الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016،
جاء في المذكرة الإيضاحية لقانون 1940 أن الحوادث القريبة العهد دلت على جواز وقوع قتال بالسلاح بين دولتين وأن تتحاربا بالفعل دون أن تعلن إحداهما الحرب على الأخرى، والحرب بحسب الاصطلاح تقتضي أفعالاً يعلن بما إعلاناً صريحاً، فالتعبير بما أضيق من أن يكفي في هذا الشأن ويجب أن يستعاض عنه بكلمة استعداء أو عدوان؛ إذ تشمل أحوالاً تختلف عن الحرب بحسب الاصطلاح في أنها لا يسبقها إعلان الحرب.
ملحوظة 1: بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021، والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ.
ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.
(مركز الراية للدراسات القانونية)
وتقتضي هذه الجريمة توافر رکنین: رکن مادي قوامه السعي أو التخابر لدى دولة أجنبية أو أحد ممن يعملون لمصلحتها، وركن معنوي هو قصد القيام بأعمال عدائية ضد الجمهورية.
الركن المادي للجريمة
بينا فيما تقدم المقصود بالسعي أو التخابر بوصفه نشاطاً إجرامياً مشتركاً في جميع جرائم السعي أو التخابر، ولا تقتضي هذه الجريمة عنصراً جديداً في هذا النشاط، إلا أنه يجب ملاحظة أن القانون لم يتطلب في الدولة الأجنبية أن تكون دولة معادية، بخلاف ما نصت عليه المادة 77 ج، ومن ثم فإنه لا يصلح دفاعاً في هذه الجريمة أن يدعي الجاني أن الدولة التي حصل السعي أو التخابر معها ليست معادية أو أنه لم يكن يعلم بصفتها العدائية .
ويكفي لوقوع الجريمة ارتكاب الفعل لمرة واحدة، فلا يشترط تعدده أو استمراره.
ونعرض الآن لبيان الركن المعنوي لهذه الجريمة، وهو ما يضفي عليها ذاتيتها التي تتميز بها عن سائر جرائم السعي أو التخابر .
الركن المعنوي للجريمة بقصد القيام بأعمال عدائية ضد الجمهورية :
لا شبهة في ضرورة توافر القصد الجنائي العام في هذه الجريمة، فيجب أولاً أن تتجه إرادة الجاني إلى السعي أو التخابر مع دولة أجنبية أو أحد ممن يعمل المصلحتها مع علمه بذلك، فإذا ثبت أن المتهم مثلاً لم يكن عالماً بأن من تخابر معه أو سعی لديه ممثلاً لدولة أجنبية أو أنه يعمل لمصلحتها - فإن قصده الجنائي العام لا يتوافر.
وفضلاً عن هذا القصد العام يجب أن يتوافر قصد جنائي خاص هو قصد القيام بأعمال عدائية ضد الجمهورية، وقد كانت المادة 78 مكرراً عقوبات قبل تعديلها بالقانون رقم 40 لسنة 1940 (المقابلة للمادة 77 ب الحالية) تتطلب أن تتجه نية الجاني إلى إيقاع العداوة بين الدولة الأجنبية وبين الحكومة أو بقصد تحريضها على محاربتها، كما كانت المادة 76 القديمة من قانون العقوبات الفرنسي (المقابلة للمادة 75/ 2/ الحالية) تتطلب أن يتجه القصد إلى حمل السلطة الأجنبية على ارتكاب أعمال عدائية ضد فرنسا أو شن الحرب عليها، ثم جاءت المادة 75/ 2 عقوبات فرنسي والتي أصبحت في القانون الحالي تحمل رقم 441 - 4 (المقابلة للمادة 77 ب عقوبات مصري) فاقتصر على العبارة الخاصة بالقيام بالأعمال العدائية ضد فرنسا دون العبارة الخاصة بحمل الدولة الأجنبية على شن الحرب عليها، وهذا التطور الذي أصاب النص يفيد أن القيام بالأعمال العدائية لا يطابق في معناه قصد شن الحرب على البلاد، وإن كان بالضرورة يتسع لهذا المعنى.
وواقع الأمر أن عبارة الأعمال العدائية، من العموم بحيث تتسع لكثير من الفروض، ولا تقتصر على مجرد العنف المادي أو القسر. والمادتان " 77 ج د و 77 د" قد نصتا على معاقبة السعي أو التخابر للإضرار بالعمليات الحربية للدولة الوطنية والإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الاقتصادي أو الإضرار بمصلحة قومية لها، مما يوجب إعطاء عبارة «الأعمال العدائية المنصوص عليها في المادة 77 ب معنى مغايراً لمعنى الأعمال سالفة الذكر، ولذا، فلا مناص من قصر مدلول الأعمال العدائية» على كل ما من شأنه تكدير العلاقات الطيبة بين البلدين، وكذا كل ما من شأنه إحداث صراع مسلح أو قتال بين دولتين ولو لم يصل إلى مستوى الحرب طبقاً للقانون الدولي العام، ولا شك في أنه يعد من قبيل هذه الأعمال تقديم الدولة الأجنبية المساعدات إلى دولة معادية لمصر بقصد تمكينها من الاعتداء على البلاد.
وقد تتعدد الأوصاف الجنائية للفعل الذي يصدر من الجاني على نحو يتوافر به تعدد معنوي أو ارتباط لا يقبل التجزئة.
وتعد الأعمال عدائية حتى ولو كانت ممارستها من جانب الدولة الأجنبية حقاً يخوله القانون لها، مثل رفض بيع الأسلحة، كما لا يشترط في الدولة الأجنبية أن تكون معادية بالمعنى المقصود في المادة 77 (ج) من قانون العقوبات.
ولا يشترط لوقوع هذه الجريمة نجاح الجاني في مقصده، إذ يكفي مجرد توافر هذا القصد ولو لم يتحقق تنفيذه بالفعل، فإذا لم يتوافر هذا القصد الخاص، بأن اتجهت نية الجاني مثلاً إلى حمل الدولة الأجنبية على عدم توقيع اتفاق تجاري أو إلى الامتناع عن التصويت لصالح مصر أمام هيئة الأمم المتحدة، أو إلى جر منفعة خاصة - فإن هذه الجريمة لا تقوم، مع عدم الإخلال بوقوع الجناية المنصوص عليها في المادة 77 د عقوبات، كما أنه لا يكفي لتوافر هذا القيام بالأعمال العدائية ما يكن قد انصرفت نيته إلى ذلك، فلا يستعاض عن هذا القصد بباعث الکراهية للدولة، وإنما يجب أن يثبت أنه يقصد تمكين الدولة الأجنبية من القيام بأعمال عدائية ضد الجمهورية.
ولمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في تقدير مدى توافر هذا القصد. ولا شك في أن ثبوت السعي أو التخابر أثناء قيام الحرب على الدولة الأجنبية يعد قرينة على توافر هذا القصد.
