loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 323

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - يفترض الفسخ وجود عقد ملزم للجانبين ، يتخلف فيه أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه فيطلب الآخر فسخه ، ليقال بذلك من تنفيذ ما التزم به ويقع الفسخ بناء على حكم يقضى به أو بتراضي العاقدين ، أو بحكم القانون وبذلك يكون الفسخ قضائياً ، أو اتفاقياً ، أو قانونياً على حسب الأحوال .

2 - في حالة الفسخ القضائي يتخلف أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه ، رغم أن الوفاء لايزال ممكناً، ويكون العاقد الآخر بالخيار : بين المطالبة بتنفيذ العقد ، وبين طلب الفسخ ، على أن يكون قد أعذر الدين من قبل فإذا اختار الدائن تنفيذه العقد وطلبه ، وهو يدخل في حدود الإمكان ، كما هو حكم الفرض، تعين أن يستجيب القاضي لهذا الطلب ، وجاز له أن يحكم بالتعويض ، إذا اقتضى الحال ذلك أما إذا اختار الفسخ ، فلا يجبر القاضي على إجابته إليه ، بل يجوز له أن ينظر المدين إلى میسره إذا طلب النظرة ، مع إلزامه بالتعويض عند الإقتضاء ، بل ويجوز له أن يقضي بذلك من تلقاء نفسه وله كذلك ، ولو كان التنفيذ جزئياً ، أن يقتصر على تعويض الدائن عما تخلف المدن عن تنفيذه ، إذا كان ما تم تنفيذه هو الجزء الأهم في الالتزام على أن للقاضي أن يجيب الدائن إلى طلبه ، ويقضي بفسخ العقد، مع إلزام المدين بالتعويض دائماً ، إن كان ثمة محل لذلك ولا يكون التعاقد ذاته ، في حالة الفسخ ، أساساً للإلتزام بالتعويض ، إذ هو ينعدم انعداماً يستند أثره بفعل الفسخ وإنما يكون مصدر الإلزام ، في هذه الحالة ، خطأ المدين أو تقصيره على أن القاضي لا يحكم بالفسخ إلا بتوافر شروط ثلاثة : أولها أن يظل تنفيذ العقد مكناً والثاني أن يطلب الدائن فسخ العقد ، دون تنفيذ هو الثالث أن يبقى المدين على تخلفه ، فيكون من ذلك مبرر للقضاء بالفسخ فإذا اجتمعت هذه الشروط تحقق بذلك ما ينسب إلى الدين من خطأ أو تقصير .

3 - أما الفسخ الاتفاق ، فيفترض اتفاق المتعاقدين على وقوع الفسخ بحكم القانون دون حاجة إلى حكم قضائي ، عند التخلف عن الوفاء ، ويفضي مثل هذا الإنفاق إلى حرمان المتعاقد من ضيافتين : (1) العقد يفسخ حتماً دون أن يكون لهذا العاقد ، بل ولا القاضي ، خيار بين الفسخ والتنفيذ وإنما يبقي الخيار للدائن بداهة فيكون له أن يرغب عن الفسخ ويصر على التنفيذ. (ب) ويقع الفسخ بحكم الاتفاق دون حاجة للتقاضي على أن ذلك لا يقبل الدائن من ضرورة الترافع إلى القضاء ، عند منازعة المدين في واقعة تنفيذ العقد بيد أن مهمة القاضي تقتصر، في هذه الحالة على التثبت من هذه الواقعة ، فإذا تحققت لديه صحتها أيق على العقد ، وإلا قضى بالفسخ على أن حرمان المدين من هاتين الضمانتين لا يسقط عنه ضانة أخرى ، تتمثل في ضرورة الإعذار ، ما لم يتفق المتعاقدان صراحة على عدم لزوم هذا الإجراء أيضاً .

4 - يتي بعد ذلك أمر الفسخ القانوني وهو يقع عند انقضاء الالتزام على أثر إستحالة تنفيذه فإن قضاء هذا الإلتزام يستبعد إنقضاء الإلتزام المقابل له لتخلف سبيه ولهذه العلة ينفسخ العقد من تلقاء نفسه أو بحكم القانون بغير حاجة إلى التقاضي بل وبغير إعذار ، متى وضحت استحالة التنفيذ وضوحاً كافياً على أن الترافع إلى القضاء قد يكون ضرورياً، عند منازعة الدائن أو المدين في وقوع الفسخ بيد أن موقف القاضي في هذه الحالة يقتصر على الاستيثاق من أن التنفيذ قد أصبح مستحيلاً، فإذا تحقق من ذلك يثبت وقوع الفسخ بحكم القانون ، ثم يقضي بالتعويض أو رفض القضاء به ، تبعاً لما إذا كانت هذه الإستحالة راجعة إلى خطأ المدين أو تقصيره أو إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .

5 - ويترتب على الفسخ ، قضائياً كان أو اتفافياً أو قانونياً ، انعدام العقد انعداماً يستند أثره، فيعتبر كأن لم يكن وهذا يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد فيرد كل منهما ما تسلم بمقتضى هذا العقد ، بعد أن تم فسخه وإذا أصبح الرد مستحيلاً وجب التعويض على الملازم ، وفقاً للأحكام الخاصة بدفع غير المستحق ومع ذلك فقد استثني المشروع من حكم هذه القاعدة صورة خاصة تعرض في فسخ العقود الناقلة لملكية العقارات فنص على أن هذا الفسخ لا يضر بالغير حسن النية ، إذا كان قد تلق من المتعاقد ، الذي آلت إليه ملكية العقار بمقتضى العقد المفسوخ ، حقاً على هذا العقار ، قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ ( أنظر المادة 375 من المشروع ) ومؤدى هذا ، أن يظل حق الغير قائماً ، ويرد العقار مثقلاً به ، رغم فسخ العقد الناقل للساكية ، وغنى عن البيان، أن هذا الإستثناء يكفل قسطاً معقولاً من الحماية للغير حسن النية ، ويهيئ بذلك للتعامل ما يخلق به من أسباب الاستقرار .

المشروع في لجنة المراجعة

 تليت المادة 219 من المشروع ، فأقرتها اللجنة على أصلها .

وأصبح رقمها 162 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 162 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

محضر الجلسة الخامسة عشرة

تليت المادة 162 :

فوافقت اللجنة عليها بالإجماع معدلة بإستبدال عبارة و الإعفاء منه ، بعبارة « أنه ليس ضرورياً »، الواردة في آخر المادة .

تقرير اللجنة :

استعيض عن عبارة إذا اتفق المتعاقدان صراحة على أنه ليس ضرورياً، بعبارة و إذا اتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه ، لأنها أنسب في الإعراب عن المقصود .

وأصبح رقم المادة 158.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة.

 

الأحكام

1- إذ كان الطاعنون قد تمسكوا بأن عقد بيع مورثهم قصة فيلم " ...... " للمطعون ضده المؤرخ 1977/5/21تضمن النص على اعتباره مفسوخاً إذا حالت ظروف الأخير دون إنتاج الفيلم وبأن هذا الشرط قد تحقق بمضى ما يزيد عن 14 سنة دون إنتاجه فأطرح الحكم المطعون فيه هذا الدفاع قولاً منه أن المورث تنازل عن حقوقه المالية فى استغلال قصة الفيلم بالعقد المذكور الذى خلا من تحديد أجل معين لإنتاج الفيلم وكان هذا الذى قرره الحكم لا يواجه دفاع الطاعنين ولا يصلح سنداً لرفض طلب الفسخ إعمالاً للشرط سالف البيان ولحقهم الأدبى فى إتاحة مصنف مورثهم للجمهور لأول مرة إذا ثبت عدم تنفيذ المطعون ضده لهذا الالتزام خلال مدة معقولة وفقاً لظروف التعاقد وما جرى عليه العمل ولا يغير من ذلك ما قرره الحكم من أن الثابت من الأوراق والمستندات المقدمة أن المطعون ضده بدأ الإعداد لإنتاج الفيلم من تاريخ التعاقد دون تأخير أو تقصير من جانبه دون أن يبين هذه الأوراق والمستندات ومضمونها وكيف استقى منها ذلك وماهية الظروف التى حالت دون إنتاج الفيلم لمدة تزيد عن 14 سنة رغم سعى المطعون ضده لتنفيذ التزامه مما يعيب الحكم بالقصور فى التسبيب والخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 2160 لسنة 61 جلسة 2006/07/10 س 57 ص 652 ق 124)

2- الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أوحكم من القضاء عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه يترتب عليه الفسخ حتماً بمجرد تحقق الشرط الفاسخ الصريح الوارد فى العقد إذ يقع هذا الفسخ الاتفاقى بمجرد إعلان الدائن رغبته فى ذلك دون حاجة إلى تنبيه أورفع دعوى بالفسخ أوصدور حكم به ، فإذا ما لجأ الدائن إلى القضاء فإن حكمه يكون مقرراً للفسخ بعد التحقق من توافر شروط الفسخ الاتفاقى ووجوب إعماله ولا يستطيع المدين أن يتفادى الفسخ بسداد المستحق عليه بعد تحقق الشرط الفاسخ الصريح إذ ليس من شأن هذا السداد أن يعيد العقد بعد انفساخه . ولما كان ذلك ، وكانت قاعدة الفسخ المتقدمة الواردة فى المادتين 157 و 158 من القانون المدنى غير آمرة وتسرى على العقود الملزمة للجانبين ومنها عقود الإيجار التى تخضع لأحكام القانون المدنى ، فإنه يتعين أن تكون صيغة هذا الاتفاق صريحة الدلالة على وقوع الفسخ حتماً عند تحققه وألا يكون الدائن قد أسقط حقه فى التمسك به .

(الطعن رقم 2090 لسنة 73 جلسة 2004/05/05 س 55 ع 1 ص 492 ق 89)

3- الأصل بحكم المادتين الرابعة والخامسة من القانون المدني فى ضوء ما جاء بالأعمال التحضيرية أن المشرع أعطى للقاضي سلطة تقديرية واسعة ليراقب استعمال الخصوم لحقوقهم وفقاً للغاية التي استهدفها المشرع منها حتى لا يتعسفوا فى استعمالها ، كما حرص المشرع على تأكيد السلطة التقديرية للقاضي فى حالة فسخ العقود ونص صراحة فى الفقرة الأولى من المادة 148 من القانون على أن "يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية " وفى الفقرة الثانية من المادة 157 من ذات القانون على أنه "يجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلاً إذا اقتضت الظروف ذلك كما يجوز له أن يرفض طلب الفسخ إذا كان ما لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة للالتزام فى جملته " وهو ما هو لازمه انه كلما أثير أمام محكمة الموضوع دفاع يتضمن أن المؤجر متعسف فى استعمال حقه بطلب الإخلاء تعين على المحكمة أن تمحصه وتضمن حكمها ما ينبئ عن تمحيصها لهذا الدفاع وإنها بحثت ظروف الدعوى وملابساتها ، وما إذا كانت هذه الظروف والملابسات تبرر طلب الإخلاء فى ضوء ما يجب توافره من حسن نية فى تنفيذ العقود .

(الطعن رقم 8388 لسنة 64 جلسة 2000/05/08 س 51 ع 2 ص 645 ق 118)

4- تنص المادة 158 من القانون المدني على أنه "يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه وهذا الاتفاق لا يعفى من الإعذار إلا إذا أتفق المتعاقدان صراحة على الإعفاء منه". وكانت عبارة البند السابع من العقد سند الدعوى المؤرخ 18/ 11/ 1991 تنص على أنه "إذا تأخر الطرف الثاني فى سداد أي قسط استحق عليه حل موعد سداد باقي الثمن على المشترى فوراً دون حاجة إلى إعذار أو تنبيه، كما يحق للطرف الأول اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه وبدون حكم قضائي ويكون له أيضاً الحق فى استرداد المحل موضوع التعامل ........." فإن البين من هذه العبارة أن الطرفين وإن اتفقا على أنه إذا تأخر المشترى عن سداد أي قسط مستحق عليه يحل موعد سداد باقي الأقساط دون حاجة إلى إنذار أو تنبيه، إلا أنهما لم يتفقا صراحة على إعفاء البائعة من إعذار المشترى بسداد المستحق عليه من الثمن قبل رفع دعوى الفسخ إعمالاً للمادة 158 من القانون المدني السالف ذكرها و ليس هناك تعارض فى هذه الحالة بين إعذار الدائن للمدين و تكليفه بالتنفيذ و بين المطالبة بفسخ العقد بعد ذلك لأن الإعذار لايعتبر تنازلاً عن المطالبة بفسخ العقد بل هو شرط واجب لرفع الدعوى به، وبالتالي يتعين حصول الإعذار فى هذه الحالة - كشرط لإيقاع الفسخ الإتفاقي - وذلك بقصد وضع المدين قانوناً فى وضع المتأخر فى تنفيذ التزامه ولا ينال من ذلك ما هو مقرر من أن مجرد رفع الدعوى بالفسخ يعد إعذار للمدين، إذ أن شرط ذلك أن تشتمل صحيفتها على تكليف الأخير بالوفاء بالتزامه .

(الطعن رقم 4899 لسنة 68 جلسة 2000/02/27 س 51 ع 1 ص 363 ق 66)

5- الشرط الفاسخ لا يقتصى الفسخ حتماً بمجرد حصول الإخلال بالإلتزام إلا إذا كانت صيغته صريحة دالة على وجوب الفسخ حتماً عند تحققه . وإذا كانت عبارة الشرط الواردة فى عقد البيع أنه " إذا لم يدفع باقى الثمن فى المدة المحددة به يعتبر البيع لاغياً " فإن هذا الشرط لا يعدو أن يكون ترديداً للشرط الفاسخ الضمنى المقرر بحكم القانون فى العقود الملزمة للجانبين ، ولما كانت محكمة الموضوع قد رأت فى حدود سلطتها التقديرية إلا تقضى بالفسخ إستناداً إلى الشرط الفاسخ الضمنى الوارد بالعقد لما تبينته من أن الباقى من الثمن بعد إستنزال قيمة العجز فى المبيع قليل الأهمية بالنسبة إلى الإلتزام فى جملته فإنها لا تكون قد خالفت القانون .

(الطعن رقم 491 لسنة 37 جلسة 2000/01/09 س 24 ع 1 ص 49 ق 10)

6- إذ كان الثابت من الأوراق أن المطعون ضدهما الأولين قد قبلا بعد صدورالحكم الإبتدائي وفاء الطاعن لباقي الثمن فى 13/1/1990 نيابة عن المطعون ضده الثالث دون تحفظ وتمسك الطاعن بأن قبول الجهة الإدارية لذلك الوفاء مسقط لحقها فى طلب الفسخ فإن الحكم المطعون فيه إذ أيد قضاء الحكم الإبتدائي للمطعون ضدهما الأولين بفسخ البيع وبطلان التنازل على سند من أن قيام الطاعن بسداد باقي الثمن للجهة الإدارية المالكة لا يغير ما انتهى إليه لتحقق الشرط الصحيح الفاسخ وزوال البيع بأثر رجعي فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه.

(الطعن رقم 4609 لسنة 61 جلسة 1999/07/05 س 50 ع 2 ص 982 ق 193)

7- وإن كان الاتفاق على أن يكون عقد البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه دون تنبيه أو إنذار عند تخلف المشتري عن سداد أي قسط من أقساط باقي الثمن فى ميعاده، من شأنه أن يسلب القاضي من كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شروط الفسخ الاتفاقي ووجوب إعماله ذلك أن للقاضي الرقابة التامة للتثبت من انطباق الشرط على عبارة العقد، ويترتب على ذلك أنه متى كان مبنى الفسخ التأخير فى سداد قسط من الثمن فى الموعد المحدد له، فإنه يتعين على القاضي التحقق من قيام هذا الشرط ومن بين ذلك التثبت من اتفاق العاقدين على قيمة كل قسط وما حل أجل سداده.

(الطعن رقم 4791 لسنة 67 جلسة 1999/05/23 س 50 ع 1 ص 700 ق 140)

8- وكان النص فى البند الثالث من عقد البيع موضوع التداعى على أنه إذا تأخر الطرف الثانى - الطاعنة - عن سداد القسط المستحق أو جزء منه فى موعده المحدد بخطر فى موعد غايته شهر من تاريخ التأخير فإن تخلف عن السداد بعد إخطاره إستحقت جميع الأقساط دفعه واحدة ويكون للشركة البائعة فى هذه الحالة الحق فى أحد أمرين : (1) اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه ودون حاجة الى تنبيه أو إنذار أو إتخاذ أى إجراء قانونى أو قضائى آخر . (2) مطالبة الطرف الثانى بباقى الأقساط التى تأخر فى سدادها مع حساب فائدة تأخير قدرها 14% .... فإن صيغة الشرط على النحو آنف البيان لا تفيد اتفاق الطرفين على انفساخ العقد حتما من تلقاء نفسه فى حالة التأخر وفى دفع قسط أو جزء منه على نحو ما نصت عليه المادة 158 من القانون المدنى ولا تعدو أن تكون ترديداً لحق البائع فى الشرط الفاسخ الضمنى المقرر بحكم القانون فى العقود الملزمة للجانبين وإذ أقام الحكم المطعون فيه مؤيداً الحكم الابتدائى - قضاءه على سند من تكييفه هذا الشرط بأنه فاسخ صريح يسلب المحكمة كل سلطة فى تقدير كفاية أسباب الفسخ ومن منطلق هذا التكييف الخاطئ وعلى أساسه أعتبر العقد مفسوخاً وجوباً وقضى بإعادة المتعاقدين الى ما كانا عليه ، ومن غير أن يعنى ببحث وتمحيص ما أثارته الطاعنة من دفاع جوهرى مؤيداُ بدليله على النحو الوارد بسبب النعى مع أنه من شأنه - إن صح - ومع قيام هذه الظروف والاعتبارات التى ساقها - أن يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون معيباً .

(الطعن رقم 2247 لسنة 66 جلسة 1997/04/27 س 48 ع 1 ص 701 ق 138)

9- يتعين لإعمال الشرط الفاسخ الصريح الوارد فى عقد الإيجار ألا يتعارض مع نص قانونى آمر، فإذا ما وقع التعارض بينهما بطل الشرط فيما لا يوافق حكم النص، وترتيبا على ذلك فإن أثر الشرط الفاسخ الصريح _ اعتبار العقد مفسوخا من تلقاء نفسه لإخلال المستأجر بالتزام دفع الأجرة - لا يعمل به إذا لم يقم المؤجر بما أوجبه نص المادة 18/ب من القانون رقم 136 لسنة 1981 من تكليف المستأجر بالوفاء بها على نحو المبين به خلال الموعد الذى حدده سواء كانت الدعوى مرفوعة إلى القضاء الموضوعى أو المستعجل .

(الطعن رقم 1653 لسنة 60 جلسة 1994/06/19 س 45 ع 2 ص 1058 ق 201)

10- متى كان المتعاقدين قد اتفقا فى عقد البيع على أن يكون مفسوخا فى حالة تأخر المشترى عن دفع باقى الثمن فى الميعاد المتفق عليه من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار أوحكم من القضاء فإن العقد ينفسخ بمجرد التأخير عملاً بنص المادة 158 من القانون المدنى ولا يلزم أن يصدر حكم بالفسخ كما لاينال من إعمال أثره أن يكون لصاحبة الخيار بينه وبين التنفيذ العينى إذ يبقى له دائما الخيار بين إعمال أثرة وبين المطالبة بهذا التنفيذ.

(الطعن رقم 2259 لسنة 59 جلسة 1994/05/11 س 45 ع 1 ص 818 ق 156)

11- التقابل عن العقد صراحة أو ضمنا هو من مسائل الواقع التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع وحسبة أن يبين الحقيقة التى اقتنع بها وأن يقيم قضاءه على أسباب سائغة دون أن يكون ملزما بالرد إستقلالا على وجه دفاع الخصوم ما دامت الحقيقة التى اقتنع بها وأورد دليلها فيها الرد الضمنى على هذا الدفاع.

(الطعن رقم 4497 لسنة 62 جلسة 1994/01/27 س 45 ع 1 ص 278 ق 58)

 12- الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو حكم من القضاء عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه يترتب عليه الفسخ حتما بمجرد تحقق الشرط دون حاجة لرفع دعوى بالفسخ إذ يقع هذا الفسخ الاتفاقى بمجرد إعلان الدائن رغبته فى ذلك دون حاجة إلى رفع دعوى بالفسخ أو صدور حكم به، فإذا ما لجأ الدائن إلى القضاء فإن حكمه يكون مقررا للفسخ ولا يملك معه القاضى إمهال المدين لتنفيذ التزامه ولا يستطيع المدين أن يتفادى الفسخ بسداد المستحق عليه بعد إقامة دعوى الفسخ غذ ليس من شأن هذا السداد أن يعيد العقد بعد انفساخه إلا أنه يتعين ان تكون صيغة هذا الاتفاق صريحة الدلالة على وقوع الفسخ عند تحققه بلا حاجة إلى تنبيه أوإنذار ، لما كان ذلك وكانت قاعدة الفسخ المتقدمة والواردة فى المادتين 157 , 158 من القنون المدنى غير آمرة تسرى على العقود الملزمة للجانبين ومنها عقود الإيجار التى تخضع لأحكام القانون المدنى ويخرج عن نطاق تطبيقها قوانين الإيجارات الإستثنائية.

(الطعن رقم 3294 لسنة 58 جلسة 1993/05/13 س 44 ع 2 ص 395 ق 203)

13- لئن كانت الأحكام العامة فى القانون المدني إعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة وما نصت عليه المادة 158 منه تجيز فى العقود الملزمة للجانبين الإتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء ذاته دون حاجة إلى حكم قضائي عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه بما يؤدي إلى وقوع الفسخ فى هذه الحالة نفاذاً لذلك الإتفاق بقوة القانون وحرمان المتعاقد بذلك من ضمانين إذ يقع الفسخ حتماً دون أن يكون للقاضي خيار فى أمره - بل ويتحقق ذلك دون حاجة إلى التقاضي ما لم ينازع المدين فى وقوع موجب الفسخ - وإن كانت مهمة القاضي تقف فى هذه الحالة عند حد التحقق من عدم الوفاء بالالتزام ليقرر اعتبار الفسخ حاصلاً فعلاً إلا أنه تحقيقا للتوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين للأماكن التي تسرى عليها أحكام القوانين الاستثنائية المنظمة للإيجار ، رأى المشرع تعيين أسباب الإخلاء بأحكام آمرة ومتعلقة بالنظام العام أوردها على سبيل الحصر فى القانون رقم 49 لسنة 1977 ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981 - الواجب التطبيق الذي رأى التدخل بحكم آمر فى حرية المؤجر فى النص فى العقد على الشرط الفاسخ الصريح فى حالة التأخر فى سداد الأجرة ، فنص فى المادة 18/ب - المقابلة للمادتين 31/أ من القانون 49 لسنة 1977 ، 23 من القانون 52 لسنة 1969 - على أنه " لا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان ولو انتهت المدة المتفق عليها فى العقد إلا لأحد الأسباب الآتية: أ- ......... ب- إذا لم يقم المستأجر بالوفاء بالأجرة المستحقة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تكليفه بذلك .... ولا يحكم بالإخلاء إذا قام المستأجر قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى بأداء الأجرة وكافة ما تكبده المؤجر من مصاريف ونفقات فعلية ...." فدل بذلك على أنه وإن لم يصادر حق المتعاقدين فى الإتفاق على الشرط الفاسخ الصريح فى عقد الإيجار إلا أنه أورد عليد قيوداً منها ما يتصل بعدم إعمال الأثر الفوري لهذا الإتفاق وذلك بما أوجبه على المؤجر من تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة خلال مدة معينة ومنها ما يتعلق بتفادي الأثر المترتب على الإتفاق وذلك بما أجازه للمستأجر من توقي الإخلاء بأداء الأجرة والمصاريف الرسمية التى يوجب المشرع على المحكمة أن تحكم بها عند إصدار الحكم الذى تنتهى به الخصومة أمامها ولا تمثل المصاريف الفعلية التى يتكبدها المحكوم له بها من الخصوم عملاً بنص المادة 184/1 من قانون المرافعات - وكذا النفقات الفعلية قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى ، فإذا كان عقد الإيجار قد تضمن شرطاً صريحاً فاسخاً تعين أن يكون تحقق هذا الشرط وفق ما نص عليه التشريع الاستثنائى سالف الذكر من ضوابط .

(الطعن رقم 2326 لسنة 57 جلسة 1992/09/17 س 43 ع 2 ص 1083 ق 219)

14- الدعوى التى يقيمها المؤجر بفسخ عقد الإيجار - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى دعوى بإخلاء العين المؤجرة ويعتبر طلب الإخلاء مندمجا فى طلب الفسخ وأثر حتمى للقضاء به ، وأنه ولئن كانت القواعد العامة فى القانون المدنى إعمالا لمبدأ سلطان الأرادة - وفقا لما نصت عليه المادة 158 منه - تجيز فى العقود الملزمة للجانبيين الإتفاق على إعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائى عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه بما يؤدى إلى وقوع الفسخ فى هذه الحالة نفاذا لذلك الإتفاق بقوة القانون ودون أن يكون للقاضى خيار فى أمره إلا أنه تحقيقاً للتوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين للأماكن التى تسرى عليها أحكام التشريعات الإستثنائية المنظمة للإيجار رأى المشرع التدخل بتعيين أسباب الأخلاء بأحكام آمرة متعلقة بالنظام العام أوردها على سبيل الحصرفى تلك التشريعات مما مفاده أن المشرع لم يصادر حق المتعاقدين فى الإتفاق على الشرط الصريح الفاسخ فى عقد الإيجار إلا إذا تعارض مع القواعد الآمرة الواردة فى تلك القوانين الإستثنائية ، ومن ثم فلا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر متى كان خاضعاً لأحكام التشريع الإستثنائى إلا لسبب من الأسباب المبينة به ، فإن كان عقد الإيجار قد تضمن شرطاً صريحاً فاسخاً تعين أن يكون تحقق هذا الشرط موافقاً لما نص عليه التشريع المذكور من قواعد .

(الطعن رقم 190 لسنة 56 جلسة 1990/07/25 س 41 ع 2 ص 478 ق 253)

15- لئن كان مؤدى نص المادة 158 من القانون المدن أن الإتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائى عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه من شأنه أن يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى حدود الفسخ إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شرط الفسخ الإتفاقى و وجوب إعماله ، ذلك أن للقاضى الرقابة التامة للتثبت من إنطباق الشرط على عبارة العقد ، كما أن له عند التحقق من قيامه مراقبة الظروف الخارجية التى تحول دون أعماله .

(الطعن رقم 1231 لسنة 58 جلسة 1990/03/20 س 41 ع 1 ص 799 ق 133)

16-  وإن كان الإتفاق على أن يكون عقد البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه دون تنبيه أو إنذار عند تخلف المشترى عن سداد أى قسط من أقساط باقى الثمن فى ميعاده من شأنه أن يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شرط الفسخ الإتفاقى و وجوب أعماله ، ذلك أن للقاضى الرقابة التامة للتثبيت من إنطباق الشرط على عبارة العقد كما أنه له عند التحقق من قيامه مراقبة الظروف الخارجية التى تحول دون أعماله فإن تبين له أن الدائن أسقط حقه فى طلب الفسخ بقبوله الوفاء بطريقة تتعارض مع إرادة فسخ العقد ، أو كان الدائن هو الذى تسبب بخطئه فى عدم تنفيذ المدين لإلتزامه أو كان إمتناع المدين عن الوفاء مشروعاً بناء على الدفع بعدم التنفيذ فى حالة توافر شروطه وجب أن يتجاوز عن شرط الفسخ الإتفاقى ، و لا يبقى للدائن سوى التمسك بالفسخ القضائي طبقاً للمادة 157 من القانون المدنى ، لما كان ذلك و كان البين من صحيفة الإستئناف أن الطاعن تمسك فيها بنزول الشركة المطعون ضدها عن الشرط الصريح الفاسخ مستنداً إلى قرار مجلس إدارتها بتأجيل الوفاء بالقسط الأول و تواخيها فى دفع دعوى الفسخ و قبوله الوفاء بالإقساط اللاحقة ، و كان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد أعمل أثر الشرط الصريح الفاسخ الوارد فى العقد دون أن يعرض لهذا الدفاع و هو دفاع جوهرى قد يتغير به وجه الرأى فى الدعوى فإنه يكون مشوباً بالقصور .

(الطعن رقم 2368 لسنة 57 جلسة 1990/02/27 س 41 ع 1 ص 633 ق 107)

17- التفاسخ و التقابل كما يكون بإيجاب و قبول صريحين يكون أيضاً بإيجاب و قبول ضمنيين ، وبحسب محكمة الموضوع إذا هى قالت بالتفاسخ الضمنى أن تورد من الوقائع والظروف ما إعتبرته كاشفاً عن إرادتى طرفى العقد و أن تبين كيف تلاقت هاتان الإرادتان على حل العقد .

(الطعن رقم 2083 لسنة 53 جلسة 1990/01/29 س 41 ع 1 ص 290 ق 56)

18- لئن كان الأصل فى العقود أن تكون لازمه بمعنى عدم إمكان إنفراد أحد العاقدين بفسخ العقد دون رضاء المتعاقد الآخر إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من الإتفاق بينهما على التقايل منه و إبرام عقد جديد وكما يكون ذلك بإيجاب وقبول صريحين يصح بإيجاب وقبول ضمنين إذ التعبير عن الإدارة يجوز أن يكون ضمنياً على ما تقضى به المادة 90 من القانون المدنى - لما كان ذلك وكان الثابت من الإتفاق المحرر فى 1985/5/30 إقرار مورث الطاعنة بإخلاء شقة النزاع فى موعد غايته آخر أبريل سنة 1959 ثم إستمر المورث فى شغل العين من هذا التاريخ ، وحتى وفاته فى سبتمبر سنة 1980 ، وبقاء الطاعنة مقيمة بها بعد وفاة والدها و إستمرارها فى سداد مقابل الإنتفاع المنصوص عليه فى الإتفاق الأول شهرياً و قبول الملاك ذلك المقابل و سكوتهم عن المطالبة بتنفيذ الإتفاق طوال هذه المدة كما لم يرفعوا دعواهم بالإخلاء سنة 1985 إلا بعد إقامة الطاعنة دعواها بطلب الحكم بثبوت العلاقة الإيجارية فإن ذلك كله يؤكد تقابل طرف النزاع عن الإتفاق المحرر فى 1958/5/30 ونشوء علاقة إيجارية بين مورث الطاعنة وبين مورث المطعون ضدهم و معهم من بعده - وإمتداد تلك العلاقة إلى الطاعنة بعد وفاة والدها المستأجر الأصلى الذى كانت تقيم معه طبقاً لنص المادة 29 من القانون رقم 49 لسنة 1977 وهو ما لم ينازع فيه المطعون ضدهم وهى علاقة توافرت لها أركان عقد الإيجار طبقاً للمادة 558 من القانون المدنى من منفعة بشئ معين ومدة وأجرة .

(الطعن رقم 1582 لسنة 58 جلسة 1989/11/13 س 40 ع 3 ص 68 ق 326)

19- ولئن كانت الأحكام العامة فى القانون المدني، إعمالاً لمبدأ سلطان الإرادة، وما نصت عليه المادة 158 منه تجيز فى العقود الملزمة للجانبين الاتفاق على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي عنه عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه بما يؤدى إلى وقوع الفسخ فى هذه الحالة نفاذاً لذلك الاتفاق بقوة القانون وحرمان المتعاقد بذلك من ضمانين إذ يقع الفسخ حتماً دون أن يكون للقاضي خيار فى آمره، بل ويتحقق ذلك دون حاجة إلى التقاضي ما لم ينازع المدين فى وقوع موجب الفسخ وإن كانت مهمة القاضي تقف فى هذه الحالة عند حد التحقق من عدم الوفاء بالالتزام المقرر اعتبار الفسخ حاصلاً فعلاً إلا أنه تحقيقاً للتوازن بين أوضاع المؤجرين والمستأجرين للأماكن التي تسرى عليها أحكام القوانين الاستثنائية المنظمة للإيجار، رأى المشرع التدخل بتعيين أسباب الإخلاء بأحكام آمره ومتعلقة بالنظام العام أوردها على سبيل الحصر فى القانون رقم 49 لسنة1977 ومن بعده القانون رقم 136 لسنة 1981 مما مفاده أن المشرع أن لم يصادر حق المتعاقدين فى الاتفاق على الشرط الصريح الفاسخ فى عقد الإيجار إلا أنه أورد عليه قيودا تتطلب لإعماله ألا يتعارض مع القواعد الموضوعية الآمره فى تلك القوانين الاستثنائية أواستبقاء الضوابط اللازمة لإعماله فى هذه القوانين، فلا يجوز للمؤجر أن يطلب إخلاء المكان المؤجر متى كان خاضعاً لأحكام التشريع الإستثنائى إلا لسبب من الأسباب المبينة بهذا التشريع، فإن كان عقد الإيجار قد تضمن شرطاً صريحاً فاسخاً تعين أن يكون تحقق هذا الشرط وفق ما نصت عليه التشريع الإستثنائى من ضوابط.

(الطعن رقم 1916 لسنة 54 جلسة 1989/05/14 س 40 ع 2 ص 280 ق 206)

20- قاعدة الفسخ الوارد بنص المادة 157 مدنى غير آمرة تسرى على العقود الملزمة للجانبين - ومنها عقود الإيجار التى تخضع لأحكامه و تخرج عن نطاق تطبيق قوانين الإيجارات الإستثنائية - ومقتضاها وجوب الإلتجاء للقضاء لإستصدار حكم بفسخ العقد جزاء إخلال الطرف الآخر بإلتزماته وقد منح القانون المدنى فى المادة 158 منه للمتعاقدين حرية الإتفاق على وقوع الفسخ بقوة الإتفاق بمجرد تحقيق الإخلال دون حاجة للجوء للقضاء لإستصدار حكم بالفسخ ، وبالتالى وحتى تنصرف إرادة المتعاقدين إلى وقوع الفسخ بقوة الاتفاق فإنه يتعين أن تكون عبارات الشرط واضحة قاطعة فى الدلالة على وقوع الفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه بمجرد حصول الإخلال بالإلتزام الموجه إليه.

(الطعن رقم 1952 لسنة 54 جلسة 1985/10/30 س 36 ع 2 ص 963 ق 199)

21- لا يغنى عن التكليف بالوفاء كشرط لقبول دعوى الإخلاء لهذا السبب - تضمن عقد الإيجار شرطاً فاسخاً صريحاً أوسبق إصدار حكم مستعجل بالطرد للسبب ذاته إذ أن نص المادة المشار إليها و إن لم يصادف حق المتعاقدين فى الإتفاق على الشرط الفاسخ الصريح فى عقد الإيجار - إلا أنه أورد عليه قيوداً منها ما يتعلق بعدم إعمال الأثر الفورى لهذا الإتفاق و ذلك بما أوجبه على المؤجر من تكليف المستأجر بالوفاء بالأجرة خلال خمسة عشر يوماً ومنها ما يتعلق بتفادى الأثر المترتب عليه الإتفاق ، وذلك بما أثاره المستأجر من توقى الإخلاء بأداء الأجرة وفوائدها والمصاريف قبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى ، فإذا لم يضم المؤجر بواجبه أوإستعمل المستأجر الرخصة المخولة ، فإن الشرط الفاسخ الصريح لا يحقق آثاره .

(الطعن رقم 1709 لسنة 48 جلسة 1984/02/09 س 35 ع 1 ص 442 ق 85)

22- لما كان عقد الإيجار ينص فى بنده الرابع على أنه " إذا تأخر الطرف الثانى فى سداد الإيجار فى موعده يصبح هذا العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بغير حاجة تنبيه أو إنذار أو إتخاذ إجراءات ويحق للطرف الأول رفع دعوى أمام القضاء المستعجل بفسخ عقد الإيجار وطرد المستأجر إذ تعتبر يده فى هذه الحالة يد غاصب " . فإنه يكون قد تضمن شرطاً فاسخاً صريحاً يسلب القاضى وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ ولا يبقى له فى إعتبار الفسخ حاصلاً فعلاً إلا التحقق من حصول المخالفة التى بنى عليها .

(الطعن رقم 672 لسنة 48 جلسة 1983/01/27 س 34 ع 1 ص 320 ق 71)

23- ولما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض الدعوى فى شقها المتعلق بتحقق هذا الشرط - الشرط الفاسخ الصريح - على القول بأن " تأسيسه دعواه على سند من أن المستأنف عليهما - المطعون ضدهما - قد تأخرا فى سداد الإيجار و قدره ..... بواقع ..... شهرياً عن المدة من ..... إلى ..... فمردود بأن المستأجرين قد عرضا عليه أمام محكمة أول درجة .... هذا المبلغ بما يبرىء ذمتها ، و لكنه تقاعس عن إستلام المبلغ و رفض قبوله دون مبرر و من ثم فإن هذا السبب يكون على غير أساس " . فإنه يكون قد أعتبر مجرد عرض الأجرة بعد إنقضاء ميعادها المحدد فى العقد موجباً لرفض الدعوى مع أن الفسخ متى وقع بمقتضى شرط العقد فإن عرض الأجرة و على ما جرى به قضاء هذه المحكمة ليس من شأنه أن يعيد العقد بعد إنفساخه و بما تدل على أن الحكم لم يتفهم شرط العقد و صرفه ذلك عن إعمال مقتضى هذا الشرط على وجهة الصحيح و هو ما يشوبه فضلاً عن الخطأ فى تطبيق القانون بالقصور فى التسبيب .

(الطعن رقم 672 لسنة 48 جلسة 1983/01/27 س 34 ع 1 ص 320 ق 71)

24- ولئن كان الأصل فى العقود أن تكون لازمة بمعنى عدم إمكان إنفراد أحد العاقدين بفسخ العقد دون رضاء المتعاقد الآخر ، إلا أنه ليس ثمة ما يمنع من الإتفاق بينهما على فسخ العقد و التقايل عنه ، وكما قد يتم ذلك بإيجاب و قبول صريحين يصح أن يكون ضمنياً ، و بحسب محكمة الموضوع إن هى قالت بالتقايل الضمنى أن تورد من الوقائع و الظروف ما إعتبرته كاشفاً عن إرادتى طرفى العقد فى هذا الصدد وأن تبين كيف تلاقت هاتان الإرادتان على حل العقد ولامعقب على محكمة الموضوع إن هى ناقشت فى حدود سلطتها التقديرية دعوى الفسخ و رأت بناء على أسباب سائغة رفضها أو قبولها .

(الطعن رقم 897 لسنة 49 جلسة 1983/01/04 س 34 ع 1 ص 113 ق 35)

 25- الشرط الفاسخ الصريح و إن كان يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر ذلك الشرط بعد أن يطالب به الدائن و يتمسك بأعماله بإعتبار أن الفسخ قد شرع فى هذه الحالة لمصلحته وحده فلا تقضى به المحكمة من تلقاء نفسها .

(الطعن رقم 686 لسنة 49 جلسة 1982/11/30 س 33 ع 2 ص 1099 ق 198)

26- إذا تضمن العقد شرطاً صريحاً فاسخاً فإنه يلزم حتى يفسخ العقد بقوته أن يثبت قيامه وعدم العدول عن إعماله وتحقق الشرط الموجب لسريانه ، فإن كان وقوع الفسخ مرتبط بالتأخير فى سداد باقى الثمن فى الموعد المحدد له وتبين أن البائع أسقط حقه فى إستعمال الشرط الصريح الفاسخ المقررلصالحه عند التأخر فى سداد باقى الثمن فى موعده بقبول السداد بعد هذا الموعد منبئاً بذلك عن تنازله عن أعمال الشرط الصريح الفاسخ فإن تمسكه بهذا الشرط من بعد ذلك لا يكون مقبولاً.

(الطعن رقم 816 لسنة 49 جلسة 1982/06/03 س 33 ع 2 ص 651 ق 115)

27- طلب المطعون ضدها الأولى رفض الدعوى تأسيساً على أن عقد التنازل الصادر منها إلى الطاعن قد إنفسخ إعمالاً للشرط الصريح الفاسخ المتفق عليه بينهما لا يعتبر منها -بوصفها مدعى عليها - طلباً عارضاً بل هو دفع موضوعى يدخل فى نطاق المناضلة فى الدعوى ، لأن فسخ العقد بحكم الشرط الفاسخ الصريح يقع حتماً بمجرد إخلال المدين بالإلتزام الذى يترتب عليه الفسخ ، ولا يقتضى رفع دعوى لطلبه أوصدور حكم به ، ويكفى أن يتمسك به الدائن فى مواجهة المدين وللمحكمة أن تقرر أنه حصل بالفعل بناء على دفع البائع أثناء نظرالدعوى المرفوعة من المشترى

(الطعن رقم 1432 لسنة 48 جلسة 1982/05/23 س 33 ع 1 ص 566 ق 102)

28- شرط الفسخ الصريح و شرطه الضمنى - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يختلفان طبيعة وحكماً ، فالشرط الفاسخ الصريح يجب أن تكون صيغته فى العقد صريحة قاطعة فى الدلالة على وقوع الفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه بمجرد حصول المخالفة الموجبة له ، وهو لذلك يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ ولايستطيع المدين أن يتفادى الفسخ بأداء إلتزامه أوعرضه بعد إقامة دعوى الفسخ ، أما الشرط الضمنى فلا يستوجب الفسخ حتماً إذ هو خاضع لتقدير القاضى ، وللقاضى أن يمهل المدين حتى بعد رفع دعوى الفسخ عليه ، بل المدين نفسه له أن يتفادى الفسخ بعرض دينه كاملاً قبل أن يصدر ضده حكم نهائى بالفسخ

(الطعن رقم 872 لسنة 51 جلسة 1982/05/13 س 33 ع 1 ص 517 ق 93)

29- الإتفاق على أن يكون عقد البيع مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أوإنذارعند تخلف المشترى عن سداد أى قسط من أقساط باقى الثمن فى ميعاده من شأنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ، وحسبه أن يتحقق من توافر شروطه .

(الطعن رقم 388 لسنة 48 جلسة 1981/11/18 س 32 ع 2 ص 2052 ق 371)

30- إذا كان مفاد نص المادة 158 من القانون المدنى أنه إذا إتفق الطرفان على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائى عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه ، من شأنه أن يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شروط الفسخ الإتفاقى ووجوب إعماله ، ذلك أن للقاضى الرقابة التامة للتثبيت من إنطباق الشرط على عبارة العقد ، كما أن له عند التحقق من قيامه مراقبة الظروف الخارجية التى تحول دون إعماله .

(الطعن رقم 145 لسنة 48 جلسة 1981/04/09 س 32 ع 1 ص 1085 ق 202)

31- لا يجوز اعتبار العقد مفسوخا إعمالا للشرط الفاسخ الصريح الوارد به إلا إذا ثبت للقاضى حصول المخالفة التى يترتب عليها الانفساخ ، ولما كانت الدعوى قد رفعت للحكم بانفساخ عقدين مختلفين إستنادا إلى تحقق الشرط الفاسخ الصريح المنصوص عليه فى كل منهما ، فإنه لا يصح الحكم بإنفساخ العقدين إلا إذا تحقق الشرط بالنسبه لكل منهما ، ولا يكفى تحققه فى أحد العقدين للحكم بانفساخ العقد الآخر ، وإنما يقتصر الانفساخ فى هذه الحالة على العقد الذى تحقق فيه الشرط ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بتحقق الشرط الفاسخ الصريح المنصوص عليه فى كل من عقدى البيع الصادرين من المطعون عليهم للطاعن على أن المبالغ المسددة من الطاعن ( المشترى ) و مقدارها 8050 ج ( بخلاف مقدم الثمن ) لا تفى بقيمة الأقساط الباقية فى ذمتة بمقتضى العقدين ومجموعهما 14370 ج ، دون بحث للمبالغ المسددة من الثمن المتفق عليه فى كل عقد على حده والتعرف على ما إذا كانت هذه المبالغ تكفى للوفاء بهذا الباقى فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أخطأفى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 79 لسنة 43 جلسة 1979/05/17 س 30 ع 2 ص 365 ق 252)

32- ثبوت واقعة النزول عن الإجارة دون إذن يحتم على المحكمة أن تقضى بفسخ الايجار و إخلاء المكان دون أن يكون لها سلطة تقديرية ، لأن حق المؤجر فى الاخلاء ينشأ بمجرد وقوع المخالفة فالحكم بالفسخ هنا مطلق تقع نتيجته بمجرد قيام سببه .

(الطعن رقم 674 لسنة 46 جلسة 1979/02/28 س 30 ع 1 ص 647 ق 122)

33- الشرط الذى يجعل العرض و الإيداع غير مبرىء للذمة هو ما لا يكون للمدين حق فى فرضه و من ثم فإن إيداع المطعون ضدهما "المشترين " باقى الثمن مع إشتراط عدم صرفه للطاعنة "البائعة" إلا بعد التوقيع على العقد النهائى طبقاً لنصوص عقد البيع لا يؤثر على صحة العرض والإيداع و يبرىء ذمتها من باقى الثمن وإذ كان الحكم المطعون فيه قد إنتهى بحق إلى أن الشرط الصريح الفاسخ لم يتحقق لعدم تمام الإعذار فإن أمر الفسخ فى هذه الحالة يكون خاضعاً لتقدير محكمة الموضوع يشترط للقضاء به أن يظل المدين متخلفاً عن الوفاء حتى صدور الحكم فى الدعوى و متى كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب فسخ عقد البيع على أن المطعون ضدهما قاما بالوفاء بباقى الثمن فى الوقت المناسب إذ عرضاه على الطاعنة عرضاً حقيقياً وأودعاه وذلك قبل الجلسة الأولى المحددة لنظر دعوى الفسخ فإن الحكم لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .

(الطعن رقم 544 لسنة 48 جلسة 1979/01/25 س 30 ع 1 ص 385 ق 75)

34- إذ كان الثابت من مذكرة الطاعن المقدمة لمحكمة أول درجة أن مما تمسك به من أوجه دفاع فى الدعوى الفرعية التي أقامتها عليه المطعون عليها الأولى بطلب فسخ عقد البيع - الذي طلب القضاء بصحته ونفاذه فى الدعوى الأصلية - أن البائعة لم تشترط فى ملحق العقد الذي اتفق فيه على الشرط الصريح الفاسخ أن يكون الوفاء بباقي الثمن فى موطنه لتطالبه به فى موعد استحقاقه أوأن تعذره بالوفاء به وإذ خلت الأوراق مما يفيد أنها انتقلت إليه فى موطنه لتطالبه بدفع باقي الثمن أوأنذرته بدفعه وأنه امتنع رغم ذلك عن الوفاء به فإن الشرط الصريح الفاسخ لايكون قد تحقق، وإذ كانت محكمة الاستئناف قد رأت إلغاء الحكم الابتدائي الذي قضى برفع دعوى الفسخ لمصلحة الطاعن فإنه كان لزاماً عليها أن تفصل فى دفاعه المشار إليه والذي لم يتعرض الحكم الابتدائي لبحثه اكتفاء بما قبله من أوجه دفاع أخرى ما دام لم يثبت نزول الطاعن عنه صراحة أو ضمناً ولا يبين ذلك من مدونات الحكم المطعون فيه، وهي إذ لم تفعل رغم كونه دفاعاً جوهرياً قد يتغير بتحقيقه وجه الرأي فى الحكم فى الدعوى فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.

(الطعن رقم 154 لسنة 48 جلسة 1978/12/21 س 29 ع 2 ص 1998 ق 388)

35- إذا تضمن العقد شرطاً صريحاً فاسخاً فإنه يلزم حتى ينفسخ العقد بقوته أن يثبت قيامه و عدم العدول عن أعماله و تحقق الشرط الموجب لسريانه فإن كان وقوع الفسخ مرتبطاً بالتأخير فى سداد قسط من الثمن فى الموعد المحدد له و تبين أن البائع قد أسقط حقه فى إستعمال الشرط الصريح الفاسخ المقرر لصالحه عند التأخر فى سداد أقساط الثمن فى مواعيدها بقبول السداد بعد تلك المواعيد منبئاً بذلك عن تنازله عن أعمال الشرط الصريح الفاسخ فلا يكون له عند تأخير السداد فى المستقبل إلا المطالبة بالفسخ القضائي .

(الطعن رقم 478 لسنة 47 جلسة 1978/04/19 س 29 ع 1 ص 1028 ق 203)

36- إذ كان الطاعنان لم يقدما ما يدل على تمسكهما أمام محكمة الموضوع بإنقضاء عقد الوعد بالإيجار بالتقايل عنه أثر تنازل بات من المطعون عليه الأول الموعود له - عن التمسك به ، وكل ما ساقه الطاعن الأول على ما جاء بأسباب الحكم الإبتدائى والحكم المطعون فيه أنه عرض الشقق الأربعة على المطعون عليه الأول شفاهة لاستئجارها فلم يقبل بينما نفى المطعون عليه الأول هذا الأدعاء وإذ كان لا يكفى لإعتبار الدفاع متضمناً هذا النعى مجرد الإشارة فيه إلى عدم قبول المطعون عليه الأول إستئجار تلك الشقق بل يجب أن يبديه فى صيغة صريحه جازمة تدل على تمسك صاحبة بأن عقد الوعد بالإيجار قد أنقضى بما لايجوز معه للمطعون عليه الأول التمسك به بعد ذلك ، إقامة دعواه تأسيساً عليه ، فإنه لا تثريب على الحكم المطعون فيه أن هو لم يعتبر دفاع الطاعن الأول متضمناً إنقضاء الوعد وبالتالى لم يرد عليه ، وطالما إنه لم يتمسك به أمام محكمة الموضوع فإنه لا يقبل منه التحدى به لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 565 لسنة 43 جلسة 1977/03/30 س 28 ع 1 ص 865 ق 151)

37- متى كان المطعون عليهم قد أقاموا دعواهم الفرعية أمام محكمة الدرجة الأولى بطلب فسخ البيع مع التعويض ، وكانت المادة 2/235 من قانون المرافعات  المادة 411 من قانون المرافعات السابق - قد أجازت للخصوم فى الإستئناف - مع بقاء الطلب الأصلى على حالة - تغيير سببه والإضافة إليه ، فإن إستناد المطعون عليهم أمام محكمة الإستئناف فى طلب الحكم بالفسخ والتعويض إلى تحقيق الشرط الصريح الفاسخ الوارد بالعقد ، يعتبر سبباً جديداً وليس طلباً جديداً يتغير به موضوع الطلب الأصلى لبقاء هذا الطلب على حالة حسبما كان مطروحا أمام محكمة الدرجة الأولى .

(الطعن رقم 370 لسنة 41 جلسة 1976/02/26 س 27 ع 1 ص 515 ق 106)

38- إذ كان يبين مما أورده الحكم المطعون فيه - برفض دعوى البائع بطلب الفسخ - أنه قد إستخلص لأسباب سائغة أن الطاعن تنازل ضمناً عن طلب الفسخ بحصوله على حكم بباقى الثمن نفذ به على العين المبيعة بعد أن نفذ على الزراعة القائمة بها ، فإن مجادلة الطاعن فى ذلك لا تعدو أن تكون جدلاً موضوعياً فيما يستقل به قاضى الموضوع .

(الطعن رقم 286 لسنة 40 جلسة 1975/05/25 س 26 ع 1 ص 1072 ق 204)

39- إستنباط الأدلة من الوقائع الثابتة مما يدخل فى نطاق سلطة محكمة الموضوع التقديرية بلا معقب عليها من محكمة النقض ، متى كان إستخلاصها سائغاً وإذ كان سكوت المطعون ضدهم عن التمسك بفسخ العقد أمام اللجنة القضائية للإصلاح الزراعى لدى نظر طلب الإعتداد به وقبولهم إقرار الطاعن بتعهده بعدم التأخير فى سداد الثمن كله أوجزء منه وتمسكهم بمحتواه كلها أمورواقعية ليست لها دلالة قانونية معينة قبلهم فلا تصلح بذاتها لإثبات تنازلهم عن حقهم فى طلب فسخ العقد ، وكانت محكمة الموضوع قد خلصت إلى ما جاء فى الحكم المطعون فيه من أنه " ليس فى الأوراق ما يفيد أن المستأنفين - المطعون ضدهم - سبق أن تنازلوا عن حقهم فى طلب الفسخ " وهو إستخلاص سائغ و مقبول ، أخذت به وإطمأن وجدانها ، كما أنه كاف لحمل قضائها ، وفيه الرد الضمنى على كل ما أثاره الطاعن ، فإن النعى على الحكم بالقصور فى التسبيب يكون فى غير محله .

(الطعن رقم 76 لسنة 40 جلسة 1975/05/21 س 26 ع 1 ص 1040 ق 198)

40- متى كان المطعون عليه قد رفع دعواه طالباً فسخ عقد البيع المبرم بينه وبين الطاعنين وطلب هؤلاء الأخيرون فسخ هذا العقد ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بالفسخ تأسيساً على تلاقى إرادة المشترى والبائعين لا يكون قد خالف القانون أو أخطأ فى تطبيقه ، ولا ينال من ذلك أن كلا من البائعين والمشترى بنى طلب الفسخ على سبب مغاير للسبب الذى بناه الآخر إذ أن محل مناقشة ذلك وإعمال آثاره هو عند الفصل فى طلب التعويض .

(الطعن رقم 82 لسنة 39 جلسة 1974/11/21 س 25 ع 1 ص 1254 ق 213)

41- إذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بصورية التفاسخ - عن عقد البيع الأول- الذى تضمنه عقد الصلح - المبرم بين طرفى هذا العقد - بعد أن بحث أركان عقد البيع المذكور وشروطه و تحقق من صحته وتوافر أركانه ونفاذه بين عاقديه ، فإنه يكون بذلك قد قضى ضمنا بصحة ذلك العقد ، الذى رتب عليه القضاء بصحة عقد البيع الثانى ( الصادر من المشترية الأولى إلى المشترى الأخير ) .

(الطعن رقم 353 لسنة 36 جلسة 1971/03/18 س 22 ع 1 ص 347 ق 55)

42- لئن كان الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى تنبيه أو إنذار عند الإخلال بالإلتزامات الناشئة عنه من شأنه أن يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ ، إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شروط الفسخ الإتفاقى ووجوب إعماله ، ذلك أن للقاضى الرقابة التامة للتثبت من انطباق الشرط على عبارة العقد ، كما أن له عند التحقق من قيامه مراقبة الظروف الخارجيه التى تحول دون إعماله ، فإن تبين له أن الدائن قد أسقط خياره فى طلب الفسخ بقبوله الوفاء بطريقة تتعارض مع إرادة فاسخ العقد أوكان الدائن هوالذى تسبب بخطئه فى عدم تنفيذ المدين لإلتزامه ، أوكان امتناع المدين عن الوفاء مشروعاً بناء على الدفع بعدم التنفيذ فى حالة توافر شروطه ، تجاوز عن شرط الفسخ الإتفاقى ، فلا يبقى للدائن إلا التمسك بالفسخ القضائي طبقاً للمادة 157 من القانون المدنى.

(الطعن رقم 161 لسنة 36 جلسة 1970/11/26 س 21 ع 3 ص1181 ق 193)

43- لئن كان إستخلاص نية المتعاقدين على التفاسخ الضمنى و تحصيل فهم الواقع فى الدعوى هو مما تستقل به محكمة الموضوع إلا أنها متى قالت بهذا التفاسخ فإن عليها أن تورد من الوقائع و الظروف ما إعتبرته كاشفا عن إرادتى طرفى التعاقد و أن تبين كيف تلاقت هاتان الإرادتان على حل العقد و أن يكون ما تورده من ذلك من شأنه أن يؤدى عقلا إلى ما أنتهت إليه . فإذا كان ما إنتهى إليه الحكم المطعون فيه من إتجاه نية طرفى العقد إلى التفاسخ عنه يتنافى مع إصرار كل منهما على التمسك به فى الدعوى التى أقامها على الآخر و طالب فيها بالتعويض على أساس إخلال الطرف الآخر بالتزاماته الناشئة عن العقد و مع إستمرار كل منهما متمسكا بالعقد و بإخلال الطرف الآخر بالتزامأته الناشئة عنه طوال نظر الدعوى أمام درجتى التقاضى دون أن يدعى أيهما حصول التفاسخ عنه فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالفساد فى الإستدلال .

(الطعن رقم 472 لسنة 34 جلسة 1969/01/02 س 20 ع 1 ص 7 ق 2)

44- لا يشترط القانون ألفاظاً معينة للشرط الفاسخ الصريح وعلى ذلك فإن النص فى الإتفاق على ترتيب آثار الفسخ بغير حاجة إلى تنبيه أو إنذار بمجرد حصول المخالفة لشروط العقد يقوم مقام النص على الفسخ بلفظه. فإذا كانت محكمة الإستئناف قد استخلصت من عبارات العقد أن نية المتعاقدين اتجهت عند تحريره إلى اعتباره مفسوخاً من تلقاء نفسه عند إخلال الطاعنين (البائعين) بإلتزامهما وبنت هذا الإستخلاص على ما ورد فى العقد من عبارات فسرتها بأنها تفيد الإتفاق على أنه فى حالة تخلفهما عن الوفاء بإلتزامها يصبحان ملتزمين برد ما قبضاه من ثمن المبيع الذي تخلفا عن تسليمه وذلك بدون أي منازعة وبلا حاجة إلى تنبيه أوإنذار وهو أثر لا يترتب إلا على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه - وكان لا سبيل لمحكمة النقض على محكمة الموضوع فى هذا التفسير ما دامت عبارة العقد تحتمل المعنى الذي أخذت به فإن تكييف الشرط على مقتضى هذا التفسير بأنه شرط صريح فاسخ يسلب المحكمة كل سلطة فى تقدير كفاية أسباب الفسخ هذا التكييف لا مخالفه فيه للقانون.

(الطعن رقم 450 لسنة 30 جلسة 1965/10/28 س 16 ع 3 ص 943 ق 149)

45- إذا كانت الطاعنة قد نعت على الحكم المطعون فيه مخالفته مقتضى المادتين 157 و 158 من التقنين المدنى فيما توجبانه من إعذار المدين كشرط لاستحقاق التعويض . فإن نعيها يكون غير منتج ولا مصلحة لها فيه ما دام قد قضى لها بالتعويض فعلا واقتصر طعنها على طلب زيادة مبلغ التعويض المقضى به تبعا لتحديد التاريخ الذى يثبت فيه العجز عن توريد باقى القدر المبيع و يتعين فيه الشراء على حساب المطعون عليه .

(الطعن رقم 189 لسنة 25 جلسة 1959/10/22 س 10 ع 3 ص 590 ق 89)

46- المقرر فى قضاء محكمة النقض أنه ولئن كان مؤدى نص المادة 158 من القانون المدنى أن الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة الى حكم قضائى عند عدم الوفاء بالإلتزامات الناشئة عنه من شأنه أن يسلب القاضى كل سلطة تقديرية فى صدد الفسخ إلا أن ذلك منوط بتحقق المحكمة من توافر شرط الفسخ الاتفاقى ووجوب إعماله ، ذلك أن للقاضى الرقابة التامة للتثبت من انطباق الشرط على عبارة العقد، كما أن له عند التحقق من قيامه مراقبة الظروف الخارجية التى تحول دون إعماله .

(الطعن رقم 7255 لسنة 89 ق - جلسة 2021/1/16 )

 
شرح خبراء القانون

الفسخ الاتفاقي و حالته : 

العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه إلا بإتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون عملاً بالمادة 147 من القانون المدني ، ومن ثم يجوز لهما فسخ العقد في أي وقت بعد إبرامه ، سواء كانت قد رفعت دعوى بهذا الطلب أو لم تكن قد رفعت ، سواء ضمنياً شرطاً فاسخاً صريحاً أو لم يضمناه ذلك لأن تضمن العقد هذا الشرط لا يحول دون الالتجاء للقضاء لتقرير الفسخ ولو كان العقد قد تضمن أنه يعتبر مفسوخاً من تلقاء دون صدور حكم بذلك بحيث إذا تنازع المدين في تحقيق هذا الشرط ، وجب الالتجاء إلى القضاء وحينئذ يجوز أن تتلاقى إرادة الدائن والمدين علي الفسخ، فإن أحالوا في اتفاقهما على شرط العقد ، فإن الاتفاق هذة الحالة يكون مقرراً للفسخ إذا كان العقد متضمناً شرطاً فاسخاً صريحاً مستوفياً مقوماته بألا يتضمن الإتفاق تنازل الدائن عن الشرط الفاسخ الصريح ، أما إذا كان الاتفاق يكون منشأ للفسخ ، وبذلك تنتهي الدعوى ، كما ان المتعاقدين ولو لم ترفع دعوى بفسخ  العقد أو بتنفيذه، أن يتفقا صراحة أو ضمناً علي فسخ العقد .

ونتناول كل من هذه الحالات فيما يلي :

أولاً : الاتفاق علي الفسخ وقت تحرير العقد : 

في العقود الملزمة للجانبين ، يكون كل متعاقد ملتزماً بتنفيذ الالتزامات التي تضمنها العقد مقابل تنفيذ المتعاقد الآخر لإلتزاماته، ويعتبر كل عقد متضمناً اتفاقاً ضمنياً بأنه في حالة إخلال أي من المتعاقدين بالتزامه يكون للمتعاقد الأخر رفع دعوى بفسخ العقد ، وقد يثبت الطرفان هذا الإتفاق بالعقد بأن يفردوا بنداً بإعتبار العقد مفسوخاً في حالة إخلال أي منهما بالتزامه ، وبذلك يتضمن العقد شرطاً فاسخاً ضمنياً ، وهو ذات الشرط الذي افترضه المشرع في العقود الملزمة  للجانبين ، ويخضع لذات أحكامه ، فلا يقع الفسخ بقوة الشرط وإنما يتعين استصدار حكم به ، وتكون للقاضي سلطة تقديرية في اعمال الشرط أو عدم أعماله، وله منح المدين مهلة للوفاء وللآخر توقي الفسخ إلى ما قبل إقفال باب المرافعة ولو أمام الاستئناف . 

وقد يتفق علي وقوع الفسخ حتما دون حاجة إلى استصدار حكم بذلك ، فيتضمن العقد حينئذ شرطاً فاسخاً صريحاً ظهرت بموجبه الإرادة الصريحة للمتعاقدين بما لا لبس فيه ولا غموض، وعلى قدر صياغة الشرط يتحدد نطاقه، فإذا انحصرت صياغته في اعتبار العقد مفسوخاً أو لاغياً من تلقاء نفسه، دل علي توافر الشرط الفاسخ الصريح، وينحصر نطاقه في تحقق الفسخ من وقت صدور الحكم به إذ يكون الحكم منشئاً للفسخ لا مقرراً له ، بإعتبار أن شرط الفسخ لم يتضمن إعفاء من استصدار حكم ومن ثم لا يعتد بالفسخ إلا من وقت صدور الحكم النهائي بالفسخ ، كما تدل صيغة الشرط علي عدم الإعفاء من  الإعذار ، ومن ثم يتعين توافر الإعذار بحيث أن تخلف يتعين القضاء بعدم قبول الدعوى ، والإعذار مقرر لمصلحة المدين ومن ثم يجوز له التنازل عنه صراحة أو ضمناً وليس للمحكمة أن تقضي من تلقاء نفسها بعدم قبول الدعوى لعدم إعذار المدعى عليه، ويكفي لقبولها أن يكون الأخير قد أعلن بها ولم يحضر او كان قد حضر ولم يدفع قبول الدعوى لتخلف الإعذار - وذلك علي التفصيل الذي أوضحناه بالفسخ القضائي للبيع فيما تقدم - بإعتبار هذا الدفع ليس من الدفوع الموضوعية التي غنتها المادة 115 من قانون المرافعات وإنما من الدفوع الشكلية ، فان المدعي عليه إذا صدر الحكم ضده ، تعين عليه أن يتمسك بهذا الدفع في صحيفة الاستئناف وإلا سقط حقه فيه كما يسقط حقه فيه إذا تصدي للموضوع قبل إبداء الدفع وإذا قضت المحكمة الاستئنافية بإلغاء الحكم بعد القبول ، تعين عليها إعادة لمحكمة الدرجة الاولي للفصل في الموضوع ، وطالما وجب الإعذار فإن الفسخ يتحقق فور الإعذار فإذا تضمنت الصيغة إعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء دون حاجة الي إستصدار حكم ، فإن العقد يكون قد تضمن شرطاً فاسخاً صريحاً يترتب علي تحققة بإعتبار العقد مفسوخاً دون صدور حكم ، فإذا نازع المدين في ذلك ، تعين علي الدائن الالتجاء الي القضاء للفصل في منازعة المدين وذلك برفع دعوي الفسخ ، فإذا تبين للمحكمة توافر مقومات الشرط الفاسخ الصريح ، قضت بالفسخ ولا يكون لها سلطة تقديرية في هذا القضاء ولا يجوز لها منح المدين أجلاً للوفاء ، وعليها عدم الاعتداد بهذا الوفاء إذا كان قد تم بطريق العرض والإيداع ، إذ يسلبها الشرط الفاسخ الصريح السلطة التقديرية ولا يبقي امامها وإلا القضاء بالفسخ ، ويكون حكمها مقرراً للفسخ لا منشئاً له ، اذ يعتبر الفسخ أنه قد وقع منذ تاريخ الإخلال إذا اتفق الطرفان على عدم الحاجة لصدور حكم ، ويلزم في هذه الحالة الإعذار إذ لم يتضمن صياغة الشرط اعفاء منه ، والأصل في الإعذار أن يكون بورقة من اوراق المحضرين ، لكن يجوز أن يتم بطريق البريد إذا اتفق المتعاقدان علي ذلك خلافاً للقانون المدني القديم . 

وقد تتضمن الصياغة ، إعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي او إعذار ، وحينئذ يقع الفسخ فور تحقق الإخلال ، ويعتبر العقد كأن لم يكن ، دون حاجة لإعذار المدين او حتي صدور حكم بالفسخ لكن اذا نازع المدين وادعي عدم توافر مقومات الشرط الفاسخ الصريح ، تعين علي الدائن رفع دعوى الفسخ للفصل في أوجه دفاع المدين ، فإن تبين أن له الحق في حبس تنفيذ التزامه والدفع بعدم تنفيذه أو تبين ان الدائن قد تنازل عن الشرط الفاسخ لصريح ، قضي موقفاً سلبياً ويقضي بالفسخ إعمالاً لهذا الشرط، وإنما يجب عليه التحقق من أن الشرط قد استوفي مقومات أعماله ، وهذه تتطلب ألا يكون الدائن قد تنازل عنه إذ بهذا التنازل يسقط الشرط ولا يبقى الا الشرط الفاسخ الضمني ، كما تتطلب ألا يكون المدين محقاً في عدم تنفيذ إلتزامه كما لو كان له الحق في حبس تنفيذ التزامه والدفع بعدم تنفيذه ، أما إذا لم يثبت المدين هذه الأوجه فإن الشرط يكون قد استوفى مقومات أعماله ، فتقضي المحكمة بالفسخ ويكون حكمها مقرراً للفسخ وليس منشئاً له علي نحو ما تقدم . 

شروط إعمال الشرط الفاسخ الصريح :

1- يجب أن يتضمن العقد شرطا فاسخاً صريحاً، تظهر بموجبه إتجاه الإرادة الصريحة للمتعاقدين إلى فسخ العقد حتماً إذا توافر عدم التنفيذ الذي قصده ، ولا يلزم انصراف الصياغة إلى لفظ " الفسخ " وانما يكفي تعبير يدل عليه ، كإعتبار العقد لاغياً أو منقوصاً أو منحلاً أو غير ذلك من الألفاظ التي تدل على إرادة الفسخ الصريحة .

2- توافر مقومات إعمال الشرط، فلا يقف القاضي موقفاً سلبياً لمجرد وجود الشرط الفاسخ الصريح في العقد ليقضي بالفسخ تبعاً لذلك، وإنما يجب عليه التصدي لأوجه دفاع المدين متى كانت جوهرية ، فلا إعمال للشرط الفاسخ سواء كان صريحاً أو ضمنياً اذا كان الدائن قد تنازل عن الشرط الفاسخ الصريح ، إذ تكون إرادتة قد انصرفت إلى التمسك بتنفيذ العقد وليس الي فسخه وبالتالي يكون قد اسقط حقة في الشرط الفاسخ الصريح ، ولما كان الساقط لا يعود فيمتنع عليه العودة إلى التمسك بهذا الشرط بعد ان اصبح كأن لم يكن وحينئذ يعتبر العقد خلواً منة ، لأن الشرط المقرر لمصلحة الدائن وحدة ، يجوز لنفس الدائن التنازل عنه صراحة أو ضمنياً بإرادته المنفردة .

ويجب علي المحكمة عند استخلاصها الإرادة الضمنية للدائن أن تستند إلى أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي تقررها، إذ يتعين أن تتوافر وقائع مادية تشهد بجلاء علي توافر تلك الإرادة، فالإنذار الذي يوجهه الدائن إلى المدين يكلفه بموجبه بتنفيذ التزامه الذي أخل به ويحدد له إجلاء لذلك، لا يتضمن تنازلاً عن الشرط الفاسخ الصريح ، إذا تكون الإرادة الضمنية قد اتجهت الي رفع دعوي الفسخ إعمالاً لشرط العقد إذا لم يقم المدين بتنفيذ  التزامه خلال هذا الأجل حتى لو كان العقد قد تضمن إعفاء من الإعذار إذا قبل الدائن الوفاء بقسط من الثمن بعد موعده ، فإن الوقوف علي إرادته الضمنية وما انصرفت إليه في صدد هذا التصرف يتحدد وفقاً لما يقدم عليه بعده ، فإذا بادر برفع دعوى الفسخ ، دل ذلك علي أن قبوله للوفاء المتأخر لم يتضمن رغبته في تنفيذ العقد وإنما قبض القسط وطلب فسخ العقد إذ يكون قد تعذر عليه وقت قبول هذا الوفاء التحفظ بعد تنازل عن شرط العقد ، اما إذا كان قد طلب المدين ، بعد أن قبل الوفاء المتأخر بتنفيذ التزامه بالوفاء بالأقساط الباقية او انتظر حتي حلول أجل القسط التالي ، ولما لم يقم المدين بالوفاء به، ورفع دعوى الفسخ متمسكاً بالشرط الفاسخ الصريح، فإن إرادته الضمنية المستخلصة من قبوله الوفاء بالقسط السابق بعد موعده ثم الإنتظار حتى حلول أجل القسط اللاحق، تدل علي انصرافها الي التمسك بتنفيذ العقد وبالتالي إلي تنازله عن التمسك بالفسخ ، وهو ما يسقط حقه في الشرط الفاسخ الصريح، ومتي تمسك المدين بذلك ، تعين علي المحكمة التصدي لهذا الدفاع  الجوهري والرد عليه وإلا كان قضاؤها مشوباً بالقصور المبطل . 

 فإن كان الدائن لم يقبل قسطاً واحداً علي نحو ما سلف، وإنما قبل الباقي من الثمن بعد الأجل المحدد له فإن إرادته الضمنية تكون قد انصرفت إلي تنفيذ العقد ، إذ يكون المدين بذلك قد اكمل التزامه وقد قبله الدائن، إذ لو انصرفت إرادة الدائن إلى التمسك بالشرط الفاسخ الصريح ما كان انتظر حتى يقوم المدين بالوفاء ثم قبوله ، وإنما كان يبادر برفع دعوى الفسخ ورفض الوفاء . 

كما تنتقي مقومات الشرط الفاسخ الصريح ، إذا كان المدين علي حق في الامتناع عن تنفيذ التزامه، وذلك عندما تتوافر لديه شروط الدفع بعدم التنفيذ طبقاً للمادة 161 من القانون المدني ومن تطبيقات هذا الدفع في الحق في الحبس وهو ما يخول المدين أن يحبس إلتزامه فيمتنع عن تنفيذه بحيث إذا رجع الدائن قضائياً، سواء بالتنفيذ العيني أو بالفسخ، دفع المدين هذا الرجوع بالدفع بعدم التنفيذ ، وهو دفاع جوهري يتعين علي المحكمة الرد عليه وإلا كان قضاؤها مشوباً بالقصور. 

و متى توافرت شروط الدفع بعد التنفيذ ، كان المدين علي حق في عدم تنفيذ التزامه بما ينتفي معه إخلاله به وحينئذ لا تعتد المحكمة بالشرط الفاسخ الصريح وتقضي تبعاً لذلك برفض دعوى الفسخ . 

وتتوافر شررط الحق في الحبس والدفع بعد التنفيذ عندما يبدأ الدائن بالإخلال بالتزاماته التي تضمنها العقد، وهو ما يتوافر حق المدين في الامتناع عن تنفيذ التزاماته المستحقة للدائن بعد أن أخل الأخير بالتزاماته، مثال ذلك ، أن يلتزم البائع بتسليم العين المبيعة في شهر مايو، كما يلتزم المشتري بالوفاء بالثمن علي أقساط شهرية تبدأ من مارس، ثم ينقضي شهر مايو دون أن يقوم البائع بتسليم العين، فإنه يتعين لثبوت حق المشتري في حبس الأقساط والدفع بعدم تنفيذ التزامه، أن يكون قد قام بالوفاء بأقساط مارس وأبريل ومايو طالما لم يحدد يوم معين في مايو للتسليم فيمتد الإلتزام به إلى آخره، ثم يحبس الأقساط المستحقة اعتباراً من يونيو، اذ يكون البائع قد أخل بالتزامه بالتسليم المحدد له شهر مايو ، مما يمتنع معه علي البائع رفع دعوى بفسخ العقد استناداً إلى الشرط الفاسخ الصريح ، لأنة طالما كان المشتري علي حق في الامتناع عن تنفيذ إلتزامه، فلا إعمال للشرط الفاسخ الصريح ولو كان صريحاً . 

لكن إذا امتنع المشتري عن الوفاء بقسط أبريل، فيكون هو الذي بدأ بالإخلال بالتزامه مما يجوز معه البائع - الدائن - رفع دعوى الفسخ استناداً الي الشرط الفاسخ الصريح ، وحينئذ تلتزم المحكمة بالقضاء بالفسخ إذ لا يكون لها حينئذ أية سلطة تقديرية في تقرير الفسخ بعد ان توافرت مقومات الشرط الفاسخ الصريح ، فإن لم يرفع البائع دعوي الفسخ بعدم الوفاء بهذا القسط في موعده وإنما طالب المشتري به فوفاه، دل ذلك علي تنازل البائع عن الشرط الفاسخ الصريح وتمسكه بتنفيذ العقد، وإذا قام المشتري رغم الوفاء بقسط أبريل برفع دعوى ضد البائع بصحة ونفاذ العقد والتسليم، جاز للأخير التمسك بحقة في حبس التزامه المتعلق بالتسليم والدفع بعدم تنفيذه .

وإذا تنازل البائع عن الشرط الفاسخ الصريح في اية مرحلة من مراحل تنفيذ العقد ، ارتد هذا التنازل إلى وقت تحرير العقد دون اقتصارها علي المرحلة التي تحقق فيها التنازل وما يليها، إذ يترتب علي التنازل اعتبار العقد منذ إبرامه خلواً من الشرط الفاسخ الصريح ، ففي المثال المتقدم ، عندما تأخر المشتري في الوفاء بقسط أبريل دون أن يتمسك البائع بالفسخ ، مما توافر به التنازل عن الشرط وهو ما يحول دون البائع والعودة إلى التمسك بذات الشروط سواء في دعوى يرفعها بالفسخ أو بالتمسك به في الدعوى التي يرفعها المشتري بصحة ونفاذ العقد ، الذي تترتب أثره بإعتباره خلواً من الشرط الفاسخ الصريح بعد أن أسقط البائع حقه في الفسخ بقبول الوفاء اللاحق ، ويكون للمشتري الحق في حبس الوفاء بباقي الثمن والدفع بعد التنفيذ حتى يوفي البائع بالتزاماته ، ولا يحول دون المشتري وذلك أن يكون هو الذي بدأ بالإخلال بعدم الوفاء بقسط أبريل طالما استمر تنفيذ العقد بعد الوفاء بهذا القسط مما كان يتعين معه علي البائع تنفيذ إلتزامه بالتسليم بحيث إذا امتنع ، كان للمشتري في الحبس إلتزامه فلا يوفي بالأقساط التي تستحق بعد إخلال البائع بالتسليم، إذ لم يستند الحق في الحبس إلى القسط السابق علي ميعاد التسليم وإنما تعلق بالاقساط التالية لهذا الميعاد ، ولا يساغ القول حينئذ  بعدم أحقية المشتري في الحبس او الدفع بعد التنفيذ تأسيساً علي انة الذي بدأ في الاخلال بإلتزامه بعدم الوفاء بقسط ابريل ، ذلك لأن قبول البائع الوفاء بهذا القسط بعد موعده أزال أثر هذا الاخلال واعتبر بالتالي كأن لم يكن بإرادة الطرفين التي اتجهت الي تنفيذ العقد فتظل له قوتة وينتج كافة إثارة ، ويخضع للنصوص القانونية التي تنتظمة ومنها الحق في الحبس والدفع بعدم التنفيذ فيما يتعلق بأي اخلال يقع من أحد طرفية بعد ان تمسكاً بتنفيذه .

ولا تتوافر مقومات الشرط الفاسخ الصريح ايضاً ، اذا تعرض الدائن للمدين تعرضا يؤثر علي حقه الذي قررة العقد ، ففي البيع يتوافر التعرض كلما توافرت لدى المشتري الخشية من نزع المبيع من تحت يده، كما لو رتب البائع عليه رهناً قبل قيام المشتري بتسجيل عقدة إذ يكون للدائن المرتهن تتبع العقار حتى لو قام المشتري بتسجيل عقدة بعد شهر عقد الرهن، وأيضاً إذا تصرف البائع في العين مرة أخرى ، وحينئذ يجوز للمشتري حبس باقي الثمن حتى يزيل البائع هذا التعرض مما يحول دون البائع ورفع دعوى بفسخ عقد البيع استناداً لتحقق الشرط الفاسخ الصريح، وإذا رفع المشتري الدعوى بصحة ونفاذ العقد ، تعين عليه إيداع باقي الثمن خزانة المحكمة دون عرضه علي البائع إيداعاً مشروطاً بألا يصرف إلا بعد إزالة التعرض ، ولا يجوز للبائع التمسك في هذه الدعوى بالشرط الفاسخ الصريح. 

وإذا قام البائع بتسليم العين بغير التشطيبات المتفق عليها في العقد توافر بذلك إخلاله بالتزامه ما يجوز معها للمشتري حبس باقي الثمن والدفع بعدم التنفيذ ، ومتى تمسك المشتري بذلك في دعوى الفسخ التي يقيمها البائع ، وجب علي المحكمة الرد علي هذا الدفاع الجوهري ، ولها في سبيل ذلك ندب خبير إن لم يكن المشتري بادر فور تسلم العين برفع دعوى إثبات حالة وقدم فيها تقرير خبير فتأمر المحكمة بضمها .

وأيضاً لا تتوافر مقومات الشرط الفاسخ الصريح اذا لم يلتزم المدين بموجب شروط العقد بالوفاء بموطن الدائن وحينئذ يجب أن يسعى الدائن إلى مواطن المدين لقبض الدين ، فإن لم يفعل ، فإن التأخير في الوفاء يكون راجعاً إليه طالما لم ينذر المدين ويحدد له ميعاداً للتوجه إليه بموطنه لقبض الدين، ومن ثم لا يجوز له رفع دعوى بفسخ العقد استناداً للشرط الفاسخ الصريح . 

ولما كان الحق في الحبس والدفع بعد التنفيذ غير متعلقين بالنظام العام ومن ثم تتصدى المحكمة لأي منهما من تلقاء نفسها وإنما بناء علي التمسك المدين بهما . 

التعسف في التمسك بالشرط الفاسخ الصريح : 

إذا اتفق المتعاقدان علي الشرط الفاسخ الصريح ، تحقق موجبه ، جاز التمسك بهذا الشرط ولا يكون للمحكمة سلطة تقديرية في شأن إجابة المدعي لهذا الطلب إذ يستند المدعي في ذلك إلى حق قرره له القانون والعقد، ولما كانت الحقوق ليست مطلقة في استعمالها وإنما مقيدة بوجوب ان يكون استعمالها مشروعاً إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بحيث لا تتناسب البتة مع ما يصيب المدعي علية من ضرر بسببها، وحينئذ يتعين الالتفات عن الشرط الفاسخ الصريح ولا يكون أمام المدعي إلا الشرط الفاسخ الضمني برحابه، مثال ذلك يقسط ثمن المبيع علي عشرين سنة علي أقساط شهرية، ويتضمن العقد الشرط الفاسخ الصريح ، ويستمر المشتري ملتزما بالوفاء بتلك الأقساط ، ثم يتخلف عن الوفاء ببعض الأقساط في احدي السنوات الأخيرة ، فيتمسك البائع بالشرط الفاسخ الصريح ، فتكون المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية ولا تتناسب البتة مع ما يصيب المشتري من ضرر لحرمانه من ملكه الذي بأوية وأسرته، وهو يجعل البائع متعسفاً في إستعمال حقه لا يبقى له إلا الشرط الفاسخ الضمني الذي يجيز للمشتري توقي الفسخ بالوفاء بالأقساط المتأخرة في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو أمام محكمة الاستئناف . 

الآثار المترتبة علي الشرط الفاسخ الصريح : 

متي توافرت شروط أعمال الشرط الفاسخ الصريح ، فإن المحكمة لا تلتزم بأعماله إلا تسمك الدائن بذلك ، لأنه مقرر لمصلحته ، ومن ثم يجوز له أن يتنازل عنه صراحة أو ضمناً .

فإن تمسك الدائن بالشرط الفاسخ الصريح ، سواء بطريق الدعوى أو الدفع فلا سبيل للقاضي إلا التحقق من توافر شروط إعمال هذا الشرط، فإن تبين له توافرها ، سلبه ذلك كل سلطة تقديرية في صدد الفسخ وإلتزم بالحكم بفسخ العقد، فليس له أن يمنح المدين أجلاً للوفاء أو أن يمتنع عن الحكم بالفسخ أو يعتد بوفاء بطريق العرض والإيداع بعد ان تحقق الشرط الفاسخ الصريح ، لأنه بتحقق هذا الشرط ينزل الحكم منزلة إرادة الطرفين التي تلاقت علي الفسخ فور توافر الإخلال بتنفيذ العقد، فالقاضي بمحكمة يقرر ذلك وليس له مخالفة تلك الإرادة ، فيكون حكمة مقرراً للفسخ ومظهراً له وليس منشئاً فتنحل الرابطة العقدية ليس من تاريخ صدور الحكم وإنما من تاريخ الإخلال الذي بزغ معه الشرط الفاسخ الصريح ، فإن كان المشتري الذي أخل بإلتزامه قد سجل عقده، فإن العقد يعتبر كأن لم يكن من تاريخ بزوغ الشرط بحيث إذا قام البائع بالتصرف في العين مرة أخرى، فإنه يكون قد تصرف فيما يملك بشرط أن يصدر الحكم بالفسخ ، وان كان المشتري الأول قد تسلم العين جاز له حبسها حتى يسترد ما كان قد دفعه من ثمن حتى لو ألزمه حكم الفسخ بالرد ، فإن كان البائع قد ضمن العقد شرطاً جزائياً، فلا تقضي المحكمة به بعد فسخ العقد بإعتباره إلتزاماً تابعاً يزول بزوال العقد، ويكون الرجوع بالتعويض في حالة الفسخ وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية بعد أن زال العقد، فيقدر علي اساس الضرر المتوقع وغير المتوقع وينقضي الحق فية بالتقادم الثلاثي من يوم تحقق الشرط الفاسخ الصريح وليس من تاريخ الحكم النهائي ويتحمل البائع اثبات الضرر الذي ترتب علي اخلال المشتري بإلتزامه. 

التمسك بالشرط الفاسخ الصريح بالدعوى أو الدفع : 

للدائن التمسك بالشرط الفاسخ الصريح، أما بالدعوى التي يقيمها بفسخ العقد، وإما بطريق الدفع في الدعوى التي يقيمها المدين بصحة ونفاذ العقد ، ولا حاجة بالدائن في الدعوى الأخيرة، وهو فيها مدعي عليه - ان يتمسك بالشرط الفاسخ الصريح بطريق الطلب العارض أي بدعوى فرعية إذ بتوافر مقومات الشرط الفاسخ الصريح يصبح العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة لرفع دعوي ومن ثم لا يوجد عقد حتي تقادم دعوى فرعية بفسخه وانما يكفي ان يتمسك الدائن بالشرط بموجب دفع . 

فإذا ما تمسك الدائن بالشرط بموجب طلب عارض ، فإن هذا الطلب يكون في حقيقته دفعاً موضوعياً يخضع لقواعد هذا الدفع ، وبالتالي يكون مقبولاً إن لم تسدد الرسوم القضائية عنه، ويجوز إبداؤه في أية حالة تكون عليها الدعوى ولو لأول مرة أمام محكمة الاستئناف أن تكيفه علي أساس إنه دفع موضوعي وليس طلبا عارضاً ثم تتصدى له فإن اعتبرته طلباً جديداً، كان قضاؤها مشوباً بمخالفة القانون. 

اقتران الشرط الفاسخ الصريح بالشرط الجزائي : 

إن كان القاضي لا تكون له أية سلطة تقديرية امام الشرط الفاسخ الصريح ، فإن تلك السلطة تتوافر له أمام الشرط الجزائي ، فيكون له الحق في الأخذ به أو تخفيضه أو طرحة وفقاً لما إذا كان هناك ضرر ومداه أو تخلفه . 

فإذا اقترن الشرط الفاسخ الصريح بالشرط الجزائي ، وتحقق موجب إعمال الشرط الفاسخ الصريح، وهو ما يؤدي إلى فسخ العقد حتماً، فإن القاضي يقضي بهذا الفسخ ويقف عند هذا الحد، دون أن يتصدى للشرط الجزائي بإعتبار أن الشرط الأخير إلتزاماً تابعاً، يبقى ببقاء العقد ويزول بإنحلاله، ولكن يجوز مع التمسك بالشرط الفاسخ الصريح ، طلب التعويض وفقاً للقواعد العامة في المسئولية التقصيرية ، ومثل الشرط المقترن ، الإتفاق علي اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة لاتخاذ أية إجراءات مع إلتزام المتسبب في دفع مبلغ معين كتعويض اتفاقي . 

الإتفاق علي الفسخ بعد تحرير العقد : 

العقد شريعة المتعاقدين ، فيجوز لهما نقضه في أي وقت، متى تلاقت إرادتهما علي ذلك ، اذ لا يجوز نقضه أو تعديله بإرادة أحدهما المنفردة وإلا جاز للمتعاقد الآخرة إجباره علي تنفيذ عيناً إن كان ممكناً ، وإلا كان تنفيذه بطريق التعويض.

وقد يكون الإتفاق علي الفسخ صريحاً بموجب ملحق للعقد يتضح منه بجلاء انصراف إرادة الطرفين إلى فسخه ، وقد يكون الإتفاق ضمنياً يستخلص من وقائع لا شبهة فيها تدل علي توافر تلك الإرادة ، فقد تنقضي مدة علي الأجل المحدد لتنفيذ العقد دون لجوء أي من المتعاقدين إلى طلب تنفيذه , مما يدل علي أنهما تفاسخا أو تقايلا ، فينفسخ عليهما بتلك الإرادة الضمنية ويرتد هذا الأثر إلى وقت إبرامه، وهو ما يحول دون احدهما وطلب تنفيذها عينآ أو فسخه مع التعويض لعدم ورود الفسخ علي عقد قد انفسخ من قبل ، وبهذا الانفساخ تنتفي مسئولية كل منهما لانتفاء الخطأ في جانب أي منهما . 

فان لم يكن الإتفاق علي الفسخ ضمنياً، وإنما كان صريحاً تضمنه ملحق للعقد ، اعتبر هذا الملحق جزءاً متمماً للعقد، فإن تضمن شرطاً فاسخاً صريحاً، وجب الإلتزام به إذا تحققت المخالفة التي تبرر الفسخ ، بشرط أن يكون الملحق صحيحاً ، فإن كان باطلاً أو قابلاً للإبطال وقضي بذلك، اعتبر كأن لم يكن ، وبالتالي يخضع المتعاقدان للعقد الأصلي فقط دون ملحقة ، فإن لم يكن العقد متضمناً شرطاً فاسخاً صريحاً ، فلا يجوز التمسك إلا بالشرط الفاسخ الضمني الذي يكون متوافراً في العقود الملزمة للمتعاقدين دون حاجة للنص عليه.

التنازل عن حكم الفسخ : 

قد يتمسك الدائن بالشرط الفاسخ الصريح او الضمني ، ويترتب علي ذلك صدور حكم بالفسخ ، مقرراً له في حالة الشرط الفاسخ الصريح او منشئاً له في حالة الشرط الفاسخ الضمني ، الا ان الدائن لا يقم بتنفيذه بل يطالب المدين بالوفاء بالتزامه ، وحينئذ يكون الدائن قد تنازل عن حكم الفسخ ، كما يستخلص هذا التنازل من كل تصرف يدل علي عدم رغبة الدائن في تنفيذه الحكم ، ويكفي أن يقع هذا التصرف مرة كل تصرف يدل علي عدم رغبة الدائن في تنفيذه الحكم ، ويكفي أن يقع هذا التصرف مرة واحدة ، فالمؤجر الذي استصدر حكماً بفسخ عقد الإيجار ثم قبل الأجرة عن مدة لاحقة لهذا الحكم ، يكون قد تنازل عن الفسخ حتى لو رفض تسلم ما استحق من الأجرة بعد هذا الوفاء، أما قبول مقابل الإنتفاع - ربع - عن المدة اللاحقة لصدور الحكم فهذا ليس أجرة ولا يدل علي التنازل عن حكم الفسخ ، وكذلك الحال بالنسبة لقبول أجرة عن مدة سابقة علي صدور الحكم لإستحقاق الدائن لها حتى بعد تنفيذ الحكم بإعتبارها ديناً يلتزم المدين بالوفاء به . 

ويترتب علي هذا التنازل ، استمرار العقد بذات شروطه ، ويعتبر الحكم كأن لم يكن فلا يحق للدائن العودة إلى تنفيذه وإنما لة استصدار حكم جديد اذا ما عاد المدين إلى الإخلال بالتزاماته . 

وليس الدائن ملزما بتنفيذ الحكم في أجل معين ، إذ له الحق في هذا التنفيذ إلى أن يسقط الحق بالتقادم، ولذلك فلا يستدل علي التنازل الضمني للفسخ من مجرد تأخر الدائن في التنفيذ طالما لم يصدر منه تصرف يدل علي ذلك ، ويستقل قاضى الموضوع باستخلاص التنازل. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء الثالث الصفحة/   178  )

المقصود بالفسخ الاتفاقي: 

الفسخ الإتفاقي، هو اتفاق المتعاقدين على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه وبغير حاجة إلى الإلتجاء للقاضي عند إخلال أحد المتعاقدين بإلتزامه، وعلى ذلك فإن الفسخ الإتفاقي يقع بمجرد إعلان الدائن رغبته في ذلك دون حاجة إلى رفع دعوى بالفسخ.

وإذا نازع المدين في تحقق الشرط، فإن الدائن يكون مضطراً إلى رفع دعوى لاستصدار حكم بالفسخ فإذا صدر حكم بالفسخ كان الحكم مقرراً له لا منشئاً، لأن الفسخ قد وقع فعلاً بمجرد إعلان الدائن رغبته في ذلك .

وهذا الفسخ الإتفاقي، يطلق عليه البعض أيضاً تسميه الفسخ القانوني، باعتبار أنه يقع بقوة القانون ومن غير تدخل القضاء وحتى لا يختلط بالتفاسخ أو التقايل.

ويطلق عليه أيضاً الإتفاق على الشرط الفاسخ الصريح .

ويلجأ المتعاقدان إلى الفسخ الإتفاقي رغبة منهما في تجنب رقابة القضاء وما تقتضيه هذه من إعذار ورفع دعوى، فيتفقان سواء في العقد أو في اتفاق لاحق أو أثناء إجراءات التقاضي عندما يعلن المدعى عليه في دعوى الفسخ طالب الفسخ بقبوله له - على أن يقع الفسخ عند إخلال أحدهما بتنفيذ إلتزامه، فيحل الإتفاق محل الحكم ويكون له أثره وإن اختلف عنه من حيث أن الحكم بالفسخ ينشىء الفسخ في حين أن الفسخ بالإتفاق يقرر الفسخ ولا ينشئه.

وجوب توافر الشروط اللازمة للفسخ طبقا للمادة 157 مدنی:

يذهب الفقه إلى أنه يشترط لقيام حق الدائن في الفسخ الشروط اللازم توافرها في قيام الحق في الفسخ بصفة عامة، وهي أن يكون العقد من العقود الملزمة للجانبين وأن يقع إخلال من المدين في تنفيذ التزامه مع ملاحظة أن يكون من الالتزامات التي تعلق بها الاتفاق على الفسخ، وأن يكون المتعاقد الآخر الذي يطلب الفسخ قد نفذ التزامه أو مستعداً لتنفيذه، وأن يكون قادراً على إعادة الحال إلى ما كانت عليه.

تدرج المتعاقدين في اشتراط الفسخ :  

شرح الفسخ لا يمكن أن يكون واحداً في أثره، لأنه ما دام مرجع الفسخ في هذه الحالة هي إرادة المتعاقدين، فإرادتهما هي التي تحدد ما إذا كان الطرفان قد استبقيا القضاء سلطته أم ضيقاً منها أم استبعداها كلياً ، وما إذا كان الإعذار لازماً أم لا، وإذا فالمناط في ذلك كله بصيغة شرط الفسخ التي اتفقا عليها.

وهذه الصيغة لا تخرج- كما أظهر العمل - عن واحدة من أربع هي :

الصيغة الأولى :

أن يتفق المتعاقدان على أن يكون العقد مفسوخاً إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزامه.

وهذه أضعف الصيغ التي يتفق عليها في هذا الشأن.

والشرط هنا ليس إلا ترديداً للقاعدة العامة في الفسخ، ولذلك فإنه يؤخذ على أن المتعاقدين أرادا به تقرير القاعدة العامة، أي ترديد الشرط الضمني بالفسخ في كل عقد ملزم للجانبين وبالترتيب على ذلك، فالشرط المذكور لا يغني عن الإعذار، ولا عن رفع الدعوى للحصول على حكم بالفسخ، ولا يسلب القاضي سلطته التقديرية في الفسخ، ولا يحرم المدين من حقه في توقى الفسخ بتنفيذ التزامه قبل صدور الحكم النهائي بالفسخ ولا يمنع الدائن أيضاً من التنفيذ بدلاً من طلب الفسخ.

الصيغة الثانية :

أن يتفق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم.

ولكن هذا الشرط لا يعفى الدائن من الإعذار، إذ الإعذار واجب الإعمال الشرط فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه بعد هذا الإعذار انفسخ العقد من تلقاء نفسه فالإعفاء من الإعذار في النسخ الإتفاقي يجب الاتفاق عليه صراحة.

الصيغة الثالثة

أن يتفق المتعاقدان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار.

وهذه الصيغة تحقق أقصى ما يصل إليه اشتراط الفسخ من قوة فيترتب عليه إذا تخلف المدين عن أداء التزامه، أن يكون العقد مفسوخاً بمجرد حلول ميعاد التنفيذ دون القيام به.

عدم اشتراط ألفاظ معينة للشرط الفاسخ الصريح :

لا يشترط القانون إستعمال ألفاظ معينة في الاتفاق على الشرط الفاسخ الصريح الذي يسلب المحكمة كل سلطة في تقدير أسباب الفسخ فلا يشترط مثلا أن ترد صيغة الفسخ الاتفاقي في إحدى الصيغ التي أوردناها بالبند السابق وبنفس العبارات التي استعملناها، فالمتعاقدان يستعملان من العبارات ما يجرى عليه قولهما والقاضي هو الذي يكيف الإتفاق بإدخاله في نوع من هذه الأنواع .

اللجوء إلى القضاء إذا نازع الدين في تحقق الشرط.

إذا نازع المدين الدائن في تحقق الشرط الفاسخ الصريح مدعيا أنه قام بالوفاء، فلا ص من لجوء الدائن إلى القضاء بطلب الحكم بفسخ العقد إذ يتعين لإعمال شرط أن يتمسك به صاحب الشأن فلا يجوز للمحكمة إعماله أو إعمال آثاره من تلقاء نفسها.

يجوز التمسك بفسخ العقد طبقا للشرط الفاسخ الصريح في صورة دفع للدعوى المرفوعة على المدعى عليه وعدم الرد على الدفع بسقوط الحق في التمسك بالشرط الفاسخ الصريح يعد قصوراً في التسبيب يعيب الحكم.

إقامة الدعوى بفسخ البيع والتعويض، ثم الاستناد في الاستئناف إلى تحقيق الشرط الصريح الفاسخ لا يعد طلباً جديداً .

ليس للقاضی سلطة تقديرية في الفسخ ؛

الشرط الفاسخ الصريح يسلب القاضى كل سلطة تقديرية في صدد الفسخ فطالما تحقق من توافر شروط الفسخ، تعين عليه القضاء بالفسخ لأن العقد قد انفسخ فعلاً بمجرد تحقق الشرط، ولا يمكن أن يعود بعد انفساخه.

ومن ثم لا يجوز للقاضي إمهال المدين لتنفيذ إلتزامه، بل لو قام المدين بالوفاء بالتزامه فعلاً، فلا يحول دون القضاء بالفسخ.

لا يحول الفسخ الاتفاقي دون طلب الدائن التنفيذ:

الاتفاق على الفسخ الاتفاقي، وأياً كان المدى الذي يصل إليه المتعاقدان فی اشتراط وقوع الفسخ من تلقاء نفسه عند عدم التنفيذ، لا يسلب الدائن الخيار بين طلب تنفيذ وطلب الفسخ فالشرط مهما بلغ من قوة لا يسلب الدائن حقه في طلب التنفيذ، وإلا أصبح تحت رحمة المدين، فإن شاء هذا امتنع عن التنفيذ وجعل العقد مفسوخاً لفسخ مقرر لمصلحة الدائن، ولذلك فهو لا يقع من تلقاء نفسه إلا إذا أراد الدائن ذلك ولا يقبل من المدين التمسك بالفسخ إذا كان الدائن لم يتمسك به.

قصر الفسخ الإتفاقي على بعض الإلتزامات لا يجعله يمتد إلى غيرها

إثبات الإتفاق على الفسخ الاتفاقي :

يقع عبء إثبات الاتفاق على الفسخ الإتفاقي على عاتق المتمسك به.

ومن ثم يلتزم من يتمسك بالفسخ الإتفاقي أن يقدم العقد الذي يتضمن الشرط الفاسخ الصريح .

التعسف في طلب الفسخ الإتفاقي

التنازل عن الشرط الفاسخ الصريح

الإتفاق على الشرط الفاسخ الصريح لا يتعلق بالنظام العام ومن ثم يجوز للدائن التنازل عنه وهذا التنازل كما يكون صريحاً، يصح أن يكون ضمنياً، والتنازل الضمني يستخلصه القاضي من وقائع الدعوى دون تعقيب عليه في ذلك من محكمة النقض، طالما جاء قضاؤه مبنياً على أسباب سائغة وكل ما يفرضه القانون على قاضي الموضوع في هذا الخصوص هو ألا يقول بالنزول الضمني إلا إذا ثبت له وجده على نحو يقيني قاطع، وأنه عند الشك يتحتم عليه القضاء بعدم وجوده، وذلك عمالاً للقاعدة الأساسية التي تقضي بأن النزول عن الحق لا يفترض ولا يتوسع في تفسير ما يؤدي إليه، فلا يثبت التنازل الضمني بطريق الإستنتاج إلا من أفعال لا يشك في أنه قصد بها التنازل عنه.

فإذا اتفق على الشرط الفاسخ الصريح في العقد عند التأخير في سداد باقى الثمن في تاريخ معين، ثم قبل الدائن الوفاء بعد انقضاء هذا التاريخ، أو بطريقة تتعارض مع إرادة فسخ العقد منبئاً بذلك عن تنازله عن إعمال الشرط الصريح فإنه يكون متنازلاً عن الشرط.

ويعتبر قبول الدائن الوفاء ذو تحفظ قبل صدور الحكم بالفسخ أو بعد صدوره تنازلا عن النسخ الإتفاق .

إنما لا تعتبر المطالبة بأجرة العين دالة على التنازل عن الفسخ، إذ لا تعارض بين التمسك بحق الفسخ والمطالبة بالأجرة التي يترتب الفسخ على التأخر في دفعها.

وعدم تمسك المؤجر بإعتبار العقد مفسوخاً طبقاً للشرط الصريح الفاسخ في سنة معينة لا يمنع من التمسك به في سنة تالية .

وإذا اتفق على الشرط الفاسخ على أن يوجه الدائن إنذاراً للمدين، فوجه الدائن هذا الإنذار ولكن المدين لم يوف بالدين فإن هذا الإعذار لا يسقط حق الدائن في الفسخ .

ومجرد السكوت عن إستعمال الحق في الفسخ فترة من الزمن لا يعتبر نزولاً عن الحق.

أثر التنازل عن الشرط الفاسخ الصريح :

النزول عن الشرط الفاسخ الصريح يحرم الدائن من الإفادة من أثره، ولا يتبقى للدائن سوى الفسخ القضائي.

ويكون للقاضي سلطة تقديرية في الفسخ، ويستطيع المدين توقى الفسخ بالوفاء بإلتزامه حتى صدور حكم نهائي بالفسخ، ويكون للقاضي أن يمنح المدين نظرة الميسرة بالتفصيل الذي ذكرناه سلفاً .

الطرد عند عدم الوفاء بالأجرة إعمالا للشرط الفاسخ الصريح :

يختص القضاء المستعجل عند توافر الإستعجال وعدم المساس بأصل الحق بالحكم بطرد المستأجر من العين المؤجرة الخاضعة لأحكام القانون المدني للتأخير في دفع الأجرة عند وجود شرط صريح فاسخ في العقد، ينص على فسخه عند التأخير في دفع الأجرة، بمجرد قیام مخالفة التقصير في الوفاء أمامه، واستيفاء الشروط والإجراءات التي يكون قد اتفق على تعليق حصول الفسخ عليها والسبب في اختصاص القضاء المستعجل في هذه الحالة هو أن المستأجر بقبوله الشرط الصريح الفاسخ مقدماً يعتبر موافقاً ضمناً على تغيير صفة وضع يده على العين عند تحقق الشرط من يد مستأجر إلى يد غاصب يدخل في ولاية القضاء المستعجل الحكم بطرده، ويتوافر الاستعجال في هذه الحالة من الضرر الذي يلحق بحقوق المؤجر فيما يستجد من الأجرة إذا ظل المستأجر واضعاً اليد على العين بلا سبب أو صفة قانونية بعد حصول الفسخ بقوة القانون .

الطرد عند عدم الوفاء بالأجرة إعمالاً للشرط الفاسخ الصريح في العقود الخاضعة لقوانين إيجار الأماكن :

يثبت الإختصاص للقضاء المستعجل بطرد المستأجر من العين المؤجرة الخاضعة لقوانين إيجار الأماكن عند تحقق الشرط الفاسخ الصريح إعمالاً للقاعدة التي ذكرناها في البند السابق ولا يقدح في ذلك ما نصت عليه المادة (15) من القانون رقم 121 لسنة 1947، والمادة (40) من القانون 52 لسنة 1969 من اختصاص المحكمة الابتدائية بالمنازعات الناشئة عن تطبيق هذين القانونين، ذلك أن اختصاص محكمة ما بنظر نزاع معين لا ينفي اختصاص القضاء المستعجل بنظر الشق المستعجل له النزاع إذا ما توافر شرطاً اختصاصه .

إلا أن هذه القاعدة لا تسرى على إطلاقها بالنسبة للأماكن الخاضعة لقوانين إيجار الأماكن إذ يمتنع إعمال أحكام الفسخ الاتفاقي كلها أو بعضها متي اصطدمت بنص آمر، فالنص في عقد الإيجار على الشرط الصريح الفاسخ جزاء التخلف عن سداد الأجرة مع الإعفاء من الإعذار لا يعفى المؤجر من واجب التكليف بالوفاء قبل رفت دعوى الإخلاء، ولا يحرم المستأجر من توقى الفسخ بالقيام بسداد الأجرة إلى ما قبل صدور الحكم النهائي . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/665)

متى يكون الإتفاق على الفسخ – التدرج في هذا الإتفاق : قد يتفق المتعاقدان على فسخ العقد عند إخلال أحد المتعاقدين بإلتزامه فإذا تم هذا الإتفاق بعد أن يخل المتعاقد بالتزامه فعلاً – ويقع ذلك غالباً في ثنايا إجراءات التقاضي بأن يرفع الدائن دعوى الفسخ فيعلنه المدين بقبول الفسخ قبل صدور حكم في الدعوى - كان هذا بمثابة تقابل ذي أثر رجعي  ويحل الإتفاق في هذه الحالة محل الحكم وله أثره ، ما لم يكن هناك تواطؤ بين المتعاقدين للإضرار بحقوق الغير .

ولكن الغالب في العمل أن المتعاقدين يتفقان على الفسخ مقدماً وقت صدور العقد .

وقد أظهر العمل أن المتعاقدين يتدرجان في اشتراط الفسخ وقت صدور العقد فأدنى مراتب هذا الشرط هو الاتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً إذا لم يقم أحد المتعاقدين بتنفيذ التزاماته ، وقد يزيدان في قوة هذا الشرط بأن يتفقا على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بل قد يتدرجان في القوة إلى حد الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم ثم قد يصلان إلى الذروة فيتفقان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم ثم قد يصلان إلى الذروة فيتفقان على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار أو دون حاجة إلى إنذار .

ونبحث الآن في حكم كل شرط من هذه الشروط ، مستهدين في ذلك بما جرى عليه القضاء في عهد القانون القديم ، إذ لم يغير القانون الجديد من ذلك شيئاً كما قدمنا . 

الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً : حكم هذا الشرط يتوقف على نية المتعاقدين فقد يكونا أرادا به تحتيم الفسخ إذا أخل المدين بالتزامه، فيتحتم على القاضي في هذه الحالة أن يحكم بالفسخ ولكن هذا لا يغني عن رفع الدعوى بالفسخ ولا عن الإعذار .

إلا أنه من الصعب استخلاص نية كهذه من مجرد ورود شرط على هذا النحو والغالب أن المتعاقدين لا يريدان بمثل هذا الشرط إلا أن يقررا في ألفاظ  صريحة القاعدة العامة المتعلقة بالفسخ لعدم التنفيذ وعلى ذلك لا يغني الشرط عن الإعذار ، ولا عن الإلتجاء للقضاء للحصول على حكم بالفسخ ، ولا يسلب القاضي سلطته التقديرية ، فلا يتحتم عليه الحكم بالفسخ ، وله أن يعطي للمدين مهلة لتنفيذ التزامه إذا وجد من الظروف ما يبرر ذلك بل هو لا يسلب المدين حقه من توقى الفسخ بدفع الثمن إلى أن يصدر الحكم النهائي بالفسخ وهذا هو ما قررته محكمة النقض في أحكامها الأخيرة فقد قضت بان شرط الفسخ لا يعتبر صريحاً في معنى المادة 334 من القانون المدني ( القديم ) إلا إذا كان يفيد انفساخ عقد البيع من تلقاء نفسه أما إذا تعهد المشتري بأداء باقي ثمن المبيع في ميعاد عينه ، فإن لم يؤده في هذا الميعاد كان للبائع الحق في فسخ البيع ولو كان قد سجل ، فهذا ليس إلا ترديداً للشرط الفاسخ الضمني المنصوص عليه في المادة 332 من القانون المدني ( القديم ).

الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخا من تلقاء نفسه ويفسر هذا الشرط في أغلب الأحوال على أنه يسلب القاضي سلطته التقديرية ، فلا يستطيع إعطاء مهلة للمدين لتنفيذ التزامه ، ولا يملك إلا الحكم بلا فسخ فيصبح الحكم بالفسخ محتماً كالحكم بالإبطال ولكن الشرط لا يغني عن إعذار المدين ، ولا عن رفع الدعوى بالفسخ ويكون الحكم منشئاً للفسخ لا مقرراً له ، كما هو الأمر في القاعدة العامة للفسخ .

ولا تعارض في هذه الحالة بين إعذار الدائن المدين وتكليفه بالتنفيذ ، وبين المطالبة بفسخ العقد بعد ذلك . فإن الإعذار لا يعتبر تنازلاً عن المطالبة بفسخ العقد ، بل هو شرط واجب لرفع دعوى الفسخ وهذا هو ما قررته محكمة النقض ، إذ قضت بأن المادة 334 من القانون المدني ( القديم ) تقتضي أنه إذا اشترط فسخ البيع من تلقاء نفسه عند عدم دفع الثمن ، كان على القاضي إيقاع الفسخ على المشتري إذا لم يدفع الثمن بعد إعذاره بإنذار ، ما لم يعف البائع بمقتضى العقد من هذا الإعذار ومفهوم هذا بلا شبهة أن البائع يجب عليه إذا اختار الفسخ أن يعذر المشتري بإنذاره أي يكلفه الوفاء ، فإذا لم يدفع كان البائع في حل من أعمال خياره في الفسخ، وإذن فباطل زعم المشتري أن الإنذار الموجه إليه من البائع بوفاء التزاماته في مدى أسبوع وإلا عد العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه يجب اعتباره تنازلا من البائع عن خيار الفسخ ، فإن ذلك الإنذار واجب قانوناً لإستعمال الشرط الفاسخ الصريح .

الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم : وهذا الشرط معناه أن فسخ العقد يقع من تلقاء نفسه إذا أخل المدين بالتزامه فلا حاجة لرفع دعوى بالفسخ ولا لحكم ينشيء فسخ العقد .

وإنما ترفع الدعوى إذا نازع المدين في أعمال الشرط وادعى أنه قام بتنفيذ التزامه فيقتصر القاضي في هذه الحالة على التحقق من أن المدين لم ينفذ التزامه فإذا تحقق من ذلك حكم بالفسخ ، ولكن حكمه يكون مقرراً للفسخ لا منشئاً له .

ولا يعفى الشرط من إعذار المدين فإذا أراد الدائن إعمال الشرط ، وجب عليه تكليف المدين بالوفاء فإذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه بعد هذا الإعذار ، انفسخ العقد من تلقاء نفسه على النحو الذي بيناه فيما تقدم .

على أنه لا شيء يمنع الدائن من مطالبة المدين بتنفيذ العقد بدلاً من فسخه ، فإن الفسخ لا يقع من تلقاء نفسه إلا إذا أراد الدائن ذلك ، ويبقى هذا بالخيار بين الفسخ والتنفيذ .

وتطبيقاً لما تقدم قضت محكمة مصر الكلية الوطنية بأن الإتفاق في عقد الإيجار على أن يفسخ تأخر المستأجر في دفع الأجرة ليس تعليقاً للعقد على شرط فاسخ بكل معناه ، فإن النتيجة اللازمة لهذا التعليق هي أن يقع الفسخ بقوة القانون بمجرد التأخر في سداد الأجرة بغير خيار للدائن ، وقد يرغب الإستمرار في تنفيذ العقد عيناً رغم التأخر في السداد ، وبذلك يكون فسخ العقد خاضعاً لمطل المستأجر ورغبته إنما هو اتفاق مقصود به تحسين مركز المؤجر وتقوية ضمانه قبل المستأجر فالفسخ هو حق له ، يجوز أن يتمسك به أو يتنازل عنه وبذلك لا يقع الفسخ إلا إذا اختاره بالتنبيه على المستأجر بذلك ، إلا إذا اتفق على إعفائه من هذا التنبيه بنص صريح في العقد وهذه الفكرة هي رجوع عن قاعدة الفسخ القضائي ، وهي قاعدة القانون الفرنسي المعروفة ، إلى قاعدة التشريع الألماني الذي يعلق فسخ العقد لا على قضاء القاضي ، بل على خيار الدائن وإعلان هذا الخيار للمدين.

الإتفاق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم أو إنذار : وهذا هو أقصى ما يصل إليه اشتراط الفسخ من قوة وفي هذه الحالة يكون العقد مفسوخاً بمجرد حلول ميعاد التنفيذ وعدم قيام المدين به دون حاجة إلى إعذار المدين ، ولا إلى حكم بالفسخ إلا ليقرر أعمال الشرط على النحو الذي بيناه فيما تقدم ، ويكون الحكم إذن مقرراً للفسخ لا منشئاً له وهذا هو الحكم أيضاً فيما إذا اتفق على أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إنذار والإتفاق على الإعفاء من شرط الإعذار يجب أن يكون صريحاً ، كما يقضي نص المادة 158 ، فلا يجوز أن يستخلص ضمناً من عبارات العقد لما ينطوي عليه من خطورة بالنسبة إلى المدين . 

ويلاحظ هنا أيضاً أن الشرط لا يمنع الدائن من طلب تنفيذ العقد دون فسخه ، وإلا كان تحت رحمة المدين ، إذا شاء هذا جعل العقد مفسوخاً بامتناعه عن تنفيذ التزامه ويترتب على ذلك أن العقد لا يعتبر مفسوخاً إلا إذا أظهر الدائن رغبته في ذلك ، ولا يقبل من المدين التمسك بالفسخ إذا كان الدائن لم يتمسك به .

ومن ثم نرى أن هذا الشرط هو وسط بين الفسخ القضائي والإنفساخ بحكم القانون فهو أعلى من الفسخ القضائي – وكذلك أعلى من اشتراط أن يكون العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه – في أن الحكم بالفسخ فيه ، إذا قامت حاجة لصدوره ، يكون مقرراً للفسخ لا منشئاً له وهو أدنى من الانفساخ بحكم القانون في أن العقد لا ينفسخ فيه إلا إذا أظهر الدائن رغبته في ذلك . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/983)

 

وبناءً على ذلك ينفسخ العقد دون قضاء القاضى ودون حاجة إلى إعذار أو إذا كان منصوصا فيه على أنه بمجرد تأخير أحد العاقدين في الوفاء بالتزاماته ينفسخ العقد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إعذار ولا حكم قضائى .

ويلزم في الشرط الفاسخ الصريح الذي يسلب المحكمة كل سلطة تقدير في الحكم بالفسخ أن يكون صريحاً قاطعاً في الدلالة على وقوع الفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه بمجرد حصول المخالفة الموجبة له وأن لا يكون الدائن قد نزل عن حقه في التمسك به، ولا يكفي أن ينص في العقد على أن يصبح لاغياً إذا لم يف المدين بالتزاماته في الأجل المعين لذلك ، اذ أن هذا النص لا يعدو أن يكون ترديداً للشرط الفاسخ الضمني المقرر بحكم القانون في العقود الملزمة للجانبين .

 كما لا يكفي أن ينص في العقد على أنه ينفسخ من تلقاء نفسه ، لأن ذلك لا يغني عن حكم القاضي ، وغاية الأمر أنه يسلب القاضي سلطة التقدير فيما يتعلق بإجابة طلب الفسخ أو رفضه وسلطته في منح المدين أجلاً ونجل حكمه بالفسخ متعيناً .

ويكون الأمر كذلك أيضاً إذا نص في العقد على أنه ينفسخ من تلقاء نفسه دون إعذار ، مع فرق واحد بين الحالتين هو وجوب الإعذار في الأولى وعدم لزومه في الثانية.

ويخلص من ذلك أن اتفاق العاقدين على انفساخ العقد من تلقاء نفسه يتفاوت قوة وضعفاً ويكون له عدة صور :

1 - أضعفها أن يكتفي بالنص على أنه بمجرد التأخير في تنفيذ التزام معين ينفسخ العقد من تلقاء نفسه ، وهذا النص يترتب عليه جعل الفسخ متعيناً على المحكمة إذا طلبه الدائن ، فلا يكون لها سلطة التقدير ولا سلطة بمنح المدين أجلاً ، ولكن لا يقع الفسخ إلا بعد إعذار المدين أو بقضاء القاضي .

2- والثانية أن ينص في العقد على أن يستند اخه من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إعذار ، وهذه الحالة مثل السابقة مع فارق واحد هو أن الدائن يجوز له طلب الحكم بالفسخ دون حاجة به إلى أن يعذر المدين ولكن الفسخ لا يقع فيها إلا بقضاء القاضي .

3- وأقواها أن ينص في العقد على انفساخه من تلقاء نفسه بمجرد تأخير المدين في البناء بإلتزام معين دون حاجة إلى إعذار أو إلى حكم قضائي وفي هذه الحالة يعتبر العقد منفسخاً بمجرد انقضاء الأجل المعين الوفاء الإلتزام دون أن يتم الوفاء وبغير ما حاجة إلى رفع دعوى الفسخ، وقد يخفف هذا الإتفاق بأن ينص على انفساخ العقد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي ، فلا يعفي الدائن من إعذار المدين.

ويشترط في جميع الصور أن يوجد إتفاق علي إستبعاد سلطة المحكمة التقديرية في إيقاع الفسخ و أن تكون الواقعة التي يتفق الطرفان على أن يخول تحقيقها أحد الطرفين الحق في إيقاع الفسخ عدم تنفيذ التزام الطرف الآخر.

ولا يتنافى مع ذلك أن يبقي القاضي في بعض الأحوال سلطة الحكم بالفسخ الذي يترتب علي عدم تنفيذ الإلتزام ، ولا يشترط في ذلك استعمال ألفاظ معينة ولمحكمة الموضوع أن تستخلص هذا المعنى من العبارات المستعملة دون رقابة عليها من محكمة النقض ما دام استخلاصها استخلاصاً موضوعياً سائغاً تحتمله عبارات العقد وتؤدي إليه .

وقد أبرزت محكمة النقض الفرق بين شرط الفني الصريح وشرط الفسخ الضمني حيث قالت أنهما يختلفان طبيعة وحكما فالشرط الفاسخ الضمني لا يستوجب الفسخ حتماً إذ هو خاضع لتقدير القاضي ، وللقاضي أن يمهل المدين حتى بعد رفع دعوى الفسخ عليه ، بل المدين نفسه له أن يتفادى الفسخ بعرض دینه کاملاً قبل أن يصدر ضده حكم نهائي بالفسخ ، أما الشرط الفاسخ الصريح فهو فيما تقضي به المادة 334 مدني ( قديم ) موجب للفسخ حتماً فلا يملك معه القاضي إسهال المشتري المتخلف عن أداء الثمن ، ولا يستطيع المشتري أن يتفادى الفسخ بأداء الثمن أو عرضه بعد اقامة دعوى الشيخ عليه متى كان قد سبقها التنبيه الرسمي إلى الوفاء ، بل قد يكون الشرط الفاسخ الصريح موجباً للفسخ بلا حاجة إلى تنبيه إذا كانت صيغته ضريبة في الدلالة على وقوع الفسخ عند تحققه بلا حاجة إلى تنبيه ولا إنذار .

وقد أبرزت محكمة النقض الفرق بين شرط الفسخ الصريح وشرط الفسخ الضمني حيث قالت أنهما يختلفان طبيعة وحكماً فالشرط الفاسخ الضمني ، لا يستوجب الفسخ حتماً إذ هو خاضع لتقدير القاضي ، وللقاضي أن يمهل المدين عني بعد رفع دعوى الفسخ عليه ، بل المدين نفسه له أن يتفادى الفسخ بعرض دینه کاملاً قبل أن يصدر ضده حكم نهائي بالفسخ ، أما الشرط الفاسخ المريح فهو فيما تقضي به المادة 334 مدنی ( قديم ) موجب الفسخ حتما فلا يملك معه القاضي أسهال المشتري المتخلف عن أداء الثمن ، ولا يستطيع المشتري أن يتفادي الفسخ بأداء الثمن أو عرضه بعد إقامة دعوى الفسخ عليه متى كان قد سبقها التنبيه الرسمي الى الوفاء ، بل قد يكون الشرط الفاسخ الصريح موجباً للفسخ بلا حاجة الى تنبيه إذا كانت صيغته صريحة في الدلالة على وقوع الفسخ عند تحققه بلا حاجة إلى تنبيه ولا إنذار . 

على أن شرط الفسخ الصريح لا يمنع المدين من المنازعة في تحقق المخالفة المستوجبة أعماله ، ولا يتمتع المحكمة من أن تمحص دفاع المدين التحقق مما إذا كانت المخالفة الموجبة للفسخ قد تحققت ، فتقضي بموجبها أم غير ذلك  ولا يمنع الدين من أن يتوقاه بالوفاء بالتزامه إلى ما قبل صدور الحكم النهائي ما لم تتبين المحكمة أنه مما يضار به الدائن.

وليس معنى هذا أن الفسخ يقع في هذه الحالة بقوة القانون وحده ، ولو كان الدائن غير راغب فيه ، ان المفروض أن اشتراط الفسيخ الصريح قد وضع لمصلحة الدائن ، فلا يجوز أن ينقلب ضده ، لذلك يتعين القول بحق الدائن في التمسك بالعقد وفي طلب التنفيذ الجبري بالرغم من تحقق شروط الفسخ الإتفاقي ، أي أن الدائن الخيار بين تمسكه بالفسخ التلقائي نتيجة لتحقق الشرط الفاسخ الصريح وبين التمسك بالعقد وطلب التنفيذ الجبري وهذا الخيار لا ينال من أثر الشرط الفاسخ الصريح في ترتيب الفسخ بقوة القانون عند حقق موجه.

وبالتالى يتعين القول بأن الفسخ لا يقع في هذه الحالة إلا إذا تمسك به الدائن وأعلن تمسكه به إلى المدين .

ولم يفرض القانون التهمته بالشرط الفاسخ الصريح دون إعذار أي شكل معين ، فيكون لمحكمة الموضوع سلطة استخلاصه من أي واقعة تفيده متى كان سائغاً.

 وإذا طلب الدائن الفسخ مع التعويض من أمام محكمة أول درجة فإن تمسكه بالشرط الفاسخ المصري أمام محكمة الاستئناف يعتبر سبباً جديداً وليس طلباً جديداً ، فيكون جائز طبقاً للمادة 235 مرافعات .

ويجوز الدائن أن ينزل من الشرط الفاسخ الصريح صراحة أو ضمناً (54 مكرر) ، ويعتبر استخلاص الحكم نزول الدائن عن التمسك بالشرط الفاسخ الصريح من مسائل الواقع، مما تستقل به محكمة الموضوع ، ولكن لا يكفي ثبوت عدم تمسك الدائن بتحقق الشرط الفاسخ الصريح لإعتباره متنازلاً عن هذا الشرط ولا يمنعه من التمس به بعد ذلك، وإذا أهمل الدائن إستعمال حقه في إعمال الشرط الفاسخ الصريح أكثر من مرة، جاز استنباط رضاه ضمناً بالنزول عنه، وإذا لم يمكن استنباط هذا الرضا ضمناً من ملك المؤجر فقد يؤخذ عليه أنه ترك المدين ( المستأجر ) يعتقد بحسن نية أنه غير متوسل بشرط الفسخ ، ويلزم جزاء ذلك بتعويض ما لحق المدين من أضرار بحسب هذا الإعتقاد.

ويعد تمسك المدين بنزول الدائن عن الشرط الفاسخ الصريح دفاعاً جوهرياً يعتبر إغفال الحكم بحثه والرد عليه قصوراً يبطله .

وينبني على ما تقدم أن الحكم الذي يصدره القاضي بالفسخ يكون مقرراً للفسخ في حالة وجود شرط فاسخ صریح  يترتب على وقوع الفسخ التلقائي بقوة القانون نتيجة لتحقق الشرط الفاسخ الصريح وتمسك الدائن بأعماله أن يعتبر العقد مفسوخاً من تاريخ حصول مخالفة المدين (60 مكرر) ، وبالتالي لا يستحق المؤجر من المتعة السابقة على الفسخ إلا الأجرة المتفق عليها ، أما عن المدة اللاحقة فيكون المستأجر واضعاً اليد على العين المؤجرة بغير سند ، ويعتبر غاصباً ، ومن ثم فأنه ما يلزم بتعويض الأضرار الناشئة من هذا الغصب ، ولا تتقيد المحكمة بالأجرة المتفق عليها عند قضائها بالريع لصاحب العين مقابل ما حرم من ثمار أما في غير حالات تطبيق أحكام الشرط الفاسخ الصريح فيكون حكم المتقاضي منشئاً الفسخ و بالتالي يكون طلب الفسخ عملاً قانونياً من جانب واحد يشترط فيمن يباشره توافر الأهلية أو الولاية اللازمة لمباشرة التصرفات الدائرة بين النفع والضرر وفي - كلتا الحالتين يكون للفسخ أثر رجعي ، يعني أنه يترتب عليه إعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل التعاقد  إلا ما استثنى من ذلك کفسخ عقد الإيجار .

وإذا صدر الحكم برفض طلب الفسخ - سواء بني هذا الطلب على أساس الشرط الفاسخ الضمني ، فإن الحكم الصادر برفض فسخ العقد لا يعد قضاء ضمنياً بصحة العقد ، ولا يحوز قوة الأمر المقضي إلا بالنسبة لسبب الفسخ الذي كان أساس الدعوى. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 655)

 

اختلاف الفسخ الإتفاقي عن الفسخ القضائي : الفسخ الإتفاقي هو اتفاق طرفي العقد على أن يكون لأحد الطرفين فسخ العقد بإرادته المنفردة بواسطة تعبير عن الإرادة يوجهه إلى الطرف الآخر ويتضح من ذلك أن الفسخ الاتفاقي علی خلاف الفسخ القضائي يقع بحكم الاتفاق بمجرد إعلان الدائن رغبته في ذلك دون حاجة الى رفع دعوى بالفسخ أو صدور حکم به وإذا اقتضت الضرورات العملية لجوء الدائن إلى القضاء لإستصدار حكم بالفسخ فإنه يكون حكماً مقرراً للفسخ الذي يكون قد وقع من قبل بإرادة الدائن بمجرد إعلان رغبته بذلك إلى المدين .

فيجب على المحكمة أن تفصح عما إذا كانت قد أسست قضاءها علي الفسخ القضائي أو الفسخ الإتفاقي .

و يتعين أن تكون دلالة العبارات واضحة على قصد المتعاقدين وقوع الفسخ بقوة الإتفاق دون حاجة إلى اللجوء إلى القضاء أو إستصدار حكم به وإن كان لا يلزم استخدام ألفاظ معينة ، ومن خلال هذه القاعدة ذهب الفقه الى تقسيم الاتفاق على الفسخ إلى اربعة درجات تبعاً لدلالة العبارات المستخدمة في التعبير عن اتفاق الطرفين في شأنه، فأولى هذه الدرجات أن يكتفي العاقدان بالنص على أنه عند وقوع المخالفة يعتبر العقد مفسوخاً ، وهو ما لا يعدو أن يكون ترديداً للشرط الفاسخ الضمني المفترض في كل العقود ومن ثم لا يغني عن الإعذار ولا عن رفع دعوى بطلب الفسخ، ولا عن صدور حكم بالفسخ ويكون الحكم في هذه الحالة منشئاً للفسخ ويكون القاضي کامل سلطته في صدد الفسخ القضائي والدرجة الثانية النص على أن يعتبر العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه وفي هذه الحالة لا يعفى الدائن من الإعذار ولا من اللجوء إلى القضاء و يتعين صدور حكم بالفسخ ويكون أثره منشئاً ولكن القاضي يفقد سلطته التقديرية ويلتزم بالحكم بالفسخ بمجرد التحقق من وقوع المخالفة ولا يملك المدين تفادي الحكم بالفسخ بالوفاء المتأخر ( قارن حجازی بند 600 والبدراوي بند 406 حيث يريان أن هذه العبارة كافية في الدلالة على قصد إيقاع الفسخ بحكم الإتفاق دون صدور حكم به من القاضي وإذا تدخل يكون حكمه مقرراً - وقارن حمدى عبد الرحمن ص 621 حيث يشترط لاعتبار الشرط صريحاً فاسخاً أن يتضمن النص على وقوعه بغير حاجة إلى إستصدار حكم ) والدرجة الثالثة أن ينص على إعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بغير حاجة إلى حكم وفي هذه الحالة يقع الفسخ فور إبداء الرغبة فيه ودون حاجة إلى رفع دعوى أو صدور حكم وان صدر يكون مقرراً ولكن مثل هذه العبارة لا تعفي الدائن من واجب الإعذار قبل التمسك بالفسخ ، أما الدرجة الرابعة فهي التي ينص فيها على اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه بغير حاجة إلى تنبيه أو إنذار أو إستصدار حكم ( يراجع في ذلك السنهوري بند 482 ص 485 - جمال زکی بند 318 - الشرقاوي في المصادر بند 89 - مصطفى الجارحي ص 113 - البدراوی بند 406 - مرقس بند 344 - حمدي عبد الرحمن ص 614 - الصدة بند 371 ).

وقد جرت أحكام النقض على أنها لا تستلزم استخدام عبارات معينة للدلالة على الشرط الصريح الفاسخ ، ولكن يبدو من أحكامها المتأخرة أنها تشترط لايقاع الفسخ بغير حكم أن تصرح عبارة الشرط بذلك ويمكن القول في ضوء ذلك أنه إذا نص في العقد على اعتباره مفسوخاً من تلقاء نفسه دون أن ينص على وقوع ذلك بغير حكم فإن هذا النص لا يعفى الدائن من اللجوء إلى القضاء بطلب الفسخ ويكون حكم القاضي به منشئاً له وليس كاشفاً عنه ، ولكنه لا تكون له سلطة تقديرية كشأنه عند إعمال المادة 157 وإنما يلتزم بالحكم به بمجرد التحقق من وقوع المخالفة أما إذا نص العقد على اعتباره منسوخاً من تلقاء نفسه دون حاجة إلى إستصدار حكم فإن العقد يعتبر مفسوخاً بمجرد وقوع المخالفة وإبداء الدائن رغبته في إيقاعه ويكون حكم القاضي به حكماً كاشفاً .

و يتعين لإعمال الشرط أن يتمسك به صاحب الشأن فلا يجوز للمحكمة إعماله أو إعمال آثاره من تلقاء نفسها.

 وعبء إثبات الإتفاق على الفسخ الاتفاقي يقع على عاتق المتمسك به.

وقصر الفسخ الإتفاق على بعض الإلتزامات لا يجعله يمتد إلى غيرها ولا يحرم الدائن من الحق في التمسك بالفسخ القضائي بالنسبة إلى غيرها كما يجوز الإتفاق على حرمان الطرفين أو أحدهما من التمسك بالفسخ  .

شروط قيام الحق بالفسخ : يشترط لقيام حق الدائن في الفسخ الشروط الثلاثة اللازم توافرها في قيام الحق في الفسخ بصفة عامة، وهي إن يكون العقد من العقود الملزمة للجانبين ، وأن يقع إخلال من المدين في تنفيذ إلتزامه مع ملاحظة أن يكون من الإلتزامات التي تعلق بها الإتفاق على الفسخ ، وألا يكون الدائن طالب الفسخ مقصراً في تنفيذ التزامه .

فيلزم أن يكون تخلف المدين عن تنفيذ الإلتزام بغير حق فإن كان بحق إستعمال حقه في الحبس أو الدفع بعدم التنفيذ أو كان الدائن هو المتسبب في عدم تنفيذ المدين لإلتزامه ، امتنع الفسخ.

ويلزم الإعذار قبل التمسك بالفسخ الاتفاقى ما لم يتفق على الإعفاء منه ويلزم الإعذار قبل التمسك بالفسخ الاتفاقى ما لم يتفق على الإعفاء منه .

ولا يجوز إعماله إذا ثبت تنازل الدائن عنه صراحة أو ضمناً ويلاحظ أنه وإن كان يجوز التنازل الضمني عن الشرط إلا أنه لا يجوز الإستناد في ذلك إلى مجرد الاستنتاج بل لا بد وان يقترن بأفعال وملابسات تكشف عن قصد التنازل ومن ثم يمتنع القول به كلما تحفظ الدائن وأفصح عن تمسكه بالشرط أو بإعمال أحكام العقد ، كما يلاحظ أن الشرط الصريح الفاسخ لا يستهلك بعدم الإستخدام فإذا كان التزام المدين الذي يواجهة الشرط ينفذ على عدة أداءات مستقلة كالأجرة أو أقساط الثمن فإن قبول الدائن الوفاء المتأخر لأجرة فترة معينة أو قسط من أقساط الثمن لا يفيد تنازله عن الشرط بالنسبة للاجرة المستحقة عن فترات لاحقة أو عن باقى الأقساط (حمدى عبد الرحمن ص 625، 626) ولكن إذا دأب الدائن على قبول الوفاء المتأخر فإن ذلك قد يستخلص منه التنازل عن الشرط بالنسبة إلى أجرة الفترات اللاحقة أو باقي أقساط الثمن  .

ولا ينفي عنه طبيعته أن يكون التمسك به جائزة للدائن وحده إذ يبقى له دائماً الخيار بين إعمال أثره وبين المطالبة بالتنفيذ العيني .

ولا يلزم أن ترفع به دعوى إذ هو ينتج أثره بمجرد تحقق شروطه وتمسك صاحب الشأن به أو بإعمال آثاره، والإتفاق على الفسخ الإتفاقي يكسب القاضي كل سلطة تقديرية ، إذ يجب عليه إعمال أثره متى تحقق من توافر موجباته، كما يحرم المدين من توقیاً لفسخ بالوفاء المتأخر، غير أن هذا الإتفاق لا يحرم المدين من المنازعة في تحقق الشرط كما لا يعفى القاضي من واجبه في التحقق من توافر موجب أعماله .

 ويمتنع إعمال أحكام الفسخ الاتفاقي كلها أو بعضها متى اصطدمت بنص آمر، فالنص في عقد الايجار الخاضع لقانون إيجار الأماكن على الشرط الصريح الفاسخ جزاء التخلف عن سداد الأجرة مع الإعفاء من الإعذار لا يعفى المؤجر من واجب التكليف بالوفاء قبل رفع دعوى الإخلاء، ولا يحرم المستأجر من توقى الفسخ بالقيام بسداد الأجرة إلى ما قبل صدور الحكم النهائي. 

التفاسخ أو التقايل : يقصد به اتفاق الطرفين بعد إبرام العقد وقبل انقضائها على إلغاء العقد ، وقد يتم هذا الإتفاق صراحة كما قد يتم ضمناً وهو ما يستخلصه قاضي الموضوع من ظروف الدعوى .

وللمشتري بعقد عرفي أن يتقابل عن البيع ولو كان قد باع المبيع الى آخر مادام هو لم يحل اليه حقوقه الناشئة عن عقد شرائه.

الأثر الرجعي للتفاسخ أو التقيل : يذهب الرأي السائد في هذا الصدد الى التفرقة بين العقود الفورية وبين عقود المدة سواء كانت في العقود المستمرة أو دورية التنفيذ ، فبالنسبة إلى أن الزمن عنصر في عقود المدة فإنه لا يكون للتفاسخ منها أثر رجعي ، أما التفاسخ أو التقايل من العقود الفورية فيكون له أثر رجعي بحيث يعتبر العقد الذي اتفق طرفاه على التفاسخ منه كأن لم يكن منذ نشأته بما يترتب على ذلك من الآثار التي سيأتي إيضاحها في التعليق على المادة 160 ، ولكن بالنظر إلى أن التفاسخ أو التقايل مرده الى إرادة العاقدين فإنه يجوز لهما أن يضمنا عقد التفاسخ أو الإتفاق على غير ذلك، وفي هذه الحالة يعمل باتفاق الطرفين وفي جميع الأحوال لا يجوز أن يخل الإتفاق على التفاسخ أو التقايل بحقوق الغير وهو من کسب حقاً عينياً على الشيء موضوع التعاقد قبل تسجيل عقد التفاسخ أو التقايل ( يراجع في تفصيل هذا الرأي الشرقاوي في المصادر بند 89 - عبد الفتاح عبد الباقي في نظرية العقد بند 336 - المستشار محمود المصري في الفسخ والإنفساخ والتفاسخ طبعة 1988 ص 43 - حمدي عبد الرحمن ص 592 ) ولكن جانباً آخر من الفقه يذهب إلى أن الأصل أن التفاسخ او التقايل لا يكون له أثر رجعي وإنما هو إبرام لعقد جديد ينتج آثاراً معاكسة لآثار العقد الأول فإن كان العقد الأول بيعاً فالتقايل منه يعني شراء البائع المبيع من المشتري ومن ثم فإن التفاسخ لا يعتبر نقضاً للعقد المتقابل منه ومن ثم لا تثور عند إبرامه مسألة الأثر الرجعي (يراجع في هذا الرأي حجازی بند 590 - مرقس في نظرية العقد - ص 632 وما بعدها - الصدة - في المصادر بند 364 - السنهوري بند 359 - سمير عبد السيد / تناغو في نظرية الإلتزام طبعة 1975 ص 169 و 170) وكنا قد ذهبنا في الطبعة السالفة إلى أن الأمل في التفاسخ أو التقايل الا يكون له أثر رجعي إلا إذا تضمن الإتفاق على ذلك ، ولكننا نرى الأخذ بالرأي الأول يعتبر تحليل أحكام محكمة النقض أنها تأخذ به . (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003  الصفحة/ 1091)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة /  288

أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ اللاَّزِمَةُ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهَا الإْفْسَادُ بَعْدَ نَفَاذِهَا. إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الإْقَالَةِ، وَفِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِفْسَادُهَا مَتَى شَاءَ، أَمَّا اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلاَ يَجُوزُ إِفْسَادُهَا مِمَّنْ هِيَ لاَزِمَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَجُوزُ لِلآْخَرِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.

إِقَالَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ: الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ إِذَا رَفَعَهُ مِنْ سُقُوطِهِ.

 وَمِنْهُ الإْقَالَةُ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ.

وَهِيَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: رَفْعُ الْعَقْدِ، وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبَيْعُ:

2 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْبَيْعِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الإْقَالَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا فَسْخٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بَيْعٌ، وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا. وَمِنْهَا أَنَّ الإْقَالَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهَا الإْيجَابُ بِلَفْظِ الاِسْتِقْبَالِ كَقَوْلِ أَحَدِهِمَا: أَقِلْنِي، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ إِلاَّ بِلَفْظِ الْمَاضِي، لأِنَّ لَفْظَةَ الاِسْتِقْبَالِ لِلْمُسَاوَمَةِ حَقِيقَةً، وَالْمُسَاوَمَةُ فِي الْبَيْعِ مُعْتَادَةٌ، فَكَانَتِ اللَّفْظَةُ مَحْمُولَةً عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَلَمْ تَقَعْ إِيجَابًا، بِخِلاَفِ الإْقَالَةِ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ فِيهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً، فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ فِيهَا عَلَى الإْيجَابِ.

ب - الْفَسْخُ:

3 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْفَسْخِ فِي أَنَّ الْفَسْخَ هُوَ رَفْعُ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَآثَارِهِ وَاعْتِبَارِهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الإْقَالَةُ فَقَدِ اعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ فَسْخًا، وَاعْتَبَرَهَا آخَرُونَ بَيْعًا.

 حُكْمُ الإْقَالَةِ التَّكْلِيفِيِّ:

4 - الإْقَالَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ بِحَسَبِ حَالَةِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهَا إِذَا نَدِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم  فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ». وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الإْقَالَةِ، وَعَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، لِوَعْدِ الْمُقِيلِينَ بِالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْمًا أَغْلَبِيًّا، وَإِلاَّ فَثَوَابُ الإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إِقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا...». وَتَكُونُ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ، لأِنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إِلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، لأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالإْقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارًّا لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ  بِالْيَسِيرِ هُنَا، لأِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إِنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.

رُكْنُ الإْقَالَةِ:

5 - رُكْنُ الإْقَالَةِ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالاَّنِ عَلَيْهَا. فَإِذَا وُجِدَ الإْيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، نَصًّا بِالْقَوْلِ أَوْ دَلاَلَةً بِالْفِعْلِ. وَيَأْتِي الْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بَعْدَ الإْيجَابِ، أَوْ تَقَدَّمَ السُّؤَالُ، أَوْ قَبَضَ الآْخَرُ مَا هُوَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الإْقَالَةِ أَوْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا، لأِنَّ مَجْلِسَ الْعِلْمِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ كَمَجْلِسِ اللَّفْظِ فِي الْحَاضِرِ، فَلاَ يَصِحُّ مِنَ الْحَاضِرِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهَا.

الأْلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الإْقَالَةُ:

6 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْقَالَةَ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً بِلَفْظِ الإْقَالَةِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، كَمَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي. وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالآْخَرُ مُسْتَقْبَلاً. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ وَالآْخَرُ مَاضٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَقِلْنِي: فَقَالَ، أَقَلْتُكَ، أَوْ قَالَ لَهُ: جِئْتُكَ لِتُقِيلَنِي، فَقَالَ: أَقَلْتُكَ، فَهِيَ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ.

وَمَعَ أَنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِ الإْقَالَةَ حُكْمَهُ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ لاَ تَجْرِي فِي الإْقَالَةِ، فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْعَقِدُ إِلاَّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي، لأِنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِيَتْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُ، وَالآْخَرُ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ هَوَيْتُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْتُ، كَمَا تَصِحُّ بِلَفْظِ «الْمُصَالَحَةِ» وَتَصِحُّ بِلَفْظِ «الْبَيْعِ» وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُعَاطَاةِ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، وَكُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ أَجْزَأَ. خِلاَفًا لِلْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لاَ يَصْلُحُ لِلْحَلِّ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لاَ يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ. وَتَنْعَقِدُ الإْقَالَةُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَقَلْتُكَ فَرَدَّ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَتَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشَارَةِ مِنَ الأْخْرَسِ. شُرُوطُ الإْقَالَةِ:

7 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ مَا يَلِي:

أ - رِضَى الْمُتَقَايِلَيْنِ: لأِنَّهَا رَفْعُ عَقْدٍ لاَزِمٍ، فَلاَ بُدَّ مِنْ رِضَى الطَّرَفَيْنِ.

ب - اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ: لأِنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ مَوْجُودٌ فِيهَا، فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْمَجْلِسُ، كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ.

ج - أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ قَابِلاً لِلنَّسْخِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ لاَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ فَلاَ تَصِحُّ الإْقَالَةُ.

د - بَقَاءُ الْمَحَلِّ وَقْتَ الإْقَالَةِ، فَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَقْتَ الإْقَالَةِ لَمْ تَصِحَّ، فَأَمَّا قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الإْقَالَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ.

هـ - تَقَابُضُ بَدَلَيِ الصَّرْفِ فِي إِقَالَةِ الصَّرْفِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا بَيْعٌ، لأِنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ إِنَّمَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ. و - أَلاَّ يَكُونَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ، فَإِنْ كَانَ لَمْ تَصِحَّ إِقَالَتُهُ.

حَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ:

8 - لِلْفُقَهَاءِ فِي تَكْيِيفِ الإْقَالَةِ اتِّجَاهَاتٌ:

الأْوَّلُ: أَنَّهَا فَسْخٌ يَنْحَلُّ بِهِ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي، أَيِ ارْفَعْهَا، وَالأْصْلُ أَنَّ مَعْنَى التَّصَرُّفِ شَرْعًا مَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً، وَرَفْعُ الْعَقْدِ فَسْخُهُ، وَلأِنَّ الْبَيْعَ وَالإْقَالَةَ اخْتَلَفَا اسْمًا، فَتَخَالَفَا حُكْمًا، فَإِذَا كَانَتْ رَفْعًا لاَ تَكُونُ بَيْعًا، لأِنَّ الْبَيْعَ إِثْبَاتٌ وَالرَّفْعُ نَفْيٌ، وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسْخًا مَحْضًا، فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَسْخًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالإْمَامِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ تَقَعَ الإْقَالَةُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَهُوَ أَخْذُ بَدَلٍ وَإِعْطَاءُ بَدَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي لاَ لِلأْلْفَاظِ وَالْمَبَانِي.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْفَسْخِ وَالإْزَالَةِ، فَلاَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ نَفْيًا لِلاِشْتِرَاكِ، وَالأْصْلُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، لأِنَّ فِيهَا نَقْلَ مِلْكٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ، فَجُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّهِ مِنَ الإْسْقَاطِ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ الْعَاقِدَانِ إِسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِمَا.

آثَارُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ:

يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ آثَارٌ فِي التَّطْبِيقِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا يَلِي: أَوَّلاً - الإْقَالَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ:

9 - إِذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ الأْوَّلَ، أَوْ سَمَّيَا زِيَادَةً عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، أَوْ سَمَّيَا جِنْسًا آخَرَ سِوَى الْجِنْسِ الأْوَّلِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، أَوْ أَجَّلاَ الثَّمَنَ الأْوَّلَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالأْجَلِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإْقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولاً أَمْ غَيْرَ مَنْقُولٍ، لأِنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَيَكُونُ فَسْخُهُ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ، وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ وَالأْجَلِ، وَتَبْقَى الإْقَالَةُ صَحِيحَةً، لأِنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الأْشْيَاءِ لاَ تُؤَثِّرُ فِي الإْقَالَةِ وَلأِنَّ الإْقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لاَ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ، حَيْثُ إِنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ.

وَتَكُونُ الإْقَالَةُ أَيْضًا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ الْمُسَمَّى، لاَ بِمَا يُدْفَعُ بَدَلاً عَنْهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ دَرَاهِمَ عِوَضًا عَنْهَا، ثُمَّ تَقَايَلاَ - وَقَدْ رُخِّصَتِ الدَّنَانِيرُ - رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ لاَ بِمَا دَفَعَ، لأِنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَتِ الإْقَالَةُ فَسْخًا، وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، كَانَ اشْتِرَاطُ خِلاَفِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ بَاطِلاً.

ثَانِيًا - الشُّفْعَةُ فِيمَا يُرَدُّ بِالإْقَالَةِ:

10 - يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَلاَّ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ إِذَا اعْتُبِرَتْ هَذِهِ الإْقَالَةُ فَسْخًا مُطْلَقًا، وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الإْقَالَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا. وَعَنْ زُفَرَ: هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً. أَمَّا سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، فَإِنَّهَا تُعْطِي الشَّفِيعَ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ.

فَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّهِمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ تَقَايُلِ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَمَنِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ، فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، أَوِ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ بُنِيَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالشَّفِيعُ غَيْرُهُمَا، فَتَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ تُعَدُّ الإْقَالَةُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَلِهَذَا الشَّفِيعِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ، إِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الأْوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ بِالإْقَالَةِ، أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ: مِنَ الْمُشْتَرِي لأِجْلِ الشِّرَاءِ، أَوْ مِنَ الْبَائِعِ لِشِرَائِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي بِالإْقَالَةِ، حَيْثُ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا مِنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، وَحَيْثُ تَكُونُ فَسْخَ بَيْعٍ فَتُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلاَ يَتِمُّ فَسْخُهُ إِلاَّ إِنْ رَضِيَ الشَّفِيعُ لأِنَّ الشِّرَاءَ لَهُ.

إِقَالَةُ الْوَكِيلِ:

11 - مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ الإْقَالَةَ، فَصَحَّتْ إِقَالَةُ الْمُوَكِّلِ بَيْعَ وَكِيلِهِ، وَتَصِحُّ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إِذَا تَمَّتْ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. فَإِنْ أَقَالَ بَعْدَ قَبْضِهِ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ، إِذْ تُعْتَبَرُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ شِرَاءً لِنَفْسِهِ. وَبِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيلَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي أَصْلاً. وَتَجُوزُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالإْبْرَاءِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. وَالْمُرَادُ بِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ السَّلَمِ، بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ.

وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لاَ تَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لاَ تَجُوزُ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا.

وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي حَقِّ كُلِّ آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالإْقَالَةِ عِنْدَهُمُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إِنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمْ بَيْعٌ.

هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَنْ لَهُ حَقُّ الإْقَالَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سِوَى الْوَرَثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ. أَمَّا حُكْمُ الإْقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَطَرَّقُوا لَهُ.

وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ إِقَالَتَهُ لاَ تَصِحُّ.

 مَحَلُّ الإْقَالَةِ:

12 - مَحَلُّ الإْقَالَةِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ مِمَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لاَ يُمْكِنُ فَسْخُهَا إِلاَّ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الإْقَالَةَ تَصِحُّ فِي الْعُقُودِ الآْتِيَةِ: الْبَيْعِ - الْمُضَارَبَةِ - الشَّرِكَةِ - الإْجَارَةِ - الرَّهْنِ (بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ) - السَّلَمِ - الصُّلْحِ. وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ فِيهَا الإْقَالَةُ فَهِيَ الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ، كَالإْعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجِعَالَةِ، أَوِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، مِثْلُ الْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ فَسْخُ أَحَدِهِمَا بِالْخِيَارِ.

أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الإْقَالَةِ:

13 - إِذَا اعْتَبَرْنَا الإْقَالَةَ فَسْخًا، فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ تَكُونُ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَغْوًا، وَتَصِحُّ الإْقَالَةُ. فَفِي الإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، إِذَا شَرَطَ أَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِمُتَعَذِّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَتُبْطِلُ الشَّرْطَ، لأِنَّهُ يُشْبِهُ الرِّبَا، وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ خَالٍ عَنِ الْعِوَضِ.

وَكَذَا إِذَا شَرَطَ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الأْقَلِّ، لأِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَالْفَسْخُ عَلَى الأْقَلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ، لأِنَّ فِيهِ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهُوَ مُحَالٌ. وَالنُّقْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَرَفْعُهُ يَكُونُ مُحَالاً، إِلاَّ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَتَجُوزُ الإْقَالَةُ بِالأْقَلِّ، لأِنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ مِنَ الْعَيْبِ.

وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرَوْنَ الإْقَالَةَ فَسْخًا، وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لأِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَإِذَا شَرَطَ الأْقَلَّ فَكَذَلِكَ .

الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ:

14 - الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ كَالإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّرْفِ.

فَلَوْ تَقَايَلاَ الصَّرْفَ، وَتَقَابَضَا قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ، مَضَتِ الإْقَالَةُ عَلَى الصِّحَّةِ. وَإِنِ افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ، سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ بَيْعًا أَمْ فَسْخًا.

فَعَلَى اعْتِبَارِهَا بَيْعًا كَانَتِ الْمُصَارَفَةُ مُبْتَدَأَةً، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ يَدًا بِيَدٍ، مَا دَامَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا مُسْتَقِلًّا يُحِلُّهَا مَا يُحِلُّ الْبُيُوعَ، وَيُحَرِّمُهَا مَا يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ، فَلاَ تَصْلُحُ الإْقَالَةُ إِذْ حَصَلَ الاِفْتِرَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

عَلَى اعْتِبَارِهَا فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ هُنَا ثَالِثٌ، فَيُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ. وَهَلاَكُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ لاَ يُعَدُّ مَانِعًا مِنَ الإْقَالَةِ، لأِنَّهُ فِي الصَّرْفِ لاَ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الإْقَالَةِ، بَلْ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ مِثْلِهِ، فَلَمْ تَتَعَلَّقِ الإْقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا، فَلاَ تَبْطُلُ بِهَلاَكِهِمَا.

إِقَالَةُ الإْقَالَةِ:

15 - إِقَالَةُ الإْقَالَةِ إِلْغَاءٌ لَهَا وَالْعَوْدَةُ إِلَى أَصْلِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَوْ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الإْقَالَةَ، ارْتَفَعَتِ الإْقَالَةُ وَعَادَ الْبَيْعُ. وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ إِقَالَةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ، لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَقَدْ سَقَطَ بِالإْقَالَةِ الأْولَى، فَلَوِ انْفَسَخَتْ لَعَادَ الْمُسْلَمُ فِيهِ الَّذِي سَقَطَ، وَالسَّاقِطُ لاَ يَعُودُ.

مَا يُبْطِلُ الإْقَالَةَ:

16 - مِنَ الأْحْوَالِ الَّتِي تَبْطُلُ فِيهَا الإْقَالَةُ بَعْدَ وُجُودِهَا مَا يَأْتِي:

 أ - هَلاَكُ الْمَبِيعِ: فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإْقَالَةِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ، لأِنَّ مِنْ شَرْطِهَا بَقَاءَ الْمَبِيعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَحَلُّهُ، بِخِلاَفِ هَلاَكِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْقَالَةَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، وَلِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلاَكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الثَّمَنِ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَهَلَكَ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ.

وَلَكِنْ لاَ يُرَدُّ عَلَى اشْتَرَطَ قِيَامَ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لأِنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَمْ هَالِكًا. لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى لاَ يَجُوزُ الاِسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

ب - تَغَيُّرُ الْمَبِيعِ: كَأَنْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الدَّابَّةُ بَعْدَ الإْقَالَةِ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَبْطُلُ الإْقَالَةُ بِتَغَيُّرِ ذَاتِ الْمَبِيعِ مَهْمَا كَانَ. كَتَغَيُّرِ الدَّابَّةِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، بِخِلاَفِ الْحَنَابِلَةِ.

اخْتِلاَفُ الْمُتَقَايِلَيْنِ:

17 - قَدْ يَقَعُ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُتَقَايِلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، أَوْ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ، أَوْ عَلَى الثَّمَنِ، أَوْ عَلَى الإْقَالَةِ مِنْ أَسَاسِهَا.

فَإِنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ تَحَالَفَا، فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنَ التَّحَالُفِ مَا لَوْ تَقَايَلاَ الْعَقْدَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلاَ تَحَالُفَ، بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لأِنَّهُ غَارِمٌ.

وَلَوِ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتُهُ مِنَ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ تَقَايَلْنَاهُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إِنْكَارِهِ الإْقَالَةَ.

فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الإْقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس  ، الصفحة /  185

 الْفسْخ:

4 - الْفسْخ لغةً: النّقْض، يقال فسخ الشّيْء يفْسخه فسْخًا فانْفسخ أيْ: نقضه فانْتقض، وتفاسخت الأْقاويل: تناقضتْ، ويطْلق اصْطلاحًا على حلّ ارْتباط الْعقْد والتّصرّف وقلْب كلّ واحدٍ من الْعوضيْن لصاحبه، وهو بهذا يكون فيه معْنى الإْلْغاء والإْبْطال وقدْ يعبّر الْفقهاء في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْلْغاء والإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ. غيْر أنّ الْفسْخ غالبًا ما يكون في الْعقود، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه: فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، غيْر أنّه يكون في الْعقود قبْل تمامها، وعنْد تمامها بشروطٍ مثْل خيار الشّرْط وخيار الرّؤْية وخيار الْعيْب والإْقالة

الْحكْم الإْجْماليّ:

5 - أجاز الْعلماء إلْغاء التّصرّفات والْعقود غيْر اللاّزمة منْ جانب الْعاقديْن، أمّا في الْعقود اللاّزمة منْ جانبٍ واحدٍ فإنّه يصحّ الإْلْغاء من الْجانب الآْخر غيْر الْملْتزم به كالْوصيّة.

وأمّا في الْعقود والتّصرّفات الْملْزمة فلا يرد عليْها الإْلْغاء بعْد نفاذها إلاّ برضا الْعاقديْن، كما في الإْقالة، أوْ بوجود سببٍ مانعٍ من اسْتمْرار الْعقْد كظهور الرّضاع بيْن الزّوْج والزّوْجة، وقدْ يكون هنا الإْلْغاء بمعْنى الْفسْخ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع   ، الصفحة /  24

انْفِسَاخٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الاِنْفِسَاخُ: مَصْدَرُ انْفَسَخَ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَسَخَ، وَمِنْ مَعْنَاهُ: النَّقْضُ وَالزَّوَالُ. يُقَالُ: فَسَخْتُ الشَّيْءَ فَانْفَسَخَ أَيْ: نَقَضْتُهُ فَانْتَقَضَ، وَفَسَخْتُ الْعَقْدَ أَيْ: رَفَعْتُهُ.

وَالاِنْفِسَاخُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ انْحِلاَلُ الْعَقْدِ إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِإِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا.

وَقَدْ يَكُونُ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُطَاوِعٌ لِلْفَسْخِ وَنَتِيجَةٌ لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْقَالَةُ:

2 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ، عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، وَفِي الشَّرْعِ: رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهَا فَسْخًا أَوْ عَقْدًا جَدِيدًا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقَالَةٌ).

ب - الاِنْتِهَاءُ:

3 - انْتِهَاءُ الشَّيْءِ: بُلُوغُهُ أَقْصَى مَدَاهُ، وَانْتَهَى الأْمْرُ: بَلَغَ النِّهَايَةَ. وَانْتِهَاءُ الْعَقْدِ: مَعْنَاهُ بُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، وَهَذَا يَكُونُ بِتَمَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالاِسْتِئْجَارِ لأِدَاءِ  عَمَلٍ فَأَتَمَّهُ الأْجِيرُ، أَوِ الْقَضَاءُ مُدَّةَ الْعَقْدِ كَاسْتِئْجَارِ مَسْكَنٍ أَوْ أَرْضٍ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَانْتِهَاءِ عَقْدِ الزَّوَاجِ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِنْفِسَاخِ وَالاِنْتِهَاءِ، أَنَّ الاِنْفِسَاخَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، وَيَكُونُ فِي عُقُودِ الْمُدَّةِ قَبْلَ نِهَايَتِهَا أَيْضًا، بِخِلاَفِ الاِنْتِهَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَعْمِلُ الاِنْفِسَاخَ مَكَانَ الاِنْتِهَاءِ وَبِالْعَكْسِ.

ج - الْبُطْلاَنُ:

4 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: فَسَادُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى: النَّقْضِ وَالسُّقُوطِ. وَالْبُطْلاَنُ يَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ إِذَا وُجِدَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَيُرَادِفُ الْفَسَادَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الْحَجِّ.

أَمَّا فِي الْعُقُودِ فَالْبَاطِلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لاَ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، بِأَنْ فَقَدَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِيَّةِ أَوِ الضَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

وَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الاِنْفِسَاخُ عَن الْبُطْلاَنِ، بِأَنَّ الاِنْفِسَاخَ يَرِدُ عَلَى الْمُعَامَلاَتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ، وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ قَبْلَ الاِنْفِسَاخِ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ شَرْعِيٍّ، بِخِلاَفِ الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ الْبَاطِلَ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ لاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، وَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ.

د - الْفَسَادُ:

5 - الْفَسَادُ نَقِيضُ الصَّلاَحِ، وَفَسَادُ الْعِبَادَةِ بُطْلاَنُهَا إِلاَّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَيُطْلَقُ الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عَلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَالْفَاسِدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الأْحْكَامِ، فَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُمْ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَفَادَ الْمِلْكَ، وَلَكِنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ، يَجِبُ فَسْخُ الْعَقْدِ مَا دَامَتِ الْعَيْنُ قَائِمَةً، لِحَقِّ الشَّارِعِ.

وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ، لَكِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، يَجِبُ شَرْعًا فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ.

هـ - الْفَسْخُ:

6 - الْفَسْخُ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا يَكُونُ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، فَهُوَ عَمَلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَالِبًا، أَوْ فِعْلُ الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ  كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ.

أَمَّا الاِنْفِسَاخُ: فَهُوَ انْحِلاَلُ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، أَوْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ غَيْرِ اخْتِيَارِيَّةٍ. فَإِذَا كَانَ الاِنْحِلاَلُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ كَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةَ السَّبَبِ بِالْمُسَبَّبِ، كَمَا إِذَا فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَقْدَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ مَثَلاً، فَالاِنْفِسَاخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَتِيجَةُ الْفَسْخِ الَّذِي مَارَسَهُ الْعَاقِدُ اخْتِيَارًا. يَقُولُ الْقَرَافِيُّ: الْفَسْخُ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَالاِنْفِسَاخُ انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَالأْوَّلُ  فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ  سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهَذَانِ فَرْعَانِ: فَالأْوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الأْسْبَابِ  وَالْمُسَبَّبَاتِ.

وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْثُورِ لِلزَّرْكَشِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدِ الْفَسْخَ بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لأِنَّ  الْفَسْخَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَذَلِكَ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا كَمَا هُوَ الْحَالُ غَالِبًا.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، بَلْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنْ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مَثَلاً، فَلاَ يُوجَدُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةُ السَّبَبِيَّةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْقَرَافِيُّ.

7 - وَمِنَ الأْمْثِلَةِ الَّتِي قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا انْفِسَاخَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ مَا يَأْتِي:

أ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، كَمَا إِذَا تَلِفَتِ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ.

ب - لَوْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الأَْجْرُ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، وَتَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ، بَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

ج - إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلاَهُمَا فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ.

د - يَنْفَسِخُ عَقْدُ الإْجَارَةِ  بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِالأْعْذَارِ  عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

وَسَوْفَ يَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى الاِنْفِسَاخِ الَّذِي لاَ يَكُونُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ. أَمَّا الاِنْفِسَاخُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ لِلْفَسْخِ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ تَحْتَ عُنْوَانِ (فَسْخٌ).

مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الاِنْفِسَاخُ:

8 - مَحَلُّ الاِنْفِسَاخِ الْعَقْدُ لاَ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ سَبَبُهُ الْفَسْخَ أَمْ غَيْرَهُ؛ لأِنَّ هُمْ عَرَّفُوا الاِنْفِسَاخَ بِانْحِلاَلِ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْعَقْدِ.

أَمَّا إِذَا أُرِيدَ مِنَ الاِنْفِسَاخِ الْبُطْلاَنُ وَالنَّقْضُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعُهُودُ وَالْوُعُودُ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ أَحْيَانًا فِي الْعِبَادَاتِ وَيَرِدُ عَلَى النِّيَّاتِ، كَانْفِسَاخِ نِيَّةِ صَلاَةِ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْلِ، وَكَذَلِكَ انْفِسَاخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَرَفَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ يَنْفَسِخُ الْحَجُّ إِلَى الْعُمْرَةِ.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ، وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ، وَيَجْعَلَ إِحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَامٌ).

أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ:

9 - الاِنْفِسَاخُ لَهُ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَةٌ: مِنْهَا مَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ مَا يَأْتِي بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ بِإِرَادَةِ كِلَيْهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُوَ مَا يَأْتِي بِدُونِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوِ الْقَاضِي، بَلْ بِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنِ الإْرَادَةِ  لاَ يُمْكِنُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ مَعَهَا.

يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: مَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ، فَالاِخْتِيَارِيُّ هُوَ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ أَوْ نَقَضْتُهُ وَنَحْوُهُ، وَالضَّرُورِيُّ: أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَثَلاً.

الأْسْبَابُ  الاِخْتِيَارِيَّةُ:

أَوَّلاً: الْفَسْخُ:

10 - الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ هُنَا مَا يَرْفَعُ بِهِ حُكْمَ الْعَقْدِ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ بِطَبِيعَتِهَا، كَعَقْدَيِ الْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ مَثَلاً، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ، أَوْ بِسَبَبِ الأْعْذَارِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ بِهَا اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ، أَوْ بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَيُنْظَرُ حُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِقَالَةٌ وَفَسْخٌ).

ثَانِيًا: الإْقَالَةُ:

11 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَى الطَّرَفَيْنِ وَهِيَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ الاِخْتِيَارِيَّةِ، وَتَرِدُ عَلَى الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ . أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ لاَزِمٍ كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ لاَزِمًا بِطَبِيعَتِهِ وَلَكِنْ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ فَلاَ حَاجَةَ فِيهِ لِلإِْقَالَةِ؛ لِجَوَازِ فَسْخِهِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَيُنْظَرُ الْكَلاَمُ فِيهِ تَحْتَ عُنْوَانِ: (إِقَالَةٌ).

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع   ، الصفحة / 108

اسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ:

25 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَالْفَسَادُ مُقْتَرِنٌ بِهِ، وَدَفْعُ الْفَسَادِ

وَاجِبٌ فَيَسْتَحِقُّ فَسْخَهُ، وَلأِنَّ الْفَاسِدَ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ، إِزَالَةً لِلْخَبَثِ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ. وَلأِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اشْتِرَاطَ الرِّبَا وَإِدْخَالَ الآْجَالِ الْمَجْهُولَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ وَالزَّجْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ يَصْلُحُ زَاجِرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، لأِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفْسَخُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ  .

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي فَسْخِهِ قَضَاءُ قَاضٍ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ  . وَلَكِنْ لَوْ أَصَرَّا عَلَى إِمْسَاكِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فَلَهُ فَسْخُهُ جَبْرًا عَلَيْهِمَا، حَقًّا لِلشَّرْعِ  .

شُرُوطُ الْفَسْخِ:

26 - الْفَسْخُ مَشْرُوطٌ بِمَا يَلِي:

أ - أَنْ يَكُونَ بِعِلْمِ الْمُتَعَاقِدِ الآْخَرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ: ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الأْسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ الْخِلاَفَ فِيهِ كَالْخِلاَفِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.

ب - أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.

ج - أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الرَّدُّ  .

مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ:

27 - الْفَسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَكَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الاِمْتِنَاعِ مِنَ الْقَبُولِ وَالإْيجَابِ ، فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّهُ - كَمَا يَقُولُ الزَّيْلَعِيُّ - يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لأِنَّ فِيهِ إِلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ، فَلاَ يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ  .

ب - وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْقَبْضِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِمَا:

(1فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ: الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الرَّاجِعَ إِلَى الْبَدَلِ رَاجِعٌ إِلَى صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، لأِنَّهُ لاَ قِوَامَ لِلْعَقْدِ إِلاَّ بِالْبَدَلَيْنِ، فَكَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، فَيُؤَثِّرُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا.

(2وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى الْبَدَلَيْنِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، كَالْبَيْعِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا:

فَالأْسْبِيجَابِيُّ قَرَّرَ أَنَّ وِلاَيَةَ الْفَسْخِ لِصَاحِبِ الشَّرْطِ، بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الَّذِي لاَ يَرْجِعُ إِلَى الْبَدَلِ، لاَ يَكُونُ قَوِيًّا فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْطِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ - وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ خِلاَفًا فِي الْمَسْأَلَةِ:

فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، لِعَدَمِ اللُّزُومِ، بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: الْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ، فَلَوْ فَسَخَهُ الآْخَرُ، لأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، هَذَا لاَ يَجُوزُ  .

طَرِيقُ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

28 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ بِطَرِيقِينَ:

الأْوَّلُ: بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ نَقَضْتُهُ، فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَا الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ ثَبَتَ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَاءٍ  .

الثَّانِي: بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ بَائِعِهِ - حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَالتَّخْلِيَةِ - فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ  .

مَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ:

29 - لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْفَسْخِ بِصَرِيحِ الإْبْطَالِ وَالإْسْقَاطِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتُ، أَوْ: أَبْطَلْتُ، أَوْ: أَوْجَبْتُ الْبَيْعَ، أَوْ أَلْزَمْتُهُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْفَسْخِ ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، دَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَمَا ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى إِسْقَاطِهِ مَقْصُودًا، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ.

لَكِنْ قَدْ يَسْقُطُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِأَنْ يَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَقْصُودًا، فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ.

وَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَتَقَرَّرَ الضَّمَانُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ لاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلاَ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ.

وَفِيمَا يَلِي أَهَمُّ صُوَرِ ذَلِكَ.

الصُّورَةُ الأْولَى: التَّصَرُّفُ الْقَوْلِيُّ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا.

30 - أَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ يُخْرِجُ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ  . وَهَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي أَصَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ جَعَلَ الْمَبِيعَ مَهْرًا، أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ، أَوْ بَدَلَ إِجَارَةٍ، وَعَلَّلُوهُ قَائِلِينَ: لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ  .

أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الْهِبَةَ لاَ تُفِيدُ الْمِلْكَ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ.

أَوْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ لاَ يَلْزَمُ بِدُونِ التَّسْلِيمِ.

أَوْ وَقَفَهُ وَقْفًا صَحِيحًا، لأِنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ  .

أَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ مَاتَ، لأِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ.

أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَهُ أَيْضًا، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ  .

وَكَذَا الْعِتْقُ، فَقَدِ اسْتَثْنَوْهُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ  .

31 - فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، يَنْفُذُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَيَمْتَنِعُ فَسْخُهُ وَذَلِكَ:

أ - لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ، فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ.

ب - وَلأِنَّهُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي، وَنَقْضُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ   مَا كَانَ إِلاَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُقَدَّمُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى، لِغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسَعَةِ عَفْوِهِ، وَفَقْرِ الْعَبْدِ دَائِمًا إِلَى رَبِّهِ.

ج - وَلأِنَّ الْعَقْدَ الأْوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لاَ بِوَصْفِهِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، فَلاَ يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ.

د - وَلأِنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الأْوَّلِ  ؛ لأِنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ - مَعَ الإْذْنِ فِي الْقَبْضِ - تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الاِسْتِرْدَادِ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِلاَّ كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَاقَضَةِ  .

32 - اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ: الإْجَارَةَ. فَقَرَّرُوا أَنَّهَا لاَ تَمْنَعُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ تُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنَ الأْعْذَارِ، بَلْ لاَ عُذْرَ أَقْوَى مِنَ الْفَسَادِ، كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ  .

وَلأِنَّهَا - كَمَا يَقُولُ الْمَرْغِينَانِيُّ - تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا  .

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّ الْفَسْخِ - كَمَا لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِهِبَتِهِ، أَوْ أَفْتَكَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ - عَادَ الْحَقُّ فِي الْفَسْخِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبِ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ.

لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ، لاَ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ، وَيَنْقُلُهُ إِلَى الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ، فَلاَ يَعُودُ حَقُّهُ إِلَى الْعَيْنِ وَإِنِ ارْتَفَعَ السَّبَبُ، كَمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ فَقْدِهِ مَثَلاً، ثُمَّ وُجِدَ الْمَغْصُوبُ  .

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الأْفْعَالُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا:

33 - وَمِنْهَا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، فَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِي الأْرْضِ الَّتِي اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ شَجَرًا:

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُمَا اسْتِهْلاَكٌ عِنْدَهُ، لأِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ، وَقَدْ حَصَلاَ بِتَسْلِيطٍ مِنَ الْبَائِعِ، فَيَنْقَطِعُ بِهِمَا حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ، كَالْبَيْعِ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ لاَ يَمْنَعَانِ مِنَ الْفَسْخِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَهُمَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَذَلِكَ لأِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ - مَعَ ضَعْفِهِ - لاَ يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَهَذَا أَوْلَى  .

34 - وَمِمَّا يَمْنَعُ الْفَسْخَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَوِ النَّقْصُ مِنْهُ.

أ - أَمَّا الزِّيَادَةُ: فَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَبِيعِ، غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قُمَاشًا فَخَاطَهُ، أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ قَمْحًا فَطَحَنَهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَأَمْثَالِهَا يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ، وَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ.

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَسَمْنِ الْمَبِيعِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ  .

ب - وَأَمَّا نَقْصُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لاَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَلاَ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ. لَكِنْ إِنْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَيُضَمِّنُهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ. وَلَوْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْبَائِعِ، اعْتُبِرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لَهُ. وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنَ الْجَانِي  .

35 - وَقَدْ وَضَعَ الزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لِمَا يَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ الأْفْعَالِ  حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ وَالْفَسْخِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى فَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلاً، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الاِسْتِرْدَادِ، كَمَا إِذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا  .

ثَالِثًا (مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ): حُكْمُ الرِّبْحِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

36 - صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَ يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا رَبِحَ فِي الْمَبِيعِ، فَلَوِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَيْنًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلاً وَتَقَابَضَا، وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ، يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْعَيْنَ بِالرِّبْحِ، لأِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهَا، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ؛ لأِنَّ النَّقْدَ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ  .

وَمُفَادُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ (أَيْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ) لاَ يَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُمَا؛ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الْبَدَلَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهِمَا مَعًا  .

رَابِعًا: قَبُولُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلتَّصْحِيحِ:

37 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِيهِ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا:

أ - فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ مَثَلاً، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ  مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَقَبْلَ فَسْخِهِ، جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً بِحَذْفِ الْمُفْسِدِ، فَبَيْعُ جِذْعٍ فِي سَقْفٍ فَاسِدٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَحِلْيَةٍ فِي سَيْفٍ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلاَّ بِضَرَرٍ لاَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إِنْ قَلَعَهُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الاِمْتِنَاعُ. وَبَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ  . وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ  الْمُشْتَرِي رَهْنًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا وَلاَ مُسَمًّى، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لَكِنْ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَرَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ يَبْطُلُ الأْجَلُ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِزَوَالِ الْفَسَادِ  .

هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ إِذَا انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ.

ب - أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، بِأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ، فَلاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ اتِّفَاقًا، كَمَا إِذَا بَاعَ عَيْنًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَهَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا  .

خَامِسًا: الضَّمَانُ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ:

38 - لاَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا، إِذَا هَلَكَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثَبَتَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِرَدِّ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا - مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا - وَرَدِّ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ أَمْ أَقَلَّ مِنْهُ أَمْ مِثْلَهُ.

وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ بِهِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ، فَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ  .

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الإْتْلاَفِ (الْهَلاَكُ)، لأِنَّهُ بِالإْتْلاَفِ يَتَقَرَّرُ الْمِثْلُ أَوِ الْقِيمَةُ

39 - أَمَّا لَوْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَالنَّقْصُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

أ - لَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعَ تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ النُّقْصَانِ.

ب - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، صَارَ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنِ الْبَائِعِ، هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ.

ج - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ:

فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي.

وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَهُوَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي  .

سَادِسًا: ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ:

40 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَأَعْتَقَهُ فِي الأْيَّامِ  الثَّلاَثَةِ لاَ يَنْفُذُ إِعْتَاقُهُ، وَلَوْلاَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ لَنَفَذَ إِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إِعْتَاقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، لِزَوَالِ الْخِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَكَمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَلِلْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ  .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة /  155

خِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ

التَّعْرِيفُ:

1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارٌ) وَكَذَلِكَ سَبَقَ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الشَّرْطِ) وَفَوَاتُ الشَّرْطِ: هُوَ عَدَمُ تَحْقِيقِ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَخِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ: هُوَ خِيَارٌ يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الْفِعْلِ الْمَشْرُوطِ مِنَ الْعَاقِدِ فَوْقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

2 - لِهَذَا الْخِيَارِ صِلَةٌ بِأَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ الأْخْرَى  مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا جَمِيعًا تَسْلُبُ لُزُومَ الْعَقْدِ مَعَ انْفِرَادِ كُلِّ خِيَارٍ بِالإْضَافَةِ  الْمُثْبِتَةِ لَهُ، كَالْعَيْبِ أَوِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُنْظَرُ مَا يَتَّصِلُ بِكُلِّ خِيَارٍ فِي مُصْطَلَحِهِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِخِيَارِ فَوَاتِ الشَّرْطِ:

3 - مِنَ الْمَبَادِئِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَاقِدَ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْوَفَاءِ بِشَرْطٍ الْتَزَمَ بِهِ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ فِي الْعَقْدِ - وَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا - فَإِنَّ الأْصْلَ  أَنْ يَتَوَصَّلَ الْمُشْتَرِطُ إِلَى تَنْفِيذِهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْقَضَاءِ لِيُوَفِّيَ الْمُتَخَلِّفَ عَنِ الشَّرْطِ جَبْرًا. وَهَذَا فِي شَرْطٍ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَا لاَ يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى فِعْلِهِ. كَالْتِزَامِهِ بِأَنْ يُقَدِّمَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ. فَهَاهُنَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُسَمُّونَهُ بِذَلِكَ، بَلْ يُعَبِّرُونَ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ فَسْخِ الْعَقْدِ، يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: يُقَالُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَ الرَّهْنَ - أَوْ قِيمَتَهُ - أَوْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ (عَاجِلاً) أَوْ يَفْسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ.. وَلَوِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَالْغَرَضِ.

ثُمَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ مِنْهُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ إِعْطَاءِ الْكَفِيلِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مِنْهُ شَرْطُ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَخَذُوا بِمَبْدَأِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ، أَوْ زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ. لَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ صُوَرًا حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الأْجَلِ، أَوِ الرَّهْنِ، أَوِ الْكَفِيلِ - مَعَ الْمَعْلُومِيَّةِ وَالتَّعْيِينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ - أَوْ بِشَرْطِ الإْشْهَادِ.

فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلَ الْكَفِيلُ الْمُعَيَّنُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِطِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ.

وَلاَ يُجْبَرُ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الشَّرْطَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا شَرَطَ، لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ، كَمَا لاَ يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ إِذَا تَلِفَ .

وَنَحْوُ ذَلِكَ لِلْحَنَابِلَةِ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلُ إِنْ وَفَّى الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَإِنْ أَبَى فَلِلْمُشْتَرِطِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ بِدُونِ مُقَابِلٍ عَنْ تَرْكِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ .

وَالْمَذْهَبُ الْحَنْبَلِيُّ هُوَ أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ عِنَايَةً بِالشُّرُوطِ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الأْصْلَ  فِي الْعُقُودِ رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَنَتِيجَتُهَا هُوَ مَا أَوْجَبَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالتَّعَاقُدِ . وَقَدِ اعْتَدُّوا بِمَبْدَأِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ بَعْدَمَا وَسَّعُوا مِنْ مَفْهُومِهِ، عَلَى أَسَاسِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَاقِدِ هِيَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يُوجِبْهَا الْعَقْدُ فَأَبَاحُوا أَكْثَرَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يُصَادِمُ نَصًّا شَرْعِيًّا أَوْ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَكُونُ فِي ذَاتِهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ شَرْعًا لِلْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ، وَتَكُونُ ثَمَرَةُ صِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ تَمْكِينَ الشُّرُوطِ لَهُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِ وَفَاءِ الْمُشْتَرِطِ .

وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَنَابِلَةُ مَعَ هَذَا خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ فِي عِدَادِ مَا أَوْرَدُوهُ مِنْ خِيَارَاتٍ . إِلاَّ أَنَّ صَاحِبَ «غَايَةِ الْمُنْتَهَى» اسْتَوْجَهَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّمَانِيَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (بِاسْتِمْرَارِ) قِسْمًا تَاسِعًا مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ وَهُوَ الْخِيَارُ الَّذِي ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي لِفَقْدِ شَرْطٍ صَحِيحٍ، أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أَوْ لاَ يُبْطِلُهُ، وَقَدْ أَقَرَّهُ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ الاِسْتِدْرَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ فَائِدَتُهُ شَكْلِيَّةً فَالْخِيَارُ كَمَا رَأَيْنَا مُعْتَبَرٌ فِي الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ لِلْحَنَابِلَةِ وَإِنْ لَمْ تُبْرِزْهُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَا يُورِدُونَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ صُوَرِهِ وَقُيُودِهِ .

انْتِقَالُهُ بِالْمَوْتِ:

4 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بِلاَ خِلاَفٍ .

سُقُوطُهُ وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ:

5 - يُطَبَّقُ مَا يَجْرِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَلاَمِ عَنْ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ، (ر: خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 135

الرُّجُوعُ بِالإْقَالَةِ:

16 - الإْقَالَةُ - سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ فَسْخًا أَوْ بَيْعًا - تُعْتَبَرُ رُجُوعًا فِي الْعَقْدِ بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهِيَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْجَائِزَةِ بَلِ الْمَنْدُوبَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» وَالْقَصْدُ مِنْهَا رَدُّ كُلِّ حَقٍّ إِلَى صَاحِبِهِ، فَفِي الْبَيْعِ مَثَلاً يَعُودُ - بِمُقْتَضَاهَا - الْمَبِيعُ إِلَى الْبَائِعِ، وَالثَّمَنُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ أَوْ نَقْصُهُ أَوْ رَدُّ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ  مُقْتَضَى الإْقَالَةِ رَدُّ الأْمْرِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى مَا كَانَ لَهُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (إِقَالَة)

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  239

انْتهَاءُ الْعَقْد وَأَسْبَابُهُ :

56 - انْتهَاءُ الْعَقْد إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتيَاريًّا أَوْ يَكُونَ ضَرُوريًّا وَالأَْوَّلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بإرَادَة عَاقدٍ وَاحدٍ أَوْ بإرَادَة كلَيْهمَا، فَإذَا كَانَ بإرَادَة أَحَد الْعَاقدَيْن يُسَمَّى في اصْطلاَح الْفُقَهَاء فَسْخًا، وَإذَا كَانَ برضَا كلاَ الْعَاقدَيْن يُسَمَّى إقَالَةً وَالثَّاني، أَي الانْتهَاءُ الضَّرُوريُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُؤَقَّتَة، كَالإْجَارَة وَالإْعَارَة وَالْوَكَالَة وَنَحْوهَا، أَوْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُطْلَقَة، كَالرَّهْن وَالنّكَاح وَالْبَيْع وَنَحْوهَا، وَيُسَمَّى الانْتهَاءُ في هَذه الصُّورَة انْفسَاخًا.

وَلكُلّ هَذه الصُّوَر أَسْبَابٌ وَأَحْكَامٌ نُجْملُهَا فيمَا يَلي:

أَوَّلاً - الأْسْبَابُ الاخْتيَاريَّةُ لانْتهَاء الْعَقْد:

أ - الْفَسْخُ:

57 - الْفَسْخُ حَلُّ ارْتبَاط الْعَقْد وَرَفْعُ حُكْمه بالإْرَادَة وَيَكُونُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة بطَبيعَتهَا، كَعَقْد الْوَكَالَة وَالْوَديعَة وَالشَّركَة وَنَحْوهَا اتّفَاقًا، وَكَذَا عَقْدُ الإْعَارَة الْمُطْلَقَة عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء، أَوْ بشَرْط أَنْ لاَ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ عنْدَ الْمَالكيَّة، فَهَذه الْعُقُودُ يُمْكنُ إنْهَاؤُهَا بالْفَسْخ بإرَادَة كُلٍّ منَ الْعَاقدَيْن مَعَ مُرَاعَاة عَدَم الضَّرَر، وَكَذَا الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ كَعَقْد الْبَيْع وَالإْجَارَة وَغَيْرهمَا إذَا كَانَ فيهَا خيَارٌ لكُلٍّ منَ الطَّرَفَيْن أَوْ أَحَدهمَا، فَتُفْسَخُ بإرَادَة مَنْ لَهُ الْخيَارُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصيلُ ذَلكَ كُلّه في مُصْطَلَح: (فَسْخ).

 ب - الإْقَالَةُ.

58 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْد وَإلْغَاءُ حُكْمه وَآثَاره بتَرَاضي الطَّرَفَيْن وَمَحَلُّ الإْقَالَة الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ منَ الطَّرَفَيْن ممَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار؛ لأنَّ  هَذه الْعُقُودَ لاَ يُمْكنُ فَسْخُهَا إلاَّ بإرَادَة الطَّرَفَيْن وَاتّفَاق الْمُتَعَاقدَيْن، وَعَلَى ذَلكَ فَإنَّ الإْقَالَةَ تَصحُّ في عُقُود الْبَيْع وَالْمُضَارَبَة، وَالإْجَارَة وَالرَّهْن (بالنّسْبَة للرَّاهن) وَالسَّلَم وَالصُّلْح وَهيَ عُقُودٌ لاَزمَةٌ.

وَلاَ تَصحُّ الإْقَالَةُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة كَالإْعَارَة وَالْوَصيَّة، وَالْجَعَالَة أَو الْعُقُود اللاَّزمَة الَّتي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار كَالْوَقْف وَالنّكَاح.

وَلشُرُوط الإْقَالَة وَأَثَرهَا في إنْهَاء الْعُقُود يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (إقَالَة ف 7، 12).

ج - انْتهَاءُ الْمُدَّة الْمُعَيَّنَة أَو الْعَمَل الْمُعَيَّن:

59 - تَنْتَهي بَعْضُ الْعُقُود بانْتهَاء مُدَّتهَا الْمُقَرَّرَة لَهَا باتّفَاق الطَّرَفَيْن، أَوْ بانْتهَاء الْعَمَل الَّذي عُقدَ الْعَقْدُ لأجْله.

فَعَقْدُ الإْجَارَة الْمُقَيَّدُ بمُدَّةٍ يَنْتَهي بانْتهَاء الْمُدَّة باتّفَاق الْفُقَهَاء كَالدَّار للسُّكْنَى أَو الأْرْض للزّرَاعَة، إلاَّ إذَا وُجدَ عُذْرٌ يَقْتَضي امْتدَادَ الْمُدَّة، كَأَنْ يَكُونَ في الأْرْض زَرْعٌ لَمْ يُحْصَدْ، أَوْ كَانَتْ سَفينَةٌ في الْبَحْر وَانْقَضَت الْمُدَّةُ قَبْلَ وُصُولهَا إلَى السَّاحل. ر: (إجَارَة ف 60)

كَمَا تَنْقَضي الإْجَارَةُ لعَمَلٍ مُعَيَّنٍ بانْتهَاء الْعَمَل الْمَعْقُود عَلَيْه في إجَارَة الأَْشْخَاص، كَالْحَمَّال وَالْقَصَّار وَالْخَيَّاط إذَا أَنْهَوْا الْعَمَلَ.

وَكَذَلكَ عَقْدُ الْوَكَالَة الْمُقَيَّدَة لإجْرَاء عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإنَّهَا تَنْتَهي بانْتهَاء الْعَمَل الْمُفَوَّض للْوَكيل. ر: (وَكَالَة).

ثَانيًا - أَسْبَابُ الْعَقْد الضَّرُوريَّةُ :

أ - هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه.

60 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَلَفَ الْمَعْقُود عَلَيْه سَبَبٌ لانْتهَاء بَعْض الْعُقُود، وَذَلكَ لتَعَذُّر دَوَام الْعَقْد، فَإذَا تَلفَت الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَو انْهَدَمَت الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ للسُّكْنَى انْفَسَخَت الإْجَارَةُ. وَكَذَلكَ إذَا تَلفَت الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ أَو الْمُودَعَةُ في عَقْدَي الْعَاريَّة وَالإْيدَاع، أَوْ تَلفَ رَأْسُ الْمَال في عَقْدَي الشَّركَة (شَركَة الأْمْوَال أَو الْمُضَارَبَة) كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في الْمُصْطَلَحَات الْخَاصَّة بكُلّ عَقْدٍ منْ هَذه الْعُقُود.

وَهَذَا السَّبَبُ يُؤَثّرُ في الْعُقُود الْمُسْتَمرَّة الَّتي تَدُومُ آثَارُهَا بدَوَام الْمَحَلّ، أَمَّا مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَوْرًا - كَعَقْد الْبَيْع مَثَلاً - فَلاَ يُؤَثّرُ فيه هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه (الْمَبيع) بَعْدَ قَبْض الْبَدَلَيْن.

أَمَّا قَبْلَ قَبْض الْمَبيع، فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في أَثَر هَلاَك الْمَبيع في انْفسَاخ الْبَيْع: فَقَالَ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ بانْفسَاخه مَعَ تَفْصيلٍ عنْدَهُمْ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ في هَلاَك الْمَبيع قَبْلَ الْقَبْض: إنْ هَلَكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْض بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لأنَّهُ لَوْ بَقيَ أَوْجَبَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَري بالثَّمَن، وَإذَا طَالَبَهُ بالثَّمَن فَهُوَ يُطَالبُهُ بتَسْليم الْمَبيع، وَإنَّهُ عَاجزٌ عَن التَّسْليم، فَتَمْتَنعُ الْمُطَالَبَةُ أَصْلاً، فَلَمْ يَكُنْ في بَقَاء الْبَيْع فَائدَةٌ، فَيَنْفَسخُ، وَكَذَلكَ إذَا هَلَكَ بفعْل الْمَبيع، بأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بفعْل الْبَائع، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري عنْدَنَا، وَإنْ هَلَكَ بفعْل الْمُشْتَري لاَ يَنْفَسخُ الْبَيْعُ وَعَلَيْه الثَّمَنُ؛ لأنَّهُ بالإْتْلاَف صَارَ قَابضًا.

وَقَالَ النَّوَويُّ: الْمَبيعُ قَبْلَ قَبْضه منْ ضَمَان الْبَائع، فَإنْ تَلفَ بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَالُوا: إذَا كَانَ الْمَبيعُ ممَّا فيه حَقُّ تَوْفيَةٍ لمُشْتَريه - وَهُوَ الْمَالُ الْمثْليُّ منْ مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ - يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائع، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبيعُ مُعَيَّنًا وَعَقَارًا أَوْ منَ الأَْمْوَال الْقيميَّة فَلاَ يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف، وَيَنْتَقلُ الضَّمَانُ إلَى الْمُشْتَري بالْعَقْد الصَّحيح اللاَّزم وَمثْلُهُ عنْدَ الْحَنَابلَة.

ب - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا :

61 - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا لاَ تُؤَثّرُ في الْعُقُود اللاَّزمَة في الْجُمْلَة، مَا عَدَا عَقْدَ الإْجَارَة عنْدَ الْحَنَفيَّة، فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بوَفَاة الْمُؤَجّر أَو الْمُسْتَأْجر؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد، وَتَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإذَا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الإْجَارَة بَعْدَ الْوَفَاة فَالْمُسْتَأْجرُ أَوْ وَرَثَتُهُ يَنْتَفعَان منَ الْعَيْن الْمُنْتَقلَة ملْكيَّتُهَا بوَفَاة الْمُؤَجّر إلَى الْوَرَثَة، وَالْمَنَافعُ الْمُسْتَحْدَثَةُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حينَ الْوَفَاة حَتَّى تَنْتَقلَ إلَى وَرَثَة الْمُسْتَأْجر.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء إلَى أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُؤَثّرُ في انْتهَاء عَقْد الإْجَارَة إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا بَاقيَةً؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ أَمْوَالٌ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا حينَ الْعَقْد، فَانْتَقَلَتْ إلَى الْمُسْتَأْجر بالْعَقْد.

أَمَّا الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزمَة - كَالْوَكَالَة وَالإْعَارَة وَالْوَديعَة وَنَحْوهَا - فَتَنْفَسخُ في الْجُمْلَة وَتَنْتَهي بوَفَاة أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا؛ لأنَّ هَا عُقُودٌ تَنْفَسخُ بإرَادَة أَحَد الطَّرَفَيْن في حَيَاتهمَا وَتَسْتَمرُّ بإرَادَتهمَا، فَإذَا تُوُفّيَ الْعَاقدُ فَقَدْ بَطَلَتْ إرَادَتُهُ وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذه الْعُقُود الَّتي كَانَتْ تَسْتَمرُّ باسْتمْرَار إرَادَة الْعَاقدَيْن.

ج - غَصْبُ الْمَعْقُود عَلَيْه :

62 - غَصْبُ مَحَلّ بَعْض الْعُقُود يُوجبُ انْفسَاخَهَا، فَفي عَقْد الإْجَارَة قَالَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ: إنْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فَللْمُسْتَأْجر الْفَسْخُ؛ لأنَّ  فيه تَأْخيرَ حَقّه، فَإنْ فَسَخَ فَالْحُكْمُ فيه كَمَا لَو انْفَسَخَ الْعَقْدُ بتَلَف الْعَيْن، وَإنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَة فَلَهُ الْخيَارُ بَيْنَ الْفَسْخ وَالرُّجُوع بالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاء عَلَى الْعَقْد وَمُطَالَبَة الْغَاصب بأَجْر الْمثْل.

وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: لَوْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ منْ يَد الْمُسْتَأْجر سَقَطَ الأَْجْرُ كُلُّهُ فيمَا إذَا غُصبَتْ في جَميع الْمُدَّة، وَإنْ غُصبَتْ في بَعْضهَا سَقَطَ بحسَابهَا، وَذَلكَ لزَوَال التَّمَكُّن منَ الانْتفَاع بالْعَيْن الْمُسْتَأْجَرَة، وَتَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بالْغَصْب في الْمَشْهُور عنْدَ الْحَنَفيَّة، خلاَفًا لبَعْضهمْ.

وَأَلْحَقَ الْمَالكيَّةُ الْغَصْبَ بتَعَذُّر الاسْتيفَاء منَ الْمَعْقُود عَلَيْه، فَحَكَمُوا بانْفسَاخ الْعَقْد به، وَصَرَّحُوا بأَنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسخُ بتَعَذُّر مَا يُسْتَوْفَى منْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ منَ التَّلَف، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانيت قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلكَ.

 د - أَسْبَابٌ أُخْرَى يُفْسَخُ بهَا الْعَقْدُ أَوْ يَنْتَهي.

63 - ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاء منْ أَسْبَاب فَسْخ الْعَقْد أَو انْتهَائه الاسْتحْقَاقَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَالكيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ أَنَّ الْمَبيعَ إذَا اسْتُحقَّ للْغَيْر بالْبَيّنَة أَوْ بإقْرَار الْمُشْتَري فَإنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسخُ وَيَنْتَهي حُكْمُهُ وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: إنَّ الْحُكْمَ بالاسْتحْقَاق لاَ يُوجبُ فَسْخَ الْعَقْد، بَلْ يُوجبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَة الْمُسْتَحقّ، فَإنْ أَجَازَ وَإلاَّ يَنْفَسخُ وَيَسْتَردُّ الْمُشْتَري الثَّمَنَ منَ الْبَائع. كَمَا فُصّلَ في مُصْطَلَح: (اسْتحْقَاق ف9 وَمَا بَعْدَهَا).

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والثلاثون ، الصفحة /  131

فَسْخ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْفَسْخُ لُغَةً: يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: النَّقْضُ أَوِ التَّفْرِيقُ، وَالضَّعْفُ فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ، وَالْجَهْلُ، وَالطَّرْحُ، وَإِفْسَادُ الرَّأْيِ، وَمِنَ الْمَجَازِ: انْفَسَخَ الْعَزْمُ وَالْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ: انْتَقَضَ، وَقَدْ فَسَخَهُ: إِذَا نَقَضَهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ  أَوْ هُوَ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ مِنَ الأْصْلِ  كَأَنْ لَمْ يَكُنْ  أَوْ هُوَ: قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ  فَيُسْتَعْمَلُ الْفَسْخُ أَحْيَانًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ أَحَدِ الْخِيَارَاتِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي أَحْوَالِ فَسْخِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ أَوْ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ .

 

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الاِنْفِسَاخُ:

2 - الاِنْفِسَاخُ هُوَ: انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ: أَنَّ الأْوَّلَ  فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوِ الْحَاكِمِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ .

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: انْفِسَاخ ف 1، 6)

ب - الْخَلْعُ:

3 - الْخَلْعُ لُغَةً: النَّزْعُ وَالإْزَالَةُ، وَاصْطِلاَحًا: هُوَ إِزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ . فَالْخُلْعُ خَاصٌّ بِحَلِّ الرَّابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَهُوَ أَعَمُّ، وَهُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ مُطْلَقًا، وَالْخُلْعُ يَحْدُثُ بِالتَّرَاضِي، أَمَّا الْفَسْخُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.

فَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا صِلَةُ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ.

ج - الطَّلاَقُ:

4 - مِنْ مَعَانِي الطَّلاَقِ لُغَةً: رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا، يُقَالُ: أَطْلَقَ الْفَرَسَ: إِذَا خَلاَّهُ ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلاَقِ: أَنَّ الْفَسْخَ مُقَارِبٌ لِلطَّلاَقِ إِلاَّ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ الْفَسْخَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ، أَمَّا الطَّلاَقُ فَلاَ يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَلَكِنْ يُنْهِي آثَارَهُ فَقَطْ .

د - الإْبْطَالُ:

5 - الْبَاطِلُ لُغَةً: ضِدُّ الْحَقِّ، وَالإْبْطَالُ اصْطِلاَحًا: هُوَ الْحُكْمُ بِكَوْنِ الْعَقْدِ بَاطِلاً، لاِخْتِلاَلِ رُكْنِهِ أَوْ مَحَلِّهِ، وَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ: هُوَ مَا اخْتَلَّ رُكْنُهُ أَوْ مَحَلُّهُ أَوْ مَا لاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ.

(ر: إِبْطَال ف 1، وَبُطْلاَن ف 1)

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الإْبْطَالِ  وَالْفَسْخِ: أَنَّ الإْبْطَالَ يَحْدُثُ أَثْنَاءَ قِيَامِ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْصُلُ فِي الْعُقُودِ وَالْعِبَادَاتِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَيَقِلُّ فِي الْعِبَادَاتِ، وَيَكُونُ فِي الْعُقُودِ قَبْلَ تَمَامِهَا، لأِنَّهُ فَكُّ ارْتِبَاطِ التَّصَرُّفِ.

(ر: إِبْطَال ف 2)

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6 - الأْصْلُ فِي الْعُقُودِ شَرْعًا اللُّزُومُ  لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)  قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الأْصْلَ  فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ، لأِنَّ  الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنَ الأْعْيَانِ ، وَالأْصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا .

وَقَدْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا، فَيَجِبُ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ الْفَسَادِ، وَاحْتِرَامِ ضَوَابِطِ الشَّرْعِ أَوْ شَرَائِطِهِ الَّتِي قَرَّرَهَا فِي الْعُقُودِ، حِمَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَمَنْعًا لِلْمُنَازَعَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَيَجُوزُ الْفَسْخُ إِعْمَالاً لإِرَادَةِ  الْعَاقِدِ، كَالْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، وَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَالاِتِّفَاقِ كَالإْقَالَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارَاتِ وَالإْقَالَةِ  وَقَالَ  عليه الصلاة والسلام : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ).

وَالْفَسْخُ الْقَضَائِيُّ يَكُونُ إِمَّا رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِمَّا إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ وَرَفْعًا لِلظُّلْمِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِسَبَبِ إِضْرَارِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّهِ فِي الْفَسْخِ، لِوُجُودِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ مَثَلاً، وَحَقُّ الْقَاضِي فِي الْفَسْخِ نَاشِئٌ مِنْ وِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ عَلَى النَّاسِ، أَوْ لأِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِقَابَةُ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ..

وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَسْخُ إِمَّا شَرْعًا أَوْ قَضَاءً أَوْ بِالرِّضَا.

أَسْبَابُ الْفَسْخِ:

7 - أَسْبَابُ الْفَسْخِ خَمْسَةٌ: إِمَّا الاِتِّفَاقُ أَوِ التَّرَاضِي وَمِنْهُ الإْقَالَةُ، وَإِمَّا الْخِيَارُ، وَإِمَّا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِمَّا اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ أَحَدِ الْتِزَامَاتِ الْعَقْدِ الْمُتَقَابِلَةِ، وَإِمَّا الْفَسَادُ.

أ - الْفَسْخُ بِالاِتِّفَاقِ:

8 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ، وَالإْقَالَةُ نَوْعٌ مِنَ الْفَسْخِ الاِتِّفَاقِيِّ وَتَقْتَضِي رُجُوعَ كُلٍّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُثَمَّنُ لِلْبَائِعِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ .

وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، لأِنَّ  الإْقَالَةَ  هِيَ الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَلأِنَّ  الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى الْبَائِعِ بِلَفْظٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَانَ فَسْخًا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ  بَيْعٌ ثَانٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ .

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ، لأِنَّهَا  رَفْعٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَرَفْعُ الشَّيْءِ فَسْخُهُ.

وَيَرَى مُحَمَّدٌ: أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا، فَتُجْعَلُ بَيْعًا لِلضَّرُورَةِ، لأِنَّ  الأْصْلَ  فِي الإْقَالَةِ  الْفَسْخُ، لأِنَّهَا  عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الشَّيْءِ لُغَةً وَشَرْعًا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقَالَة ف 8)

ب - خِيَارُ الْفَسْخِ:

9 - الْخِيَارُ: هُوَ حَقُّ الْعَاقِدِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ إِمْضَائِهِ لِظُهُورِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِمُقْتَضَى اتِّفَاقٍ عَقْدِيٍّ، فَيَكُونُ لِلْمُتَعَاقِدِ الْحَقُّ فِي الاِخْتِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ إِمْضَائِهِ بِفَسْخِهِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ، أَوْ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ التَّعْيِينِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَار ف 1 - 18)

ج - عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ أَصْلاً:

10 - يَجُوزُ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْعَقْدِ الْمُسَمَّى أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْفَسْخِ، مِثْلُ الْعَارِيَّةُ وَالْقَرْضِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ، فَكُلُّهَا عُقُودٌ غَيْرُ لاَزِمَةٍ يَجُوزُ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عُقُودُ الْمُشَارَكَاتِ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لِلْوَدِيعِ فَسْخُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْمُودَعِ بِالْفَسْخِ، وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً .

د - اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ الاِلْتِزَامِ:

11 - إِذَا اسْتَحَالَ تَنْفِيذُ أَحَدِ الاِلْتِزَامَاتِ الْعَقْدِيَّةِ جَازَ فَسْخُ الْعَقْدِ، لأِنَّ  الاِلْتِزَامَ الْمُقَابِلَ يُصْبِحُ بِلاَ سَبَبٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 64) وَمُصْطَلَحِ (الْتِزَام ف 57) وَمُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 74، 76)

هـ - الْفَسْخُ لِلْفَسَادِ:

12 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُعَامَلاَتِ لِلْفَسَادِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ فَسَادِ الْعَقْدِ كَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوِ الأْجَلِ  أَوْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .

أَنْوَاعُ الْفَسْخِ:

13 - الْفَسْخُ بِإِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ هُوَ إِنْهَاءُ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقِهِمَا، إِذْ إِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي عُقِدَ بِهَا الْعَقْدُ، فَكَمَا نَشَأَ الْعَقْدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَطَابِقَيْنِ عَلَى إِنْشَائِهِ، كَذَلِكَ يَزُولُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَوَافِقَيْنِ عَلَى إِلْغَائِهِ، وَقَدْ يَتِمُّ الْفَسْخُ بِإِرَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْخِيَارِ .

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ:

14 - إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ أَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، بِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلاَ إِلَى التَّرَاضِي.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلاَ يَنْفَسِخُ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي. فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا - وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِحُكْمِ الْقَاضِي إِذَا رُفِعَ الأْمْرُ  إِلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْعَاقِدَانِ عَنِ الْفَسْخِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُطْلاَن ف 25) (وَخِيَارُ الْعَيْبِ ف 38، 39) (وَبَيْع ف 59)

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ:

15 - يَكُونُ الْفَسْخُ بِسَبَبِ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي الْعَقْدِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الزَّوَاجِ عِنْدَ تَبَيُّنِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفَسْخِ الْبَيْعِ حَالَةَ فَسَادِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالاِنْفِسَاخِ، كَمَا إِذَا كَانَ فِي الْمَبِيعِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ .

الْفَسْخُ لِلأْعْذَارِ:

16 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِلْعُذْرِ إِذَا كَانَ عَقْدَ إِيجَارٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَقْدَ بَيْعٍ لِلثِّمَارِ بِسَبَبِ الْجَوَائِحِ .

فَقَدْ أَجَازَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ  دُونَ غَيْرِهِمْ فَسْخَ عَقْدِ الإْجَارَةِ  وَعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِالأْعْذَارِ  الطَّارِئَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا بِالْعَاقِدَيْنِ أَمْ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لأِنَّ  الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى الْفَسْخِ عِنْدَ الْعُذْرِ، لأِنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ، لَلَزِمَ صَاحِبَ الْعُذْرِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ.

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَالأْصْلُ  عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ، وَقَدْ يَرَوْنَ الْفَسْخَ فِي أَحْوَالٍ قَلِيلَةٍ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 64، 69)

الْفَسْخُ لاِسْتِحَالَةِ التَّنْفِيذِ:

17 - إِذَا هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِغَيْرِ الْهَلاَكِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ أَمْ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 59) وَمُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْعَيْبِ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)

الْفَسْخُ لِلإْفْلاَسِ وَالإْعْسَارِ وَالْمُمَاطَلَةِ:

18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا ظَهَرَ مُفْلِسًا فَلِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْظِرَهُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَلَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلاَ فَسْخَ، وَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ وَبَقِيَّةَ مَالِهِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ الْحَالُّ أَوْ بَعْضُهُ بَعِيدًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَر، أَوْ غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي الْمَسَافَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ.

وَيَرَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلاً فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ، قَالَ فِي الإْنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، إِذْ نَصُّوا أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرِيمُ أَحَقَّ بِأَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ، بَلْ هُوَ فِي ثَمَنِهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِالدَّيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَالِهِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِفْلاَس ف 25، 26)

وَلَيْسَ خِيَارُ الْفَسْخِ مُخْتَصًّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي كُلِّ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالإْجَارَةِ  وَالْقَرْضِ، فَلِلْمُؤَجِّرِ فَسْخُ الإْجَارَةِ  إِذَا أَفْلَسَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ دَفْعِ الأْجْرَةِ ، لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ إِذَا أَفْلَسَ وَكَانَ عَيْنُ مَالِهِ قَائِمًا .

وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِلإْعْسَارِ  أَوِ الْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ، وَالْفُرْقَةُ طَلاَقٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَجَوَازُهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ.

وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بِسَبَبِ الإْعْسَارِ، لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قوله تعالي (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .

فَسْخُ النِّكَاحِ:

19 - التَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَسْخًا أَوْ طَلاَقًا.

وَالْفَسْخُ: مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ مَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْفَسْخُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ يَكُونُ فِي الأْمُورِ  الآْتِيَةِ:

أ - عَدَمُ الْكَفَاءَةِ.

ب - نُقْصَانُ الْمَهْرِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ.

ج - إِبَاءُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الإْسْلاَمَ  إِذَا أَسْلَمَ الآْخَرُ، لَكِنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجَةِ فَسْخٌ بِالاِتِّفَاقِ، أَمَّا الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي رَأْيِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَلَمْ يَرَيَا تَوَقُّفَهَا عَلَى الْقَضَاءِ، لأِنَّ  الْفُرْقَةَ حِينَئِذٍ طَلاَقٌ فِي رَأْيِهِمَا.

د - خِيَارُ الْبُلُوغِ لأِحَدِ  الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِذَا زَوَّجَهُمَا فِي الصِّغَرِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ.

هـ - خِيَارُ الإْفَاقَةِ  مِنَ الْجُنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا زَوَّجَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْجُنُونِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ وَالاِبْنِ.

وَأَمَّا الْفَسْخُ غَيْرُ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ فِي الأْمُورِ  التَّالِيَةِ:

أ - فَسَادُ الْعَقْدِ فِي أَصْلِهِ، كَالزَّوَاجِ بِغَيْرِ شُهُودٍ.

ب - طُرُوءُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

ج - رِدَّةُ الزَّوْجِ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ فَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .

الْفَسْخُ لِعَدَمِ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ:

20 - عَدَمُ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ أَوْ مِلْكٌ وَالَّذِي يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْعَقْدِ عَلَى رِضَاهُ يُعَدُّ مِنْ أَسْبَابِ انْحِلاَلِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِهِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ مَوْقُوف).

الْفَسْخُ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ:

21 - إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْفَسْخِ أَوِ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحْقَاق ف9، 11).

آثَارُ الْفَسْخِ:

تَظْهَرُ آثَارُ الْفَسْخِ فِي شَيْئَيْنِ: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ، وَسَرَيَانُهُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.

أَوَّلاً: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ:

22 - يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِالْفَسْخِ وَيَكُونُ لَهُ آثَار فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا.

أ - أَثَرُ الْفَسْخِ فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ:

23 - يَظَلُّ الْعَقْدُ قَائِمًا إِلَى حِينِ الْفَسْخِ وَيُنْتِجُ جَمِيعَ آثَارِهِ، فَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ انْحَلَّ وَاعْتُبِرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّرَفَيْنِ.

ب - أَثَرُ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ:

24 - إِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ تَصَرُّفًا يُرَتِّبُ لِلْغَيْرِ حَقًّا فِي الْمِلْكِيَّةِ امْتَنَعَ الْفَسْخُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِفَاظًا عَلَى ذَلِكَ الْحَقِّ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَبْقَى حَقُّ الْفَسْخِ قَائِمًا وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ وَإِلاَّ فَالْفَسْخُ عَلَى حَالِهِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِرْدَاد ف 11).

ثَانِيًا: أَثَرُ الْفَسْخِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ:

25 - بَحَثَ السُّيُوطِيُّ أَثَرَ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاضِي بِعُنْوَانِ: هَلْ يَرْفَعُ الْفَسْخُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ فَقَالَ: 

أ - فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ: الأْصَحُّ  أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.

ب - الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ج - تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: الأْصَحُّ  الاِنْفِسَاخُ مِنْ حِينِ التَّلَفِ.

د - الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

هـ - السَّلَمُ: يَرْجِعُ الْفَسْخُ إِلَى عَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ.

و - الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ: مِنْ حِينِهِ.

ز - الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ: مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.

ح - فَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ط - الإْقَالَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ .

وَيُلاَحَظُ أَنَّ أَغْلَبَ حَالاَتِ الْفَسْخِ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهَا أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.

وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ خِلاَفًا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ، هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ ؟

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ - إِمَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ - رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ عَلَى الْمَاضِي، فَتَكُونُ غَلَّةُ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الإْقَالَةُ .

قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلاً عَنْ شَيْخِ الإْسْلاَمِ: إِنَّ الْفَسْخَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لاَ فِي مَا مَضَى .

 ‎‎‎__________________________________________________________________

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (105) : 
 (ا) الإقالة رفع العقد وإزالته ولا خيار فيها ولا شفعة . 
(ب) تترتب آثار الإقالة من حينها لا من أصل العقد المتقایل منه . 
(ج) تصح الإقالة بلفظها وبكل ما أدى معناها . 
إيضاح 
(ا) الإقالة فسخ العقد : وهي عبارة عن الرفع والإزالة يقال : أقال الله عثرتك : أي أزالها ، ورد الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد ، ورجوع كل من العاقدين إلى ما كان له ، وهي مشروعة عند الندم الحديث أبي هريرة مرفوعا: (من أقال مسها أقال الله عنه يوم القيامة ولا خيار في الإقالة ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يفسخ ، ولا شفعة في الإقالة ، لأن المقضي لها هو البيع ولم يوجد . 
(ب) الفسخ بالإقالة رفع للعقد من حين الفسخ ، لا من أصله . فما حصل من ماء کسب و نماء منفصل فلم مشتری لحديث : ( الخراج بالضمان ) . ويبقى المبيع بعد التقابل أمانة بيد اشتری، ومؤنة رده على البائع ، لرضاه بقائه أمانة بيد المشتري بعد النقابل ، فلا يلزمه مؤنة رده . 
(ج) تصح الإقالة بلفظها ، بأن يقول : أقلتك ، و بلفظ مصالحة ، و بلفظ بيع ، وما يدل على معاطاة ، لأن المقصود المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ . 

مادة (106) : 
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مطلقا ، وبعد نداء الجمعة وتصح من المضارب والشريك ولو بلا إذن رب المال ، أو الشريك ، ومن المفلس بعد الحجر عليه . 
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع . 
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف المبيع ، ولا بزيادة على الثمن أو نقصه ، ولا بغير جنسه، ولا مع موت أحد العاقدين أو غيبته . 
إيضاح 
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مبیع مطلقا حتى فيا يحتاج لحق توفية ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض . وتصح بعد نداء الجمعة ، 
کسائر الفسوخ . وتصح من مضارب وشريك ولو بلا أذن رب المال أو الشريك لظهور المصلحة فيها ، لامن وكل في شراء أو في بيع ، لأنه لا يملك الإقالة بغير إذن الموكل لأنه لم يوكله في الفسخ . كما تصح من مفلس بعد حجر عليه لمصلحة . 
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع ، فيصح التقايل في آبق وشارد كما لو فسخ فيهما بخيار شرط. 
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف مبيع مطلقا لقوات محل الفسخ ، ونصح مع تلف ثمن ، ولا تصح مع زيادة على ثمن معقود به أو مع نقصه، أو بغير جنسه ، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل منهما إلى ما كان له ، كما لا تصح مع موت أحد العاقدين أو غيبته .