loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما كان الحكم قد عرض لما تمسك به الطاعن من أحكام المادة 63 من قانون العقوبات ورد عليه بقوله " و حيث أنه رداً على ما أثاره الدفاع عن المتهم بانتفاء مسئوليته استنادا إلى ما تقضي به المادة 63 من قانون العقوبات فإن المتهم أطلق النار على المجني عليه و هو على مقربة منه و كان فى مقدوره إلقاء القبض عليه دون حاجة إلى اللجوء إلى استعمال سلاحه الناري على نحو ما سلف بيانه ، و ليس فى تعليمات الشرطة ما يوجب أو يبيح لرجل الأمن إطلاق النار على الجناة و هم فى قبضتهم و طالما كان فى مكنتهم ضبطهم بغير قوة أو عنف " . و لما كان هذا الذي أورده الحكم سائغاً فى الرد على دفاع الطاعن الخاص بحسن نيته ، ذلك بأن المادة 63 من قانون العقوبات إذ قضت بأنه لا جريمة إذا وقع الفعل من الموظف تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه متى حسنت نيته ، قد أوجبت عليه - فوق ذلك - أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت و التحري و أنه كان يعتقد مشروعيته اعتقادا مبنياً على أسباب مقبولة. و أن مظهر التثبت و التحري اللذين يتطلبهما القانون فى هذه الحالة هو ألا يلجأ الموظف إلى استخدام سلاحه ضد من يشتبه فى أمرهم إلا بعد التيقن من أن لشبهته محلاً و استنفاد وسائل الإرهاب و التهديد التي قد تعينه على القبض على المشتبه فيهم بغير حاجة إلى استعمال سلاحه . و إذ كان ما ساقه الحكم - على النحو المتقدم بيانه - من شأنه أن يؤدي إلى انتفاء حسن النية الذي تمسك به الطاعن على نحو مرسل ، فإن تعييبه الحكم فى هذا الصدد يكون على غير أساس . 

(الطعن رقم 5868 لسنة 56 ق - جلسة 1987/02/01 س 38 ع 1 ص 172 ق 28)

2- ولما كان الثابت من إستقراء أوراق الدعوى و تحقيقاتها أو المتهم بوصفه شرطياً سرياً فى دائرة ميناء الإسكندرية شاهد المجنى عليه و هو من اللصوص المعروفين له و مطلوب ضبطه ، و كان يحمل صندوقين متجهاً بهما إلى باب الخروج من الدائرة الجمركية و بادر إلى إلقائهما و التخلص منهما فى محاولة للفرار و الهرب من وجه المتهم و زميله ، مما دفعهما إلى تعقبه للقبض عليه ، الأمر ترى معه المحكمة أنه و إن توافر لدى المتهم و قام الإعتقاد بمشروعية و ضرورة هذا الفعل إلا أنه - فى ذات الوقت - تجاوز الإجراء المعقول فى هذه الظروف فى ضوء ما تقضى به النظم و تعليمات الشرطة من حظر و عدم اللجوء إلى إستخدام السلاح النارى إلا إذا إستحال عليه إنذار الهرب و بعد إستنفاد وسائل التهديد و الإرهاب و أن يكون إطلاق النار فى الهواء ثم فى الإجزاء السفلية من جسمه فحسب و فى إتجاه رجليه فيكون أقدام المتهم على إطلاق النار من مسدسه و هو يجرى خلف المجنى عليه الذى لم يستجب إلى إنذاره بالتوقف عن الهرب ، و دون أن يتحرى عدم إصابته أو يتثبت من أحكام التصويب سواء فى الهواء أو فى غير مقتل منه ، إذ كان فى وسعه أن يصوب سلاحه إلى رجلى المجنى عليه ليعوقه عن الحركة ، أما و أنه أطلق النار دون هذا التحرى و ذاك التثبت ، مما تنحسر معه قالة مشروعية ما إرتكب من جرائم ، و يستحيل عليه التمسك بأحكام المادة 63 من قانون العقوبات ، و يضحى ما لاذ به من دفاع فى غير محله مفتقراً إلى سنده من القانون ، و لما كان هذا الذى أورده الحكم سائغاً فى الرد على دفاع الطاعن الخاص بإنتفاء مسئوليته و يتفق مع صحيح القانون و ما تقضى به تعليمات الشرطة فى شأن تنظيم إستعمال الأسلحة النارية الصادر بها قرار وزير الداخلية رقم 156 لسنة 1964 ، فإن تعييب الطاعن للحكم فى هذا الصدد يكون على غير أساس .

  (الطعن رقم 7255 لسنة 54 ق - جلسة 1985/03/31 س 36 ص 508 ق 85)

3- أورد الشارع المادة 63 من قانون العقوبات ليجعل فى حكمها حصانة للموظفين العموميين حتى لا يتحرجوا فى أداء واجباتهم أو يترددوا فى مباشرتهم لهذه الواجبات خشية الوقوع فى المسئولية الجنائية و قد جعل الشارع أساساً لمنع تلك المسئولية أن يكون الموظف فيما قام به حسن النية و من إنه قام أيضاً بما ينبغى من وسائل التثبيت و التحرى و أنه كان يعتقد مشروعية الفعل الذى قام به و أن إعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة و من ثم فإذا كان المتهم يعمل فى ظروف تجعله يعتقد أنه و هو يقوم بخدمة الملك السابق فى الوظيفة المخصصة له إنما كان يباشر عملاً له صيغته الرسمية و إرتكب فعلاً ينهى عنه القانون تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيسه الذى تجب عليه طاعته فإنه لا يكون مسئولاً على أى الأحوال .

(الطعن رقم 1095 لسنة 26 ق - جلسة 1956/12/25 س 7 ع 3 ص 1331 ق 365)

4- ما يقوله الطاعن خاصاً بعدم مسئوليته عن جريمة إختلاس أموال أميرية طبقاً لنص المادة 63 من قانون العقوبات لأنه انصاع لرغبة رئيسه المتهم الأول - هذا القول مردود بأن فعل الإختلاس الذى أسند إليه و دانته المحكمة به هو عمل غير مشروع و نية الإجرام فيه واضحة بما لا يشفع للطاعن فيما يدعيه من عدم مسئوليته - بل إن إقدامه على إرتكاب هذا الفعل يجعله أسوة المتهم الأول فى الجريمة ، و فضلاً عن ذلك فالذى يبين من الإطلاع على محضر الجلسة أن الطاعن لم يثر هذا الدفاع أمام محكمة الموضوع حتى تستطيع التثبت من حقيقة الصلة التى تربطه بالمتهم الأول بصفة هذا الأخير رئيساً له .

(الطعن رقم 1775 لسنة 29 ق - جلسة 1960/04/11 س 11 ع 2 ص 337 ق 67)

5- الأحكام التي تتضمنها المادة 63 من قانون العقوبات إنما تنصرف بصراحة نصها إلى الموظف العام فلا يستفيد منها من لم تكن له هذه الصفة، وأن المقصود بالموظف العام هو من يولى قدرا من السلطة العامة بصفة دائمة أو مؤقتة أو تمنح له هذه الصفة بمقتضى القوانين واللوائح، وأن العاملين بشركات قطاع الأعمال العام وهي الشركات القابضة والشركات التابعة لها لا يعدون - بحسب الأصل - من الموظفين العموميين فى حكم هذه المادة إلا أنه متى كان القانون قد أضفى صفة الموظف العام على شخص معين فى صدد جريمة معينة فإنه يتعين أن تطبق عليه - فى صدد تلك الجريمة - الأحكام العامة الواردة بالكتاب الأول من قانون العقوبات والتي تتعلق بمن تقوم به هذه الصفة، ومن ذلك أحكام المادتين 27، 63 من هذا القانون، وبهذا التفسير يتحقق التعادل بين النصوص فى العقاب وفي الإباحة، ويتفادى تضييق مجال الإباحة بغير مبرر، والقول بغير ذلك يؤدي إلى التشديد على المتهم فى المسئولية الجنائية مع حرمانه من تطبيق أسباب الإباحة والتخفيف التي يحظى بها الموظف العام بصدد الجريمة ذاتها، وهي نتيجة تجافي المنطق وتأباها العدالة أشد الإباء، فضلاً عن مخالفتها لمبدأ المساواة أمام القانون الذي نصت عليه المادة 40 من الدستور. وإذ كان نص المادة 119 مكرراً من قانون العقوبات قد اعتبر العاملين بوحدات القطاع العام - قطاع الأعمال العامة حاليا - فى حكم الموظف العام فى صدد جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر الواردة بالباب الرابع من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، كما ردد نص المادة 52 من قانون قطاع الأعمال العام رقم 203 لسنة 1991 ذات المعنى، فإنه يتعين معاملتهم على أساس توافر تلك الصفة - صفة الموظف العام - فى صدد الجرائم المنصوص عليها بالباب المشار إليه، وهو ما يخولهم الحق فى طلب الإفادة من الإعفاء الوارد فى المادة 63 من قانون العقوبات عند اتهامهم بارتكاب شيء من تلك الجرائم، ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى غير ذلك فإنه يكون قد أخطأ فى تأويل القانون .

(الطعن رقم 24651 لسنة 69 ق - جلسة 2002/02/11 س 53 ص 280 ق 51)

6- لما كان ما يقوله الطاعن خاصاً بعدم مسئوليته عن الجريمة لتعرضه للخداع من رئيسه المتهم الثانى الذى أثبت الحكم أنه المختلس ، هذا القول مردوداً بأن فعل الاختلاس الذى أسند إليه ودانته المحكمة به هو عمل غير مشروع ونية الإجرام فيه واضحة بما لايشفع للطاعن فيما يدعيه من عدم مسئوليته، بل إن إقدامه على ارتكاب هذا الفعل يجعله اسوة بالمتهم الثانى فى الجريمة . وفضلاً عن ذلك ،فالذى يبين من الإطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن الطاعن لم يثر هذا الدفاع أمام محكمة الموضوع حتى تستطيع التثبت من حقيقة الصلة التى تربطه بالمتهم الثانى بصفة هذا الأخير رئيساً له كما يقول ، فإنه لاتقبل منه إثارة ذلك الدفاع لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 4266 لسنة 64 ق - جلسة 1998/03/16 س 49 ص 451 ق 58)

7- طاعة الرئيس بمقتضى المادة 63 من قانون العقوبات لا تمتد بأى حال الى ارتكاب الجرائم و أنه ليس على المرءوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم أن القانون يعاقب عليه ، و كان فعل التزوير الذى أسند الى الطاعن و دانته المحكمة به هو عمل غير مشروع و نية الإجرام فيه واضحة فإنه لا يشفع للطاعن فيما يدعيه من عدم مسئوليته عن هذا الفعل ، لإرتكابه انصياعاً لرغبة رؤسائه فى العمل إذ أن ذلك لا يجديه لأنه لا يؤثر فيما انتهى إليه الحكم من إدانته عنه .

(الطعن رقم 24947 لسنة 66 ق - جلسة 1998/11/16 س 49 ص 1294 ق 184)

8- تفسير النصوص المتعلقة بالإعفاء على سبيل الحصر ، فلا يصح التوسع فى تفسيرها بطريق القياس ، ولا كذلك أسباب الإباحة التى ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب . وعلى ذلك فلا يجوز للقاضى أن يعفى من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء فى النص التشريعى على الواقعة المؤثمة انطباقا تاما سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التى تغياها المشرع من تقرير الإعفاء .

(الطعن رقم 1572 لسنة 39 ق  - جلسة 1969/11/17 س 20 ع 3 ص 1307 ق 265)

9- متى كان المتهم قد عين طبقاً للأوضاع القانونية فى وظيفة بديوان الخاصة الملكية السابق الذى نظم على غرار المصالح الأميرية و طبق على موظفيها و مستخدميها نفس الأنظمة و اللوائح التى تطبق على موظفى الحكومة و مستخدميها سواء بسواء ، فإنه يكون فى هذا القدر من الكفاية ما يخوله الحق فى الإفادة من الإعفاء الوارد فى المادة 63 من قانون العقوبات .

(الطعن رقم 1095 لسنة 26 ق - جلسة 1956/12/25 س 7 ع 3 ص 1331 ق 365)

10- إن قيام مفتش الجهة التابعة لها السيارة العامة التى يقودها المتهم بتنبيهه إلى تأخيره عن موعده - بفرض حصوله - لا يبيح للمتهم مخالفة القوانين و اللوائح و قيادة السيارة بحالة ينجم عنها الخطر على حياة الجمهور ، ولا يعيب الحكم التفاته عن الرد على دفاع المتهم فى هذا الشأن لانه دفاع ظاهر البطلان .