العقوبة:
يعاقب على وقوع هذه الجناية بالإعدام، ولم يفرق القانون بين حالة وقوعها في زمن حرب أو ارتكابها في زمن سلم.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة: 41 )
هذا النص معدل بالقانون رقم 112 لسنة 1957 الصادر في 19 مايو سنة 1957 (الوقائع المصرية في 19 مايو سنة 1957 - العدد 39 مكرر "د").
مدلول السعي والتخابر :
أولاً : السعي :
يراد بالسعي كل عمل أو نشاط يصدر من الجاني يتجه به إلى الدولة الأجنبية لأداء خدمة معينة لها مما يقع تحت طائلة التجريم دون أن يشترط أداء هذه الخدمة بالفعل والسعي هو مرحلة سابقة على التخابر إلا أن القانون ساوی بين الاثنين نظراً إلى الخطورة التي ينطوي عليها مسلك الجاني الذي يتوجه بنفسه إلى الدولة الأجنبية لخدمتها على نحو غير مشروع.
ثانياً : التخابر:
أما التخابر فيراد به التفاهم غير المشروع بمختلف صوره بين الجاني نفسه، وبين الدولة الأجنبية سواء كان صريحاً أو ضمنياً، وسواء تم عن طريق سعی الجاني نفسه إلى الدولة الأجنبية أو طريق سعى هذه الدولة إليه. فإذا قبل الجاني العرض المقدم إليه من دولة أجنبية للحصول على أسرار الدفاع وقعت منه جريمة تخابر تامة لا مجرد اشتراك في انتهاك أسرار الدفاع، ومن هنا فإن التخابر يفترض توافر الاتفاق الجنائي، فالتفاهم والاتفاق من واد واحد، وهو تبادل الإرادتين ويفترض هذا التخابر قيام صلة بين المتهم والدولة الأجنبية في نوع من الاتصال الواضح سواء كان ذلك مباشرة أو بمن يعمل لمصلحتها.
ثالثاً: أركان الجريمة :
تتكون الجريمة محل نص المادة 77 (أ) عقوبات من فعل مادي هو "الاتصال" بدولة أجنبية أو بأي شخص يعمل لمصلحتها لدفعها إلى القيام بأعمال عدائية ضد مصر. وهذا الاتصال يكون إما بالسعي أو التخابر، أما الجانب المعنوي فإن السعي أو التخابر جريمة عمدية، فلا يصح أن تسند معنوياً إلى مقارف الفعل المادي إلا إذا توفر قصده الجنائي، والمستفاد من عبارة المادة 77 (ب) عقوبات هو أنه فضلاً عن علم الجاني بجانب الواقع يجب أن تكون لديه "غاية" معينة هي دفع الدولة التي حصل الاتصال بها إلى القيام بأي عمل من الأعمال العدائية ضد مصر، ولكن لا أهمية بعد ذلك للبواعث المحركة إلى الفعل فسيان أن يكون الباعث على السعي أو التخابر هو الحنق على الجمهورية أو أن يكون الطمع لدى غيرها فی مال أو منفعة.
ويلاحظ أنه لا يشترط أن يكون السعى أو التخابر لدى دولة أجنبية أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها فيجوز أن ترتكب الجريمة في وقت السلم ولا يهم أن تكون الدولة الأجنبية حليفة لمصر أو صديقة لها.
والمستفاد من نص المادة هو معاقبة الفاعل حتى ولو لم ينشأ عن فعله أعمال عدائية ضد مصر بالفعل.
العقوبة في الإعدام ويجوز الحكم فضلاً عن ذلك بغرامة لا تجاوز عشرة آلاف جنيه عملاً بنص المادة 83 عقوبات يتبع في شأنها حكم المادة 535 إجراءات جنائية.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة: 10)
هذه المادة تبين الواقعة الإجرامية لجناية من أخطر جنايات الأمن الخارجي، بل الحق إنها أشد من التحاق الوطني بقوات العدو، ذلك أن علة العقاب في الانضمام إلى قوات العدو هي خيانة الوطن، أما الخطر فلا يتصور الا باعتباره مجرد "ممكن"، لأن الحرب لا تهتز موازينها في العادة بانضمام محارب أو فرد إلى العدو، أياً كانت قوته أو خبرته.
أما السعي بالوقيعة لدى دولة أجنبية أو التخابر معها، لمعاداة دولة أخرى فمن المحتمل أن يؤثر على العلاقات بينهما، فيجر إلى الحرب أو غيرها من الأفعال العدوانية، مما يجسم خطر الفعل سواء وقع من وطني أو أجنبي.
ومحل الحماية الجنائية في هذه الجريمة هو مصلحة الدولة في المحافظة على العلاقات العادية بينها وبين الدول الأخرى، فإن تعريض هذه المصلحة للخطر من شأنه أن يجر إلى الحرب أو غيرها من الأعمال العدائية، وأن يصيب بالتالي مكانة الدولة وأمنها، وإذا كان موضوع الحماية هو المحافظة على الحالة العادية للعلاقات الدولية، فإنه يجب أن يكون مفهوماً أن المادة (77 "ب") تحمي هذه العلاقات بالمعنى الموضوعي والسلبي، فهي لا تحمي روابط الود أو الشعور بالتعاطف والثقة بين الجمهورية والدول الأخرى، تلك الروابط التي يكون لها أثرها في تقوية " التحالف مع هذه الدول، ولكنها تمنع من السعي أو التخابر مع الدول الأجنبية للقيام بأعمال مادية أو موضوعية عدائية ضد الجمهورية.
والجاني في هذه الجريمة هو "كل شخص" فيصح إذن أن يكون مرتكبها مصرياً، أو أن يكون أجنبية. وسواء في ذلك أن يقع الفعل في مصر أو في الخارج.
الركن المادي :
الفعل المادي في هذه الجريمة هو "الاتصال" بدولة أجنبية، أو بأي شخص يعمل لمصلحتها، لدفعها إلى القيام بأعمال عدائية ضد مصر. وقد عبر نص المادة "77 ب" عن ذلك بقوله " ..... كل من سعى أو تخابر...." فالمشرع يجعل للاتصال الإجرامي صورتين، هما السعي والتخابر، وهو بذلك يحدد أفعال الاتصال أو يحصرها في اثنتين متميزتين إحداهما عن الأخرى، و لكن هذين الفعلين من السعة بحيث يضمان كل اتصال إجرامي بالعدو أياً كانت صورته أو وسيلته.
وإذا كان لا يشترط في السعي أو التخابر حصوله بوسيلة معينة، إذ يصح أن يقع بطريقة المراسلة أو الاتصال اللاسلكي، أو الوساطة الشخصية أو غير ذلك من الوسائل، فإنه يجب قانوناً أن يتم الفعل مع دولة أجنبية عن طريق ممثليها السياسيين، أو مأموريها المدنيين أو العسكريين، أو أي شخص آخر يعمل لمصلحتها.
