loading

موسوعة قانون العقوبات​

شرح خبراء القانون

ملحوظة 1: بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021، والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ.

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

الجاني في هذه الجريمة هو "كل شخص"  فيصح إذن أن يكون مصرياً، أو أن يكون أجنبياً، وسواء وقع الفعل الإجرامي منه في مصر أم في الخارج، فالقانون المصري ينطبق عليه، وفقاً لما تقضي به المادة الثانية عقوبات، ويجب لوجود هذه الجريمة، واستحقاق العقاب توافر أركان ثلاثة:

(1) أن تقع في زمن الحرب.

(2) الفعل المادي ويتمثل في إذاعة أخبار أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو القيام بدعاية مثيرة، ويكون من شأن ذلك إلحاق الضرر بالإستعدادات أو العمليات الحربية أو إثارة الفزع بين الناس أو إضعاف الجلد في الأمة.

(3) أن يكون لدى مقارف الفعل المادي قصد جنائي.

الركن الأول: هو افتراض زمن الحرب، لان عبارة النص صريحة في أن الأفعال المبينة فيها لا يعاقب عليها، وبالتالي لا تعد جريمة إلا إذا وقعت في زمن الحرب، فهي تقول "كل من أذاع عمداً في زمن الحرب" .

وتبدأ الحرب وفقاً لأحكام القانون الدولي بإعلانها، أو بقيام الأعمال الحربية دون سبق إعلان، وتنتهي بالصلح، أو بالقضاء على أحد أطرافها.

الركن الثاني: هو الفعل المادي، وهذا الفعل يتمثل إما في إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة، وإما في القيام بدعاية مثيرة.

ويشترط فيه القانون أن يكون في الحالتين منطويا على خطر معين، وذلك بان يكون من شأنه إلحاق الضرر بالإستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد، أو بالعمليات الحربية للقوات المسلحة، أو إثارة الفزع بين الناس، أو إضعاف الجلد وقوة المقاومة في الأمة.

فالفعل المادي يتحقق إذن في إحدى صورتين، لكل منهما شروطها، ولكنهما تشتركان في تطلب نشوء الخطر من الفعل على معنويات الشعب أو عمليات القوات المحاربة.

الصورة الأولى :

إذاعة الأخبار أو الإشاعات الكاذبة أو المغرضة :

يقصد بإذاعة الأخبار أو البيانات أو الإشاعات جعلها معلومة لعدد غير محدود من الأشخاص.

وبعبارة أخرى، تداول روايتها أو بثها وجعلها منتشرة بين الناس، فلا بد في الإذاعة من فعل "إيجابي"، إذ أن مجرد الاستماع، وهو موقف سلبي، لا تتحقق به هذه الجريمة.

والأخبار في المعلومات التي تتعلق بحادث معين وتعتمد أو تبدو أنها معتمدة على الواقع المادي. فلا يدخل فيها التنبؤات، لأنها تصورات لا تقوم على عناصر "موضوعية" أو وقائع مادية، وإنما تقوم على تأمل نفساني، أو هي وليدة ذهن من تنبأ بها، ولا أساس لها من الواقع المادي. ولكن الأخبار لا تقتصر على معلومات وقائع أو أحداث ماضية، وتتحقق في الحاضر، وإنما يصح أن تكون متعلقة بأحداث "مستقبلة".

ويجب أن تكون الأخبار أو البيانات أو الإشاعات التي أذيعت كاذبة أو مغرضة، وهي تكون كاذبة متى تبين أنها تخالف الواقع كلياً أو جزئياً بمعنى أن الخبر وما إليه قد يلقي إلى الناس وهو مختلف برمته، وقد يذاع عليهم محرفة، بحذف أو إضافة أو تعديل بعض الوقائع فيه، فيعد كاذباً في الحالتين.

وتكون الأخبار أو ما إليها مغرضة متى كانت في ظاهرها غير مخالفة للواقع، وإنما وضعت في إطار من مختلف الظروف والملابسات، أو صيغت بطريقة ملتوية بحيث تفيد غير الظاهر من روايتها أو عرضها، وتعطي معنى خفياً يدركه الغير على الرغم من عدم التصريح به ويكون هذا المعنى مخالفاً للحقيقة. 

