ضبط الشيء، وهو ما لا يتحقق إذا كان الحكم بالمصادرة موقوف التنفيذ.
ويجيز القانون أن يجعل الإيقاف شاملاً لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم»، وهذه الآثار متعددة، وأوضح مثال لها قوة الحكم کسايقه في العود، فإذا شملها إيقاف التنفيذ فإن المحكوم عليه لا يعتبر عائداً إذا ارتكب جريمة تالية في خلال فترة إيقاف التنفيذ ، أما إذا ارتكب المحكوم عليه جريمته التالية بعد إنتهاء هذه الفترة دون إلغاء الإيقاف، فهو لا يعتبر عائداً، لأن حكم الإدانة قد اعتبر بذلك كأن لم يكن.
ولا مجال لوقف التنفيذ بالنسبة للآثار المدنية أو الإدارية للحكم، ذلك أن وقف التنفيذ نظام جنائي بحت، فلا شأن له بالآثار غير الجنائية للفعل الإجرامي، فلا يجوز وقف تنفيذ الرد أو التعويض ، ذلك أنه لا يحقق وظيفته في إعادة التوازن بين ذمتين إلا بتفيذه، ولا يجوز وقف الغرامة المدنية أو المالية، ولا يجوز وقف تنفيذ الأمر بإزالة مبان أقيمت على وجه مخالف للقانون، لأن الإزالة هي من قبيل إعادة الحالة إلى ما كانت عليه، وهي لذلك تنطوي على معنى التعويض.
السلطة التقديرية للقاضي في وقف التنفيذه قدمنا أن تصريح القاضي في حكمه بوقف التنفيذ ضروري لاستفادة المحكوم عليه منه، أما إذا سكت عن ذلك فإن العقوبة تنفذ إتباعاً للأصل العام، ويخول الشارع القاضي سلطة تقديرية واسعة ، فهي تتناول مبدأ وقف التنفيذ والعقوبات التي يشملها.
السلطة التقديرية للقاضي من حيث مبدأ وقف التنفيذه تقدیر توافر شروط وقف التنفيذ وملاءمة الأمر به
من شأن قاضي الموضوع، لأنه فرع عن تقدير العقوبة الذي يدخل في اختصاص قاضي الموضوع ، فقد قدمنا أن وقف التنفيذ صورة لتطبيق العقوبة، وهو على هذا النحو نظام ملحق باستعمال القضاء سلطته التقديرية في تحديد العقوبة ، وإذا أمر القاضي بوقف التنفيذ تعين عليه أن يذكر الأسباب التي تبرره (المادة 55 من قانون العقوبات، الفقرة الأولى)، أما إذا لم يأمر بإيقاف التنفيذ، فلا يتعين عليه أن يبين الأسباب التي جعلته يقدر ملاءمة التنفيذ، فإيقاف التنفيذ خروج على الأصل، فيتعين على القاضي أن يفسره في حين لا يلزم بشيء إذا اتبع الأصل وهو تنفيذ العقوبة، وللمحكمة الاستئنافية ذات السلطة التقديرية التي للمحكمة الابتدائية، وحين تخالفها فهي لا تلزم ببيان أسباب هذه المخالفة، والأصل أنه لا رقابة المحكمة النقض على استعمال محكمة الموضوع سلطتها التقديرية السابقة، إلا إذا انطوى ذلك على خطأ في تطبيق القانون، كما لو أمرت بإيقاف تنفيذ عقوبة لا يجيز القانون وقف تنفيذها.