وإذا كان من البديهي أن الجناية تتحقق بأحد الفعلين، أي السعي أو التخابر، متى توافرت باقي الشروط، و كان معلوماً أن السعي يختلف في مدلوله عن التخابر، من حيث أنه نشاط من جانب واحد يتخذ مظهره في بث الوقيعة أو التحريض أو ما إلى ذلك من الأفعال التي يعمد إليها الجاني لاستعداء دولة على مصر، في حين أن التخابر تفاهما واتفاق بين إرادتين على الغرض ذاته، إلا أنه يتعين أن نذكر أن بين الفعلين قدراً ثابتاً من الأحكام المشتركة، ففي الحالتين لا أهمية لما إذا كان الفعل الإجرامي قد حصل سراً أو كان ظاهراً، ولا لما إذا كان قد تم شفوياً بالاتصال الشخصي أو اللاسلكي، أو تم بالكتابة، أو بغير ذلك من الوسائل.
كما أنه في الحالتين لابد من وجود شخصين على الأقل، أحدهما هو الجاني في السعي أو التخابر، و الثاني هو مأمور الدولة الأجنبية أو من يعمل لمصلحتها، لأن وجوده لازم قانوناً ليتم لديه السعي أو يحصل معه التخابر.
الركن المعنوي :
السعي أو التخابر جريمة عمدية، فلا يصح أن تستند معنوياً إلى مرتكب الفعل المادي إلا إذا توفر قصده الجنائي.
والمستفاد من عبارة المادة 77 ب عقوبات فضلاً عن علم الجاني بجانب الواقع، يجب أن تكون لديه "غاية" معينة، هي دفع الدولة التي حصل الاتصال بها إلى القيام بأي عمل من الأعمال العدائية ضد مصر.
ولكن لا أهمية بعد ذلك للبواعث المحركة إلى الفعل، فسيان أن يكون الباعث على السعي أو التخابر هو البغض على الجمهورية، أو أن يكون الطمع لدى غيرها في مال أو منفعة.
الجزاء والعقاب :
يعاقب الجاني بالإعدام، ويجوز للمحكمة أن تحكم فضلاً عن ذلك بغرامة لا تتجاوز عشرة آلاف جنيه، وفقاً لنص المادة (83) عقوبات، وأداء هذه الغرامة عند الحكم بها واجب على الجاني نفسه، فإذا أعدم قبل أدائها فلا يجوز التنفيذ بها على ورثته، وإنما تنفذ في تركته وفقاً لأحكام المادة (535) إجراءات جنائية.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة: 34)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 157 .
الفصل الأول
الجرائم الماسة بأمن الوطن الخارجي
(مادة 285)
يعاقب بالإعدام :
(أ) كل من ارتكب عمدا فعلا يؤدي إلى المساس باستقلال الوطن، أو وحدته، أو سلامة أراضيه.
(ب) كل مصري رفع السلاح على مصر، أو التحق بأي وجه بصفوف دولة معادية، أو بالقوات المسلحة لدولة في حالة حرب مع مصر، أو بقوة مسلحة لجماعة معادية المصر ليست لها صفة المحاربين.
(جـ) كل من تدخل لمصلحة العدو في تدبير لزعزعة إخلاص القوات المسلحة، أو إضعاف روحها، أو روح الشعب المعنوية، أو قوة المقاومة عندهما.
(د) كل من حرض جنداً في زمن الحرب على الانخراط في خدمة دولة أجنبية، أو سهل ذلك لهم، وكذا من تدخل عمداً بأية كيفية في جمع جند، أو رجال، أو أموال، أو مؤن، أو عتاد، أو تدبير شيء من ذلك، لمصلحة دولة في زمن حرب مع مصر، أو جماعة مقاتلة لها صفة المحاربين.
(هـ) كل من سهل للعدو دخول إقليم الوطن، أو سلمه جزءا من أراضيه أو منشآت أو مواقع عسكرية أو موانئ أو ترسانات أو مخازن أو مصانع، أو سفناً أو طائرات أو وسائل مواصلات، أو أسلحة أو ذخائر أو مهمات حربية أو مؤناً أو أغذية ، أو غير ذلك مما أعد للدفاع عن الوطن أو ما يستعمل في ذلك، أو خدمة بأن نقل إليه أخباراً ، أو كان له مرشداً .
(مادة 286)
يعاقب بالسجن المؤبد أو المؤقت كل من أعان العدو عمدا بأية وسيلة أخرى لم تذكر فيما تقدم.
(مادة 292)
يعاقب بالإعدام كل من سعى لدى دولة معادية، أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها، وكان من شأن ذلك الإضرار بالعمليات الحربية لمصر، أو بمركزها الحربي أو السياسي أو الاقتصادي.
(مادة 293)
يعاقب بالإعدام من سعى لدى دولة أجنبية، أو تخابر معها أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها ؛ للقيام بأعمال عدائية ضد مصر.
والمادتان (292)، (293) من المشروع تؤثمان السعي لدى دولة أجنبية معادية أو غير معادية والتخابر معها، أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها، متى كان من شأن ذلك - إذا كان السعي والتخابر مع دولة معادية - الإضرار بالعمليات الحربية لمصر، أو بمركزها الحربي أو السياسي أو الاقتصادي، فإذا كان السعي والتخابر مع دولة أجنبية ليست معادية أو مع أحد ممن يعملون لمصلحتها - فإن الجريمة لا تتحقق إلا إذا كان ذلك لتقوم هذه الدولة بأعمال عدائية ضد مصر.
والمادة (294) من المشروع تعاقب على الإتلاف العمدي أو إخفاء أو اختلاس أو تزوير الأوراق والوثائق المتعلقة بأمن الدولة، أو المتعلقة بأية مصلحة قومية أخرى للوطن، فإذا كان القصد منها الإضرار بمركز البلاد الحربي أو السياسي أو الاقتصادي أو الإضرار بمصلحة.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العاشر ، الصفحة / 161
تَجَسُّسٌ
التَّعْرِيفُ:
التَّجَسُّسُ لُغَةً: تَتَبُّعُ الأْخْبَارِ، يُقَالُ: جَسَّ الأْخْبَارَ وَتَجَسَّسَهَا: إِذَا تَتَبَّعَهَا، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ، لأِنَّهُ يَتَتَبَّعُ الأْخْبَارَ وَيَفْحَصُ عَنْ بَوَاطِنِ الأْمُورِ، ثُمَّ اُسْتُعِيرَ لِنَظَرِ الْعَيْنِ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنِيِّ اللُّغَوِيِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّحَسُّسُ:
التَّحَسُّسُ هُوَ: طَلَبُ الْخَبَرِ، يُقَالُ: رَجُلٌ حَسَّاسٌ لِلأْخْبَارِ أَيْ: كَثِيرُ الْعِلْمِ بِهَا، وَأَصْلُ الإْحْسَاسِ: الإْبْصَارُ، وَمِنْهُ قوله تعالى (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) أَيْ: هَلْ تَرَى، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ فِي الْوِجْدَانِ وَالْعِلْمِ بِأَيِّ حَاسَّةٍ كَانَتْ، وَقَدْ قُرِئَ قوله تعالى (وَلاَ تَجَسَّسُوا) بِالْحَاءِ «وَلاَ تَحَسَّسُوا» قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَالْمَعْنَيَانِ مُتَقَارِبَانِ، وَقِيلَ: إِنَّ التَّجَسُّسَ غَالِبًا يُطْلَقُ عَلَى الشَّرِّ، وَأَمَّا التَّحَسُّسُ فَيَكُونُ غَالِبًا فِي الْخَيْرِ.