(الطعن رقم 860 لسنة 39 ق - جلسة 1969/10/27 س 20 ع 3 ص 1144 ق 226)

11-لما كان الحكم إذ عرض لما تمسك به الطاعنون فى شأن وجوب إعمال مقتضى سبب الإباحة المنصوص عليه بالمادة 63 من قانون العقوبات ، فقد اطرحه بعد أن أورد بعض المبادئ والتقديرات القانونية لأسباب حاصلها : أن رئيس جهاز المخابرات العامة ليس مسئولاً عن الطاعنين ، أو عن متابعة سير العمل بالجهات التى يعملون بها ، وأنه ليس على خط إدارى واحد معهم حتى تجب عليهم طاعته ، وأن ما صدر عنه للطاعن الأول لا يعدو أن يكون رأياً أو نصيحة ، فضلاً عن أن الطاعن المذكور نفى بأقواله وجود تدخل مباشر من رئيس الجمهورية فى شأن التعاقد على بيع الغاز وتصديره ، كما أنه ما كان للطاعن الأول أن يعرض أمر هذا التعاقد على مجلس الوزراء لعدم اختصاصه بالنظر فيه ، وأنه إنما استهدف من ذلك أن يضفى شرعية كاذبة على تصرفه وباقى الطاعنين ، كما أنه أدخل الغش على مجلس الوزراء وحجب بعض المستندات والمعلومات عنه ، وأن المجلس اقتصر دوره على الموافقة على ما أعدته الهيئة المصرية العامة للبترول دون أن يملك تعديله ، وخلص الحكم إلى أن ذلك الدفاع من الطاعنين لا يعدو أن يكون دفاعًا موضوعيًا ظاهر البطلان 0 لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه وإن كانت طاعة الرئيس بمقتضى المادة 63 من قانون العقوبات لا تمتد بأى حالة إلى ارتكاب الجرائم ، وأنه ليس على المرؤوس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم أن القانون يعاقب عليه ، إلا أن مناط ذلك وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة أن يكون الفعل الذى قارفه المرؤوس غير مشروع فى ذاته وأن تكون نية الإجرام فيه واضحة ، وإذ كان ذلك ، وكان البين من مطالعة محاضر جلسات المحاكمة وكذا مما أثبته الحكم فى مدوناته ، أن دفاع الطاعنين قد استمسك بأن ما باشروه من إجراءات فى شأن التعاقد على بيع الغاز كان بعيداً عن مظنة الانحراف وعدم المشروعية ، وأنهم قد تحروا التثبت من سلامة ما قاموا به فى شأن تلك الإجراءات ، وكان الحكم المطعون فيه وعلى النحو المار بيانه قد قعد عن إثبات اتجاه إرادة الطاعنين إلى تحقيق ربح أو منفعة للمحكوم عليه السابع بغير حق ، كما لم يدلل كذلك على قيام ركن الضرر المحقق فى جريمة الإضرار العمدي وهو ما تأدى منه قصور الحكم فى التدليل على عدم مشروعية كافة الأفعال المسند للطاعنين ارتكابها ، وكذا قصوره فى التدليل على وضوح نية الإجرام بحقهم ، وكان ما أورده الحكم فى مقام اطراحه لدفاعهم بتوافر سبب الإباحة المستند إلى نص المادة 63 من قانون العقوبات ، من أن رئيس المخابرات العامة ليس رئيساً لهم ، أو مسئولاً عن سير العمل بالنسبة لأى منهم ، وأنهم ليسوا على خط إدارى واحد معه ، لا يصلح لاطراح هذا الدفاع ، لأن هذا الذى ساقه الحكم لا ينفى أن يكون رئيس المخابرات قد باشر دوره فى شأن واقعة التعاقد على بيع وتصدير الغاز بوصفه ممثلاً لإرادة الدولة العليا فى إتمام ذلك التعاقد ، وهو ما يصح معه تصور أن يؤدى ذلك إلى انصياع الطاعنين للسير فى إجراءاته اعتقاداً منهم بوجوب ذلك ، بما يمكن أن يوفر بحقهم شروط إعمال مقتضى المادة 63 من قانون العقوبات ، هذا فضلاً عن أن ما استرسل إليه الحكم بعد ذلك دفعًا لدفاع الطاعنين فى هذا الشأن من أن ما صدر عن رئيس المخابرات العامة للطاعنين لا يخرج عن كونه رأيًا أو نصحًا لهم لا يلتزمون بالانصياع له دون أن يقيم الحكم الدليل على ذلك ، أو يستظهر كنه ذلك النصح وأثره على نفوس الطاعنين ، وكان ما أورده كذلك من أن مجلس الوزراء غير مختص بأمر التعاقد على بيع الغاز وتصديره وأن دوره اقتصر على الموافقة على ما انتهى إليه رأى الهيئة المصرية العامة للبترول دون أن يملك تعديله لا يؤدى للقول بانتفاء سلطته الرئاسية على الطاعنين ، حسبما اعتنق قضاء الحكم المطعون فيه ، بل إنه يشير إلى ما يغاير ذلك ، فضلاً عن أن الحكم لم يبين سنده فيما اعتنقه من أن مجلس الوزراء لا يملك تعديل ما انتهى إليه رأى الهيئة المصرية العامة للبترول رغم ما أثبته بمدوناته من أن رئيس مجلس الوزراء أحال الأمر لمستشاريه لإبداء الرأى قبل إصدار المجلس قراره فى شأنه بما يرشح للقول بإمكان قيامه بتعديل ذلك الرأى أو رفضه إذا قام مقتضى لذلك وفقاً لما يراه مستشاروه ، فإن كل ذلك إنما يصم الحكم بالفساد فى الاستدلال الموجب لنقضه 

(الطعن رقم 5973 لسنة 82 ق - جلسة 2013/03/25)

12 -  لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن طاعة الرئيس بمقتضى المادة 63 من قانون العقوبات لا تمتد بأي حال إلى ارتكاب الجرائم ، وأنه ليس على المرؤس أن يطيع الأمر الصادر له من رئيسه بارتكاب فعل يعلم أن القانون يعاقب عليه ، ومن ثم فإن تمسك الطاعنين الأول والثالث والخامس والسابع والتاسع بالاحتماء بحكم المادة المذكورة في مجال ارتكابهم للجرائم المسندة إلى كل منهم إطاعة منهم لأوامر رؤسائهم – على فرض حصوله - يكون غير مقبول .

(الطعن رقم 7834 لسنة 90 ق - جلسة 6 / 2 / 2021 )

شرح خبراء القانون

أداء الواجب كإستعمال الحق في أسباب الإباحة العامة فهو لا يتقيد بجريمة أو جرائم معينة فكل عمل يرتكب تنفيذاً لأمر القانون لا ينبغي أن يكون مؤاخذاً عليه جنائياً لأنه عمل مأمور به والشارع لا يتناقض بالعقاب على ما يأمر بإجرائه ويلاحظ على نص المادة 63 عقوبات أمران أولهما أن الشارع ضيق من مجاله فقصره على الموظفين العموميين وثانيهما أنه وسع فيه على الموظفين فأسقط مسئوليتهم جنائياً في حالات يكون عملهم فيها مخالفاً.

 المقصود بالموظف العام في نطاق المادة 63 عقوبات :

لتحديد المقصود بالموظف العام في حكم المادة 63 عقوبات ينبغي أن نضع في الاعتبار الغاية التي يهدف إليها النص فإذا كان النص يقرر سبباً لإباحة الأفعال التي ترتكب تنفيذاً لما أمرت به القوانين واللوائح أو الأوامر رئيس تجب طاعته فمعنى ذلك أن الإباحة مرتبطة بمزاولة الوظيفة العامة ومن أجل ذلك نجد أن المعيار الموضوعي في تعريف الموظف العام هو الذي يتفق وأهداف القاعدة المبيحة وليس المعيار الشكلي بمعنى أن من يباشر الوظيفة العامة يعتبر موظفاً عمومياً بغض النظر عن العلاقة القانونية التي تربط الشخص بجهة الدولة فالنشاط الذي يباشر هو الذي يضفي على صاحبه صفة الموظف العام طالما أنه يباشر باسم ولصالح الجهة العامة فهناك إذن شرطان لاعتبار الشخص موظفاً عام في حكم المادة 63 عقوبات الأول هو مباشرة نشاط عام من اختصاص جهة عامة والثاني أن يكون النشاط منسوباً لتلك الجهة ولا قيمة بعد ذلك أن تكون علاقة الشخص بالجهة العامة يحكمها قانون العاملين المدنيين بالدولة أو القوانين واللوائح الخاصة التي بها تتحدد علاقة الفرد بالجهة العامة، ويستوي أيضاً نوع النشاط فقد يكون نشاطاً إدارياً بحتاً كما قد يكون تشريعياً أو قضائياً وعليه فيندرج تحت مفهوم الموظف العام الضيق له وأيضاً جميع المستخدمين في المصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة ورجال القضاء والنيابة والشرطة والجيش بما فيهم المجندين منهم، والمكلفين بخدمة عامة.

صور تطبيق المادة 63 عقوبات :

نص المادة 63 عقوبات يشمل ما يؤديه الموظف العمومي قياماً بواجباته وقيامه بواجباته لا يتجاوز إحدى صورتين :

1 ـ أن يكون عمل الموظف مطابقاً للقانون سواء كان تنفيذاً لأمر رئيسه أو قياماً بواجبه في تنفيذ أوامر القانون.

2 ـ أن يكون عمل الموظف غير مطابقاً للقانون سواء كان الأمر الصادر على خلاف القانون أو خطأ الموظف في فهم واجبه.

 الحالة الأولى : عمل الموظف العمومي إذا كان مطابقاً للقانون :

يكون العمل الذي يقوم به الموظف مطابقاً للقانون في حالتين نصت عليهما المادة 63 عقوبات الأولى إذا ارتكب الفعل تنفيذاً لأمر رئيس وجبت عليه إطاعته والثانية إذا ارتكب الفعل تنفيذاً للقانون وتتفق الحالتان في أن الموظف فيهما بواجب ويختلفان في أن الموظف في الحالة الثانية يتحمل مسئولية العمل شخصياً أما في الحالة الأولى فإنه ينفذ فيها أمراً يتحمل غيره مسئوليته وعلى أي حال يجب أن يكون العمل قانونيا في الحالتين :

وإذا كان عمل الموظف مطابقاً للقانون سواء كان نتيجة لتنفيذ أمر رئيس تجب عليه إطاعته أو قياما بواجبه لتنفيذ القانون فلا مسئولية على الموظف في ذلك وهذا أمر ما كان يحتاج إلى نص لأن القانون يوجب على المرؤوس إطاعة أمر رئيس وإلا كان عرضة للمؤاخذة التأديبية كما يستلزم قيام الموظف بتنفيذ أوامر القانون وبذلك لا يكون عمل الموظف مباحاً فقط ولكنه فوق ذلك واجب مفروض فلا يترتب عليه أي مسئولية جنائية ولا مدنية.

ومن أمثلة تنفيذ أمر قانوني صادر من رئيس تجب إطاعته الجلاد وهو ينفذ حكم الإعدام والقبض على متهم بمعرفة البوليس بناءً على أمر صحيح من وكيل النيابة والمحضر الذي يبيح منقولاً للغير بناء على أمر صادر من جهة القضاء، ومن أمثلة عمل الموظف المطابق للقانون الذي يقوم به أداء لواجبه دخول وكيل النيابة منزل المتهم لتفتيشه بعد التبليغ عن جناية أو جنحة ومأمور الضبطية القضائية كذلك في أحوال التلبس أو إصدار القاضي حكماً بحبس متهم مقدم للمحاكمة.

الحالة الثانية : عمل الموظف العمومي إذا كان غير مطابق للقانون : ويكون ذلك في حالتين أيضاً الأولى إذا كان الموظف قد ارتكبه تنفيذا لأمر ليس من الأوامر الواجب عليه العمل بها أما لأن العمل المأمور به في ذاته غير جائز في القانون أو لأن الأمر به صدر ممن لا يملك إصداره أو لأن الموظف الذي أمر به ليس رئيساً له في الحقيقة ويكون الموظف المأمور قد ارتكب العمل رغم ذلك معتقدا بصحة الأمر إليه وأنه مكلف بتنفيذه مثال ذلك أن يقبض الموظف بحسن نية على إنسان بمقتضى أمر بالقبض باطل من حيث الشكل والحالة الثانية أن يكون الموظف قد أخطأ في معرفة واجبة وارتكب العمل بحسن نية اعتقاداً منه من اختصاصه كحالة الموظف الذي يقبض بحسن نية على إنسان غير الذي عين في أمر بالقبض مستجمع للشروط القانونية.

ولما كان العمل غير قانوني في هاتين الحالتين كان من المفروض أن يسأل الموظف جنائياً عنه ولكن الشارع رأي ضمانا لما يجب للموظفين العموميين من الطمأنينة في القيام بأعمالهم إعفاء الموظف من المسئولية الجنائية بشرطين .