ولا يلتزم القاضي بوقف التنفيذ إذا توافرت شروطه وطلبه المتهم ، فوقف التنفيذ «لم يجعل الشارع للمتهم شأناً فيه، بل خص به قاضي الدعوى ولم يلزمه بإستعماله ، بل رخص له في ذلك وتركه لمشيئته وما يصير إليه رأيه»، ولا يلام القاضي إذا أغفل الرد على طلب وقف التنفيذ، ويصدر إستعمال القاضي هذه السلطة عن ضوابط مستمدة من الوظيفة العقابية النظام وقف التنفيذ ، وتجمل هذه الضوابط في تقدير «ما إذا كان ثمة احتمال قوی في أن يتحقق تأهيل المحكوم عليه دون حاجة إلى تنفيذ العقوبة فيه»، ويستنبط القاضي هذا الإحتمال من فحصه لشخصية المتهم ودراسته لظروفه المختلفة ، ومن ثم كان من عوامل نجاح هذا النظام أن يسانده «فحص سابق على الحكم»، وعلى القاضي في ضوء نتائج هذا الفحص أن يبحث فيما إذا كان تأهيل المتهم يتطلب تطبيق أساليب المعاملة العقابية عليه أم أنه يمكن أن يتحقق على نحو أفضل دون تطبيق لهذه الأساليب، وفي ضوء إجابته على هذا التساؤل يقدر ملاءمة التنفيذ أو وقفه، وإذا تعدد المتهمون ، فللقاضي أن يقرره «لمن يراه مستحقاً له من المتهمين بحسب ظروف الدعوى وحالة كل منهم شخصياً على حدة».
ويجوز للقاضي أن يمنح وقف التنفيذ للمتهم وإن لم يطلبه ، إذ هو يستهدف مصلحة عامة تتعلق بأسلوب إدراك العقوبة غرضها ، ومن ثم لا يجوز أن يخضع لتقدير المتهم ، واستناداً إلى ذات الفكرة فإنه لا يجوز للمتهم رفض وقف التنفيذ الذي قدر القاضي ملائمته له. ويجوز منحه له ولو كان غائباً إذا كان في وسع القاضي أن يستظهر مع ذلك الاعتبارات التي تقرر ملائمة الأمر بالوقف.
ولا يحظر القانون على القاضي أن يوقف تنفيذ العقوبة التي يحكم بها على شخص سبق الحكم عليه بعقوبة مع وقف تنفيذها ثم ألغي الوقف ، فقد يرى جدارته على الرغم من ذلك بأن تتاح له فرصة أخرى يستفيد فيها من مزایا وقف التنفيذ .
السلطة التقديرية للقاضي من حيث تحديد العقوبات التي يشملها وقف التنفيذي إذا تعددت العقوبات التي حكم بها على المتهم ، فان للقاضی السلطة في تحديد ما إذا كان وقف التنفيذ يشملها جميعا أم يشمل بعضها دون بعض: فإذا قضى عليه بالحبس والغرامة معاً ، فللقاضي - حسب تقديره - أن يقرر ما إذا كان الوقف يقتصر على الحبس فقط أم على الغرامة فقط أم يشملهما معاً وللقاضي السلطة التقديرية في تقرير ما إذا كان وقف التنفيذ يقتصر على العقوبة الأصلية أم يشمل العقوبات التبعية و التكميلية كلها أو بعضها أم يمتد إلى الآثار الجنائية للحكم كلها أو بعضها ويستعمل القاضي هذه السلطة وفقاً لذات الضوابط السابقة. ولكن لا يجوز للقاضي أن يأمر بوقف تنفيذ جزء من العقوبة التي يقضي بها دون جزء، كأن يأمر بوقف تنفيذ جزء من الحبس دون جزء أو مقدار من الغرامة دون مقدار: ذلك أن الغرض الذي يستهدفه عن طريق وقف تنفيذ جزء من العقوبة يفوته عن طريق تنفيذ الجزء الآخر ، فتكون معاملة المحكوم عليه ذات جانبين متناقضين.
(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 958)
أولاً : تعريف وقف تنفيذ العقوبة :
يقصد بهذا النظام وقف تنفيذ العقوبة على المحكوم عليه لفترة محدودة وبشروط معينة، متى ارتأت المحكمة أن الجاني لن يعود إلي جرائم جديدة.
وإيقاف تنفيذ العقوبة نظام استثنائي ترى فيه الدولة أن التهديد بتنفيذ العقوبة أفضل من تطبيقها بالفعل، وذلك تحقيقاً لتأهيل الجاني وإصلاحه، ويمكن القول بأن هذا النظام يحقق وظيفتين إحداهما للردع والأخرى للمنع.
