loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- الأصل أن أي مساس بجسم المجني عليه يحرمه قانون العقوبات وقانون مزاولة مهنة الطب، وإنما يبيح القانون فعل الطبيب بسبب حصوله على إجازة علمية طبقاً للقواعد واللوائح. وهذه الإجازة هي أساس الترخيص الذي تتطلب القوانين الخاصة بالمهن الحصول عليه قبل مزاولتها فعلاً. وينبئ على القول بأن أساس عدم مسئولية الطبيب استعمال الحق المقرر بمقتضى القانون، أن من لا يملك حق مزاولة مهنة الطبيب يسأل عما يحدثه بالغير من جروح وما إليها باعتباره معتدياً - أي على أساس العمد، ولا يعفى من العقاب إلا عند قيام حالة الضرورة بشروطها القانونية. ولما كان الحكم المطعون فيه، اعتمادا على الأدلة السائغة التي أوردها، والتي لا تماري الطاعنة فى أن لها معينها الصحيح من الأوراق، قد خلص إلى إحداث الطاعنة جرحاً عمداً بالمجني عليه بقيامها بإجراء عملية الختان التي تخرج عن نطاق الترخيص المعطى لها والذي ينحصر حقها بمقتضاه فى مباشرة مهنة التوليد دون غيرها، وذلك على تخلف العاهة المستديمة نتيجة فعلها، وكانت حالة الضرورة منتفية فى ظروف الدعوى المطروحة، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعنين ونقده وأطرحه بأسباب سائغة التزم فيها التطبيق القانوني الصحيح، فإن النعي عليه يكون غير سديد.

(الطعن رقم 249 لسنة 44 ق - جلسة 1974/03/11 س 25 ع 1 ص 263 ق 59)

2- المادة 60 من قانون العقوبات إنما تبيح الأفعال التى ترتكب عملاً بحق قرره القانون بصفة عامة ، وتحريم الشارع للإسقاط يحول دون اعتبار هذا الفعل مرتبطا بحق وإنما يجعل منه إذا وقع جريمة يستحق جانيها العقاب الذى فرضه الشارع لفعلته ، فلا يكون مقبولا ما عرض إليه المتهم فى دفاعه أمام محكمة الموضوع من أن الشريعة الإسلامية تبيح إجهاض الجنين الذى لم يتجاوز عمره أربعة شهور وأن المادة 60 من قانون العقوبات تبيح ما تبيحه الشريعة .

(الطعن رقم 1193 لسنة 29 ق - جلسة 1959/11/23 س 10 ع 3 ص 952 ق 195)

3- من المقرر - إعمالاً للمادة 91 من قانون المحاماة رقم 61 سنة 1968 - أن مناط عدم جواز مساءلة المحامى عما يدلى به فى مرافعته الكتابية أو الشفوية أن يكون ما أورده مما يستلزمه حق الدفاع ، و ذلك لما هو مقرر من أن حق الدفاع من الحقوق المباحة فلا يسأل صاحبه إلا إذا إنحرف به و إستعمله إستعمالاً غير مشروع . لما كان ذلك ، و كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن بالأسباب السائغة التى أوردها أن ما وجهه إلى هيئة المحكمة المعتدى عليها هو ألفاظ جارحة تحمل بذاتها معنى الإهانة لهيئة المحكمة و تخرج بالتالى عن مستلزمات حق الدفاع فإن تعلله بأن ما بدر منه كان إستعمالاً مشروعاً لحق الدفاع عن موكله لا يكون سديداً .

(الطعن رقم 1707 لسنة 51 ق - جلسة 1981/10/20 س 32 ص 732 ق 129)

4- إن ما يدعيه الطاعن من توليه أمر المجني عليها، فضلاً عن أنه لا تقبل إثارته أمام هذه المحكمة لما هو ثابت من محضر جلسة المحاكمة من أنه لم يسبق له التمسك بهذا الدفاع الموضوعي أمام محكمة الموضوع، فإنه - بفرض صحته - لا يجديه لما هو مقرر شرعاً من أن التأديب المباح لا يجوز أن يتعدى الضرب البسيط الذي لا يحدث كسراً أو جرحاً ولا يترك أثراً ولا ينشأ عنه مرض.

(الطعن رقم 120 لسنة 46 ق - جلسة 1977/05/15 س 28 ع 1 ص 596 ق 126)

5- لما كان يبين من محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر لدى محكمة الموضوع شيئاً عن أن ما أتاه كان إستعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشريعة بما يخرجه عن نطاق التأثيم عملاً بالمادة 60 من قانون العقوبات ، و كان هذا الدفاع يقوم على واقع يقتضى تحقيقاً تنأى عنه وظيفة محكمة النقض ، فإن ما أثارته أمامها لأول مرة ، تكون غير مقبولة .

(الطعن رقم 6549 لسنة 53 ق - جلسة 1984/12/18 س 35 ص 907 ق 201)

6- وأن ابيح للزوج تأديب المرأة تأديبا" خفيفا" على كل معصية لم يرد فى شأنها حد مقرر الا أنه لا يجوز له أن يضربها ضربا" فاحشا" ولو يحق -وحد الضرب الفاحش هو الذى يؤثر فى الجسم ويغير لون الجلد واذ كان الطاعن قد اعتدى على المجنى عليها اعتداء بلغ من الجسامة الجد الذى أوردها حتفها فليس له أن يتعلل بما يزعمه له حقا" يبيح له ما جناه.

(الطعن رقم 7570 لسنة 61 ق - جلسة 1994/01/09 س 45 ص 71 ق 8)

7- توقيع الحجز على زراعة قمح المتهم يفرض عليه واجب احترام هذا الحجز والمحافظة على المحجوز وعدم التصرف فيه على أى وجه وهو فى أدائه لهذا الواجب إنما يستعمل حقا مقررا له بمقتضى القانون فإن انطوى هذا الاستعمال على ارتكاب فعل يجرمه القانون ارتفعت عنه صفة التجريم عملاً بالمادة 60 من قانون العقوبات هذا إلا إذا ثبت سوء نيته كما إذا كان الحجز الموقع على القمح قد اصطنع اصطناعا فإنه فى هذه الحالة لا يتمتع بالإباحة المقررة فى القانون فإذا كان مفاد ما أورده الحكم أن القمح المحجوز عليه والذى ورده ناظر زراعة المتهم إلى بنك التسليف هو بقية القمح الناتج من التقاوى المنتقاة التى حصل عليها المتهم وأن ثمة عذرا قهريا حال دون وفائه بالتزامه، هو توقيع حجز إدارى على محصول هذه التقاوى المنتقاة ،فإن هذا الذى أورده الحكم سديد فى القانون .

(الطعن رقم 139 لسنة 29 ق - جلسة 1959/03/16 س 10 ع 1 ص 304 ق 67)

8- تفسير النصوص المتعلقة بالإعفاء على سبيل الحصر ، فلا يصح التوسع فى تفسيرها بطريق القياس ، ولا كذلك أسباب الإباحة التى ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب . وعلى ذلك فلا يجوز للقاضى أن يعفى من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء فى النص التشريعى على الواقعة المؤثمة انطباقا تاما سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التى تغياها المشرع من تقرير الإعفاء .

(الطعن رقم 1572 لسنة 39 ق - جلسة 1969/11/17 س 20 ع 3 ص 1307 ق 265)

9- الأصل أن سحب الشيك و تسليمه للمسحوب له يعتبر وفاء كالوفاء الحاصل بالنقود بحيث لا يجوز للساحب أن يسترد قيمته أو يعمل على تأخير الوفاء به لصاحبه . إلا أن ثمت قيداً يرد على هذا الأصل هو المستفاد من الجمع بين حكمى الماديتن 60 من قانون العقوبات و 148 من قانون التجارة ، فقد نصت المادة 60 عقوبات على أن أحكام قانون العقوبات لا تسرى على كل فعل إرتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة ، بما مؤداه أن إستعمال الحق المقرر بالقانون أينما كان موضع هذا الحق من القوانين المعمول بها - بإعتبارها كلاً متسقاً مترابط القواعد - يعتبر سبباً من أسباب الإباحة إذا ما إرتكب بنية سليمة . فالقانون يفترض قيام مصلحة يعترف بها و يحميها بحيث يسمح بإتخاذ ما يلزم لتحقيقها و إستخلاص ما تنطوى عليه من مزايا ، و هو فى ذلك إنما يوازن بين حقين يهدر أحدهما صيانة للأخر ، و على هذا الأساس وضع نص المادة 148 من قانون التجارة - الذى يسرى حكمه على الشيك - و قد جرى بإنه " لا يقبل المعارضة فى دفع قيمة الكمبيالة إلا فى حالتى ضياعها أو تفليس حاملها " فأباح بذلك للساحب أن يتخذ من جانبه إجراء يصون به ماله بغير توقف على حكم من القضاء ، لما قدره المشرع من أن حق الساحب فى حالتى الضياع و إفلاس الحامل يعلو على حق المستفيد . و إذ جعل هذا الحق للساحب يباشره بنفسه بغير حاجة إلى دعوى و على غير ما توجبه المادة 337 عقوبات ، فقد أضحى الأمر بعدم الدفع فى هذا النطاق قيداً وارداً على نص من نصوص التجريم ، و توفرت له بذلك مقومات أسباب الإباحة لإستناده - إذا ما صدر بنية سليمة - إلى حق مقرر بمقتضى الشريعة . و الأمر فى ذلك يختلف عن سائر الحقوق التى لابد لحمايتها من دعوى ، فهذه لا تصلح مجردة سبباً للإباحة . لما كان ما تقدم ، و كان من المسلم أنه يدخل فى حكم الضياع السرقة البسيطة و السرقة بظروف و الحصول على الورقة بالتهديد ، كما أنه من المقرر أن القياس فى أسباب الإباحة أمر يقره القانون بغير خلاف ، فإنه يمكن إلحاق حالتى تبديد الشيك و الحصول عليه بطريق النصب بتلك الحالات من حيث إباحة حق المعارضة فى الوفاء بقيمته ، فهى بها أشبه على تقدير أنها جميعاً من جرائم سلب المال ، و أن الورقة فيها متحصلة من جريمة . و لا يغير من الأمر ما يمكن أن يترتب على مباشرة الساحب لهذا الحق من الإخلال بما يجب أن يتوفر للشيك من ضمانات فى التعامل ، ذلك بأن المشرع رأى أن مصلحة الساحب فى الحالات المنصوص عليها فى المادة 148 من قانون التجارة - التى هى الأصل - هى الأولى بالرعاية . لما كان ذلك ، و كان هذا النظر لا يمس الأصل الذى جرى عليه قضاء هذه المحكمة فى تطبيق أحكام المادة 337 عقوبات و إنما يضع له إستثناء يقوم على سبب من أسباب الإباحة ، و كان الحكم المطعون فيه لم يفطن إليه فإنه يتعين نقضه و الإحالة .

(الطعن رقم 1084 لسنة 32 ق - جلسة 1963/01/01 س 14 ع 1 ص 1 ق 1)

10- إن مراد الشارع من العقاب على الجريمة المنصوص عليها فى المادة 337 عقوبات هو حماية الشيك من التداول و قبوله فى المعاملات على أساس أنه يجرى فيها مجرى النقود . و لا عبرة بالأسباب التى دعت ساحب الشيك إلى الأمر بعدم الدفع لأنها دوافع لا أثر لها على قيام المسئولية الجنائية . كما أنه لا وجه للتحدى بقضاء الهيئة العامة للمواد الجزائية الذى صدر بتاريخ أول يناير سنة 1963 فى الطعن رقم 1084 لسنة 32 قضائية ، ذلك بأن هذا القضاء لم يشأ الخروج على ذلك الأصل الذى إستقر عليه قضاء محكمة النقض و حرصت على تأييده فى الحكم المشار إليه ، و لم تستثن منه إلا الحالات التى تندرج تحت مفهوم حالة الضياع التى أباح الشارع فيها للساحب أن يتخذ من جانبه ما يصون به ماله بغير توقف على حكم القضاء تقديرا من الشارع بعلو حق الساحب فى تلك الحال على حق المستفيد ، و هو ما لا يصدق على الحقوق الأخرى التى لابد لحمايتها من دعوى و لا تصلح مجرده سببا للإباحة .

(الطعن رقم 1779 لسنة 35 ق - جلسة 1966/01/17 س 17 ع 1 ص 57 ق 10)

11- إذا كان الثابت أن الطاعنة الثانية قد عادت المجني عليها بإجراء مس لها فى عينها ووضعت لها" البنسلين" كدواء وقامت الطاعنة الأولى بعملية حقنها بهذه المادة، فإنه لا مراء فى أن ما اقترفته الطاعنتان من أفعال يعد مزاولة منهما لمهنة الطب لدخولها فى الأعمال التي عددتها المادة الأولى من القانون رقم 415 لسنة 1954، وإذ كان ذلك، وكانت المتهمتان المذكورتان لا تملكان مزاولة مهنة الطب ولم تكن حالة المجني عليها من حالات الضرورة المانعة للعقاب، فإن الحكم المطعون فيه إذ دانهما عن تهمة مزاولة مهنة الطب وساءل الطاعنة الأولى عن جريمة إحداث جرح عمداً بالمجني عليها يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح.

(الطعن رقم 1927 لسنة 37 ق - جلسة 1968/02/20 س 19 ع 1 ص 254 ق 46)

12- من القواعد المقررة عدم مساءلة الشخص جنائياً عن عمل غيره فلا بد لمساءلته أن يكون ممن ساهم فى القيام بالعمل المعاقب عليه فاعلا أو شريكاً . فإذا كان حقيقة أن الموكل لا يكتب للمحامى مذكرته التى تضمنت وقائع القذف إلا أنه بالقطع يمده بكافة المعلومات و البيانات اللازمة لكتابة هذه المذكرة التى يبدو عمل المحامى فيها هو صياغتها صياغة قانونية تتفق و صالح الموكل فى الأساس و لا يمكن إن يقال أن المحامى يبتدع الوقائع فيها . و لا يقدح فى ذلك ما قرره محامى الطاعن فى محضر جلسة المحاكمة من أنه وحده هو المسئول عن كل حرف ورد بالمذكرة المقدمة فى الدعوى .

(الطعن رقم 772 لسنة 42 ق - جلسة 1972/10/08 س 23 ع 3 ص 995 ق 221)

13-يشترط لقبول الاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر غير قانون العقوبات أن يقيم من يدعي هذا الجهل الدليل القاطع على أنه تحرى تحرياً كافياً وأن اعتقاده الذي اعتقده بأنه يباشر عملاً مشروعاً كانت له أسباباً معقولة وهذا هو المعول عليه فى القوانين التي أخذ عنها الشارع أسس المسئولية الجنائية وهو المستفاد من مجموع نصوص القانون فإنه مع تقريره قاعدة عدم قبول الاعتذار بعدم العلم بالقانون أورد فى المادة 63 من قانون العقوبات أنه لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري فى الأحوال الآتية (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة، كما قرر فى المادة 60 من قانون العقوبات أن أحكام قانون العقوبات لا تسري على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة، وإذا كانت الطاعنة لم تدع فى دفاعها أمام محكمة الموضوع أو فى أسباب طعنها بالجهل بالقاعدة الشرعية التي تحظر على المرأة الجمع بين زوجين وأنها كانت تعتقد أنها كانت تباشر عملاً مشروعاً والأسباب المعقولة التي تبرر لديها هذا الاعتقاد، وقد أثبت الحكم فى حقها أنها باشرت عقد الزواج مع علمها بأنها زوجة لآخر وما زالت فى عصمته وأخفت هذه الواقعة عن المأذون وقررت بخلوها من الموانع الشرعية وقدمت له إشهاد طلاقها من زوج سابق وقررت بانتهاء عدتها منه شرعاً وعدم زواجها من آخر بعده وهو ما رددته فى اعترافها بالتحقيقات وبجلسة المحاكمة وبررت ذلك بانقطاع أخبار زوجها عنها وحاجتها إلى موافقة الزوج الجديد على سفرها إلى الخارج فإن ما أورده الحكم من ذلك يتضمن فى ذاته الرد على دعوى الطاعنة بالاعتذار بالجهل بحكم من أحكام قانون آخر هو قانون الأحوال الشخصية فلا محل لما تنعاه الطاعنة على الحكم فى هذا الشأن.

(الطعن رقم 3842 لسنة 56 ق - جلسة 1986/11/20 س 37 ع 1 ص 924 ق 176)

شرح خبراء القانون

أسباب الإباحة : هي التي يكون من شأنها رفع الصفة الجنائية عن الفعل في الظروف التي وقع فيها فهي تعدم الركن الشرعي في الجريمة فتخرج الفعل من دائرة الأفعال المعاقب عليها إلى مجال الإباحيات - والإباحة وصف يلحق الفعل ومن أجل ذلك كانت أسباب الإباحة عينية تتصل بالفعل ذاته، ويترتب على ذلك أن كل من يساهم فيه لا يلحقه عقاب لأنه يساهم في عمل لا يعد جريمة - وأسباب الإباحة نوعان عامة لا تتقيد بجريمة معينة بل تبيح الفعل الذي يرتكب مهما كان وصفه الأصلي في القانون ومن هذا النوع إستعمال الحق والقيام بالواجب والدفاع الشرعي فهي جميعاً أسباب عامة للإباحة في جميع الجرائم وأسباب خاصة بجرائم معينة ولا أثر لها فيما خرج عن هذه الجرائم كإباحة القذف والسب في بعض الأحوال ولا فرق بين النوعين إلا في مدى شمول ما تلحقه الإباحة أما أثرها فهو هو في جميع الأحوال.

يشترط لتطبيق المادة 60 عقوبات ثلاث شروط هي :

(1) أن يكون وقوع الفعل بمقتضى حق مقرر في القانون.