وعبء إثبات أن الخبر وما إليه كاذب أو مغرض يقع على عاتق سلطة الإتهام، وتستعين في ذلك بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن.

الصورة الثانية:

الدعاية المثيرة:

ويتحقق الفعل المادي لهذه الجريمة في صورة القيام بدعاية مثيرة، والدعاية حملة منظمة لإثارة الشعور بالضيق والخوف بين الناس حتى يتطرق الوهن إلى تصميمهم على تحمل تضحيات الحرب، أو يدب في نفوسهم اليأس من القدرة على مقاومة العدو، فينتهي بهم الأمر إلى إعلان السخط والتذمر في وجه الحكومة، أو إلى الاستكانة والتخاذل أمام العدو.

ولا يشترط حدوث الدعاية بوسيلة معينة، فيصح أن يلقي بها الجاني إلى الناس سراً عن طريق التنقل بين الأفواه، أو في خطابات أو نشرات يفاجئهم بها في منازلهم أو على مكاتبهم أو في صناديق البريد.

إتصاف الفعل بالخطر :

لا يكفي لوجود الفعل المادي في هذه الجريمة إذاعة أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة، أو القيام بدعاية مثيرة، وإنما يجب أن يكون من شأن ذلك كله إلحاق الضرر بالإستعدادات الحربية للدفاع عن البلاد أو بالعمليات الحربية القوات المسلحة أو إثارة الفزع والرعب بين الناس أو إضعاف جلد الأمة.

فموضوع الحماية في هذه الجريمة هو المحافظة على روح الشعب المعنوية وقوة مقاومته أمام العدو، وعلى استعدادات الدفاع و عملياته الحربية.

ويكون الفعل متصفاً بالخطر متى تبين أنه من المحتمل أو من الممكن أن يؤدي في الظروف التي اكتنفته إلى إحدى النتائج الضارة والمبينة بالنص، وإن لم يتحقق هذا الضرر فعلاً .

فاشتراط النص أن يكون من شان الفعل إلحاق الضرر باستعدادات الدفاع أو إضعاف جلد الأمة يعني انه يكفي أن يكون إلحاق هذا الضرر أمراً محتملاً" أو حتى مجرد "ممكن" من الفعل، ويعد الضرر "محتملاً" متى كان من المتصور أن يؤدي الفعل إليه في الغالب، أو في عدد متوسط من الحالات، ويعد "ممكن" متی كان من المتصور أن يؤدي إليه في حالات قليلة.

وإذن فالقدر اللازم والكافي لتحقق هذا الشرط هو أن يكون ما أذيع من أخبار أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو ما حصل من دعاية مثيرة صالحاً أو ملائماً الأحداث إحدى النتائج الضارة المذكورة، في الغالب أو في حالات قليلة، وتقدير ذلك مسالة موضوعية  .

أما النتائج التي بينها النص، والتي يتطلب القانون في هذه الجريمة أن يكون من شأن الفعل أن يؤدي إلى إحداها فهي:

(1) إلحاق الضرر بالاستعدادات أو بالعمليات الحربية، أي عرقلة سيرها أو إضعافها، ومن ذلك أن يذيع الجاني أخبارا كاذبة أو إشاعات من شأنها أن تدفع أصحاب عربات النقل إلى إخفائها وقت الحاجة الملحة إليها في نقل الأشخاص أو العتاد أثناء التعبئة.

(2) إثارة الفزع بين الناس، والمفهوم أن الفزع يكون من أهوال الحرب وويلاتها، أو أعبائها وقيودها الاستثنائية، أو من بأس العدو أو إنجازاته الحربية أو أساليبه وكافة أحواله الأخرى. فالمقصود بإيجاز هو أن يكون من شان الفعل في إحدى صورتيه إثارة الفزع بين الناس من الحرب ذاتها أو من العدو وخططه.

(3) إضعاف الجلد في الأمة، ويقصد بذلك إضعاف روح المقاومة والصمود في الأمة أمام عدوها، أي إضعاف قوة مقاومتها للعدو واحتمالها لمتاعب الحرب.

الركن الثالث : القصد الجنائي :

لا تقع هذه الجريمة إلا عمدية، ومن ثم فلا بد لمسالة مرتكب الفعل المادي فيها من توافر القصد الجنائي لديه.