ثانياً : شروط وقف التنفيذ :
يتضح من نص المادة (55) عقوبات أن المشرع يتطلب للحكم بوقف تنفيذ العقوبة شروطاً في الجريمة وشروطاً في العقوبة ذاتها وشروطاً أخرى في المحكوم عليه.
أ- الشروط المتعلقة بالجريمة :
لا يجوز وقف التنفيذ إلا بالنسبة للجنايات والجنح فقط ، أما المخالفات فلا يجوز فيها وقف التنفيذ، وهذه تفرقة منتقدة لأن وطأه العقوبة لا تفرق بين متهم بجنحة وآخر بمخالفة، كما أن وقف التنفيذ يحقق أهدافه سواء كانت الجريمة جناية أوجنحة أو مخالفة. ولهذا يكون من الأفضل جعل نظام وقف التنفيذ جائزاً بالنسبة الجميع الجرائم دون تفرقة بسبب جسامة الجريمة المرتكبة، والأصل أن يسرى نظام وقف التنفيذ بالنسبة لجميع الجنايات والجنح، إلا أن المشرع يستبعد بعضها من الخضوع لهذا النظام. ومن أمثلة ذلك: القانون رقم 48 لسنة 1941 بشأن قمع الغش والتدليس الذي لا يجيز وقف تنفيذ الأحكام الصادرة بالغرامة، والقانون رقم 182 السنة 1960 الخاص بمكافحة المخدرات حيث لا يجيز وقف تنفيذ عقوبة الجنحة على من سبق الحكم عليه في احدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، ومن أمثلة ذلك أيضاً: القوانين المتعلقة بالرقابة على عمليات النقد وقوانين التسعير، وسبب استبعاد مثل هذه الجرائم محل نظر، لأن تحديد المعاملة العقابية للمتهم لا يتوقف على الجسامة المجردة للجريمة فحسب، وإنما أيضاً على الظروف الواقعية المحيطة بها، ومن ثم كان من الملائم ومن حسن السياسة الجنائية ترك الأمر القاضي لكي يقدر العقوبة وفقاً لظروف كل دعوی.
ب- الشروط المتعلقة بالعقوبة:
لا يشمل نظام وقف التنفيذ جميع العقوبات، وفي هذا الصدد يجب التمييز بين العقوبات الأصلية من ناحية، والعقوبات التبعية و التكميلية والآثار الجنائية الأخرى المترتبة على الحكم من ناحية أخرى .
(1) فبالنسبة للعقوبات الأصلية، يقتصر وقف التنفيذ على عقوبتي الحبس الذي لا تزيد مدته على سنة والغرامة.ويعني ذلك أنه فيما عدا هاتين العقوبتين، لا يجوز للقاضي وقف تنفيذ العقوبة التي يحكم بها، فعقوبات الحبس الذي تزيد مدته على سنة والسجن والأشغال الشاقة بنوعيها والإعدام لا يجوز وقف تنفيذها، وإذا تعددت عقوبات الحبس المحكوم بها على متهم واحد وكان مجموعها يزيد على سنة، فالعبرة بمدة كل عقوبة على حدة، فإذا كانت سنة فأقل جاز وقف التنفيذ وإلا فلا. أما الغرامة فيجوز وقف تنفيذها مهما بلغ مقدارها، فليس هناك حد أقصى يحول دون الأمر بوقف تنفيذها.
(2) وبالنسبة للعقوبات التبعية والتكميلية، فيجوز أن يشملها وقف التنفيذ شريطة أن ينص القاضي في حكمه صراحة على ذلك، فإذا قضي بوقف تنفيذ العقوبة الأصلية وحدها، ولم ينص في حكمه على الوقف بالنسبة للعقوبات التبعية والتكميلية، فإنه لا يجوز وقف تنفيذها، إذ الأصل في العقوبات تنفيذها ما لم يقرر القاضي في حدود السلطة التقديرية المخولة له خلاف ذلك، ومع ذلك فإن القضاء مستقر على إستبعاد المصادرة من عداد العقوبات التي يجوز وقف تنفيذها.