(2) استعمال الحق بحسن نية.

(3) استعمال الحق في حدود القانون.

وفيما يلي تفصيل لازم لكل شرط :

 1- وقوع الفعل بمقتضى حق مقرر في القانون :

نصت المادة 60 عقوبات على أنه "لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة ورغم أن ملابسات وضع هذه المادة تشير إلى انصراف نية واضعها إلى تخصيص الحقوق المقررة بمقتضى الشريعة الإسلامية إلا أنه من المتفق عليه فقها أن حكمها ينصرف إلى الحقوق المقررة بالقوانين المختلفة ومنها مثلاً المدنية والتجارية والمرافعات المدنية والتجارية والدستورية فضلاً عن قوانين الأحوال الشخصية المتعلقة بمن يباشر الحقوق الواردة بها. وبعبارة أخرى هي تبيح كل حق يحميه القانون أينما كان موضعه من القوانين المختلفة، وبعض هذه الحقوق يعتبر تطبيقات عامة لمبدأ الإباحية الوارد في هذه المادة مثل أفعال الضرب التي تقع إستعمالاً لحق التأديب الذي يملكه الوالد على ولده وأفعال الجرح التي تقع استعمالا لحق العلاج الذي يملكه الجراح على مريضه ومثل أفعال السب والقذف أو البلاغ الكاذب إذا وقعت تعبيراً عن الرأي في أحوال معينة وبعضها الآخر يمثل تطبيقات خاصة محدودة النطاق نص عليها نفس التشريع العقابي كما أداء الموظف لأعمال وظيفته (63 ع) وكما في أمثال الدفاع الشرعي عن النفس أو المال (م245 ع).

والأصل أن يكون الحق مقرراً في القانون وقد يثبت بالضرب كضرب السيد لخادمه مثلاً أو المعلم لتلميذه مما جرى عليه إعتياد الناس إبتغاء تأديب من هم في كنفهم وتحت رعايتهم كالخدم وصبيان الحرفة، ويجب أن يكون الحق مختصاً بصاحبه وفق القانون كحق الزوج في تأديب زوجته فلا يملكه غيره ومهما كانت صلته بصاحب الحق أو بالزوجة.

ويجدر هنا التنويه إلى أن العقوبات البدنية ممنوعة في المدارس فلا يجوز للمعلم أن يضرب تلميذه ولو لتأديبه اعتمادا في حقه في ذلك لأن النص الذي يمنع التأديب البدني في المدارس هو نص خاص عطل إستعمال هذا الحق (أنظر المادة 21 من القانون رقم 210 لسنة 1953 في شأن تنظيم التعليم الابتدائي والمادة 48 من القانون رقم 211 لسنة 1953 في شأن تنظيم التعليم الثانوى).

ويلاحظ أخيراً أنه يشترط في كل الأحوال أن تكون القاعدة التي تقرر الحق أو تقره من القواعد التي تنتمي إلى النظام القانوني في الدولة دون سواه وهذا يقتضي عدم الإعتداد بالقواعد القانونية الملغاة ولا بالأعراف الفاسدة ولا بقواعد القانون الأجنبي إلا إذا اعترف لها التشريع الوطني بقوة السريان، ولا بقواعد الشريعة الإسلامية التي وضحت نية المشرع في عدم الأخذ بها بصرف النظر عن سلامة مسلك المشرع من الناحية الدينية أو عدم سلامته.

2- استعمال الحق بحسن نية :

عبر المشرع عن هذا الشرط بقوله " كل من ارتكب بنية سليمة " ويقصد بذلك أن يكون إستعمال الحق يتفق والغاية التي من أجلها لصاحبه، فلا يكفي المشروعية الفعل المرتکب استعمالاً للحق أن يكون صاحبه قد التزم بالحدود الموضوعية المنصوص عليها قانوناً وإنما يلزم أن تكون ممارسة الحق قد روعي فيها الجانب النفسي المتمثل في تحقيق المصالح التي تقرر الحق من أجلها وبعبارة أخرى يلزم أن تكون القاعدة القانونية مصدر الحق تسمح ولو ضمناً بممارسة السلوك المتحقق والذي يعتبر غير مشروع من الناحية الجنائية لولا إستعمال الحق، وعلى ذلك فإن النية السليمة يتعين أن تكون رائد من يباشر هذه الحقوق.

 3- أن يكون استعمال الحق في حدود القانون :

كما يجب أن يكون إستعمال الحق بحسن نية كذلك يجب أن لا يتعدى الفعل حدوده القانونية ففي حق التأديب يجب أن لا يبلغ الضرب حداً أشد مما أوجبته أحكام الشريعة كحصول جرح أو مرض بالمجنى عليه ولذلك لا يجوز أن يكون غرض صاحب الحق من استعمال حقه إيقاع الأذى أو التشفي والإنتقام أو تحقيق غاية غير مشروعة وكل هذا تعد الحدود الحق يجر المسئولية الجنائية كمن يضرب ولده ليطيعه في معصية كالسرقة أو إتلاف مال الغير - فإذا تجاوز صاحب الحق حدود حقه فلا يخلو الحال من أن يكون تجاوزه مقصوداً فتكون الجريمة عمدية تستأهل العقوبة المفروضة لها في القانون وإذا رأى القاضي استعمال الرأفة فله تخفيف العقوبة في الحدود المنصوص عليها في المادة 17 عقوبات إذا كان الفعل جناية، وإذا كان جنحة وقع عقوبتها وإن شاء الرأفة اتجه في التخفيف نحو الحدود الدنيا المقررة قانوناً للجنح، أما إذا كان التجاوز مبنياً على خطأ وإهمال بحت كان من الممكن تفادي وقوع النتيجة بشئ من التثبيت والاحتياط فيعاقب المتجاوز عن جريمة غير مقصودة إذا وجد في القانون نص يعاقب عليها وأخيراً إذا كان التجاوز مصدره القوة القاهرة أو حادث مفاجئ فتنعدم المسئولية ولا يكون عقاب .

بعض صور استعمال الحقوق: 

1- تأديب الزوجة :

للزوج أن يؤدب زوجته إذا لم تطعه فيما أوجبه الله تعالى من طاعته لقوله تعالى :{ وَالَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا }.

 وتأديب الزوج لزوجته حق له ويكون بالموعظة والهجرفي المضاجع والضرب كما نصت الآية الكريمة والضرب في التأديب هو الضرب غير المبرح الذي يوجع ولا يترتب عليه تلف للنفس أو الأعضاء فإذا أدب الزوج زوجته وتجاوز الحدود المقيدة في الأدب فإنه مسئول عن أي ضرر أو تلف نتج عنه وذلك باتفاق الفقهاء لأنه يتجاوز حدود الضرب المأذون فيه يكون قد أتى عملاً غير مباح فيسأل عن نتائجه، ذلك أن التأديب حق للزوج وليس واجبا عليه والحق مقيد بشرط السلامة.

وعلى ذلك فإن تأديب الزوج لزوجته مقيد من حيث وسيلة التأديب فهو لا يكون إلا بوسيلة من ثلاث الوعظ والهجر في المضجع والضرب وبهذا الترتيب بحيث لا يجوز للزوج أن يلجأ إلى وسيلة إلا إذا ظهر أن ما دونها لم ينتج في إصلاح الزوجة ثم أن هذا الحق مقيد أيضاً بوجوب أن يكون عمل الروج مقصوداً به تحقيق الغاية التي من أجلها شرع التأديب و هو إصلاح حال المرأة وأن يكون السبب شرعي ولا يجوز أصلاً إذا كان مقصوداً به عرض آخر کسبب يكون للإنتقام أو لمجرد الإيذاء، ففي هذه الحدود يكون عمل الزوج مباحاً ولا عقاب عليه فإذا خرج عنها بأن تجاوز الحد المقرر شرعاً للتأديب أو كان سيئ النية يخفى قصداً إجرامياً تحت ستار استعمال حق التأديب فلا يكون استعمالاً الحق وإنما يكون مستحقا للعقوبة التي يقررها القانون وقد استقر قضاء المحاكم في مصر على أن التأديب حق للزوج من مقتضاه إباحة الإيذاء ولكن لا يجوز أن يتعدى الإيذاء الخفيف فإن تجاوز الزوج هذا الحد فأحدث أذى بجسم زوجته لم يزد عن سحجات بسيطة فإن هذا القدر كاف لاعتبار ما وقع منه خارجاً عن حدود حقه المقرر بمقتضى الشريعة و مستوجب للعقاب.

 2- تأديب الصغار :

تأديب الأب والجد أو الوصي أو الأم للصغار لا خلاف في جوازه لينشأوا تنشأة صالحة وقد أمر النبي ﷺ  بضرب الأولاد إذا بلغوا عشر سنوات ولم يؤدوا الصلاة فإذا لم يؤد ضرب التأديب إلى تلف فلا مسئولية على المؤدب، وضرب الصغير واجب حقاً لأن الصغير يحتاج إلى التعليم والهذيب ولا يتم ذلك غالباً إلا بالضرب الخفيف لقصور إدراك الصغير عن الاستجابة للخير بالنصح فهو يحتاج إلى التخويف ولا يسع من يلي الصغير أن يترك تهذيبه لأنه مكلف بذلك شرعاً فتهذيبه واجب عليه وليس حقاً إذ لو كان حقاً لوسعه ترکه والتهذيب لا يتم إلا بالضرب في أكثر الأحيان وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

على أن إباحة ضرب الصغير ليست مطلقة وإنما هي مقيدة فيتقيد الضرب المشروع من وجهين من حيث قدرة وحث الغرض منه فأما عن قدره فلا يجوزأن يتجاوز الثلاث وإلا يكون بغير اليد كالسوط والعصا وأن تتقي به المواضع المخوفة من الجسم كالرأس والوجه وألا يكون فاحشاً وان كان في محل الضرب ولم يتجاوز به الثلاث والفاحش من الضرب هو الذي يكسر العظم أو يمزق الجلد و أما عن الغرض من الضرب فيجب أن يكون مقصوداً به التأديب أو التعليم وإلا كان غير مشروع.

وعموماً فإنه يتعين التزام حدود التأديب والمقصود بذلك ألا تجاوز أفعال التأديب مداها ولهذه الأفعال حدان هي المشروعية والملاءمة ويراد بالمشروعية أن يكون الفعل مباحاً في ذاته بوصفه وسيلة مقبولة للتأدب وهذا يقتضى إستبعاد الأفعال المحظورة بإطلاق وهي التي يمتنع اللجوء إليها مهما كان خطأ الحدث جسيماً وأياً كان شخص المؤدب أو الغرض من التأديب ومن الأفعال التي يشملها الخطر الأفعال المهلكة وكذلك الأفعال التي يرجى من التأدب تحقيقها فلا تصور أن يكون قتل الحدث من وسائل تأديبه كما منع تأديبه بما بتر عضوا من أعضائه أو يعطل منفعته أو بما هتك عرضه أو يهدر عفته- أما الملاءمة فيراد بها التناسب بين وسيلة التأديب والغاية المرجوة منه والقائم بالتأديب أن يختار من الوسائل المشروعة ما يراه أكثر ملاءمة ويشترط أن يكون ذلك كله بطبيعة الحال بحسن نية وأن يكون الهدف هو تأديب الحدث.

ويلاحظ أن للمعلم شرعاً أن يضرب الصغير للتعليم وللتأديب بإذن والده أو وصية إذناً صريحاً أو ضمنياً مستفاداً من العرف السائد لكن هذا الحق معطل في المعاهد الحكومية بمقتضى قوانين ولوائح صريحة مثل المادة 37 من المرسوم بقانون الصادر في 27/4/1931 باعتماد اللائحة الداخلية للمعاهد والمادة 21 من القانون رقم 210 لسنة 1953 بشأن تنظيم التعليم الابتدائي والمادة 48 من القانون رقم 211 لسنة 1953 بشأن تنظيم التعليم الثانوى ولذلك فقد ذهب بعض الفقه إلى أنه لا يكون للمعلم حق التأديب بوسيلة منعها المشرع بنص صريح ولو كانت جائزة بالنسبة للأب أو الوصي، وذهب رأي إلى أنه يرى خلاف ذلك إذا كان صاحب الحق في التأديب قد أناب المعلم في استعمال حقه بالنسبة للصغير تطبيقاً لقواعد الإنابة في إستعمال الحق كذلك للمخدوم أن يؤدب خادمة الصغير إذا كانت هناك إنابة صريحة من ولي النفس، ويسري على أرباب الحرف ما يسري على المعلم بالنسبة لتأديب الصغار الذين يتدربون على أيديهم.

 3 - حق الأطباء في علاج المرضى :

أسبغ القانون على الأطباء والجراحين حق علاج المرضى بوصف الدواء الهم وبأعمال الجراحة مهما كان نوعها وذلك لأن المفروض فيهم العلم بأصول الطب والجراحة بعد أن أتموا دراساتهم العلمية وأقرت الدولة كفايتهم لممارسة مهنتهم، والمتفق عليه في القضاء والفقه هو أن التزام الطبيب أمام المريض ينحصر في الإلتزام ببذل عناية لا بتحقيق نتيجة. ومن ثم فإن كل ما علي الطبيب هو أن يعني بالمريض العناية الكافية وأن يصف له وسائل العلاج ما يرجى به شفاؤه من مرضه فليس يكفي لكي يعد الطبيب مخلا بالتزامه أن يخيب العلاج أو تسوء حالة المريض بل يجب أن يقوم الدليل على تقصير الطبيب في عنايته ولا يتأتى هذا إلا إذا وقع منه خطأ يمكن أن تترتب عليه المسئولية.

ويتحدد مدى التزام الطبيب بالقواعد المهنية أي تلك التي تفرضها عليه مهنته وما جرت عليه عادة الأطباء في نفس الظروف فلا يفرض على الطبيب التزام محدد بضمان شفاء المريض إذ يتوقف ذلك على عوامل و إعتبارات تخرج عن إرادة الطبيب كمناعة الجسم وحالته وحدود التقدم الطبي فالطبيب لا يلتزم بمنع المرض من التطور إلى حالة أسوأ أو ألا تتخلف عند المريض عاهة أو ألا يموت إذ كل هذا يخرج عن سلطاته.

ويدخل في تحديد التزام الطبيب مستواه الفني فالطبيب العمومي لا يتحمل نفس الإلتزامات التي يتحملها الطبيب المتخصص إذ يطلب منه قدر من العناية يتفق مع هذا المستوى، ويؤخذ في الحسبان كذلك عند تحديد مدى التزام الطبيب الظروف الخارجية التي يوجد فيها ويعالج فيها المريض كمكان العلاج والإمكانات المتاحة كأن يكون ذلك في مستشفى مزودة بأحدث الآلات والمخترعات أو في جهة نائية منعزلة لا وجود فيها لشئ من هذه الإمكانات أو أن تكون حالة المريض في درجة من الخطورة تقتضي إجراء جراحة له فوراً في مكان وجوده ودون نقله إلى مستشفى أو عيادة، وأخيراً يدخل في تحديد مدى التزام الطبيب أن تكون الجهود المبذولة متفقة مع الأصول العلمية الثابتة، إذ لا يعقل إستعماله لوسائل طبية بدائية تخالف التطور العلمي الحديث، فهو وإن كان لا يلتزم باتباع تلك الوسائل إلا أنه ينبغي عليه الإلتجاء إلى تلك التي استقر عليها الطب الحديث وله الاجتهاد في إختيار أنسب الوسائل حسب حالة المريض والإمكانيات المتاحة وتطويعها بحيث تتفق وظروفه الخاصة، فقد أدان القضاء في أكثر من مناسبة الأطباء الذين يلجأون إلى طرق علاجية مهجورة فالإلتجاء إلى طريقة في التوليد قدر الخبراء بأنها أصبحت مهجورة وتمثل خطورة بالنسبة للجنين يشكل خطأ من جانب الطبيب المولد، ونفس الشي بالنسبة للطبيب الذي يتجاهل المبادئ الأولية في التشخيص ومعرفة حالة المريض والطبيب الذي يلجأ لطريقة خاصة في العلاج تعتمد على محض الصدفة بدلاً من اتباع الطرق التقليدية المعروفة.

ولقاضي الموضوع تقدير مسلك الطبيب على ضوء الوقائع الموجودة والاستعانة بأهل الخبرة وقواعد المهنة دون التقيد بتلك القواعد إذا ما ثبت مخالفتها للتبصر والحيطة ودون الدخول في فحص النظريات العلمية والخلافات الطبية القائمة.

 جوهر الخطأ الطبي :

والخلاصة هو أن جوهر الخطأ الطبي هو إخلال القائم بهذا العمل بواجب الحيطة والحذر الذين يفرضها عليه الشارع فوجب عند مباشرة الطبيب للعلاج الطبي اتباع الأسلوب الذي يكفل تجنيب المخاطر فالشارع عندما يخاطب الطبيب في تدخله الجراحي يوجب اتجاه إرادته على النحو الذي لا يعرض مصالح وحقوق المريض للخطر وتلك المعايير هي التي يراعيها المريض - عادة عند اختياره للطبيب المعالج ومن ثم فيمكن القول بأن معيار الخطأ الطبي - شأنه شأن الخطأ عموماً - هو بالنظر إلى مسلك القائم به دون قياس درجته بما ينجم عنه من أضرار فهو عنصر معنوي يتمثل في مسلك الطبيب وبالنظر إلى تقديره الاحتمال تدخل، الخطأ ومساهمته في تحقيق الضرر فإن أتي الطبيب الفعل مع تأكده بوقوع الضرر نتيجة لذلك فإنه ولاشك يكون قد ارتكب خطأ غير مغتفر يصل إلى مرتبة العمد في القانون الجنائي بينما لو كان إعتقاده القائم بأن فعله لن يترتب عليه ضرر وكان في ذلك شأنه شأن الشخص الحريص اليقظ من وسط زملائه فلا ينسب إليه خطأ ولووقع الضرر من فعل ذلك.

