وقد أكدت تلك المذكرة الإيضاحية لقانون الأحداث في قولها « إن الحدث الذي تقل سنه عن سبع سنوات ويرتكب فعلاً مخالفاً لقانون العقوبات ينظر إليه بوصفه معرضاً للإنحراف لا بوصفه مرتكباً لجريمة، وذلك تمشياً مع سن التمييز الجنائي الذي أخذ به قانون العقوبات وهو السابعة » .
ذكرت تعليقات الحقانية على المادة 64 من قانون العقوبات تعليلاً لامتناع مسئولية الصغير العبارة الآتية «يكون الطفل صغيراً جداً ويفترض عدم قدرته على فهم ماهية العمل الجنائي وعواقبه»، وهذه العبارة ما تزال صحيحة على الرغم من إلغاء المادة 64 من قانون العقوبات .
كانت المادة 64 من قانون العقوبات قبل إلغائها تنص على أنه - « لا تقام الدعوى على الصغير الذي لم يبلغ من العمر سبع سنين كاملة »، وقد ألغى هذا النص بالقانون رقم 31 لسنة 1972 بشأن الأحداث دون أن يرد فيه نص مقابل يحل محله، ومع ذلك فإن الحكم الذي يقرره ظل واجب التطبيق، لأن المنطق القانوني يفرضه، إذ أن الصغير في هذه السن لم يتوافر لديه التمييز بعد، ومن ثم انتفى لديه أحد شرطی اعتداد القانون بإرادته، فلا يتصور في المنطق أن يسأل جنائياً. ويعني ذلك أن امتناع مسئولية الصغير في هذه السن هو في غنى عن نص يقرره صراحة وقد نصت المادة الثالثة من قانون الأحداث على أن « تتوافر الخطورة الإجرامية للحدث الذي تقل سنه عن السابعة ... إذا صدرت عنه واقعة تعد جناية أو جنحة » . ولا يقرر هذا النص مسئولية الحدث في هذه السن، إذ لا يستتبع توافر الخطورة لديه توقيع العقوبة عليه، وإنما ينزل به أحد التدابير التهذيبية التي نصت عليها المادة السابعة من قانون الأحداث وهذه التدابير - باعتبارها في حقيقتها تدابير احترازية - لا تفترض الأهلية للمسئولية الجنائية، وإنما هي تواجه خطورة إجرامية فحسب ولم يكن يثير الشك حول هذا الرأي أن هذه التدابير ذاتها هي ما يقرره القانون للحدث الذي تزيد سنه على السابعة، فإذا كان الحدث الذي جاوز السابعة قد توافرت لديه أهلية ناقصة للمسئولية، فقد غلب الشارع عليها خطورته لاعتبارات مستمدة من السياسة الجنائية في مواجهة إجرام الأحداث، ويعني ذلك اختلافاً في وظيفة التدبير بالنسبة للمرحلتين من العمر : ففي إحداهما يواجه خطورة فقط، وفي ثانيتهما يواجه أهلية ناقصة للمسئولية وخطورة معاً ويكشف ذلك عن عيب في القانون : فما كان يجوز أن تكون التدابير واحدة في المرحلتين، أما الصغير دون السابعة في حاجة إلى أساليب رعاية اجتماعية تتجرد تماماً من الطابع الجنائي مما يستتبع إبعاده عن اختصاص القضاء الجنائي في صورة قضاء الأحداث، وإذا كانت له خطورة فهي جد محدودة، ومن ثم لا تسوغ اتخاذ تدابير جنائية في مواجهته أما الحدث الذي جاوز السابعة، فله نصيب من الأهلية للمسئولية الجنائية وله خطورة ملموسة، وفي ذلك ما يسمح بإنزال التدابير الجنائية به .
وقد ألغي قانون الأحداث وحل محله قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 المعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008، وقد نصت المادة 94 من هذا القانون على أن : « تمتنع المسئولية الجنائية على الطفل الذي لم يجاوز اثنتي عشرة سنة ميلادية كاملة وقت ارتكاب الجريمة . ومع ذلك إذا كان الطفل قد جاوزت سنة السابعة ولم تجاوز الثانية عشرة سنة ميلادية كاملة، وصدرت منه واقعة تشكل جناية أو جنحة، تتولى محكمة الطفل دون غيرها، الاختصاص بالنظر في أمره، ويكون لها أن تحكم بأحد التدابير المنصوص عليها في البنود 1، 2، 7، 8 من المادة 101 من هذا القانون » وهذه التدابير هي : التوبيخ، والتسليم، والإيداع في إحدى المستشفيات المتخصصة، والإبداع في إحدى مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
علة امتناع المسئولية : علة امتناع مسئولية الصغير هي انتفاء التمييز لديه، وتعليل انتفاء التمييز أنه يتطلب توافر قوی ذهنية قادرة على تفسير المحسوسات وإدراك ماهية الأفعال وتوقع آثارها؛ ولا تتوافر هذه القوى إلا إذا نضجت في الجسم الأجزاء التي تؤدي العمليات الذهنية وتوافر قدر من الخبرة بالعالم الخارجي تعتمد عليه هذه العمليات؛ وغنى عن البيان أن النضوج والخبرة يتطلبان بلوغ سن معينة.
سن التمييز: سن التمييز هي الثانية عشرة، ويعني ذلك أن امتناع المسئولية يرتهن بعدم تجاوز هذه السن، أما إذا تجاوزها الطفل فقد جاوز مرحلة امتناع المسئولية . والوقت الذي يتعين الاعتداد به في تحديد هذه السن هو وقت ارتكاب الفعل الإجرامي، وذلك تطبيقاً للقواعد العامة، فلا عبرة بوقت تحقق النتيجة الإجرامية .(شرح قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 587)