ومجال وقف التنفيذ يمتد أيضاً ليشمل - بالإضافة إلى العقوبات الأصلية والتبعية والتكميلية - جميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم، وهذه الآثار متعددة، وأهم مثال لها، قوة الحكم كسابقة في العود، فإذا قضى الحكم بوقف تنفيذ هذا الأثر، فانه يترتب على ذلك ألا يكون الحكم الصادر سابقه في العود، إذا ما ارتكب المحكوم عليه جريمة جديده خلال مدة الوقف أما إذا ارتكب جريمته التالية بعد انتهاء هذه المدة دون إلغاء الإيقاف، فلا يعتبر عائدا لان حكم الإدانة قد أعتبر بذلك كأن لم يكن.
وعلى ذلك فان وقف التنفيذ قاصر على العقوبات والآثار الجنائية التي تترتب على الحكم، وبالتالي فإنه لا مجال لوقف التنفيذ بالنسبة للآثار غير الجنائية للفعل الإجرامي، سواء كانت مدنية أو إدارية، فلا يجوز وقف تنفيذ الرد أو التعويض، ولا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر بإزالة مبان أقيمت على وجه مخالف للقانون.
ج- الشروط المتعلقة بالمحكوم عليه :
يعد هذا الشرط أهم شروط وقف التنفيذ لتعلقه بمبررات هذا النظام، فالقاضي يأمر بوقف تنفيذ العقوبة إذا توسم في المحكوم عليه عدم عودته إلى الإجرام مرة ثانية، وقد أوردت المادة (55) عقوبات أمثلة لبعض الظروف التي يمكن أن تكون مبررا لوقف تنفيذ العقوبة، منها" أخلاق المحكوم عليه أو ماضية أو سنه، أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة إذا كان من شأنها أن تبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون".
وما ذكره المشرع من ظروف في المادة المذكورة أن هو إلا على سبيل التمثيل لا الحصر، بحيث يمكن للقاضي أن يستهدى بغيرها إذا كانت تحمل على الإعتقاد بعدم عودة الجاني إلى الإجرام مرة أخرى، ومن أمثلة ذلك رد المحكوم عليه للمسروقات أو تصالحه مع المجنى عليه، أو التبليغ عن الجريمة أو الإعتراف بإرتكابه لها.
ولا يتطلب القانون في المتهم أن يكون مجرماً مبتدئاً، فللقاضي أن يأمر بوقف تنفيذ العقوبة حتى مع وجود سوابق للمتهم، مادام يرى من الظروف المتقدم ذكرها ما يبعث على الاعتقاد بأنه سوف يقلع عن ارتكاب الجرائم، كما أن للقاضي ألا يحكم بوقف التنفيذ حتى مع خلو صحيفة المتهم من السوابق، إذا رأى من الظروف السابقة أنه لا أمل في صلاح حال.
ثالثاً: الجهة القضائية المختصة بالأمر بالوقف
يختص بالأمر بإيقاف تنفيذ العقوبة قضاء الموضوع، سواء في ذلك القضاء العادي أو الاستثنائي، وسواء صدر الحكم من محكمة أول درجة أو من المحكمة الاستئنافية، والتي تملك أن تأمر بوقف التنفيذ ولو لم تكن قد قررته محكمة أول درجة، ولكن ليس المحكمة النقض أن تأمر بوقف التنفيذ، لأن مثل هذا القضاء يتطلب التعرض لمسائل موضوعية تخرج عن حدود اختصاصها القاصر علی المسائل القانونية وذلك باستثناء حالة الطعن بالنقض للمرة الثانية.