ب - التَّرَصُّدُ:
التَّرَصُّدُ: الْقُعُودُ عَلَى الطَّرِيقِ، وَمِنْهُ الرَّصَدِيُّ: الَّذِي يَقْعُدُ عَلَى الطَّرِيقِ يَنْظُرُ النَّاسَ لِيَأْخُذَ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا . فَيَجْتَمِعُ التَّجَسُّسُ وَالتَّرَصُّدُ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَتَبُّعُ أَخْبَارِ النَّاسِ، غَيْرَ أَنَّ التَّجَسُّسَ يَكُونُ بِالتَّتَبُّعِ وَالسَّعْيِ لِتَحْصِيلِ الأْخْبَارِ وَلَوْ بِالسَّمَاعِ أَوِ الاِنْتِقَالِ، أَمَّا التَّرَصُّدُ فَهُوَ الْقُعُودُ وَالاِنْتِظَارُ وَالتَّرَقُّبُ.
التَّنَصُّتُ:
التَّنَصُّتُ هُوَ: التَّسَمُّعُ. يُقَالُ: أَنْصَتَ إِنْصَاتًا أَيِ: اسْتَمَعَ، وَنَصَتَ لَهُ أَيْ: سَكَتَ مُسْتَمِعًا، فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّجَسُّسِ؛ لأِنَّ التَّنَصُّتَ يَكُونُ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً.
حُكْمُ التَّجَسُّسِ التَّكْلِيفِيِّ:
التَّجَسُّسُ تَعْتَرِيهِ أَحْكَامٌ ثَلاَثَةٌ: الْحُرْمَةُ وَالْوُجُوبُ وَالإْبَاحَةُ.
فَالتَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الأْصْلِ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لقوله تعالى (وَلاَ تَجَسَّسُوا) لأِنَّ فِيهِ تَتَبُّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعَايِبِهِمْ وَالاِسْتِكْشَافَ عَمَّا سَتَرُوهُ. وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: (يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الإْيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ لاَ تَتَبَّعُوا عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ).
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَالسَّتْرُ وَاجِبٌ إِلاَّ عَنِ الإْمَامِ وَالْوَالِي وَأَحَدِ الشُّهُودِ الأْرْبَعَةِ فِي الزِّنَى.
وَقَدْ يَكُونُ التَّجَسُّسُ وَاجِبًا، فَقَدْ نُقِلَ عَنِ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ: اللُّصُوصُ وَقُطَّاعُ الطَّرِيقِ أَرَى أَنْ يُطْلَبُوا فِي مَظَانِّهِمْ وَيُعَانَ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُقْتَلُوا أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأْرْضِ بِالْهَرَبِ . وَطَلَبُهُمْ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالتَّجَسُّسِ عَلَيْهِمْ وَتَتَبُّعِ أَخْبَارِهِمْ.
وَيُبَاحُ فِي الْحَرْبِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ بَعْثُ الْجَوَاسِيسِ لِتُعْرَفَ أَخْبَارُ جَيْشِ الْكُفَّارِ مِنْ عَدَدٍ وَعَتَادٍ وَأَيْنَ يُقِيمُونَ وَمَا إِلَى ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ يُبَاحُ التَّجَسُّسُ إِذَا رُفِعَ إِلَى الْحَاكِمِ أَنَّ فِي بَيْتِ فُلاَنٍ خَمْرًا، فَإِنْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ شُهُودٌ كَشَفَ عَنْ حَالِ صَاحِبِ الْبَيْت، فَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا بِمَا شُهِدَ عَلَيْهِ أُخِذَ، وَإِنْ كَانَ مَسْتُورًا فَلاَ يُكْشَفُ عَنْهُ. وَقَدْ سُئِلَ الإْمَامُ مَالِكٌ عَنِ الشُّرْطِيِّ يَأْتِيهِ رَجُلٌ يَدْعُوهُ إِلَى نَاسٍ فِي بَيْتٍ اجْتَمَعُوا فِيهِ عَلَى شَرَابٍ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ فِي بَيْتٍ لاَ يُعْلَمُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلاَ يَتَتَبَّعُهُ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ يَتَتَبَّعُهُ.
وَلِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَكْشِفَ عَلَى مُرْتَكِبِي الْمَعَاصِي؛ لأِنَّ قَاعِدَةَ وِلاَيَةِ الْحِسْبَةِ: الأْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ .
التَّجَسُّسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْحَرْبِ:
الْجَاسُوسُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَقَدْ أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ سُؤَالِ هَارُونَ الرَّشِيدِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحُكْمِ فِيهِمْ، فَقَالَ: وَسَأَلْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ الْجَوَاسِيسِ يُوجَدُونَ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَوْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِمَّنْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ فَاضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ، وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الإْسْلاَمِ مَعْرُوفِينَ فَأَوْجِعْهُمْ عُقُوبَةً، وَأَطِلْ حَبْسَهُمْ حَتَّى يُحْدِثُوا تَوْبَةً.