أي يمكن القول بأنه تنحصر درجة الخطأ الجسيم فى عنصر الإحتمال لحدوث الضرر فكلما تيقن وقوع هذا العنصر لدى الطبيب وفقا لرأي طبيب آخر في نفس الظروف الخارجية تعين الخطأ الجسيم كلما قلت درجة الإحتمال قلت معها درجة الخطأ.

 ممارسة الألعاب الرياضية :

الألعاب الرياضية المعروفة كلعبة كرة القدم والملاكمة والمصارعة وغيرها يقرها القانون العام وتشجع عليها الحكومات وتؤيدها وتعمل على نشرها وتعاون جمعياتها والغرض من ذلك رعاية مصلحة عامة لما في مزاولة هذه الألعاب من تقوية الأبدان وبث الروح الرياضية بين النشئ فمصدر إباحة ما يحدث فيها هو القانون العام وإذا تجاوز اللاعب الأصول المتعارفة في اللعب ونظامه فيسأل عن جريمة غير عمدية بسبب إهماله وعدم احتياطه، ومع ذلك إذا ثبت أن الجرح الحادث أثناء اللعب وقع بقصد الإيذاء يسأل محدثة عن الجريمة العمدية، وتطبيقاً لذلك فإنه إذا تعمد اللاعب الرياضي الخروج عن قواعد اللعبة فأصاب منافسة سأل عن جريمة عمدية ومن ذلك أن يتعمد ملاكم ضرب غريمه في أسفل بطنه حيث لا يصح الضرب فيموت فإنه يسأل عن جناية ضرب أفضى إلى الموت لا عن جنحة قتل خطأ، مادام يثبت أن الجاني تعمد الضرب على خلاف قواعد اللعبة أما إذالم ثبت ذلك وتبين أن الضربة التي أصابت أسفل البطن كانت من قبيل الخطأ غير العمد فالواقعة تكون جنحة قتل خطأ والأمر رهن بالوقائع.

 حالات الإباحة الخاصة :

ينص القانون على حالات للإباحة ترجع في أساسها إلى معنى إستعمال الحق ولها من الأثر ما للإباحة العامة المقررة بالمادة 60 المتقدمة ولكنها تختلف عنها في أنها خاصة بجرائم معينة كجريمتي القذف والسب ولا أثر لها في غيرها من الجرائم. ونظرا لما لهذه الحالات من صفة الخصوص فإنها تدخل في دراسة الجرائم المتصلة بها ومن حالات الإباحة الخاصة إباحة القذف إذا وجه إلى ذوي الصفة العمومية في شأن واجباتهم (م 302ع) وإباحة التبليغ عن الجرائم (م304ع) والشهادة أمام جهات القضاء والدفاع أمامها (م 309 ع).

(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الأول ،  الصفحة: 600)

إستعمال الحق

تمهيد : إذا قرر الشارع حقاً اقتضى ذلك حتماً إباحة الوسيلة إلى إستعماله، أي إباحة الأفعال التي تستهدف الاستعمال المشروع للحق، سواء للحصول على ما يتضمنه من مزايا أو لمباشرة ما يخوله من سلطات وأساس إعتبار استعمال الحق سبباً للإباحة وجوب تحقيق الاتساق بين قواعد القانون، إذ يصدم المنطق أن يقرر الشارع حقاً ثم يعاقب على الأفعال التي يستعمل بها، فيكون معنى ذلك التناقض بين قواعد القانون وتجريد الحق من كل قيمة .

وقد قرر الشارع ذلك في المادة 60 من قانون العقوبات التي تقضي بأنه «لا تسري أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتكب بنية سليمة عملاً بحق مقرر بمقتضى الشريعة »؛ وقبل ذلك نص الشارع في المادة السابعة من قانون العقوبات على أنه «لا تخل أحكام هذا القانون في أي حال من الأحوال بالحقوق الشخصية المقررة في الشريعة الغراء».

والحقيقة أن هذا السبب للإباحة في غنى عن نص يقرره، إذا استخلاصه - كما قدمنا - ثمرة الإتساق الذي يجب أن يسود قواعد القانون و النصان السابقان تفسرهما إعتبارات معينة : فالمادة السابعة من قانون العقوبات تقابل العبارة الأخيرة من المادة الأولى من قانون العقوبات الصادر سنة 1883، وهدفها مجرد طمأنة الناس في أول عهدهم بالقوانين الحديثة بأن تطبيقها لن يضيع حقاً قررته الشريعة الإسلامية، أما المادة 60 من قانون العقوبات فقد أضيفت سنة 1904، وهدفها حسم الخلاف الذي ثار في المحاكم حول الإعتراف بحق التأديب الذي تقرره الشريعة الإسلامية كسبب لإباحة أفعال الضرب، وقد رأى الشارع أن يوسع من نطاق هذا النص فيجعله شاملاً كل الحقوق التي يعد إستعمالها سبباً للإباحة حتى يكون مقرراً للقاعدة العامة في هذا الشأن ولا نعتقد أن الشارع قد أراد بالمادة السابعة إستبقاء عقوبات تقررها الشريعة الإسلامية كالقصاص أو الدية، إذ أن التنظيم الذي قرره التشريع الوضعي للعقوبات جاء شاملاً ومستبعداً للعقوبات الشرعية، وكل ما يمكن أن يفسر به هذا النص هو أنه يعترف بالحقوق التي تقررها الشريعة الإسلامية كسبب للإباحة، وإلى جانبه تقوم المادة 60 مكرراً هذا الاعتراف، ومضيفة إليه اعترافاً بالحقوق التي يقررها التشريع الوضعي بصفة عامة.

الشروط العامة لاستعمال الحق

تمهيد : لا يتطلب هذا السبب للإباحة غير التحقق من أن الفعل وسيلة مشروعة لاستعمال حق، ومن ثم كان أول شروطه وجود حق، وإلى جانب ذلك يتعين ثبوت أن الفعل وسيلة مشروعة لاستعماله .

وجود الحق: يراد بالحق - وفقاً لمدلولة القانوني العام - مصلحة يعترف بها القانون ويحميها، فيسمح تبعاً لذلك بكل ما هو ملائم لتحقيقها واستخلاص ما تنطوي عليه من مزايا وليس بشرط أن تكون المصلحة مقررة لمن يستفيد من الإباحة ، فقد تكون مقررة لشخص غيره أو للمجتمع : فحق التأديب ليس مصلحة لمن يباشره، ولكنه مصلحة للأسرة والمجتمع ، وحق الطبيب في العلاج ليس مصلحة له ولكنه مصلحة للمريض والمجتمع .

والتأكد من وجود الحق يقتضي التحقق من إعتراف القانون بالمصلحة وحمايته لها ، وبغير هذا الاعتراف تظل المصلحة عاجزة عن أن تكون سبباً للإباحة : فإذا كان المحجوز عليه غير مدين للحاجز فإن له مصلحة في أن يحرر ماله من الحجز، ولكن هذه المصلحة لا يعترف بها القانون کسبب الإباحة الإعتداء على الحجز وعرقلة إجراءات التنفيذ.

وقد استعملت المادة 60 من قانون العقوبات لفظ « الشريعة » في التعبير عن القانون، ولكن المجمع عليه أن المراد بهذا اللفظ هو مطلق القاعدة القانونية، سواء أكانت مفرغة في نص تشريعي أم لم تكن كذلك، فإن أفرغت في نص فسواء موضعه بين مجموعات القانون؛ وإن لم تكن مفرغة في نص فقد يكون العرف مصدرها، وقد تستخلص من مجموع النصوص التشريعية أو من روح التشريع ومبادئه العامة غير المكتوبة، وغني عن البيان أن قواعد الشريعة الإسلامية - في القدر الذي تعتبر فيه جزءاً من النظام القانوني العام - تعد قانوناً في هذا المعنى وتصلح مصدراً للارتقاء بالمصلحة إلى مرتبة الحق، أما ما جاوز هذا القدر فليس لقواعد الشريعة فيه هذه القوة.

 فمن أمثلة الحقوق التي تقررها نصوص تشريعية حق الدفاع أمام المحاكم الذي تنص عليه المادة 309 من قانون العقوبات ، وتعطي به كل متقاض الحق في أن يوجه إلى خصمه في الدفاع الشفوي أو الكتابي عبارات كان من الجائز أن تعد قذفا أو سباً أو بلاغاً كاذباً، ومن أمثلة الحقوق التي تعترف بها الشريعة الإسلامية حق التأديب للزوج على زوجته الذي يبيح أفعالاً تعد أصلاً من قبيل جرائم الضرب، ومن أمثلة الحقوق التي تستخلص من روح التشريع ومبادئه العامة غير المكتوبة حق الصحافة في نشر الأخبار ونقد التصرفات المتعلقة بأمور تهم جمهور الناس الذي يبيح استعمال عبارات كان من الجائز أن تعد قذفاً ومن أمثلة الحقوق التي ترجع إلى العرف حق التأديب الذي للمخدوم قبل خادمه.

کون الفعل وسيلة مشروعة لاستعمال الحق: يعد الفعل وسيلة مشروعة لاستعمال الحق إذا التزم حدوده وحسنت نية مرتكبه، ويعني ذلك أن هذا الشرط ينطوي في الحقيقة على شرطين .

التزام حدود الحق : لا يعرف القانون حقوقاً مطلقة عن كل قيد ، إذ الحقوق كلها نسبية، ومن ثم كان متعيناً التحقق من دخول الفعل في نطاق الحق محدداً وفقاً لكل ما يتطلبه القانون من شروط .

والحدود التي ترسم نطاق الحق متنوعة بتنوع الحقوق، ولذلك يجب أن يبحث كل حق على حدة، وتستخلص القيود التي ترد عليه ويعين بذلك نطاقه، وليس في الإستطاعة أن نضع قاعدة عامة تخضع لها الحقوق جميعاً، وقد تتعلق هذه القيود بتحديد الشخص الذي يجوز له إستعمال الحق، إذ قد يقرره القانون الشخص بالذات، ولا يقبل من غيره ذلك، فحق تأديب الزوجة لا يقرره القانون إلا لزوجها، فلا يجوز لغيره ولو كان ذا رحم محرم منها أن يحتج به، وحق مباشرة العمل الطبي لا يعترف به القانون إلا لطبيب، فلا يجوز لغيره أن يستعمله، ولو حاز من العلم والخبرة قدراً يفوق ما يتوافر عادة لدى الطبيب، وقد يرخص الشارع لصاحب الحق أن ينقله إلى غيره، وعندئذ يكون للغير الإحتجاج به  وليست الحقوق سواء في ذلك، ومن ثم كان متعيناً بحث كل حق لتحديد ما إذا كان الشارع يجيز نقله أو لا يجيزه : فلا يجوز للزوج أن ينقل إلى غيره حق تأديب زوجته، ولكنا نعتقد أن لولي الصغير أن ينقل إلى المعلم في المدرسة أو المشرف في الحرفة أو المخدوم الحق في تأديبه، وسندنا في ذلك أن القانون يجيز أن تكون الرقابة على القاصر بناء على الإتفاق (المادة 173)، والرقابة والتأديب متلازمان، إذ لا يتصور أن تباشر الرقابة في صورة مجدية دون أن تدعمها سلطة التأديب.

وقد تتعلق قيود الحق بمقدار جسامة الأفعال التي يستعمل بها : فحق التأديب لا يبيح غير الضرب الخفيف وقد ترجع القيود إلى استلزام القانون اتباع إجراءات معينة في إستعماله، فمن يأت الفعل الذي يجرمه القانون أصلاً دون أن يتبع هذه الإجراءات لا يكون له أن يحتج بالحق فالزوج لا يجوز له أن يضرب زوجته تأديباً قبل أن يستنفد وسيلتين للتأديب، هما الوعظ والهجر في المضجع، ويثبت عدم جدواها، ولا يجوز لشخص أن يقيم العدالة لنفسه، فمن كان ذا حق لا يسلم به خصمه تعين عليه أن يلجأ إلى القضاء الإلزام خصمه أن يؤدي له حقه، فإن اعتمد على وسائله الخاصة القهر خصمه لم يكن له أن يحتج بحقه لإباحة فعلها، فالدائن الذي يستولي على مال لمدينه نظير حقه يسأل عن فعله .

ونلاحظ أن ما أشرناً إليه من أنواع القيود على الحق إنما كان على سبيل المثال، ولذلك يتعين أن يفحص كل حق على حدة لتستخلص قيوده ويثبت دخول الفعل في نطاقه .

حسن النية الحقوق جميعاً غاية، أي يقررها القانون الإستهداف أغراض معينة ،ولا يعرف القانون حقوقاً مجردة عن الغاية، أي يستطيع أصحابها مباشرتها دون أن يسألوا عن الهدف الذي يريدونه بها وحسن النية الذي يتطلبه القانون هو استهداف صاحب الحق بفعله ذات الغرض الذي من أجله قرر الحق له، فإذا ثبت أنه يريد به غرضاً سواه، ولو كان غير مرذول فی ذاته، فهو سيء النية، وليس له أن يحتج الإباحة فعله بذلك الحق، إذ لم يكن الفعل مؤدياً وظيفته الاجتماعية التي تحددها غاية الحق فالطبيب يرخص له القانون بمباشرة الأعمال الطبية ابتغاء علاج المريض، فإن استهدف غرضاً آخر كإجراء تجربة علمية ، فليس له أن يحتج بالحق الذي خوله له القانون والغاية التي يستهدفها الحق في التأديب هي التهذيب، فإن ابتغى من له هذا الحق غاية سوى ذلك، كالإكراه على أداء مال أو إشباع شهوة الإنتقام ، ففعله غير مشروع .

وغني عن البيان أن هذا الشرط ذو طبيعة شخصية، إذ يفترض تحديد الباعث إلى الفعل والتحقق من مطابقته لغاية الحق واشتراط حسن النية هو قيد يرد على نطاق الحق، وقد جعلناه شرطاً قائماً بذاته، بالنظر إلى طبيعته الشخصية، وإلى أهميته بين القيود التي ترد على نطاق الحق. (شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:   182)

شروط استعمال الحق:

يتعين حتى يصح الإستناد على ممارسة الحق كسبب للإباحة توافر شرطين هما :

 (1) وجود الحق.

 (2) وأن يكون السلوك بوشر ممارسة لذلك الحق.

أولاً : وجود الحق: 

لا تقتصر الحقوق التي يجوز الإستناد عليها كسبب للإباحة على تلك التي يقررها قانون العقوبات، بل تشمل أيضاً الحقوق التي تقررها فروع القانون الأخرى.

ومثال الحقوق التي يكون مصدرها قانون العقوبات: حق الطعن في أعمال الموظف العام أو ذي الصفة النيابية العامة أو المكلف بالخدمة العامة (المادة 2/302 ومن الحقوق التي يقررها قانون الإجراءات الجنائية: حق الشاهد في الإمتناع عن الشهادة إذا كان المتهم من ذوي قرباه أو إذا تعلقت الشهادة بسر المهنة المادتان 286، 287 إجراءات).

ومن الحقوق التي يقررها القانون المدني : حق المقاصة بين الأمانة وبين ما هو مستحق للأمين قبل صاحب الأمانة.

ومن الحقوق التي تقررها الشريعة الإسلامية : حق التأديب للزوج على زوجته بالضرب الخفيف الذي لا يترك أثراً.

غير أنه يشترط أن يكون الحق مؤكداً، فإذا كان متنازع عليه فلا يجوز لمن يدعيه أن يقرره لنفسه، وإنما عليه أن يسلك الطريق الذي رسمه القانون لتقرير الحقوق وهو الطريق القضائي. وعلى ذلك فالدائن الذي يختلس مالاً مملوكاً للمدين وفاء لدينه يعتبر سارقاً.

ثانياً : مباشرة السلوك في الحدود المقررة للحق :

"لا يكفي وجود الحق حتى يصلح دفعاً كسبب للإباحة، بل يجب أن يمارس السلوك في الحدود المقررة لذلك الحق، ويختلف النطاق الذي يحدد الحق بإختلاف الحقوق، وعلى هذا يتعين الرجوع لكل حق على حدة للتأكد من أن السلوك الذي باشره الشخص يدخل في نطاق حقه، وأياً كانت الحدود الخاصة لكل حق، سواء تعلقت بتحديد الشخص الذي يجوز له استعمال الحق، أو بمقدار جسامة الأفعال التي يستعمل بها، أو بإتباع إجراءات معينة في استعماله، فقد يكون الحق مقرر الشخص بالذات، ولا يقبل من غيره القيام به، فحق تأديب الزوجة لا يقرر إلا للزوج، وقد يحدد الحق بجسامة الأفعال التي يستعمل بها ، فحق التأديب لا يبيح إلا الضرب الخفيف، وقد يشترط في ممارسة الحق اتباع طرق معينة، فحق تأديب الزوجة لا يلجأ إليه إلا بعد استنفاذ وسيلتي الوعظ والهجر في المضجع.

إلا أن هناك حدوداً عامة يتعين مراعاتها عند ممارسة كافة الحقوق، ومن يخرج عليها يصبح شأنه شأن من يخرج على الحدود الخاصة للحق، ويكون حكمه كمن لا يستعمل حقاً.

ويكون السلوك متجاوزاً لحدود الحق إذا لم يقصد به سوى الأضرار بالغير، أو إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب مع ما يصيب الغير من ضرر بسببه، أو إذا كانت المصالح التي يبغي تحقيقهاً غير مشروعة فيكون السلوك غير مشروع إذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير، كالمعلم الذي يضرب تلميذه إنتقاماً من أبيه، والزوج الذي يضرب زوجته بدافع البغض و الكراهية لا رغبة في تأديبها.