ووقف التنفيذ ليس حقاً للمحكوم عليه، بل يملك القاضي سلطة تقديرية في منحه أو رفضه وفقا لظروف الدعوى وشخصية الجاني، فالوقف إختياري للمحكمة، والقاضي له أن يأمر بوقف التنفيذ إما بناءاً على طلب الخصوم أو من تلقاء نفسه، ويجب على القاضي أن يبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ وفقا لنص المادة (55) عقوبات، ولكن إذا رفض القاضي منح الإيقاف فهو ليس ملزماً حينئذ ببيان أسباب الرفض، لأن الأصل في الأحكام هو تنفيذها.
وليس لمحكمة النقض رقابة على محكمة الموضوع فيما تنتهي إليه بشأن إيقاف التنفيذ لأنه مسألة موضوعية، غير أنه إذا انطوى الحكم على خطأ في تطبيق القانون كان لمحكمة النقض أن تراقبه وتصححه، كما إذا قضت محكمة الموضوع بحبس المتهم سنه ونصف ثم أمرت بايقاف تنفيذ العقوبة، فذلك يستوجب نقض الحكم.
(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 619)
وواضح من النص السابق أن الحكمة من نظام وقف التنفيذ هي أن تنفيذ العقوبة المحكوم بها غير منتج في إصلاح المحكوم عليه نظراً لأن ظروفه تدعو إلى الإعتقاد بأن الجريمة المرتكبة كانت عارضاً في حياته ولا تعبر عن خطورة أو ميل إجرامي يقضي بإخضاعه لبرامج التهذيب والتأهيل التي يقوم عليها التنفيذ العقابي.
فإذا كانت العقوبة تهدف أصلاً للإصلاح والتهذيب لمنع ارتكاب الجرائم مستقبلاً، فلا يوجد مبرر لتنفيذها إذا كانت ظروف المحكوم عليه تدعو إلى الاعتقاد بأنه لن يعود إلى الجريمة مرة أخرى
أحكام وقف التنفيذ
شروط الأمر بوقف التنفيذ في الحكم
استلزم المشرع للأمر في الحكم بوقف التنفيذ شروطا تتعلق بالجريمة وشروطاً تتعلق بالجاني وشروطاً تتعلق بالعقوبة.
الشروط المتطلبة في الجريمة :
استلزمت المادة 55 أن تكون الجريمة في جناية أو جنحة. ومعنى ذلك عدم جواز وقف التنفيذ في المخالفات باعتبار أن الحكمة من وقف التنفيذ غير متوافرة فيها نظراً لأن المخالفات لا يعتد بها في العود للجريمة فضلاً عن أن المخالفات لا تظهر في صحيفة سوابق المتهم وبالتالي يتعذر على لمحكمة التثبت من ماضي المتهم وسوابقه في هذا المجال، كما أن الحكم بالغرامة في المخالفة مع تحصيلها أولى من الحكم بالحبس مع وقف التنفيذ (وهذه الحجج ساقتها تعليقات الحقانية على المادة 52 من قانون العقوبات الأهلي الصادر 1904) والحقيقة هي أن إخراج المخالفات من نظام وقف التنفيذ هو أمر ينطوي على تناقض وخاصة بالنسبة للمخالفات التي يكون فيها الحبس وجوبيا حيث تتوافر الحكمة من وقف التنفيذ والتي لا تقتصر فقط على تفادي العود إلى الجريمة وإنما يؤخذ به لعدم جدوى تنفيذ العقوبة في تحقق أغراضها.
ولا يكفي أن تكون الجريمة جنائية أو جنحة، بل يلزم ألا يكون القانون قد نص صراحة على عدم جواز وقف التنفيذ وحرمان المحكوم عليه من هذه الميزة، ومثال ذلك ما نصت عليه المادة 46 من القانون رقم 182 لسنة 1960 في شأن مكافحة المخدرات من أنه لا يجوز وقف تنفيذ الحكم الصادر بعقوبة الجنحة على من سبق الحكم عليه في إحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون.