وَقَالَ الإْمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَإِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ رَجُلاً - مِمَّنْ يَدَّعِي الإْسْلاَمَ - عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَكْتُبُ إِلَيْهِمْ بِعَوْرَاتِهِمْ فَأَقَرَّ بِذَلِكَ طَوْعًا فَإِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ، وَلَكِنَّ الإْمَامَ يُوجِعُهُ عُقُوبَةً. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِثْلَهُ لاَ يَكُونُ مُسْلِمًا حَقِيقَةً، وَلَكِنْ لاَ يُقْتَلُ لأِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ حُكِمَ بِإِسْلاَمِهِ فَلاَ يَخْرُجُ عَنِ الإْسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ مَا لَمْ يَتْرُكْ مَا بِهِ دَخَلَ فِي الإْسْلاَمِ، وَلأِنَّهُ إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى مَا فَعَلَ الطَّمَعُ، لاَ خُبْثُ الاِعْتِقَادِ، وَهَذَا أَحْسَنُ الْوَجْهَيْنِ، وَبِهِ أُمِرْنَا. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِحَدِيثِ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، فَإِنَّهُ كَتَبَ إِلَى قُرَيْشٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَغْزُوكُمْ فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، فَأَرَادَ عُمَرُ رضي الله عنه قَتْلَهُ، فَقَالَ الرَّسُولُ لِعُمَرِ: (مَهْلاً يَا عُمَرُ، فَلَعَلَّ اللَّهَ قَدِ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ) فَلَوْ كَانَ بِهَذَا كَافِرًا مُسْتَوْجِبًا لِلْقَتْلِ مَا تَرَكَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بَدْرِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ بَدْرِيٍّ، وَكَذَلِكَ لَوْ لَزِمَهُ الْقَتْلُ بِهَذَا حَدًّا مَا تَرَكَهُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ نَزَلَ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) فَقَدْ سَمَّاهُ مُؤْمِنًا، وَعَلَيْهِ دَلَّتْ قِصَّةُ أَبِي لُبَابَةَ حِينَ اسْتَشَارَهُ بَنُو قُرَيْظَةَ، فَأَمَرَّ أُصْبُعَهُ عَلَى حَلْقِهِ يُخْبِرُهُمْ أَنَّهُمْ لَوْ نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَتَلَهُمْ، وَفِيهِ نَزَلَ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ).
وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَ هَذَا ذِمِّيٌّ فَإِنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً وَيُسْتَوْدَعُ السِّجْنَ، وَلاَ يَكُونُ هَذَا نَقْضًا مِنْهُ لِلْعَهْدِ، لأِنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا أَمَانَهُ، فَإِذَا فَعَلَهُ ذِمِّيٌّ لاَ يَكُونُ نَاقِضًا أَمَانَهُ أَيْضًا. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَقَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ لَمْ يَكُنْ بِهِ نَاقِضًا لِلْعَهْدِ، وَإِنْ كَانَ قَطْعُ الطَّرِيقِ مُحَارَبَةً لِلَّهِ وَرَسُولِهِ بِالنَّصِّ فَهَذَا أَوْلَى. وَكَذَلِكَ لَوْ فَعَلَهُ مُسْتَأْمَنٌ فَإِنَّهُ لاَ يَصِيرُ نَاقِضًا لأِمَانِهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَطَعَ الطَّرِيقَ، إِلاَّ أَنَّهُ يُوجَعُ عُقُوبَةً فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لأِنَّهُ ارْتَكَبَ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ وَقَصَدَ بِفِعْلِهِ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ كَانَ حِينَ طَلَبَ الأْمَانَ قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُونَ: أَمَّنَّاكَ إِنْ لَمْ تَكُنْ عَيْنًا لِلْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، أَوْ أَمَّنَّاكَ عَلَى أَنَّكَ إِنْ أَخْبَرْتَ أَهْلَ الْحَرْبِ بِعَوْرَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلاَ أَمَانَ لَكَ - وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا - فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهِ؛ لأِنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ يَكُونُ مَعْدُومًا قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، فَقَدْ عُلِّقَ أَمَانُهُ هَاهُنَا بِشَرْطِ أَلاَّ يَكُونَ عَيْنًا، فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ عَيْنٌ كَانَ حَرْبِيًّا لاَ أَمَانَ لَهُ فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهِ.
وَإِنْ رَأَى الإْمَامُ أَنْ يَصْلُبَهُ حَتَّى يَعْتَبِرَ بِهِ غَيْرُهُ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ رَأَى أَنْ يَجْعَلَهُ فَيْئًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ أَيْضًا كَغَيْرِهِ مِنَ الأْسَرَاءِ، إِلاَّ أَنَّ الأْوْلَى أَنْ يَقْتُلَهُ هَاهُنَا لِيَعْتَبِرَ غَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ مَكَانَ الرَّجُلِ امْرَأَةٌ فَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِهَا أَيْضًا، لأِنَّهَا قَصَدَتْ إِلْحَاقَ الضَّرَرِ بِالْمُسْلِمِينَ، وَلاَ بَأْسَ بِقَتْلِ الْحَرْبِيَّةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، كَمَا إِذَا قَاتَلَتْ، إِلاَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ صَلْبُهَا لأِنَّهَا عَوْرَةٌ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ أَوْلَى.
وَإِنْ وَجَدُوا غُلاَمًا لَمْ يَبْلُغْ، بِهَذِهِ الصِّفَةِ، فَإِنَّهُ يُجْعَلُ فَيْئًا وَلاَ يُقْتَلُ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ، فَلاَ يَكُونُ فِعْلُهُ خِيَانَةً يَسْتَوْجِبُ الْقَتْلَ بِهَا، بِخِلاَفِ الْمَرْأَةِ. وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ إِذَا قَاتَلَ فَأُخِذَ أَسِيرًا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ، بِخِلاَفِ الْمَرْأَةِ إِذَا قَاتَلَتْ فَأُخِذَتْ أَسِيرَةً فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَتْلُهَا.
وَالشَّيْخُ الَّذِي لاَ قِتَالَ عِنْدَهُ وَلَكِنَّهُ صَحِيحُ الْعَقْلِ بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ فِي ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مُخَاطَبًا. وَإِنْ جَحَدَ الْمُسْتَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ: الْكِتَابُ الَّذِي وَجَدُوهُ مَعَهُ إِنَّمَا وَجَدَهُ فِي الطَّرِيقِ وَأَخَذَهُ، فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يَقْتُلُوهُ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ، لأِنَّهُ آمِنٌ بِاعْتِبَارِ الظَّاهِرِ، فَمَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ مَا يَنْفِي أَمَانَهُ كَانَ حَرَامَ الْقَتْلِ. فَإِنْ هَدَّدُوهُ بِضَرْبٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ حَتَّى أَقَرَّ بِأَنَّهُ عَيْنٌ فَإِقْرَارُهُ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لأِنَّهُ مُكْرَهٌ، وَإِقْرَارُ الْمُكْرَهِ بَاطِلٌ سَوَاءٌ أَكَانَ الإِْكْرَاهُ بِالْحَبْسِ أَمْ بِالْقَتْلِ، وَلاَ يَظْهَرُ كَوْنُهُ عَيْنًا إِلاَّ بِأَنْ يُقِرَّ بِهِ عَنْ طَوْعٍ، أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ، وَيُقْبَلُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ شَهَادَةُ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَأَهْلِ الْحَرْبِ، لأَِنَّهُ حَرْبِيٌّ فِينَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا، وَشَهَادَةُ أَهْلِ الْحَرْبِ حُجَّةٌ عَلَى الْحَرْبِيِّ.