كذلك يشترط لإباحة ممارسة الحق أن تكون المصالح التي يرمي صاحب الحق إلى تحقيقها متناسبة مع ما يصيب الغير من ضرر، فإذا كان للإنسان أن يدافع عن ماله ضد السرقة، فشرط ذلك أن تكون المصلحة التي تتحقق بالدفاع متناسبة مع الضرر الذي يحدثه، فالتاجر الذي يمد سلك كهربائية ويخفيه في الجوال الموضوع به البضاعة التي أعتقد أن أحدهم يسرق منها حتى يصعقه التيار الكهربائي عند محاولة السرقة، لا يجوز له أن يحتج بالدفاع الشرعي عن المال، لأن جنحة السرقة لا تبرر الدفاع بالقتل.

كما لا يصح استعمال الحق لتحقيق مصلحة غير مشروعة، فليس للطبيب أن يستعمل حقه في إجراء العمليات الجراحية في إجهاض إمرأة دون ضرورة تدعو لذلك، كما لا يحق له الاحتجاج بحقه في إحراز مواد مخدرة إذا كان الهدف من إحرازها إستعمالها في التعاطي وليس في الأغراض الطبية.

تطبيقات على ممارسة الحق :

حق التأديب:

 إيثار حق التأديب في حالتين :تأديب الزوجة وتأديب الصغار، تأديب الزوجة : للزوج وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية حق تأديب زوجته عند كل معصية لم يرد في شأنها حد مقرر، وهذا الحق مقيد بقيدين، القيد الأول يتعلق بالوسيلة المتبعة في ممارسته، فيجب أن يكون بالضرب الخفيف، وألا يلجأ إليه إلا بعد استنفاذ وسيلتي الوعظ والهجر في المضجع، التزاما بقوله تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا) .

ويتعين ألا يكون الضرب شديداً ولا شائناً، وإذا كان إصلاح حال الزوجة لا يتحقق إلا بضرب شديد أو شائن فلا يجوز مع ذلك اللجوء إليه.

ويتعلق القيد الثاني بالغرض المستهدف من هذا الحق، إذ يجب أن يكون بقصد التأديب وإصلاح حال الزوجة، فإذا كان للإنتقام أو الكيد انتفت الإباحة وظل السلوك غير مشروع.

 تأديب الصغار :

تبيح الشريعة الإسلامية ضرب الصغير للتأديب والتعليم ، فيؤخذ بأحكامها فيما لم يرد بشأنه نص،  وهذا الحق مقرر للأب والوصي والأم ،كما يقرر هذا الحق أيضاً لمن له الولاية على نفس الصغير عند عدم وجود الأب، كالجد والأخ والعم، وينتقل هذا الحق كذلك إلى كل من انتقلت إليه سلطة الرقابة على الصغير بموجب اتفاق أو بحكم الضرورة، فإذا عهد أب إلى أحد جيرانه برعاية ابنه أثناء تغيبه، كان لهذا الجار حق تأديب الإبن بشرط عدم تجاوز حدود حق الأب.

وللمعلم أن يضرب الصغير للتعليم والتأديب بشرط إن الولي أو الوصي، وليس الله أن يضربه بدون إذنهما، وقد يكون الإذن صريحا، وقد يكون ضمنياً مستفاداً من العرف على أن هذا الحق ينتفي إذا كان هناك نص صريح يحظر وسيلة من وسائل التأديب، كما هو الشأن في حظر العقوبات البدنية في معاهد التعليم.

ويعتبر کالمعلم رب الحرفة بالنسبة للصغير الذي يتعلم الحرفة عنده، وحق التأديب مقيد بقيدين: أولهما أن يكون للتأديب أو التعليم، فإن ابتغى به غاية أخرى فلا مجال للإباحة، وثانيهما يتعلق بالوسيلة المستخدمة في ممارسة هذا الحق، فيجب أن يكون الضرب خفيفة وألا يتجاوز الثلاث ضربات، فإن كان فاحشة فهو غير مباح.

ويجوز أن يكون التأديب بتقييد الحرية بشرط ألا يكون فيه تعذيب أو منع من الحركة أو إيلام للبدن.

 حق ممارسة الألعاب الرياضية :

تؤدي بعض الألعاب إلى المساس بجسم المتنافسين، ومن المتفق عليه أن ما يحدث أثناء ممارستها من إصابات لا تعد جرائم ولا تترتب عليها بالتالي مسئولية جنائية على اللاعب الذي يحدثها، ما دام لم يخرج عن حدود اللعبة وقواعدها.

وذهب رأي إلى أن أساس عدم المسئولية يرجع إلى رضاء المجني عليه، غير أن هذا الرأي غير سليم، لأن رضاء المجني عليه ليس سببا عاما للإباحة.

وقيل بأن عدم المسئولية في هذه الحالات مرده إنتفاء القصد الجنائي لدى اللاعب الذي حدثت منه الإصابة، غير أن هذا الرأي أيضاً غير صحيح، لأن القصد الجنائي في جرائم الضرب والجرح يتحقق من تعمد الجاني المساس بالجسد.

والأساس الصحيح لمشروعية سلوك اللاعب ولإنتفاء مسئوليته الجنائية، قائم على إباحة القانون لهذه الألعاب ، فمن يمارسها يستعمل حقا أباحه القانون.

 غير أن الحق مقيد بشروط ثلاثة هي :

(أ) أن تكون اللعبة من الألعاب التي يعترف بها العرف الرياضي ، ولكن ليس بشرط أن تكون للعبة جمعيات أو هيئات منظمة تشرف عليها .

(ب) أن تكون أفعال العنف أو الأفعال التي أفضت إلى المساس بجسم المصاب قد : حدثت أثناء المباراة الرياضية، فإن وقعت قبل بدء المباراة أو بعد إنتهائها فلا إباحة .

(ج) يتعين أن تكون أفعال العنف متفقة مع قواعد اللعبة ومع ما يجري عليه العرف في شأنها، فإن خرج عليها اللاعب متعمداً إزاء منافسه كان مسئولاً عن جريمة عمدية، وإن كان خروجه عليها نتيجة خطأ غير مقصود فهو يعتبر مسؤولاً عن جريمة خطئيه .

حق ممارسة الأعمال الطبية:

تستلزم ممارسة الأعمال الطبية التعرض لأجسام المرض بإجراء عمليات جراحية ،كما قد تستلزم إحراز مواد مخدرة لإستخدامها في العلاج أو في تسكين الآلام.

وهذه الأفعال تدخل بحسب الأصل ضمن جرائم الجرح وإحراز مواد مخدرة.

وقد استقر الفقه والقضاء على إباحة هذه الأفعال، على أساس أن القانون يرخص بمباشرة مهنة الطب، ويقتضي ذلك حتما الإعتراف بحق كل من رخص له بمزاولتها بإتيان مختلف صور السلوك الملائم والضروري للقيام بها.

وكما سبق القول في ممارسة الألعاب الرياضية، فقد استبعدت فكرة إباحة الأعمال الطبية استناداً على رضاء المريض، لأن الرضاء ليس سبباً عاماً من أسباب الإباحة.

كما ثبت عدم صحة الرأي القائل إنتفاء مسئولية الطبيب الجنائية لعدم توافر القصد الجنائي لديه، لأن القصد الجنائي في جرائم المساس بالجسد لا يستلزم غير العلم بأن السلوك يشكل مساسا بجسم المصاب وبإتجاه الإرادة إلى إتيان هذا السلوك، والقصد الجنائي بهذا التصوير يتوافر لدى الطبيب، ومتى كان عمل الطبيب في حدود حقه فإنه يكون مباحاً ولا تترتب عليه مسؤولية جنائية أو مدنية، ويشترط لإباحة ممارسة الأعمال الطبية شروط أربعة هي :

(1) أن يكون من أجراها مرخصاً له بإجرائها.

(ب) أن تكون بقصد العلاج.

(ج) أن يرضى المريض بالعلاج.

(د) ألا يقع من الطبيب إهمال.

 أ- الترخيص بالعلاج :

لا تباح الأعمال الطبية أو الجراحية إلا إذا كان من أجراها مرخصة له بمزاولة مهنة الطب.

وقد يكون الترخيص عامة وقد يكون خاصة بمزاولة أعمال معينة، فطبيب الأسنان لا يجوز له أن يجري عملية لإستئصال المرارة مثلاً.

والعبرة دائمة بأن يكون العمل في حدود ما هو مرخص بإجرائه وإلا كان القائم به مسئولاً طبقاً للقواعد العامة، فضلاً عن مسئوليته بمزاولة مهنة الطب بغير ترخيص أو على وجه مخالف للقانون.

فالقانون يبيح فعل الطبيب بسبب حصوله على إجازة علمية يضمن بموجبهاً أن ما يقوم به من أعمال يطابق الأصول العلمية ويهدف إلى شفاء المريض.

مدى مشروعية جراحة التجميل والإجهاض ونقل الدم ونقل وزرع الأعضاء :

الرأي مستقر الآن على مشروعية عمليات التجميل، فهي وإن لم تحقق علاجاً عضوية فهي لازمة لتحقيق الصحة النفسية للمصاب بالتشويه.

وبالنسبة لعمليات التعقيم والإجهاض فلا يباح للطبيب القيام بها إلا إذا كانت ضرورية لإنقاذ المريض من مرضه أو لوقايته من متاعب صحية قد يتعرض لها، وفي غير هذه الحالات لا يكون مملاً للإباحة.

أما نقل الدم فهو دون شك مشروع لمن ينقل الدم إليه، أما بالنسبة لمن ينقل الدم منه فهو مشروع في حالة رضاه، على أساس أن المساس الذي يحدثه الفعل بسلامة الجسم يعتبر يسيراً و يغلب أن يكون أثره وقتياً يعوض سريعاً، كما أن المصلحة التي تتحقق بإجازة نقل الدم تعلو كثيراً عما قد يتعرض له من نقل الدم منه من ضرر يسير يحدث برضاه، أما في حالة عدم رضائه فإن الفعل لا يعتبر مشروعاً إلا إذا توافرت شروط حالة الضرورة.

ويشار أيضاً موضوع عملیات نقل وزرع الأعضاء، سواء من ميت إلى شخص حي أو من شخص حي إلى شخص أخر. وقد عقدت عدة مؤتمرات دولية لبحث هذا الموضوع وانتهت إلي إباحة نقل الأعضاء من جثة ميت إلي حي بشرط موافقة أهل المتوفي.

وبالنسبة لنقل الأعضاء بين الأحياء فهي مباحة أيضاً بشرط ألا يجرى النقل إلا بقصد العلاج وبموافقة صريحة من المنقول منه الذي يتعين أن يكون متمتعاً بالأهلية الكاملة وعلى أن يسبق الحصول على الموافقة شرح وافٍ من قبل الطبيب عن مخاطر العملية ونتائجها الحالية والمستقبلية، وأن يقتصر النقل على أعضاء الجسم المزدوج مثل الكلى أو العين أما الأعضاء الفردية، وأن يقوم المشرع بتحديد بدل التعويض المناسب لمصلحة المنقول منه لقاء الأضرار المحتملة الناتجة عن العملية حتى لا تنقلب عملية نقل أعضاء الجسم إلى عملية تجارية وتصبح إمتهاناً لكرامة الإنسان.

 ب- قصد العلاج :

يجب أن يهدف الطبيب من عمله علاج المريض، فإذا استهدف الطبيب من عمله غرضاً آخر كان سلوكه غير مشروع ولو قبل المريض تحقيق هذا الغرض أو كان بناءا على طلبه، فقيام الطبيب بعملية جراحية لتغيير ملامح شخص بناءاً على طلبه حتى يصعب تعقبه بعد إرتكابه جريمة يكون إلى جانب جريمة تسهيل الفرار من وجه القضاء المادة 144 عقوبات جريمة جرح عمدي، ويظل السلوك غير مشروع أو عمل الطبيب على سرعة موت المريض لتخليصه من ألام مبرحة أو أجهض امرأة دون أن تستدعي حالتها الصحية ذلك ولو تم بطلب من المرأة تحديداً لنسلها أو أستأصل لها مبيض التناسل بناءاً على طلبها دون أن تستلزم حالتها الصحية إجراء هذه العملية.

ويظل سلوك الطبيب غير مشروع ولو كان هدفه شريفة كإجراء تجربة علمية مثلاً ولو تمت التجربة برضاء المريض، فشرف الباعث لا يمنع من قيام الجريمة وإن كان له أثر في تقدير العقوبة.

 ج- رضاء المريض بالعلاج :

لا يباح العمل الطبي أو الجراحي على أساس رضاء المريض كما سبق القول فأساس الإباحة الإستناد على حق ممارسة المهنة غير أن رضاء المريض أحد الشروط الخاصة لممارسة هذا الحق، ويصدر الرضاء من المريض أو من يمثله وقد يكون صريحة أو ضمنية، وإذا رفض المريض العلاج فليس للطبيب أن يقوم به وإلا كان مسئولاً وفقاً للقواعد العامة.

ومع ذلك يكون عمل الطبيب مشروعاً بالرغم من تخلف رضاء المريض إذا توافرت شروط حالة الضرورة بأن يكون هناك خطر جسيم حال يهدد المريض ويقتضي السرعة في العلاج ولم يستطع المريض أن يعبر عن رضاه ولم يكن هناك من يرضى بدلاً عنه.

ويكون عمل الطبيب مشروعاً أيضاً بالرغم من تخلف رضاء المريض بل وبالرغم من عدم موافقته ليس على أساس ممارسة الحق بل استناداً علي أداء الواجب - أي ممارسة السلطة - كما يحدث في حالة إنتشار الأوبئة.

 د-  وقوع إهمال من الطبيب :

إذا حصل الطبيب على رضاء المريض وقصد علاجه حق له القيام بأعمال التطبيب والجراحة ويكون في حدود حقه ولو لم يتحقق شفاء المريض، على أنه يكون مسئولاً عن جريمة غير عمدية إذا شاب عمله خطأ كأن يجري عملية جراحية بأدوات غير معقمة أو يجريها وهو في حالة سكر أو يترك بعض الأدوات الجراحية في جسم المريض.

كما يكون الطبيب مخطئاً إذا لم يتفق سلوكه مع الأصول العلمية المقررة وهي الأصول التي يتفق عليها الأطباء ويعتبرون الخروج عليها أو تجاهلها خطأ من ذلك ضرورة فحص الدم إكلينيكياً قبل القيام بعملية نقل دم للمريض أو الإستعانة بأخصائي في التخدير عند إجراء العملية الجراحية.

على أنه لما كانت الأعمال الطبية في تطور مستمر لذلك لا يجوز إلزام الطبيب بإتباع نظرية طبية معينة حتى ولو كانت هي السائدة وإلا حال هذا دون تقدم الطب وتطوره، ولذلك فلا تثريب على الطبيب إذا استند في علاجه على رأي علمي ولو كان مرجوحاً طالما كان مؤمنا به كما لا يكون مخطئاً إذا طبق وسيلة علاج جديدة كان مقتنعاً بجدواها وكان هدفه منها شفاء المريض لا مجرد تجربتها.

(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 667 )

إن الإباحة استعمالاً للحق تجد تبريرها في المفاضلة بين المصالح المتعارضة، فحينما تمنح قاعدة قانونية معينة للفرد حقاً معيناً فمعنى ذلك أن القانون قد أعطى أفضلية للمصالح التي من أجلها منح الحق على المصالح الأخرى التي تضار نتيجة ممارسة هذا الحق، فمما لا شك فيه أن الحقوق المقررة قانوناً إنما تمنح للأفراد تحقيقاً لمصالح معينه، ولذلك يقرر لها حماية قانونية، ولما كانت ممارسة الحق قد تضر بآخرين فقد أعطي القانون لمصلحة أصحاب الحق أولوية على المصالح الأخرى، طالما كان إستخدام الحق في إطار الشروط الموضوعة له قانوناً .

مصدر الحق :

تطلب القانون في المادة 60 منه أن يكون الحق مقرراً بمقتضى الشريعة ولذلك فأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا الصدد هو ما تقرره الشريعة الإسلامية من حقوق شخصية كما هو الشأن في حق تأديب الولي للقاصر وتأديب الزوج لزوجته.

غير أن المصدر الحق كسبب للإباحة لا يقف عند حد الحقوق المقررة بمقتضى الشريعة، بل يمتد إلى كل حق مقرر بمقتضى قاعدة قانونية تدخل في تكوين النظام القانوني العام، ولذلك لا يلزم أن تكون القاعدة مصدر الحق قد نص عليها في قانون العقوبات بل تشمل أيضاً القواعد المنصوص عليها في أي فروع القانون العام والخاص، إذ يكفي في هذا الصدد أن تكون القاعدة معترفاً بها من النظام القانوني للدولة بوصفها مصدراً للحقوق وذلك فان القاعدة العرفية في الأحوال التي يتعرف فيها بقيمتها القانونية تعتبر مصدراً للحق الذي يبيح الإضرار بالمصالح المحمية جنائياً .

 شروط استعمال الحق كسبب للإباحة : 

لا يكفي لإعتبار استعمال الحق سبباً للإباحة أن توجد قاعدة قانونية  تقرر الحق ، وإنما يلزم لذلك توافر الشروط الآتية :

 1- أن يتواجد الحق قانوناً لمن يمارسه.