وقد يخرج المشرع بعض الجنايات من نظام وقف التنفيذ وذلك بحظر استخدام ظروف الرأفة بصددها، وبالتالي لا يمكن الحكم فيها بعقوبة الحبس التي يجوز فيها وقف التنفيذ كما سنرى. ومثال ذلك الجرائم المنصوص عليها بالمواد 77أ، 77ب، 77ج، 77د من قانون العقوبات إذا وقعت من موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية أو مكلف بخدمة عامة حيث حظر المشرع استعمال المادة 17 عقوبات والخاصة بظروف الرأفة.
الشروط المتطلبة في الجاني :
إذا كان نظام وقف التنفيذ يهدف إلى الأخذ بيد الجاني الذي ارتكب الجريمة دون أن تكون الجريمة ذات دلالة على الخطورة الإجرامية وبالتالي ينقضي جدوى العقوبة في التأهيل الاجتماعي والتهذيب، فلا بد أن يتطلب المشرع شروطاً خاصة بالجاني تقدرها المحكمة بعد التثبت منها، وقد عدد المشرع بعض الظروف التي يمكن للمحكمة أن تستقي منها مبررات وقف التنفيذ .
وهذه الظروف هي أخلاق المحكوم عليه وطباعة أو ماضية أو سنة، وعموما الظروف التي ارتكبت فيها الجريمة سواء أكانت ظروفاً شخصية تتعلق ببواعث الجاني أم ظروفاً بيئية مستمدة مما أحاط بالجاني وقت، ارتكابه الجريمة كإستفزاز المجني عليه أو الحاجة الملحة أو الظروف العائلية للجاني.
وعموماً فأن تعداد الظروف السابقة إنما جاء على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر، فالمحكمة لها أن تستقي مبررات وقف التنفيذ للعقوبة بالنسبة للجاني من أي ظروف خاصة به. وكل ما يشترط في هذه الظروف أن يكون من شأنها أن تبعث على الإعتقاد بأن المحكوم عليه لن يعود إلى مخالفة القانون وأن الجريمة المرتكبة هي ظاهرة عارضة نتيجة ظروف معينة.
ولا يلزم أن يكون الجاني مجرماً مبتدئاً، وإنما يمكن للمحكمة أن نوقف التنفيذ حتى ولو كان المتهم عائداً، فسوابق المتهم وماضيه وإن اعتبرت عنصراً من عناصر تقدير وقف التنفيذ إنما ليس معنى ذلك حرمان العائد من وقف التنفيذ لمجرد أنه عائد. فقد ترى المحكمة وقف التنفيذ استناداً إلى ظرف السن أو الظروف التي وقعت فيها الجريمة .. ذلك أن الظروف التي تكلم المشرع عنها في المادة 55 لا يلزم أن تتوافر مجتمعة إنما يكفي أن ترى المحكمة من أي عنصر منها أن الجاني لن يعود إلى ارتكاب الجريمة، ومع ذلك فمن النادر أن توقف المحكمة تنفيذ العقوبة بالنسبة للمجرم العائد.
الشروط المتطلبة في العقوبة :
العقوبات التي يجوز وقف تنفيذها هي الحبس والغرامة. ويشترط في الحبس الا تزيد مدته على سنة حتى يمكن الأمر بوقف التنفيذ، فإذا رأت المحكمة أن المتهم يستحق عقوبة الحبس أزيد من سنة فلا يمكنها وقف تنفيذ العقوبة، ولا يشترط حدا أدنى لعقوبة الحبس لوقف التنفيذ فيجوز وقف عقوبة الحبس التي لا تزيد عن سنة مهما قلت مدتها.
أما بالنسبة للغرامة فيجوز الأمر بوقف تنفيذها دون تقيد بقدر معين وخطة الشارع في هذا تتفق ومنطق الأمور طالما أنه سمح بالتنفيذ بالإكراه البدني في الغرامة ومن ثم كان من الطبيعي أن يجيز وقف تنفيذ الغرامة دون اشتراط أي شرط يتعلق بمقدارها.