وَإِنْ وَجَدَ الإْمَامُ مَعَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُسْتَأْمَنٍ كِتَابًا فِيهِ خَطُّهُ وَهُوَ مَعْرُوفٌ، إِلَى مَلِكِ أَهْلِ الْحَرْبِ يُخْبِرُ فِيهِ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ الإْمَامَ يَحْبِسُهُ، وَلاَ يَضْرِبُهُ بِهَذَا الْقَدْرِ؛ لأِنَّ الْكِتَابَ مُحْتَمَلٌ فَلَعَلَّهُ مُفْتَعَلٌ، وَالْخَطُّ يُشْبِهُ الْخَطَّ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يَضْرِبَهُ بِمِثْلِ هَذَا الْمُحْتَمَلِ، وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ: فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ خَلَّى سَبِيلَهُ، وَرَدَّ الْمُسْتَأْمَنَ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَلَمْ يَدَعْهُ لِيُقِيمَ بَعْدَ هَذَا فِي دَارِ الإْسْلاَمِ يَوْمًا وَاحِدًا؛ لأِنَّ الرِّيبَةَ فِي أَمْرِهِ قَدْ تَمَكَّنَتْ وَتَطْهِيرُ دَارِ الإْسْلاَمِ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ بَابِ إِمَاطَةِ الأَْذَى فَهُوَ أَوْلَى .
مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْتَأْمَنَ يُقْتَلُ، وَقَالَ سَحْنُونٌ فِي الْمُسْلِمِ يَكْتُبُ لأِهْلِ الْحَرْبِ بِأَخْبَارِ الْمُسْلِمِينَ: يُقْتَلُ وَلاَ يُسْتَتَابُ وَلاَ دِيَةَ لِوَرَثَتِهِ كَالْمُحَارِبِ. وَقِيلَ: يُجْلَدُ نَكَالاً وَيُطَالُ حَبْسُهُ وَيُنْفَى مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَقِيلَ: يُقْتَلُ إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ، وَقِيلَ: إِلاَّ أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ. وَقِيلَ: يُقْتَلُ إِنْ كَانَ مُعْتَادًا لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ فَلْتَةً ضُرِبَ وَنُكِّلَ .
وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْطُبِيِّ فِي تَفْسِيرِ قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ) مَا يَأْتِي:
مَنْ كَثُرَ تَطَلُّعُهُ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُنَبِّهُ عَلَيْهِمْ وَيُعَرِّفُ عَدَدَهُمْ بِأَخْبَارِهِمْ لَمْ يَكُنْ كَافِرًا بِذَلِكَ، إِذَا كَانَ فِعْلُهُ لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ وَاعْتِقَادُهُ عَلَى ذَلِكَ سَلِيمٌ، كَمَا فَعَلَ حَاطِبٌ حِينَ قَصَدَ بِذَلِكَ اتِّخَاذَ الْيَدِ وَلَمْ يَنْوِ الرِّدَّةَ عَنِ الدِّينِ. وَإِذَا قُلْنَا: لاَ يَكُونُ بِذَلِكَ كَافِرًا فَهَلْ يُقْتَلُ بِذَلِكَ حَدًّا أَمْ لاَ؟ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ: يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ الإْمَامُ. وَقَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: إِذَا كَانَتْ عَادَتُهُ ذَلِكَ قُتِلَ لأِنَّهُ جَاسُوسٌ. وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ: يُقْتَلُ الْجَاسُوسُ - وَهُوَ صَحِيحٌ - لإِضْرَارِهِ بِالْمُسْلِمِينَ وَسَعْيِهِ بِالْفَسَادِ فِي الأْرْضِ، وَلَعَلَّ ابْنَ الْمَاجِشُونِ إِنَّمَا اتَّخَذَ التَّكْرَارَ فِي هَذَا لأِنَّ حَاطِبًا أُخِذَ فِي أَوَّلِ فِعْلِهِ.
فَإِنْ كَانَ الْجَاسُوسُ كَافِرًا، فَقَالَ الأْوْزَاعِيُّ: يَكُونُ نَقْضًا لِعَهْدِهِ، وَقَالَ أَصْبَغُ: الْجَاسُوسُ الْحَرْبِيُّ يُقْتَلُ، وَالْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ يُعَاقَبَانِ إِلاَّ إِنْ تَظَاهَرَا عَلَى الإْسْلاَمِ فَيُقْتَلاَنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي اللع عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم(أُتِيَ بِعَيْنٍ لِلْمُشْرِكِينَ اسْمُهُ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُقْتَلَ، فَصَاحَ: يَا مَعْشَرَ الأْنْصَارِ أُقْتَلُ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَخَلَّى سَبِيلَهُ. ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مِنْكُمْ مَنْ أَكِلُهُ إِلَى إيمَانِهِ، مِنْهُمْ فُرَاتُ بْنُ حَيَّانَ).
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ: أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ يُعَزَّرُ وَلاَ يَجُوزُ قَتْلُهُ. وَإِنْ كَانَ ذَا هَيْئَةٍ (أَيْ مَاضٍ كَرِيمٍ فِي خِدْمَةِ الإْسْلاَمِ) عُفِيَ عَنْهُ لِحَدِيثِ حَاطِبٍ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ بِالدَّلاَلَةِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَوْ شُرِطَ عَلَيْهِمْ فِي عَهْدِ الأْمَانِ ذَلِكَ فِي الأْصَحِّ، وَفِي غَيْرِهِ يُنْتَقَضُ بِالشَّرْطِ .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يُنْتَقَضُ عَهْدُ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِأَشْيَاءَ وَمِنْهَا: تَجَسَّسَ أَوْ آوَى جَاسُوسًا، لِمَا فِيهِ مِنَ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ.
وَمِمَّا تَقَدَّمَ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الْجَاسُوسَ الْحَرْبِيَّ مُبَاحُ الدَّمِ يُقْتَلُ عَلَى أَيِّ حَالٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ، أَمَّا الذِّمِّيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِنَّهُ يُقْتَلُ.
وَلِلشَّافِعِيَّةِ أَقْوَالٌ أَصَحُّهَا أَنَّهُ لاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ بِالدَّلاَلَةِ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، لأِنَّهُ لاَ يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْعَقْدِ. وَأَمَّا الْجَاسُوسُ الْمُسْلِمُ فَإِنَّهُ يُعَزَّرُ وَلاَ يُقْتَلُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ يُقْتَلُ.