والقصد يتوفر إذا كان الجاني يعلم حقيقة ما يأتيه بإرادته من إذاعة الإخبار كاذبة أو مغرضة أو قيامه بدعاية مثيرة، ويعلم بأن من شأن فعله أن يستتبع الإضرار بالإستعدادات أو العمليات الحربية، أو يمكن أن يثير فزع الناس أو يضعف روح المقاومة لديهم، ولا عبرة بعد ذلك بالبواعث الدافعة.

العقوبة:

يعاقب الجاني في هذه الجريمة بالسجن ويجوز للمحكمة فضلاً عن ذلك أن تحكم بغرامة لا تجاوز عشرة آلاف جنيه (طبقاً لنص المادة 83 عقوبات).

وتكون العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة إذا ارتكبت الجريمة نتيجة التخابر مع دولة أجنبية غير معادية.

وتكون الأشغال الشاقة المؤبدة إذا ارتكبت الجريمة نتيجة التخابر مع دولة "معادية"  .(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 96).

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس  ، الصفحة / 292

إِفْشَاءُ السِّرِّ

التَّعْرِيفُ:

الإْفْشَاءُ لُغَةً: الإْظْهَارُ، يُقَالُ: أَفَشَا السِّرَّ: إِذَا أَظْهَرَهُ، فَفَشَا فَشْوًا وَفُشُوًّا، وَالسِّرُّ هُوَ مَا يُكْتَمُ، وَالإْسْرَارُ خِلاَفُ الإْعْلاَنِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْشَاعَةُ:

2 - إِشَاعَةُ الْخَبَرِ: إِظْهَارُهُ وَنَشْرُهُ، وَالشُّيُوعُ: الظُّهُورُ.

ب - الْكِتْمَانُ:

الْكِتْمَانُ. الإْخْفَاءُ: يُقَالُ: كَتَمْتُ زَيْدًا الْحَدِيثَ: أَيْ أَخْفَيْتُهُ عَنْهُ، فَهُوَ ضِدُّ الإْفْشَاءِ.

ج - التَّجَسُّسُ:

هُوَ تَتَبُّعُ الأْخْبَارِ، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ، لأِنَّهُ يَتَتَبَّعُ الأْخْبَارَ، وَيَفْحَصُ عَنْ بَوَاطِنِ الأْمُورِ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الشَّرِّ فَالتَّجَسُّسُ: السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى السِّرِّ.

د - التَّحَسُّسُ:

هُوَ الاِسْتِمَاعُ إِلَى حَدِيثِ الْغَيْرِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» وَالتَّحَسُّسُ إِنْ كَانَ لإِذَاعَةِ أَخْبَارِ النَّاسِ السَّيِّئَةِ فَهُوَ كَإِفْشَاءِ السِّرِّ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّحَسُّسُ لإِشَاعَةِ الْخَيْرِ، كَمَا فِي قوله تعالي : ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ).

حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:

أَنْوَاعُ السِّرِّ:

يَتَنَوَّعُ السِّرُّ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:

أ - مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ.

ب - مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ.

ج - مَا مِنْ شَأْنِهِ الْكِتْمَانُ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْخُلْطَةِ أَوِ الْمَهْنَةِ.

النَّوْعُ الأْوَّلُ: مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ:

مِنَ الأْمُورِ مَا يَحْظُرُ الشَّرْعُ إِفْشَاءَهُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ حَسَبَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِفْشَائِهِ مِنْ ضَرَرٍ. فَمِمَّا لاَ يَجُوزُ إِفْشَاؤُهُ:

مَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَالَ الْوِقَاعِ، فَإِنَّ إِفْشَاءَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ حَالَ الْجِمَاعِ أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» وَالْمُرَادُ مِنْ نَشْرِ السِّرِّ، ذِكْرُ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ مِنْ أُمُورِ الْوَقَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَمَا يَجْرِي مِنَ الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

أَمَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْوِقَاعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، فَذِكْرُهُ مَكْرُوهٌ، لأِنَّهُ يُنَافِي الْمُرُوءَةَ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

فَإِنْ دَعَتْ إِلَى ذِكْرِهِ حَاجَةٌ، وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ فَهُوَ مُبَاحٌ. كَمَا لَوِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ عِنِّينٌ، أَوْ مُعْرِضٌ عَنْهَا، أَوْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَجْزَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَتْهُ صَحِيحًا فَلاَ كَرَاهَةَ فِي الذِّكْرِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِنِّي لأَفْعَلُ ذَلِكَ، أَنَا وَهَذِهِ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ» وَقَالَ لأِبِي طَلْحَةَ: «أَعَرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ» ؟ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي عَدَمِ جَوَازِ إِفْشَاءِ مَا يَجْرِي مِنَ الرِّجَالِ حَالَ الْوَقَاعِ.