(1) أن يكون حسن النية معتقداً مشروعة العمل.

(2) أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأن اعتقاده بمشروعية بني على أسباب معقولة.

حسن النية : وحسن النية معناه أن الموظف يجهل العيب الذي يشوب فعله وأنه لهذا يعتقد أن فعله مشروع. وعلى هذا فإذا جاوز الموظف اختصاصه فحسن نیته یعنی جهله بذلك واعتقاده على العكس بأنه يأتي فعلاً داخلاً في حدود اختصاصه وكذلك إذا نفذ الأمر لرئيس لا تجب طاعته فحسن نيته تعني جهله بالعيب واعتقاده أن إنفاذ أمراً لرئيس واجب عليه.

 أما شرط التثبت والتحري :فمفاده أن الموظف قد بذل جهداً معقولاً في سبيل التحقيق من مشروعية الفعل الذي أتاه أما إنفاذه للقانون أو الأمر الرئيس وهذا الجهد هو جهد الرجل العادي في مثل وظيفته ومركزه والوقت المتاح له ولايطلب منه - في مثل هذه الأحوال - أن يناقش الأمور مناقشة الفقيه بل يكفى ألا يكون الغلط الذي وقع فيه سواء أكان غلطا في الواقع أو في القانون غلطاً مكشوفاً يستطيع أن يتبينه فإن جاز عليه فهو حسن النية ولكنه لم يؤد واجبه في التثبت والتحري لكشف الغلط .

وخلاصة ذلك أن القانون يشترط شرطين لإباحة العمل غير القانوني الذي أتاه الموظف تنفيذا للقانون أو أمر الرئيس الأول شرط حسن النية والثاني شرط التثبت والتحري ولا يغني أحدهما عن الآخر كما أنهما واجباً معاً لإباحة العمل في هذه الحالة إباحة لا يترتب عليها مسئولية جنائية.

 إثبات حسن النية والتثبت والتحري :إن قاعدة على صاحب الدفع عبء إثباته لا يعمل بها في المسائل الجنائية لخطورتها فعلى النيابة أن تثبت ليس فقط توافر أركان الجريمة بل أيضاً عدم قيام سبب يحول دون معاقبة المتهم وعلى المحكمة أن تتحرى بنفسها حقيقة الظروف التي ارتكب فيها الفعل فلا تقضى بالإدانة إلا إذا توافرت العناصر اللازمة لذلك، وعلى خلاف هذا الأصل جاءت الفقرة الأخيرة من المادة 63 عقوبات فألقت على عاتق المتهم عبء إثبات حسن النية والتثبت والتحري وجاء في تعليقات الحقانية أنه "مما يؤول أن تشدد المحاكم فيما يختص بالإثبات المقدم" وليس في هذا الشرط مغالاة من المشرع لأنه إذا كان يسوى بين العمل القانوني والعمل غير القانوني حتى لا يدعو تهديد الموظف بمسئولية مطلقة إلى تردده فيما هو من وظيفته مما يلحق ضرراً بالمصلحة العامة فمن الواجب أيضا ألا يغفل جانب الأفراد الذين يعتدي على حقوقهم مما مقتضاه التنبيه إلى عدم الإقدام على العمل ما لم يكن بيد الفاعل الدليل على قيام أسباب معقولة تبرر اعتقاده بمشروعية العمل.

(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الأول ،  الصفحة: 648)

إستعمال السلطة

تباشر الدولة مجموعة من الاختصاصات يحددها الدستور والقانون ، وبعض هذه الاختصاصات يفترض مساساً بالحقوق والمصالح التي يحميها الشارع الجنائي ، ولكن هذا المساس هو فی سبیل مصلحة المجتمع ، وقد أقره القانون ونظمه ، ومن ثم لا يكون بد من إباحته، وتباشر الدولة اختصاصاتها بواسطة عدد من الأشخاص يعملون باسمها ولحسابها ، فهم الذين يأتون الأفعال الماسة بالحقوق والمصالح ، وإلى هذه الأفعال تتصرف الإباحة، واختصاصات الدولة الحديثة متسعة ، وليس من اليسير رسم الحد الذي ينتهي عنده اختصاص الدولة ليبدأ مجال الحقوق التي يحظر على الدولة المساس بما لها من حصانة وحرمة ، ومن ثم كان محتملاً أن يجاوز الموظف العام حدود الاختصاص المخول له ليدخل في مجال الحقوق التي تلتزم الدولة بصيانتها وهو يعتقد أنه مازال في نطاق اختصاصه، وفي هذه الحالة لا يكون مفر من التماس العذر له وإعفائه من المسئولية الجنائية .

وقد نص الشارع على استعمال السلطة في المادة 63 من قانون العقوبات فقرر أنه «لا جريمة إذا وقع الفعل من موظف أميري في الأحوال الآتية :

 (أولاً) إذا ارتكب الفعل تنفيذا لأمر صادر إليه من رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة عليه .

 (ثانياً) إذا حسنت نيته وارتكب فعلاً تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه، وعلى كل حال يجب على الموظف أن يثبت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحرى وأنه كان يعتقد مشروعيته وأن اعتقاده كان مبنياً على أسباب معقولة » .

تضمن نص القانون حالتين : الأولى ، تنفيذ الموظف العام أمر رئيس وجبت عليه إطاعته أو اعتقد أنها واجبة، والثانية ، ارتكابه الفعل تنفيذاً لما أمرت به القوانين أو ما اعتقد أن إجراءه من اختصاصه، وضابط هذه التفرقة هو كون الفعل تصرفاً تلقائياً للموظف العام ، أي استعمالاً لسلطة مخولة له أو يعتقد له أنها مخولة له؛ أو كونه تتفيذاً لأمر صادر إليه من موظف عام آخر، وأهمية هذه التفرقة أن الموظف في الحالة الأولى يتحمل وحده مسئولية عمله في حين يشترك معه في الحالة الثانية موظف آخر، ولكن ليست لهذه التفرقة أهمية من حيث تحديد نصيب الفعل من الإباحة، ونرى أن التفرقة المنطقية يتعين أن تكون بين حالتين : الأولى ، حيث يكون الفعل تنفيذا لما أمرت به القوانين أو تنفيذاً لأمر رئيس وجبت إطاعته ؛ والثانية، حيث يكون الفعل تنفيذا لما اعتقد الموظف أن إجراءه من اختصاصه أو تنفيذا لأمر رئيس يعتقد أن إطاعته واجبة عليه، وأهمية هذه التفرقة أن الإباحة في الحالة الأولى لا تثير شكاً، إذ الموظف لم يفعل غير تنفيذ القانون أو تنفيذ أمر رئيس يلزمه القانون بطاعته، أما الحالة الثانية فالإباحة فيها محل للشك ، إذ العمل في ذاته غير قانونی ، لأن الموظف قد أتي ما ليس في اختصاصه أو نفذ أمراً لا تجب عليه إطاعته ، ولكنه اعتقد دخول الفعل في اختصاصه أو اعتقد التزامه بتنفيذ هذا الأمر .

تحديد مدلول الموظف العام

المشكلة التي يثيرها تحديد مدلول الموظف العام هي معرفة ما إذا كان قانون العقوبات يسلم بالمدلول الذي يحدده القانون الإداري التعبير « الموظف العام » ، أم أنه يحدد له مدلولاً متميزاً على أساس من الاعتبارات التي يقوم عليها هذا السبب للإباحة، وللقول بأحد الرأيين أهمية في تحديد وضع بعض الأشخاص الذين تستعين بهم الدولة على الرغم من أنه ليست لهم في القانون الإداري صفة الموظف العام .

مدلول الموظف العام في القانون الإداري : لا يعرف القانون الإداري مدلولاً واحدا للموظف العام ، إذ تتعدد مدلولاته بتعدد وجهات النظر إليه : فللموظف العام مدلول إذا كنا نعني به من تترتب على أفعاله مسئولية الدولة ، وله مدلول آخر إذا أردنا به من يخضع للسلطة التأديبية للدولة ، وله مدلول ثالث إذا كنا نعنى به من يستفيد من ضمانات الكادر الإداري ومزاياه، ولكن المدلول الشامل الذي يتسع لأغلب أغراض القانون الإداري يضع للموظف العام هذا التعريف : « كل شخص يشارك على نحو عادي في سير مرفق عام يدار بطريق الاستغلال المباشر فيشغل فيه وظيفة دائمة ». وهذا التعريف وضع ليلائم أهداف القانون الإداري ووظيفته في النظام القانوني العام ، ولم يكن في ذهن وضعية ملاءمته لتحديد نطاق سبب الإباحة الذي تنص عليه المادة 63 من قانون العقوبات ؛ وهو بالإضافة إلى ذلك تعريف ضيق ، إلا يخرج من نطاقه المكلفون بخدمة عامة والموظفون الفعليون والأجراء الذين تربطهم بالدولة علاقة تعاقدية .

مدلول الموظف العام في المادة 63 من قانون العقوبات : تحديد مدلول الموظف العام في تطبيق هذا السبب للإباحة ينبغي أن يكون على أساس من الاعتبارات التي تقوم عليها الإباحة : فالشارع قد أراد به تمکین الدولة من مباشرة اختصاصها على النحو الذي يحدده القانون ، وتباشر الدولة هذه الاختصاصات عن طريق أشخاص تستعين بهم ، ويعني ذلك أن « كل شخص يباشر طبقاً للقانون جزءاً من اختصاصات الدولة » يعد موظفاً عام ، وتقوم الحاجة إلى تمكينه من إتيان الأفعال الضرورية أو الملائمة المباشرة هذا الاختصاص ، ويقتضي ذلك بداهة إباحة هذه الأفعال بإعتبارها صادرة في نطاق القانون .. والتعريف الذي نقول به متسع ، إذ لا يتقيد بالمعايير الإدارية ، فليس بشرط أن يشغل الموظف وظيفة دائمة : فالمكلف بخدمة عامة ، وهو من تستعين به الدولة على نحو مؤقت يعد موظفاً عاماً، فالطبيب الذي تكلفه الدولة وقت انتشار وباء بحقن الناس بالمصل الواقي ولو جبراً ، أو تخوله سلطة إتلاف الأشياء التي قد تساهم في نشر الوباء يستفيد من هذا السبب للإباحة، والموظف الفعلي ، وهو من كان تعيينه باطلا أو لم يصدر قرار بتعيينه ، ولكنه باشر فعلاً بعض اختصاص الدولة ، يعد موظفاً عاماً فتباح أفعاله بشرط أن تكون صحيحة طبقاً للقانون الإداري ، إذ تتمثل فيها مباشرة الدولة لبعض اختصاصها في صورة اعترف بها القانون، ويعد موظفاً عاماً كذلك كل شخص تباشر الدولة عن طريقه جانباً من اختصاصها ، ولو كان ما يربطه بها هو أحد عقود القانون الخاص ، مثال ذلك خبير أجنبي استعانت به الدولة ، ولم يكن جائزاً - بإعتباره أجنبياً - أن يعين في وظيفة دائمة ، أي لم يكن موظفاً طبقاً للقانون الإداري، وتطبيق هذا المعيار يقتضي تحديد اختصاص الدولة والتحقق من أن القانون يخول - في صورة من الصور - الشخص الذي يستند إلى الإباحة جزءا من هذا الاختصاص ، وتحديد اختصاص الدولة يقتضي الرجوع إلى العديد من القواعد القانونية، ويختلف نطاقه بإختلاف السياسة العامة للدولة .

وإذا تخلينا عن الضوابط التي يعتمد عليها القانون الإداري في تحديد مدلول الموظف العام ، فنحن من باب أولى نقر الفقه الإداري في تخليه عن الضوابط التي يرى أنها غير ذات قيمة في تحديد هذا المدلول، فليس بشرط أن يتقاضى الموظف العام مرتباً، وسواء عمله في مرفق إداري أو مرفق صناعي أو تجاري تديره الدولة، وسواء تبعيته للحكومة المركزية أو الهيئات اللامركزية، وليس بشرط كذلك أن يتفرغ لعمله الرسمي ، فقد يصرح له بأن يجمع إلى جانبه مهنة حرة أو عملاً في مشروع خاص .

وقد عرفت محكمة النقض الموظف العام بأنه « من يولى قدراً من السلطة العامة بصفة دائمة أو مؤقتة أو تمنح له هذه الصفة بمقتضى القوانين واللوائح سواء أكان يتقاضى مرتباً من الخزانة العامة كالموظفين والمستخدمين الملحقين بالوزارات والمصالح والمجالس البلدية ودار الكتب أم كان مكلفاً بخدمة دون أجر كالعمد والمشايخ ومن إليهم »، وواضح هجر المحكمة للتعريف السائد في القانون الإداري ، وتوسعها في تحديد مدلول الموظف العام بالقدر الذي كان ضرورياً للبت فيما كان معروضاً عليه.