والأمر بوقف التنفيذ قد يكون شاملاً لكل العقوبات المحكوم بها الأصلية والتبعية والتكميلية، وقد يكون قاصراً فقط على الأصلية دون العقوبة الأخرى، ويمكن إيقاف تنفيذ عقوبة الحبس دون الغرامة المحكوم بها أو العكس. كما يجوز إيقاف تنفيذ العقوبات الأصلية المحكوم بها دون العقوبات التبعية، ولكن لا يجوز إيقاف العقوبات التبعية والتكميلية وحدها وإنما يمكن أن يشملها الإيقاف إلى جانب العقوبات الأصلية بنص صريح في الحكم. ومع ذلك لا يجوز إيقاف تنفيذ المصادرة المحكوم بها في الفروض التي يكون الحكم بها وجوبياً.
أما المصادرة الجوازية فبالرغم من أنها عقوبة تكميلية كان يمكن أن يشملها الإيقاف إلا أن قضاء النقض المصري جري على أنه لا يتناولها وقف التنفيذ بإعتبار أن الأمر بوقف التنفيذ يقتضي رد الشيء إلى المحكوم عليه فإذا ألغي الإيقاف بسبب مخالفة شروط فلا يمكن تنفيذ المصادرة إلا إذا ضبط الشيء من جديد وهو قد يكون متعذراً ، وهي حجة محل نظر.
ووقف التنفيذ قد يكون قاصراً على العقوبات المحكوم بها سواء أكانت أصلية أم تبعية أم تكميلية، وقد يكون شاملاً لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم. والفيصل في ذلك ما ينص عليه الحكم، فإذا كان وقف التنفيذ قاصراً فقط على العقوبة فأن الحكم يظل منتجاً، لآثاره الجنائية طوال فترة الإيقاف فيعتبر بذلك سابقة في العود إذا ما ارتكب المحكوم عليه جريمة جديدة خلال تلك الفترة، أما إذا انقضت الفترة السابقة دون إلغاء الإيقاف فأن الحكم يعتبر كأن لم يكن وتنمحي جميع آثاره الجنائية.
وإذا كان وقف التنفيذ شاملاً فهو لا يتناول إلا العقوبات المحكوم بها والآثار الجنائية للحكم ولا يمكن أن يشمل ما قضى به الحكم من تعويض أو رد أو مصاريف، كذلك أيضاً لا يتناول الوقف العقوبات التكميلية التي لها صفة التعويض أو الرد بإعادة الحال إلى ما كان عليه، فنظام وقف التنفيذ قاصر على العقوبات التي لها صفة الزجر والردع.
أثر توافر الشروط السابقة :
إذا ما توافرت الشروط المتطلبة في الجريمة والجاني والعقوبة ورأي القاضي الأمر بوقف التنفيذ أصدر هذا الأمر نصاً في الحكم محدداً نطاقه، والقاضي له مطلق التقدير في ذلك، وله أن يأمر بالإيقاف من تلقاء نفسه أو بناءً على طلب المتهم، وإذا تعدد المتهمون فيمكن أن يأمر بإيقاف التنفيذ بالنسبة لأحدهم دون الباقين، وكل ما ألزمه به القانون في الأمر بإيقاف التنفيذ هو وجوب بيان الأسباب التي دعته إلى ذلك، وإلا جاء الحكم قاصراً في أسبابه مستوجباً النقض.
وقد يصدر الحكم متضمناً الأمر بإيقاف التنفيذ من محكمة أول درجة كما يمكن أن يصدر من محكمة ثاني درجة بإعتبارها هي أيضاً محكمة موضوع، ولكن لا يجوز أن يصدر حكم محكمة النقض متضمناً الأمر بإيقاف التنفيذ بإعتبارها محكمة قانون وليست محكمة موضوع، إلا في الأحوال الاستثنائية التي تختص فيها بالحكم في الموضوع، كما في حالة نقض الحكم للمرة الثانية وبالشروط المقررة قانوناً
.(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث، الصفحة : 819)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة47 .
(مادة 56)
يجوز للمحكمة عند الحكم بالغرامة أو بالحبس مدة لا تزيد على سنة أن تأمر - في ذات الحكم بإيقاف تنفيذ العقوبة إذا رأت من شخصية المحكوم عليه وظروف جريمته ما يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى ارتكاب الجرائم ، ويجب أن تبين في الحكم أسباب إيقاف التنفيذ.