التَّجَسُّسُ عَلَى الْكُفَّارِ:
التَّجَسُّسُ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ لِمَعْرِفَةِ عَدَدِهِمْ وَعُدَدِهِمْ وَمَا مَعَهُمْ مِنْ سِلاَحٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ الْخَنْدَقِ صَلَّى هَوِيًّا مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَقَالَ: مَنْ رَجُلٌ يَقُومُ فَيَنْظُرُ لَنَا مَا فَعَلَ الْقَوْمُ - يَشْتَرِطُ لَهُ النَّبِيُّ أَنْ يَرْجِعَ - أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ قَالَ رَاوِي الْحَدِيثِ حُذَيْفَةُ: فَمَا قَامَ رَجُلٌ، ثُمَّ صَلَّى إِلَى.. أَنْ قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَمَا قَامَ رَجُلٌ مِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ وَشِدَّةِ الْجُوعِ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ أَحَدٌ دَعَانِي أَيْ دَعَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم حُذَيْفَةَ فَلَمْ يَكُنْ لِي بُدٌّ مِنَ الْقِيَامِ حِينَ دَعَانِي، فَقَالَ الرَّسُولُ: يَا حُذَيْفَةُ اذْهَبْ فَادْخُلْ فِي الْقَوْمِ فَانْظُرْ مَاذَا يَفْعَلُونَ، وَلاَ تُحْدِثَنَّ شَيْئًا حَتَّى تَأْتِيَنَا . قَالَ: فَذَهَبْتُ فَدَخَلْتُ فِي الْقَوْمِ، وَالرِّيحُ وَجُنُودُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ تَفْعَلُ بِهِمْ مَا تَفْعَلُ، لاَ تَقِرُّ لَهُمْ قِدْرٌ وَلاَ نَارٌ وَلاَ بِنَاءٌ، فَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ لِيَنْظُرْ كُلُّ امْرِئٍ مَنْ جَلِيسُهُ، قَالَ حُذَيْفَةُ: فَأَخَذْتُ بِيَدِ الرَّجُلِ الَّذِي إِلَى جَنْبِي فَقُلْتُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ، ثُمَّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّكُمْ وَاَللَّهِ مَا أَصْبَحْتُمْ بِدَارِ مَقَامٍ، لَقَدْ هَلَكَ الْكُرَاعُ وَالْخُفُّ، وَأَخْلَفَتْنَا بَنُو قُرَيْظَةَ، وَبَلَغَنَا عَنْهُمُ الَّذِي نَكْرَهُ...» إِلَخْ فَهَذَا دَلِيلُ جَوَازِ التَّجَسُّسِ عَلَى الْكُفَّارِ فِي الْحَرْبِ.
تَجَسُّسُ الْحَاكِمِ عَلَى رَعِيَّتِهِ:
سَبَقَ أَنَّ الأْصْلَ تَحْرِيمُ التَّجَسُّسِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا).
وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ وَلِيِّ الأْمْرِ لِوُرُودِ نُصُوصٍ خَاصَّةٍ تَنْهَى أَوْلِيَاءَ الأْمُورِ عَنْ تَتَبُّعِ عَوْرَاتِ النَّاسِ، مِنْهَا مَا رَوَاهُ مُعَاوِيَةُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: إِنَّكَ إِنِ اتَّبَعْتَ عَوْرَاتِ النَّاسِ أَفْسَدْتَهُمْ أَوْ كِدْتَ أَنْ تُفْسِدَهُمْ» فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: كَلِمَةٌ سَمِعَهَا مُعَاوِيَةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا. وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم«إِنَّ الأْمِيرَ إِذَا ابْتَغَى الرِّيبَةَ فِي النَّاسِ أَفْسَدَهُمْ».
وَلَكِنَّ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَلَى رَعِيَّتِهِ إِذَا كَانَ فِي تَرْكِ التَّجَسُّسِ انْتِهَاكُ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا، مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلاً خَلاَ بِرَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ، أَوِ امْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا، فَيَجُوزُ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدَمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لاَ يُسْتَدْرَكُ مِنِ انْتِهَاكِ الْمَحَارِمِ وَارْتِكَابِ الْمَحْظُورَاتِ، وَهَكَذَا لَوْ عَرَفَ ذَلِكَ قَوْمٌ مِنَ الْمُتَطَوِّعَةِ جَازَ لَهُمُ الإْقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالإْنْكَارِ.
أَمَّا مَا كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الرِّيبَةِ فَلاَ يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلاَ كَشْفُ الأْسْتَارِ عَنْهُ. وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ عَلَى قَوْمٍ يَتَعَاقَرُونَ عَلَى شَرَابٍ وَيُوقِدُونَ فِي أَخْصَاصٍ فَقَالَ: نَهَيْتُكُمْ عَنِ الْمُعَاقَرَةِ فَعَاقَرْتُمْ، وَنَهَيْتُكُمْ عَنِ الإْيقَادِ فِي الأْخْصَاصِ فَأَوْقَدْتُمْ. فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ نَهَى اللَّهُ عَنِ التَّجَسُّسِ فَتَجَسَّسْتَ، وَعَنِ الدُّخُولِ بِغَيْرِ إِذْنٍ فَدَخَلْتَ. فَقَالَ: هَاتَانِ بِهَاتَيْنِ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُمْ.
وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ فِيمَا سُتِرَ مِنَ الْمُنْكَرِ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ هَلْ يُنْكَرُ؟ فَرَوَى ابْنُ مَنْصُورٍ وَعَبْدُ اللَّهِ فِي الْمُنْكَرِ يَكُونُ مُغَطًّى، مِثْلَ طُنْبُورٍ وَمُسْكِرٍ وَأَمْثَالِهِ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مُغَطًّى لاَ يُكْسَرُ. وَنُقِلَ عَنْهُ أَنَّهُ يُكْسَرُ.
فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ الْمَلاَهِي الْمُنْكَرَةِ مِنْ دَارٍ تَظَاهَرَ أَهْلُهَا بِأَصْوَاتِهِمْ أَنْكَرَهُ خَارِجَ الدَّارِ، وَلَمْ يَهْجُمْ بِالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَمَّا سِوَاهُ مِنَ الْبَاطِنِ، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ مُهَنَّا الأْنْبَارِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ طَبْلٍ فِي جِوَارِهِ، فَقَامَ إِلَيْهِمْ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَنَهَاهُمْ.
وَقَالَ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي حَرْبٍ فِي الرَّجُلِ يَسْمَعُ الْمُنْكَرَ فِي دَارِ بَعْضِ جِيرَانِهِ قَالَ: يَأْمُرُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ جَمَعَ عَلَيْهِ الْجِيرَانَ وَيُهَوِّلُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْجَصَّاصُ عِنْدَ لقوله تعالى (وَلاَ تَجَسَّسُوا) نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ سُوءِ الظَّنِّ بِالْمُسْلِمِ الَّذِي ظَاهِرُهُ الْعَدَالَةُ وَالسَّتْرُ، ثُمَّ قَالَ: نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنِ التَّجَسُّسِ، بَلْ أَمَرَ بِالسَّتْرِ عَلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُمْ إِصْرَارٌ. ثُمَّ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قِيلَ لَهُ: هَذَا فُلاَنٌ تَقْطُرُ لِحْيَتُهُ خَمْرًا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: إِنَّا قَدْ نُهِينَا عَنِ التَّجَسُّسِ، وَلَكِنْ إِنْ يَظْهَرْ لَنَا شَيْءٌ نَأْخُذْ بِهِ .
تَجَسُّسُ الْمُحْتَسِبِ:
الْمُحْتَسِبُ هُوَ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ إِذَا ظَهَرَ تَرْكُهُ، وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ إِذَا ظَهَرَ فِعْلُهُ. قَالَ تَعَالَى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وَهَذَا وَإِنْ صَحَّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ لَكِنَّ الْمُحْتَسِبَ مُتَعَيَّنٌ عَلَيْهِ بِحُكْمِ وِلاَيَتِهِ، لَكِنَّ غَيْرَهُ فُرِضَ عَلَيْهِ عَلَى سَبِيلِ الْكِفَايَةِ.
وَمَا لَمْ يَظْهَرْ مِنَ الْمَحْظُورَاتِ فَلَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَجَسَّسَ عَنْهَا وَلاَ أَنْ يَهْتِكَ الأْسْتَارَ حَذَرًا مِنَ الاِسْتِتَارِ بِهَا، فَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «اجْتَنِبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَةَ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنْهَا، فَمَنْ أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ» .
فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اسْتِتَارُ قَوْمٍ بِهَا لأِمَارَاتٍ دَلَّتْ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ فَذَلِكَ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي انْتِهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اسْتِدْرَاكُهَا مِثْلُ أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِهِ أَنَّ رَجُلاً خَلاَ بِامْرَأَةٍ لِيَزْنِيَ بِهَا أَوْ رَجُلٍ لِيَقْتُلَهُ، فَيَجُوزُ لَهُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ وَيَقْدَمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لاَ يُسْتَدْرَكُ مِنِ ارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ وَفِعْلِ الْمَحْظُورَاتِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: مَا خَرَجَ عَنْ هَذَا الْحَدِّ وَقَصُرَ عَنْ حَدِّ هَذِهِ الرُّتْبَةِ، فَلاَ يَجُوزُ التَّجَسُّسُ عَلَيْهِ وَلاَ كَشْفُ الأْسْتَارِ عَنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ .
عِقَابُ التَّجَسُّسِ عَلَى الْبُيُوتِ:
رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنِ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ»
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ، فَيَحِلُّ لِمَنِ اطَّلَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَ الْمُطَّلِعِ حَالَ الاِطِّلاَعِ، وَلاَ ضَمَانَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ: لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ، فَإِنْ فَقَأَ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَالْخَبَرُ مَنْسُوخٌ، وَكَانَ قَبْلَ نُزُولِ لقوله تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ خَرَجَ عَلَى وَجْهِ الْوَعِيدِ لاَ عَلَى وَجْهِ الْحَتْمِ، وَالْخَبَرُ إِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ.
وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَكَلَّمُ بِالْكَلاَمِ فِي الظَّاهِرِ، وَهُوَ يُرِيدُ شَيْئًا آخَرَ، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ «أَنَّ عَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ لَمَّا مَدَحَهُ قَالَ لِبِلاَلٍ: قُمْ فَاقْطَعْ لِسَانَهُ» وَإِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ شَيْئًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْقَطْعَ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَهَذَا أَيْضًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَ فَقْءَ الْعَيْنِ وَالْمُرَادُ: أَنْ يَعْمَلَ بِهِ عَمَلاً حَتَّى لاَ يَنْظُرَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ.
وَفِي تَبْصِرَةِ الْحُكَّامِ: وَلَوْ نَظَرَ مِنْ كُوَّةٍ أَوْ مِنْ بَابٍ فَفَقَأَ عَيْنَهُ صَاحِبُ الدَّارِ ضَمِنَ، لأِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى زَجْرِهِ وَدَفْعِهِ بِالأْخَفِّ، وَلَوْ قَصَدَ زَجْرَهُ بِذَلِكَ فَأَصَابَ عَيْنَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ فَقْأَهَا فَفِي ضَمَانِهِ خِلاَفٌ.
وَأَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُ الْمُطَّلِعِ إِلاَّ بِفَقْءِ عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا لاَ ضَمَانَ، وَإِنْ أَمْكَنَ بِدُونِ فَقْءِ عَيْنِهِ فَفَقَأَهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ.
أَمَّا إِذَا تَجَسَّسَ وَانْصَرَفَ فَلَيْسَ لِلْمُطَلَّعِ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقَأَ عَيْنَهُ اتِّفَاقًا. وَيُنْظَرُ لِلتَّفْصِيلِ: (دَفْعُ الصَّائِلِ) .
أَمَّا عُقُوبَةُ الْمُتَجَسِّسِ فَهِيَ التَّعْزِيرُ، إِذْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ مُعَيَّنٌ، وَالتَّعْزِيرُ يَخْتَلِفُ وَالْمَرْجِعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى الإْمَامِ (ر: تَعْزِيرٌ ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 263
أ - التَّعْزِيرُ بِالْقَتْلِ :
الأْصْلُ: أَنَّهُ لاَ يُبْلَغُ بِالتَّعْزِيرِ الْقَتْلَ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ) وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» . وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الْقَتْلِ تَعْزِيرًا فِي جَرَائِمَ مُعَيَّنَةٍ بِشُرُوطٍ مَخْصُوصَةٍ، مِنْ ذَلِكَ: قَتْلُ الْجَاسُوسِ الْمُسْلِمِ إِذَا تَجَسَّسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَهَبَ إِلَى جَوَازِ تَعْزِيرِهِ بِالْقَتْلِ مَالِكٌ وَبَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ.
وَتَوَقَّفَ فِيهِ أَحْمَدُ. وَمِنْ ذَلِكَ: قَتْلُ الدَّاعِيَةِ إِلَى الْبِدَعِ الْمُخَالِفَةِ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَالْجَهْمِيَّةِ. ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَدَ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّعْزِيرَ بِالْقَتْلِ فِيمَا تَكَرَّرَ مِنَ الْجَرَائِمِ، إِذَا كَانَ جِنْسُهُ يُوجِبُ الْقَتْلَ، كَمَا يُقْتَلُ مَنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اللِّوَاطُ أَوِ الْقَتْلُ بِالْمُثَقَّلِ . وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ عَلَى أَنَّ الْمُفْسِدَ إِذَا لَمْ يَنْقَطِعْ شَرُّهُ إِلاَّ بِقَتْلِهِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ، لِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَرْفَجَةَ الأْشْجَعِيِّ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ، أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ» .