حكم غير الموظف :

الأحكام التي تتضمنها المادة 63 من قانون العقوبات خاصة بالموظف العام ، ومن ثم لا يستفيد منها من لم تكن له هذه الصفة ، وإن كانت العلاقة بينه وبين من أصدر الأمر تفرض عليه الطاعة. فالزوجة إذا نفذت أمر زوجها ، والإبن إذا نفذ أمر والده، والخادم إذا نفذ أمر مخدومه لا يكون لهم الإحتجاج بهذه المادة .

على أنه إذا كان الأمر في ذاته مطابقاً للقانون ولم يكن الشارع يتطلب أن يقوم بتنفيذه موظف عام ، فالفعل الذي يرتكب تنفيذا له مباح تطبيقاً للقواعد العامة، أما إذا كان مخالفاً للقانون فالفعل غير مشروع، ويسأل مصدر الأمر ومنفذه باعتبارهما مساهمين في جريمة ، وإن كان لمنفذ الأمر أن يحتج للتخلص من المسئولية بحسن نيته إذا كانت ثقته فيمن أصدر الأمر قد جعلته يعتقد أنه مطابق للقانون ولم يكن في قواعد القصد الجنائي ما يحول دون هذا الاحتجاج؛ وله كذلك أن يحتج بالإكراه أو حالة الضرورة إذا أثبت أن عدم تنفيذ الأمر كان يعرضه لخطر تتوافر به شروط الإكراه أو الضرورة.

العمل القانوني:

يكون عمل الموظف العام قانونياً في حالتين : إذا كان الفعل تنفيذاً لما أمر به القانون، أو كان تنفيذاً لأمر رئيس تجب عليه إطاعته، والإباحة في الحالتين واضحة ، إذ القانون يأمر الموظف بالعمل ، ويأمر بإطاعة الرئيس ، فهو في الحالتين في نطاق القانون .

الفعل تنفيذاً لما أمر به القانون :

تضم هذه الحالة في الحقيقة وضعين :

  الأول ، محله أن يلزم القانون الموظف بالعمل .

والثاني ، محله أن يرخص له به ، أي يمنحه سلطة تقديرية في أن يأتيه أو لا يأتيه . فإذا ألزم القانون الموظف بالعمل ، أي حدود شروط قيامه به وفرضه عليه إذا توافرت هذه الشروط فلا صعوبة ، فاختصاص الموظف محدد ولا مجال فيه السلطة تقديرية ، فيقتضي ذلك القول بأن الفعل يستمد صفته المشروعة من القانون مباشرة، أما إذا كانت للموظف سلطة تقديرية ، كعضو النيابة العامة بالنسبة إلى سلطته في حبس المتهم احتياطياً أو تفتيش مسكنه ، فإن ما يأتيه في حدود هذه السلطة التقديرية يكون مشروعا كذلك ، إذ القانون هو الذي منحها ورخص له أن يأتي من الأفعال ما هو داخل في نطاقها، ولكن يتعين أن تتوافر كل الشروط التي يتطلبها القانون لمباشرة السلطة التقديرية، فينبغي أن يتوافر السبب المنشيء لهذه السلطة، أي الواقعة التي يرتب القانون عليها تخويل الموظف السلطة التقديرية كي يتصرف في مواجهة هذه الواقعة ؛ ويتعين أن يكون عمل الموظف مطابقاً للشروط الشكلية والموضوعية التي يتطلبها القانون ؛ ويتعين في النهاية أن يستهدف غاية مشروعة، واستهداف الغاية المشروعة يعني اشتراط حسن نية الموظف، ولأهمية هذا الشرط نبحثه تفصيلاً.

حسن النية :

لحسن النية في هذا الموضع عين مدلوله في استعمال الحق، فيتعين أن يستهدف الموظف العام باستعمال السلطة التقديرية تحقيق الغاية الذي من أجلها خوله القانون هذه السلطة، فإن استهدف غاية سواها ففعله غير مشروع، فالقانون يخول المحقق سلطة حبس المتهم احتياطياً لتفادي هربه أو تشويه أدلة الإتهام ، فإن حبسه لمجرد الإنتقام ففعله غير مشروع، ولو توافرت الشروط الموضوعية التي تجعل من سلطته الأمر بالحبس، وإذا استهدف الموظف بفعله غرضاً غير ما حدده القانون - إلى جانب استهدافه الغرض الذي حدده القانون - ففعله مشروع ، إذ أن ابتغاء الغرض القانوني كاف لإباحة الفعل، مثال ذلك المحقق الذي يصدر أمراً بالحبس الاحتياطي يستهدف به مصلحة التحقيق ، ويبتغي به في الوقت نفسه الإنتقام من المتهم، وعلى هذا النحو، فإن الحسن النية في هذا الموضع مدلولا يختلف عن مدلوله إذا كان عمل الموظف غير قانونی، حيث يكون معناه جهل الموظف عيب فعله واعتقاده أنه مشروع .

هل يتطلب القانون اجتماع أمر القانون وأمر الرئيس ؟ هل يكفي أمر القانون لإباحة الفعل ، أم يشترط بالإضافة إلى ذلك صدور أمر من رئيس بإتيانه ؟ يستخلص من عبارة المادة 63 كفاية أمر القانون ، فالشارع يستعمل لفظ «أو» في نصه على حالات الإباحة ، ويذكر حالتين كل منهما كافية بمفردها للإباحة، ولا شك في صحة ذلك حيث يكون الموظف - بالنسبة إلى العمل الذي يقوم به - في مركز الرئيس المختص، مثال ذلك أمر عضو النيابة العامة بحبس المتهم احتياطيا أو تفتيش مسكنه، ولكن القانون في بعض الأحوال يرخص للموظف أو يوجب عليه عمله ويقيده بوجوب صدور أمر من رئيس بإتيان ذلك العمل، ويفعل القانون ذلك حيث يكون العمل خطيراً، فيكون من الملائم إحاطته بضمانات، خاصة تتمثل في ضرورة الأمر به من رئيس مختص ، وفي هذه الأموال يكون الفعل غير مشروع ما لم يصدر أمر الرئيس  : فالجلاد لا يجوز له تنفيذ حكم الإعدام في شخص حكم عليه به ما لم يصدر أمر بذلك من السلطة المختصة ؛ ومأمور السجن لا يجوز له أن يحبس شخصاً إلا بناءً على أمر موقع عليه بذلك من السلطة المختصة، وعلى هذا النحو ، يكون متعیناً - في هذه الأحوال - اجتماع أمر القانون وأمر الرئيس .

الفعل تنفيذاً لأمر رئيس وجبت إطاعته :

الإباحة لا تثير عندئذ شكاً فالقانون يلزم المرؤوس بإطاعة رئيسه ، وبذلك يكون تنفيذ الأمر تنفيذاً للقانون في الوقت نفسه ، والفرض في هذه الحالة أن الأمر الصادر من الرئيس مشروع ، ويعني ذلك اجتماع أمر القانون وأمر الرئيس ، مثال ذلك الأمر الصادر من النيابة العامة إلى مأمور الضبط القضائي بتفتيش مسكن ، والأمر الصادر من النيابة العامة إلى مأمور سجن بحبس شخص ، ونستخلص من ذلك أن أمر الرئيس لا تجب إطاعته إلا إذا كان مطبقاً للقانون ؛ أما إذا خالف القانون ، فعمل المرؤوس تنفيذاً لهذا الأمر يكون غير قانونی ، ويدخل في نطاق الحالة الثانية التي نصت عليها المادة 63 من قانون العقوبات ، ويعني ذلك أن أمر الرئيس وحده عاجز عن إسباغ صفة مشروعة على فعل مخالف للقانون .

وإذا كان أمر الرئيس مطابقاً للقانون ، فتنفيذه مشروع ولو اعتقد المرؤوس أنه مخالف للقانون ، ذلك أن أسباب الإباحية ذات طبيعة موضوعية ، فإذا توافرت شروطها تحقق أرها دون إعتداد بعقيدة من ارتكب الفعل فالجهل بالإباحة لا يحول دون الإستفادة منها، وحسن النية الذي يتطلبه القانون هو استهداف الموظف بتنفيذ الأمر تحقيق الغرض الذي من أجله خول القانون الرئيس سلطة إصدار هذا الأمر، وقد يؤدي الجهل بالأمر أو الإعتقاد بأنه مخالف للقانون إلى انتفاء حسن النية ، كما لو فتش مأمور الضبط مسكناً جاهلاً صدور الأمر بذلك من النيابة العامة ، وجاهلاً تبعاً لذلك أن مصلحة التحقيق تقتضيه ، ومستهدفاً مجرد الإنتقام، فانتفاء الإباحة لا يرجع إلى الجهل بها ، ولكنه يرجع إلى انتفاء حسن النية .

العمل غير القانوني

يكون العمل غير قانوني في حالتين : إذا اعتقد الموظف - خلاف الحقيقة - أن الفعل من اختصاصه ، أو نفذ أمر رئيس أعتقد أن إطاعته واجبة عليه، ويعني ذلك أن الفعل ليس من اختصاص الموظف ، وأن إطاعة مصدر الأمر ليست واجبة عليه ، ومن ثم يكون عمله غیر قانونی .

إعتقاد الموظف أن الفعل من اختصاصه : الفرض في هذه الحالة أن القانون لا يرخص للموظف بالعمل الذي قام به ، أي أنه يحظره عليه  لمجاوزته الحدود المرسومة لاختصاصه ، مثال ذلك أن يصدر عضو النيابة العامة أمراً بالقبض على متهم بجريمة لا يجيز القانون القبض فيها ،أو أن يقبض مأمور الضبط القضائي على شخص غير الذي عين في أمر بالقبض مستجمع للشروط القانونية ، ونلاحظ أنه على الرغم من خروج العمل عن نطاق اختصاص الموظف فصلته واضحة بالأعمال التي يختص بها ، بحيث يكون تخطيه اختصاصه وليد عدم الدقة في معرفة حدوده ،ولذلك لا يكون محل لهذه الحالة حينما يكون عمل الموظف من نوع مختلف عما يختص به، كما لو أصدر مأمور الضبط القضائي أمراً بهدم بناء ، أو إصدار عضو النيابة العامة أمراً بتوقيع عقوبة ، أو أصدر موظف إداري أمراً بحبس متهم احتياطياً ، إذ لا يكون وضع الموظف أنه جاوز حدود اختصاصه ، وإنما يكون وضعه أنه استبدل باختصاصه اختصاصاً مختلفاً ، فهو ليس مستعملاً سلطة ، وإنما هو مغتصب لها.

اشتراط كون عمل الموظف مرتبطاً باختصاصه لم ينص عليه القانون ولكنه متصل بعلة الإعفاء من المسئولية ، إذ أن الشارع يريد توفير الطمأنينة للموظف في مباشرته اختصاصه ، فلا يسأله إن جاوز حدوده ، أما إذا اغتصب اختصاصاً ليس له ، فلا مبرر من المصلحة العامة لإعفائه من المسئولية ، وقد أقرت محكمة النقض ذلك بالنسبة لحظر الدفاع الشرعي في مواجهة مأموري الضبط (نقض 22 أكتوبر سنة 1945 مجموعة القواعد القانونية ج 6 رقم 619 ص 768)، ونرى أن العلة في الحالتين واحدة .

وعمل الموظف الذي جاوز اختصاصه عمل غير مشروع، إذ لم يكن على مقتضى القانون ، وغلط الموظف بإعتقاده دخول العمل في اختصاصه ليس من شأنه إسباغ صفة مشروعة عليه ، إذ أن أسباب الإباحة ذات طبيعة موضوعية ، فلا تقوم على غلط متجرد من كل قيمة موضوعية به ولكن الشارع أعفي الموظف من المسئولية الجنائية ، إن توافرت شروط معينة .

تنفيذ الموظف أمر رئيس أعتقد أن إطاعته واجبة عليه :

لا يعني الشارع بهذه الحالة أن الموظف قد نفذ أمر شخص لا يخوله القانون سلطة إصدار الأمر إليه ، كما لو نفذ مأمور الضبط القضائي أمراً صادراً من موظف إداري ليست له سلطة توجيه الأوامر إلى مأموري الضبط ، فحكم هذه الحالة واضح، فإذا كان الأمر مطابقاً للقانون، ولم يكن الشارع، يحيطه بضمانات خاصة ، فيتطلب صدوره من موظف معين أو تنفيذه عن طريق موظف معين ، فالعمل مشروع إستناداً إلى القواعد العامة، وإلا فهو غير مشروع، وإنما يعني الشارع صدور الأمر من رئيس له سلطة توجيه الأمر إلى مرؤوسه، ولكن هذا الأمر غير مطابق للقانون ، فهو بذلك غير واجب التنفيذ، والمرءوس غير ملزم بإطاعة رئيسه ؛ ولكن عيب الأمر خفي على المرؤوس، فهو لذلك يعتقد أن إطاعة الرئيس فيه واجبة .