ويجوز أن تجعل الإيقاف شاملاً لأية عقوبة تبعية ، أو لجميع الآثار الجنائية المترتبة على الحكم.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاثون ، الصفحة / 231
مَحْكُومٌ عَلَيْهِ
التَّعْرِيفُ :
الْمَحْكُومُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الْحُكْمِ وَهُوَ الْقَضَاءُ، وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ يُقَالُ: حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِكَذَا: إِذَا مَنَعْتَهُ مِنْ خِلاَفِهِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ، وَحَكَمْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ: فَصَلْتُ بَيْنَهُمْ فَأَنَا حَاكِمٌ وَحَكَمٌ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُقْضَى عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ.
وَفِي اصْطِلاَحِ الأْصُولِيِّينَ هُوَ الْمُكَلَّفُ: وَهُوَ مَنْ تَعَلَّقَ بِفِعْلِهِ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى بِالاِقْتِضَاءِ أَوِ التَّخْيِيرِ.
الأْحْكَامُ الْفِقْهِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ :
تَتَعَلَّقُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ أَحْكَامٌ فِقْهِيَّةٌ مِنْهَا:
أ - لُزُومُ إِصْدَارِ الْقَاضِي الْحُكْمَ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ
إِذَا قَامَتِ الْحُجَّةُ وَتَوَفَّرَتْ أَسِبَابُ الْحُكْمِ لَزِمَ الْقَاضِيَ إِصْدَارُ الْحُكْمِ عَلَى الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ إِذَا طَلَبَ الْمَحْكُومُ لَهُ ذَلِكَ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (قَضَاءٌ ف 75 وَمَا بَعْدَهَا).
ب - طَلَبُ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَسْخَ الْحُكْمِ
الأْصْلُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: أَنْ لاَ يُتَتَبَّعَ أَحْكَامُ الْقُضَاةِ، وَلاَ _يُمَكَّنَ الْعَامَّةُ مِنْ خُصُومَةِ قُضَاتِهِمْ لأِقْضِيَةِ حَكَمُوا بِهَا، وَلاَ تُسْمَعَ عَلَيْهِمْ دَعْوَاهُمْ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، لأِنَّ فِي ذَلِكَ امْتِهَانًا لِمَنْصِبِ الْقَضَاءِ، وَإِهَانَةً لِلْقُضَاةِ وَاتِّهَامًا لِنَزَاهَتِهِمْ، وَلأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى رَغْبَةِ الْعُلَمَاءِ عَنِ الْقَضَاءِ، وَلأِنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ أَحْكَامِهِمْ وَكَوْنُهَا صَوَابًا، لأِنَّهُ لاَ يُوَلَّى إِلاَّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلْوِلاَيَةِ، وَتَتَبُّعُ أَحْكَامِ الْقُضَاةِ تَشْكِيكٌ فِي نَزَاهَتِهِمْ، وَاتِّهَامٌ لَهُمْ فِي عَدَالَتِهِمْ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (نَقْضٌ).
الأْحْكَامُ الأْصُولِيَّةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ :
لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ - وَهُوَ الْمُكَلَّفُ عِنْدَ الأْصُولِيِّينَ - شُرُوطٌ مِنْهَا: أَحَدُهَا: الْحَيَاةُ، فَالْمَيِّتُ لاَ يُكَلَّفُ، وَلِهَذَا لَوْ وَصَلَ عَظْمُهُ بِنَجَسٍ لَمْ يُنْزَعْ عَلَى الصَّحِيحِ.
الثَّانِي: كَوْنُهُ مِنَ الثَّقَلَيْنِ: الإْنْسِ وَالْجِنِّ وَالْمَلاَئِكَةِ.
الثَّالِثُ: الْعَقْلُ، فَلاَ تَكْلِيفَ لِمَجْنُونٍ وَلاَ صَبِيٍّ لاَ يَعْقِلُ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيِّ.