( البطلان )
إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين، حقاً في إبطال العقد فليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق .
مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 233
المذكرة الإيضاحية :
(3) البطلان
نظرة عامة :
اتق المشروع ما تستهدف له التقنينات اللاتينية من مآخذ حين تجمع بين أحكام البطلان وأسباب انقضاء الالتزامات في صعيد واحد وقد نهج في هذا الشأن ج التقنين البرازيلى وجعل للبطلان نظرية جامحة : فهيأ بذلك مكاناً مناسباً لطائفة من الأحكام تناثرت وانفرط عقدها مع ما بينها من سبب جامع النصوص الخاصة بـ التزام ناقص الأهلية برد ما تسلمه عند إبطال العقد .
وقد استمسك المشروع بتقاليد المذهب اللاتيني فيها استحدث في هذا الشأن بوجه عام.
على أن المذهب الجرماني لم يعدم أثره في هذه الناحية ، فقد اقتبس المشروع أحكاما هامة من التقنين الألماني والسويسري .
فمن ذلك أولاً ، كيفية إعمال حكم البطلان ، في حالة البطلان النسبي فيكفي فيه مجرد تصريح يعلن إلى العاقد الأخر إعلاناً رسمياً ( انظر المادة 143 من التقنين الألماني ) على أن المشروع قد قصر هذا التجديد على حالة الإبطال بسبب نقص الأهلية .
ومن ذلك أيضاً نظرية انتقام العقود ونظرية تحويل العقود أو انقلابها وتطبق الأولى عند ورود البطلان المطلق أو النسبي على شق من العقد، وتطبق الثانية إذا توافرت للعقد الباطل أو القابل للبطلان شروط انعقاد عقد آخر ( انظر المادة 139 و 140 من التقنين الألماني ).
ويراعي من ناحية أخرى ، أن المشروع قد نص على تقادم دعوى البطلان بإنقضاء ثلاث سنوات مستلهما في ذلك وتقنين الالتزامات السويسري (انظر المادة 229) و هي تجعل المدة سنة واحدة هذا فضلاً عن التقادم الطويل المقرر بمقتضى القواعد العامة ويراعى أن مبدأ سريان التقادم القصير في هذه الحالة يختلف عن مبدأ سريان التقادم الطويل ولذلك يكون هذا التقادم الطويل أثره إذا اكتملت هفته قبل انقضاء أجل السنوات الثلاث .
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- ترد أسباب البطلان المطلق إلى تخلف ركن من أركان العقد : كعدم توافر الأهلية إطلاقاً ، بفقدان التمييز وانعدام الإرادة تفريعاً على ذلك أو كإنتفاء الرضا أو عدم وجود المحل حقيقة أو حكماً وغني عن البيان أن تخلف ركن من أركان العقد ، في حكم الواقع أو حكم القانون ، بحول دون انعقاده أو وجوده وهذا هو ما يقصد بالبطلان المطلق .
2- أما البطلان النسي فهو يفترض قيام العقد أو وجوده من حيث توافر أركانه ولكن ركناً من أركانه هو الرضاء ، يفسد بسبب عيب يداخله ، أو بسبب نقص أهلية أحد العاقدين ولذلك يكون العقد قابلاً للبطلان بمعنى أنه يطل إذا طلب ذلك من شرع البطلان لمصلحته : وهو من داخل رضاءه العيب ، أو من لم تكتمل أهليته ومن الجلى أن قابلية العقد للبطلان إنما تمثل العقد في مرحلتين متتابعتين : الأولى مرحلة الصحة و ينتج فيها العقد جميع آثاره والثانية مرحلة البطلان ، ويعتبر العقد فيها باطلاً لا حكم له من وقت نشوبه فليست ثمة مراحل ثلاث : الصحة وقابلية البطلان والبطلان ، وإنما توجد مرحلتان : الصحة والبطلان.
3 - وقد يقرر البطلان المطلق أو النسبي بمقتضى نص خاص في القانون ، كما مر الشأن في أحكام المادتين 631 و 632 من المشروع، إذ تنص أولى هاتين المادتين على بطلان رهن الحيازة في العقار بطلاناً مطلقاً إذا جعل من بيع الوفاء عقده ساتر له فرغم أن الصورية لا تعتبر بمجردها سبباً للبطلان ، طبقاً للقواعد العامة، إلا أن القانون قد قصد إلى تحريمها في هذه الحالة بالذات وجعل من النهي أمراً يتعلق بالنظام العام و أقام البطلان جزاءً للخروج عليه أما المادة الثانية فتتضمن صورة من صور البطلان القسي الذي ينشأ بنص خاص ، إذ تقضى بطلان بيع ملك الغير فقابلية البيع للبطلان في هذه الحالة لا ترد إلى عيب في الرضاء أو نقص في الأهلية ولكن القانون يخول المشتري حق التمسك بالبطلان ، إزاء ما هو ملحوظ من أن البائع يمتنع عليه أن يدلى لغيره بحق الملك فيما لا يملك .
4 - وتظهر أهمية التفريق بين البطلان المطلق والبطلان النسبي من وجوه :
(1) فما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً - وليس ثمة محل للتفريق بين العقد الباطل والعقد المعدوم - فيجوز لكل ذي مصلحة أن يتمسك بهذا البطلان ولو لم يكن طرفاً في التعاقد ، المستأجر مثلاً في حالة بطلان بيع الشيء المؤجر بطلاناً مطلقاً ، بل ويجوز للقاضي أن يحكم به من تلقاء نفسه أما البطلان النسي فلا يجوز أن يتمسك به إلا طرف من أطراف التعاقد هو الطرف الذي شرع البطلان لمصلحته ، ويكون من واجبه أن يقيم الدليل على توافر سببه .
على أن التمسك بهذا البطلان لا يستلزم الترافع إلى القضاء ، بل يكفي في ذلك ، وفقاً لما استحدث المشروع من أحكام نقلها عن التقنين الألماني، تصریح يعلن إلى العاقد الآخر إعلاناً رسمياً، وعلى هذا العاقد أن يرفع الأمر إلى القضاء إذا أراد المنازعة في قيام البطلان .
بيد أن عبء إثبات البطلان يقع دائماً على عاتق من يتمسك به ، وتتبع القاعدة نفسها ، بل ويكون اتباعها أولى فيما يتعلق بالبطلان المطلق فإذا حكم بالبطلان المطلق أو النسي استند أثره، واعتبر العقد باطلاً من وقت نشوئه ، دون أن يعل ذاك ما يكون الغير حسن النية قد اكتسب من حقوق عقارية ، سجلت قبل تسجيل إعلان التصريح بالبطلان في حالة البطلان النسبي، ويلتزم كل من المتعاقدين بأن يرد ما تسلمه بمقتضى العقد ويستثنى من هذه القاعدة حالتان : أولاهما حالة ناقص الأهلية فهو لا يسأل عن الرد إلا وفقاً لقواعد الإثراء بلا سبب، والثانية حالة وفاة أحد المتعاقدين بإلتزام في عقد باطل لسبب مخالفته للآداب فلا يجوز لمثل هذا المتعاقد أن يسترد ما أدى إذا نسب إليه ما يخالف الأداب ، وعلى هذا النحو أبان المشروع وجه الحكم في مسألة أثير بشأنها خلاف شدید ( أنظر المادتين 1305 و 1306 من التقنين الأسباني ، والمادة 962 من التقنين البرتغالي ، والمادة 27 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، والمادتين 77 و 72 من التقنيين التونسي و المراكشي ، والمادة 817 من التقنين الألماني ، والمادة 66 من تقنين الإلتزامات السويسري ، والمادة 132 من التقنين البولوني ، والمادة 971 من التقنين البرازيلى ، والمادة 180 من التقنين الصيني، والمادة 147 من التقنين السوفيتي ) .
(ب) وما دام البطلان المطلق يستتبع اعتبار العقد معدوماً ، فلا يتصور إطلاقاً أن ترد عليه الإجازة ويختلف عن ذلك حكم العقود القابلة للبطلان فهی تصحح الإجازة ، ولو كانت ضمنية ، بشرط أن توافر شروط صحتها وقت الإجازة ( كبلوغ المتعاقد القاصر سن الرشد وقت الإجازة مثلاً) وأن تكون الإجازة ذاتها منزهة عن العيب ، إذ ينبغي أن تستكمل ما يلزم من الشروط لصحتها باعتبارها تصرفاً قانونياً وإذا كان أثر الإجازة يستند ، أو ينعطف على الماضي ، إلا أنها لا تضر بحقوق الغير فلا تضر الإجازة مثلاً من يشتري عقاراً كان قد سبق لمالكه بیعه ، إذا كان الشراء قد تم بعد صدور البيع الأول وقبل إجازة هذا البيع ولما كان التدليس والإكراه من قبل الأفعال الضارة التي تلحق بها صفة التقصير المدني ، فيظل مرتكبهما مسئولاً عما وقع منه بمقتضى القواعد العامة ، رغم إجازة العاقد الآخر التعاقد ، ما لم تنطو الإجازة على إسقاط هذه المسئولية .
(ج) و مادام العقد المطلق البطلان معدومة ، أو غير موجود، فلا يتصور أن يرد عليه التقادم وعلى النقيض من ذلك بعدم البطلان النسبي بإنقضاء خمس عشرة سنة من تاريخ إنشاء العقد، أو بانقضاء ثلاث سنوات من تاريخ زوال نقص الأهلية ، أو تبين الغلط أو التدليس أو انقطاع سلطان الإكراه .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 201 من المشروع
واقترح تحويرها تحويراً لفظياً لتجنب استعمال ألفاظ البطلان المطلق والبطلان النسبي واقترح أحد الأعضاء حذف الفقرة الثالثة لأنها لا تتمشى مع منطق البطلان .
فوافقت اللجنة على ذلك وأصبح النص النهائي كما يأتي :
1- في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل .
2 - ومع ذلك لا يلزم ناقص الأهلية إذا أبطل العقد لنقص أهليته أن يرد غير ما عاد عليه من منفعة بسبب تنفيذ العقد .
وأصبح رقم المادة 146 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 146
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة دون تعديل وأصبح رقمها 142
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة دون تعديل
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادتان 196 ، 197 من المشروع. واقترح إدماجهما في مادة واحدة أغفلت فيها أحكام وردت في مواد تالية
وحورت على وجه يجعلها أقرب إلى التطبيق العملي من التقرير الفقهي ، فتناقش الأعضاء في جواز إبطال العقد بمجرد الإعلان، ثم استقر الرأي على أن يكون هذا قاصراً على حالة إبطال العقد بسبب نقص الأهلية وعلى أن يبين في الإعلان سب البطلان وأدلته حتى يستطيع المتعاقد الآخر أن يتبين موقفه من هذا الإعلان ... واقترح أحد الأعضاء أن ينص صراحة على أن المتعاقد الآخر إذا وصله إعلان بإبطال العقد جاز له أن يتمسك بصحته بدعوى برفعها خلال سنة ، واقترح أحد الأعضاء أيضاً حذف الفقرة الثالثة من المادة 197 لأن الحكم الوارد في هذه الفقرة وارد في مكان آخر.
فوافقت اللجنة على هذه الاقتراحات وأصبح نص المادة النهائي ما يأتي .
1 - إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين خقا في إبطال العقد فليس التعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق.
2 - ويكفي لإبطال العقد بسبب نقص الأهلية إعلان المتعاقد الأخر بذلك إعلاناً رسمياً يبين فيه سبب البطلان وأدلته فإذا تم الإعلان على هذا الوجه اعتبر العقد باطلا من وقت صدوره دون إخلال بحق المتعاقد الآخر في التمسك بصحة العقد بدعوى يرفعها في خلال سنة من وقت وصول الإعلان.
ثم قدمت في المشروع النهائي تحت رقم 142 بعد استبدال عبارة مع بیان بعبارة و يبين ، في الفقرة الثانية .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 147.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
محضر الجلسة الحادية عشرة
تليت المادة 143 وهذا نصها:
1 - إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقاً في إبطال العقد ليس للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق .
2 - ويكفي لإبطال العقد بسبب نقص الأهلية إعلان المتعاقد الآخر بذلك إعلاناً رسمياً مع بيان سبب البطلان وأدلته فإذا تم الإعلان على هذا الوجه اعتبر الإعلان باطلاً من وقت صدوره دون إخلال بحق المتعاقد الآخر في التمسك بصيحة العقد بدعوى يرفعها في خلال سنة من وقت وصول الإعلان .
فاعترض سعادة الرئيس على الفقرة الثانية من هذه المادة لأنها قلبت الأوضاع في الإثبات ورتبت البطلان على مجرد الإعلان الذي يقوم مقام الحكم.
وأيده في ذلك سعادة العشباری باشا قائلاً إنه لا يمكن تقرير البطلان على مجرد الإعلان في حالة يشترط فيها القانون صدور الحكم.
وذكر عبده محرم بك رداً على ذلك الاعتراض أن البطلان النسبي تترتب معه آثار العقد ولايمكن التحلل منه إلا برفع دعوى البطلان ، هذا هو الوضع الحالى ، والمقصود من النص الجديد التيسير على القاصر وعدم تكليفه رفع دعوى البطلان اكتفاء بأن يعلن التعاقد الآخر أنه يتحلل من كل نتائج و آثار العقد وأنه على كل حال لن تترتب آثار البطلان إلا إذا وجد سببه المقرر في القانون فإن تمسك الطرف الآخر بصحة العقد بدعوى ترفع في خلال سنة من وقت وصول الإعلان ولم تبين المحكمة قيام هذا السبب أبقت للعقد صحته .
وأضاف عزته إلى ذلك أن هذا النص شرع لحماية القاصر فقد برفع دعوى البطلان بعد مضى أربع سنوات من يوم بلوغه سن الرشد ويصدر الحكم بالبطلان بعد سنة فيكون الطرف الآخر قد باع العقار الثالث حسن النية فإذا قررنا أن البطلان يكون من يوم صدور الحكم يتملك هذا الثالث حسن النية العقار بالتقادم الحسي إذ اعتبر أنه اشترى من غير مالك أما إذا قرر البطلان من يوم الإعلان فلا شك أن في ذلك حماية للقاصر.
فلم يقتنع سعادة الرئيس ومن شایعه في الرأي بذلك وقال إن في ذلك اضطراباً للمعاملات لأن المشتري يشتري بحسن نية ولا يعلم بالإعلان الصادر من القاصر ولاتوجد وسيلة يعرف بها وجود هذا الإعلان واقترح حذف هذه الفقرة .
قرار اللجنة :
وافقت اللجنة بالأغلبية على حذف الفقرة الثانية من هذه المادة وأرجأ جمال الدين أباظة بك إبداء رأيه ووعد بتقديم تعديل لتلك الفقرة بالجلسة القادمة .
محضر الجلسة الثانية عشرة
عادت اللجنة إلى المادة 142 وكانت قد وافقت بالأغلبية على حذف الفقرة الثانية منها وأرجأ حضرة الشيخ المحترم جمال الدين أباظه بك إبداء رأيه ووعد بتقديم تعديل لتلك الفقرة في هذه الجلسة فتقدم سعادته بالصيغة الآتية للمادة 142 :
1 - إذا جعل القانون لأحد المتعاقدين حقا في إبطال العقد فليس للتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق،
2 - وإذا أراد ناقص الأهلية إبطال العقد لهذا السبب فعليه إعلان المتعاقد الآخر بذلك إعلاناً رسمياً بين فيه سبب البطلان وأدلته فإذا رأى هذا الأخير التمسك بالعقد وجب عليه أن يبدى هذه الرغبة بإعلان يرسله للطرف الآخر في ظرف شهر من تاريخ استلامه الإعلان وعليه أن يرفع دعوى الإبطال خلال شهرين من تاريخ الإعلان فإذا مضى هذا الميعاد اعتبر العقد باطلاً من وقت صدوره دون إخلال بحقوق الغير .
وقال سعادته شرحاً للنص المقترح إن الغرض منه أن يعلن القاصر الطرف الآخر بالبطلان فيرد عليه هذا الأخير بإعلان بأنه متمسك بالمقد و بذلك يجب على القاصر في بحر مدة معينة رفع دعوى الإبطال فإذا لم يتمسك الطرف الآخر في الإعلان بالعقد اعتبر أنه موافق على بطلاته .
فرد سعادة العشماوي باشا على هذا الاقتراح قائلاً الأحسن من هذا أن تحدد الناقص الأهلية مدة يرفع فيها دعوى الإبطال من غير إعلانات و رد فالغرض من المشروع أن التصرفات الحاصلة بين ناقص الأهلية والغير تبقى معلقة من غير فصل ولكنني لا أفهم البطلان المترتب على إعلان ، وكلنا يعرف ما يحدث من تلاعب في الإعلانات غير من هذا أن نحدد للقاصر مدة بعد بلوغ سن الرشد يرفع فيها دعوى البطلان ولتكن ثلاث سنوات مثلاً .
قرار اللجنة :
أخذ الرأى على الاقتراح فوافقت أغلبية اللجنة على عدم قبوله وحذف الفقرة الثانية ،محضر الجلسة الخامسة والأربعين .
أعيد البحث في المادة 142 وخاصة ما يتعلق بالفقرة الثانية التي سبق للجنة أن حذفتها ومع ذلك فإن أغلبيتها لم تر العدول عن الحذف .
تقرير اللجنة :
حذفت الفقرة الثانية توخياً لتعميم القواعد المتعلقة بطلب الإبطال وتجنباً لما يحتمل أن ينشأ عن تطبيق النص المقترح من صعوبات عملية .
وأصبح رقم المادة 138 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1- إذ أن البطلان قد لا يرجع لاعتبارات شكلية أو موضوعية فقد يرجع إلى نص فى القانون لحكمة يتوخاها المشرع وهذا النوع من البطلان هو بطلان خاص يتبع فى شأنه النص الذى يعالجه وقد يضع المشرع له حكما خاصا لحماية مصلحة عامة فيخرج به عن القواعد العامة سالفة البيان فقد يذهب المشرع إلى تصحيح العقد الباطل ويكون ذلك بإدخال عنصر جديد عليه يؤدى قانوناً إلى جعله صحيحاً وهو ما يسمى بنظرية تصحيح العقد الباطل وهى تخرج عن نطاق نظرية تحول العقد الباطل التى تستلزم عدم إضافة أى عنصر جديد على هذا العقد فإذا ما سلك المشرع نهج التصحيح فلا محل للتمسك بالقواعد العامة فى القانون المدنى ومنها نظرية تحول العقد الباطل ورد المتعاقدين إلى حالة ما قبل التعاقد، لما كان ذلك وكانت قوانين الإيجار الاستثنائية قد نصت على بعض الشروط والقيود بأن حظرت على المتعاقدين الاتفاق عليها، وكانت هذه النصوص آمرة فإن البطلان المترتب عليها هو بطلان من نوع خاص نص عليه القانون لاعتبارات متعلقة بالنظام العام كما هو الحال فى تحديد أجرة الأماكن المؤجرة وفقا لمعايير معينة، وخضوع عقود إيجار الأماكن للامتداد القانونى، وحظر احتجاز أكثر من مسكن فى البلد الواحد، وحظر تأجير وحدات مفروشة تجاوز الحد المسموح به قانونا، وحظر التأجير المفروش على الملاك والمستأجرين غير المصريين وغيرها من الشروط والقيود التى نصت عليها قوانين إيجار الأماكن، وقد عالج المشرع هذه الحالات المخالفة فى المادة /25 من القانون رقم 136لسنه 1981بأن رتب البطلان المطلق عند مخالفة كل شرط أو تعاقد لأحكام تلك القوانين وأوجب على المحكمة المختصة بإبطال التصرف المخالف واعتباره كأن لم يكن وبرد الحال إلى ما يتفق مع أحكام القانون وهو حكم مغاير تماما للأثر المترتب على البطلان فى القواعد العامة إذ نصت المادة 142 من القانون المدنى على أن يعاد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد وقد جاء لفظ أحكام القانون فى المادة 25 سالفة البيان عاما دون تخصيص ومن ثم فهى تنصرف بداهة إلى أحكام قوانين إيجار الأماكن فى شأن المخالفة لأحكامه وعندئذ ترد الحالة إلى ما توجبه تلك القوانين إذ جاء النص واضح الدلالة على مقصده ومن المسلم به قواعد تفسير القانون أن معنى العبارة أقوى من معنى الإشارة وأن معنى الإشارة أقوى من معنى الدلالة، ومن المسلم به أيضا أن النصوص المختلفة فى النظام القانونى الواحد مرتبطة بعضها ببعض وتوضح بعضها بعضا فينبغى فى تفسير إحداها تقريب هذا النص من سائر النصوص الأخرى لإمكان استخلاص دلالة النص الحقيقية التى تتفق مع سائر النصوص لفظا وروحا والواضح أن القانون رقم 136 لسنه1981 عندما أورد نص المادة 25 ضمن نصوصه لتطبق فى حالات البطلان الواردة فى قوانين الإيجارات السابقة عليه فهو نص مكمل لتلك القوانين ومن ثم فإنه يلزم تفسيره وإعماله وفقا لأحكام القوانين السابقة عليه وإعمالا لهذا المنطق السليم فإن الإتفاق على أجرة تزيد على الأجرة القانونية يقع باطلا وترد الحالة إلى الأجرة التى يحددها القانون، والاتفاق على تعليق مدة العقد شرط أو أجل يقع باطلا وترد الحالة إلى أحكام الامتداد القانونى لعقود الإيجار، وفى حالة احتجاز أكثر من مسكن ترد العين المؤجرة إلى المالك ليسترد حقه فى التأجير، وفى حالة التأجير المفروش المحظور بنص فى القانون ترد إلى الحالة التى رخص بها المشرع للمالك وهو التأجير الخالى.
(الطعن رقم 7448 لسنة 63 جلسة 1994/04/14 س 45 ع 1 ص 709 ق 136)
2- الأصل فى الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا نص القانون على بطلان الإلتزام الناشئ عنها صراحة أو كان هذا الإلتزام مخالفاً للنظام العام أوالأداب محلاً أو سبباً أو كان على خلاف نص آمر أوناه فى القانون ، و يتحدد - نوع البطلان بالغاية التى تغياها المشرع من القاعدة محل المخالفة فإن كانت حماية مصلحة عامة جرت أحكام البطلان المطلق و يجوز لكل ذى مصلحة التمسك به .
(الطعن رقم 1984 لسنة 58 جلسة 1990/03/12 س 41 ع 1 ص 733 ق 122)
3- إنه و إن تضمنت لائحة النظام الأساسى للجمعية التعاونية لبناء المساكن - المطعون ضده الثانية - نصاً لا يجيز للعضو فيها التنازل عن العقار المخصص له لغير الجمعية إلا أن نصوص القانون رقم 317 لسنة 1956 المنطبق على واقعة الدعوى و كذلك نصوص القانون الوزارى رقم 73 لسنة 18957 الصار باللائحة التنفيذية للقانون خلت من نص يرتب البطلان على التصرفات التى تتم بالمخالفة للائحة النظام الأساسى للجمعية ، و من ثم يجوز للجمعية و للأعضاء بالإتفاق معها مخالفة هذا الحظر .
(الطعن رقم 459 لسنة 53 جلسة 1989/06/29 س 40 ع 2 ص 727 ق 284)
4- مفاد نص المادة 16 من قانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 أن المشرع جعل الأطيان التى وزعت على الفلاحين بموجب قانون الإصلاح الزراعى غير قابلة للتصرف فيها قبل الوفاء بجميع أقساط ثمنها و بالتالى فلا يرتفع الحظر عن التصرف إلا بالوفاء بكامل ثمن تلك الأطيان ، و لئن كانت هذه المادة لم تنص على البطلان جزاء مخالفتها إلا أن مقتضى الحظرالصريح الوارد فيها و هو حظر عام دعت إليه إعتبارات تتعلق بالصالح العام و هى ضمان دين الحكومة ترتيب هذا الجزاء و إن لم يصرح به و إعتبار البطلان فى هذه الحالة مطلقاً .
(الطعن رقم 502 لسنة 50 جلسة 1983/11/24 س 34 ع 2 ص 1664 ق 326)
5- عقد الإيجار عقد رضائى يخضع فى قيامه لمبدأ سلطان الإرادة فيما عدا ما فرضه القانون من آحكام مقيدة لهذا المبدأ فى حدودها دون مجاوزة لنطاقها ، و الأصل فى الإرادة هو المشروعية فلا يلحقها بطلان إلا إذا كان الالتزام الناشىء عنها مخالفاً للنظام العام أو الآداب محلاً أو سببا أو كان عل خلاف نص آمر أو ناه فى القانون .
(الطعن رقم 1032 لسنة 46 جلسة 1979/03/24 س 30 ع 1 ص 927 ق 172).
6- إستقر الفقه و القضاء فى فرنسا و مصر فى ظل القانون المدنى القديم - الذى لم يتناول الشرط المانع من التصرف و جزاء مخالفته - على أن هذا الشرط لا يصح إذا أقت و كان القصد منه حماية مصلحة جدية مشروعة و إذا خولف بعد إستيفاء شروط صحته حكم بفسخ التصرف الأصلى أو إبطال التصرف المخالف بناء على طلب من وضع الشرط المانع لمصلحته ، لما كان ذلك ، و كان النص فى القانون المدنى الجديد فى المادة 823 على أنه " 1- إذا تضمن العقد أو الوصية شرطاً يمنع التصرف فى مال ، فلا يصح هذا الشرط ما لم يكن مبنياً على باعث مشروع و مقصور على مدة معقولة 2- و يكون الباعث مشروعاً متى كان المراد بالمنع من التصرف حماية مصلحة مشروعة للمتصرف أو المتصرف إليه أو الغير " و النص فى المادة 824 منه على أنه " إذا كان شرط المنع من التصرف الوارد فى العقد أو الوصية صحيحاً طبقاً لأحكام المادة السابقة فكل تصرف مخالف له يقع باطلاً " ، يفيد أن المشرع - و على ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية - قد قنن ما إستقر عليه الفقه و القضاء من قبل و لم يضف جديداً إلا حسم الخلاف بين ما تردد فيه القضاء من الحكم ببطلان التصرف المخالف أو فسخ التصرف الأصلى عند مخالفة الشرط المانع فآثر أن تكون طبيعة الجزاء هو بطلان التصرف المخالف دون حاجة إلى فسخ التصرف الأصلى أما نوع الجزاء فقد أبقى عليه و هو ليس بطلاناً مطلقاً بل هو بطلان يتفق مع الغاية من تقرير المنع و هى حماية مصلحة خاصة مشروعة لأحد الأشخاص و هو ما صرحت به المذكرة الإيضاحية بقولها " أن الذى يطلب بطلان التصرف المخالف هو المتصرف إذ له دائماً مصلحة فى ذلك و يطلبه كذلك المتصرف له أو الغير إذا كان الشرط المانع أريد به أن يحمى مصلحة مشروعة لأحد منهما " ومن ثم يتحتم ضرورة قصر المطالبة بهذه الحماية أو التنازل عنها على صاحب المصلحة وحده و يمتنع على المحكمة الحكم بالبطلان من تلقاء نفسها و لا محل بعد ذلك للتحدى بما ورد بصدر المذكرة الإيضاحية من تحديد لنوع هذا البطلان من أنه " بطلان مطلق لعدم قابلية المال للتصرف " لما فيه من خروج عن المعنى الصحيح الواضح للنص الذى إقتصر على بيان طبيعة الجزاء وهو البطلان دون نوعه الذى يتحدد بمدلوله أخذاً بالغاية التى تغياها المشرع منه و هى حماية المصلحة الخاصة المشروعة لا المصلحة العامة .
(الطعن رقم 750 لسنة 41 جلسة 1975/12/31 س 26 ص 1746 ق 326)
7- إذا كانت الصورية المطلقة تتناول وجود العقد ذاته فلا يكون له وجود فى الحقيقة ، و هى مغايرة للبطلان المنصوص عليه فى المادة 228 من قانون التجارة لأن البطلان فى هذه الحالة لا يستند إلى عيب فى التصرف إذ يبقى صحيحاً بين عاقديه و منتجاً لكل آثاره غير أنه لا يحتج به على جماعة الدائنين ، فيصبح غير نافذ فى حقهم . و لما كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه إنتهى إلى أنه لم يجد فيما ساقه المطعون عليه الأول من قرائن ما يكفى لإثبات صورية عقد البيع الصادر من المطعون عليها الثانية إلى الطاعن صورية مطلقة ، ثم إستخلص الحكم من أقوال شاهد المطعون عليه الأول و من القرائن التى أشار إليها أن الطاعن كان يعلم بإختلال أشغال المطعون عليها الثانية وقت صدور التصرف و رتب على ذلك قضاءه بعدم نفاذ التصرف فى حق الدائنين عملاً بحكم المادة 228 من قانون التجارة و هو ما لا يتعارض مع ما قرره من عدم توافر الدليل على صورية العقد ، إذ التناقض الذى يبطل الحكم هو ما تتعارض فيه الأسباب و تتهانر فتتماحى و يسقط بعضها بعضاً بحيث لا يبقى منها ما يقيم الحكم و يحمله ، لما كان ذلك ، فإن النعى - على الحكم بتناقض أسبابه - يكون فى غير محله .
(الطعن رقم 88 لسنة 41 جلسة 1975/12/09 س 26 ص 1600 ق 309)
8- النعى ببطلان محضر الخطبة - عند المصريين غير المسلمين - غير مقبول ، ذلك إنه لما كان الثابت أن الطاعن لم يتمسك بهذا الدفاع أمام محكمة الموضوع فإنه لا يصح له إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .
(الطعن رقم 62 لسنة 39 جلسة 1974/05/26 س 25 ع 1 ص 948 ق 156)
9- الدفع ببطلان عقد البيع على أساس أنه يستر وصية و إن وصف بأنه دفع بالبطلان ، إلا أنه فى حقيقته و بحسب المقصود منه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنما هو دفع بصورية هذا العقد صورية نسبية بطريق التستر ، لا يسقط بالتقادم ، لأن ما يطلبه المتمسك بهذا الدفع إنما هو تحديد طبيعة التصرف الذى قصده العاقدان وترتيب الآثار القانونية التى يجب أن تترتب على النية الحقيقية لهما ، وإعتبار العقد الظاهرلاوجود له ، وهذه حالة واقعية قائمة ومستمرة لا تزول بالتقادم ، فلا يمكن لذلك أن ينقلب العقد الصورى صحيحاً مهما طال الزمن .
(الطعن رقم 109 لسنة 38 جلسة 1973/04/10 س 24 ع 2 ص 577 ق 102)
10- للغير الذى أضر الصلح بحقوقه عن طريق الغش أن يرفع دعوى أصلية ببطلانه أو يبدى الدفع بالبطلان بالتدخل فى الدعوى التى حصل فيها الصلح فإذا تدخل الغير فى دعوى منظورة ، مدعيا أن الصلح أضر بحقوقه ، ودفع الخصم فى مواجهته بإنتهاء الدعوى صلحا كان فى مكنته الرد على هذا الدفع ببطلان الصلح ، ولا يجوز رفض التدخل إلا تأسيسا على أن الصلح قد أنهى الدعوى وهو لا يكون كذلك إلا إذا كان صلحا صحيحاً ، ومن ثم فلا سبيل إلى رفض طلب التدخل إلا بحكم يقضى بصحة الصلح
(الطعن رقم 146 لسنة 36 جلسة 1970/05/14 س 21 ع 2 ص 830 ق 134)
11- بطلان العقد وصف يلحق بالتصرف القانونى المعيب بسبب مخالفته لأحكام القانون المنظمة لإنشائه فيجعله غير صالح لأن ينتج آثاره القانونية المقصودة .
(الطعن رقم 1859 لسنة 72 جلسة 2004/11/23 س 55 ع 1 ص 762 ق 140)
12- إذا كان الحكم المطعون فيه قد اعتبر عقد المقايضة الذي عقدته الوصية بدون إذن المحكمة الحسبية هو عقد باطل بطلاناً نسبياً يصح بإجازة القاصر بعد بلوغه سن الرشد وجعل الإجازة تستند إلى التاريخ الذي تم فيه العقد فإنه يكون قد طبق القانون على وجهه الصحيح.
(الطعن رقم 107 لسنة 30 جلسة 1965/01/21 س 16 ع 1 ص 73 ق 12)
13- إجراء القسمة بالتراضى جائز ولو كان بين الشركاء من هو ناقص الأهلية ، على أن يحصل الوصى أوالقيم على إذن من الجهة القضائية المختصة بإجراء القسمة على هذا الوجه وعلى أن تصدق هذه الجهة على عقد القسمة بعد تمامه حتى يصبح نافذا فى حق ناقص الأهلية . وإذ كان البطلان المترتب على عدم مراعاة هذه الإجراءات قد شرع لمصلحة القاصر ومن فى حكمه حتى لا يتعاقد الوصى أو القيم على تصرف ليس له فى الأصل أن يستقل به ، فإن هذا البطلان يكون نسبيا لا يحتج به إلا ناقص الأهلية الذى يكون له عند بلوغه سن الرشد إن كان قاصراً أوعند رفع الحجر عنه إن كان محجورا عليه التنازل عن التمسك بهذا البطلان وإجازة القسمة الحاصلة بغير إتباع هذه الإجراءات
(الطعن رقم 190 لسنة 29 جلسة 1964/01/23 س 15 ع 1 ص 131 ق 24)
14- ليس فى القانون ما يحول دون التمسك بطلب بطلان التصرف لعيب فى أهلية المتصرف بعد الإخفاق فى الإدعاء بتزوير العقد الحاصل به هذا التصرف لإختلاف نطاق ومرمى كل من الطعنين عن الآخر، إذ يقتصر الأمر فى الطعن بالتزوير على إنكار صدور التصرف من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته وبطلانه فى حين أن الطعن ببطلان التصرف بصدوره من غير ذي أهلية موجه إلى ذات التصرف بإنكار توافر الأهلية فى المتصرف. فإذا ما ثبت للمحكمة فساد الإدعاء بالتزوير وصحة إسناد التصرف إلى المتصرف فإن ذلك لا يقتضي بطريق اللزوم أن يكون هذا المتصرف أهلاً لصدور التصرف منه كما أن الطعن بالتزوير لا يتضمن فى ذاته إقرار الطاعن بأهلية المتصرف ولا يفيد نزوله عن حقه فى الطعن بعد ذلك فى التصرف لعيب فى هذه الأهلية.
(الطعن رقم 348 لسنة 26 جلسة 1962/02/15 س 13 ع 1 ص 268 ق 41)
15- لا يجوز لمدعى الإستحقاق الذى تلقى الحق عن شريك أو وارث أن يتحدى ببطلان بيع نصيب القاصر فى المال الشائع إذا تم بأقل من الثمن المحدد بقرار المحكمة الحسبية ، إذ أن هذا البطلان نسبى شرع لمصلحة القاصر وحده دون الغير .
(الطعن رقم 361 لسنة 22 جلسة 1956/06/28 س 7 ع 2 ص 760 ق 107)
16- متى كانت التصرفات المالية الدائرة بين النفع والضرر - مثل التصرف بالبيع - قابلة للابطال لمصلحة القاصر - كما هو حكم المادة 111 من القانون المدنى - فإن للقاصر فى حال حياته أن يباشر طلب الإبطال بواسطة من يمثله قانوناً ، كما أن هذا الحق ينتقل بعد وفاته لوارثه بوصفه خلفا عاما له يحل محل سلفه فى كل ماله وما عليه فتؤول إليه جميع الحقوق التى كانت لسلفه . وإذ كان موضوع طلب الإبطال تصرفا ماليا فإنه بهذا الوصف لا يكون حقا شخصيا محضا متعلقا بشخص القاصر بحيث يمتنع على الخلف العام مباشرته .
(الطعن رقم 42 لسنة 24 جلسة 1958/02/27 س 9 ع 1 ص 161 ق 19)
البطلان النسبي هو ما يجعل العقد قابلاً للإبطال، ومتى توافر هذا النوع من البطلان، فإنه لا يجوز التمسك به إلا لمن شرع لمصلحته ولخفله العام كالوراث والموصى له بحمة شائعة في التركة ويتم التمسك بالبطلان في هذه الحالة عن طريق الدعوى المباشرة أو عن طريق الدفع، وللموصی له بحصة شائعة أن يرفع دعوى مباشرة ضد المتعاقد مع الموصى بطلب إبطال العقد، فإن كان هذا المتعاقد رفع هذه الدعوى بالمطالبة بالحق ضد ورثة الموصى وحدهم دون اختصام الموصى به، كان الأخير التدخل فيها لإبداء الدفع بالبطلان، أما إن كان الموصى على قيد الحياة وأختهم في الدعوى، كان له وحده التمسك بإبطال العقد دون أن يحق للموصى له التدخل في الدعوى لإبداء الدفع بالبطلان ذلك لأن البطلان النسبي لا يجوز أن يتمسك به إلا لمن كان طرفاً في العقد أو لمن خولهم القانون إستعمال حق المتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته كالدائنين والخلف الخاص مثل المشتري والموصى له بحصة معينة في التركة إذ يكون لهؤلاء استعمال حق مدینهم في طلب البطلان حتى يعود المال إلى الضمان العام لمدينهم وحينئذ يتمكنوا من التنفيذ عليه، ولهؤلاء التمسك بالبطلان في صورة دعوى غير مباشرة يرفعونها - أو يرفعها أحدهم - بأسم مدينهم ضد المتصرف إليه، أو في صورة دفع إذا تبين لهم أن مدينهم وقف موقفاً سلبياً في الدعوى التي رفعت عليه فيكون لهم حينئذ التدخل فيها منضمين الى مدينهم وأن يبدو الدفع بالبطلان - أنظر في كيفية الفصل في المصاريف عند التدخل، بند التدخل ودفوع الغير بالمادة 428.
ويرجع السبب في ابطال العقد الى نقص في الأهلية أو إلى عيب من عيوب الرضا كغلط أو تدليس أو إكراه أو استغلال أو الى نص في القانون كما في بيع ملك الغير، فيقتصر طلب البطلان على ناقص الأهلية ومن شاب إرادته عيب مما تقدم وعلى المشتري في بيع ملك الغير وعلى دائني هؤلاء وخلفائهم على نحو ما تقدم، وقد يثبت الحق في طلب البطلان لكل من المتعاقدين وذلك عندما يتوفر لدى كل منهما سبب من الأسباب المتقدمة، بأن يكون كل منهما ناقص الأهلية ويجوز التمسك بالبطلان في أية حالة تكون عليها الدعوى أمام محكمة الموضوع طالما كان الحق في ذلك لم يسقط بالتقادم وفقاً للمادة 140 ولكن لا يجوز للمحكمة أن تقضي بإبطال العقد من تلقاء نفسها. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثاني الصفحة/ 614 )
المقصود بالبطلان وأنواعه :
البطلان هو الجزاء الذي يفرضه القانون على عدم توافر ركن من أركان العقد أو شرط من شروط صحته، وهو عبارة عن إنعدام أثر العقد بالنسبة للمتعاقدين وبالنسبة إلى الغير.
والنظرية القديمة أو التقليدية في البطلان هي التي تأخذ بها اليوم وهي تقسم البطلان إلى نوعين : بطلان مطلق وبطلان نسبی.
فالبطلان المطلق مقتضاه ألا يكون للعقد وجود في نظر القانون، فلا ينتج أى أثر من وقت إبرامه ويتحقق هذا البطلان إذا تخلف ركن من أركان العقد، وهي التراضي والمحل والسبب، وكذلك الشكلية حين يتطلبها القانون للانعقاد.
والبطلان النسبي يوجد معه العقد قانوناً وينتج كل آثاره القانونية، إنما يكون لمن شرع البطلان لمصلحته أن يطلب إبطال العقد، فإذا تقرر البطلان زال العقد بأثر رجعي، وكأنه لم يكن، فيصبح هو والعقد الباطل بطلاناً مطلقاً سواء.
ويتحقق هذا النوع من البطلان إذا استوفى العقد أركانه ولكن تخلف فيه شرط من شروط الصحة، كأن يكون صادراً من شخص ناقص الأهلية أو شابه عيب من عيوب الإرادة.
على أن بعض الفقهاء أضافوا إلى نوعي البطلان المعروضين نوعاً ثالثاً، هو الانعدام .
ويتحقق الانعدام - عندهم - إذا نقص العقد ركن من أركانه، وهي التراضي والمحل والسبب والشكل في العقود الشكلية، ويكون العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً إذا استوفى هذه الأركان ولكن كان المحل أو السبب أو الشكل غير مستوف لشروطه فيما عدا شرط الوجود، بأن كان المحل غير ممكن أو غير معين أو غير مشروع، أو كان السبب غير مشروع، أو كان الشكل موجوداً ولكن لم يستوف الأوضاع القانونية.
ويرى هؤلاء الفقهاء أن الانعدام يتميز عن البطلان المطلق بأمرين : الأول أن العقد المنعدم لا يحتاج إلى حكم ببطلانه فهو منعدم من تلقاء نفسه، بينما العقد الباطل بطلاناً مطلقاً قد توفرت له العناصر التي تجعل له كياناً موجوداً، ولهذا يحتاج إلى حكم بطلانه، والثاني أن العقد المنعدم لا يترتب عليه أي أثر، أما العقد الباطل بطلاناً مطلقاً تترتب عليه آثار في بعض الصور.
غير أن الرأي السائد في الفقه يذهب إلى أنه لا فرق بين الانعدام والبطلان، لا من الناحية العملية، حيث يجب الرجوع في الحالين إلى القضاء مادام أن الأصل المقرر في القانون هو أن الشخص لا يأخذ حقه بيده حيث لا يولد العقد في الحالين أثراً ما ولا من الناحية المنطقية كذلك، حيث يغدو التمييز بين الانعدام والبطلان أمراً غير مفهوم، إذ العقد الباطل معدوم في نظر القانون، والعدم لا مراتب فيه.
البطلان للغش :
هناك قاعدة تأخذ بها المحاكم على الرغم من عدم وجود نص خاص في شأنها، ومضمونها أن الغش يفسد كل شيء، أي يبطل التصرف الذي بني عليه، فيمكن زيادة على الحالات التي ذكرناها أن يكون العقد باطلاً إذا انطوى على غش والغش يصعب تعريفاً دقيقاً فله صوره المتعددة، إلا أنه يمكن معرفته بأمارة مميزة ألا وهي استعمال العقد كوسيلة للإضرار بحقوق الغير، فمثلاً في حوالة الحق إذا كانت الحوالة لم يقبلها المدين ولم تعلن إليه بعد، ثم تواطأ المحيل مع محال له ثان فأبرما حوالة أخرى إضراراً بحق المحال له الأول، فإن الحوالة الثانية تقع باطلة للغش، ويخلص الحق للمحال له الأول.
وجزاء الغش ليس هو البطلان دائماً، فقد يكون الجزاء هو عدم النفاذ في حق الغير الذي يراد الإضرار به، كما هو الحال في الصورة بالنسبة إلى الدائنين والخلف الخاص، وكما هي الحال في الدعوى البوليصية.
ويعتبر الغش كذلك سبباً للبطلان إذا كان الغرض منه الاحتيال على القانون، أي الهروب من حكم يتعلق بالنظام العام، وهذه هي حالة الغش ضد القانون كما في حالة بطلان التصرف الذي يبرمه السفيه قبل الحجر، إذا جاء نتيجة تواطؤ (م 115/2 مدني) فعلة البطلان (أو القابلية للإبطال) الذي يقرره الشارع في هذه الحالة هي الغش الذي يشوب التصرف، إذ يتوقع الطرفان حينئذ الحجر فيبادران إلى إبرام التصرف للفرار من أثر الحجر .
التفرقة بين البطلان وما قد يشتبه به:
1- البطلان وعدم النفاذ أو السريان على الغير :
البطلان، وهو الجزاء على عدم توافر أركان العقد وشروط صحته، إنما يكون لا في علاقة المتعاقدين، فتنعدم القوة الملزمة للعقد لسبب كامن فيه معاصر لنشأته أما عدم النفاذ، أو عدم السريان فمعناه أن العقد لا ينتج أثراً ما في مواجهة شخص أو أشخاص معينين، حتى لو كان هو في ذاته صحيحاً، فقد يكون العقد صحيحاً في ذاته وينتج بالتالي آثاره بین عاقديه، ولكنه لا يسري في حق الغير، أي أنه لا ينفذ في مواجهتهم بل إن هذا الحكم هو الذي تمليه القواعد العامة في نسبية آثار العقد، ومؤداها أن العقود لا تنفع ولا تضر غير عاقديها وخلفائها (المادة 145 مدنى)، فإذا أجر شخص مثلاً داراً يملكها غيره، فالإيجار برغم وقوعه على ملك الغير صحيح في العلاقة بين عاقديه، وينتج بالتالي آثاره بينهما، ولكنه لا ينفذ في مواجهة المالك الحقيقي، ما لم يقره بمعنى أنه إن لم يقره اعتبر بالنسبة إليه كأن لم يوجد أصلاً .
وإذا أبرم النائب باسم الأصيل، عقداً تجاوز به حدود نيابته.
فإن هذا العقد يقع غير نافذ في حق الأصيل ما لم يقره لإعتباره معقوداً من غير ذي صفة وذلك بغض النظر عن حكم العقد في ذاته من الصحة أو البطلان بين الطرفين اللذين أبرماه .
2- البطلان والفسخ :
البطلان جزاء يلحق العقد بسبب عدم مراعاة أحكام القانون في تكوينه ومؤداه أن العقد ينهار من أساسه، تبعا لانهيار ركن من أركانه، فالعقد هنا يعتبر أنه لم يقم أصلاً .
أما الفسخ فهو جزاء يرد على عقد تم صحيحاً، ولكن لسبب واقعة متأخرة على تمامه، هي عدم تنفيذ أحد المتعاقدين لإلتزاماته الناشئة عن العقد فيطلب العاقد الآخر التحلل بما عليه من التزامات.
فإذا أجيب طالب الفسخ إلى طلبه انحل العقد واعتبر نتيجة انحلاله هذا أنه لم يوجد أصلاً .
3- العقد القابل للإبطال لا يبطل إلا باتفاق أو بحكم :
العقد القابل للإبطال لا يصير باطلاً من تلقاء نفسه، أو بتوجيه إعلان رسم بالإبطال إلى الطرف الآخر وإنما يأخذ هذا المصير إما بالإتفاق وإما بحكم القاضي ولا محل للتعويل على ما جاء بمذكرة المشروع التمهيدي من أنه :
"على أن التمسك بهذا البطلان (البطلان النسبي) لا يستلزم الترافع إلى القضاء ، بل يكفي في ذلك، وفقاً لما استحدث المشروع من أحكام نقلها عن التقنين الألماني، تصریح يعلن إلى العاقد الأخر إعلاناً رسمياً، وعلى هذا العاقد أن يرفع الأمر إلى القضاء إذا أراد المنازعة في قيام البطلان لأن النص الذي يتضمن هذا الحكم قد حذف في لجنة القانون المدني بمجلس الشيوخ .
4- لا يجوز للمحكمة القضاء بإبطال العقد من تلقاء نفسها :
لا يجوز للمحكمة أن تقضي بالإبطال من تلقاء نفسها، لأن الإبطال مقرر لمصلحة شخص معين، وليس بحكم طبيعة الأشياء أو لمخالفة النظام العام أو الآداب، كما هي الحال في البطلان كما سنرى.
5- من له الحق في التمسك بالإبطال ؟
يجب أن يطلب الإبطال المتعاقد الذي يقرر القانون الإبطال لمصلحته، فلا يجوز أن يطلب الإبطال شخص آخر غير ذاك الذي شرع البطلان لمصلحته، حتى لو كان هذا الشخص هو المتعاقد الآخر.
فالقانون حينما يقرر أن عقدا ما قابل للإبطال، يفعل ذلك حماية المصلحة خاصة، في مصلحة العاقد الذي حصل الخلل في العقد إضراراً به، فلا يكون لغير هذا العاقد سلب الإبطال .
فإذا كان سبب الإبطال هو عيب في الإرادة، فإن من شاب إرادته عيب هو وحده الذي يحق له أن يطلب الإبطال.
وإذا كان سبب القابلية للإبطال هو نقص الأهلية، فإنه يكون لناقص الأهلية وحده التمسك بالإبطال، وذلك بواسطة من يمثله قانونا من ولى أو وصي أو قيم فإذا زال النقص في أهليته، كما إذا كان قاصراً وبلغ رشده أو سفيهاً أو ذا غفلة ورفع الحجر عنه، جاز له أن يباشر طلب الإبطال بذات نفسه.
وإذا كان الإبطال مقرراً بمقتضى نص في حالة أخرى كان التمسك بالإبطال للعاقد الذي خوله المشرع هذا الحق، ففي بيع ملك الغير يكون هذا الحق للمشتري وحده (م 466 مدنی).
6- مدى انتقال الحق في الأبطال إلى الخلف :
حق طلب إبطال العقد المقرر للمتعاقد ينتقل بعد موته إلى ورثته باعتبارهم خلفاً عاماً ومعنى ذلك أنه يجوز لهم طلب الإبطال بمقتضى حق مباشر كذلك الذي كان لمورثهم .
أما الدائنون العيون والخلف الخاص فلا يجوز لهم طلب الإبطال إلا بإستعمال حق مدينهم من طريق الدعوى غير المباشرة.
7- التمسك بالإبطال في أية حالة كانت عليها الدعوى :
يجوز لمن تقرر الإبطال لمصلحته التمسك بالإبطال في أية حالة كانت عليها الدعوى، ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف، ما لم يفسر سكوته على أنه ينطوي على إجازة ضمنية للعقد، ولكن لا يجوز له التمسك بالإبطال لأول مرة أمام محكمة النقض. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/410)
لا يتمسك بالبطلان إلا المتعاقد الذي تقرر البطلان لمصلحته : العقد القابل للإبطال لم تتقرر قابليته للإبطال إلا لمصلحة أحد المتعاقدين فهذا المتعاقد وحده ، دون المتعاقد الآخر ، هو الذي يجوز له أن يتمسك بالبطلان فإذا كان سبب القابلية للإبطال نقص الأهلية ، فناقص الأهلية وحده هو الذي يتمسك بالبطلان وإذا كان السبب هو عيب شاب الإرادة ، فمن شاب إرادته العيب هو الذي يتمسك بإبطال العقد .
وفي بيع ملك الغير المشتري وحده هو الذي يتمسك بالبطلان .
ولا يستطيع أن يطلب إبطال العقد لا الدائن ولا الخلف العام ولا الخلف الخاص بمقتضى حق مباشر لهم ، ولكن يستطيعون ذلك باعتبارهم دائنين للمتعاقد ، فيستعملون حقه في طلب إبطال العقد عن طريق الدعوى غير المباشرة .
كذلك لا تستطيع المحكمة أن تقضي بإبطال العقد من تلقاء نفسها إذا لم تتمسك بالإبطال المتعاقد ذو المصلحة . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 704)
اذا فقد العمل القانوني أحد أركانه، وقع باطلاً بطلاناً مطلقاً، ومعنى ذلك أن العمل القانون لا ينعقد وأن الإرادة لا يعتد بوجودها ولا يترتب عليها أثر قانونی لا وقت صدورها ولا بعد ذلك ، فتكون هي والعدم سواء.
أما أذا توافرت أركانه، ولكنه فقد شرطاً من شروط الصحة بأن كان من صدرت منه الإرادة ناقص الأهلية أو شاب رضاءه عيب فإن العمل القانوني يكون له وجود وتترتب عليه آثاره غير أن هذه الآثار لا تكون لازمة ، فيجوز لناقص الأهلية أو لمن شاب رضاءه عيب أن يطلب إبطال العمل القانوني و إزالة ما ترتب عليه من آثار ويوصف العمل القانوني في هذه الحالة بأنه باطل بطلاناً نسبياً أو قابل للإبطال .
فالبطلان النسبي لا يهدر الإرادة ولا يحول دون ترتب آثارها ولكنه يخول للشخص الذي تقرر هذا البطلان لمصلحته حق الطعن في هذه الإرادة وإبطالها ، فإن استعمل هذا الحق تقرر بطلان الإرادة بأثر رجعي ، وأصبحت الأرادة كما في حالة البطلان المطلق - كأن لم تكن - وإن لم يستعمل هذا الحق ظلت إرادته قائمة منتجة جميع آثاره كالأرادة الصحيحة تماماً .
التصرف الباطل، بطلانا نسبيا ينتج جميع آثار التصرف الصحيح الى أن يحكم بابطاله.
ولا يجوز الحكم بإبطاله إلا بناء على طلب الشخص الذي شرع البطلان النسبي لمصلحته، أي بناءً على طلب، ناقص الأهلية أو من شاب رضاءه عيب ( المادة 138 مدنی) ، فلا يجوز للمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها كما في البطلان المطلق . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الأول الصفحة/ 887)
غير أن حق العاقد. في ذلك يباشره عنه نائبه القانوني ويورث عنه، بل يجوز أيضا أن يباشره بالنيابة عنه دائنوه من طريق الدعوى غير المباشرة إذا توافرت شروطها أي أنه ينتقل منه إلى خلفه العام ويجوز لدائنيه مباشرته بشروط ، ولكن لا يثبت هذا الحق لغير العاقد الذي شرع لحمايته وخلفه العام ودائنيه .
وكذلك لا يجوز للمحكمة أن تقضى من تلقاء نفسها ببطلان العقد القابل للإبطال ، لأن هذه القابلية مقررة لمصلحة العاقد الخاصة وليس للمحكمة أن تحل محل العاقد في تقدير مصلحته في التمسك ببطلان العقد، بل لابد أن يكون حكم بالبطلان مستنداً إلى طلب من صاحب الحق في التمسك به. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 467)
وإذا أعطى القانون لأي من المتعاقدين الحق في إبطال العقد فلا يجوز للمتعاقد الآخر أن يتمسك بهذا الحق. (التقنين المدني، شرح أحكام القانون المدني، المستشار/ أحمد محمد عبد الصادق، طبعة 2014، دار القانون للاصدارات القانونية، الجزء/ الأول صفحة 546)
المقصود بالبطلان وأنواعه : البطلان وصف يلحق بالتصرف القانوني المعيب بسبب مخالفته لأحكام القانون المنظمة لانشائه ، فيجعله غير صالح لأن ينتج آثاره القانونية المقصودة ( الشرقاوي ص 216) أو هو الجزاء القانوني على عدم استجماع العقد لأركانه كاملة مستوفية لشروطها ( السنهوري بند 298) وإذ كانت تلك الأحكام أو هذه الأركان قد ترجع إلى اعتبارات شكلية ، كما قد ترجع إلى اعتبارات موضوعية مما يستتبع تنوع العيوب التي تصيب العقد عند انشائه ومن ثم تعدد أسباب بطلانه ، فقد ذهبت النظرية التقليدية إلى تقسيم البطلان إلى درجات ثلاث : هي الانعدام ، و البطلان المطلق ، والبطلان النسبي ، فجعلت الانعدام جزاء انعدام أحد أركان العقد وهي الرضا والمحل والسبب أو تخلف الشكل في العقود الشكلية ، وجعلت البطلان المطلق جزاء تخلف أحد شروط أحد الأركان وهی ک ون المحل موجوداً ممكناً معيناً مشروعاً ، وكون السبب مشروعاً ، ثم جعلت البطلان النسبي جزاء تعيب الرضا بأحد عيوب الإرادة أو صدوره من ناقص الأهلية وإزاء ما وجه من نقد إلى هذه النظرية خاصة تفرقتها بين الانعدام والبطلان المطلق إذ لا تفاوت في العلم اتجه الفقه إلى تقسيم ثنائي بتقسيم البطلان إلى بطلان مطلق يشمل منطقة الانعدام والبطلان المطلق في النظرية التقليدية ، وبطلان نسبي يطابق نطاق مثيله في هذه النظرية وإن كان الإتجاه الحديث ينتقد تقسيم البطلان إلى درجات أساساً ويعتبره درجة واحدة لا تفاوت فيها هو البطلان (يراجع في تفصيل هذا النقد الشرقاوي بند 47 - والمراجع المشار إليها فيه - السنهوري بند 300)، غير أن المشرع المصرى أخذ في التقنين الحالي بالتقسيم الثاني للبطلان وإن هجر تعبير البطلان المطلق والبطلان النسبي ، واستخدم تعبير البطلان بديلاً عن تعبير البطلان المطلق ، كما استخدم تعبير القابلية للإبطال بديلاً عن تعبير البطلان النسبي ، ولذلك حيث يعبر القانون بلفظ البطلان جزاء على مخالفة بعينها فإن ذلك يعني إخضاع هذا الجزاء لأحكام ما كان يعرف بالبطلان المطلق وهي الأحكام المنصوص عليها في المادة 241 ( السنهوري بند 300 و 301 - البدراوى الجزء الأول بند 268 - حمدي عبد الرحمن ص 280 وما بعدها - الصدة في المصادر بند 240 وما بعده - مرقس في العقد بند 228 - فتحي عبد الرحيم بند 234 - ويراجع الشرقاوي في نظرية البطلان بند 129 حيث يرى وحدة البطلان وينتقد تقسيمه إلى مطلق و نسبی .
وإذا اكتفى المشرع بالتعبير عن الجزاء بلفظ البطلان فإنه يتعين في هذه الحالة إخضاع الجزاء لاحكام ما كان يعرف بالبطلان المطلق وهي الأحكام التي انتظمتها المادة 141 ، أما إذا عبر عن الجزاء بالقابلية للأبطال تعين إخضاع الجزاء الأحكام ما كان يعرف بالبطلان النسبي وهي المنصوص عليها في المواد 138 حتی 140 .
وفي خارج هذا النطاق يعتبر العقد باطلا ( أي ما كان يعرف بالبطلان المطلق ) في حالات ثلاث ، أولاها تخلف الشكل في العقد الشكلي مع ملاحظة أنه ما دام الشكل من صنع القانون فهو الذي يعين الجزاء الذي يراه كافياً على الإخلال به فقد يتيح إجازته أو استكماله ، وثانيتها انعدام أحد أركان العقد الثلاثة وهي الرضا والمحل والسبب ، وثالثها تخلف أحد شروط اعتبار أحد هذه الأركان الثلاثة ، وهذه الشروط هي بالنسبة إلى الرضا التمييز ، وبالنسبة إلى المحل الوجود والإمكان والتعيين والمشروعية ، وبالنسبة إلى السبب المشروعية فإذا اختل أحد هذه الشروط كان العقد باطلاً ومن جهة اخرى يعتبر العقد قابلاً للإبطال اذا توافرت أركانه الثلاثة بشروط اعتبارها السالفة ولكن ركن الرضا لم يستوف أسباب صحته لصدوره من ناقص التمييز أو تعيبه بأحد عيوب الرضا وهي الغلط والإكراه والتدليس والاستغلال ( السنهوري بند 300 – محمد أمين الشهدی ص 138 وما بعدها ).
وإذا كان البطلان لا يرجع لاعتبارات شكلية أو موضوعية وإنما يستند إلى نص في القانون فإنه يعتبر بطلاناً من نوع خاص فلا يرجع في شأنه إلى القواعد العامة في البطلان وإنما يرجع في شأن أحكامه وآثاره إلى النصوص المنظمة له .
تمييز البطلان عن أثر عدم الوجود المادي للتصرف : إذا كان التصرف القانوني هو اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني ، وكان لا يعتد بالإرادة بغير التعبير عنها تعبيراً يكشف عن ارادة باتة جادة تقصد إلى ترتيب أثر قانوني ، وكان لا يكفي توافر مثل هذه الإرادة لإحداث ما اتجهت إليه من آثار وانما يتعين أن تستكمل ما يفرضه القانون من أوضاع وشروط للاعتداد بها فإنه يتضح أن للإرادة أو التصرف القانوني وجوداً مادياً ووجوداً قانونياً : ويتمثل الوجود المادي في التعبير عن الارادة تعبيراً يكشف عن إرادة باتة جادة تقصد إلى ترتيب أثر قانوني ، كما يتمثل الوجود القانوني في إستكمال هذه الإرادة الأوضاع والشرائط التي يستلزمها القانون للاعتداد بها وهي الشروط التي قد ترجع إلى اعتبارات شكلية أو اعتبارات موضوعية من رضا و محل وسبب ونظرية البطلان يقتصر مجال إعمالها على نطاق الوجود القانوني للإرادة ، أو التصرف أي على اثر تعيب أحد الأوضاع أو الشرائط التي يستلزمها القانون للإعتداد بإرادة وجدت مادياً بالفعل بالتعبير عنها تعبيراً يكشف عن إرادة باتة جادة تقصد إلى ترتيب اثر قانوني ، أما إذا لم توجد مثل هذه الأرادة لا يكون هناك محل لإعمال نظرية البطلان لأنه لا يكون هناك تصرف قانونی – أو إرادة - يرد عليها البطلان أو الصحة فإذا لم يصدر التعبير ، أو صدر كاشفاً عن إرادة غير باتة كالشأن في شروط المشيئة كمن يعلن عن رغبته في بيع منزله كما شاء وقرر ، أو عن ارادة غير جادة كالشأن في الهازل ، أو عن إرادة لا تقصد إلى إحداث أثر قانونی کالشأن في الصورية أو في قصد القيام بعمل من أعمال المجاملة ففي كل هذه الأحوال لا يكون هناك وجود مادي للإرادة أو التصرف القانوني ، ومن ثم لا يكون هناك محل لبحث أوضاع و شرائط الوجود القانوني ومن ثم إعمال أحكام البطلان بنوعيه وبديهي أن الأمر في شان تبين الوجود المادي للإرادة أو التصرف القانوني هو أمر تفسير اذ يدور حول فهم التعبير ومرماه يراجع في تفصيل ذلك الدكتور جميل الشرقاوي في مصادر الالتزام بندی 44 و 45 - وفی نظرية البطلان بند 82 .
تمييز البطلان عن الفسخ : إذ كان واضحاً أن البطلان - بنوعيه -نصاً يرجع إلى سبب ملابس لتكوين العقد أي مقترن به فلا يجوز أن يرجع إلى سبب لاحق لنشأة العقد سليماً ، فإنه يتميز بذلك تماماً عن الفسخ الذي يفترض قيام العقد صحيحاً وانتاجه آثاره القانونية ومنها ترتيبه التزامات في ذمة طرفيه ثم اخلال أحد الطرفين بالتزاماته بما يتيح فسخ العقد كجزاء على هذا الإخلال فسبب الفسخ لا بد وأن يكون لاحقاً لإنشاء العقد على خلاف البطلان الذي لابد وأن يكون سببه مقترناً بنشأة العقد .
تمييز البطلان عن عدم نفاذ التصرف : يتميز البطلان عن عدم نفاذ التصرف في أن العقد الباطل علم ، فلا ينتج أي اثر سواء في حق المتعاقدين أو بالنسبة إلى الغير ، أما عدم نفاذ التصرف فلا يثور إلا بالنسبة إلى مدى سريان العقد في حق غير طرفيه ، فالعقد قد يكون صحيحاً بين طرفيه أو قابلاً للابطال لمصلحة طرف لم يستعمل حقه في الأبطال ، ومع ذلك لا ينفذ في حق الغير ، فالحقد الحقيقي في الصورية صحيح نافذ بين طرفيه ولكنه غير نافذ في حق المالك الحقيقي الشرقاوي في نظرية البطلان بندی 24 و 51 - مرقس في العقد بند 229.
التمسك بالإبطال لا يكون إلا من العاقد الذي تقررت قابلية العقد للإبطال لمصلحته وهو ناقص الأهلية أو نائبه القانوني ، أو من شاب ارادته أحد عيوب الرضا ، ويورث هذا الحق عنه فيجوز لخلفه العام التمسك به كما يملك دائنيه التمسك به بمقتضى الدعوى غير المباشرة إذا توافرت شروطها ، أما الخلف الخاص فيرى البعض أنه يجوز له أن يتمسك به اسماعيل غانم بند 135 في حين ينكر عليه ذلك البعض الآخر (السنهوري بند 235 - فتحي عبد الرحيم بند 240) ولكن لا يجوز للغير أن يتمسك بإبطال العقد ، ولا تملك المحكمة أن تتعرض له أو تقضي به من تلقاء نفسها ، كما أن التمسك بالبطلان لا يكون الا أمام القضاء فلا يكفي في ذلك إبداؤه عن طريق الإعلان .
يجوز استثناء لخضم ناقص الأهلية التمسك بعدم قبول الدعوى المرفوعة منه . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 849 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأول ، الصفحة / 179
إبْطال
1 - الإْبْطال لغةً: إفْساد الشّيْء وإزالته، حقًّا كان ذلك الشّيْء أوْ باطلاً. قال اللّه تعالى , ليحقّ الْحقّ ويبْطل الْباطل- وشرْعًا: الْحكْم على الشّيْء بالْبطْلان، سواءٌ وجد صحيحًا ثمّ طرأ عليْه سبب الْبطْلان، أوْ وجد وجودًا حسّيًّا لا شرْعيًّا. فالأْوّل كما لو انْعقدت الصّلاة صحيحةً ثمّ طرأ عليْها ما يبْطلها، والثّاني كما لوْ عقد على إحْدى الْمحرّمات عليْه على التّأْبيد، كما يسْتفاد منْ عبارات الْفقهاء.
ويأْتي على ألْسنة الْفقهاء بمعْنى الْفسْخ، والإْفْساد، والإْزالة، والنّقْض، والإْسْقاط، لكنّه يخْتلف عنْ هذه الأْلْفاظ منْ بعْض الْوجوه، ويظْهر ذلك عنْد مقارنته بها. والأْصْل في الإْبْطال أنْ يكون من الشّارع، كما يحْدث الإْبْطال ممّنْ قام بالْفعْل أو التّصرّف، وقدْ يقع من الْحاكم في الأْمور الّتي سلّطه عليْها الشّارع.
الأْلْفاظ ذات الصّلة:
أ - الإْبْطال والْفسْخ:
2 - يعبّر الْفقهاء أحْيانًا في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ، غيْر أنّ الإْبْطال يحْدث أثْناء قيام التّصرّف وبعْده، وكما يحْصل في الْعقود والتّصرّفات يحْدث في الْعبادة.
أمّا الْفسْخ فإنّه يكون غالبًا في الْعقود والتّصرّفات، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، ويكون في الْعقود قبْل تمامها، لأنّه فكّ ارْتباط الْعقْد أو التّصرّف.
ب - الإْبْطال والإْفْساد:
3 - يأْتي التّفْريق بيْن الإْبْطال والإْفْساد تفْريعًا على التّفْرقة بيْن الْباطل والْفاسد.
ويتّفق الْفقهاء على أنّ الْباطل والْفاسد بمعْنًى واحدٍ في الْعبادات، إن اسْتثْنيْنا الْحجّ عنْد الشّافعيّة والْحنابلة.
وغيْر الْعبادة كذلك غالبًا عنْد الْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة.
أمّا الْحنفيّة فإنّهمْ يفرّقون في أغْلب الْعقود بيْن الْفاسد والْباطل، فالْباطل ما لا يكون مشْروعًا لا بأصْله ولا بوصْفه، والْفاسد ما يكون مشْروعًا بأصْله دون وصْفه. ولتفْصيل ذلك (ر: بطْلان، فساد.)
ج - الإْبْطال والإْسْقاط:
4 - الإْسْقاط فيه رفْعٌ لحقٍّ ثابتٍ. وفي الإْبْطال منْعٌ لقيام الْحقّ أو الالْتزام.
وقدْ يأْتي كلٌّ من الإْبْطال والإْسْقاط بمعْنًى واحدٍ أحْيانًا في كلام الْفقهاء، كقوْلهمْ: الْوقْف لا يبْطل بالإْبْطال، وقوْلهمْ: أسْقطْت الْخيار أوْ أبْطلْته .
إجازة
التّعْريف:
1 - الإْجازة في اللّغة الإْنْفاذ، يقال: أجاز الشّيْء: إذا أنْفذه.
ولا يخْرج اسْتعْمال الْفقهاء للإْجازة عنْ هذا الْمعْنى اللّغويّ.
هذا وقدْ يطْلق الْفقهاء «الإْجازة» بمعْنى الإْعْطاء كما يطْلقونه على الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس.
ويطْلق الْمحدّثون وغيْرهمْ «الإْجازة» بمعْنى الإْذْن بالرّواية، سواءٌ أكانتْ رواية حديثٍ أمْ رواية كتابٍ. وتفْصيل ذلك يأْتي في آخر الْبحْث، والإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ لا تكون إلاّ لاحقةً للتّصرّف، بخلاف الإْذْن فلا يكون إلاّ سابقًا عليْه.
وعلى هذا فنقسّم الْبحْث على هذه الأْنْواع الأْرْبعة:
أوّلاً: الإْجازة بمعْنى الإْنْفاذ
أرْكانها:
2 - كلّ إجازةٍ لا بدّ منْ أنْ تتوفّر فيها الأْمور التّالية:
أ - الْمجاز تصرّفه: وهو منْ تولّى التّصرّف بلا ولايةٍ كالْفضوليّ.
ب - الْمجيز: وهو منْ يمْلك التّصرّف سواءٌ أكان أصيلاً أمْ وكيلاً أمْ وليًّا أمْ وصيًّا أمْ قيّمًا أمْ ناظر وقْفٍ.
ج - الْمجاز: وهو التّصرّف.
د - الصّيغة: صيغة الإْجازة أوْ ما يقوم مقامها.
وقد اصْطلح جمْهور الْفقهاء على أنّ هذه الأْمور كلّها أرْكانٌ والْحنفيّة يقْصرون إطْلاق لفْظ الرّكْن على الصّيغة أوْ ما يقوم مقامها.
أ - الْمجاز تصرّفه:
3 - يشْترط في الْمجاز تصرّفه ما يلي:
1 - أنْ يكون ممّنْ ينْعقد به التّصرّف كالْبالغ الْعاقل والصّغير الْمميّز في بعْض تصرّفاته.
أمّا إذا كان الْمباشر غيْر أهْلٍ لعقْد التّصرّف أصْلاً كالْمجْنون والصّغير غيْر الْمميّز فإنّ التّصرّف يقع باطلاً غيْر قابلٍ للإْجازة.
بقاء الْمجاز تصرّفه حيًّا لحين الإْجازة:
4 - لكيْ تكون الإْجازة صحيحةً ومعْتبرةً عنْد الْحنفيّة فلا بدّ منْ صدورها حال حياة الْمباشر، إنْ كانتْ طبيعة التّصرّف ممّا ترْجع حقوقه إلى الْمباشر فيما لوْ حجبتْ عنْه الإْجازة، كالشّراء والاسْتئْجار
أمّا التّصرّفات الّتي يعْتبر فيها الْمباشر سفيرًا ومعبّرًا، ولا تعود حقوق التّصرّف إليْه بحالٍ من الأْحْوال، كالنّكاح فلا تشْترط فيه حياة الْمباشر وقْت الإْجازة، كما لوْ زوّج فضوليٌّ رجلاً بامْرأةٍ، ثمّ
مات الْفضوليّ، ثمّ أجاز الرّجل اعْتبرت الإْجازة صحيحةً؛ لأنّ الْوكيل في هذا الْعقْد ما هو إلاّ سفيرٌ ومعبّرٌ، ولا يعود إليْه شيْءٌ منْ حقوق هذا الْعقْد حين إخْلاله بالشّروط الّتي اشْترطها عليْه الْموكّل.
هذا صريح مذْهب الْحنفيّة وهو الْمفْهوم منْ بعْض الْفروع في مذْهب الشّافعيّة، فقدْ قالوا: لوْ باع مال مورّثه على ظنّ أنّه حيٌّ وأنّه فضوليٌّ، فبان ميّتًا حينئذٍ وأنّه ملْك الْعاقد فقوْلان، وقيل: وجْهان مشْهوران، أصحّهما أنّ الْعقْد صحيحٌ لصدوره منْ مالكٍ، والثّاني: الْبطْلان لأنّه في معْنى الْمعلّق بموْته، ولأنّه كالْغائب.
والظّاهر أنّ الْوجْه الأْوّل هنا مبْنيٌّ على الْقوْل بجواز تصرّف الْفضوليّ، فإنّ تصرّفه كان على ظنّ أنّه فضوليٌّ، وإجازته بعْد تحقّق وفاة مورّثه على أنّه مالكٌ فله اعْتباران: كوْنه فضوليًّا وكوْنه مالكًا، وهو حيٌّ في كلْتا الْحالتيْن. وأمّا على الْقوْل بالْبطْلان، وهو الْمعْتمد عنْدهمْ، فلا تنافي. هذا ولمْ نعْثرْ على هذا الشّرْط عنْد الْمالكيّة والْحنابلة.
ب - الْمجيز:
5 - منْ له الإْجازة (الْمجيز) إمّا أنْ يكون واحدًا أوْ أكْثر، فإنْ كان واحدًا فظاهرٌ، وإنْ كان أكْثر فلا بدّ من اتّفاق جميع منْ لهم الإْجازة عليْها حتّى تلْحق التّصرّف إذا كان لكلّ واحدٍ منْهمْ حقّ الإْجازة كاملاً، فإن اخْتلفوا فأجازه الْبعْض وردّه الْبعْض قدّم الرّدّ على الإْجازة، كما لوْ جعل خيار
الشّرْط إلى شخْصيْن فأجاز الْبيْع أحدهما وامْتنع عن الإْجازة الآْخر، لمْ تلْحق الإْجازة التّصرّف.
أمّا إنْ كانت الإْجازة قابلةً للتّجْزئة كما إذا تصرّف فضوليٌّ في مالٍ مشْتركٍ، فالإْجازة تنْفذ في حقّ الْمجيز دون شركائه.
6 - ويشْترط في الْمجيز لكيْ تصحّ إجازته أنْ يكون أهْلاً لمباشرة التّصرّف وقْت الإْجازة، فإنْ كان التّصرّف هبةً وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّبرّع، وإنْ كان بيْعًا وجب أنْ تتوفّر فيه أهْليّة التّعاقد وهكذا؛ لأنّ الإْجازة لها حكْم الإْنْشاء، فيجب فيها من الشّروط ما يجب في الإْنْشاء.
7 - ويشْترط الْحنفيّة والْمالكيّة والْحنابلة في قوْلٍ عنْدهمْ والشّافعيّة في التّصرّفات الّتي تتوقّف على الإْجازة كخيار الشّرْط لأجْنبيٍّ عن الْعقْد، أنْ يكون الْمجيز موْجودًا حال وقوع التّصرّف؛ لأنّ كلّ تصرّفٍ يقع ولا مجيز له حين وقوعه يقع باطلاً، والْباطل لا تلْحقه الإْجازة.
فإذا باع الصّغير الْمميّز ثمّ بلغ قبْل إجازة الْوليّ تصرّفه، فأجاز تصرّفه بنفْسه جاز؛ لأنّ له وليًّا يجيزه حال الْعقْد، وإذا زوّج فضوليٌّ إنْسانًا ثمّ وكّل هذا الشّخْص الْفضوليّ في تزْويجه قبْل أنْ يجيز التّصرّف، فأجاز الْفضوليّ بعْد الْوكالة تصرّفه السّابق للْوكالة،
جاز هذا عنْد كلٍّ من الْحنفيّة والْمالكيّة. بخلاف ما إذا طلّق وهو صغيرٌ، ثمّ بلغ فأجاز طلاقه بنفْسه، لمْ يجزْ لأنّ طلاق الصّغير ليْس له مجيزٌ وقْت وقوعه، إذْ ليْس للْوليّ أنْ يطلّق زوْجة الصّغير، ولا أنْ يتصرّف تصرّفًا مضرًّا ضررًا محْضًا بالصّغير - مميّزًا أوْ غيْر مميّزٍ - هذا عنْد الْجمْهور (الْحنفيّة والْمالكيّة والشّافعيّة وقوْلٌ لأحْمد) والْمعْتمد عنْد الْحنابلة وقوع طلاق الصّبيّ الْمميّز الّذي يعْقل الطّلاق وما يترتّب عليْه.
8 - ويشْترط الشّافعيّة أنْ يكون منْ تولّى الإْجازة مالكًا للتّصرّف عنْد الْعقْد، فلوْ باع الْفضوليّ مال الطّفْل، فبلغ الطّفْل، فأجاز ذلك الْبيْع، لمْ ينْفذْ لأنّ الطّفْل لمْ يكنْ يمْلك الْبيْع عنْد الْعقْد. وهذا بناءً على الْقوْل عنْدهمْ بجواز تصرّفات الْفضوليّ.
9 - كما يشْترط في الْمجيز أنْ يكون عالمًا ببقاء محلّ التّصرّف. أمّا علْمه بالتّصرّف الّذي أجازه فظاهرٌ، وأمّا علْمه ببقاء محلّ التّصرّف فقدْ قال في الْهداية: ولوْ أجاز الْمالك في حياته وهو لا يعْلم حال
الْمبيع جاز الْبيْع في قوْل أبي يوسف أوّلاً، وهو قوْل محمّدٍ لأنّ الأْصْل بقاؤه. ثمّ رجع أبو يوسف فقال: لا يصحّ حتّى يعْلم قيامه عنْد الإْجازة؛ لأنّ الشّكّ وقع في شرْط الإْجازة. فلا يثْبت مع الشّكّ وهو ما ذهب إليْه الْمالكيّة أيْضًا. ولمْ نقفْ على نصٍّ في هذا عنْد الشّافعيّة والْحنابلة لأنّ الْمعْتمد عنْدهمْ عدم جواز تصرّفات الْفضوليّ، ولهذا لمْ يتوسّعوا في التّفْريع.
ج - التّصرّف الْمجاز (محلّ الإْجازة)
محلّ الإْجازة إمّا أنْ يكون قوْلاً أوْ فعْلاً
إجازة الأْقْوال:
10 - الإْجازة تلْحق التّصرّفات الْقوْليّة، وعنْدئذٍ يشْترط في تلْك التّصرّفات:
أوّلاً: أنْ يكون قدْ وقع صحيحًا، فالْعقْد غيْر الصّحيح لا تلْحقه الإْجازة كبيْع الْميْتة، فبيْع الْميْتة غيْر منْعقدٍ أصْلاً، فهو غيْر موْجودٍ إلاّ منْ حيْث الصّورة فحسْب، والإْجازة لا تلْحق الْمعْدوم بالْبداهة. ويبْطل الْعقْد الْموْقوف وغيْر اللاّزم بردّ منْ له الإْجازة، فإذا ردّه فقدْ بطل، ولا تلْحقه الإْجازة بعْد ذلك.
ثانيًا: أنْ يكون التّصرّف صحيحًا غيْر نافذٍ - أيْ موْقوفًا - كهبة الْمريض مرض الْموْت فيما زاد على الثّلث وكتصرّف الْفضوليّ عنْد منْ يرى جوازه، وكالْعقود غيْر اللاّزمة كالّتي تنْعقد مع الْخيار.
ثالثًا: أنْ يكون الْمعْقود عليْه قائمًا وقْت الإْجازة، فإنْ فات الْمعْقود عليْه فإنّ الْعقْد لا تلْحقه الإْجازة، لأنّ الإْجازة تصرّفٌ في الْعقْد، فلا بدّ منْ قيام الْعقْد بقيام الْعاقديْن والْمعْقود عليْه.
إجازة الْعقود الْواردة على محلٍّ واحدٍ:
11 - إذا وردت الإْجازة على أكْثر منْ عقْدٍ واحدٍ على محلٍّ واحدٍ، لحقتْ أحقّ هذه الْعقود بالإْمْضاء.
وقدْ صنّف الْحنفيّة الْعقود والتّصرّفات بحسب أحقّيّتها كما يلي:
الْكتابة والتّدْبير والْعتْق، ثمّ الْبيْع، ثمّ النّكاح، ثمّ الْهبة، ثمّ الإْجارة، ثمّ الرّهْن. فإذا باع فضوليٌّ أمة رجلٍ، وزوّجها فضوليٌّ آخر، أوْ آجرها أوْ رهنها، فأجاز الْمالك تصرّف الْفضوليّين معًا، جاز الْبيْع وبطل غيْره؛ لأنّ الْبيْع أحقّ منْ بقيّة التّصرّفات، فلحقتْ به الإْجازة دون غيْره ولمْ نجدْ هذا عنْد غيْرهمْ.
إجازة الأْفْعال:
الأْفْعال إمّا أنْ تكون أفْعال إيجادٍ أوْ إتْلافٍ.
12 - وفي أفْعال الإْيجاد اتّجاهان: الأْوّل: أنّ الإْجازة لا تلْحقها، وهو ما ذهب إليْه الإْمام أبو حنيفة.
الثّاني: أنّ الإْجازة تلْحقها، وهو ما ذهب إليْه الإْمام محمّد بْن الْحسن وهو الرّاجح عنْد الْحنفيّة. وبناءً على ذلك فإنّ الْغاصب إذا أعْطى الْمغْصوب لأجْنبيٍّ بأيّ تصرّفٍ فأجاز الْمالك ذلك، فقدْ ذهب أبو حنيفة إلى عدم براءة الْغاصب وأنّه لا يزال ضامنًا إذ الأْصْل عنْده أنّ الإْجازة لا تلْحق الأْفْعال. والْمفْهوم منْ بعْض فروع الْمالكيّة والشّافعيّة، وروايةٌ عنْ أحْمد أنّهمْ يذْهبون مذْهب أبي حنيفة.
وعلّل الْمالكيّة ذلك بأنّ الرّضا بتصرّف الْغاصب لا يجْعل يده يد أمانةٍ. وعلّل الشّافعيّ والْحنابلة لهذه الرّواية بأنّ تصرّفات الْغاصب في الْعيْن الْمغْصوبة حرامٌ، ولا يمْلك أحدٌ إجازة تصرّفٍ حرامٍ. وذهب الإْمام محمّد بْن الْحسن إلى أنّ إجازة الْمالك لتصرّف الْغاصب صحيحةٌ وتبرّئ ذمّته وتسْقط عنْه الضّمان والْقاعدة عنْده أنّ الإْجازة تلْحق الأْفْعال. وهو الرّواية الأْخْرى عنْد الْحنابلة، واخْتلف علماؤهمْ في تخْريج هذه الرّواية عنْ أحْمد.
13 - واتّفقتْ كلمة الْحنفيّة على أنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف، فليْس للْوليّ أنْ يهب منْ مال الصّغير؛ لأنّ الْهبة إتْلافٌ، فإنْ فعل ذلك كانضامنًا، فإنْ بلغ الصّبيّ وأجاز هبته، لمْ تجزْ؛ لأنّ الإْجازة لا تلْحق أفْعال الإْتْلاف.
وهذا هو ما يفْهم منْ كلام الْمالكيّة والشّافعيّة. وأمّا الْحنابلة فقدْ فرّقوا بيْن ما إذا كان الْوليّ أبًا أوْ غيْر أبٍ فإنْ كان أبًا فلا يعْتبر متعدّيًا لأنّ له حقّ تملّك مال ولده، لحديث: «أنْت ومالك لأبيك» وإنْ كان الْوليّ غيْر أبٍ فهمْ مع الْجمْهور. أمّا دليل عدم نفاذ الإْجازة فلأنّ تصرّفات الْوليّ منوطةٌ بمصْلحته، والتّبرّعات إتْلافٌ فتقع باطلةً فلا تلْحقها الإْجازة.
14 - وقدْ وقع خلافٌ في اللّقطة إذا تصدّق بها الْملْتقط، فالْمالكيّة والْحنابلة قالوا: إذا عرّفها سنةً ولمْ يأْت مالكها تملّكها الْملْتقط، وعلى هذا فلوْ تصدّق بها بعْد الْمدّة الْمذْكورة فلا ضمان عليْه لأنّه تصدّق بخالص ماله. ومفْهوم كلامهمْ أنّه لوْ تصدّق بها قبْل هذه الْمدّة أوْ لمْ يعرّفْها يكون ضامنًا إنْ لمْ يجز الْمالك التّصدّق. وسندهمْ في ذلك حديث زيْد بْن خالدٍ أنّ الرّسول صلي الله عليه وسلم قال في شأْن اللّقطة: «فإنْ لمْ تعْرفْ فاسْتنْفقْها. وفي لفْظٍ: وإلاّ فهي كسبيل مالك. وفي لفْظٍ: ثمّ كلْها. وفي لفْظٍ: فانْتفعْ بها».
أمّا الْحنفيّة فقالوا: إذا تصدّق الْملْتقط باللّقطة، ثمّ جاء صاحبها فأجاز صدقة الْملْتقط طلبًا لثواب اللّه تعالى، جاز بالاتّفاق. قال عمر بْن الْخطّاب لمنْ أتاه مسْتفْسرًا عمّا يتصرّف به في اللّقطة الّتي في يده: ألا أخْبرك بخيْر سبيلها؟ تصدّقْ بها، فإنْ جاء صاحبها فاخْتار الْمال غرمْت له وكان الأْجْر لك، وإن اخْتار الأْجْر كان له، ولك ما نويْت ومفْهوم مذْهب الشّافعيّة أنّ الْملْتقط إذا تصرّف أيّ تصرّفٍ فيها يكون متعدّيًا ويعْتبر ضامنًا. وتفْصيل ذلك في مصْطلح «لقطة».
صيغة الإْجازة:
من اسْتقْراء كلام الْفقهاء نجد أنّ الإْجازة تتحقّق بطرائق متعدّدةٍ. وهي خمْسةٌ في الْجمْلة:
الطّريقة الأْولى: الْقوْل
15 - الأْصْل في الإْجازة أنْ تكون بالْقوْل الْمعبّر عنْها بنحْو قوْل الْمجيز: أجزْت، وأنْفذْت، وأمْضيْت، ورضيت، ونحْو ذلك.
وإذا وقعت الإْجازة بلفْظٍ يمْكن أنْ يعبّر به عنْها كما يمْكن أنْ يعبّر به عنْ غيْرها، فالاحْتكام في ذلك إلى قرائن الأْحْوال. فإن انْعدمتْ قرائن الأْحْوال حمل الْكلام على حقيقته.
وتقوم الْكتابة أو الإْشارة الْمفْهمة مقام الْقوْل عنْد الْعجْز، على تفْصيلٍ موْضعه الصّيغة في الْعقْد.
الطّريقة الثّانية: الْفعْل
16 - فكلّ ما يصحّ أنْ يكون قبولاً من الأْفْعال في الْعقود، يصحّ أنْ يكون إجازةً.
الطّريقة الثّالثة:
17 - مضيّ الْمدّة في التّصرّفات الْموْقوتة: كمضيّ مدّة الْخيار في خيار الشّرْط (ر: خيار الشّرْط)
الطّريقة الرّابعة:
18 - الْقرائن الْقويّة: كتبسّم الْبكْر الْبالغة، وضحكها ضحك سرورٍ وابْتهاجٍ، وسكوتها وقبْضها مهْرها، عنْد إعْلام وليّها إيّاها أنّه زوّجها منْ فلانٍ، فإنّها قرينةٌ قويّةٌ على إجازتها، بخلاف بكائها بصوْتٍ مرْتفعٍ وولْولتها، فهي قرينةٌ على الرّفْض.
ومن الْقرائن الْقويّة السّكوت في موْطن الْحاجة إلى الإْبْطال، كسكوت صاحب الْحاجة عنْد رؤْية حاجته يبيعها صغيره الْمميّز في السّوق وغيْرها.
الطّريقة الْخامسة:
19 - زوال حالةٍ أوْجبتْ عدم نفاذ التّصرّف، كما هو الْحال في تصرّفات الرّجل الْمرْتدّ عن الإْسْلام منْ معاوضاتٍ ماليّةٍ كالْبيْع والإْجارة، أوْ تبرّعاتٍ كالْهبة والْوصيّة والْوقْف، فإنّ الإْمام أبا حنيفة يعْتبر سائر عقود الْمرْتدّ وتصرّفاته الْماليّة موْقوفةً غيْر نافذةٍ، فإنْ زالتْ حالة الرّدّة بعوْدته للإْسْلام نفذتْ تلْك التّصرّفات الْموْقوفة، وإنْ مات أوْ قتل أو الْتحق بدار الْحرْب وقضى الْقاضي باعْتباره ملْتحقًا بها، بطلتْ تلْك الْعقود والتّصرّفات.
20 - وهذه الطّرق الْخمْسة هي صريح مذْهب الْحنفيّة والْمفْهوم منْ مذْهب الْمالكيّة عنْد كلامهمْ عنْ صيغة عقْد الْبيْع. أمّا الشّافعيّة فالأْصْل عنْدهمْ في التّصرّفات الْقوْليّة الْعبارة. وهذا هو الْمعْتمد في الْمذْهب الْجديد. وفي الْمذْهب الْقديم جواز الاعْتماد على الْمعاطاة وما في معْناها، وهو اخْتيار النّوويّ وجماعةٍ، سواءٌ أكان في النّفيس أم الْخسيس واخْتار بعْضهمْ جواز ذلك في الْخسيس فقطْ. وعليْه فتكون الإْجازة عنْدهمْ على الْمعْتمد بالْعبارة دون غيْرها.
وأمّا الْحنابلة فالْمأْخوذ منْ فروعهمْ جواز ذلك في الْجمْلة.
وللْفقهاء في تصرّفات الْمرْتدّ وكوْنها موْقوفةً أوْ نافذةً تفْصيلٌ حاصله أنّها موْقوفةٌ عنْد أبي حنيفة ومالكٍ والْحنابلة ورأْيٍ عنْد الشّافعيّة، فإنْ عاد إلى الإْسْلام نفذتْ تصرّفاته بإجازة الشّارع. والصّاحبان من الْحنفيّة والشّافعيّة في رأْيٍ عنْدهمْ أنّ تصرّفاته نافذةٌ. ومبْنى هذا الْخلاف أنّ منْ قال بنفاذ تصرّفاته قال: إنّه أهْلٌ للتّصرّف وقدْ تصرّف في ملْكه ولمْ يوجدْ سببٌ مزيلٌ للْملْك، وأنّ كلّ ما يسْتحقّه هو الْقتْل. أمّا الْوجْه الآْخر فإنّهمْ يروْن أنّه بالرّدّة صار مهْدر الدّم وماله تبعٌ له، ويتريّث حتّى يسْتبين أمْره.
آثار الإْجازة:
21 - الإْجازة يظْهر أثرها منْ حين إنْشاء التّصرّف. ولذا اشْتهر منْ أقْوال الْفقهاء الإْجازة اللاّحقة كالإْذْن السّابق. ويبْنى على ذلك كثيرٌ من التّطْبيقات الْعمليّة عنْدهمْ، نذْكر منْها:
1 - أنّ الْمجيز يطالب الْمباشر بالثّمن بعْد الإْجازة إنْ كان التّصرّف بيْعًا، ولا يطالب الْمشْتري لأنّ الْمباشر - وهو الْفضوليّ - قدْ صار بالإْجازة وكيلاً.
2 - إذا باع الْفضوليّ ملْك غيْره ثمّ أجاز الْمالك الْبيْع يثْبت الْبيْع والْحطّ سواءٌ علم الْمالك الْحطّ أوْ لمْ يعْلمْ إلاّ أنّه بالْحطّ بعْد الإْجازة يثْبت له الْخيار.
3 - إذا تعدّدتْ التّصرّفات وأجاز الْمالك أحدها أجاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً، فلوْ باع الْغاصب الْعيْن الْمغْصوبة ثمّ باعها الْمشْتري أوْ أجّرها أوْ رهنها وتداولتْها الأْيْدي فأجاز مالكها أحد هذه الْعقود، جاز الْعقْد الّذي أجازه خاصّةً لتوقّف كلّها على الإْجازة، فإذا أجاز عقْدًا منْها جاز ذلك خاصّةً ولمْ نعْثرْ لغيْر الْحنفيّة على ما يتعلّق بهذا.
رفْض الإْجازة:
22 - يحقّ لمنْ له الإْجازة أنْ يردّ التّصرّف الْمتوقّف عليْها، وإذا ردّه فليْس له أنْ يجيزه بعْد ذلك لأنّه بالرّدّ أصْبح التّصرّف باطلاً.
الرّجوع عن الإْجازة:
23 - إذا أجاز منْ له الإْجازة التّصرّف، فليْس له أنْ يرْجع عن الإْجازة بعْد ذلك، فمنْ سمع أنّ فضوليًّا باع ملْكه فأجاز ولمْ يعْلمْ مقْدار الثّمن، فلمّا علم ردّ الْبيْع، فالْبيْع قدْ لزم، ولا عبْرة لردّه لصيْرورة الْبائع الْمباشر للْبيْع - وهو الْفضوليّ هنا - كالْوكيل.
ثانيًا: الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء
24 - الإْجازة بمعْنى الإْعْطاء. وهي بمعْنى الْعطيّة منْ حاكمٍ أوْ ذي شأْنٍ كمكافأةٍ على عملٍ، وبيان ذلك في مصْطلح هبة.
ثالثًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن بالإْفْتاء أو التّدْريس
25 - أمّا الإْجازة بمعْنى الإْفْتاء أو التّدْريس، فلا يحلّ إجازة أحدٍ للإْفْتاء أوْ تدْريس الْعلوم الدّينيّة إلاّ أنْ يكون عالمًا بالْكتاب والسّنّة والآْثار ووجوه الْفقْه واجْتهاد الرّأْي، عدْلاً موْثوقًا به.
رابعًا: الإْجازة بمعْنى الإْذْن في الرّواية
26 - اخْتلف الْعلماء في حكْم رواية الْحديث بالإْجازة والْعمل به، فذهب جماعةٌ إلى الْمنْع وهو إحْدى الرّوايتيْن عن الشّافعيّ، وحكي ذلك عنْ أبي طاهرٍ الدّبّاس منْ أئمّة الْحنفيّة، ولكنّ الّذي اسْتقرّ عليْه الْعمل وقال به جماهير أهْل الْعلْم منْ أهْل الْحديث وغيْرهم الْقوْل بتجْويز الإْجازة وإباحة الرّواية بها، ووجوب الْعمل بالْمرْويّ بها.
27 - وتسْتحْسن الإْجازة برواية الْحديث إذا كان الْمجيز عالمًا بما يجيز، والْمجاز له منْ أهْل الْعلْم؛ لأنّها توسّعٌ وترْخيصٌ يتأهّل له أهْل الْعلْم لمسيس حاجتهمْ إليْها، وبالغ بعْضهمْ في ذلك فجعله شرْطًا فيها، وقدْ حكى ذلك أبو الْعبّاس الْوليد بْن بكْرٍ الْمالكيّ عن الإْمام مالكٍ رحمه الله.
أنْواع الإْجازة بالْكتب:
28 - وكما جرت الْعادة برواية الْحديث بالإْجازة، جرتْ كذلك برواية الْكتب وتدْريسها بها، وهي على أنْواعٍ:
النّوْع الأْوّل: أنْ يجيز إنْسانًا معيّنًا في رواية كتابٍ معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية كتابي الْفلانيّ».
النّوْع الثّاني: أنْ يجيز لإنْسانٍ معيّنٍ رواية شيْءٍ غيْر معيّنٍ، كقوْله: «أجزْت لك رواية جميع مسْموعاتي».
وجمْهور الْفقهاء والْمحدّثين على تجْويز الرّواية بهذيْن النّوْعيْن، وعلى وجوب الْعمل بما روي بهما بشرْطه، مع الْعلْم أنّ الْخلاف في جواز الْعمل بالنّوْع الثّاني أكْثر بيْن الْعلماء.
النّوْع الثّالث: إجازة غيْر معيّنٍ رواية شيْءٍ معيّنٍ كقوْله: «أجزْت للْمسْلمين رواية كتابي هذا» وهذا النّوْع مسْتحْدثٌ، فإنْ كان مقيّدًا بوصْف حاضرٍ فهو إلى الْجواز أقْرب
ويقول ابْن الصّلاح: «لمْ نر ولمْ نسْمعْ عنْ أحدٍ ممّنْ يقْتدى به أنّه اسْتعْمل هذه الإْجازة».
النّوْع الرّابع: الإْجازة لغيْر معيّنٍ برواية غيْر معيّنٍ، كأنْ يقول: أجزْت لكلّ من اطّلع على أيّ مؤلّفٍ منْ مؤلّفاتي روايته، وهذا النّوْع يراه الْبعْض فاسدًا واسْتظْهر عدم الصّحّة وبذلك أفْتى الْقاضي أبو الطّيّب الطّبريّ، وحكي الْجواز عنْ بعْض الْحنابلة والْمالكيّة.
وهناك أنْواعٌ أخْرى غيْر هذه ذهب الْمحقّقون إلى عدم جواز الْعمل بها.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث ، الصفحة / 285
فَسَادُ الْعَقْدِ:
10 - يُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْعَقْدِ الْبَاطِلِ وَالْعَقْدِ الْفَاسِدِ، فَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ: هُوَ مَا لَمْ يُشْرَعْ بِأَصْلِهِ وَلاَ وَصْفِهِ، وَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ: هُوَ مَا شُرِعَ بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ. أَمَّا حُكْمُ الاِسْتِرْدَادِ بِالنِّسْبَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ فَيَظْهَرُ فِيمَا يَأْتِي:
الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ؛ لأِنَّهُ لاَ أَثَرَ لَهُ، وَلاَ يَمْلِكُ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَنْ يُجْبِرَ الآْخَرَ عَلَى تَنْفِيذِهِ.
فَفِي الْبَيْعِ يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: لاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ (الْبَاطِلِ) أَصْلاً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأْهْلِيَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، كَمَا لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنْ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.
وَمَا دَامَ الْعَقْدُ الْبَاطِلُ لاَ وُجُودَ لَهُ شَرْعًا، وَلاَ يُنْتِجُ أَيَّ أَثَرٍ، فَإِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ بِاخْتِيَارِهِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ دَفَعَ الْمُشْتَرِي بِاخْتِيَارِهِ الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ، كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَرِدَّ الثَّمَنَ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ وَلَوْ بِالْقَبْضِ، وَلِذَلِكَ لَوْ تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ عِتْقٍ، فَإِنَّ هَذَا التَّصَرُّفَ لاَ يَمْنَعُ الْبَائِعَ مِنِ اسْتِرْدَادِ الْمَبِيعِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، ذَلِكَ أَنَّ الْبَيْعَ الْبَاطِلَ لَمْ يَنْقُلِ الْمِلْكِيَّةَ لِلْمُشْتَرِي، فَيَكُونُ الْمُشْتَرِي قَدْ بَاعَ مَالاً غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ.
11 - أَمَّا الْعَقْدُ الْفَاسِدُ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَلِذَلِكَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْجُمْلَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، بَلْ هُوَ مُسْتَحِقٌّ الْفَسْخَ، حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِمَا فِي الْفَسْخِ مِنْ رَفْعِ الْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفَسْخُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ يَسْتَلْزِمُ رَدَّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَرَدَّ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، فَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهُ؛ لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ بِالْقَبْضِ، فَتَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفَاتُهُ كُلُّهَا، وَيَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ، وَالاِسْتِرْدَادُ حَقُّ الشَّرْعِ، وَمَا اجْتَمَعَ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْعَبْدِ إِلاَّ غَلَبَ حَقُّ الْعَبْدِ لِحَاجَتِهِ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّصَرُّفُ يَقْبَلُ الْفَسْخَ، أَوْ لاَ يَقْبَلُهُ، إِلاَّ الإْجَارَةَ فَإِنَّهَا لاَ تَقْطَعُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الاِسْتِرْدَادِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ عَقْدٌ ضَعِيفٌ يُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَفَسَادُ الشِّرَاءِ عُذْرٌ، هَذَا هُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
12 - أَمَّا الْجُمْهُورُ: فَإِنَّهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَالْعَقْدِ الْبَاطِلِ. فَالْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ وَاحِدٌ، وَلاَ يَحْصُلُ بِهِ الْمِلْكُ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ، أَمْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَيَلْزَمُ رَدُّ الْمَبِيعِ عَلَى بَائِعِهِ، وَالثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي هَذَا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي.
أَمَّا إِذَا تَصَرَّفَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ. فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ، وَيَكُونُ مِنْ حَقِّ الْبَائِعِ اسْتِرْدَادُ الْمَبِيعِ، وَمِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي اسْتِرْدَادُ الثَّمَنِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَإِنَّهُ يَجِبُ عِنْدَهُمْ رَدُّ الْمَبِيعِ الْفَاسِدِ لِرَبِّهِ إِنْ لَمْ يَفُتْ، كَأَنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ يَدِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ بُنْيَانٍ، أَوْ غَرْسٍ، فَإِنْ فَاتَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي مَضَى الْمُخْتَلَفُ فِيهِ - وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ - بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخْتَلَفًا فِيهِ بَلْ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ، ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ مُقَوَّمًا حِينَ الْقَبْضِ، وَضَمِنَ مِثْلَ الْمِثْلِيِّ إِذَا بِيعَ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا، وَعَلِمَ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ، وَلَمْ يَتَعَذَّرْ وُجُودُهُ، وَإِلاَّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِالرَّدِّ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن ، الصفحة / 106
بُطْلاَنٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: الضَّيَاعُ وَالْخُسْرَانُ، أَوْ سُقُوطُ الْحُكْمِ. يُقَالُ: بَطَلَ الشَّيْءُ يَبْطُلُ بَطَلاً وَبُطْلاَنًا بِمَعْنَى: ذَهَبَ ضَيَاعًا وَخُسْرَانًا، أَوْ سَقَطَ حُكْمُهُ، وَمِنْ مَعَانِيهِ: الْحُبُوطُ.
وَهُوَ فِي الاِصْطِلاَحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِلْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ.
فَفِي الْعِبَادَاتِ: الْبُطْلاَنُ: عَدَمُ اعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ حَتَّى كَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ. كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ وُضُوءٍ.
وَالْبُطْلاَنُ فِي الْمُعَامَلاَتِ يَخْتَلِفُ فِيهَا تَعْرِيفُ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ غَيْرِهِمْ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنْ تَقَعَ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، وَيَنْشَأُ عَنِ الْبُطْلاَنِ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ كُلِّهَا عَنِ التَّصَرُّفَاتِ، وَخُرُوجُهَا عَنْ كَوْنِهَا أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِتِلْكَ الأْحْكَامِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَبُطْلاَنُ الْمُعَامَلَةِ لاَ يُوَصِّلُ إِلَى الْمَقْصُودِ الدُّنْيَوِيِّ أَصْلاً؛ لأِنَّ آثَارَهَا لاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا.
وَتَعْرِيفُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ تَعْرِيفُ الْفَسَادِ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ: أَنْ تَقَعَ الْمُعَامَلَةُ عَلَى وَجْهٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ أَوْ بِهِمَا.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْفَسَادُ:
2 - الْفَسَادُ: مُرَادِفٌ لِلْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) فَكُلٌّ مِنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ يُطْلَقُ عَلَى الْفِعْلِ الَّذِي يُخَالِفُ وُقُوعُهُ الشَّرْعَ، وَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الآْثَارُ، وَلاَ يَسْقُطُ الْقَضَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ.
وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، فَفِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، كَالْحَجِّ وَالْعَارِيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَالْخُلْعِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَالْفَسَادُ يُبَايِنُ الْبُطْلاَنَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَالْبُطْلاَنُ عِنْدَهُمْ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ لِخَلَلٍ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٍ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.
أَمَّا الْفَسَادُ فَهُوَ: مُخَالَفَةُ الْفِعْلِ لِلشَّرْعِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهِ، وَلَوْ مَعَ مُوَافَقَةِ الشَّرْعِ فِي أَرْكَانِهِ وَشَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.
ب - الصِّحَّةُ:
3 - الصِّحَّةُ فِي اللُّغَةِ. بِمَعْنَى: السَّلاَمَةِ فَالصَّحِيحُ ضِدُّ الْمَرِيضِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: وُقُوعُ الْفِعْلِ مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ بِاسْتِجْمَاعِ الأْرْكَانِ وَالشُّرُوطِ. وَأَثَرُهُ فِي الْمُعَامَلاَتِ: تَرَتُّبُ ثَمَرَةِ التَّصَرُّفِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ عَلَيْهِ، كَحِلِّ الاِنْتِفَاعِ فِي الْبَيْعِ، وَالاِسْتِمْتَاعِ فِي النِّكَاحِ.
وَأَثَرُهُ فِي الْعِبَادَاتِ هُوَ سُقُوطُ الْقَضَاءِ بِفِعْلِ الْعِبَادَةِ.
ج - الاِنْعِقَادُ:
4 - الاِنْعِقَادُ: يَشْمَلُ الصِّحَّةَ، وَيَشْمَلُ الْفَسَادَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَهُوَ ارْتِبَاطُ أَجْزَاءِ التَّصَرُّفِ شَرْعًا. أَوْ هُوَ: تَعَلُّقُ كُلٍّ مِنَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ بِالآْخَرِ عَلَى وَجْهٍ مَشْرُوعٍ، يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي مُتَعَلَّقِهِمَا.
فَالْعَقْدُ الْفَاسِدُ مُنْعَقِدٌ بِأَصْلِهِ، وَلَكِنَّهُ فَاسِدٌ بِوَصْفِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. فَالاِنْعِقَادُ ضِدُّ الْبُطْلاَنِ.
عَدَمُ التَّلاَزُمِ بَيْنَ بُطْلاَنِ التَّصَرُّفِ فِي الدُّنْيَا وَبُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ:
5 - لاَ تَلاَزُمَ بَيْنَ صِحَّةِ التَّصَرُّفِ أَوْ بُطْلاَنِهِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَبَيْنَ بُطْلاَنِ أَثَرِهِ فِي الآْخِرَةِ، فَقَدْ يَكُونُ مَحْكُومًا عَلَيْهِ بِالصِّحَّةِ فِي الدُّنْيَا، لاِسْتِكْمَالِهِ الأْرْكَانَ وَالشُّرُوطَ الْمَطْلُوبَةَ شَرْعًا، لَكِنِ اقْتَرَنَ بِهِ مِنَ الْمَقَاصِدِ وَالنِّيَّاتِ مَا يُبْطِلُ ثَمَرَتَهُ فِي الآْخِرَةِ، فَلاَ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ ثَوَابٌ، بَلْ قَدْ يَلْزَمُهُ الإْثْمُ، وَدَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «إِنَّمَا الأْعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ» وَقَدْ يَصِحُّ الْعَمَلُ وَيَسْتَحِقُّ عَامِلُهُ الثَّوَابَ، وَلَكِنْ يُتْبِعُهُ صَاحِبُهُ عَمَلاً يُبْطِلُهُ، فَالْمَنُّ وَالأْذَى يُبْطِلُ أَجْرَ الصَّدَقَةِ، لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى) وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ).
6 - وَيُوَضِّحُ الشَّاطِبِيُّ ذَلِكَ فَيَقُولُ: يُرَادُ بِالْبُطْلاَنِ إِطْلاَقَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، كَمَا نَقُولُ فِي الْعِبَادَاتِ: إِنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَلاَ مُبَرِّئَةٍ لِلذِّمَّةِ وَلاَ مُسْقِطَةٍ لِلْقَضَاءِ، فَهِيَ بَاطِلَةٌ بِهَذَا الْمَعْنَى لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا قَصَدَ الشَّارِعُ فِيهَا. وَقَدْ تَكُونُ بَاطِلَةً لِخَلَلٍ فِي بَعْضِ أَرْكَانِهَا أَوْ شُرُوطِهَا، كَكَوْنِهَا نَاقِصَةً رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً.
وَنَقُولُ أَيْضًا فِي الْعَادَاتِ: إِنَّهَا بَاطِلَةٌ، بِمَعْنَى عَدَمِ حُصُولِ فَوَائِدِهَا بِهَا شَرْعًا، مِنْ حُصُولِ إِمْلاَكٍ وَاسْتِبَاحَةِ فُرُوجٍ وَانْتِفَاعٍ بِالْمَطْلُوبِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُرَادَ بِالْبُطْلاَنِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الآْخِرَةِ، وَهُوَ الثَّوَابُ. فَتَكُونُ الْعِبَادَةُ بَاطِلَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا جَزَاءٌ؛ لأِنَّ هَا غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِمُقْتَضَى الأْمْرِ بِهَا، كَالْمُتَعَبِّدِ رِئَاءَ النَّاسِ، فَهِيَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ
وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ، وَقَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً بِالإْطْلاَقِ الأْوَّلِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ أَيْضًا، كَالْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ يُتْبِعُهَا بِالْمَنِّ وَالأْذَى، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأْذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ).
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ لِلإْقْدَامِ عَلَى تَصَرُّفٍ بَاطِلٍ مَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ:
7 - الإْقْدَامُ عَلَى فِعْلٍ بَاطِلٍ - مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلاَنِهِ - حَرَامٌ، وَيَأْثَمُ فَاعِلُهُ؛ لاِرْتِكَابِهِ الْمَعْصِيَةَ بِمُخَالَفَتِهِ الْمَشْرُوعَ؛ لأِنَّ الْبُطْلاَنَ وَصْفٌ لِلْفِعْلِ الَّذِي يَقَعُ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، وَالأْكْلِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي الْمُعَامَلاَتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَكَالاِسْتِئْجَارِ عَلَى النَّوْحِ، وَكَرَهْنِ الْخَمْرِ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَلَوْ كَانَتْ لِذِمِّيٍّ، وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ، أَمْ كَانَ فِي النِّكَاحِ، كَنِكَاحِ الأْمِّ وَالْبِنْتِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ يَشْمَلُ الْفَاسِدَ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ بَعْضَ الأْحْكَامِ - كَإِفَادَتِهِ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ مَثَلاً - إِلاَّ أَنَّ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ حَرَامٌ، وَيَجِبُ فَسْخُهُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى دَفْعًا لِلْفَسَادِ؛ لأِنَّ فِعْلَهُ مَعْصِيَةٌ، فَعَلَى الْعَاقِدِ التَّوْبَةُ مِنْهُ بِفَسْخِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنْ حُكْمِ الإِْقْدَامِ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ حَالَةُ الضَّرُورَةِ، كَالْمُضْطَرِّ يَشْتَرِي الْمَيْتَةَ.
هَذَا فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الْبَاطِلِ مَعَ عِلْمِهِ بِبُطْلاَنِهِ.
8 - وَأَمَّا الإْقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْبَاطِلِ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ، فَهَذَا يَشْمَلُ النَّاسِيَ وَالْجَاهِلَ. وَالأْصْلُ بِالنِّسْبَةِ لِلْجَاهِلِ: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى فِعْلٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَ اللَّهِ فِيهِ، فَمَنْ بَاعَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الْبَيْعِ، وَمَنْ آجَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ فِي الإْجَارَةِ، وَمَنْ صَلَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ حُكْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الصَّلاَةِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ مَا يُرِيدُ الإْقْدَامَ عَلَيْهِ، لقوله تعالي : (وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) فَلاَ يَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي شَيْءٍ حَتَّى يَعْلَمَ حُكْمَهُ، فَيَكُونُ طَلَبُ الْعِلْمِ وَاجِبًا فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ.
وَتَرْكُ التَّعَلُّمِ مَعْصِيَةٌ يُؤَاخَذُ بِهَا.
أَمَّا الْمُؤَاخَذَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلتَّصَرُّفِ الَّذِي وَقَعَ بَاطِلاً مَعَ الْجَهْلِ، فَقَدْ ذَكَرَ الْقَرَافِيُّ فِي الْفُرُوقِ: أَنَّ صَاحِبَ الشَّرْعِ قَدْ تَسَامَحَ فِي جَهَالاَتٍ فِي الشَّرِيعَةِ، فَعَفَا عَنْ مُرْتَكِبِهَا، وَأَخَذَ بِجَهَالاَتٍ، فَلَمْ يَعْفُ عَنْ مُرْتَكِبِهَا. وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيلِ مُصْطَلَحَ (جَهْلٌ، نِسْيَانٌ).
الإْنْكَارُ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْبَاطِلَ:
9 - إِنْ كَانَ الْفِعْلُ مُتَّفَقًا عَلَى بُطْلاَنِهِ، فَإِنْكَارُهُ وَاجِبٌ عَلَى مُسْلِمٍ. أَمَّا إِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ، فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ.
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: الإْنْكَارُ مِنَ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا اجْتُمِعَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَلاَ إِنْكَارَ فِيهِ؛ لأِنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ، أَوِ الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلاَ نَعْلَمُهُ، وَلَمْ يَزَلِ الْخِلاَفُ بَيْنَ السَّلَفِ فِي الْفُرُوعِ، وَلاَ يُنْكِرُ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ أَمْرًا مُجْتَهَدًا فِيهِ، وَإِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا خَالَفَ نَصًّا، أَوْ إِجْمَاعًا قَطْعِيًّا أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا، وَهَذَا إِذَا كَانَ الْفَاعِلُ لاَ يَرَى تَحْرِيمَهُ، فَإِنْ كَانَ يَرَاهُ فَالأْصَحُّ الإْنْكَارُ.
وَفِي كُلِّ ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (إِنْكَار، أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ، اجْتِهَاد، تَقْلِيد، اخْتِلاَف، إِفْتَاء، رُخْصَة).
الاِخْتِلاَفُ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، وَسَبَبُ ذَلِكَ:
10 - يَرَى الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ فِي التَّصَرُّفَاتِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ، كَالصَّلاَةِ مَعَ تَرْكِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِهَا، أَوْ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهَا، أَمْ كَانَ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ، كَالْعَقْدِ عَلَى إِحْدَى الْمَحَارِمِ، أَمْ كَانَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ، كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَالشِّرَاءِ بِالْخَمْرِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، فَكُلٌّ مِنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ يُوصَفُ بِهِ الْفِعْلُ الَّذِي يَقَعُ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَمِنْ أَجْلِ هَذِهِ الْمُخَالَفَةِ لَمْ يَعْتَبِرْهُ، وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الَّتِي تَتَرَتَّبُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ.
فَالْجُمْهُورُ يُطْلِقُونَهُمَا، وَيُرِيدُونَ بِهِمَا مَعْنًى وَاحِدًا، وَهُوَ: وُقُوعُ الْفِعْلِ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الْخِلاَفُ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَمْ رَاجِعًا إِلَى فَوَاتِ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِهِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ - يُوَافِقُونَ الْجُمْهُورَ فِي أَنَّ الْبُطْلاَنَ وَالْفَسَادَ مُتَرَادِفَانِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِبَادَاتِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُعَامَلاَتِ، فَإِنَّهُمْ يُخَالِفُونَ الْجُمْهُورَ، فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا، وَيَجْعَلُونَ لِلْفَسَادِ مَعْنًى يُخَالِفُ مَعْنَى الْبُطْلاَنِ، وَيَقُومُ هَذَا التَّفْرِيقُ عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.
فَأَصْلُ الْعَقْدِ هُوَ أَرْكَانُهُ وَشَرَائِطُ انْعِقَادِهِ، مِنْ أَهْلِيَّةِ الْعَاقِدِ وَمَحَلِّيَّةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، كَالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ... وَهَكَذَا.
أَمَّا وَصْفُ الْعَقْدِ، فَهِيَ شُرُوطُ الصِّحَّةِ، وَهِيَ الْعَنَاصِرُ الْمُكَمِّلَةُ لِلْعَقْدِ، كَخُلُوِّهِ عَنِ الرِّبَا، وَعَنْ شَرْطٍ مِنَ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، وَعَنِ الْغَرَرِ وَالضَّرَرِ.
وَعَلَى هَذَا الأْسَاسِ يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا حَصَلَ خَلَلٌ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ - بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ انْعِقَادِهِ - كَانَ الْعَقْدُ بَاطِلاً، وَلاَ وُجُودَ لَهُ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَيُّ أَثَرٍ دُنْيَوِيٍّ؛ لأِنَّ هُ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ إِلاَّ مِنَ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ، وَيَكُونُ الْعَقْدُ فَائِتَ الْمَعْنَى مِنْ كُلِّ وَجْهٍ مَعَ وُجُودِ الصُّورَةِ فَحَسْبُ، إِمَّا لاِنْعِدَامِ مَحَلِّ التَّصَرُّفِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ لاِنْعِدَامِ أَهْلِيَّةِ الْمُتَصَرِّفِ كَالْبَيْعِ الصَّادِرِ مِنَ الْمَجْنُونِ أَوِ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ.
أَمَّا إِذَا كَانَ أَصْلُ الْعَقْدِ سَالِمًا مِنَ الْخَلَلِ، وَحَصَلَ خَلَلٌ فِي الْوَصْفِ، بِأَنِ اشْتَمَلَ الْعَقْدُ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ رِبًا، فَإِنَّ الْعَقْدَ يَكُونُ فَاسِدًا لاَ بَاطِلاً، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ.
11 - وَالسَّبَبُ فِي هَذَا الاِخْتِلاَفِ بَيْنَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ، يَرْجِعُ إِلَى اخْتِلاَفِ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ فِي أَثَرِ النَّهْيِ إِذَا تَوَجَّهَ إِلَى وَصْفٍ مِنْ أَوْصَافِ الْعَمَلِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَالنَّهْيِ عَنِ الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا أَوْ شَرْطٍ فَاسِدٍ.
فَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ كُلٍّ مِنَ الْوَصْفِ وَالأْصْلِ، كَأَثَرِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ أَوِ الْبَاطِلِ، وَلاَ يُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ أَيَّ أَثَرٍ مِنَ الآْثَارِ الْمَقْصُودَةِ مِنْهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ عِنْدَهُمْ أَوِ الْفَاسِدِ.
وَالْحَنَفِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَقْتَضِي بُطْلاَنَ الْوَصْفِ فَقَطْ، أَمَّا أَصْلُ الْعَمَلِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهِ بِخِلاَفِ النَّهْيِ الْمُتَوَجِّهِ إِلَى ذَاتِ الْفِعْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الْفِعْلِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِوَصْفٍ لاَزِمٍ لَهُ اسْمَ الْفَاسِدِ لاَ الْبَاطِلِ، وَيُرَتِّبُونَ عَلَيْهِ بَعْضَ الآْثَارِ دُونَ بَعْضٍ، وَلِهَذَا كَانَ الْبَيْعُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى الرِّبَا، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ وَنَحْوِهِمَا مِنْ قَبِيلِ الْفَاسِدِ عِنْدَهُمْ، لاَ مِنْ قَبِيلِ الْبَاطِلِ.
12 - وَقَدِ اسْتَدَلَّ كُلٌّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ، أَهَمُّهَا مَا يَأْتِي:
أَمَّا الْجُمْهُورُ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ مَتَى خَالَفَ أَمْرَ الشَّارِعِ صَارَ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ فِي نَظَرِهِ، فَلاَ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الأْحْكَامُ الَّتِي يَقْصِدُهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعَمَلِ وَحَقِيقَتِهِ، أَمْ إِلَى وَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمُ اسْتَنَدُوا إِلَى أَنَّ الشَّارِعَ قَدْ وَضَعَ الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ أَسْبَابًا لأِحْكَامٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا، فَإِذَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا لِوَصْفٍ مِنَ الأْوْصَافِ اللاَّزِمَةِ لَهُ، كَانَ النَّهْيُ مُقْتَضِيًا بُطْلاَنَ هَذَا الْوَصْفِ فَقَطْ؛ لأِنَّ النَّهْيَ مُتَوَجِّهٌ إِلَيْهِ، فَيَقْتَصِرُ أَثَرُهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ وُجُودُ هَذَا الْوَصْفِ مُخِلًّا بِحَقِيقَةِ التَّصَرُّفِ الْمَوْصُوفِ بِهِ، بَقِيَتْ حَقِيقَتُهُ قَائِمَةً، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مُقْتَضَاهُ. فَإِذَا كَانَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ بَيْعًا مَثَلاً، وَوُجِدَتْ حَقِيقَتُهُ بِوُجُودِ رُكْنِهِ وَمَحَلِّهِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ نَظَرًا لِوُجُودِ حَقِيقَتِهِ، وَوَجَبَ فَسْخُهُ نَظَرًا لِوُجُودِ الْوَصْفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَبِذَلِكَ يُمْكِنُ مُرَاعَاةُ الْجَانِبَيْنِ، وَإِعْطَاءُ كُلٍّ مِنْهَا حُكْمَهُ اللاَّئِقَ بِهِ. إِلاَّ أَنَّ الْعِبَادَاتِ لَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهَا الاِمْتِثَالَ وَالطَّاعَةَ، وَلاَ يَتَحَقَّقُ هَذَا إِلاَّ إِذَا لَمْ تَحْصُلْ فِيهَا مُخَالَفَةٌ مَا، لاَ فِي الأْصْلِ وَلاَ فِي الْوَصْفِ، كَانَتْ مُخَالَفَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ فِيهَا مُقْتَضِيَةً لِلْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ هَذِهِ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى ذَاتِ الْعِبَادَةِ، أَمْ إِلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا اللاَّزِمَةِ.
بَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَذْكُرَ أَنَّ الْجُمْهُورَ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي قَوَاعِدِهِمُ الْعَامَّةِ - إِلاَّ أَنَّهُ يَتَبَيَّنُ وُجُودُ الْخِلاَفِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ نُصُوصِهِمْ، غَيْرَ أَنَّهُمُ اعْتَبَرُوا ذَلِكَ اسْتِثْنَاءً مِنَ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ، أَوْ لِلتَّفْرِقَةِ فِي مَسَائِلِ الدَّلِيلِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ يُنْظَرُ فِي مَوَاضِعِهِ.
تَجَزُّؤُ الْبُطْلاَنِ:
13 - الْمُرَادُ بِتَجَزُّؤِ الْبُطْلاَنِ: أَنْ يَشْمَلَ التَّصَرُّفَ عَلَى مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ، فَيَكُونُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً.
وَمِنْ هَذَا النَّوْعِ مَا يُسَمَّى بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ. وَهِيَ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا يَجُوزُ وَمَا لاَ يَجُوزُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ.
وَأَهَمُّ الصُّوَرِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ مَا جَاءَ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ.
14 - عَقْدُ الْبَيْعِ إِذَا كَانَ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ بَاطِلاً، كَبَيْعِ الْعَصِيرِ وَالْخَمْرِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُذَكَّاةِ وَالْمَيْتَةِ، فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - عَدَا ابْنِ الْقَصَّارِ مِنْهُمْ - وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ (وَادَّعَى فِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ)، وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ.
وَذَلِكَ لأِنَّهُ مَتَى بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْبَعْضِ بَطَلَ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ الصَّفْقَةَ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ، أَوْ لِتَغْلِيبِ الْحَرَامِ عَلَى الْحَلاَلِ عِنْدَ اجْتِمَاعِهِمَا، أَوْ لِجَهَالَةِ الثَّمَنِ.
وَالْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ - قَالُوا: وَهُوَ الأْظْهَرُ - وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ، وَقَوْلُ ابْنِ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّهُ يَجُوزُ تَجْزِئَةُ الصَّفْقَةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِيمَا يَجُوزُ، وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ الإْبْطَالَ فِي الْكُلِّ لِبُطْلاَنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ تَصْحِيحِ الْكُلِّ لِصِحَّةِ أَحَدِهِمَا، فَيَبْقَيَانِ عَلَى حُكْمِهِمَا، وَيَصِحُّ فِيمَا يَجُوزُ وَيَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِنْ عُيِّنَ ابْتِدَاءً لِكُلِّ شِقٍّ حِصَّتُهُ مِنَ الثَّمَنِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ نُعْتَبَرُ الصَّفْقَةُ صَفْقَتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، تَجُوزُ فِيهِمَا التَّجْزِئَةُ، فَتَصِحُّ وَاحِدَةٌ، وَتَبْطُلُ الأْخْرَى.
وَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فِي شِقٍّ مِنْهُ صَحِيحًا، وَفِي الشِّقِّ الآْخَرِ مَوْقُوفًا، كَالْجَمْعِ بَيْنَ مَا يَمْلِكُهُ وَمَا يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ، وَبَيْعِهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ فِيهِمَا وَيَلْزَمُ فِي مِلْكِهِ، وَيَقِفُ اللاَّزِمُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَى إِجَازَتِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ عَدَا زُفَرَ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى قَاعِدَةِ عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْحِصَّةِ ابْتِدَاءً، وَجَوَازِ ذَلِكَ بَقَاءً. وَعِنْدَ زُفَرَ: يَبْطُلُ الْجَمِيعُ؛ لأِنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الْمَجْمُوعِ، وَالْمَجْمُوعُ لاَ يَتَجَزَّأُ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجْرِي الْخِلاَفُ السَّابِقُ؛ لأِنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ عِنْدَهُمْ بَاطِلٌ فِي الأْصَحِّ.
15 - كَذَلِكَ تَجْرِي التَّجْزِئَةُ فِي النِّكَاحِ، فَلَوْ جُمِعَ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ بَيْنَ مَنْ تَحِلُّ وَمَنْ لاَ تَحِلُّ، كَمُسْلِمَةٍ وَوَثَنِيَّةٍ، صَحَّ نِكَاحُ الْحَلاَلِ اتِّفَاقًا، وَبَطَلَ فِي مَنْ لاَ تَحِلُّ.
أَمَّا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ خَمْسٍ، أَوْ بَيْنَ أُخْتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ فِي الْكُلِّ؛ لأِنَّ الْمُحَرَّمَ الْجَمْعُ، لاَ إِحْدَاهُنَّ أَوْ إِحْدَاهُمَا فَقَطْ، وَإِنَّمَا يَجْرِي خِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِيمَا لَوْ جُمِعَ بَيْنَ أَمَةٍ وَحُرَّةٍ مَعًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَبْطُلُ فِيهِمَا، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ صَحَّ نِكَاحُ الْحُرَّةِ، وَبَطَلَ نِكَاحُ الأْمَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْحُكْمُ فِي سَائِرِ عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَالإْجَارَةِ وَغَيْرِهَا كَالْحُكْمِ فِي الْبَيْعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ عَقَدَ الْفُقَهَاءُ فَصْلاً لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا مِنْ تَصَرُّفَاتٍ. انْظُرْ (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ).
بُطْلاَنُ الشَّيْءِ يَسْتَلْزِمُ بُطْلاَنَ مَا فِي ضِمْنِهِ وَمَا بُنِيَ عَلَيْهِ:
16 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الأْشْبَاهِ: إِذَا بَطَلَ الشَّيْءُ بَطَلَ مَا فِي ضِمْنِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِمْ: إِذَا بَطَلَ الْمُتَضَمِّنُ (بِالْكَسْرِ) بَطَلَ الْمُتَضَمَّنُ (بِالْفَتْحِ) وَأَوْرَدَ لِذَلِكَ عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ مِنْهَا:
أ - لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ دَمِي بِأَلْفٍ، فَقَتَلَهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلاَ يُعْتَبَرُ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الإْذْنِ بِقَتْلِهِ.
ب - التَّعَاطِي ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بَاطِلٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ.
ج - لَوْ أَبْرَأَهُ أَوْ أَقَرَّ لَهُ ضِمْنَ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَسَدَ الإْبْرَاءُ.
د - لَوْ جَدَّدَ النِّكَاحَ لِمَنْكُوحَتِهِ بِمَهْرٍ لَمْ يَلْزَمْهُ؛ لأِنَّ النِّكَاحَ الثَّانِي لَمْ يَصِحَّ، فَلَمْ يَلْزَمْ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنَ الْمَهْرِ.
إِلاَّ أَنَّ أَغْلَبَ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ تُجْرِي الْقَاعِدَةَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ عَلَى الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ الْبَاطِلَ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا، وَالْمَعْدُومُ لاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، أَمَّا الْفَاسِدُ فَهُوَ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ، فَلَمْ يَكُنْ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمَّنًا، فَإِنْ فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ.
17 - هَذَا وَالْمَذَاهِبُ الأْخْرَى - وَهِيَ الَّتِي لاَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ - تَسِيرُ عَلَى هَذَا النَّهْجِ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ صُوَرًا. فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ، صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ مَعَ شَرْطِ عِوَضٍ فَاسِدٍ لِلْوَكِيلِ، فَالإْذْنُ صَحِيحٌ وَالْعِوَضُ فَاسِدٌ.
وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ الْمُتَصَرِّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ. ثُمَّ يُفَرِّقُ بَيْنَ الإْذْنِ فِي الْبَيْعِ - وَهُوَ عَقْدُ تَمْلِيكٍ - وَبَيْنَ الإْذْنِ فِي الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، فَيَقُولُ: الْبَيْعُ وُضِعَ لِنَقْلِ الْمِلْكِ لاَ لِلإْذْنِ، وَصِحَّةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ تُسْتَفَادُ مِنَ الْمِلْكِ لاَ مِنَ الإْذْنِ، بِخِلاَفِ الْوَكَالَةِ فَإِنَّهَا مَوْضُوعَةٌ لِلإْذْنِ.
وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ؛ لأِنَّهُ أُذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ.
وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ.
هَذِهِ هِيَ قَاعِدَةُ التَّضَمُّنِ. لَكِنْ هُنَاكَ قَاعِدَةٌ أُخْرَى شَبِيهَةٌ بِهَا، وَهِيَ: إِذَا سَقَطَ الأْصْلُ سَقَطَ الْفَرْعُ، وَمِنْهَا: التَّابِعُ يَسْقُطُ بِسُقُوطِ الْمَتْبُوعِ، وَقَدْ مَثَّلَ الْفُقَهَاءُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ أَبْرَأَ الدَّائِنُ الْمَدِينَ مِنَ الدَّيْنِ، فَكَمَا أَنَّهُ يَبْرَأُ الْمَدِينُ يَبْرَأُ مِنْهُ الْكَفِيلُ أَيْضًا؛ لأِنَّ الْمَدِينَ فِي الدَّيْنِ أَصْلٌ، وَالْكَفِيلَ فَرْعٌ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع ، الصفحة / 233
آثَارُ الْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ:
149 - إِنَّ الأْصْلَ فِي النَّهْيِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْبُطْلاَنُ، فَيَجْرِي عَلَى هَذَا الأْصْلِ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى مَا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَطْ، أَمَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي الْوَصْفِ اللاَّزِمِ، فَلاَ ضَرُورَةَ لِلْخُرُوجِ عَلَى الأْصْلِ، وَلاَ فِي أَنْ لاَ يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الْبُطْلاَنُ؛ لأِنَّ بُطْلاَنَ الْوَصْفِ اللاَّزِمِ يُوجِبُ بُطْلاَنَ الأْصْلِ، بِخِلاَفِ الْمُجَاوِرِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِلاَزِمٍ.
ب - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الأْصْلُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا صَحِيحًا شَرْعًا، فَيَجْرِي النَّهْيُ عَلَى هَذَا الأْصْلِ، إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ عِنْدَهُمْ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ فِي جُزْئِهِ فَقَطْ، أَمَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي وَصْفٍ لاَزِمٍ، فَلاَ ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الأْصْلِ، وَلاَ فِي أَنْ لاَ يَجْرِيَ النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ؛ لأِنَّ صِحَّةَ الأْجْزَاءِ وَالشُّرُوطِ فِيهِ كَافِيَةٌ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ، وَتَرْجِيحُ الصِّحَّةِ بِصِحَّةِ الأْجْزَاءِ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِ الْبُطْلاَنِ بِالْوَصْفِ الْخَارِجِيِّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الضَّرُورَةُ قَائِمَةً، يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَوْجُودًا شَرْعًا، أَيْ صَحِيحًا .
الْفَرْقُ بَيْنَ الاِصْطِلاَحَاتِ الثَّلاَثَةِ: الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ وَالصِّحَّةِ:
150 - اتَّضَحَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْجُمْهُورَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَبَيْنَ الْبُطْلاَنِ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
فَالصِّحَّةُ هُنَا - فِي الْعُقُودِ، وَمِنْهَا الْبَيْعُ - تَقْتَضِي بِأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ آثَارِهِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ شَرْعًا، كَالْبَيْعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِلْكِ.
أَمَّا الْبُطْلاَنُ، فَمَعْنَاهُ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ عَنِ الْعُقُودِ، وَخُرُوجُ الْعُقُودِ عَنْ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِلأْحْكَامِ.
وَالْفَسَادُ يُرَادِفُ الْبُطْلاَنَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ لِلصَّحِيحِ فَهُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ. بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَهُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ .
فَيَسْتَوِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَيْعُ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الأْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ فِي الْبُطْلاَنِ: كَبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ، وَكَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَيْعِ الْعِينَةِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، وَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا أَيُّ أَثَرٍ لَهَا.
لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ مُفَصِّلِينَ: بِبُطْلاَنِ بَيْعِ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَالأَْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ، لاِنْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ كَالْجُمْهُورِ، وَهَذَا هُوَ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ الأْصْلِ بِتَعْبِيرِهِمْ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيُّ أَثَرٍ.
وَبِفَسَادِ الْبَاقِيَاتِ، لاَ بِبُطْلاَنِهَا:
أ - فَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ مَثَلاً النَّهْيُ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ، فَيَبْقَى أَصْلُ الْعَقْدِ صَحِيحًا، مُفِيدًا لِلْمِلْكِ، لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَالْحُرْمَةِ، فَالشَّرْطُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ، لاَزِمٌ لَهُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوطًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ .
ب - وَفِي الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا يَقُولُونَ: إِنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُبَادَلَةُ الْمَالِيَّةُ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا مَوْجُودَةٌ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا، لَكِنْ لَمْ تُوجَدِ الْمُبَادَلَةُ التَّامَّةُ، فَأَصْلُ الْمُبَادَلَةِ حَاصِلٌ، لاَ وَصْفُهَا، وَهُوَ كَوْنُهَا تَامَّةً .
وَهَذَا بِخِلاَفِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأْجِنَّةِ، لأِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَلاَ مُتَقَوَّمَةً، فَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلاً.
وَفِيمَا يَلِي أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ - مِنْ وَجِهَةِ نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ قَرَّرُوهُ - ثُمَّ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ.
أَوَّلاً: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
151 - لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ أَصْلاً، وَلَيْسَ لَهُ وُجُودٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَلاَ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَلاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلاً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأْهْلِ يَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، إِذْ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنَ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَبَيْعِ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.
وَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَفِي ضَمَانِهِ خِلاَفٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
أ - قِيلَ: لاَ يُضْمَنُ، لأِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْعَقْدَ إِذَا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَهُوَ لاَ يُضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الدُّرَرِ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
ب - وَقِيلَ: يَكُونُ مَضْمُونًا، لأِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.
وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ، لأِنَّهُ لاَ يَكُونُ أَدْنَى حَالاً مِنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّاحِبِينَ. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ، لِكَوْنِهِ قَبَضَهُ لَنَفْسِهِ فَشَابَهُ الْغَصْبُ، وَفِي الدُّرِّ: قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى . وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ: (الْبَيْعُ الْبَاطِلُ).
ثَانِيًا: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
152 - يَنْبَنِي عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِدَّةُ آثَارٍ هِيَ: انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَعَدَمُ طِيبِ الرِّبْحِ النَّاشِئِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَقَبُولُهُ لِلتَّصْحِيحِ، وَضَمَانُ الْمَبِيعِ بِالْهَلاَكِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الآْثَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي مُصْطَلَحِ: (الْبَيْعُ الْفَاسِدُ).
هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا أَحْكَامُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ لِعَدَمِ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَهُمَا، وَانْظُرْ فِي مُصْطَلَحِ: (الْبَيْعُ الْبَاطِلُ).
ثَالِثًا: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ:
153 - حُكْمُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ: الْمَنْعُ شَرْعًا وَتَرَتُّبُ الإْثْمِ، وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا صَحِيحٌ. لأِنَّ النَّهْيَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْبَيْعِ، لاَ فِي صُلْبِهِ، وَلاَ فِي شَرَائِطِ صِحَّتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا النَّهْيِ لاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ، بَلِ الْكَرَاهِيَةَ.
فَالْبَيْعُ عِنْدَ الأْذَانِ لِلْجُمُعَةِ، وَبَيْعُ النَّجْشِ، وَبَيْعُ الإْنْسَانِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَسَوْمُهُ عَلَى سَوْمِهِ، وَنَحْوُهَا بُيُوعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَهِيَ - كَمَا يَقُولُ الْحَصْكَفِيُّ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، لَكِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ بَاطِلَةً، مَعَ النَّهْيِ عَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِلاَّ فِي رِوَايَاتٍ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ - رحمه الله تعالي - وَذَلِكَ لأِنَّ النَّهْيَ لاَ يَرْجِعُ إِلَى ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلاَ إِلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، بَلْ إِلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ .
154 - وَمِنْ أَهَمِّ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ:
- أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
- وَأَنَّهُ يُمْلَكُ فِيهِ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
- وَأَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الثَّمَنُ، لاَ الْقِيمَةُ.
- وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ فَسْخُهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ فَسْخَهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، وَلأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ.
وَوَفَّقَ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله تعالي - بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا دِيَانَةً. بِخِلاَفِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُمَا إِذَا أَصَرَّا عَلَيْهِ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي جَبْرًا عَلَيْهَا، وَوَجَّهَهُ أَنَّ الْبَيْعَ هُنَا صَحِيحٌ، فَلاَ يَلِي الْقَاضِي فَسْخَهُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ .
لَكِنْ قَرَّرَ ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْظُورٍ خَارِجٍ عَنْ بَابِ الْبُيُوعِ، كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ، فَهَذَا لاَ يُفْسَخُ، فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ.
وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يُخَلَّ فِيهِ بِشَرْطٍ مُشْتَرَطٍ فِي صِحَّةِ الْبُيُوعِ، كَالْبَيْعِ وَقْتَ الْجُمُعَةِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَتَلَقِّي الْجَلَبِ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ: فَقِيلَ يُفْسَخُ. وَقِيلَ: لاَ يُفْسَخُ، وَقِيلَ: يُفْسَخُ إِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 119
أَسْبَابُ الْفَسَادِ فِي الْمُعَامَلاَتِ:
6 -لاَ يُفَرِّقُ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ كَالصَّلاَةِ بِدُونِ طَهَارَةٍ، أَمْ فِي النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْمَحَارِمِ، أَمْ فِي عُقُودِ الْمُعَامَلاَتِ كَبَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ - ذَلِكَ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ يَدُلاَّنِ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ وَقَعَ عَلَى خِلاَفِ مَا طَلَبَهُ الشَّارِعُ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَعْتَبِرْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ عَلَيْهِ الأْثَرَ ال الَّذِي رَتَّبَهُ عَلَى الْفِعْلِ الصَّحِيحِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَأَسْبَابُ الْفَسَادِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هِيَ أَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ، وَهِيَ تَرْجِعُ إِلَى الْخَلَلِ الْوَاقِعِ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْفِعْلِ، أَوْ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصِّحَّةِ، أَوْ لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنِ الْوَصْفِ الْمُلاَزِمِ لِلْفِعْلِ، أَوْ عَنِ الْوَصْفِ الْمُجَاوِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ: أَسْبَابُ الْفَسَادِ الْعَامَّةُ فِي الْبَيْعِ أَرْبَعَةٌ: أَحَدُهَا: تَحْرِيمُ عَيْنِ الْمَبِيعِ، وَالثَّانِي: الرِّبَا، وَالثَّالِثُ: الْغَرَرُ، وَالرَّابِعُ: الشُّرُوطُ الَّتِي تَئُولُ إِلَى أَحَدِ هَذَيْنِ أَوْ لِمَجْمُوعِهِمَا .
وَيُفَرِّقُ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْمُعَامَلاَتِ، عَلَى أَسَاسِ التَّمْيِيزِ بَيْنَ أَصْلِ الْعَقْدِ وَوَصْفِهِ.
وَأَسْبَابُ الْبُطْلاَنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، بِأَنْ تَخَلَّفَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهِ أَوْ شَرْطٌ مِنْ شَرَائِطِ انْعِقَادِهِ.
أَمَّا أَسْبَابُ الْفَسَادِ، فَهِيَ حُدُوثُ خَلَلٍ فِي وَصْفِ الْعَقْدِ مَعَ سَلاَمَةِ الْمَاهِيَّةِ، فَإِذَا اخْتَلَّ الْوَصْفُ: بِأَنْ دَخَلَ الْمَحَلَّ شَرْطٌ فَاسِدٌ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لاَ بَاطِلٌ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْد) وَفِي الْمُلْحَقِ الأْصُولِيٍ.
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي فَرَّقَ فِيهَا الْجُمْهُورُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ:
7 -الأْصْلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ عَدَمُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ:
فَالْمَالِكِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي عَقْدِ الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ .
وَالشَّافِعِيَّةُ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا فِي عُقُودٍ ذَكَرَهَا الزَّرْكَشِيُّ فَقَالَ: الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ عِنْدَنَا، وَاسْتَثْنَى النَّوَوِيُّ: الْحَجَّ وَالْخُلْعَ وَالْكِتَابَةَ وَالْعَارِيَّةَ .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَأْتِي التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ فِي الْوَكَالَةِ وَالإْجَارَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
قَالَ ابْنُ اللَّحَّامِ الْحَنْبَلِيُّ: الْبُطْلاَنُ وَالْفَسَادُ عِنْدَنَا مُتَرَادِفَانِ... ثُمَّ قَالَ: إِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَذَكَرَ أَصْحَابُنَا مَسَائِلَ فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْبَاطِلِ ثُمَّ ذَكَرَ أَمْثِلَةً كَثِيرَةً لِلْمَسَائِلِ الَّتِي فَرَّقُوا فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي الْمُلْحَقِ الأْصُوليَِ .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ مِنْ أَحْكَامٍ:
8- يَتَعَلَّقُ بِالْفَسَادِ أَحْكَامٌ أَوْرَدَهَا الْفُقَهَاءُ فِي صُورَةِ قَوَاعِدَ فِقْهِيَّةٍ أَوْ أَحْكَامٍ لِلْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ، مِنْهَا:
أَوَّلاً - فَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ:
9-هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْحَنَفِيَّةُ فِي كُتُبِهِمْ، وَعَبَّرَ عَنْهَا ابْنُ نُجَيْمٍ بِلَفْظٍ آخَرَ هُوَ: (الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ) وَوَضَّحُوا هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فَقَالُوا: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهَا، وَيَجِبُ قَطْعُهَا لِلْحَالِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرَ الشَّجَرَ إِلَى وَقْتِ الإْدْرَاكِ بَطَلَتِ الإْجَارَةُ؛ لأِنَّهُ لاَ تَعَامُلَ فِي إِجَارَةِ الأْشْجَارِ الْمُجَرَّدَةِ، فَلاَ يَجُوزُ، وَطَابَتْ لَهُ الزِّيَادَةُ - وَهِيَ مَا زَادَ فِي ذَاتِ الْمَبِيعِ - وَذَلِكَ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.
وَلَوِ اسْتَأْجَرَ الأْرْضَ إِلَى أَنْ يُدْرِكَ الزَّرْعُ - أَيْ إِلَى وَقْتِ إِدْرَاكِهِ - فَسَدَتِ الإْجَارَةُ لِجَهَالَةِ الْمُدَّةِ، وَلَمْ تَطِبِ الزِّيَادَةُ لِفَسَادِ الإْذْنِ بِفَسَادِ الإْجَارَةِ ، وَفَسَادُ الْمُتَضَمِّنِ يُوجِبُ فَسَادَ الْمُتَضَمَّنِ، بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَإِنَّهُ مَعْدُومٌ شَرْعًا أَصْلاً وَوَصْفًا فَلاَ يَتَضَمَّنُ شَيْئًا، فَكَانَتْ مُبَاشَرَتُهُ عِبَارَةً عَنِ الإْذْنِ.
وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِدَ لَهُ وُجُودٌ؛ لأِنَّهُ فَائِتُ الْوَصْفِ دُونَ الأْصْلِ ، فَكَانَ الإْذْنُ ثَابِتًا فِي ضِمْنِهِ، فَيَفْسُدُ، أَمَّا الْبَاطِلُ فَلاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، فَلَمْ يُوجَدْ إِلاَّ الإْذْنُ .
وَفِي حَاشِيَةِ الشَّلَبِيِّ عَلَى الزَّيْلَعِيِّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الإْذْنِ الثَّابِتِ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ الْبَاطِلَةِ وَبَيْنَهُ فِي ضِمْنِ الإْجَارَةِ الْفَاسِدَةِ: أَنَّ الإْذْنَ فِي الإْجَارَةِ الْبَاطِلَةِ صَارَ أَصْلاً مَقْصُودًا بِنَفْسِهِ؛ لأِنَّ الْبَاطِلَ لاَ وُجُودَ لَهُ، وَالْمَعْدُومَ لاَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإْجَارَةُ الْفَاسِدَةُ، لأِنَّ الْفَاسِدَ لَيْسَ مَعْدُومًا بِأَصْلِهِ، فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ مُتَضَمِّنًا، فَإِذَا فَسَدَ الْمُتَضَمِّنُ فَسَدَ الْمُتَضَمَّنُ .
وَالْحُكْمُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَظْهَرُ فِي الْعُقُودِ الَّتِي يُفَرِّقُونَ فِيهَا بَيْنَ الْبَاطِلِ وَالْفَاسِدِ، كَالْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ، مِثْلِ الشَّرِكَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالْوَكَالَةِ، فَهَذِهِ الْعُقُودُ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا صِحَّةَ تَصَرُّفِ الْمَأْذُونِ لِبَقَاءِ الإْذْنِ.
فَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ: الْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلإْذْنِ إِذَا صَدَرَتْ مِنَ الْمَأْذُونِ صَحَّتْ، كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ إِذَا أَفْسَدْنَاهَا فَتَصَرَّفَ الْوَكِيلُ، صَحَّ لِوُجُودِ الإْذْنِ، وَطَرَدَهُ الإْمَامُ فِي سَائِرِ صُوَرِ الْفَسَادِ .
وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ: الْعُقُودُ الْجَائِزَةُ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْوَكَالَةِ لاَ يَمْنَعُ فَسَادُهَا نُفُوذَ التَّصَرُّفِ فِيهَا بِالإْذْنِ .
وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا تَصَرَّفَ الْعَامِلُ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لأِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِيهِ، فَإِذَا بَطَلَ الْعَقْدُ بَقِيَ الإْذْنُ ، فَمَلَكَ بِهِ التَّصَرُّفَ .
وَقَوَاعِدُ الْمَالِكِيَّةِ لاَ تَأْبَى ذَلِكَ .
ثَانِيًا - الْمِلْكُ:
10-التَّصَرُّفُ الْفَاسِدُ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ.
أَمَّا بَعْدَ الْقَبْضِ، فَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ كَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
يَقُولُ الزَّرْكَشِيُّ: الْفَاسِدُ لاَ يُمْلَكُ فِيهِ شَيْءٌ، وَيَلْزَمُهُ الرَّدُّ وَمُؤْنَتُهُ، وَلَيْسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْبَدَلِ، وَلاَ يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَ إِنْ عَلِمَ الْفَسَادَ، وَكَذَا إِنْ جَهِلَ فِي الأْصَحِّ.
وَيُسْتَثْنَى صُورَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ يَمْلِكُ فِيهَا أَكْسَابَهُ.
الثَّانِيَةُ: إِذَا صَالَحْنَا كَافِرًا بِمَالٍ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ، فَدَخَلَ وَأَقَامَ، فَإِنَّا نَمْلِكُ الْمَالَ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ .
وَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ حَكَمْنَا بِفَسَادِ الْعَقْدِ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ مِلْكٌ، سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَوْ لَمْ يَتَّصِلْ، وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي فِيهِ بِبَيْعٍ وَلاَ هِبَةٍ وَلاَ عِتْقٍ وَلاَ غَيْرِهِ .
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّ التَّصَرُّفَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ عِنْدَهُمْ بِالْقَبْضِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، وَيَمْلِكُ الْقَابِضُ التَّصَرُّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ مِلْكٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، لأِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَلِذَلِكَ فَهُوَ مَضْمُونٌ .
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: الأْصْلُ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ أَنَّ كُلَّ مَا يُمْلَكُ بِبَيْعٍ جَائِزٍ يُمْلَكُ بِفَاسِدٍ، فَلَوْ شَرَى قِنًّا بِخَمْرٍ - وَهُمَا مُسْلِمَانِ - مَلَكَ الْقِنَّ مُشْتَرِيهِ بِقَبْضِهِ بِإِذْنٍ، وَلاَ يَمْلِكُ الْبَائِعُ الْخَمْرَ .
وَالْهِبَةُ الْفَاسِدَةُ تُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْقَبْضِ، وَبِهِ يُفْتَى، وَهِيَ مَضْمُونَةٌ .
وَالْمَقْبُوضُ بِالْقِسْمَةِ الْفَاسِدَةِ يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهِ وَيَنْفُذُ التَّصَرُّفُ، كَالْمَقْبُوضِ بِالشِّرَاءِ الْفَاسِدِ .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَتَقَرَّرُ الْمِلْكُ فِي الْمَقْبُوضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ بِالْفَوَاتِ:
يَقُولُ ابْنُ رُشْدٍ: الْبُيُوعُ الْفَاسِدَةُ عِنْدَ مَالِكٍ تَنْقَسِمُ إِلَى مُحَرَّمَةٍ وَإِلَى مَكْرُوهَةٍ: فَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ مَضَتْ بِالْقِيمَةِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهَةُ فَإِنَّهَا إِذَا فَاتَتْ صَحَّتْ عِنْدَهُ، وَرُبَّمَا صَحَّ عِنْدَهُ بَعْضُ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ بِالْقَبْضِ، لِخِفَّةِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ .
ثَالِثًا - الضَّمَانُ:
11 -يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةَ تُرَدُّ إِلَى حُكْمِ صَحِيحِهَا بِالنِّسْبَةِ لِلضَّمَانِ وَعَدَمِهِ، فَإِنِ اقْتَضَى التَّصَرُّفُ الصَّحِيحُ الضَّمَانَ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ، وَإِنِ اقْتَضَى عَدَمَ الضَّمَانِ فَفَاسِدُهُ كَذَلِكَ .
وَلِلْحَنَفِيَّةِ قَاعِدَةٌ شَبِيهَةٌ بِمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهِيَ: الأْصْلُ أَنَّ كُلَّ مَا قُبِضَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ ضُمِنَ، وَكُلَّ مَا قُبِضَ لاَ بِجِهَةِ التَّمَلُّكِ لَمْ يُضْمَنْ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَان ف 35، وَمَا بَعْدَهَا).
رَابِعًا - سُقُوطُ الْمُسَمَّى فِي التَّصَرُّفَاتِ الْفَاسِدَةِ:
12 - الْوَاجِبُ فِي التَّصَرُّفَاتِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا تَسْمِيَةُ نَحْوِ الأْجْرِ أَوِ الرِّبْحِ أَوِ الْمَهْرِ، هُوَ الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَسَدَتْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ، فَإِنَّ الْمُسَمَّى يَسْقُطُ، وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ إِذَا سَقَطَ الْمُسَمَّى وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - الإْجَارَةُ:
13 - إِذَا فَسَدَتِ الإْجَارَةُ وَاسْتَوْفَى الْمُسْتَأْجِرُ الْمَنْفَعَةَ، فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ، أَيْ وَلَوْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَزِيدَ عَنِ الْمُسَمَّى إِذَا كَانَ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْعَقْدِ تَسْمِيَةٌ وَجَبَ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي: (إِجَارَة ف 43 - 44).
ب - الْمُضَارَبَةُ:
14 -الْوَاجِبُ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ هُوَ الرِّبْحُ الْمُسَمَّى لِلْمُضَارِبِ، فَإِذَا فَسَدَتِ الْمُضَارَبَةُ فَلاَ يَسْتَحِقُّ الْمُضَارِبُ الرِّبْحَ الْمُسَمَّى، لأِنَّهَا تَسْمِيَةٌ لَمْ تَصِحَّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ إِذَا عَمِلَ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ جَمِيعُهُ لِرَبِّ الْمَالِ، لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ.
وَالْمُضَارِبُ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَرَبِحَتِ الْمُضَارَبَةُ أَمْ لَمْ تَرْبَحْ، لأِنَّهُ عَمِلَ طَامِعًا فِي الْمُسَمَّى، فَإِذَا فَاتَ وَجَبَ رَدُّ عَمَلِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ وَهِيَ الأْجْرَةُ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ أَبِي يُوسُفَ - وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ غَيْرَ الشَّرِيفِ أَبِي جَعْفَرٍ .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا لِلْمُضَارِبِ قِرَاضَ الْمِثْلِ فِي مَسَائِلَ مَعْدُودَةٍ، وَأُجْرَةَ الْمِثْلِ فِيمَا عَدَاهَا، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ضَابِطٌ، هُوَ: كُلُّ مَسْأَلَةٍ خَرَجَتْ عَنْ حَقِيقَةِ الْقِرَاضِ مِنْ أَصْلِهَا فَفِيهَا أُجْرَةُ الْمِثْلِ، وَأَمَّا إِنْ شَمَلَهَا الْقِرَاضُ، لَكِنِ اخْتَلَّ مِنْهَا شَرْطٌ، فَفِيهَا قِرَاضُ الْمِثْلِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (مُضَارَبَة)
ج - النِّكَاحُ:
15 - الْمَهْرُ يَسْقُطُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ - سَوَاءٌ اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ أَمْ لاَ - إِذَا حَصَلَ التَّفْرِيقُ قَبْلَ الدُّخُولِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَقَبْلَ الْخَلْوَةِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ .
هَذَا مَعَ اسْتِثْنَاءِ بَعْضِ الْمَسَائِلِ الَّتِي يَثْبُتُ فِيهَا نِصْفُ الْمَهْرِ قَبْلَ الدُّخُولِ، كَمَا إِذَا ادَّعَى الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ رَضَاعًا مُحَرِّمًا بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَكَذَّبَتْهُ الزَّوْجَةُ، فَإِنَّهُ يُفْسَخُ النِّكَاحُ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ كَمَا يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ بِالدُّخُولِ، لِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا» .
فَقَدْ جَعَلَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لَهَا الْمَهْرَ فِيمَا لَهُ حُكْمُ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَعَلَّقَهُ بِالدُّخُولِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ وُجُوبَهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ.
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الْمَهْرِ، هَلْ هُوَ الْمُسَمَّى أَوْ مَهْرُ الْمِثْلِ أَوِ الأْقَلُّ مِنْهُمَا؟ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - غَيْرَ زُفَرَ - لَهَا الأْقَلُّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا وَمِنَ الْمُسَمَّى.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَهَا الْمُسَمَّى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى كَنِكَاحِ الشِّغَارِ فَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لَهَا الْمُسَمَّى فِي الْفَاسِدِ (وَهُوَ مَا اخْتُلِفَ فِيهِ) وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِي الْبَاطِلِ (وَهُوَ مَا اتُّفِقَ عَلَى فَسَادِهِ) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (مَهْر - نِكَاح).
خَامِسًا: الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ الْمَادِّيَّةِ:
16 - يَرِدُ الْفَسَادُ فِي الأْشْيَاءِ الْمَادِّيَّةِ كَعَطَبِ الأْطْعِمَةِ، وَيَذْكُرُ الْفُقَهَاءُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَبْوَابِ الْفِقْهِ مِنْ حَيْثُ إِيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الرَّهْنِ، أَوْ مِنْ حَيْثُ الْتِقَاطُهَا، أَوْ مِنْ حَيْثُ اعْتِبَارُهَا عَيْبًا فِي الْمَبِيعِ يُوجِبُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
أ - رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ:
17 -ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ قَالُوا: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ إِنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ، كَرُطَبٍ وَعِنَبٍ يَتَجَفَّفَانِ، فَإِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ وَلَكِنْ رُهِنَ بِدَيْنٍ حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لَكِنَّهُ يَحِلُّ قَبْلَ الْفَسَادِ وَلَوِ احْتِمَالاً جَازَ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ وَرُهِنَ بِمُؤَجَّلٍ يَحِلُّ بَعْدَ فَسَادِهِ أَوْ مَعَهُ، لَمْ يَجُزْ إِلاَّ إِنْ شَرَطَ أَنْ يَبِيعَهُ عِنْدَ خَوْفِ فَسَادِهِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ رَهْنًا.
وَلَوْ رُهِنَ مَا لاَ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ فَحَدَثَ قَبْلَ الأْجَلِ مَا عَرَّضَهُ لِلْفَسَادِ - كَحِنْطَةٍ ابْتَلَتْ وَتَعَذَّرَ تَجْفِيفُهَا - لَمْ يَنْفَسِخِ الرَّهْنُ، بَلْ يُبَاعُ وُجُوبًا وَيُجْعَلُ ثَمَنُهُ رَهْنًا .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَصِحُّ رَهْنُ مَا يُسْرِعُ إِلَيْهِ الْفَسَادُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ إِصْلاَحُهُ بِالتَّجْفِيفِ كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، أَوْ لاَ يُمْكِنُ تَجْفِيفُهُ كَالْبِطِّيخِ وَالطَّبِيخِ.
ثُمَّ إِنْ كَانَ مِمَّا يُجَفَّفُ، فَعَلَى الرَّاهِنِ تَجْفِيفُهُ، لأِنَّهُ مِنْ مُؤْنَةِ حِفْظِهِ وَتَبْقِيَتِهِ، فَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ كَنَفَقَةِ الْحَيَوَانِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُجَفَّفُ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ إِنْ كَانَ حَالًّا، أَوْ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَحِلُّ قَبْلَ فَسَادِهِ، جُعِلَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ، سَوَاءٌ شُرِطَ فِي الرَّهْنِ بَيْعُهُ أَوْ أُطْلِقَ، لأِنَّ الْعُرْفَ يَقْتَضِي ذَلِكَ، لأِنَّ الْمَالِكَ لاَ يُعَرِّضُ مِلْكَهُ لِلتَّلَفِ وَالْهَلاَكِ، فَإِذَا تَعَيَّنَ حِفْظُهُ فِي بَيْعِهِ حُمِلَ عَلَيْهِ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَتَجْفِيفِ مَا يَجِفُّ، وَأَمَّا إِذَا شَرَطَ أَنْ لاَ يُبَاعَ فَلاَ يَصِحُّ، لأِنَّهُ شَرَطَ مَا يَتَضَمَّنُ فَسَادَهُ وَفَوَاتَ الْمَقْصُودِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُجَفَّفَ مَا يَجِفُّ.
وَفِي وَجْهٍ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ أَطْلَقَ لاَ يَصِحُّ.
وَإِذَا شَرَطَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعَهُ، أَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوِ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ الرَّاهِنُ أَوْ غَيْرُهُ، بَاعَهُ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ ذَلِكَ بَاعَهُ الْحَاكِمُ وَجَعَلَ ثَمَنَهُ رَهْنًا، وَلاَ يُقْضَى الدَّيْنُ مِنْ ثَمَنِهِ، لأِنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَعْجِيلُ وَفَاءِ الدَّيْنِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ رَهَنَهُ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا، كَالصُّوفِ، قَالَ أَحْمَدُ فِيمَنْ رَهَنَ ثِيَابًا يُخَافُ فَسَادُهَا كَالصُّوفِ: أَتَى السُّلْطَانَ فَأَمَرَهُ بِبَيْعِهَا .
وَنَقَلَ الْحَصْكَفِيُّ عَنِ الذَّخِيرَةِ: لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ ثَمَرَةِ الرَّهْنِ وَإِنْ خَافَ تَلَفَهَا، لأِنَّ لَهُ وِلاَيَةَ الْحَبْسِ لاَ الْبَيْعِ، وَيُمْكِنُ رَفْعُهُ إِلَى الْقَاضِي، حَتَّى لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لاَ يُمْكِنُهُ الرَّفْعُ لِلْقَاضِي أَوْ كَانَ الْمَرْهُونُ بِحَالٍ يَفْسُدُ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ، جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَذَا إِذَا لَمْ يُبِحِ الرَّاهِنُ لَهُ الْبَيْعَ.
وَفِي الْبِيرِيِّ عَنِ الْوَلْوَالِجِيَّةِ: وَيَبِيعُ مَا يَخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادَ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، وَيَكُونُ رَهْنًا فِي يَدِهِ، قَالَ الْبِيرِيُّ: يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا جَوَازُ بَيْعِ الدَّارِ الْمَرْهُونَةِ إِذَا تَدَاعَتْ لِلْخَرَابِ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: الأْصْلُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُ الْمَرْهُونِ إِلاَّ إِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ، فَإِنْ خَشِيَ فَسَادَهُ جَازَ بَيْعُهُ .
ب - الْتِقَاطُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ:
18 -مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى وَيَفْسُدُ بِالتَّأْخِيرِ، كَاللَّحْمِ وَاللَّبَنِ وَالْفَوَاكِهِ، فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ إِلَى أَنْ يَخْشَى فَسَادَهُ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهِ خَوْفًا مِنَ الْفَسَادِ.
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأْوْلَى عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: مَنِ الْتَقَطَ شَيْئًا مِمَّا يُسْرِعُ فَسَادُهُ وَلاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ، فَإِنَّ آخِذَهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ خَصْلَتَيْنِ: فَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً إِنْ لَمْ يَجِدْ حَاكِمًا، وَبِإِذْنِهِ إِنْ وَجَدَهُ وَعَرَّفَ الْمَبِيعَ بَعْدَ بَيْعِهِ لِيَتَمَلَّكَ ثَمَنَهُ بَعْدَ التَّعْرِيفِ، وَإِنْ شَاءَ تَمَلَّكَهُ فِي الْحَالِ وَأَكَلَهُ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ.
وَإِنْ أَمْكَنَ بَقَاءُ مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ بِعِلاَجٍ، كَرُطَبٍ يَتَجَفَّفُ، فَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي بَيْعِهِ بِيعَ جَمِيعُهُ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ إِنْ وَجَدَهُ، وَإِلاَّ بَاعَهُ اسْتِقْلاَلاً، وَإِنْ كَانَتِ الْغِبْطَةُ فِي تَجْفِيفِهِ وَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَاجِدُ لَهُ أَوْ غَيْرُهُ، جَفَّفَهُ، لأِنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ، فَرُوعِيَ فِيهِ الْمَصْلَحَةُ كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ، وَإِنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ بِتَجْفِيفِهِ بِيعَ بَعْضُهُ بِقَدْرِ مَا يُسَاوِي
التَّجْفِيفَ لِتَجْفِيفِ الْبَاقِي، طَلَبًا لِلأْحَظِّ .
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: مَنِ الْتَقَطَ مَا لاَ يَبْقَى عَامًا وَكَانَ مِمَّا لاَ يَبْقَى بِعِلاَجٍ وَلاَ غَيْرِهِ، فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَكْلِهِ وَبَيْعِهِ وَحِفْظِ ثَمَنِهِ، فَإِنْ أَكَلَهُ ثَبَتَتِ الْقِيمَةُ فِي ذِمَّتِهِ، وَإِنْ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ جَازَ، وَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى بَيْعَهُ بِنَفْسِهِ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى إِذْنِ الْحَاكِمِ، وَعَنْ أَحْمَدَ: لَهُ بَيْعُ الْيَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا دَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ.
وَإِنْ أَكَلَهُ أَوْ بَاعَهُ حَفِظَ صِفَاتِهِ، ثُمَّ عَرَّفَهُ عَامًا.
وَإِنْ كَانَ مَا الْتَقَطَهُ مِمَّا يُمْكِنُ إِبْقَاؤُهُ بِالْعِلاَجِ، كَالْعِنَبِ وَالرُّطَبِ، فَيَنْظُرُ مَا فِيهِ الْحَظُّ لِصَاحِبِهِ: فَإِنْ كَانَ فِي التَّجْفِيفِ جَفَّفَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ ذَلِكَ، وَإِنِ احْتَاجَ التَّجْفِيفُ إِلَى غَرَامَةٍ بَاعَ بَعْضَهُ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْحَظُّ فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ وَحَفِظَ ثَمَنَهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ بَيْعُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ تَجْفِيفُهُ تَعَيَّنَ أَكْلُهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْلُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ فَلَهُ أَكْلُهُ لأِنَّ الْحَظَّ فِيهِ .
(خامساً) الْمُعَاوَضَاتُ الْفَاسِدَةُ:
38 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَوْنِ الْقَبْضِ نَاقِلاً لِلْمِلْكِيَّةِ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ الْفَاسِدَةِ أَوْ غَيْرَ نَاقِلٍ .
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ كَالْبَاطِلِ، لاَ يَنْعَقِدُ أَصْلاً، وَلاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بَتَاتًا، سَوَاءٌ قَبَضَ الْعَاقِدُ الْبَدَلَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّ مِلْكِيَّةَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ تَنْتَقِلُ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ الْفَاسِدِ بِقَبْضِهِ بِرِضَا صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ .
____________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 217)
العقد الصحيح الذي يظهر أثره بانعقاده هو العقد المشروع ذاتاً ووصفاً.
والمراد بمشروعية ذاته ووصفه أن يكون ركنه صادراً من أهله مضافاً إلى محل قابل لحكمه وأن تكون أوصافه صحيحة سالمة من الخلل وأن يكون مقروناً بشرط من الشروط المفسدة للعقد.
(مادة 218)
العقد الفاسد هو ما كان مشروعاً بأصله لا يوصفه أي أنه يكون صحيحاً باعتبار أصله لا خلل في ركنه ولا في محله فاسداً باعتبار بعض أوصافه الخارجة بأن يكون المعقود عليه أو بدله مجهولاً جهالة فاحشة أو يكون العقد خالياً عن الفائدة أو يكون مقروناً بشرط من الشرائط الموجبة لفساد العقد والعقد الفاسد لا يفيد الملك في المعقود عليه إلا بقبضه برضا صاحبه.
(مادة 219)
العقد الباطل هو ما ليس مشروعاً لا أصلاً ولا وصفاً أي ما كان في ركنه أو في محله خلل بأن كان الإيجاب والقبول صادرين ممن ليس أهلاً للعقد أو كان المحل غير قابل لحكم العقد.
وهو لا ينعقد أصلاً ولا يفيد الملك في الأعيان المالية ولو بالقبض.
(مادة 317)
إذا كان خيار التعيين للبائع وهلك أحد الشيئين في يده كان له أن يلزم المشتري بالثاني فإن هلكا معاً بطل العقد.