وتتسع هذه الحالة الكل العيوب التي تشوب الأمر الصادر من الرئيس : فقد يكون الأمر معيباً من حيث الشكل ، كما لو نفذ مأمور الضبط القضائي أمراً بالقبض أو التفتيش غير مستوف شروط صحته الشكلية، وقد يكون العمل مخالفاً للقانون من حيث الموضوع ، كما لو أمر الرئيس مرؤوسه بتزوير أوراق أو إختلاس أموال الدولة .  

تنطوي هذه الحالة على التعارض بين أمر القانون وأمر الرئيس ، ولا شك في أن حسم هذا التعارض إنما يكون بتغليب أمر القانون ، فلا طاعة المخلوق في معصية القانون ، ويعني ذلك أن فعل المرؤوس غير مشروع في ذاته ، إذ يخالف قواعد القانون ، وأمر الرئيس لا يقوى على تجريده من عيبه  .

هل يشترط أن يكون الأمر مرتبطاً بإختصاص الرئيس ؟ أجابت على ذلك محكمة النقض بقولها « يشترط للإعفاء من هذه المسئولية أن يكون الأمر ذا علاقة بشئون الأمر الرسمية واختصاصاته القانونية » نقض 25 ديسمبر سنة 1956 مجموعة أحكام محكمة النقض س 7 رقم 365 ص 1331، ومحكمة النقض على حق فيما تقوله ، إذ أن علة الإعفاء توفير الطمأنينة للمرءوس وهو ينفذ ما يختص به رئیسه ؛ ويلاحظ أنه إذا كان العمل غير ذي صلة بإختصاص الرئيس ، فالغالب أن يدرك المرؤوس ذلك فينتفی حسن النية لديه، ولا يكون للإعفاء من المسئولية محل .

ولكن الشارع رأي إعفاء المرؤوس من المسئولية الجنائية إذا توافرت شروط معينة.

حسم الشارع بالتنظيم الذي وضعه المشكلة التي تثور حول معرفة ما إذا كان القانون  يرخص للمرءوس فحص أمر رئيسه وتقدير نصيبه من المشروعية ثم الامتناع عن تنفيذه إذا قدر کې أنه غير مشروع : فطالما كان عيب الأمر خافياً على المرؤوس ولم يكن من شأن التثبت والتحرى كشفه ، فهو ملتزم - طبقاً للقواعد الإدارية التي تحكم الصلة بينه وبين رئيسه - بتنفيذ الأمر ، ذلك أن قانون العقوبات بإعفائه من المسئولية يزيل كل عقبة تعترض تطبيق القواعد الإدارية السابقة، ولكن إذا كان العيب واضحاً ، سواء من تلقاء نفسه أو بعد البحث والتحري ، فإن تهديد القانون للموظف بالعقاب يتضمن في الوقت نفسه الإلزام بالامتناع عن التنفيذ ، وأبرز حالات وضوح العيب أن يكون الأمر بإرتكاب جريمة .

الشروط المتطلبة لإعفاء الموظف من المسئولية الجنائية :

تطلب القانون في الحالتين لإعفاء الموظف من المسئولية الجنائية أن يتوافر شرطان :

 الأول ، حسن نيته ؛ والثاني ، ثبوت أنه لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحرى ، وأن اعتقاده مشروعيته قد بني على أسباب معقولة .

 حسن النية : يريد الشارع بحسن النية جهل الموظف العيب الذي يشوب فعله واعتقاده – بناء على هذا الجهل - أن الفعل مشروع، والضابط في اعتداد القانون بالجهل أن يبلغ الحد الذي ينفي القصد الجنائي، وسند هذا الضابط أن الاعتبار الذي يتصور أن يعتمد القانون عليه الإعفاء الموظف من المسئولية - على الرغم من مخالفة فعله للقانون - هو انعدام الركن المعنوي للجريمة ، وأوضح صور انعدام هذا الركن هي انتفاء القصد الجنائي .

فإذا جاوز الموظف حدود اختصاصه ، فحسن نيته يعني جهله ذلك ، واعتقاده دخول فعله في نطاق اختصاصه، وإذا نفذ أمر رئيس لا تجب عليه إطاعته ، فحسن نيته يعني جهله عيب الأمر واعتقاده صحته وأن تنفيذه واجب عليه، وإذا حددنا حسن النية بأنه الجهل الذي ينفي القصد الجنائي من فإنه يتعين الرجوع إلى أحكام القصد الجنائي لتحديد مدلول ذلك الجهل، تقرر القواعد المستقرة في الفقه والقضاء الاعتداد بالجهل أو الغلط في الوقائع أو في القواعد القانونية التي لا تنتمي إلى قانون العقوبات لنفي القصد الجنائي، وتقرر هذه القواعد كذلك عدم الإعتداد بالجهل أو الغلط المتعلق بقانون العقوبات .

بينت محكمة النقض المراد بحسن النية ، فذكرت أنه إذا كان المتهم يعمل في ظروف تجعله يعتقد أنه إنما كان يباشر عملاً له صبغته الرسمية فإذا ما ارتكب فعلا ينهى عنه القانون تنفيذاً لأمر صادر إليه من رئيسه الذي تجب عليه طاعته فإنه لا يكون مسئولاً على أي الأحوال، وأضافت إلى ذلك أن المقرر أن الجهل بأحكام أو قواعد قانون آخر غير قانون العقوبات أو الخطأ فيها ، وهو في هذه الحالة الخطأ في فهم أسس القانون الإداري ، يجعل الفعل المرتكب غير مؤثم (نقض 25 ديسمبر سنة 1956 مجموعة أحكام محكمة النقض س 7 رقم 365 ص 1331).

وتطبيقاً لذلك ، فإن كان جهل الموظف متعلقاً بالوقائع ، كما لو قبض على شخص غير المعين في أمر القبض متأثراً بإشتراكهما في الاسم ؛ أو كان جهله متعلقاً بقاعدة قانونية لا تنتمي إلى قانون العقوبات ، كما لو أعتقد أن أحكام القانون المدني أو الإداري تخول الدولة ملكية شيء لأحد الأفراد فاستولی عليه ، فهو في الحالتين حسن النية، ولكن إذا كان جهله متعلقاً بقاعدة قانونية تنتمي إلى قانون العقوبات ، كما لو عذب مأمور الضبط متهما لحمله علی الإعتراف، معتقداً أن القانون يبيح له ذلك، أو نفذ أمر رئيس بإحراق مسكن الأحد الأفراد معتقداً هذا الأمر واجب التنفيذ ، فهو سيء النية.

ثبوت أن الموظف لم يرتكب الفعل إلا بعد التثبت والتحري وأن اعتقاده مشروعية فعله بنى على أسباب معقولة : يريد الشارع بهذا الشرط أن يبذل الموظف المجهود الذي يسعى للتحقق من مشروعية فعله ، أي للتحقق من أن الفعل داخل في اختصاصه، أو أن الأمر الصادر من الرئيس لا يشوبه عيب، ولابد من الإعتداد بكل ظروف الموظف لتحديد مقدار المجهود الذي يطلب منه لذلك ويلام إن لم يبذله : فيتعين أن يراعى درجة ثقافته ومقدار خبرته ومدى الوقت الذي كان متاحاً له أن يفكر خلاله قبل أن يقدم على تصرفه ، وغير ذلك من الظروف التي تختلف بإختلاف الحالات ويستحيل حصرها، وفي تعبير آخر ، يتعين على القاضي أن يفترض موظفاً معتاداً يلتزم في أعماله قدراً عادياً من العناية والإحتياط ، أحاطت به ذات ظروف الموظف المتهم ، ويتساءل عن مقدار المجهود الذي كان يبذله للتحقق من مشروعية الفعل : فإذا تبين أنه كان يبذل مجهودا معادلاً أو أقل مما بذله المتهم ، فإن شرط التثبت والتحري وقيام الإعتقاد بالمشروعية على أسباب معقولة يعد متوافراً أما إذا ثبت أنه كان يبذل مجهوداً أكبر فهذا الشرط يعد غير متوافر، وعندئذ يكون تصرف المتهم صادراً عن طيش واستهانة بالحقوق التي يحميها القانون .

العلاقة بين الشرطين : هل يتطلب القانون اجتماع الشرطين ، وما الحكم إن لم يتوافر غير أحدهما ؟ وهل بين الشرطين ارتباط بحيث يعد توافر أحدهما متوقفاً على توافر الآخر، وفي تعبير أدق : هل حسن النية مجرد اعتقاد بمشروعية الفعل ، أم أنه يتطلب قيام هذا الإعتقاد على أسباب معقولة واستناده إلى التثبت والتحري .

لا جدال في أنه إذا توافر الشرطان معاً فلا يسأل الموظف قط :فالإعتقاد بأن الفعل مشروع ينفي القصد الجنائي ؛ والتثبت والتحري ينفيان الخطأ غير العمدي ، فلا يكون محل لقيام الركن المعنوي للجريمة في أي صورتيه ، والقاعدة ألا جريمة بغير رکن معنوی، وإذا تساءلنا عن حكم الفعل إذا لم يتوافر غير أحد الشرطين ، وعلى وجه التحديد : إذا تساءلنا عن حكم الفعل إن كان مرتكبه حسن النية ولكن ارتكبه دون التثبيت والتحري الواجبين ، فإن الإجابة على هذا التساؤل متوقفة على تحديد مدلول حسن النية ، وما إذا كان مجرد اعتقاد بمشروعية الفعل ، أم أنه بالإضافة إلى ذلك يفترض قيام هذا الإعتقاد على أسباب معقولة بعد التثبت والتحري .

إذا فسرنا حسن النية بأنه يعني الجهل أو الغلط النافي للقصد الجنائي تعين القول بأن مجرد الاعتقاد بمشروعية الفعل بناء على جهل أو غلط فی الوقائع أو في قاعدة قانونية غير منتمية إلى قانون العقوبات كاف لتوافر حسن النية ، ولو لم يكن ثمة تثبت أو تحرى ، ذلك أن القصد الجنائي يتطلب علماً محيطا بكل الوقائع والعناصر التي تقوم عليها الجريمة ، فإذا انتفى هذا العلم انتفى القصد حتماً ولو كان الجهل وليد خطأ جسيم، إذ القاعدة في القانون الجنائي أن الخطأ الجسيم لا يعدل القصد .

ولكن بعض الآراء ذهبت إلى القول بأن حسن النية لا يقوم بالإعتقاد مجرداً ، وإنما يتطلب التثبت والتحري وقيام هذا الإعتقاد على أسباب معقولة ، وبذلك مزجت بين الشرطين وجعلت الاعتقاد المجرد بمشروعية الفعل مجرداً من الأثر القانوني .

وقد رجعت هذه الآراء إلى المادة 52 من قانون العقوبات الهندي التي عرفت حسن النية وتطلبت لقيامها بذل العناية والإنتباه الواجبين، ويعني ذلك أن حسن النية يقتضي بذل مجهود صادق لإدراك حقائق الأشياء، وأنه لا يقوم بقبول سلبي الفكرة غير صحيحة.

ونحن نرى أن حسن النية هو اعتقاد الموظف مشروعية فعله طالما كان اعتقاده مستنداً إلى جهل أو غلط في الوقائع أو قواعد القانون التي لا تنتمي إلى قانون العقوبات ، وينفي حسن النية القصد الجنائي فلا يكون محل المسئولية الموظف عن جريمة عمدية، فإن تبين أن الموظف لم يقم بالتثبت والتحري الواجبين ، فمعنى ذلك أنه لم يتصرف على النحو الذي تقضي به واجبات الحيطة والحذر المفروضة عليه ، ويستتبع ذلك القول بتوافر الخطأ غير العمدي - إن توافرت سائر عناصره - ومسئولية الموظف عن جريمة غير عمدية، ولكن الأمور لا تعرض في العمل بهذه البساطة، فإذا ادعی الموظف أنه كان يعتقد مشروعية فعله ، فمن واجب القاضي أن يحقق دفاعه وأن يبحث في ظروف الواقعة عن الدليل الذي يؤيد الدفاع أو يكذبه ، وغني عن البيان أنه إذا ادعى الموظف ذلك ، ولكن كانت الظروف ناطقة بإنعدام مشروعية الفعل بحيث لم يكن معقولاً جهل شخص معتاد لها، فإن من واجب القاضي استبعاد هذا الدفاع ، وإنكار حسن النية استنادا إلى أن اعتقاد الموظف لم يكن مستنداً إلى أسباب معقولة بحيث يستطيع القاضي أن يشترك معه فيه ويسلم له به، وبالإضافة إلى ذلك ، فإن قيام الموظف بمجهود إيجابي للتثبت والتحري عن مشروعية فعله يدعم دفاعه ، في حين أن إقدامه على التصرف دون ذلك يضعف دفاعه ويحمل القاضي على الاعتقاد بأنه أقدم على فعله وهو يعلم أنه غير مشروع .