وَإِفْشَاءُ السِّرِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الإْيذَاءِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَقِّ أَصْحَابِ السِّرِّ مِنَ الْجِيرَانِ وَالأْصْدِقَاءِ وَنَحْوِهِمْ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ».

 وَقَالَ: «الْحَدِيثُ بَيْنَكُمْ أَمَانَةٌ». وَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ».

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ:

مَا اسْتَكْتَمَكَ إِيَّاهُ الْغَيْرُ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ، فَلاَ يَجُوزُ بَثُّهُ وَإِفْشَاؤُهُ لِلْغَيْرِ، حَتَّى أَخَصَّ أَصْدِقَاءِ صَاحِبِ السِّرِّ، فَلاَ يَكْشِفُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ بَيْنَ مَنْ أَسَرَّ وَمَنْ أَسَرَّ إِلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لُؤْمِ الطَّبْعِ وَخُبْثِ الْبَاطِنِ.

وَهَذَا إِذَا الْتَزَمْتَ بِالْكِتْمَانِ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَلْتَزِمْ، فَلاَ يَجِبُ الْكِتْمَانُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَصُّهُ: عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: «كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ». «وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا. فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حِجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم . فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأْنْصَارِ عَلَى الْبَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي. وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَنْ هُمَا ؟ قَالَ: زَيْنَبُ. قَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: نَعَمْ، وَلَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي -: «لَيْسَ إِخْبَارُ بِلاَلٍ بِاسْمِ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ أَنِ اسْتَكْتَمَتَاهُ بِإِذَاعَةِ سِرٍّ وَلاَ كَشْفِ أَمَانَةٍ، لِوَجْهَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا لَمْ تُلْزِمَاهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُمَا رَأَتَا أَنْ لاَ ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إِلَى كِتْمَانِهِمَا.

(ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم  لِكَوْنِ إِجَابَتِهِ أَوْجَبَ مِنَ التَّمَسُّكِ بِمَا أَمَرَتَاهُ بِهِ مِنَ الْكِتْمَانِ.

وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمَا بِذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَا سَأَلَتَاهُ (أَيْ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُمَا بِالْكِتْمَانِ) وَلاَ يَجِبُ إِسْعَافُ كُلِّ سَائِلٍ.

وَقَدْ تَتَضَمَّنُ الْغِيبَةُ إِفْشَاءً لِلسِّرِّ فِيمَا إِذَا كَانَ الأْمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ الْغَيْرَ فِي غِيَابِهِ مِنَ الأْمُورِ الْخَفِيَّةِ، أَوْ مِمَّا يَطْلُبُ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنِ الْغِيبَةِ فِي قوله تعالي : ( وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ )

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم : «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (غِيبَةٌ).

النَّوْعُ الثَّالِثُ.

- مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِمُقْتَضَى الْمَهْنَةِ، كَالطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي وَأَمِينِ السِّرِّ وَغَيْرِهِمْ.

- وَمِمَّا يَكُونُ أَحْيَانًا مِنَ الإْفْشَاءِ الْمُحَرَّمِ لِلسِّرِّ النَّمِيمَةُ: وَهِيَ لُغَةً تَبْلِيغُ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الإْفْسَادِ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي اصْطِلاَحِ الْعُلَمَاءِ، وَأَكْثَرُ إِطْلاَقِهَا عَلَى مَنْ يَنِمُّ قَوْلَ الْغَيْرِ إِلَى الْمَقُولِ فِيهِ، أَيْ يَنْقُلُهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ سِرًّا قَدِ اسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهُ، كَأَنْ يَقُولَ فُلاَنٌ يَقُولُ فِيكَ: كَذَا وَكَذَا.

وَالنَّمِيمَةُ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، لِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» أَيِ النَّمَّامُ، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الإْفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ تَجِبُ النَّمِيمَةُ كَمَا إِذَا سَمِعَ إِنْسَانٌ شَخْصًا يَتَحَدَّثُ بِإِرَادَةِ إِيذَاءِ إِنْسَانٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ أَنْ يُحَذِّرَ الْمَقْصُودَ بِالإْيذَاءِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْذِيرُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَإِلاَّ ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَمِيمَةٌ).

مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّتْرُ وَالإْفْشَاءُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ:

نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ الشَّهَادَةُ وَالسَّتْرُ، لَكِنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ فِيمَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ  وَالسَّلاَمُ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ».

وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْمُتَهَتِّكَ الَّذِي لاَ يُبَالِي بِإِتْيَانِ الْمَحْظُورَاتِ وَلاَ يَتَأَلَّمُ لِذِكْرِهِ بِالْمَعَاصِي. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: يَقُولُ الشَّاهِدُ عَلَى السَّرِقَةِ: أَخَذَ، لاَ سَرَقَ، إِحْيَاءً لِلْحَقِّ وَرِعَايَةً لِلسَّتْرِ. وَإِذَا طَعَنَ فِي الشُّهُودِ يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمُ الْقَاضِيَ جَهْرًا أَوْ سِرًّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ فِي الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي أَوِ التَّرْكِ، إِلاَّ فِي الْحُدُودِ فَالتَّرْكُ فِيهَا أَوْلَى، لِمَا فِيهِ مِنَ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِفِسْقِهِ، وَأَمَّا الْمُجَاهِرُ فَيُرْفَعُ أَمْرُهُ. وَكَوْنُ التَّرْكِ مَنْدُوبًا هُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْمَوَّاقِ: سَتْرُ الإْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَرْكُ الرَّفْعِ وَاجِبًا.

وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا وَقَعَ فِي مَجْلِسٍ مِمَّا يُكْرَهُ إِفْشَاؤُهُ إِنْ لَمْ يُخَالِفِ الشَّرْعَ يَجِبُ كِتْمَانُهُ. وَإِنْ خَالَفَ الشَّرْعَ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، كَالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَكَ الْخِيَارُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَرَرٌ لأِحَدٍ مَالِيٌّ لاَ بَدَنِيٌّ، أَوْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْقِصَاصِ وَالتَّضْمِينِ، فَعَلَيْكَ الإِْعْلاَمُ إِنْ جَهِلَ، وَالشَّهَادَةُ إِنْ طَلَبَ، وَإِلاَّ فَالْكَتْمُ.

 اسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ:

- الْمَعَارِيضُ فِي الْكَلاَمِ هِيَ التَّوْرِيَةُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ».

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُلَ عَنِ الْكَذِبِ ؟ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا إِذَا اضْطُرَّ الإْنْسَانُ إِلَى الْكَذِبِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوْرِيَةٌ) (وَتَعْرِيضٌ).

وَقَالَ إِمَامُ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَيُعَدُّ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ أَخُوهُ أَمَانَةً، وَلاَ يُفْشِيهَا لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَإِذَا حَدَّثَ بِهِ أَحَدًا أَدَّاهُ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَاخْتَارَ أَجْوَدَ مَا سَمِعَ.

تَجَنُّبُ الإْفْشَاءِ فِي الْحَرْبِ:

كِتْمَانُ أَسْرَارِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْعَدُوِّ مَطْلُوبٌ، لأِنَّ  السِّرَّ قَدْ يَصِلُ إِلَى الْعَدُوِّ فَيَسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ. 

وَلِذَلِكَ جَازَ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ تَجَنُّبًا لإِفْشَاءِ أَسْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ.

وَمِنَ الْكِتْمَانِ أَلاَّ يَذْكُرَ قَائِدُ الْجَيْشِ لِجُنُودِهِ الْوَجْهَ الَّذِي يُرِيدُونَ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم  إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَى بِغَيْرِهَا .

أَمَّا السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى أَسْرَارِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَطْلُوبٌ، لاِتِّقَاءِ شَرِّهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  يَسْتَطْلِعُ أَخْبَارَ الْعَدُوِّ.