ويتوافر هذا الشرط متى يتحقق فيمن يستعمل الحق الشروط القانونية التي وتطلبها القاعدة القانونية في صاحب الحق، ومتى ثبت ذلك أعملت الإباحة أثارها ولو كان الحق الثابت للشخص محل نزاع أو مطالبة قضائية من قبل الغير، ولكن لا يجوز للغير الذي يدعى الحق أن يستعمله جبراً وإنما عليه الإلتجاء إلى القضاء لإستيفاء حقه، فإن استعمال الحق جبراً عن صاحبه لا يستفيد من سبب الإباحة المتمثل في استعمال الحق.

2- أن يكون استعمال الحق في نطاق الحدود التي رسمتها القاعدة القانونية لممارسة الحق، فإذا خالف الشخص تلك الحدود كنا في نطاق التجاوز في إستعمال الحق  وبالتالي يتصف الفعل بعدم المشروعية.

ويرجع إلى القاعدة التي تقرر حقاً لمعرفة الحدود التي تطلبها لممارسة الحق قانوناً .

3 - حسن النية.

عبر المشرع عن هذا الشرط بقوله «كل من أرتكب بنية سليمة» ويقصد بذلك أن يكون استعمال الحق يتفق والغاية التي من أجلها تقرر لصاحبه، فلا يكفي لمشروعية الفعل المرتکب استعمالاً للحق أن يكون صاحبه قد التزم بالحدود الموضوعية المنصوص عليها قانوناً، وإنما يلزم أن يكون ممارسته الحق قد روعي فيها الجانب النفسي المتمثل في تحقيق المصالح التي تقرر الحق من أجلها، وبعبارة أخرى يلزم أن تكون القاعدة القانونية مصدر الحق تسمح، ولو ضمناً، بممارسته عن طريق السلوك المتحقق والذي يعتبر غير مشروع من الناحية الجنائية لولا إستعمال الحق.

فإذا انتفت النية السليمة على حد تعبير المشرع کنا في نطاق التعسف في إستعمال الحق والذي ينفي عن الفعل الصفة المشروعة ليندرج تحت نطاق عدم المشروعية، فالزوج الذي يعتدي على زوجته ليس بقصد التأديب وإنما بهدف التنكيل أو الإيذاء لا يستطيع أن يحتج بسبب الإباحة، كذلك الطبيب الذي يمارس جراحة ليس بقصد العلاج وإنما بهدف تشويه المريض الضغينة بينهما يرتكب فعلا غير مشروع يستوجب العقاب إذا اكتملت شرائطه .

الإنابة في استعمال الحق :

يجيز القانون المدني الإنابة في استعمال الحق بمقتضى قانون أو اتفاق طالما أن طبيعة الحق لا تتعارض وتلك الإنابة. ولذلك يتحقق سبب الإباحة ولو كان الذي مارس الحق ليس هو صاحبة الأصيل وإنما نائبة بمقتضى .

نص أو إتفاق ، واستعمال الحق في هذه الفروض يبيح الفعل وينفي عنه الصفة غير المشروعة، وعليه فإن الوكيل في ممارسة الحق في الدفاع المحاكم له أن ينسب إلى الخصم وقائع تشكل في مادياتها قذفاً أو سباً ويستفيد بسبب الإباحية المقرر لموكله عن النتائج عن حقه في الدفاع.

والإنابة كما قد تكون في الحقوق المالية تكون أيضاً في غير ذلك من الحقوق، ولذلك استقر الفقه والقضاء على مشروعية أفعال التأديب التي يرتكبها صاحب الحرفة على الصغار الذين يتعلمون لدية، وأيضاً أفعال التأديب التي يمارسها المعلم على التلاميذ طالما كانت في الحدود المقررة قانوناً، وعموماً فان من ينتقل إليه واجب الإشراف والرقابة على الصغار سواء بمقتضى نص أو اتفاق يجوز له ممارسة أفعال التأديب التي يملكها صاحب الحق فيها، فإذا كان الحق بطبيعته غير قابل للإنابة وقع الفعل غير مشروع، فمثلاً لا يجوز الإنابة في تأديب الزوجة، إذ أن هذا الحق يثبت للزوج على زوجته ولا ينتقل إلى غيره بإرادة صاحبه.

وإذا كان القانون المدني يجيز الفضالة في استعمال الحقوق، فإن الفضولي يرتكب فعلاً مشروعاً من الناحية الجنائية مادام جائزاً استعماله وفق قواعد الفضالة، وعليه، فإذا جاز بيع المال المودع خوفاً من تلفه وهلاكه دون أن يرتكب المودع لديه جريمة التبديد، فلا تجوز الفضالة في إستعمال حق التأديب مثلاً.

أهم تطبيقات استعمال الحق

أولاً - حق التأديب :

حق التأديب هو من الحقوق المقررة بمقتضى الشريعة الإسلامية وهو يشمل حق تأديب الزوج لزوجته وتأديب الصغار.

1- حق تأديب الزوج زوجته :

تقرر الشريعة الإسلامية للزوج حق تأديب زوجته إذا ارتكبت معصية لم يرد في شأنها حد مقرر، غير أن تأديب الزوج لا يبيح الفعل إلا بالقيود التي تنص عليها الشريعة في هذا الصدد، فلا يجوز له أن يلجأ إلى الضرب إلا بعد استنفاد وسيلة الوعظ ووسيلة الهجر في المضجع، والضرب المباح شرعاً هو الضرب غير المبرح والذي لا يترك أثراً فإذا خالف الزوج تلك القواعد اندرج فعله تحت نطاق التجريم إذ يكون متجاوزاً لحدود الحق، فإذا كان تجاوزه عمداً كانت الجريمة عمدية أو متجاوز القصد بحسب الأحوال، فضرب الزوج زوجته على رأسها مما سبب لها الوفاة يعتبر ضرباً مفضياً إلى موت، وإن كان التجاوز بحسن نية ونتيجة خطأ في توجيه الفعل كنا بصدد جريمة غير عمدية، فإذا شرع الزوج في ضرب زوجته بما لا يخالف قواعد التأديب ولكن الضربة أصابتها في عينها فأحدثت لها عاهة نتيجة إهمال الزوج وعدم اتخاذ الحيطة اللازمة في توجيه ضرباته كنا بصدد جريمة غير عمدية وليست جريمة ضرب أفضى إلى عاهة.

وغني عن البيان أن فعل التأديب لابد له من عنصر نفسي يتمثل في قصد مرتكبه في التأديب والتهذيب، فإذا بوشر الفعل بنية التشفي أو الإنتفاع كنا خارج نطاق الإباحة في محيط الفعل غير المشروع.

ولا تجوز الإنابة أو الفضالة في استعمال حق تأديب الزوج زوجته نظراً لأن طبيعة الحق تحول دون ذلك.

2- تأديب الصغار :

تجيز الشريعة الإسلامية للولي الشرعي والوصي والأم تأديب الصغير بوسيلة الضرب، كما تجيز أيضا ضرب الصغير من هؤلاء للتعليم، غير أنها تشترط لذلك أن يكون الضرب باليد وليس بإستخدام العصا والسوط، ويجب إلا يتجاوز الإيذاء الخفيف الذي لا يترك أثرا في الجسم، وألا يتجاوز الضرب ثلاث ضربات.

ويجوز أن يكون التأديب بغير وسيلة الضرب كالتوبيخ الذي قد يتضمن سباً أو قذفاً، وتقييد الحرية، غير أن ذلك كله مشروط بالنية الخاصة وهي قصد التأديب فإذا انتفي ذلك القصد لم تكن في نطاق الإباحة وإنما في مجال الفعل غير المشروع.

ويجوز لمن انتقل إليه واجب الإشراف والرقابة بمقتضى نص أو إتفاق ممارسة حق الولي في التأديب، ولذلك يجيز فقهاء الشريعة للمعلم أن يضرب الصغير للتأديب والتعليم بإذن ولي النفس الصريح أو الضمني، ويتحدد حق المعلم في التأديب بذات الحقوق المقررة لولي النفس، وقد ذهب بعض الفقه إلى أنه لا يكون للمعلم حق التأديب بوسيلة منعها المشرع بنص صريح ولو كانت جائزة بالنسبة للأب أو الوصي، فمثلاً الضرب للتأديب تمنعه القواعد المنظمة للمعاهد التعليمية وان كان جائزاً للولي الوصي.

غير أننا نرى خلاف ذلك إذا كان صاحب الحق في التأديب قد أناب المعلم في إستعمال حقه بالنسبة للصغير تطبيقاً لقواعد الإجابة في إستعمال الحق، كذلك يجوز للمخدوم أن يؤدب خادمه الصغير إذا كانت هناك أنباء صريحة من ولي النفس، ويسري على أرباب الحرف ما يسري على المعلم لتأديب الصغار الذين يتدربون على أيديهم.

شروط الإباحة :

 يشترط لإباحة أعمال التطبيب الشروط الآتية  :

1- الترخيص بمزاولة مهنة الطب :

يلزم للإباحة أن يكون مرتكب الفعل مرخصاً له قانوناً بمزاولة مهنة الطب، ويصدر هذا الترخيص بالتطبيق للقوانين المنظمة لمزاولة تلك المهنة، فإذا لم يكن هناك ترخيص بمزاولة المهنة فان جميع الأفعال المرتكبة تعتبر غير مشروعة حتى ولو ترتب عليها الشفاء الفعلي للمريض، وتكون المسئولية عنها عمدية أو متجاوزة القصد بحسب الأحوال، فالتومرجي الذي يقوم بأعمال العلاج أو يجري عملية جراحية يرتكب جريمة جرح عمدي، فإذا ترتب على ذلك الوفاة كان مسؤولاً عن جريمة جرح أفضي إلى موت، والترخيص القانوني ضروري للإباحه حتى ولو كان الجاني حاصلاً على بكالوريوس الطب والجراحة، طالما لم يكن مرخصاً له بمزاولة مهنة الطب، ومن ناحية أخري قد يسمح القانون لغير الأطباء بمزاولة بعض الأعمال المتعلقة بالطب، كما هو الشأن بالنسبة للحكيمات والممرضين، ولذلك فان الإباحة تنصرف فقط إلى الأعمال المصرح بالقيام بها.

والأعمال الطبية تشمل جميع حالات التدخل الطبي لتحسين الحالة الصحية للمريض أو عضو  من أعضائه، ولذلك فهي تشمل أعمال الجراحة وأيضاً طب التجميل، كما تشمل أيضاً جميع الأعمال الأخرى اللازمة لمزاولة المهنة كحيازة المواد المخدرة التي يتطلبها العلاج أو التدخل الجراحي والإباحة تحدث أثرها بالنسبة لجميع تلك الأفعال.

2 - رضاء المريض:

من شروط إباحة التدخل الطبي أن يكون هناك رضاء للمريض بذلك التدخل، وقد يكون هذا الرضاء صريحاً كما قد يستفاد ضمناً من ظروف الحال، فإذا كان المريض غير أهل للرضاء أو في ظروف صحية لا تسمح له بالتعبير عن أرادته ينبغي رضا وليه أو المكلف قانوناً بالإشراف والرقابة عليه.

غير أنه يستغني عن رضاء المريض في حالتين: الأولى إذا كان هناك خطر جسيم يهدده ولم تكن الظروف تسمح بأخذ رضائه أو إرضاء وليه أو أنه رفض صراحة التدخل الطبي، وفي هذه الحالة يتوافر في حق الطبيب حالة الضرورة والتي هي مانع من موانع المسئولية، ولا يتوافر سبب الإباحة الذي نحن بصدده، والثانية إذا كان التدخل الطبي ليس استعمالاً الحق في التطبيب وإنما أداء الواجب المفروض بمقتضى قاعدة قانونية، كما يحدث في حالات تكليف الأطباء في ظروف الأوبئة أو الأخطار العامة، وفي هذه الحالة يكون فعل الطبيب مباحاً استناداً إلى سبب آخر من أسباب الإباحة وهو أداء الواجب.

3-  قصد العلاج : يلزم أن يكون التدخل الطبي هو بقصد العلاج، ذلك أن الحق في مزاولة مهنة الطب إنما تقرر لمصلحة معينة وهو العمل على تحسين الظروف الصحية للمرضي، وهذا الشرط يعبر عن حسن النية أو النية السليمة التي تطلبها المشرع في إستعمال الحق كسبب للإباحة، ويترتب على انتفاء قصد العلاج أن يكون الفعل المرتكب غير مشروع حتى ولو ترتب عليه شفاء المريض بالرغم من سوء القصد، ومعنى ذلك أن إرتكاب الفعل بنية أخري خلاف العلاج ينفي عن الفعل كونه إستعمالاً للحق ليدخل في نطاق التجريم والجريمة المرتكبة في هذه الحالة تعتبر جريمة عمدية أو متجاوزة القصد بحسب الأحوال، ويستوي بعد ذلك أن تكون النية شريفة أو غير شريفة، كما يستوي أن يكون التدخل يحقق صالحاً خاصاً للمريض من عدمه.

فبتر عضو من الأعضاء لتسهيل التهرب من الخدمة العسكرية يعتبر فعلاً غير مشروع ولا يستفيد مرتكبه من سبب الإباحة، وكذلك الحال بالنسبة للتدخل الطبي لتمكين المريض من تناول مواد مخدرة، أو لإجراء بحث عملي، وقد يستفاد قصد العلاج من كون حالة المريض تتطلب التدخل الطبي الذي تحقق فعلاً، وأن تكون الأفعال المرتكبة من شأنها أن تؤدي إلى تحسين الحالة الصحية للمريض، ومع ذلك ينتفي قصد العلاج بالرغم من أن حالة المريض تستدعي التدخل الطبي بمثل الأفعال المرتكبة إلا أن ظروف الحال تنطق بأن التدخل الطبي لم يكن بهدف العلاج وإنما بقصد آخر، ولذلك فإن قيمة القرينة السابقة هي في نقل عبء الإثبات.

4- أن تراعى جميع القواعد الطبية اللازمة لمزاولة العمل الطبي :

يجب التحقق سبب الإباحة أن يكون الطبيب قد راعى جميع القواعد والواجبات المفروضة وفقاً للأصول الطبية، ويقصد بذلك القواعد التي تفرض الانتباه والحيطة والحذر وأيضاً الواجبات التي تفرضها طبيعة الأعمال الطبية، ومثال ذلك تعقيم الأدوات المستخدمة ومتابعة المريض بعد إجراء العملية وغير ذلك من قواعد السلوك الواجب، فإذا أهمل الطبيب في مراعاة تلك القواعد وترتب على ذلك تسوي حالة المريض أو وفاته كان الطبيب مسئولاً عن جريمة غير عمدية.

 ثالثاً: مزاولة الألعاب الرياضية :

أن ممارسة الألعاب الرياضية وخاصة العنيفة منها، أي التي تتطلب استخدام القوة العضلية ضد الأشخاص، كثيراً ما تكون أفعالاً تتطابق مع النماذج التشريعية للضرب والجرح، بل أن هذه الممارسة قد تؤدي في بعض الأحيان إلى الوفاة.

ولا شك في أنه إذا كانت أفعال الضرب أو الجرح أو الوفاة قد حدثت بالمخالفة للقواعد التي تمليها اللعبة ذاتها فإن المسئولية الجنائية للاعب تكون ثابتة سواء في صورتها العمدية، إذا كان اللاعب تعمد إحداث الإصابة أو الوفاة أو في صورتها غير العمدية إذا كانت إرادته لم تتجه إلى الإصابة أو الوفاة.

أما إذا كانت قواعد اللعبة قد روعيت من قبل اللاعب ومع ذلك ترتب عليها الإصابة أو الوفاة فان الفعل يكون مشروعاً وتنتفي عنه صفة عدم المشروعية الجنائية، وأساس الإباحة في هذه الحالة وهو أن النشاط الرياضي مسموح به من الدولة التي تشجع عليه الإعتبارات تتعلق بالمصلحة الصحية للمواطنين، وبالتالي فإن مزاولة الألعاب الرياضية تعتبر استعمالا للحق الذي تقرره القواعد القانونية للناشط الرياضي في الدولة.

 وشروط الإباحة هي :

1- أن تكون اللعبة يعترف بها النظام القانوني للأنشطة الرياضية المسموح بها، ذلك أن الإعتراف باللعبة يتضمن وضع قواعد ممارستها والأصول الواجب إتباعها من قبل لاعبيها، ولذلك إذا لم تكن اللعبة مسموحاً بممارستها من قبل القوانين المنظمة للرياضة فلا يستفيد ممارستها من سبب الإباحة حتى ولو كان العرف المحلي يسمح بها.

2- أن تكون ممارسة اللعبة في الأمكنة المخصصة لمزاولتها ووفقاً للنظام الذي تفرضه القواعد المنظمة للعبة، ولذلك فممارسة العاب كرة القدم بالطريق العام لا تنتج أثرها في الإباحة وهذا الشرط تطلبه مقتضيات إشراف الدولة وأجهزتها المختصة على ممارسة الألعاب الرياضية.

 3- أن تكون الإصابة والوفاة قد حدثت أثناء الفترة المحددة لممارسة اللعبة.

فإذا اعتدى لاعب على زميله قبل بداية المباراة أو بعدها أو أثناء توقف اللعبة لسبب معين، فإننا نكون في نطاق الفعل غير المشروع ولسنا في مجال الإباحة.

4- أن يكون اللاعب قد راعى جميع القواعد والأحكام الخاصة بممارسة اللعبة، فإذا حدثت الإصابة نتيجة مخالفة تلك القواعد كانت مسئولية اللاعب عمدية أو غير عمدية أو متجاوزة القصد بحسب الأحوال.

متى توافرت الشروط السابقة كان الفعل مشروعاً لعدم تعارضه للمصالح المحمية جنائياً، ذلك أن المشرع قد أباح في هذه الحالة الإضرار بالمصالح المحمية بغية تحقيق مصلحة عامة أكبر وهي تحسين الصحة العامة للمواطنين.