ويبدو لنا أن هذه هي خطة القضاء ، ففي الحالات التي أدان فيها المتهم بجريمة عمدية على أساس أن اعتقاده بمشروعية الفعل لم يقم على أسباب معقولة بعد التثبت والتحري كانت الوقائع لا تؤيد إدعاء المتهم حسن النية .. وعلى سبيل المثال ، فإن الخفير النظامي الذي اعتقد أن المجني عليه وأخاه اللذين خرجا في الليل ومعهما جاموستها لرى أرضهما ، هما لصان المجرد أنه نادى عليهما فلم يجيبا نداءه فأطلق عليهما الرصاص فقتل المجني عليه ، هذا الخفير لا يمكن أن يقال عنه إنه حسن النية لأن مجرد عدم إجابة النداء غير كاف لتكوين عقيدة بأن المجني عليه وأخاه لصان وأنه لا وسيلة لإيقافهما غير قتل أحدهما (نقض 31 أكتوبر سنة 1932 مجموعة القواعد القانونية ج 2 رقم 381 ص 611). فالنتيجة التي انتهت إليها المحكمة سليمة ، ولكن يجب الفصل بين حسن النية في ذاته و التثبت والتحرى ، فإن كان دليلين عليه ، فقد توجد أدلة غيرهما ، وفي هذه الحالة إن ثبت حسن النية دون التثبت والتحري فالمسئولية لا تكون إلا غير عمدية (انظر كذلك نقض 7 نوفمبر سنة 1932 مجموعة القواعد القانونية ج 3 رقم 5 ص 4 ، 11 مارس سنة 1935 ج3  رقم 347 ؛ 2 يناير سنة 1977 مجموعة أحكام محكمة النقض س 28 رقم 2 ص 14.

وخلاصة ما نقول به أن حسن النية يقوم إذا انتفى القصد الجنائي ، فإذا اقتنع القاضي بذلك فلا محل لمسئولية الموظف عن جريمة عمدية ، ولو كان اعتقاده لا يقوم على أسباب معقولة ولم يقم بالتثبت والتحري الواجبين ؛ ولكنا نضيف إلى ذلك أنه يغلب ألا يقتنع القاضي بحسن نية المتهم إلا إذا قام اعتقاده على أسباب معقولة بعد التثبت والتحري، وإذا تحقق القاضي من حسن النية ولكن لم يتبين له قيام الاعتقاد بمشروعية الفعل على أسباب معقولة بعد التثبت والتحري ، فالموظف مسئول عن جريمة غير عمدية إن توافرت أركانها، ولا يطعن في صواب هذا الرأي يكون القانون قد تطلب الشرطين معاً : ذلك أن الشرطين متطلبان کی تنتفي المسئولية الجنائية في صورتيها العمدية وغير العمدية ، ويكون الحكم القانون في عدم توقيع العقاب محل .

تكييف الإعفاء من المسئولية : إذا كان العمل في ذاته غير قانونی ، فإن اعتقاد الموظف أنه قانوني لا يكفي لخلق سبب إباحة، إذ أسباب الإباحة موضوعية تقوم على عناصر تتوافر في الواقع ، لا على وهم يسيطر على عقيدة المتهم . والإعفاء من المسئولية هو صورة للغلط في الإباحة : فإذا كان المتهم حسن النية فلا يسأل عمداً ، وإذا ثبت قيام اعتقاده على أسباب معقولة بعد التثبت والتحري فهو لا يسأل كذلك مسئولية غير عمدية ، إذ لا وجه لتقصير ينسب إليه، وعلى هذا النحو ، يكون التكييف الصحيح للإعفاء من المسئولية أنه غلط في الإباحة ينتفى به الركن المعنوي للجريمة  .

وغني البيان أنه إذا دفع المتهم بإباحة فعله أو انتفاء مسئوليته عنه استناداً إلى هذا السبب للإباحة أو للإعفاء من المسئولية ، كان دفعه جوهرياً، وتعين تمحيصه ، والرد عليه قبولاً أو رفضاً رداً مدعماً بالدليل ، فإن غفل حكم الإدانة عن ذلك كان قاصرا.

الدور القانوني للجنون أو عاهة العقل : الدور الرئيسي للجنون أو عاهة العقل أنه مانع من المسئولية الجنائية ، ولكن قد يقتصر دوره على مجرد التأثير على سير الإجراءات الجنائية، والضابط المميز بين مجالي هذين الدورين مستخلص من وقت حلول الجنون أو عاهة العقل : فإن عاصر ذلك إرتكاب الفعل امتنعت المسئولية عنه ؛ أما إذا كان لاحقاً عليه اقتصر تأثيره على الإجراءات الجنائية.

(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:259)

واشترطت المادة (63) شرطين لإستفادة الموظف من حكمها : 

أولهما: أن يكون حسن النية، أي أن يكون معتقداً صحة الأمر الذي صدر إليه، أو أن ما قام به من عمل يدخل في اختصاصه، ويتعين أن تكون هناك أسباب معقولة تبرر هذا الإعتقاد.

وبداهة فإن قبول الإحتجاج بحسن النية يختلف بإختلاف ظروف كل قضية، وما يقبل من موظف صغير تبريراً من أمر صادر إليه من الرئيس الأعلى لا يقبل من موظف أعلى منه مرتبة، وما يقبل من جندي بسيط لا يقبل من ضابط، وما يقبل من جندي في حالة حرب أو فتنة لا يقبل منه في الأحوال العادية، وما يقبل من شخص خاضع لنظام عسكري لا يقبل من موظف مدني.

ولا يقبل الدفع بحسن نية المتهم والتسليم بما يذهب إليه من اعتقاده بمشروعية الأمر الصادر إليه من رئيسه إذا كان وجه الجريمة في الأمر مفضوحاً، أي حين يدل ظاهر الحال بوضوح علي أنه أمر يتنافى مع القانون.  

وبناء عليه لا يقبل الدفع بحسن نية رجل الضبط القضائي الذي يعذب متهمة بأمر من رئيسه لحمله على الإعتراف.

وثانيهما: أن يكون الموظف قد قام بالعمل بعد التثبيت والتحري بما يعني أنه لم يقدم عليه إلا بعد أن بذل الجهد الذي يبذله الرجل المعتاد في مثل ظروفه للتأكد من مشروعية أمر الرئيس أو التيقن من أن العمل يدخل في اختصاصه.

فإذا ثبت للمحكمة أن تصرف الموظف شابه بالرغم من حسن نيته طيش أو رعونة أو عدم تبصر فإنه يسأل عن النتيجة التي تحدث باعتبارها جريمة خطيئة إذا كان القانون يعاقب عليها بهذا الوصف.

وبناءاً عليه فإن توافر الشرطين، حسن النية والتثبت والتحري يؤدي إلى انتفاء القصد الجنائي والخطأ غير العمدي، وبالتالي لا يسأل الموظف جنائياً كما لا يسأل مدنياً.

ومن رأينا أن ما جاءت به المادة (63) عقوبات سواء بالنسبة للعمل القانوني أو العمل غير القانوني كان من الممكن إستخلاصه طبقاً للقواعد العامة.

فالعمل الذي يتم تنفيذاً للقانون أو تنفيذا الأمر مشروع من الرئيس يعد مباحاً ولو لم يرد بشأنه نص، لأن التناسق بين القواعد القانونية ووحدة النظام القانوني تقتضي أن يكون مثل هذا العمل مباحاً، ولا يجوز أن تترتب عليه أية مسئولية جنائية أو مدنية.

ومن ناحية أخرى فإن العمل غير القانوني الذي يقوم به الموظف بحسن نية ينفي لديه القصد الجنائي تطبيقاً لقاعدة الغلط في الإباحة، وإذا قام الموظف بالعمل بحسن نية وبعد التثبت والتحري فلا يمكن نسبة الخطأ إليه وبالتالي لا يجوز اعتباره مسئولاً عن جريمة خطيئة.

وإذا كانت المادة (63) عقوبات لا تقرر أحكاماً لا يمكن استخلاصها من القواعد العامة، إلا أن أهميتها تبدو في تأكيد الأخذ بهذه الأحكام، وفي حث الموظفين على عدم التقاعس عن القيام بواجباتهم خشية المسئولية الجنائية.

(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الأول، الصفحة : 853)

لتحديد المقصود بالموظف العام في حكم المادة 63 عقوبات ينبغي أن نضع في الاعتبار الغاية التي يهدف إليها النص، فإذا كان النص يقرر سبباً لإباحة الأفعال التي ترتكب تنفيذاً لما أمرت به القوانين واللوائح أو أوامر رئيس يجب طاعته فمعنى ذلك أن الإباحة مرتبطة بمزاولة الوظيفة العامة، ومن أجل ذلك نجد أن المعيار الموضوعي في تعريف الموظف العام هو الذي يتفق وأهداف القاعدة المبيحة، وليس المعيار الشكلي، بمعنى أن من يباشر الوظيفة العامة يعتبر موظفاً عمومياً بغض النظر عن العلاقة القانونية التي تربط الشخص بجهة الدولة، فالنشاط الذي يباشر هو الذي يضفي على صاحبة صفة الموظف العام طالما أنه يباشر بأسم ولصالح الجهة العامة، فهناك إذن شرطان لإعتبار الشخص موظفاً عاماً في حكم المادة 13 عقوبات: الأول هو مباشرة نشاط عام من اختصاص جهة عامة، والثاني أن يكون النشاط منسوباً لتلك الجهة، ولا قيمة بعد ذلك أن تكون علاقة الشخص بالجهة العامة يحكمها قانون العاملين المدنيين بالدولة والقوانين واللوائح الخاصة التي بها تتحدد علاقة الفرد بالجهة العامة، ويستوي أيضاً نوع النشاط، فقد يكون نشاطاً إدارياً بحتاً كما قد يكون تشريعياً أو قضائياً وعليه فيندرج تحت مفهوم الموظف العام المفهوم الضيق له وأيضاً جميع المستخدمين في المصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة ورجال القضاء والنيابة والشرطة والجيش بما فيهم المجندون منهم، والمكلفون بخدمة عامة، وكذلك أعضاء مجلس الشعب ومجلس الشورى.

ولكن لا سري المادة 63 فيما يتعلق بتنفيذ أمر الرئيس في محيط الهيئات الخاصة ولو كانت تعتبر جهات عامة في تطبيق جرائم العدوان على المال العام، ومثال ذلك شركات القطاع العام والجهات التي تساهم الدولة أو إحدى هيئاتها العامة في مالها بنصيب ما.

الحالات التي نظمتها المادة 63 عقوبات :

نظمت المادة 63 عقوبات حالتين لأداء الواجب: الأولي تتعلق بالعدل القانوني، سواء أكان تنفيذا لما أمرت به القوانين أو تنفيذا لأمر رئيس تجب طاعته، والثانية تتعلق بالعمل غير القانوني والذي فيه يعتقد الموظف خطأ بأن العمل داخل في اختصاصه أو أن إطاعة الرئيس واجبة على خلاف الحقيقة.

 أولاً : العمل القانوني :

يكون فعل الموظف العام مشروعاً، ولو كان مطابقاً للنموذج التشريعي الجريمة من الجرائم في حالتين نصت عليهما المادة 63 عقوبات وهما : إذا كان تنفيذاً لما أمرت به القوانين، أو إذا كان تنفيذاً لأمر رئيس تجب طاعته.

 الحالة الأولي : العمل المشروع تنفيذا لما أمرت به القوانين :

تنتفي الصفة غير المشروعة عن عمل الموظف إذا كان مطابقاً لما أمرت به القوانين ويكون الفعل مطابقاً سواء أكان تنفيذاً لواجب مفروض بمقتضى القوانين أو كان استخداماً لسلطة الموظف التقديرية والتي منحتها إياه تلك القوانين، ولكي تحقق الإباحة ويكون الفعل مشروعاً ولمطابقته لما تقضي به القوانين يلزم توافر الشروط الآتية :

1- أن يكون الفعل الذي أتاه الموظف داخلاً في اختصاصه، فيلزم توافر الاختصاص بكل معاييره الشخصية، والمكانية، والموضوعية، وتخلف الاختصاص يضفي على الفعل الصفة غير المشروعة.

2- أن يكون العمل المباشر من الموظفين قد روعيت فيه الشروط الشكلية والموضوعية التي يتطلبها القانون لصحته ولإحداث أثراً، فإذا كان القانون يتطلب أن يفرغ العمل في شكل معين، كالكتابة مثلاً، فلا بد من مراعاة ذلك الأمر بالقبض مثلاً لابد أن يثبت كتابة في المحضر، أما الشروط الموضوعية فيصد بها الشروط المتطلبة في موضوع الفعل لكي يقع صحيحاً ومنتجاً أثاراً، ومثال ذلك وجود أدلة كافية على الاتهام لإمكان القبض أو وجود أدلة على حيازة أشياء تفيد في كشف الحقيقة بالنسبة للتفتيش.

 3- أن يكون العمل قد ارتكب تحقيقا للغاية التي من أجلها منح القانون للموظف العام سلطة مباشرته، أي أن يكون العمل متفقاً والمصلحة المرجوة من النشاط الوظيفي، ومن أجل ذلك اشترط المشرع في المادة 63 عقوبات حسن نية الموظف حتى يتمتع بسبب الإباحة، فإذا ارتكب الفعل بنية تحقيق مصلحة خاصة كالإنتقام أو التشفي خلافاً للغاية العامة التي ترمي إليها الوظيفة كان العمل غير مشروع، وغني عن البيان أن هذا الشرط لا قيمة له إلا في نطاق الأعمال التي ترتكب استخداماً للسلطة التقديرية الممنوحة للموظف.

ومتى توافرت هذه الشروط كان العمل قانونياً ومشروعاً حتى ولو أضر بمصلحة حماها المشرع بقانون العقوبات.

الحالة الثانية : العمل المشروع تنفيذا لأمر رئيس تجب طاعته :

ويقصد بذلك العمل الذي يرتكبه المرؤوس تنفيذاً لأمر مشروع صادر من رئيس تجب طاعته.

وأمر الرئيس يكون مشروعاً، وبالتالي تنعكس تلك المشروعية على تنفيذه، متى توافرت فيه الشروط الشكلية والموضوعية المتطلبة قانوناً.

 1- أن يكون الأمر مختصا قانوناً بإصدار الأمر، فلابد أن يكون القانون قد منح الأمر الاختصاص بإصدار الأمر، والقانون في ذلك إما أن يلزم الأمر بإصدار الأمر متى توافرت ظروف معينة، وإما أن يخوله سلطة تقديرية في إصداره، وفي كلتا الحالتين يعتبر الشرط قد توافر متى صدر الأمر ممن خولة القانون ذلك بطريق الإلزام أو بطريق التقدير.

2- أن يكون المرؤوس الصادر إليه الأمر مختصاً هو الآخر بتنفيذه، فإذا تخلف شرط الاختصاص هذا كان الأمر غير مشروع من الناحية الشكلية وانعكست عدم مشروعيته على التنفيذ أيضاً ومثال ذلك الأمر بالقبض الصادر من النيابة المختصة لمأمور الضبط غير مختص بالجريمة.

3- أن يفرغ الأمر في الشكل الخاص به والذي يتطلبه القانون لصحته، كما لو كان القانون يتطلب الكتابة فيصدر الأمر شفاهة، ففي هذه الحالة يكون الأمر غير قانوني وبالتالي يعتبر تنفيذه غير مشروع.

أما الشروط الموضوعية للأمر فهي تتعلق بمدى اتفاق الغاية من الأمر مع الغاية التي يرمي إليها القانون بتخويل الآمر سلطة إصدار، فإذا اتحدت الغايتين كان الأمر قانونياً، ويكون الأمر غير مشروع إذا اختلفت الغاية منه عن الغاية التي ترمي إليها القاعدة القانونية التي تحكم الأمر.

 والواقع أن عدم مشروعية الأمر من الناحية الموضوعية لا تثور الا حيث يكون إصداره خاضعاً للسلطة التقديرية للأمر، أما حيث لا يكون للأمر مثل تلك السلطة التقديرية، بمعنى أن يكون ملزما بإصداره، فإن المشكلة لا تثور نظراً لأن الملاءمة في مثل تلك الحالة تكون مقدرة سلفاً من قبل المشرع أو من قبل شخص آخر خوله المشرع إصدار الأمر، كما هو الشأن في حالة تسلسل الأوامر.

وعليه، فاختلاف الغاية من الأمر عن الغاية التي قصدها المشرع بتخويل سلطة الأمر من شأنه أن يعيبه بتجاوز السلطة وإساءة استعمالها مما يضفي عليه الصفة غير المشروعة ولا يستفيد مصدره أو منفذه من سبب الإباحة.

ومتى توافرت الشروط الشكلية والموضوعية للأمر كان مشروعاً وبالتالي يكون مشروعاً أيضاً الفعل التنفيذي له وتنتفي عنه الصفة غير المشروعة ولو أضر بمصالح حماها المشرع في قانون العقوبات، ويكون بذلك الأمر والمنفذ بصدد سبب من أسباب الإباحية المتمثل في أداء الواجب.

ثانياً - العمل غير القانوني :

يكون العمل غير قانوني أو غير مشروع في حالتين نصت عليهما المادة 63 عقوبات، الأولي أن يكون العمل خارجاً عن اختصاص الموظف، والثانية أن يكون تنفيذاً لأمر رئيس طاعته غير واجبة.  

ويلاحظ أن تقدير الصفة غير المشروعة للعمل في الحالتين السابقتين إنما يتم وفق ضوابط موضوعية لا دخل فيها للموقف النفسي للموظف، ومع ذلك فقد وضع المشرع في المادة 63 حكماً خاصاً بالإعفاء من المسئولية تبعاً لموقف الموظف النفسي من الصفة غير المشروعة للعمل، ومفاد ذلك أن العمل يعتبر غير مشروع من الناحية الموضوعية وبالتالي لا مجال للاستناد إلى سبب الإباحية محل البحث.

 والحالة الأولى :

هي التي فيها يتجاوز الموظف حدود اختصاصه الوظيفي ويأتي العمل خارجاً عن تلك الحدود، ومثال ذلك القبض على شخص وتفتيشه خارج الاختصاص المكاني أو النوعي لمأمور الضبط الذي أجري القبض، ويقصد بتجاوز الاختصاص مخالفة أي شرط من الشروط الشكلية أو الموضوعية للعمل وليس مجرد مخالفة قواعد الاختصاص بالمعنى الدقيق، وبعبارة أخرى يندرج تحت تلك الحالة جميع الفروض التي لا يكون فيها العمل متفقاً وما يتطلبه القانون لصحته وإنتاج أثره.

أما الحالة الثانية :

فهي تتعلق بتنفيذ أمر غير مشروع سواء لعدم مشروعية الأمر في حد ذاته، كما لو كان صادراً بالمخالفة للشروط الشكلية والموضوعية للأمر، وسواء لأن الأمر لا اختصاص له بإصدار الأمر، إذ في هذه الحالة يكون الأمر غير واجب الطاعة، فإذا قام الموظف بتنفيذه كان العمل غير قانوني.

حكم العمل غير القانوني :

إذا كان عمل الموظف غير قانوني تبعاً للحالتين السابقتين فمعنى ذلك أن فعله يعتبر غير مشروع، فإذا كان الفعل مطابقاً لنموذج تشريعي لجريمة من الجرائم وأضر بالمصلحة المحمية جنائياً تحقق بالنسبة له الركن الثاني للجريمة وهو ركن عدم المشروعية، وبالتالي يكون مسئولاً جنائياً إذا توافر الركن المعنوي للجريمة، ومعنى ذلك أن العمل غير القانوني لا يتحقق بصدده سبب الإباحية المتمثل في أداء الواجب وإنما يشكل جريمة إذا ما توافرت أركانها المكونة لها، ويسأل عنها كل من ساهم فيها.

غير أن المشرع في المادة 63 عقوبات قرر الإعفاء من المسئولية الجنائية للموظف الذي يرتكب عملاً غير قانوني إذا ما توافرت الشروط الآتية :

1- حسن النية :

ويقصد بذلك أن يعتقد الموظف خطأ بمشروعية الفعل المرتكب، ويكون أما بالإعتقاد بأن العمل داخل في اختصاصه الوظيفي وأنه استوفى شرائطه القانونية، وإما بالاعتقاد أن طاعة الرئيس فيما أمر به واجبة، وهذا الإعتقاد الخاطئ بمشروعية العمل ينفي القصد الجنائي لدى الجاني ولا يجب الخلط بين شرط حسن النية للإعفاء من المسئولية الجنائية العمدية بنفي القصد الجنائي وبين حسن النية المتطلب لتوافر سبب الإباحة السابق بيانه، فالأول يتوافر بالاعتقاد بمشروعية العمل المرتكب، بينما الثاني يتوافر متى كان هدف الموظف تحقيق الغاية التي يهدف إليها المشرع بالنشاط الوظيفي، ولذلك فهو يتعلق بالعمل المشروع قانوناً وحسن النية في هذه الحالة الأخيرة هو الفيصل في مشروعية العمل من عدمه.

أما حسن النية كشرط للإعفاء من المسؤولية فهو لا يؤثر على عدم مشروعية العمل المرتكب إذ تظل لاصقة به، وكل ماله من أثر هو في نفي المسئولية العمدية بنفي القصد الجنائي.

2- أن يكون الاعتقاد بمشروعية الفعل مبنيا على أسباب معقولة :

لا يكفي أن يكون الموظف حسن النية بمعنى أنه يعتقد بمشروعية فعله: فحسن النية المجرد لا قيمة له قانوناً بإعتبار أنه يمثل جهلاً بأحكام القانون ولما كان الجهل أو الغلط في أحكام القانون، حتى غير الجنائية، لا يعذر إلا إذا أدى إلى غلط في الوقائع، فان استلزم شرط الاعتقاد المبني على أسباب معقولة يبدو منطقياً من الناحية القانونية لإمكان نفي المسؤولية العمدية.

وعلية فالمقصود من الشرط الذي نحن بصدده أن تكون الظروف التي أحاطت بارتكاب العمل غير القانوني من شأنها أن تؤدي بالموظف العادي إلى الاعتقاد بمشروعية العمل الذي قام به، أي تؤدي إلى الاعتقاد بأن العمل داخل في اختصاصه أو أن أمر الرئيس الصادر إليه تجب طاعته.

3- أن يرتكب الموظف الفعل بعد التثبيت والتحري :

يلزم للإعفاء من المسئولية عن العمل المشروع الواقع من الموظف أن يكون قد تثبت وتحرى من مشروعية فعله أو طاعته لرئيسه، ويقصد بذلك أن يكون الموظف قد قام بكل ما في مقدوره للتأكد من شرعية العمل الذي يقوم به وأنه خال من أي عيب من العيوب التي تؤثر على صحته وإنتاج أثره، ومعنى ذلك أن يكون قد تثبت من خلوه من العيوب الشكلية أو الموضوعية.

غير أن هذا الشرط يثير صعوبة بالنسبة لحالة تنفيذ أمر الرئيس، وتتمثل هذه الصعوبة في بيان حق الموظف في رقابة شرعية الأمر الصادر إليه ومراجعة رئيسه في هذا الشأن.

ولتوضيح حدود هذا الحق في المراقبة ينبغي التمييز بين الشروط الشكلية والشروط الموضوعية للأمر.

فبالنسبة للشروط الشكلية وخصوصاً ما تعلق منها بإختصاص الأمر فإن وجب التثبت والتحري مفروض على المرؤوس حتى في نطاق الجهات التي تلزم موظفيها بالطاعة المطلقة للرئيس، كما هو الشأن في أجهزة الشرطة والجيش، فالرقابة الشكلية واجبة وضرورية نظراً لأنها تتعلق بنطاق الأوامر الواجبة.

ومن ثم لا يمكن حرمان المرؤوس من رقابة ما يلزم فيه طاعته وما يخرج عن هذا الإلزام.

أما الرقابة على الشروط الموضوعية للأمر، فالقاعدة أنها واجبة أيضاً على المرؤوس ما لم تكن قواعد الوظيفة تحول دون ذلك، كما هو الشأن في أجهزة الشرطة والجيش، غير أنه يستثنى من ذلك الحالات التي يكون فيها أمر الرئيس ظاهر الإجرام كما لو أمر الضابط مرؤوسه بإرتكاب جريمة معينة، وبناء عليه فإن صدور الأمر بتسيير المركبة من أية جهة .

ولو كانت الجهة المكلفة بالصيانة لا يعفي قائدها من المسئولية متى تبين له عدم خلو المركبة من العيوب.

وتوافر شرط التثبت والتحري لا ينفي عن الفعل المرتكب الصفة غير المشروعية وإنما ينفي الركن المعنوي المتمثل في الخطأ غير العمدي، إذا في هذه الحالة لا يمكن نسبة الخطأ إلى الجاني.

 أثر توافر الشروط السابقة وطبيعة الإعفاء :

أن توافر الشروط الثلاثة السابقة يحدث أثراً قانونياً يتمثل في نفي الركن المعنوي للجريمة فإذا كان حسن النية والاعتقاد المبني على أسباب معقولة من شأنها نفي القصد الجنائي، فإن التثبت والتحري ينفي الخطأ غير العمدي، وبالتالي تصبح الجريمة وقد انتفى ركنها المعنوي بصورتيه، ومتى انتفى الركن المعنوي انتفت المسئولية الجنائية عن الفعل غير المشروع.

ومفاد ذلك أن العمل غير القانوني يظل عملاً غير مشروع من الناحية الجنائية، ولذلك فإن الإعفاء من المسئولية لتوافر الشروط السابقة لا يكون بسبب توافر الإباحة وإنما بسبب تخلف الركن المعنوي للجريمة المرتكبة بالرغم مما يوحي به ظاهر النص.

ولما كان الإعفاء من المسئولية هو السبب خاص بشخص الجاني فإنه لا يمتد إلى غيره من المساهمين في فعله، ومعنى ذلك أنه إذا كان المرؤوس غير معاقب على الفعل المرتكب تنفيذا لأمر غير مشروع لتوافر شروط امتناع مسئوليته، فإن الذي يسأل جنائياً عما ارتكبه المرؤوس هو الرئيس الذي أصدر الأمر غير المشروع، كل ذلك ما لم يتوافر في حق الرئيس شروط الإعفاء الخاصة بإصدار أمر يعتقد أنه داخل في اختصاصه.

وعليه، فإذا كان ارتكاب العمل القانوني ولو أضر بمصلحة جنائياً يعتبر مشروعاً لتوافر سبب الإباحة، فإن ارتكاب العمل غير القانوني يشكل فعلاً غير مشروع يستوجب مساءلة كل من ساهم فيه ما لم يقم سبب من أسباب امتناع المسئولية.

(قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الثالث،  الصفحة : 235)

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة  30 .

 

 (مادة 15) 

لا جريمة إذا وقع الفعل أداء الواجب يفرضه القانون، أو تنفيذاً لأمر يوجب القانون طاعته، وذلك بشرط التزام حدود الواجب أو الأمر. 

أسباب الإباحة 

المواد من (14) إلى (16)): 

عالجت هذه النصوص أسباب إباحة الجرائم، والأصل في الشريعة الإسلامية أن الأفعال المحرمة محظورة على الكافة، ما لم تقتض ظروف الأفراد إباحتها، وذلك باعتبار أن هؤلاء الذين تباح لهم الأفعال المحرمة يأتونها في الواقع لتحقيق غرض أو أكثر من أغراض الشارع تقتضيها طبيعة الأشياء، وصالح الجماعة، وصالح الأفراد، وتحقيق غايات الشارع وقد وضع الفقه الإسلامي الضوابط والشروط التي تؤدي إلى إباحة الفعل المحظور. 

وقد بينت المادة الرابعة عشرة أول سبب من أسباب الإباحة، وهو استعمال الحق. فنصت على أنه لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالاً لحق مقرر بمقتضى الشريعة أو القانون، وذلك بشرط التزام حدود الحق ومن تطبيقات ذلك: حق التأديب المقرر في الشريعة الإسلامية، والحق في ممارسة مهنة الطب وبالنسبة إلى هذا الحق الأخير، فإن الشريعة الإسلامية لا تقتصر على جعل ممارسة الطب حقا، بل تعتبره واجباً يتعين على شخص بذاته أداؤه في بعض الحالات. 

وبالنسبة لحق التأديب سواء كان للأب على ابنه، أو المعلم على المتعلم، أو الزوج على الزوجة، فإن سبب الإباحة قد تأسس على نصوص الكتاب الكريم (مثل حق الزوج أو على السنة النبوية. 

وقد أوضحت السنة النبوية حدود هذا الحق بحيث لا يخلف استعمال الحق إصابة، أو يمتهن الكرامة الإنسانية، وهو أمر مفصل في كتب الفقه، وكذلك في سائر الصور التي تبيح حق التأديب، وجدير بالذكر أن ضوابط استعمال هذا الحق في الشرع الإسلامي يتفق معها ما استقر عليه التطبيق القضائي في مصر منذ زمن بعيد. 

وقد عني النص باشتراط التزام حدود الحق، حتى تتوافر الإباحة. وغني عن البيان أن حسن النية هو من حدود الحق، ولا حاجة للنص عليه صراحة. 

ونصت المادة الخامسة عشرة على أداء الواجب كسبب للإباحة فالواجبات توضع لصالح الجماعة فإذا أدى الموظف واجبه، كان عمله مباحا، فالقتل مثلا محرم على الكافة ولكنه مباح إذا كان عقوبة؛ لأن العقوبة ليست عدواناً، ومن الواجب تنفيذها، وقد تناول الفقهاء المسلمون إباحة القتل إذا كان الفاعل يقوم بتنفيذ حد من حدود الله أو القصاص من شخص حكم عليه بهذه العقوبة. 

ويستوي في هذا الشأن أن يكون مصدر الواجب هو نص القانون، أو أمر رئيس يوجب القانون طاعته. وللرؤساء على الأفراد حق الطاعة، فقد قال الله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ). إلا أن واجب الطاعة مقيد غير مطلق، فليس لأمر أن يأمر بما يخالف القانون، وليس لمأمور أن يطيع فيها يخالف القانون، سواء كان موظفا أو غير موظف. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، وقال صلى الله عليه وسلم : «من أمركم من الولاة بغير طاعة الله فلا تطيعوه»، والآية الكريمة والأحاديث الشريفة الواردة في هذا الشأن واضحة في اشتراط أن تكون الطاعة في أمر لا يعد إتيانه جريمة. 

وقد عني النص بتعليق الإباحة على التزام حدود الواجب أو الأمر، فإذا خرج عن هذه الحدود ظل الفعل تحت طائلة التجريم وفي هذه الحالة يتوقف تحديد مسئولية الجاني على مدى توافر القصد الجنائي أو الخطأ غير العمدي لديه ويعالج الفقه الإسلامي حالة تجاوز حدود الأمر، فيخرج الأمر عن دائرة المشروعية، ويقع في دائرة التجريم، والفروع التي أوردها الفقهاء تفسح مجالاً للتخفيف من المسئولية بإعتبار توفر حسن النية عند من يجاوز حدود الأمر دون قصد العدوان. 

ونصت المادة السادسة عشرة على حق الدفاع الشرعي کسبب من أسباب الإباحة، ولا خلاف بين الفقهاء المسلمين على أن الدفاع الشرعي، ويسمونه إصطلاحاً : (دفع الصائل) شرع ليحمي الإنسان نفسه أو غيره من الاعتداء على النفس والعرض والمال وقد أباح الشرع التوقي من كل مؤذ، سواء كان آدماً أو غيره، وبناء على ذلك يجوز دفع كل صائل من آدمي أو بهيمة على نفس أو عرض أو مال، فإن لم يندفع إلا بالقتل فقتله الحصول عليه فلا ضان، وهذا قول مالك والشافعي وأحمد، وصرح الفقهاء بأنه يجوز قتل الباغي دفعاً لا قصداً ، وهناك من الأدلة الشرعية ما يفيد أن الفعل يكون مباحاً ، وينتفي عنه وصف الجريمة، ويدخل في دائرة المشروعية في هذه الحالات. 

 والأصل في الدفاع الشرعي قوله تعالى: (فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) ، وروى عبد الله بن عمرو عن رسول الله قال: «من أريد ماله بغير حق فقاتل فقتل فهو شهيد». 

وقوله صلى الله عليه وسلم " للرجل: «قاتل دون أهلك». وقد جاء في حاشية الدسوقي (جـ (4) - ص (349)): «أن المقاتلة واجبة على من يتعرض له المحارب، إذا خاف على نفسه أو أهله القتل أو الجرح أو الفاحشة بأهله، ولا فائدة لقتاله إلا قتله، كما ورد أن المرأة إذا أرادها رجل عنوة فقتلته لتحصن نفسها، فلا شيء عليها ودمه هدر». (المغني لابن قدامة، ج (7)). 

وروى أبو هريرة عن رسول الله أنه قال: «لو أن أمرءاً اطلع عليك بغير إذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه لم يكن عليك جناح»، وكما أقرت الشريعة الدفاع الشرعي لرد اعتداء الإنسان عن نفس المدافع أو عرضه أو ماله، كذلك أقرته لدفع الاعتداء عن نفس الغير أو عرضه أو ماله، وللدفاع الشرعي شروط لابد من توافرها حتى يظل في منطقة الإباحة، وهي أن يكون هناك خطر حال يعد جريمة ضد النفس أو العرض أو المال، ولو تعلق ذلك بالغير، وأن يتعذر الالتجاء إلى السلطات العامة لاتقاء هذا الخطر في الوقت المناسب، وأن يكون ارتكاب الجريمة هو الوسيلة الوحيدة للدفاع، وأن تكون هذه الجريمة متناسبة مع الاعتداء، بحيث تكون هي الوسيلة الوحيدة الممكنة لشخص معتاد في مثل الظروف التي أحاطت بالمدافع. 

وقد وضع الفقهاء المسلمون ضوابط استعمال حق الدفاع الشرعي ودفع الصائل: فيجب أن يكون الاعتداء جسيماً وحالاً ، مثل شهر سيف على المسلمين (ابن عابدين، ج(5) ص (362))، وصرح بعض الفقهاء بأنه يتعين الكف عن المهاجم عند إدباره (شرائع الإسلام ج (2) ص (262))، وكذلك لو ضربه فعطله لا يثني عليه وإلا ضمن، وينبغي أن يكون الاعتداء حقيقيا، فلا يقتل من دخل عليه بيته لاجئاً إليه وليس مكابراً له (المبسوط، ج (29) ص (72))، ولا يجوز القتل دفاعاً إذا قدر الحصول عليه على النجاة بنفسه وأهله وماله بلا مشقة أو مضرة، وإمكان الاستغاثة بالناس لها وزنها في تقدير ما يلزم لرد العدوان، ومن ذلك أيضاً اختلاف الزمان والمكان (بدائع الصنائع جـ (9)) ولا تكاد هذه القواعد تختلف عما استقر عليه الفقه والقضاء في حق الدفاع الشرعي. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والعشرون ، الصفحة /  295

حَالُ تَنْفِيذِ الأْمْرِ:

123 - يُشْتَرَطُ لاِنْتِفَاءِ الضَّمَانِ عَنِ الْمَأْمُورِ وَثُبُوتِهِ عَلَى الآْمِرِ، مَا يَلِي:

1 - أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُورُ بِهِ جَائِزَ الْفِعْلِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ جَائِزًا فِعْلُهُ ضَمِنَ الْفَاعِلُ لاَ الآْمِرُ، فَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِتَخْرِيقِ ثَوْبِ ثَالِثٍ ضَمِنَ الْمُخَرِّقُ لاَ الآْمِرُ .

2 - أَنْ تَكُونَ لِلآْمِرِ وِلاَيَةٌ عَلَى الْمَأْمُورِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ وِلاَيَةٌ عَلَيْهِ، وَأَمَرَهُ بِأَخْذِ مَالِ غَيْرِهِ فَأَخَذَهُ، ضَمِنَ الآْخِذُ لاَ الآْمِرُ، لِعَدَمِ الْوِلاَيَةِ عَلَيْهِ أَصْلاً  فَلَمْ يَصِحَّ الأْمْرُ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَصِحَّ الأْمْرُ كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْمَأْمُورِ، وَلَمْ يَضْمَنِ الآْمِرُ .

وَإِذَا صَحَّ الأْمْرُ بِالشَّرْطَيْنِ السَّابِقَيْنِ، وَقَعَ الضَّمَانُ عَلَى الآْمِرِ، وَانْتَفَى عَنِ الْمَأْمُورِ وَلَوْ كَانَ مُبَاشِرًا. لأِنَّهُ مَعْذُورٌ لِوُجُوبِ طَاعَتِهِ لِمَنْ هُوَ فِي وِلاَيَتِهِ، كَالْوَلَدِ إِذَا أَمَرَهُ أَبُوهُ، وَالْمُوَظَّفِ إِذَا أَمَرَهُ رَئِيسُهُ.

قَالَ الْحَصْكَفِيُّ: الآْمِرُ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بِالأْمْرِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الآْمِرُ سُلْطَانًا أَوْ أَبًا أَوْ سَيِّدًا، أَوْ كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا أَوْ عَبْدًا .

وَكَذَا إِذَا كَانَ مَجْنُونًا، أَوْ كَانَ أَجِيرًا لِلآْمِرِ .