 رابعاً- إباحة القذف وما في حكمه في أحوال خاصة :

 ويندرج تحت ذلك الفروض الآتية :

1 - النشاط الصحفي : كثيراً ما تتضمن الصحافة المساس بشرف أو إعتبار آخرين وذلك بمناسبة نشر الأخبار والحوادث المختلفة، ولا شك أن هذه الأفعال تتطابق مادياً وجرائم القذف والسب، غير أن عدم المشروعية تنتفي عن تلك الأفعال بإعتبار أنها تمارس استناداً إلى مبدأ حرية الصحافة الذي يقره نظامناً القانوني العام، غير أن شرط ذلك هو ألا يكون النشر بقصد الإساءة وإلا تخلف شرط حسن النية المتطلب في استعمال الحق، كما يشترط ألا يكون النشر بطريقة مهينة في حد ذاتها لشرف أو إعتبار الأفراد .

 2- القذف في حق ذوي الصفة العامة :

أجازت المادة 302/ 2 عقوبات الطعن في أعمال الموظفين العموميين أو الأشخاص ذوي الصفة النيابية العامة أو المكلفين بخدمة عامة، متى حصل ذلك بسلامة نية وكان لا يتعدى أعمال الوظيفة أو النيابة أو الخدمة العامة، وبشرط إثبات حقيقة كل فعل أسند إليه.

ومعنى ذلك أن القذف في حق ذي الصفة العامة مباح بالشروط المنصوص عليها، ويقصد بالقذف إسناد أمور لو كانت صادقة لأوجبت عقاب من أسندت إليه بالعقوبات المقررة قانونا أو أوجبت احتقاره عند أهل وطنه، وبشرط أن يتم ذلك بوسيلة من وسائل العلانية المنصوص عليها في المادة 171 عقوبات.

ويشترط للإباحة :

(أ) أن يكون المقذوف في حقه توافرت فيه صفة من الصفات المنصوص عليها وهي الموظف العام والصفة النيابية العامة، وصفة الخدمة العامة.

(ب) أن ينصب القذف على أعمال تتعلق بالوظيفة أو الخدمة العامة أو النشاط النيابي.

(ج) حسن النية أي أن يكون القصد من القذف هو إظهار الحقيقة التي تهم المصلحة العامة.

(د) أن يثبت القاذف حقيقة الأفعال المنسوبة إلى المقذوف في حقه، فإذا عجز عن هذا الإثبات استوجب العقوبة لجريمة القذف.

ويلاحظ أنه خلاف القذف في حق ذوي الصفة العامة فإن إثبات حقيقة الفعل المسند إلى المقذوف لا قيمة له قانوناً ولا ينفي عن الفعل الصفة غير المشروعة.

3- إباحة القذف والسب استعمالا لحق الدفاع أمام المحاكم :

أن حق الدفاع أمام المحاكم يتطلب نسبة وقائع أو أوصاف من الخصوم لبعضهم البعض كوسيلة للدفاع عن دعواهم، وقد قدر المشرع أن الإضرار بشرف واعتبار الخصوم في سبيل الدفاع أمام المحاكم هو أمر لا يتعارض والحماية الجنائية لمثل تلك المصالح، فالمصلحة العامة للعدالة والوصول إلى الحقيقة هي أولى بالتفضيل من المصلحة الخاصة للخصوم في الحفاظ على شرفهم واعتبارهم، لذلك نصت المادة 309 على أنه لا تسري أحكام المواد 302 ،303، 305، 306 308، على ما يسنده أحد الأخصام لخصمه في الدفاع الشفوي أو الكتابي أمام المحاكم فان ذلك لا يترتب عليه المقاضاة المدنية أو المحاكمة التأديبية.

ومفاد ما سبق أن الفعل المتضمن سباً أو قذفاً من خصم لاخر يعتبر مشروعاً من الناحية الجنائية غير أن ذلك مشروط بالأتي :

(أ) أن يكون كل من المعتدي والمعتدى عليه له صفة الخصم في الدعوى.

(ب) أن تكون الدعوى قد رفعت فعلاً إلى المحكمة.

(ج) أن تكون العبارات المستخدمة لازمة للدفاع.

ومتى توافرت الشروط السابقة كان الفعل مشروعاً جنائياً ويستوي بعد ذلك أن يكون قد ارتكب شفاهة أم كتابة.

 خامساً - الحماية اللازمة لحق الملكية :

إن حق الملكية يجيز لصاحبه أن يستخدم الوسائل التي يراها كفيلة بحمايته، ولذلك قد يلجأ صاحب الحق إلى استخدام وسائل تضر بالغير الذي يحاول الإعتداء على ذلك الحق، ومثال ذلك قيام المالك بكهربة باب المنزل أثناء غيابه أو أن يضع قطعاً زجاجية مدببة على سور حديقته بحيث تصيب بالأذى كل من يحاول الدخول إلى المنزل أو إرتقاء السور، ولا جدال في مشروعية تلك الأفعال بإعتبارها من لوازم الملكية.

غير أن مشروعية أفعال الحماية السابقة مشروطة بالشروط الآتية :

الأول : ألا تكون الوسائل المستخدمة بالشكل الذي يصيب الغير من غير ضرورة أو موجب للحماية.

الثاني : أن تكون الأضرار الناشئة عنها تتناسب وقيمة الحق محل الحماية، فإذا تصورنا أن كهربة خزينة بنك من البنوك تتناسب والأموال محل الحماية، فإن كهربة حظيرة صغيرة للدواجن لا يتحقق فيها التناسب.

الثالث: أن تكون الأضرار التي يمكن أن تنشأ عن الوسائل المستخدمة متناسبة مع جسامة الإعتداء، ولذلك فإن الكهربة بالدرجة التي تصعق من يحاول سرقة منقولات المنزل لا تتناسب مع جسامة الاعتداء على حق الملكية، وبالتالي يعتبر متجاوزاً في استعمال الحق ويطبق في شأنه القواعد الخاصة بالتجاوز في الإباحة.

(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة : 216)

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة (30 ) .

 أسباب الإباحة 

(مادة 14) 

لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا لحق مقرر بمقتضى الشريعة أو القانون، وذلك بشرط التزام حدود الحق . 

أسباب الإباحة 

المواد من (14) إلى (16)): 

عالجت هذه النصوص أسباب إباحة الجرائم، والأصل في الشريعة الإسلامية أن الأفعال المحرمة محظورة على الكافة، ما لم تقتض ظروف الأفراد إباحتها، وذلك باعتبار أن هؤلاء الذين تباح لهم الأفعال المحرمة يأتونها في الواقع لتحقيق غرض أو أكثر من أغراض الشارع تقتضيها طبيعة الأشياء، وصالح الجماعة، وصالح الأفراد، وتحقيق غايات الشارع وقد وضع الفقه الإسلامي الضوابط والشروط التي تؤدي إلى إباحة الفعل المحظور. 

وقد بينت المادة الرابعة عشرة أول سبب من أسباب الإباحة، وهو استعمال الحق. فنصت على أنه لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشريعة أو القانون، وذلك بشرط التزام حدود الحق ومن تطبيقات ذلك: حق التأديب المقرر في الشريعة الإسلامية، والحق في ممارسة مهنة الطب وبالنسبة إلى هذا الحق الأخير، فإن الشريعة الإسلامية لا تقتصر على جعل ممارسة الطب حقا، بل تعتبره واجباً يتعين على شخص بذاته أداؤه في بعض الحالات. 

وبالنسبة لحق التأديب سواء كان للأب على ابنه، أو المعلم على المتعلم، أو الزوج على الزوجة، فإن سبب الإباحة قد تأسس على نصوص الكتاب الكريم (مثل حق الزوج أو على السنة النبوية. 

وقد أوضحت السنة النبوية حدود هذا الحق بحيث لا يخلف استعمال الحق إصابة، أو يمتهن الكرامة الإنسانية، وهو أمر مفصل في كتب الفقه، وكذلك في سائر الصور التي تبيح حق التأديب، وجدير بالذكر أن ضوابط استعمال هذا الحق في الشرع الإسلامي يتفق معها ما استقر عليه التطبيق القضائي في مصر منذ زمن بعيد. 

وقد عني النص باشتراط التزام حدود الحق، حتى تتوافر الإباحة. وغني عن البيان أن حسن النية هو من حدود الحق، ولا حاجة للنص عليه صراحة. 

ونصت المادة الخامسة عشرة على أداء الواجب كسبب للإباحة فالواجبات توضع لصالح الجماعة فإذا أدى الموظف واجبه، كان عمله مباحا، فالقتل مثلا محرم على الكافة ولكنه مباح إذا كان عقوبة؛ لأن العقوبة ليست عدواناً، ومن الواجب تنفيذها، وقد تناول الفقهاء المسلمون إباحة القتل إذا كان الفاعل يقوم بتنفيذ حد من حدود الله أو القصاص من شخص حكم عليه بهذه العقوبة. 

ويستوي في هذا الشأن أن يكون مصدر الواجب هو نص القانون، أو أمر رئيس يوجب القانون طاعته. وللرؤساء على الأفراد حق الطاعة، فقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ). إلا أن واجب الطاعة مقيد غير مطلق، فليس لأمر أن يأمر بما يخالف القانون، وليس لمأمور أن يطيع فيها يخالف القانون، سواء كان موظفا أو غير موظف. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من أمركم من الولاة بغير طاعة الله فلا تطيعوه»، والآية الكريمة والأحاديث الشريفة الواردة في هذا الشأن واضحة في اشتراط أن تكون الطاعة في أمر لا يعد إتيانه جريمة. 

وقد عني النص بتعليق الإباحة على التزام حدود الواجب أو الأمر، فإذا خرج عن هذه الحدود ظل الفعل تحت طائلة التجريم وفي هذه الحالة يتوقف تحديد مسئولية الجاني على مدى توافر القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي لديه ويعالج الفقه الإسلامي حالة تجاوز حدود الأمر، فيخرج الأمر عن دائرة المشروعية، ويقع في دائرة التجريم، والفروع التي أوردها الفقهاء تفسح مجالاً للتخفيف من المسئولية بإعتبار توفر حسن النية عند من يجاوز حدود الأمر دون قصد العدوان. 

ونصت المادة السادسة عشرة على حق الدفاع الشرعي کسبب من أسباب الإباحة، ولا خلاف بين الفقهاء المسلمين على أن الدفاع الشرعي، ويسمونه إصطلاحاً : (دفع الصائل) شرع ليحمي الإنسان نفسه أو غيره من الاعتداء على النفس والعرض والمال وقد أباح الشرع التوقي من كل مؤذ، سواء كان آدماً أو غيره، وبناء على ذلك يجوز دفع كل صائل من آدمي أو بهيمة على نفس أو عرض أو مال، فإن لم يندفع إلا بالقتل فقتله الحصول عليه فلا ضان، وهذا قول مالك والشافعي وأحمد، وصرح الفقهاء بأنه يجوز قتل الباغي دفعاً لا قصداً ، وهناك من الأدلة الشرعية ما يفيد أن الفعل يكون مباحاً ، وينتفي عنه وصف الجريمة، ويدخل في دائرة المشروعية في هذه الحالات. 

 والأصل في الدفاع الشرعي قوله تعالى: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) ، وروى عبد الله بن عمرو عن رسول الله قال: «من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد». 

وقوله صلى الله عليه وسلم " للرجل: «قاتل دون أهلك». وقد جاء في حاشية الدسوقي (جـ (4) - ص (349)): «أن المقاتلة واجبة على من يتعرض له المحارب، إذا خاف على نفسه أو أهله القتل أو الجرح أو الفاحشة بأهله، ولا فائدة لقتاله إلا قتله، كما ورد أن المرأة إذا أرادها رجل عنوة فقتلته لتحصن نفسها، فلا شيء عليها ودمه هدر». (المغني لابن قدامة، ج (7)). 

وروى أبو هريرة عن رسول الله أنه قال: «لو أن أمرءاً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح»، وكما أقرت الشريعة الدفاع الشرعي لرد اعتداء الإنسان عن نفس المدافع أو عرضه أو ماله، كذلك أقرته لدفع الاعتداء عن نفس الغير أو عرضه أو ماله، وللدفاع الشرعي شروط لابد من توافرها حتى يظل في منطقة الإباحة، وهي أن يكون هناك خطر حال يعد جريمة ضد النفس أو العرض أو المال، ولو تعلق ذلك بالغير، وأن يتعذر الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب، وأن يكون ارتكاب الجريمة هو الوسيلة الوحيدة للدفاع، وأن تكون هذه الجريمة متناسبة مع الاعتداء، بحيث تكون هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لشخص معتاد في مثل الظروف التي أحاطت بالمدافع. 

وقد وضع الفقهاء المسلمون ضوابط استعمال حق الدفاع الشرعي ودفع الصائل: فيجب أن يكون الاعتداء جسيماً وحالاً ، مثل شهر سيف على المسلمين (ابن عابدين، ج(5) ص (362))، وصرح بعض الفقهاء بأنه يتعين الكف عن المهاجم عند إدباره (شرائع الإسلام ج (2) ص (262))، وكذلك لو ضربه فعطله لا يثني عليه وإلا ضمن، وينبغي أن يكون الاعتداء حقيقيا، فلا يقتل من دخل عليه بيته لاجئاً إليه وليس مكابراً له (المبسوط، ج (29) ص (72))، ولا يجوز القتل دفاعاً إذا قدر الحصول عليه على النجاة بنفسه وأهله وماله بلا مشقة أو مضرة، وإمكان الاستغاثة بالناس لها وزنها في تقدير ما يلزم لرد العدوان، ومن ذلك أيضاً اختلاف الزمان والمكان (بدائع الصنائع جـ (9)) ولا تكاد هذه القواعد تختلف عما استقر عليه الفقه والقضاء في حق الدفاع الشرعي. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / العاشر ، الصفحة / 19

تَأْدِيبٌ

التَّعْرِيفُ:

التَّأْدِيبُ لُغَةً: مَصْدَرُ أَدَّبَهُ تَأْدِيبًا، أَيْ عَلَّمَهُ الأْدَبَ، وَعَاقَبَهُ عَلَى إِسَاءَتِهِ، وَهُوَ رِيَاضَةُ النَّفْسِ وَمَحَاسِنُ الأْخْلاَقِ.

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّعْزِيرُ:

التَّعْزِيرُ لُغَةً: التَّأْدِيبُ وَالْمَنْعُ وَالنُّصْرَةُ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى: قَوْلُ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (فَاَلَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ).

وَشَرْعًا: تَأْدِيبٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ. قَالَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَتَسْمِيَةُ ضَرْبِ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ وَالْمُعَلِّمِ تَعْزِيرًا هُوَ أَشْهَرُ الاِصْطِلاَحَيْنِ، كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ. قَالَ: وَمِنْهُمْ مَنْ يَخُصُّ لَفْظَ التَّعْزِيرِ بِالإْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ، وَضَرْبَ الْبَاقِي بِتَسْمِيَتِهِ تَأْدِيبًا لاَ تَعْزِيرًا.

أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَقَدْ جَرَوْا عَلَى أَنَّ التَّعْزِيرَ يَصْدُقُ عَلَى الْعُقُوبَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الزَّوْجِ أَوِ الأْبِ أَوْ غَيْرِهِمَا -، كَمَا يَصْدُقُ عَلَى فِعْلِ الإْمَامِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: التَّعْزِيرُ يَفْعَلُهُ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ، وَكُلُّ مَنْ رَأَى أَحَدًا يُبَاشِرُ الْمَعْصِيَةَ.

هَذَا، وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ مَا يَتَّصِلُ بِالْعُقُوبَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الإِْمَامِ فِي غَيْرِ الْحُدُودِ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِيرٌ)

فَالتَّأْدِيبُ أَعَمُّ مِنَ التَّعْزِيرِ فِي أَحَدِ إِطْلاَقَيْهِ.

حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي جَوَازِ تَأْدِيبِ الزَّوْجِ زَوْجَتَهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِهِ الزَّوْجِيَّةِ، وَفِي أَنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ.

وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَأْدِيبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَتَرْكِ الصَّلاَةِ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى الْمَنْعِ، وَجَوَّزَهُ آخَرُونَ، كَمَا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُ

الصَّبِيِّ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ وَالطَّهَارَةِ، وَلِتَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَذَلِكَ بِالْقَوْلِ إِذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ، وَبِالضَّرْبِ إِنْ لَزِمَ لإِصْلاَحِهِ إِذَا بَلَغَ عَشْرًا؛ لِحَدِيثِ: «عَلِّمُوا الصَّبِيَّ الصَّلاَةَ لِسَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ.

وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ تَأْدِيبِ الإْمَامِ وَنُوَّابِهِ لِمَنْ رُفِعَ إِلَيْهِمْ:

فَذَهَبَ الأْئِمَّةُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ، إِلَى وُجُوبِ إِقَامَةِ التَّأْدِيبِ عَلَيْهِمْ فِيمَا شُرِعَ التَّأْدِيبُ فِيهِ، إِلاَّ إِذَا رَأَى الإْمَامُ أَنَّ فِي تَرْكِ التَّأْدِيبِ مَصْلَحَةً، وَقَالُوا: إِنَّهُ إِنْ كَانَ التَّأْدِيبُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ، كَوَطْءِ جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ وَجَارِيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ، يَجِبُ امْتِثَالُ الأْمْرِ فِيهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ وَرَأَى الإْمَامُ مَصْلَحَةً فِي إِقَامَةِ التَّأْدِيبِ، أَوْ عَلِمَ أَنَّ الْمُذْنِبَ لاَ يَنْزَجِرُ إِلاَّ بِالضَّرْبِ وَجَبَ؛ لأِنَّهُ زَاجِرٌ مَشْرُوعٌ لِوَجْهِ اللَّهِ فَوَجَبَ كَالْحَدِّ.

وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجِبُ عَلَى الإْمَامِ إِقَامَةُ التَّأْدِيبِ، وَلَهُ تَرْكُهُ.

وَحُجَّتُهُمْ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَعْرَضَ عَنْ جَمَاعَةٍ

اسْتَحَقُّوهُ، وَلَمْ يُقِمْ عَلَيْهِمُ التَّأْدِيبَ كَالْغَالِّ فِي الْغَنِيمَةِ، فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا أَعْرَضَ عَنْهُمْ، وَلأَقَامَهُ عَلَيْهِمْ .

هَذَا إِذَا كَانَ التَّأْدِيبُ حَقًّا لِلَّهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ، وَطَالَبَ بِهِ مُسْتَحِقُّهُ، وَجَبَ عَلَى الإْمَامِ إِقَامَتُهُ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ، وَلَكِنْ إِذَا عَفَا عَنْهُ صَاحِبُ الْحَقِّ فَهَلْ لِلإْمَامِ إِقَامَةُ التَّأْدِيبِ؟

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأْصَحِّ مِنْ قَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ - إِلَى: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْمَامِ ذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبْلَ الْمُطَالَبَةِ إِقَامَةُ التَّأْدِيبِ. لأِنَّهُ لاَ يَخْلُو عَنْ حَقِّ اللَّهِ، وَلأِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِنَظَرِ الإِْمَامِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ إِسْقَاطُ غَيْرِهِ . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِيرٌ).

وِلاَيَةُ التَّأْدِيبِ:

تَثْبُتُ وِلاَيَةُ التَّأْدِيبِ:

أ - لِلإْمَامِ وَنُوَّابِهِ كَالْقَاضِي بِالْوِلاَيَةِ الْعَامَّةِ، فَلَهُمُ الْحَقُّ فِي تَأْدِيبِ مَنِ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مَعَ الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْوُجُوبِ عَلَيْهِمْ وَعَدَمِهِ كَمَا مَرَّتِ الإْشَارَةُ إِلَيْهِ. (ر: تَعْزِيرٌ).

ب - لِلْوَلِيِّ بِالْوِلاَيَةِ الْخَاصَّةِ، أَبًا كَانَ أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا، أَوْ قَيِّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي لِحَدِيثِ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ...» إِلَخْ

ج - لِلْمُعَلِّمِ عَلَى التِّلْمِيذِ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ .

د - لِلزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ فِيمَا يَتَّصِلُ بِالْحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ، لقوله تعالى (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ) وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ .

وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَأْدِيبِ الزَّوْجِ لِزَوْجَتِهِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، كَتَرْكِ الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ الْفَرَائِضِ. فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْدِيبُهَا عَلَى ذَلِكَ . وَقَيَّدَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِمَا قَبْلَ الرَّفْعِ لِلإْمَامِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهُ التَّأْدِيبُ لِحَقِّ اللَّهِ؛ لأِنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَلاَ تَرْجِعُ الْمَنْفَعَةُ إِلَيْهِ . هَذَا وَلَمْ نَقِفْ عَلَى قَوْلٍ لِلْفُقَهَاءِ بِوُجُوبِ التَّأْدِيبِ عَلَى الزَّوْجِ، بَلْ يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ التَّرْكَ أَوْلَى.

جَاءَ فِي الأْمِّ لِلإْمَامِ الشَّافِعِيِّ: فِي نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ، ثُمَّ إِذْنِهِ فِي ضَرْبِهِنَّ، وَقَوْلُهُ: «لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ» يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ عليه الصلاة والسلام نَهَى عَنْهُ عَلَى اخْتِيَارِ النَّهْيِ، وَأَذِنَ فِيهِ بِأَنْ أَبَاحَ لَهُمُ الضَّرْبَ فِي الْحَقِّ، وَاخْتَارَ لَهُمْ أَلاَّ يَضْرِبُوا؛ لِقَوْلِهِ: «لَنْ يَضْرِبَ خِيَارُكُمْ» . وَلَيْسَ لِغَيْرِ هَؤُلاَءِ وِلاَيَةُ التَّأْدِيبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .

غَيْرَ أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: يُقِيمُ التَّأْدِيبَ - إِذَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ - كُلُّ مُسْلِمٍ فِي حَالِ مُبَاشَرَةِ الْمَعْصِيَةِ؛ لأِنَّهُ مِنْ بَابِ إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ، وَالشَّارِعُ وَلَّى كُلَّ مُسْلِمٍ ذَلِكَ؛ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ...»

أَمَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنَ الْمَعْصِيَةِ فَلَيْسَ بِنَهْيٍ؛ لأِنَّ النَّهْيَ عَمَّا مَضَى لاَ يُتَصَوَّرُ، فَيَتَمَحَّضُ تَعْزِيرًا، وَذَلِكَ إِلَى الإْمَامِ.

مَا يَجُوزُ فِيهِ التَّأْدِيبُ لِغَيْرِ الْحَاكِمِ.

أ - نُشُوزُ الزَّوْجَةِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ مِنَ الْحُقُوقِ، كَتَرْكِهَا الزِّينَةَ لَهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، وَتَرْكِ الْغُسْلِ عِنْدَ الْجَنَابَةِ، وَالْخُرُوجِ مِنَ الْمَنْزِلِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَتَرْكِ الإْجَابَةِ إِلَى الْفِرَاشِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَهُ صِلَةٌ بِالْعَلاَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ

وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَأْدِيبِهِ إِيَّاهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَتَرْكِ الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا، فَجَوَّزَهُ الْبَعْضُ، وَمَنَعَهُ آخَرُونَ .: مُصْطَلَحُ (ر : نُشُوزٌ).

ب - وَتَثْبُتُ عَلَى الصَّبِيِّ لِوَلِيِّهِ، أَبًا كَانَ، أَوْ جَدًّا، أَوْ وَصِيًّا، أَوْ قَيِّمًا مِنْ قِبَلِ الْقَاضِي لِخَبَرِ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ...» وَيُؤَدَّبُ عَلَى تَرْكِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلاَةِ وَكَذَا الصَّوْمُ، وَيُنْهَى عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ لِيَأْلَفَ الْخَيْرَ وَيَتْرُكَ الشَّرَّ، وَيُؤْمَرُ بِالْغُسْلِ إِذَا جَامَعَ، وَيُؤْمَرُ بِجَمِيعِ الْمَأْمُورَاتِ، وَيُنْهَى عَنْ جَمِيعِ الْمَنْهِيَّاتِ، وَيَكُونُ التَّأْدِيبُ بِالضَّرْبِ وَالْوَعِيدِ، وَالتَّعْنِيفِ بِالْقَوْلِ، وَهَذَا التَّأْدِيبُ وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِلْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَهُوَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِتَمْرِينِهِ عَلَى الصَّلاَةِ وَنَحْوِهَا لِيَأْلَفَهَا وَيَعْتَادَهَا وَلاَ يَتْرُكَهَا عِنْدَ الْبُلُوغِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِخَبَرِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ...» ذَكَرَ مِنْهُمُ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ.

ج - عَلَى التِّلْمِيذِ: وَيُؤَدِّبُ الْمُعَلِّمُ مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، وَلَيْسَ لَهُ التَّأْدِيبُ بِغَيْرِ إِذْنِ الْوَلِيِّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.  وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمُ: الإِْجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ .

نَفَقَةُ التَّأْدِيبِ:

تَجِبُ أُجْرَةُ التَّعْلِيمِ فِي مَالِ الطِّفْلِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ، وَالإْنْفَاقُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ لِتَعْلِيمِهِ الْفَرَائِضَ وَاجِبٌ بِالاِتِّفَاقِ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ مِنْ مَالِهِ أُجْرَةُ تَعْلِيمِ مَا سِوَى الْفَرَائِضِ مِنَ: الْقُرْآنِ، وَالصَّلاَةِ، وَالطَّهَارَةِ، كَالأْدَبِ، وَالْخَطِّ، إِنْ تَأَهَّلَ لَدَيْهِ لأِنَّهُ مُسْتَمِرٌّ مَعَهُ وَيَنْتَفِعُ بِهِ، وَنَقَلَ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ عَنِ النَّوَوِيِّ قَوْلَهُ فِي الرَّوْضَةِ: يَجِبُ عَلَى الآْبَاءِ وَالأْمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلاَدِهِمُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلاَةَ وَالشَّرَائِعَ، وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ فِي مَالِ الطِّفْلِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ .

طُرُقُ التَّأْدِيبِ:

تَخْتَلِفُ طُرُقُ التَّأْدِيبِ بِاخْتِلاَفِ مَنْ لَهُ التَّأْدِيبُ وَمَنْ عَلَيْهِ التَّأْدِيبُ:

فَطُرُقُ تَأْدِيبِ الإْمَامِ لِمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنَ الرَّعِيَّةِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ وَلاَ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا، فَيُتْرَكُ لاِجْتِهَادِهِ فِي سُلُوكِ الأْصْلَحِ لِتَحْصِيلِ الْغَرَضِ مِنَ التَّأْدِيبِ، لاِخْتِلاَفِ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ الْجَانِي وَالْجِنَايَةِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُرَاعِيَ التَّدَرُّجَ اللاَّئِقَ بِالْحَالِ وَالْقَدْرِ كَمَا يُرَاعِي دَفْعَ الصَّائِلِ، فَلاَ يَرْقَى إِلَى مَرْتَبَةٍ وَهُوَ يَرَى مَا دُونَهَا كَافِيًا وَمُوَثِّرًا . وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِيرٌ).

طُرُقُ تَأْدِيبِ الزَّوْجَةِ:

أ - الْوَعْظُ

ب - الْهَجْرُ فِي الْمَضْجَعِ

ج - الضَّرْبُ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ.

وَهَذَا التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، فَلاَ يَنْتَقِلُ إِلَى الْهَجْرِ إِلاَّ إِذَا لَمْ يُجْدِ الْوَعْظُ، هَذَا لقوله تعالى وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ).

جَاءَ فِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: فِي الآْيَةِ إِضْمَارٌ تَقْدِيرُهُ: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ فَإِنْ نَشَزْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ، فَإِنْ أَصْرَرْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الأْظْهَرِ مِنْ قَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ - إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُؤَدِّبَهَا بِالضَّرْبِ بَعْدَ ظُهُورِ النُّشُوزِ مِنْهَا بِقَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَلاَ تَرْتِيبَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ بَيْنَ الْهَجْرِ وَالضَّرْبِ بَعْدَ ظُهُورِ النُّشُوزِ، وَالْقَوْلُ الآْخَرُ يُوَافِقُ رَأْيَ الْجُمْهُورِ .

وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَغَيْرَ مُدْمٍ، وَأَنْ يُتَوَقَّى فِيهِ الْوَجْهُ وَالأْمَاكِنُ الْمَخُوفَةُ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّأْدِيبُ لاَ الإْتْلاَفُ . لِخَبَرِ: «إِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ».

وَيَشْتَرِطُ الْحَنَابِلَةُ أَلاَّ يُجَاوِزَ بِهِ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ لِحَدِيثِ: «لاَ يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ» (ر: نُشُوزٌ).

طُرُقُ تَأْدِيبِ الصَّبِيِّ:

يُؤَدَّبُ الصَّبِيُّ بِالأْمْرِ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرَاتِ بِالْقَوْلِ، ثُمَّ الْوَعِيدِ، ثُمَّ التَّعْنِيفِ، ثُمَّ الضَّرْبِ، إِنْ لَمْ تُجْدِ الطُّرُقُ الْمَذْكُورَةُ قَبْلَهُ، وَلاَ يُضْرَبُ الصَّبِيُّ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ إِلاَّ إِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ . لِحَدِيثِ: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ»

وَلاَ يُجَاوِزُ ثَلاَثًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .

وَهِيَ أَيْضًا عَلَى التَّرْتِيبِ، فَلاَ يَرْقَى إِلَى مَرْتَبَةٍ إِذَا كَانَ مَا قَبْلَهَا يَفِي بِالْغَرَضِ وَهُوَ الإْصْلاَحُ.

 تَجَاوُزُ الْقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِي التَّأْدِيبِ:

اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِ التَّأْدِيبِ بِقَصْدِ الإْتْلاَفِ، وَعَلَى تَرَتُّبِ الْمَسْئُولِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْبُلُوغِ بِالتَّأْدِيبِ أَوِ التَّعْزِيرِ مَبْلَغَ الْحَدِّ . وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَعْزِيرٌ).

الْهَلاَكُ مِنَ التَّأْدِيبِ الْمُعْتَادِ:

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي حُكْمِ الْهَلاَكِ مِنَ التَّأْدِيبِ الْمُعْتَادِ:

فَاتَّفَقَ الأْئِمَّةُ الثَّلاَثَةُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَأَحْمَدُ عَلَى أَنَّ الإْمَامَ لاَ يَضْمَنُ الْهَلاَكَ مِنَ التَّأْدِيبِ الْمُعْتَادِ؛ لأِنَّ الإْمَامَ مَأْمُورٌ بِالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لاَ يَتَقَيَّدُ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ .

وَاخْتَلَفُوا فِي تَضْمِينِ الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ، إِذَا حَصَلَ التَّلَفُ مِنْ تَأْدِيبِهِمَا وَلَمْ يَتَجَاوَزَا الْقَدْرَ الْمَشْرُوعَ.

فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ مِنَ التَّلَفِ الَّذِي يَنْشَأُ مِنَ التَّأْدِيبِ الْمُعْتَادِ .

وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَضْمَنُ الزَّوْجُ إِذَا أَفْضَى تَأْدِيبُهُ الْمُعْتَادُ إِلَى الْمَوْتِ؛ لأِنَّ تَأْدِيبَ الزَّوْجَةِ إِذَا تَعَيَّنَ سَبِيلاً لِمَنْعِ نُشُوزِهَا مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُبَرِّحٍ، فَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَدْ جَاوَزَ الْفِعْلَ الْمَأْذُونَ فِيهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلأِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَشُرِطَ فِيهِ سَلاَمَةُ الْعَاقِبَةِ .

وَاخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ فِي تَضْمِينِ الأْبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ وَنَحْوِهِمْ: فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ الْجَمِيعُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى تَأْدِيبِهِمُ التَّلَفُ؛ لأِنَّ الْوَلِيَّ مَأْذُونٌ لَهُ بِالتَّأْدِيبِ لاَ بِالإْتْلاَفِ، فَإِذَا أَدَّى إِلَى التَّلَفِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ، وَلأِنَّ التَّأْدِيبَ قَدْ يَحْصُلُ بِغَيْرِ الضَّرْبِ كَالزَّجْرِ وَفَرْكِ الأْذُنِ، وَخُلاَصَةُ رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ:

أَنَّ الْوَاجِبَ لاَ يَتَقَيَّدُ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، وَالْمُبَاحُ يَتَقَيَّدُ بِهَا، وَمِنَ الْمُبَاحِ ضَرْبُ الأْبِ أَوِ الأْمِّ وَلَدَهُمَا تَأْدِيبًا، وَمِثْلُهُمَا الْوَصِيُّ، فَإِذَا أَفْضَى إِلَى الْمَوْتِ وَجَبَ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ لِلتَّعْلِيمِ فَلاَ ضَمَانَ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ، وَالْوَاجِبُ لاَ يَتَقَيَّدُ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمْ لأِنَّ التَّأْدِيبَ مِنْهُمْ فِعْلٌ مَأْذُونٌ فِيهِ لإِصْلاَحِ الصَّغِيرِ، كَضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، بَلْ أَوْلَى مِنْهُ؛ لأِنَّ الْمُعَلِّمَ يَسْتَمِدُّ وِلاَيَةَ التَّأْدِيبِ مِنَ الْوَلِيِّ، وَالْمَوْتُ نَتَجَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ لاَ يُعَدُّ اعْتِدَاءً، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِمْ.

وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الإْمَامَ رَجَعَ إِلَى قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ .

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الضَّمَانِ فِي التَّأْدِيبِ وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزِ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ فِي مِثْلِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا فَفِيهِ الْقِصَاصُ عَلَى غَيْرِ الأْصْلِ (الأْبِ وَالْجَدِّ) وَإِلاَّ فَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ عَلَى الْعَاقِلَةِ؛ لأِنَّهُ فِعْلٌ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، إِذِ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لاَ الْهَلاَكُ، فَإِذَا حَصَلَ بِهِ هَلاَكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْقَدْرَ الْمَشْرُوعَ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الإْمَامِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أُوتُوا سُلْطَةَ التَّأْدِيبِ، كَالزَّوْجِ وَالْوَلِيِّ .

تَأْدِيبُ الدَّابَّةِ:

لِلْمُسْتَأْجِرِ وَرَائِضِ الدَّابَّةِ تَأْدِيبُهَا بِالضَّرْبِ وَالْكَبْحِ بِقَدْرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ، وَلاَ يَضْمَنُ إِنْ تَلِفَتْ بِذَلِكَ عِنْدَ الأْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ (مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ) وَصَاحِبَيْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لأِنَّهُ صَحَّ «عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَخَسَ بَعِيرَ جَابِرٍ وَضَرَبَهُ».

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ لأِنَّهُ تَلَفٌ حَصَلَ بِجِنَايَتِهِ فَضَمِنَهُ كَغَيْرِهِ، وَلأِنَّ الْمُعْتَادَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ، وَلأِنَّ السَّوْقَ يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الضَّرْبِ، وَإِنَّمَا يُضْرَبُ لِلْمُبَالَغَةِ فَيَضْمَنُ.

مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

يَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ التَّأْدِيبَ أَسَاسًا فِي أَبْوَابٍ كَثِيرَةٍ مِثْلِ: الصَّلاَةِ، النُّشُوزِ، التَّعْزِيرِ، دَفْعِ الصَّائِلِ، ضَمَانِ الْوُلاَةِ، وَالْحِسْبَةِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 13 

الضَّرْبُ لِلتَّعْلِيمِ:

لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ الصَّبِيِّ الَّذِي يَتَعَلَّمُ عِنْدَهُ لِلتَّأْدِيبِ وَبِتَتَبُّعِ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ حَقَّ الْمُعَلِّمِ فِي ضَرْبِ الصَّبِيِّ الْمُتَعَلِّمِ بِقُيُودٍ مِنْهَا:

أ - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، يَعْلَمُ الْمُعَلَّمُ الأْمْنَ مِنْهُ، وَيَكُونُ ضَرْبُهُ بِالْيَدِ لاَ بِالْعَصَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجَاوِزَ الثَّلاَثَ، رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ لِمِرْدَاسٍ الْمُعَلِّمِ الله عنه: ( إِيَّاكَ أَنْ تَضْرِبَ فَوْقَ الثَّلاَثِ، فَإِنَّكَ إِذَا ضَرَبْتَ فَوْقَ الثَّلاَثِ اقْتَصَّ اللَّهُ مِنْكَ)

ب - أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ، لأِنَّ الضَّرْبَ عِنْدَ التَّعْلِيمِ غَيْرُ مُتَعَارَفٍ، وَإِنَّمَا الضَّرْبُ عِنْدَ سُوءِ الأْدَبِ، فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِنَ التَّعْلِيمِ فِي شَيْءٍ، وَتَسْلِيمُ الْوَلِيِّ صَبِيَّهُ إِلَى الْمُعَلِّمِ لِتَعْلِيمِهِ لاَ يُثْبِتُ الإْذْنَ فِي الضَّرْبِ، فَلِهَذَا لَيْسَ لَهُ الضَّرْبُ، إِلاَّ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهِ نَصًّا.

وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلُهُمْ: الإْجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ مُطَّرِدٌ بِجَوَازِ ذَلِكَ بِدُونِ إِذْنِ الْوَلِيِّ

ج - أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ يَعْقِلُ التَّأْدِيبَ، فَلَيْسَ لِلْمُعَلِّمِ ضَرْبُ مَنْ لاَ يَعْقِلُ التَّأْدِيبَ مِنَ الصِّبْيَانِ.

قَالَ الأْثْرَمُ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ الصِّبْيَانَ، قَالَ: عَلَى قَدْرِ ذُنُوبِهِمْ، وَيَتَوَقَّى بِجَهْدِهِ الضَّرْبَ وَإِذَا كَانَ صَغِيرًا لاَ يَعْقِلُ فَلاَ يَضْرِبُهُ ضَمَانُ ضَرْبِ التَّعْلِيمِ:

ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعَلِّمَ إِذَا أَدَّبَ صَبِيَّهُ الأْدَبَ الْمَشْرُوعَ فَمَاتَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ. إِلاَّ أَنَّهُمْ يَشْتَرِطُونَ لِنَفْيِ الضَّمَانِ أَنْ يَكُونَ الضَّرْبُ قَدْ حَصَلَ بِإِذْنِ الأْبِ أَوِ الْوَصِيِّ، فَضْلاً عَنْ كَوْنِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الضَّرْبِ الْمُعْتَادِ كَمًّا وَكَيْفًا وَمَحَلًّا، فَإِذَا ضَرَبَ الْمُعَلِّمُ صَبِيًّا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ بِغَيْرِ إِذْنِ الأْبِ أَوِ الْوَصِيِّ ضَمِنَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الضَّرْبِ، وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ.

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ مَاتَ الْمُتَعَلِّمُ مِنْ ضَرْبِ الْمُعَلِّمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَكَانَ مِثْلُهُ مُعْتَادًا لِلتَّعْلِيمِ، لأَِنَّهُ مَشْرُوطٌ بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ؛ إِذِ الْمَقْصُودُ التَّأْدِيبُ لاَ الْهَلاَكُ، فَإِذَا حَصَلَ بِهِ هَلاَكٌ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَشْرُوعَ وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: تَأْدِيبٌ. ضَمَانٌ. قَتْلٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 58

التَّأْدِيبُ:

لِلزَّوْجِ تَأْدِيبُ زَوْجَتِهِ عِنْدَ عِصْيَانِهَا أَمْرَهُ بِالْمَعْرُوفِ لاَ بِالْمَعْصِيَةِ؛ لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِتَأْدِيبِ النِّسَاءِ بِالْهَجْرِ وَالضَّرْبِ عِنْدَ عَدَمِ طَاعَتِهِنَّ، وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَرْبَعَةَ مَوَاضِعَ يَجُوزُ فِيهَا لِلزَّوْجِ تَأْدِيبُ زَوْجَتِهِ بِالضَّرْبِ، مِنْهَا:

تَرْكُ الزِّينَةِ إِذَا أَرَادَ الزِّينَةَ، وَمِنْهَا: تَرْكُ الإْجَابَةِ إِذَا دَعَاهَا إِلَى الْفِرَاشِ وَهِيَ طَاهِرَةٌ. وَمِنْهَا: تَرْكُ الصَّلاَةِ، وَمِنْهَا: الْخُرُوجُ مِنَ الْبَيْتِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (تَأْدِيبٍ)، (نُشُوزٍ) .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السابع والعشرون ، الصفحة / 23

تَأْدِيبُ الصِّغَارِ وَتَعْلِيمُهُمْ:

يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ تَأْدِيبُ الصِّغَارِ بِالآْدَابِ الشَّرْعِيَّةِ؛ الَّتِي تَغْرِسُ فِي نَفْسِ الطِّفْلِ الأْخْلاَقَ الْكَرِيمَةَ وَالسُّلُوكَ الْقَوِيمَ، كَالأْمْرِ بِأَدَاءِ الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا هُوَ فِي طَوْقِهِ: يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي: (تَأْدِيبٌ، تَعْلِيمٌ)

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة /  301

ضَمَانُ الطَّبِيبِ وَنَحْوِهِ:

- مِثْلُ الطَّبِيبِ: الْحَجَّامُ، وَالْخَتَّانُ، وَالْبَيْطَارُ، وَفِي ضَمَانِهِمْ خِلاَفٌ:

يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: فِي الطَّبِيبِ إِذَا أَجْرَى جِرَاحَةً لِشَخْصٍ فَمَاتَ، إِذَا كَانَ الشَّقُّ بِإِذْنٍ، وَكَانَ مُعْتَادًا، وَلَمْ يَكُنْ فَاحِشًا خَارِجَ الرَّسْمِ، لاَ يَضْمَنُ. وَقَالُوا: لَوْ قَالَ الطَّبِيبُ: أَنَا ضَامِنٌ إِنْ مَاتَ لاَ يَضْمَنُ دِيَتَهُ لأِنَّ اشْتِرَاطَ الضَّمَانِ عَلَى الأْمِينِ بَاطِلٌ، أَوْ لأِنَّ هَذَا الشَّرْطَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ، كَمَا هُوَ شَرْطُ الْمَكْفُولِ بِهِ .

وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: قَطَعَ الْحَجَّامُ لَحْمًا مِنْ عَيْنِهِ، وَكَانَ غَيْرَ حَاذِقٍ، فَعَمِيَتْ، فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: فِي الطَّبِيبِ وَالْبَيْطَارِ وَالْحَجَّامِ، يَخْتِنُ الصَّبِيَّ، وَيَقْلَعُ الضِّرْسَ، فَيَمُوتُ صَاحِبُهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى هَؤُلاَءِ، لأِنَّهُ مِمَّا فِيهِ التَّعْزِيرُ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يُخْطِئْ فِي فِعْلِهِ؛ فَإِنْ أَخْطَأَ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ.

وَيُنْظَرُ: فَإِنْ كَانَ عَارِفًا فَلاَ يُعَاقَبُ عَلَى خَطَئِهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَارِفٍ، وَغَرَّ مِنْ نَفْسِهِ، فَيُؤَدَّبُ بِالضَّرْبِ وَالسَّجْنِ  وَقَالُوا: الطَّبِيبُ إِذَا جَهِلَ أَوْ قَصَّرَ ضَمِنَ، وَالضَّمَانُ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَكَذَا إِذَا دَاوَى بِلاَ إِذْنٍ، أَوْ بِلاَ إِذْنٍ مُعْتَبَرٍ، كَالصَّبِيِّ . 

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي الْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَنَحْوِهِمَا: إِنْ كَانَ فَعَلَ مَا يَفْعَلُهُ مِثْلُهُ، مِمَّا فِيهِ الصَّلاَحُ لِلْمَفْعُولِ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ الصِّنَاعَةِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَجْرُهُ.

وَإِنْ كَانَ فَعَلَ مَا لاَ يَفْعَلُهُ مِثْلُهُ، كَانَ ضَامِنًا، وَلاَ أَجْرَ لَهُ فِي الأْصَحِّ .

وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي الْخِتَانِ تَفْصِيلٌ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَغَيْرِهِ: فَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لاَ يَحْتَمِلُهُ، لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، إِلاَّ الْوَالِدَ، وَإِنِ احْتَمَلَهُ، وَخَتَنَهُ وَلِيُّ خِتَانٍ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي الأْصَحِّ .

ضَمَانُ الْمُعَزَّرِ:

- قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: مَنْ عَزَّرَهُ الإْمَامُ فَهَلَكَ، فَدَمُهُ هَدْرٌ، وَذَلِكَ لأِنَّ الإْمَامَ مَأْمُورٌ بِالتَّعْزِيرِ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ لاَ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلاَمَةِ فِي التَّعْزِيرِ الْوَاجِبِ  وَقَيَّدَهُ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ بِأَنْ يَظُنَّ الإْمَامُ سَلاَمَتَهُ، وَإِلاَّ ضَمِنَ  وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ التَّعْزِيرَ مُقَيَّدًا بِسَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ .

وَمَعْنَى هَذَا: أَنَّ التَّعْزِيرَ إِذَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ لاَ يَضْمَنُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ بِشَرْطِ ظَنِّ سَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، لأِنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، فَلاَ يَضْمَنُ، كَالْحُدُودِ، وَهَذَا مَا لَمْ يُسْرِفْ - كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ بِأَنْ يُجَاوِزَ الْمُعْتَادَ، أَوْ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ، أَوْ يَضْرِبُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ مِنْ صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَعْتُوهٍ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ حِينَئِذٍ، لأِنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ بِذَلِكَ شَرْعًا  

وَلِلتَّفْصِيلِ يُرَاجَعُ مُصْطَلَحُ: (تَعْزِير).

ضَمَانُ الْمُؤَدِّبِ وَالْمُعَلِّمِ:

- ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَنْعِ التَّأْدِيبِ وَالتَّعْلِيمِ بِقَصْدِ الإْتْلاَفِ وَتَرَتُّبِ الْمَسْئُولِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْهَلاَكِ مِنَ التَّأْدِيبِ الْمُعْتَادِ، وَفِي ضَمَانِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحَيْ: (تَأْدِيب ف 11، وَتَعْلِيم ف 14).

ضَمَانُ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ:

- اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَضْمِينِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مَا أَخَذُوهُ مِنَ الأَْمْوَالِ أَثْنَاءَ الْحِرَابَةِ، وَذَلِكَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمْ فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَضْمِينِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي (حِرَابَة ف 22).

ضَمَانُ الْبُغَاةِ:

- لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْعَادِلَ إِذَا أَصَابَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ، مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَةٍ، أَوْ مَالٍ اسْتَهْلَكَهُ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِي حَالِ الْحَرْبِ وَحَالِ الْخُرُوجِ، لأِنَّهُ ضَرُورَةٌ، وَلأِنَّا مَأْمُورُونَ بِقِتَالِهِمْ، فَلاَ نَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ .

أَمَّا إِذَا أَصَابَ الْبَاغِي مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ شَيْئًا مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ - وَهُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - أَنَّهُ مَوْضُوعٌ، وَلاَ ضَمَانَ فِيهِ.

وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ مَضْمُونٌ، يَقُولُ الرَّمْلِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لَوْ أَتْلَفُوا عَلَيْنَا نَفْسًا أَوْ مَالاً ضَمِنُوهُ، وَعَلَّقَ عَلَيْهِ الشَّبْرَامَلِّسِيِّ بِقَوْلِهِ: أَيْ بِغَيْرِ الْقِصَاصِ  وَعَلَّلَهُ الشِّرْبِينِيُّ بِأَنَّهُمَا فِرْقَتَانِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مُحِقَّةٌ وَمُبْطِلَةٌ، فَلاَ يَسْتَوِيَانِ فِي سُقُوطِ الْغُرْمِ، كَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، لِشُبْهَةِ تَأْوِيلِهَا .

وَاسْتَدَلَّ الْجُمْهُورُ بِمَا رُوِيَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم - مُتَوَافِرُونَ، فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ كُلَّ دَمٍ اسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَكُلَّ مَالٍ اسْتُحِلَّ بِتَأْوِيلِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ .

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَمِثْلُهُ لاَ يَكْذِبُ، فَوَقَعَ الإْجْمَاعُ مِنَ الصَّحَابَةِ - رضى الله عنهم - عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ حُجَّةٌ قَاطِعَةٌ .

وَلأِنَّ الْوِلاَيَةَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مُنْقَطِعَةٌ، لِوُجُودِ الْمَنَعَةِ، فَلَمْ يَكُنْ وُجُوبُ الضَّمَانِ مُفِيدًا لِتَعَذُّرِ الاِسْتِيفَاءِ، فَلَمْ يَجِبْ . وَلأِنَّ تَضْمِينَهُمْ يُفْضِي إِلَى تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الطَّاعَةِ فَسَقَطَ، كَأَهْلِ الْحَرْبِ، أَوْ كَأَهْلِ الْعَدْلِ.

هَذَا الْحُكْمُ فِي حَالِ الْحَرْبِ، أَمَّا فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ، فَمَضْمُونٌ .

ضَمَانُ السَّارِقِ لِلْمَسْرُوقِ:

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاء ِ فِي أَنَّ الْمَسْرُوقَ إِنْ كَانَ قَائِمًا فَإِنَّهُ يَجِبُ رَدُّهُ إِلَى مَنْ سُرِقَ مِنْهُ.

فَإِنْ تَلِفَ فَفِي ضَمَانِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (سَرِقَة ف 79، 80 ج 24).

ضَمَانُ إِتْلاَفِ آلاَتِ اللَّهْوِ:

- آلَةُ اللَّهْوِ: كَالْمِزْمَارِ، وَالدُّفِّ، وَالْبَرْبَطِ، وَالطَّبْلِ، وَالطُّنْبُورِ، وَفِي ضَمَانِهَا بَعْضُ الْخِلاَفِ:

فَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ، وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، أَنَّهَا لاَ تُضْمَنُ بِالإْتْلاَفِ وَذَلِكَ: لأِنَّهَا لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً، لاَ يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلاَ تَمَلُّكُهَا  وَلأِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الاِسْتِعْمَالِ، وَلاَ حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا .

وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِكَسْرِهَا قِيمَتَهَا خَشَبًا مَنْحُوتًا صَالِحًا لِغَيْرِ اللَّهْوِ لاَ مِثْلَهَا، فَفِي الدُّفِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ دُفًّا يُوضَعُ فِيهِ الْقُطْنُ، وَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ قَصْعَةَ ثَرِيدٍ.

وَيَصِحُّ بَيْعُهَا، لأِنَّهَا أَمْوَالٌ مُتَقَوَّمَةٌ لِصَلاَحِيَّتِهَا بِالاِنْتِفَاعِ بِهَا فِي غَيْرِ اللَّهْوِ، فَلَمْ تُنَافِ الضَّمَانَ، كَالأْمَةِ الْمُغَنِّيَةِ  بِخِلاَفِ الْخَمْرِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ لِعَيْنِهَا، وَالْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الصَّاحِبَيْنِ، أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُهَا، وَلاَ يَصِحُّ بَيْعُهَا .

قَالُوا: وَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ وَالصَّيَّادِينَ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ، فَمَضْمُونٌ اتِّفَاقًا  كَالأْمَةِ الْمُغَنِّيَةِ، وَالْكَبْشِ النَّطُوحِ، وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ، وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ. حَيْثُ تَجِبُ قِيمَتُهَا غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذَا الأْمْرِ .

وَذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ، أَنَّ هَذَا الاِخْتِلاَفَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ إِنَّمَا هُوَ: فِي الضَّمَانِ، دُونَ إِبَاحَةِ إِتْلاَفِ الْمَعَازِفِ، وَفِيمَا يَصْلُحُ لِعَمَلٍ آخَرَ، وَإِلاَّ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا اتِّفَاقًا، وَفِيمَا إِذَا فَعَلَ بِغَيْرِ إِذْنِ الإْمَامِ، وَإِلاَّ لَمْ يَضْمَنِ اتِّفَاقًا. وَفِي غَيْرِ عُودِ الْمُغَنِّي وَخَابِيَةِ الْخَمَّارِ، لأِنَّهُ لَوْ لَمْ يَكْسِرْهَا لَعَادَ لِفِعْلِهِ الْقَبِيحِ، وَفِيمَا إِذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ، فَلَوْ لِذِمِّيٍّ ضَمِنَ اتِّفَاقًا قِيمَتَهُ بَالِغًا مَا بَلَغَ، وَكَذَا لَوْ كَسَرَ صَلِيبَهُ، لأِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ .