loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 324

مذكرة المشروع التمهيدي  :

1 - يفترض الفسخ وجود عقد ملزم للجانبين ، يتخلف فيه أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه فيطلب الآخر فسخه ، ليقال بذلك من تنفيذ ما التزم به ويقع الفسخ بناء على حكم يقضى به أو بتراضي العاقدين ، أو بحكم القانون وبذلك يكون الفسخ قضائياً أو اتفاقياً أو قانونياً على حسب الأحوال .

2 - في حالة الفسخ القضائي يتخلف أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه ، رغم أن الوفاء لا يزال ممكناً، ويكون العاقد الآخر بالخيار : بين المطالبة بتنفيذ العقد ، وبين طلب الفسخ ، على أن يكون قد أعذر الدين من قبل فإذا اختار الدائن تنفيذه العقد وطلبه ، وهو يدخل في حدود الإمكان ، كما هو حكم الفرض، تعين أن يستجيب القاضي لهذا الطلب ، وجاز له أن يحكم بالتعويض ، إذا اقتضى الحال ذلك أما إذا اختار الفسخ ، فلا يجبر القاضي على إجابته إليه ، بل يجوز له أن ينظر المدين إلى میسره إذا طلب النظرة ، مع إلزامه بالتعويض عند الإقتضاء ، بل ويجوز له أن يقضي بذلك من تلقاء نفسه . وله كذلك ، ولو كان التنفيذ جزئياً ، أن يقتصر على تعويض الدائن عما تخلف المدن عن تنفيذه ، إذا كان ما تم تنفيذه هو الجزء الأهم في الإلتزام على أن للقاضي أن يجيب الدائن إلى طلبه ، ويقضي بفسخ العقد، مع إلزام المدين بالتعويض دائماً ، إن كان ثمة محل لذلك ولا يكون التعاقد ذاته ، في حالة الفسخ ، أساساً للإلتزام بالتعويض ، إذ هو ينعدم إنعداماً يستند أثره بفعل الفسخ وإنما يكون مصدر الإلزام ، في هذه الحالة ، خطأ المدين أو تقصيره على أن القاضي لا يحكم بالفسخ إلا بتوافر شروط ثلاثة : أولها أن يظل تنفيذ العقد مكناً والثاني أن يطلب الدائن فسخ العقد ، دون تنفيذه والثالث أن يبقى المدين على تخلفه ، فيكون من ذاك مبرر للقضاء بالفسخ فإذا اجتمعت هذه الشروط تحقق بذلك ما ينسب إلى الدين من خطأ أو تقصير .

3- أما فسخ الإتفاق ، فيفترض إتفاق المتعاقدين على وقوع الفسخ بحكم القانون دون حاجة إلى حكم قضائي ، عند التخلف عن الوفاء ، ويفضي مثل هذا الإنفاق إلى حرمان المتعاقد من ضيافتين : (1) العقد يفسخ حتماً دون أن يكون لهذا العاقد ، بل ولا القاضي ، خيار بين الفسخ والتنفيذ وإنما يبقي الخيار للدائن بداهة فيكون له أن يرغب عن الفسخ ويصر على التنفيذ، (ب) ويقع الفسخ بحكم الاتفاق دون حاجة للتقاضي على أن ذلك لا يقبل الدائن من ضرورة الترافع إلى القضاء ، عند منازعة المدين في واقعة تنفيذ العقد بين أن مهمة القاضي تقتصر، في هذه الحالة على التثبت من هذه الواقعة ، فإذا تحققت لديه صحتها أيقن على العقد ، وإلا قضى بالفسخ على أن حرمان المدين من هاتين الضمانتين لا يسقط عنه ضانة أخرى ، تتمثل في ضرورة الإعذار ، ما لم يتفق المتعاقدان صراحة على عدم لزوم هذا الإجراء أيضاً .

4 - يتي بعد ذلك أمر الفسخ القانوني وهو يقع عند إنقضاء الإلتزام على أثر إستحالة تنفيذه فإنقضاء هذا الإلتزام يستبعد انقضاء الإلتزام المقابل له لتخلف سبيه ولهذه العلة ينفسخ العقد من تلقاء نفسه أو بحكم القانون بغير حاجة إلى التقاضي بل وبغير إعذار ، متى وضحت استحالة التنفيذ وضوحاً كافياً على أن الترافع إلى القضاء قد يكون ضرورياً، عند منازعة الدائن أو المدين في وقوع الفسخ بيد أن موقف القاضي في هذه الحالة يقتصر على الاستيثاق من أن التنفيذ قد أصبح مستحيلاً، فإذا تحقق من ذلك يثبت وقوع الفسخ بحكم القانون ، ثم يقضي بالتعويض أو رفض القضاء به ، تبعاً لما إذا كانت هذه الإستحالة راجعة إلى خطأ المدين أو تقصيره أو إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .

5 - ويترتب على الفسخ ، قضائيا كان أو اتفافياً أو قانونياً ، انعدام العقد إنعداماً يستند أثره، فيعتبر كأن لم يكن وهذا يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد فيرد كل منهما ما تسلم بمقتضى هذا العقد ، بعد أن تم فسخه وإذا أصبح الرد مستحيلاً وجب التعويض على الملازم ، وفقاً للأحكام الخاصة بدفع غير المستحق ومع ذلك فقد استثني المشروع من حكم هذه القاعدة صورة خاصة تعرض في فسخ العقود الناقلة لملكية العقارات فنص على أن هذا الفسخ لا يضر بالغير حسن النية ، إذا كان قد تلق من المتعاقد ، الذي آلت إليه ملكية العقار بمقتضى العقد المفسوخ ، حقاً على هذا العقار ، قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ ( أنظر المادة 375 من المشروع ) ، ومؤدى هذا أن يظل حق الغير قائماً ، ويرد العقار مثقلا به ، رغم فسخ العقد الناقل للساكية ، وغنى عن البيان، أن هذا الاستثناء يكفل قسطاً معقولاً من الحماية للغير حسن النية ، ويهيئ بذلك للتعامل ما يخلق به من أسباب الإستقرار .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 220 من المشروع 

وقررت اللجنة حذف العبارة الأخيرة من المادة ، وأصبح نصها النهائي ما يأتي :

في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى إلتزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه دون حاجة إلى حكم قضائي .

وأصبح رقم المادة 163 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 163.

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات المجلس:

محضر الجلسة الخامسة عشرة

تليت المادة 163:

فكان من رأى سعادة الرئيس الأخذ بنص المادة 179 من القانون القائم.

فرد عليه الدكتور بغدادی أن النص الفرنسي لهذه المادة قاصر عن أداء المعنى المقصود .

واقترح سعادة الرئيس كذلك حذف عبارة دون حاجة إلى حكم قضائي ، لأنها زيادة لا معنى لها .

فذكر الدكتور بغدادی أن هذه العبارة بيانية لأن الأصل في الفسخ أن يصدر به حكم من القضاء فإذا كان متفقاً عليه في العقد وقع من وقت تحقق سببه وإذا رفع الأمر إلى القضاء اقتصر على التحقق من قيام هذا السبب دون أن يملك حرية التقدير وإستطرد حضرته قائلاً رداً على ملاحظة سعادة الرئيس بأن الإلتجاء إلى القضاء في حالة الفسخ لا يكون إلا عند الخلاف لأنه من المسلم به أن حكم القضاء بالفسخ تختلف فيه سلطة القاضي باختلاف الأحوال.

قرار اللجنة :

وافقت اللجنة بالإجماع على المادة معدلة بحذف عبارة , دون حاجة إلى حكم قضائي ، الواردة في آخر المادة .

تقرير اللجنة :

حذفت اللجنة العبارة الأخيرة من المادة ونصه دون حاجة إلى حكم قضائي ، لأنها تزيد قد يوحي بتقييد حق الترافع إلى القضاء وهذا حق لم يقصد النص إلى حرمان أحد العاقدين منه ، وكل ما قصد إليه أن الفسخ يعتبر واقعاً بمجرد إنقضاء الإلتزام المقابل بسبب إستحالة التنفيذ .

وأصبح رقم المادة 159.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .

الأحكام

1- لما كان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بفسخ عقد البيع موضوع النزاع والتسليم على أن الطاعن أخل بالبند السابع منه بتجزئته قطعة الأرض محله وذلك ببيعه نصف هذه المساحة لآخرين واستدل على ذلك بعقد بيع صادر من الطاعن لآخرين بتاريخ 1/11/1980 مع أن العقد سابق فى تاريخه ووجوده على العقد موضوع النزاع فإنه يكون قد رتب جزاء الفسخ على تصرف سابق على وجوده وأعتبره إخلالا بشروطه بما لا يصلح سندا لفسخه مع أن الإخلال بالالتزام لايكون إلا تاليا لوجوده على نحو مخالف لشروطه مما يعيب الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال.

(الطعن رقم 1131 لسنة 68 جلسة 1999/10/26 س 50 ع 2 ص 1038 ق 203)

2- النص فى المادة 569 / 1 من القانون المدني على أنه "اذا هلكت العين المؤجرة أثناء الإيجار هلاكاً كلياً انفسخ العقد من تلقاء نفسه" هذا النص يعتبر تطبيقاً للقاعدة العامة التي تقضى بإنفساخ العقد لاستحالة التنفيذ الراجع إلى انعدام المحل لهلاك العين المؤجرة هلاكاً كلياً أصبح معه تنفيذ عقد الإيجار مستحيلاً ومن ثم ينفسخ من تلقاء نفسه وبحكم القانون، وتقرر المادة 159 من القانون المدني القاعدة العامة فى هذا الصدد إذ تقول" فى العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الإلتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه" والمشرع فى النصين سالفى الذكر لم يميز بين ما اذا كان الهلاك غير راجع لخطأ المؤجر فينفسخ العقد بحكم القانون وبين ما إذا كان الهلاك راجعاً إلى خطأ المؤجر فيجوز للمستأجر طلب الفسخ قضاء بل جعل الحكم فى الحالتين واحد وهو إنفساخ العقد بحكم القانون وترتيباً على ذلك يكون لكل من الطرفين طلب الإنفساخ ويعتبر العقد مفسوخاً من وقت الهلاك ولا حاجة إلى حكم بذلك وإن صدر مثل هذا الحكم فإنما يكون مقرراً لهلاك العين وإنفساخ العقد ويؤيد ذلك ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للقانون المدني فى هذا الصدد بأنه قد تهلك العين هلاكاً كلياً سواء كان ذلك من جراء عدم القيام بالترميمات اللازمة لحفظ العين أو بخطأ المؤجر أو المستأجر أو بقوة قاهرة وفي كل هذه الأحوال ينفسخ العقد من تلقاء نفسه لإنعدام المحل وهذا هو المقرر فى قضاء النقض فى أحكامه الأخيرة إذ جرى على أن هلاك العين المؤجرة هلاكاً كلياً يؤدى إلى انفساخ عقد الايجار من تلقاء نفسه أياً كان السبب فى هذا الهلاك ولو كان ذلك بسبب المؤجر ولا يجبر على اعادة العين إلى أصلها.

(الطعن رقم 1886 لسنة 54 جلسة 1991/05/09 س 42 ع 1 ص 1048 ق 168)

3- إذ كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه انه اقام قضاءه برفض الدعوى على ما خلص اليه من توافر القوة القاهرة المتمثلة فى احتلال اسرائيل لشبه جزيرة سيناء على أثر حرب 1967 واستحالة استمرار الطاعن فى وضع يده على العين التى يستأجرها والتى تقع بالمنطقة المحتله ورتب على ذلك انفساخ عقد الإيجار ، وكان مفاد ما خلص اليه وما ثبت من الدعوى من بقاء العين المؤجرة - بعد أن زال الاحتلال صالحة للغرض الذى اجرت من أجله أنه من شأن القوة القاهرة استحالة تنفيذ عقد الايجار استحالة مطلقة إنما انحصر فى وقف تنفيذ العقد حتى اذا ما زال الحادث الذى كان يعوق تنفيذه واسترد المطعون عليها الثانى ولثالث - المؤجران - العين المؤجرة فإن التزاماتهما الناشئة عن العقد تكون واجبة التنفيذ ، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر ورتب على توافر القوة القاهرة - بطريق اللزوم - إنفساخ عقد الإيجار. فإنه يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 865 لسنة 53 جلسة 1991/01/30 س 42 ع 1 ص 336 ق 55)

4- القوة القاهرة التى ينفسخ بها العقد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى التى تجعل تنفيذ العقد مستحيلاً استحالة مطلقة لسبب أجنبى عن المدين مما مؤداه أنه إذا كانت القوة القاهرة تمثل مانعاً مؤقتاً من التنفيذ فلا يكون لها أثر سوى وقف تنفيذ الالتزام فى الفترة التى قام فيها الحادث حتى اذا ما زال هذا الحادث عاد للالتزام قوته فى التنفيذ .

(الطعن رقم 865 لسنة 53 جلسة 1991/01/30 س 42 ع 1 ص 336 ق 55)

5- المقصود بدعوى صحة و نفاذ عقد البيع هو تنفيذ إلتزام البائع بنقل ملكية العقار المبيع إلى المشترى و الحصول على حكم يقوم تسجيله مقام تسجيل العقد فى نقل الملكية . و البائع لا يعفى من هذا الإلتزام إلا إذا أصبح تنفيذه مستحيلاً ، فإذا كانت الإستحالة ترجع إلى سبب أجنبى لا يد للبائع فيه فإن الإلتزام بنقل الملكية ينقضى طبقاً للمادة 373 من القانون المدنى و ينفسخ عقد البيع بسبب ذلك إعمالا لحكم المادة 159 من هذا القانون .

(الطعن رقم 980 لسنة 48 جلسة 1982/12/02 س 33 ع 2 ص 1104 ق 199)

6- المقصود بالإستحالة التى ينقضى بها الإلتزام هو الإستحالة المطلقة لطروء قوة قاهرة أو حادث جبرى طارئ لا قبل للملتزم بدفعه أو توقعه ، و إذ كان الحكم المطعون فيه قد أسس قضاءه برفض دعوى الطاعنين على أن قرار لجنة مراجعة المبانى بمحافظة بورسعيد الذى صدر بالعدول عن قرار هدم البناء القائم على الأرض المبيعة من شأنه أن يجعل الوفاء بإلتزام المطعون ضده بنقل ملكية المبيع مستحيلاً إستحالة مرجعها إلى سبب أجنبى لا يد له فيه ، لما كان ذلك و كان صدور مثل هذا القرار و إن أدى إلى عرقلة تنفيذ إلتزام البائع الوارد بالعقد بإزالة المبانى القائمة على الأرض المبيعة و تسليمها خالية إلى المشترى فى الميعاد المتفق عليه إلا أنه لا يعتبر مانعاً من قبيل الإستحالة المطلقة التى تجعل الإلتزام بنقل الملكية ذاته مستحيلاً إذ ليس فى القانون ما يحول دون أن ينقل البائع ملكية الأرض المبيعة إلى مشتريها دون المبانى المقامة عليها و دون تسليمها .

(الطعن رقم 980 لسنة 48 جلسة 1982/12/02 س 33 ع 2 ص 1104 ق 199)

7- النص فى الفقرة الأولى من المادة 153 من القانون المدنى على انه " إذا تعهد شخص بأن يجعل الغير يلتزم بأمر فلا يلزم الغير بتعهده . فإذا رفض الغير أن يلتزم ، وجب على المتعهد أن يعوض من تعاقد معه ، و يجوز له مع ذلك أن يتخلص من التعويض بأن يقوم بنفسه بتنفيذ الإلتزام الذى تعهد به " . يؤدى بتطبيقه على واقعة النزاع إلى أنه عندما تعاقد الطاعن بإسمه لإستئجار شقة النزاع لتكون مقر الجمعية فإن هذا التعاقد كان يتضمن تعهد الطاعن بأن تقبل الجمعية عند إنشائها إستئجار الشقة ، ويعتبر العقد المبرم بين الطاعن والمطعون ضده - المؤجر - مشتملاً على إيجاب من هذا الأخير موجهاً للجمعية ، إذا قبلت صارت مستأجرة للعين محل النزاع بموجب عقد إيجار جديد بينها و بين المؤجر ، يحل محل العقد الذى أبرمه الطاعن و تم تنفيذه بقبول الجمعية ، وإذ حلت الجمعية فقد إنقضت شخصيتها القانونية التى كانت تستأجر العين محل النزاع ، مما يجعل تنفيذ عقد الإيجار مستحيلاً لإنعدام المستأجر فينفسخ بقوة القانون عملاً بالمادة 159 من القانون المدنى ، ولا يحق للطاعن الإدعاء بأنه ما زال مستأجراً للعين إذ أن تعاقده إنتهى بمجرد قيام الجمعية و قبولها الإستئجار ، أو الإدعاء بأن جمعية خلفت الجمعية المنحلة فى عقد الايجار لأن لكل من الجمعيتين شخصية قانونية مستقلة تنشأ بشهر نظامها و تنقضى بحلها فيحظر على أعضائها كما يحظر على القائمين على إدارتها وعلى موظفيها مواصلة نشاطها أوالتصرف فى أموالها عملاً بالفقرة الأولى من المادة 58 من القانون 22 لسنة 1964 بشأن الجمعيات والمؤسسات الخاصة .

(الطعن رقم 529 لسنة 45 جلسة 1979/12/26 س 30 ع 3 ص 379 ق 408)

8- يشترط فى القوة القاهرة أو الحادث المفاجىء الذى يترتب عليه إستحالة التنفيذ و ينقضى به إلتزام عدم إمكان توقعة و إستحالة دفعه ، و تقدير ما إذا كانت الواقعه المدعى بها تعتبر قوة قاهرة هو تقدير موضوعى تملكه محكمة الموضوع فى حدود سلطتها التقديرية متى أقامت قضاءها على أسباب سائغة .

(الطعن رقم 2 لسنة 46 جلسة 1979/03/19 س 30ع 1 ص 859 ق 158)

9- عقد البيع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينفسخ حتما ومن تلقاء نفسه طبقا للمادة 159 من القانون المدنى بسبب إستحالة تنفيذ إلتزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبى ، ويترتب على الإنفساخ - ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، ويتحمل تبعة الإستحالة فى هذه الحالة المدين بالإلتزام الذى إستحال تنفيذه عملاً بمبدأ تحمل التبعة فى العقد الملزم للجانبين و لما كان الحكم قد أثبت أن إلتزام مورث الطاعنين نقل ملكية العقار المبيع للمطعون عليه قد صار مستحيلاً بسبب إستيلاء جهة الإصلاح الزراعى عليه تنفيذا لحكم القانون رقم 127 لسنة 1961 - بتحديد الحد الأقصى للملكية الزراعية للفرد بما يزيد عن مائة فدان - فإنه يكون بذلك قد أثبت إن إستحالة تنفيذ هذا الإلتزام ترجع لسبب أجنبى .

(الطعن رقم 119 لسنة 43 جلسة 1977/04/05 س 28 ع 1 ص 909 ق 156)

10- الهلاك المنصوص عليه فى المادة 437 من القانون المدنى ، هو زوال الشىء المبيع بمقوماته الطبيعية و لا يعد إستيلاء جهة الإصلاح الزراعى على الأطيان المبيعة بعد البيع هلاكاً لها تجرى عليه أحكام الهلاك فى البيع ، و تطبيق أحكام ضمان الإستحقاق لا يكون إلا حيث يرجع المشترى على البائع بهذا الضمان على أساس قيام عقد البيع أما إذا أختار المشترى سبيل المطالبة بفسخ العقد فإنه لا مجال لتطبيق هذه الأحكام و لما كان الحكم امطعون فيه قد خلص إلى أن المطعون عليه رفع دعواه بطلب فسخ عقد البيع بسبب إستيلاء جهة الإصلاح الزراعى على الأطيان المبيعة ، و قضى على الأساس السالف ذكره بإلزام الطاعنين برد الثمن الذى قبضه مورثهم - البائع - من المطعون عليه ، فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون .

(الطعن رقم 119 لسنة 43 جلسة 1977/04/05 س 28 ع 1 ص 909 ق 156)

11- إستحالة تنفيذ الإلتزام - بنقل الملكية - لسبب أجنبى ، لا يعفى البائع مورث الطاعنين من رد الثمن الذى قبضه من المشترى - المطعون عليه - ، بل إن هذا الثمن واجب رده فى جميع الأحوال التى يفسخ فيها البيع بحكم القانون ، و ذلك بالتطبيق لحكم المادة 160 من القانون المدنى ، ويقع الغرم على مورث الطاعنين نتيجة تحمله التبعة فى إنقضاء إلتزامه الذى إستحال عليه تنفيذه - بإستيلاء جهة الإصلاح الزراعى على العين المبيعة - ولا يجدى فى ذلك دفاع الطاعنين بأن المطعون عليه أهمل فى تسجيل العقد أو إثبات تاريخه .

(الطعن رقم 119 لسنة 43 جلسة 1977/04/05 س 28 ع 1 ص 909 ق 156)

12- أن حق المشترى فى إسترداد الثمن من البائع فى حالة فسخ البيع يقوم على أساس إسترداد ما دفع بغير حق ، وقد أكدت المادة 182 من القانون المدنى هذا المعنى بنصها على أنه يصح إسترداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لإلتزام زال سببه بعد أن تحقق وهو ما ينطبق على حالة ما إذا نفذ أحد المتعاقدين إلتزامه فى عقد فسخ بعد ذلك ، إلا أنه فى حالة إنفساخ العقد من تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدنى لإستحالة تنفيذ البائع لإلتزامه بنقل الملكية - بسبب تأميم وحدة سيارات البائع تنفيذاً للقانون رقم 151 لسنة 1963 فإن الثمن لا يقضى به فى هذه الحالة إلا كأثر من الآثار المترتبة على فسخ العقد أو إنفساخه طبقاً للمادة 160 من القانون المدنى التى تقضى بأنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد .

(الطعن رقم 256 لسنة 43 جلسة 1977/01/11 س 28 ع 1 ص 211 ق 48)

13- يترتب على الإنفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحال التى كانا عليها قبل العقد ، فيرد المشترى المبيع وثماره إذا كان قد تسلمه ، ويرد البائع الثمن وفوائده . وإذ كان الثابت أن المطعون عليهما قد أقاما دعواهما طالبين الحكم بفسخ عقد البيع الصادر لهما من المرحوم . . . . . الذى يمثله الطاعن لإستيلاء الإصلاح الزراعى على الأطيان موضوع العقد فى يونيه سنة 1958 إعتباراً من أول نوفمبر سنة 1955 وبتعويضهما عن الأجرة التى دفعاها إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى عن المدة من سنة 1955 حتى سنة 1958 ، وكان يترتب على هذا الإستيلاء إنفساخ العقد حتماً ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدنى بسبب إستحالة نقل الملكية إليهما ، فإنه يكون عليهما وقد إنفسخ العقد أن يرد الثمار إلى البائع عن المدة السابقة على إستيلاء الإصلاح الزراعى على الأرض مقابل رد البائع ما عجل من الثمن وفوائده حتى تاريخ الإستيلاء ، أما بعد هذا الإستيلاء فأن وضع يد المطعون عليهما على الأطيان لايكون مستنداً إلى أية رابطة تربطهما بالطاعن بعد أن إنفسخ عقده ، وآلت الملكية للإصلاح الزراعى بحكم القانون الآمر الذى يترتب عليه قيام علاقة جديدة بين المطعون عليهما والإصلاح الزراعى من تاريخ الإستيلاء ، ولا شأن للطاعن بالأطيان ما دام أنه لا خلاف فى أن المطعون عليهما الأولين هما اللذان كانا يضعان اليد عليها فى المدة من أول نوفمبر سنة 1955 حتى أخر أكتوبر سنة 1958 ، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ قضى للمطعون عليهما ضد الطاعن بمبلغ .... تعويضاً عن أجرة الأطيان المستحقة للإصلاح الزراعى فى المدة المذكورة التالية لإنفساخ العقد قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه .

(الطعن رقم 568 لسنة 39 جلسة 1974/11/21 س 25 ع 1 ص 1266 ق 215)

14- نزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة يعد هلاكاً كلياً يترتب عليه إنفساخ العقد بقوة القانون لإنعدام المحل ولا يجوز للمستأجر فى هذه الحالة أن يطالب المؤجر بتعويض وهو ما تقضى به الفقرتان الاولى والثالثة من المادة 569 من القانون المدنى وإذ كان الثابت فى الدعوى أنه صدر قرار وزارى بنزع ملكية العمارة التى كان يستأجر المطعون عليه الأول شقة فيها فإنها تعد فى حكم الهالكة هلاكاً كلياً وينفسخ العقد من تلقاء نفسه ، ويكون الحكم المطعون فيه قد أخطأ فى تطبيق القانون إذ إعتبر أن الطاعنة " المؤجرة " قد أخطأت بإخلاء المطعون عليه الأول من الشقة التى كان يسكنها وقضى له بالتعويض على هذا الأساس .

(الطعن رقم 163 لسنة 39 جلسة 1974/11/12 س 25 ع 1 ص 1213 ق 205)

15- إذ يبين من مطالعة الأوراق أن البيع موضوع الدعوى الذى إنتهى الحكم المطعون فيه - إن خطأ أو صوابا - إلى إنعقاده صحيحاً قبل حصول التأميم ، قد أنصب على مقومات مضرب الأرز من أرض و مبان و آلات ثابتة ، و كان المضرب بمقوماته هذه يعتبر عقاراً ، وإذا كانت ملكية العقار لا تنتقل لا بين المتعاقدين و لا بالنسبة إلى الغير إلا بالتسجيل ، و كان عقد بيع هذا المضرب لم يسجل قبل حصول التأميم ، فإن تلك الملكية تكون قد بقيت للبائعة حتى نقلها التأميم إلى الدولة ، و بذلك إستحال على البائعة تنفيذ إلتزامها بنقل الملكية إلى المشترية . متى كان ذلك و كان قانون التأميم لم يتضمن نص كالذى تضمنته قواينن الإصلاح الزراعى بالإعتداد بتصرفات المالك الثابتة التاريخ قبل العمل به ، بل أنه خلا من أى تنظيم لهذه التصرفات و بذلك بقيت على أصلها خاضعة لأحكام القانون المدنى ، من إشتراط التسجيل لإنتقال ملكية العقار فيما بين المتعاقدين ، و لا يغنى تسليم المبيع عنه شيئاً فى نقل الملكية ، و إذا كان عقد البيع ينفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدنى بسبب إستحالة تنفيذ إلتزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبى ، ويترتب على الإنفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، و يتحمل تبعة الإستحالة المدين بالإلتزام الذى إستحال تنفيذه عملاً بمبدأ تحمل التبعة فى العقد الملزم للجانبين و ذلك بالتطبيق للمادة 160 من القانون المدنى . و إذا خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر و إنتهى إلى إلزام الطاعنة - المشترية - بأن تدفع ثمن المضرب إلى المطعون عليها الأولى - البائعة - تأسيساً على القول بإنعقاد البيع صحيحاً بين الطرفين و تنفيذه بتسليم المضرب إلى الطاعنة تمهيداً لتحرير العقد النهائى الناقل للملكية ، بأنه لا أثر للتأميم على حق البائعة فى إقتضاء ثمن الصفقة ، لحصوله فى تاريخ لاحق لإنعقاد ذلك العقد ، فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون  

(الطعن رقم 424 لسنة 38 جلسة 1974/06/09 س 25 ع 1 ص 1027 ق 169)

16- من مقتضى القواعد العامة فى القانون المدنى أن الإلتزام ينقضى إذا أصبح الوفاء به مستحيلاً بسبب أجنبى لا يد للمدين فيه ، وأنه فى العقود الملزمة للجانبين إذا إنقضى الإلتزام بسبب إستحالة تنفيذه إنقضت معه الإلتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه ، ولئن كان مقتضى تطبيق هذه القواعد على عقد العمل أن تجنيد العامل يعد قوة قاهرة تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلاً على العامل ، ومن ثم ينفسخ العقد من تلقاء نفسه بمجرد تجنيد العامل ، إلا أنه لا مانع من إتفاق طرفى العقد على الإبقاء عليه ووقف نشاطه فى فترة التجنيد حتى إذا إنتهت عاد إلى العقد نشاطه و إستمر العامل فى عمله تنفيذا لهذا العقد .

(الطعن رقم 450 لسنة 35 جلسة 1972/03/25 س 23 ع 1 ص 514 ق 81)

17- يعتبر الفسخ واقعا فى العقد الملزم للجانبين باستحالة تنفيذه ، ويكون التنفيذ مستحيلا على البائع ، بخروج المبيع من ملكه وبجعله مسئولا عن رد الثمن ، ولا يبقى بعد إلا الرجوع بالتضمينات إذا كانت الإستحالة بتقصيره . وإذ كان الحكم المطعون فيه قد جعل الطاعنة " البائعة " مسئولة عن رد الثمن بسبب استحالة التنفيذ بعد إنتقال ملكية الأطيان المبيعة إلى الغير بعقد البيع المسجل ، ثم رتب على فسخ البيع إلزام البائع برد الثمن ، فإن الحكم يكون مقاما على أسباب تكفى لحمل قضائه ، ولاعليه إن هو أغفل الرد على ما تمسكت به الطاعنة " البائعة " فى دفاعها من عدم جواز مطالبتها بالثمن قبل طلب الفسخ .

(الطعن رقم 37 لسنة 37 جلسة 1971/06/03 س 22 ع 2 ص 734 ق 120)

18- عقد البيع ينفسخ حتما و من تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدنى بسبب استحالة تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبى ، ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، ويتحمل تبعة الاستحالة فى هذه الحالة المدين بالالتزام الذى إستحال تنفيذه عملاً بمبدأ تحمل التبعة فى العقد الملزم للجانبين ، فإذا أثبت الحكم المطعون فيه أن التزام الطاعن بنقل ملكية العين المبيعة قد صار مستحيلا بسبب الإستيلاء عليها لديه تنفيذا للقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل قانون الإصلاح الزراعى ، فإنه يكون بذلك قد أثبت أن استحالة تنفيذ هذا الإلتزام ترجع إلى سبب أجنبى . وإذ كان وقوع الاستحالة لهذا السبب الأجنبى لا يعفى الطاعن من رد الثمن الذى قبضه ، بل إن هذا الثمن واجب رده فى جميع الأحوال التى يفسخ فيها العقد أو ينفسخ بحكم القانون ، وذلك بالتطبيق لحكم المادة 160 من القانون المدنى ، ويقع الغرم على الطاعن نتيجة تحمله التبعة فى انقضاء إلتزامه الذى إستحال عليه تنفيذه وكان لا ينفى هذه الاستحالة أن المطعون عليه استمر يضع اليد على القدر المبيع ، ذلك أن واضع اليد على الأراض المستولى عليها يستمر - بحكم القانون - فى وضع يده عليها ، ويعتبر مكلفا بزراعتها مقابل دفع سبعة أمثال الضريبة سنويا إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى حتى تقوم هذه الهيئة باستلامها فعلا ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن برد الثمن تأسيسا على انفساخ العقد لإستحالة تنفيذ الطاعن التزامه بنقل الملكية ، يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحاً  ويكون غير منتج دفاع الطاعن بأن المطعون عليه هو الذى أهمل فى تسجيل عقده أو فى التقدم إلى اللجنة القضائية للإصلاح الزراعى للاعتداد بهذا العقد .

(الطعن رقم 303 لسنة 36 جلسة 1971/03/02 س 22 ع 1 ص 244 ق 40)

19- عقد البيع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ينفسخ حتما من تلقاء نفسه طبقا للمادة 159 من القانون المدنى بسبب إستحالة تنفيذ إلتزام أحد المتعاقدين بسبب أجنبى ، ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، ويتحمل تبعة الاستحالة فى هذه الحالة المدين بالالتزام الذى استحال تنفيذه ، عملاً بمبدأ تحمل التبعة فى العقد الملزم للجانبين . فإذا أثبت الحكم المطعون فيه أن التزام مورث الطاعنين بنقل ملكية العقار المبيع للمطعون عليه قد صار مستحيلا بسبب اسيتلاء الإصلاح الزراعى عليه تنفيذاً لحكم القانون 127 لسنة 1961 بتعديل بعض أحكام قانون الإصلاح الزراعى ، فإنه يكون بذلك قد أثبت أن استحالة تنفيذ هذا الالتزام ترجع إلى سبب أجنبى . وإذ كان وقوع الاستحالة لهذا السبب الأجنبى لا يعفى البائع مورث الطاعنين من رد الثمن الذى قبضه من المطعون عليه ، بل إن هذا الثمن واجب رده فى جميع الأحوال التى يفسخ فيها العقد أو ينفسخ بحكم القانون ، و ذلك بالتطبيق لحكم المادة 160 من القانون المدنى ، ويقع الغرم على مورث الطاعنين نتيجة تحمله التبعة فى انقضاء التزامه الذى استحال عليه تنفيذه ، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون إذ قضى بالتزام الطاعنين برد الثمن الذى قبضه مورثهم من المطعون عليه ، و يكون غير منتج دفاع الطاعنين بعدم وقوع خطأ من مورثهم ، و بإهمال المطعون عليه فى تسجيل العقد أو إثبات تاريخه .

(الطعن رقم 305 لسنة 36 جلسة 1971/02/16 س 22 ع 1 ص 188 ق 32)

20- لا يجدى إدعاء الطاعنة "الشركة البائعة " بأن عقد البيع " و محله أرض أكل النهر " قد انفسخ لاستحالة تنفيذه و بصدور القانون رقم 192 لسنة 1958 فى شأن طرح النهر و أكله ، لأنه و إن كان هذا القانون قد منع تسليم أرض من طرح النهر لأصحاب أرض أكل النهر ، و قصر التعويض عنها على ما يعادل قيمة الأرض ، إلا أن ذلك ليس من شأنه أن يحرم المشترى من حقه فى الحصول على مقابل عن هذه الأرض

(الطعن رقم 123 لسنة 36 جلسة 1970/05/26 س 21 ع 2 ص 900 ق 144)

21- ينفسخ عقد البيع حتما و من تلقاء نفسه طبقا لنص المادة 159 من القانون المدنى بسبب إستحالة تنفيذ إلتزام أحد المتعاقدين بسبب أجنبى ، ويترتب على إنفساخه ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد فيلتزم البائع برد الثمن إذ المدين بالإلتزام الذى إستحال تنفيذه هو الذى يتحمل تبعة هذه الإستحالة عملاً بمبدأ تحمل التبعة فى العقد الملزم للجانبين . وإذ كان الثابت أن إلتزام البائع بنقل ملكية القدر المبيع إلى المشترى قد أصبح مستحيلا بسبب الإستيلاء عليه لدى البائع تنفيذا لقانون الإصلاح الزراعى رقم 178 لسنة 1952 فإن مقتضى هذه الإستحالة أن ينفسخ العقد وأن يلزم البائع وورثته من بعده برد الثمن بالتطبيق للمادة 160 من القانون المدنى إذ الغرم يقع على البائع نتيجة تحمله تبعة إنقضاء إلتزامه .

(الطعن رقم 185 لسنة 35 جلسة 1969/03/13 س 20 ع 1 ص 432 ق 70)

22- إذا ما قرره الحكم المطعون فيه يفيد أن محكمة الإستئناف بعد أن إعتبرت العقد المبرم بين الطاعن و المطعون ضده منفسخا بقوة القانون لإستحالة تنفيذ إلتزام البائع " الطاعن " نقل الملكية إلى المشترى ورتب على ذلك عدم أحقية البائع فى مطالبة المشترى بدفع الثمن ثم عادت المحكمة عند بحثها طلب ريع الأطيان المبيعة وطلب التعويض المتفق عليه فى العقد و إعتبرت هذا العقد قائما و رتبت على ذلك حق البائع فى حبس الثمن وإعتبار طلب الريع سابقاً لأوانه لأن مجال بحثه إنما يكون عند فسخ العقد فإن هذا من الحكم تناقض تتماحى به أسبابه إذ لا يعرف منها إذا كانت المحكمة قد إعتبرت العقد منفسخا أوأنه قائم ومنتج لآثاره وإذ كانت نتيجة الفصل فى الطلبات التى قضى فيها الحكم المطعون فيه تختلف فى حالة إنفساخ العقد عنها فى حالة قيامه فإن الحكم يكون بما وقع فيه من تناقض على هذا النحو يعجز محكمة النقض عن مباشرة سلطتها فى التحقيق من مدى صحة تطبيق القانون و يتعين لذلك نقضه .

(الطعن رقم 477 لسنة 34 جلسة 1968/05/30 س 19 ع 2 ص 1079 ق 160)

23- يترتب على نزع ملكية العين المؤجرة للمنفعة العامة انفساخ عقد الإيجار من تلقاء نفسه لاستحالة تنفيذه بسبب إنعدام المحل لسبب أجنبى .

(الطعن رقم 51 لسنة 34 جلسة 1967/05/25 س 18 ع 2 ص 1129 ق 167)

24- لم يحظر القانون رقم 178 لسنة 1952 على المالك التصرف فيما يستبقيه لنفسه فى حدود المائتى فدان ولم يضع أى قيد على هذا التصرف و من ثم فلا يترتب على صدور هذا القانون استحالة تنفيذ إلتزام المالك بنقل ملكية القدر الذى باعه من تلك الأطيان . فإذا كان البائع لم يدرج فى إقراره القدر المبيع ضمن الأطيان التى اختارها لنفسه بصفة أصلية وامتنع بذلك نقل الملكية للمشترى فى الفترة بين تقديم هذا الإقرار وموافقة جهة الاصلاح الزراعى على إعمال مقتضى التحفظ الوارد فيه بشأن هذا القدر وإعتباره ضمن الأطيان المحتفظ بها للمالك ، وكان هذا المانع المؤقت لم يترتب عليه فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع زوال المنفعة المرجوة من العقد فلا يكون له من أثر سوى تأجيل تنفيذ الإلتزام فى الفترة التى قام فيها ولايؤدى إلى انفساخ العقد بقوة القانون

(الطعن رقم 263 لسنة 26 جلسة 1963/01/03 س 14 ع 1 ص 37 ق 3)

25- بيع البضاعة المتعاقد عليها بأمر من القضاء المستعجل خشية تلفها حتى يفصل فى النزاع القائم بين الطرفين بشأن البيع الصادر بينهما لايؤدى إلى إنفساخ هذا العقد و لايسوغ فى ذاته الفسخ إذ أن بيع البضاعة على هذا الوجه لايقاس بهلاك الشىء المبيع الموجب لانفساخ عقد البيع ذلك أن الهلاك الذى نصت عليه المادة 297 من القانون المدنى القديم المقابلة للمادة 437 من القانون الجديد هو زوال الشىء المبيع من الوجود بمقوماته الطبيعية بسبب آفة سماوية أو حادث مادى بفعل إنسان ، أما بيع الشىء بأمر القضاء المستعجل خشية التلف فهو إجراء وقتى قصد به صيانة الشىء المبيع من الهلاك و حفظ قيمته لحساب من يقضى بالتسليم إليه ونقل النزاع الذى كان دائرا حول عين معينة إلى بديلها و هو الثمن المتحصل من بيعها و هو الذى ينصرف إليه أثر عقد البيع

(الطعن رقم 74 لسنة 23 جلسة 1957/02/21 س 8 ع 1 ص 158 ق 20)

شرح خبراء القانون

إستحالة التنفيذ الراجعة لخطأ المدين :

ينشئ العقد التزامات متبادلة، فيصبح كل متعاقد دائناً بالنسبة للالتزامات التي قررها له العقد في ذمة المتعاقد الآخر، كما يصبح كل متعاقد مديناً بالالتزامات التي يرتبها العقد في ذمته لصالح المتعاقد الآخر، ففي عقد البيع يكون البائع دائناً للمشتري بالثمن ومديناً له بتسليم المبيع ونقل الملكية، ويكون المشتري دائناً للبائع بتسليم المبيع ونقل ملكيته ومديناً له بالثمن.

ويظل العقد نافذا طالما كان تنفيذ الالتزامات التي تضمنها ممكناً، بحيث إذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه، جاز إجباره على ذلك طالما كان التنفيذ ممكناً، يستوي في ذلك التنفيذ العيني والتنفيذ بطريق التعويض بإعتبارهما قسمين يتقاسمان تنفيذ التزام المدين، بحيث إذا تعذر التنفيذ العينى أو كان مرهقاً للمدين، فإن العقد لا ينفسخ وإنما ينفذ بطريق التعويض ولو كان الدائن قد قصر طلباته على التنفيذ العيني إذ تنطوى تلك الطلبات ضمناً على التنفيذ بطريق التعويض بما لا يساغ القول معه بأن المحكمة قد قضت بما لم يطلبه الخصوم .

ففي عقد البيع، يلتزم البائع بتسليم المبيع للمشتري ونقل ملكيته إليه، وهو التزام بتحقيق غاية، فإن لم تنتقل الملكية للمشتري لأي سبب، تحققت مسئولية البائع، فإن كان تنفيذ هذا الإلتزام ممكناً عن طريق دعوى صحة ونفاذ عقد البيع استصدر المشتري حكماً بذلك وبتسجيله أو بالتأشير بمنطوقه في هامش تسجيل صحيفة الدعوى، تنتقل إليه ملكية العقار المبيع، أما إن أصبح تنفيذ هذا الإلتزام غير ممكن، كما لو كان البائع قد تصرف مرة أخرى في ذات المبيع وانتقلت ملكيته الى المتصرف إليه، فإن عقد البيع الأول لا ينفسخ بقوة القانون، لأن استحالة تنفيذه عيناً لم ترجع إلى سبب أجنبي وإنما إلى خطأ البائع وهو ما يجوز معه للمشتري تنفيذ العقد بطريق التعويض وذلك بالرجوع على البائع بقيمة العقار وقت رفع الدعوى عملاً بالمادة 215 من القانون المدني - استناداً إلى قواعد المسئولية العقدية القائمة على إخلال البائع بالتزاماته المترتبة على عقد البيع.

وللمشتري بدلاً من الرجوع على البائع وفقاً لقواعد المسئولية العقدية، أن يرجع عليه وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية، بموجب دعوى الفسخ والتعويض ومتى قضى فيها بالفسخ والتعويض، التزم البائع برد ما كان قد قبضه من ثمن وفوائده القانونية إن لم يكن المشتري قد تسلم المبيع، فإن كان قد تسلمه فلا يجوز له طلب الفوائد حتى لا يجمع بين ثمرة البدلين، المبيع والثمن ما لم تكن ثمرة أحد البدلين أكبر من الأخرى فتحصل المقاصة بين الثمرتين بقدر الأقل منهما، فضلاً عن التعويض ويدخل في عناصره الضرر سواء كان متوقعاً أو غير متوقع.

وطالما كان التزام المدين التزاماً بتحقيق غاية - كالتزام البائع بنقل الملكية فلا يستطيع درأ مسئوليته إلا بإثبات السبب الأجنبي كقوة قاهرة أو حادث مفاجئ أو خطأ الغير أو خطأ الدائن نفسه، ولا يتوافر خطأ المشتري إذا تراخي في إجراءات تسجيل العقار مما أدى إلى تأميمه وبالتالي إستحالة تنفيذ البائع لإلتزامه وحينئذ ينفسخ العقد ويتحمل البائع تبعة تلك الاستحالة مما يلتزم معه برد الثمن للمشتري عملاً بأحكام رد غير المستحق المنصوص عليها بالمادة 182 من القانون المدني.

كما لا ينفسخ العقد بقوة القانون إذا كان عدم تنفيذ المدين لإلتزامه متوقعاً بأن يتطلب القانون شروطاً معينة لنفاذ التصرف وتتخلف تلك الشروط، كموافقة مجلس الوزراء على البيع العقاري الصادر الأجنبي، فإذا تخلفت أصبح التصرف باطلاً ولا ينفسخ بقوة القانون، وأيضا بيع أراضى طرح النهر لمن أكل النهر أرضه إذا تم البيع بعد القانون الذي حظر ذلك.

وأيضاً يرجع الخطأ إلى البائع عندما يبيع طابقاً في بناء مزمع إنشاؤه، ثم يصدر له ترخيص البناء غير متضمن الطابق المبيع، إذ ترجع إستحالة التنفيذ في هذه الحالة إلى خطأ في جانب المدين وهو البائع، وبالتالي لا ينفسخ العقد وإنما ينفذ بطريق التعويض ما لم يطلب الدائن وهو المشترى الفسخ أو الفسخ والتعويض، وحينئذ تقضى المحكمة بالفسخ وتقدر التعويض وفقاً للقواعد العامة في المسئولية التقصيرية، أي بما لحق المشتري من خسارة وما فاته من کسب، دون أن تعتد بالشرط الجزائي الذي تضمنه العقد . 

كما لا ينفسخ العقد إذا تصرف البائع في العقار المبيع بعقد بيع صوري صورية مطلقة حتى لو سجل هذا العقد، بإعتبار أن عقد البيع الصوري صورية مطلقة هو عقد لا وجود له في الواقع وفي نظر القانون حتى لو تم تسجيله ويكون للمشترى طلب تنفيذ التزام البائع بالتسليم ونقل الملكية تنفيذاً عينياً بموجب دعوى يرفعها على البائع وعلى المشتري الصورى يطلب فيها الحكم بصحة ونفاذ عقده و بصورية العقد الآخر صورية مطلقة، وباعتباره من طبقة الغير بالنسبة للعقد الأخير فإن له إثبات صوريته بكافة طرق الإثبات القانونية بما في ذلك البينة والقرائن ومتى تمكن من هذا الإثبات، فإن عقده يكون صحيحاً ونافذاً وبالتالي يمكن تنفيذ التزامات البائع عيناً بتسجيل الحكم أو بالتأشير بمنطوقه في هامش تسجيل صحيفة الدعوى .

إنفساخ عقد البيع بقوة القانون بإستحالة تنفيذه :

أوضحنا فيما تقدم أن استحالة تنفيذ العقد التي ترجع لخطأ المدين لا تؤدى الى إنفساخ العقد بقوة القانون لأن إرادة المدين تكون لها دخل في هذه الإستحالة إذ لولاها ما حققت الإستحالة . 

أما إن لم تكن لإرادة المدين دخل في إستحالة تنفيذ العقد، فإن العقد ينفسخ بقوة القانون، ويتحقق ذلك إذا رجعت الإستحالة إلى سبب أجنبي، كقوة قاهرة أو حادث فجائي أو خطأ الغير أو خطأ الدائن، ففي عقد البيع يلتزم البائع بنقل ملكية المبيع للمشتري، وهو التزام بتحقيق غاية، فلا يستطيع البائع أن يدرأ مسئوليته بالنسبة له إذا أقام الدليل على أن عدم تنفيذه لإلتزامه يرجع إلى قوة قاهرة كزلزال هدم العقار المبيع أو إحتلال العدو أو استيلاء السلطة أو تفجير العقار بفعل الغير أو بخطأ من الدائن نفسه، وحينئذ ينفسخ العقد بقوة القانون ويصبح كأن لم يكن بكل ما تضمنه من شروط ومن ثم يتحمل المدين تبعة هذه الإستحالة حتى لو كان قد اشترط عدم مسئوليته أو كان بائعا وتم البيع بشرط سقوط خيار المشتري، إذ يترتب على إنفساخ العقد زواله مما يحول دون الإستناد إليه في درة التبعة المقررة في حالة إنفساخ العقود الملزمة للجانبين .

وفي العقود التي يلتزم فيها المدين بالقيام بعمل، كما لو كان رساماً أو مطرباً، فإن العقد المبرم معه لا ينفسخ بقوة القانون إلا إذا كانت إستحالة تنفيذه راجعاً إلى سبب أجنبي، كحادث أدى إلى بتر يد الرسام أو مرض حال دون المطرب وإحياء الحفل في الموعد المتفق عليه، فإن رجع عدم التنفيذ الى خطأ الغير، وجب ألا يكون ذلك متوقعاً، إذ في هذه الحالة كان يمكن تدارك ذلك، ويعتبر تأخير وسائل المواصلات من الأمور المتوقعة، ومن ثم إذا ترتب على ذلك عدم قيام المدين بالعمل في الميعاد المحدد، فلا يتوافر بذلك السبب الأجنبي، كما لو وصل القطار بعد الميعاد المتفق عليه مما استحال معه تنفيذ الإلتزام، وطالما كان التأخير متوقعاً يتعين على المدين التواجد فى الميعاد المناسب.

والسبب الأجنبي واقعة مادية يجوز للمدين إثباتها بكافة الطرق المقررة قانوناً ومنها البينة والقرائن، ومتى أثبته المدين، انقضى إلتزامه عملاً بالمادة 373 من القانون المدني التي يجري نصها بأن ينقضى الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه لسبب أجنبي لا بد له فيه، ومتى انقضت التزامات المدين انقضت التزامات الدائن فيعود كل منها إلى الوضع الذي كان عليه قبل التعاقد عملاً بالمادة 160 من القانون المدني ولا موجب للتعويض لإنتفاء الخطأ في جانب المدين لتحقق الضرر بسبب أجنبي، الذي تنتفي معه مسئولية المدين بإعتبار أن الخطأ أحد أركانها فلا تقوم إلا بقيامه .

وعملا بالمادتين 159، 373 من القانون المدني، أن الإلتزام إذا انقضى لاستحالة تنفيذه، انفسخ العقد من تلقاء نفسه، وتتحدد المسئولية بالنظر لما إذا كانت الإستحالة ترجع إلى السبب الأجنبي أو لخطأ أحد المتعاقدين، مما مفاده أن محل الإلتزام كان جائزاً تنفيذه.

كما تنص المادة 132 على أنه إذا كان محل الإلتزام مستحيلاً في ذاته، كان العقد باطلاً، وبالتالي فإن بطلان العقد يتحقق في حالة إستحالة المحل، فإن لم يكن المحل مستحيلاً في ذاته، وإنما إذا رجعت الاستحالة إلى التنفيذ، انقضى الإلتزام وانفسخ العقد، وبدأ التقادم في الحالة الأخيرة اعتباراً من الحكم النهائی.

 إستحالة التنفيذ و هلاك محل العقد :

تناولت المادة 159 من القانون المدني إستحالة التنفيذ بوجه عام، بينما نصت المادة 437 منه على استحالة التنفيذ في عقد البيع بهلاك المبيع، مما يوجب إعمال كل نص في نطاقه. ومن ثم يجب إخضاع هلاك العين المبيعة للنص الأخير ومؤداه أن الهلاك إذا تم قبل التسليم يكون على البائع إلا إذا كان قد أعذر المشتري بتسلمه وحينئذ تكون تبعة الهلاك على المشترى لأن تلك التبعة انتقلت إلى المشترى بموجب الإعذار، وإذا هلكت العين بعد تسليمها للمشتري فإن تبعة الهلاك تكون عليه ويتعين عليه الوفاء بكامل الثمن، ولا يعتد في هذا الصدد بإنتقال الملكية، خلافاً لإستحالة التنفيذ عملاً بالمادة 159 فتكون التبعة على المالك حتى لو كانت العين قد سلمت للمشترى، مثال ذلك أن يصدر قرار إستيلاء على المبيع تحت يد المشتري الذي لم ينتقل إليه ملكيته بعد، وهو ما يحول دون البائع وتنفيذ التزامه بنقل الملكية، فينفسخ العقد لإستحالة تنفيذه ويتحمل البائع التبعة مما يوجب عليه رد الثمن للمشترى حتى لو كان الأخير قد تراخي في تسجيل العقد.

والهلاك الذي تعنيه المادة 437 من القانون المدني، هو الهلاك المادي للمبيع بزواله، ومن ثم لا يعتبر هلاكا نزع ملكية المبيع أو الإستيلاء عليه وإنما يترتب على ذلك استحالة تنفيذ البائع لإلتزامه بنقل الملكية، فينفسخ العقد عملاً بالمادة 159 من القانون المدني، وعلى هدى ذلك يتحدد نطاق كل من المادتين سالفتي البيان. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/الثالث الصفحة/ 220)

إنفساخ العقد بقوة القانون

يتحقق إنفساخ العقد بقوة القانون، إذا أصبح تنفيذ التزام المتعاقد مستحيلاً، لسبب أجنبي ليس للمدين يد فيه، إذ في هذه الحالة تزول الإلتزامات المتقابلة على المتعاقد الآخر بدورها وبقوة القانون ويقال إن العقد قد انفسخ والعلة في هذا واضحة، فقد انقضى التزام المدين لإستحالة تنفيذه بسبب أجنبي، فلم يعد ثمة محل للمسئولية العقدية ليختار الدائن بينها وبين فسخ العقد كما كان يفعل لو أن الاستحالة لا ترجع إلى سبب أجنبي، فلم يبق إلا فسخ العقد، ولا محل هنا للخيار بين التنفيذ والفسخ، لأن هذا لا يتصور إلا إذا كان التنفيذ لا يزال ممكناً ولذلك فإن الفسخ يقع بقوة القانون.

فالإنفساخ كالفسخ سبب لانحلال العقد، ولكنه يتميز عن الفسخ الذي هو جزاء الإخلال المدين بالتزامه، في إنه يجئ نتيجة كون التزام أحد المتعاقدين قد أصبح مستحيلاً لسبب أجنبي .

ومثال ذلك أن يتعاقد شخص مع أحد المنتجين السينمائيين على أن يمثل فی رواية، ثم يموت أو يمرض مرضاً يحول بينه وبين أن يؤدي دوره في ميعاده ومثال ذلك أيضاً أن يؤجر شخص لآخر داره، ويلتزم بالتالي بتمكينه من الإنتفاع بها. ثم تنهدم هذه الدار بزلزال، أو تنزع ملكيتها للمنفعة العامة، فيستحيل على المؤجر الوفاء بالتزامه .

وسنرى أنه مما يرتبط بهذا النص ما تقضي به المادة 215 مدني من أنه : به استحال على المدين أن ينفذ الالتزام عیناً حكم عليه بالتعويض بعدم الوفاء بإلتزامه به لم يثبت أن إستحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه .

وما تنص عليه المادة 373 مدني من أنه: "ينقضى الالتزام إذا أثبت المدين أن الوفاء به أصبح مستحيلاً عليه بسبب أجنبي لا يد له فيه".

شروط الإنفساخ :

يشترط لتحقق الإنفساخ توافر الشروط الآتية :

الشرط الأول :

أن يصير التزام العاقد مستحيلاً

وهذا يعني أن يصبح تنفيذ التزام أحد العاقدين غير ممكن.

والمقصود بالإستحالة هنا هو الاستحالة الموضوعية المطلقة التي تتعلق بالإلتزام في ذاته ومن حيث هو، وليست الإستحالة الذاتية المتعلقة بالمدين نفسه، شأن الاستحالة هنا، شأن الإستحالة المبتدأة التي تكون عند إبرام العقد، والتي تؤدي، كما رأينا في موضعه، إلى بطلانه وعدم قيامه أصلاً .

ولا تتوافر الإستحالة المطلقة من مجرد وجود مانع مؤقت من الوفاء العيني إنما يترتب على هذا المانع المؤقت عدم تنفيذه في فترة الإستحالة أي مجرد توقف العقد، على أن يعود تنفيذه عند زوال المانع .

غير أن الإستحالة المطلقة قد تتوافر رغم وقتية المانع من الوفاء العيني وذلك في الحالات التي يكون فيها الميعاد المحدد للوفاء محل اعتبار، ومن ثم فإن تجنيد العامل في الميعاد المحدد لقيامه بالعمل، يعد قوة قاهرة تجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلاً فينفسخ العقد بمجرد تجنيد هذا العامل، إلا أنه لا يمنع في مثل هذه الحالة أن ينفق الطرفان على الإبقاء على العقد دون إنفساخ وتأجيل تنفيذه إلى ما بعد انتهاء فترة التجنيد.

الشرط الثاني: 

أن تكون إستحالة تنفيذ الالتزام كاملة :

فإذا كانت استحالة تنفيذ الالتزام جزئية، فإن الإنفساخ لا يقع، وإنما يثبت للدائن الخيار بين أن يتمسك بالعقد في حدود ما بقي ممكن التنفيذ من حقه نظير ما يتناسب معه من الإلتزام المقابل، وبين أن يطلب فسخ العقد برمته.

وإذا طلب الدائن هنا الفسخ، جاز للمحكمة أن تعمل سلطتها التقديرية المنصوص عليها في المادة2/157، فلا تجيب الدائن إلى الفسخ، إذا كان ما أصبح تنفيذه مستحيلاً قليل الأهمية بالنسبة إلى التزامات المدين في جملتها ولكن لا يجوز للمحكمة هنا أن تنظر المدين إلى أجل، إلا بالنسبة إلى ما بقي ممكن التنفيذ من التزامه .

الشرط الثالث

أن تكون استحالة تنفيذ الإلتزام ناشئة في تاريخ لاحق لقيام العقد 

أما إذا كانت استحالة تنفيذ الإلتزام قبل انعقاد العقد، فإن هذا العقد لا يكون قد انعقد أصلاً، ويضحي باطلاً لاستحالة محله، كما رأينا سلفاً .

الشرط الرابع :

أن تكون استحالة تنفيذ الالتزام راجعة لسبب أجنبي عن المدين :

يشترط أن تكون استحالة تنفيذ الإلتزام راجعة إلى سبب أجنبي عن المدين لا يد له فيه أما إذا كانت الإستحالة ناشئة بسبب يعزى إلى المدين، فإن العقد لا ينفسخ، ويبقى إلتزامه قائماً، وإن إستحال إلى تعويض لتعذر الوصول إلى تنفيذه عيناً .

وتكون استحالة تنفيذ الالتزام راجعة إلى سبب أجنبي عن المدين لا بد له فيه، إذا كانت ناشئة عن قوة قاهرة أو عن خطأ الدائن سواء كان الخطأ عملاً إيجابياً أو سلبياً، كما يلحق بخطأ الدائن الخطأ الذي يقع ممن هو مسؤول عن أفعاله كالتابع والخاضع لرعايته، إذ لا يعتبر هذا أو ذاك من طائفة الغير بالنسبة للدائن في هذا الخصوص.

ويتوافر السبب الأجنبي أيضا متى كانت الإستحالة ناشئة عن فعل الغير، أي غير المدين فإذا كانت الاستحالة راجعة إلى خطأ الغير، انقضى التزام المدين وانفسخ العقد، وقامت مسئولية تقصيرية قبل هذا الغير لتعويض المضرور من هذا الإنفساخ أما إذا كان فعل الخير لا ينطوي على خطأ من جانبه، فإنه لا يؤدي إلى إنفساخ العقد إلا إذا توافرت في هذا الفعل شرائط الحادث الفجائي ذلك أنه إذا كان فعل الغير مشروعاً وكان متوقعاً أو كان ممكناً توقيه أو درء نتيجته، ظل التزام المدين قائماً واجب الوفاء عن طريق التنفيذ بمقابل بعد أن إستحال التنفيذ العيني.

وأخيراً قد يتحقق السبب الأجنبي بواقعة لا ترجع إلى فعل أي شخص، ولا تتوافر لها شرط عدم التوقع، كما لو مرض المدين فاستحال عليه الوفاء بإلتزام القيام بعمل كالغناء أو التمثيل أو إلقاء محاضرة، فينقضى إلتزامه وينفسخ العقد الإستحالة التنفيذ رغم أن المرض أمر متوقع وكثير الحدوث.

وقوع الإنفساخ من تلقاء نفسه

إذا كانت الإستحالة راجعة إلى سبب أجنبي فإن الإلتزام ينقضي طبقاً للمادة 373 مدنی وينفسخ العقد من تلقاء نفسه عملاً بالمادة 159 مدني ولا حاجة هنا إلى الإعذار، فالإعذار لا يتصور إلا إذا كان التنفيذ ممكناً، كما لا توجد هناك حاجة لصدور حكم قضائي بالفسخ، فالعقد ينفسخ بقوة القانون.

على أن ذلك لا يمنع من إمكان تدخل القضاء إذا ما ثار نزاع بين المتعاقدين حول ما إذا كان ثمة سبب أجنبي مؤد إلى إنقضاء الالتزام وتبعاً لإنفساخ العقد، إذ في مثل هذه الحالة للقضاء أن يتدخل ليقرر ما إذا كان العقد قد انفسخ أم مازال قائماً وإذا صدر حكم بالفسخ هنا فإن هذا الحكم يكون مقرراً لا منشئاً للفسخ .

 تحمل التبعة عند إنفساخ العقد :

في العقد الملزم للجانبين، إذا انقضى الإلتزام لإستحالة تنفيذه بسبب أجنبي، فإن تبعة هذه الإستحالة تقع على عاتق المدين بهذا الإلتزام وذلك لأنه لا يستطيع أن يطالب الدائن بالإلتزام الذي يقابله وإذا كان قد أداه فله أن يطلب استرداده، فتقع الخسارة عليه في النهاية فلو أن المبيع هلك بسبب أجنبي في يد البائع قبل تسليمه إلى المشترى فإن البائع، وهو المدين بالتسليم، هو الذي يتحمل تبعة هذا الهلاك وأساس هذا الحل فكرة الإرتباط بين الالتزامات المتقابلة للمتعاقدين .

هل يقع الإنفساخ في العقد الملزم لجانب واحد ؟

يلاحظ أن المشرع لم يعرض إلا لإنفساخ العقد الملزم للجانبين، وذلك في المادة 159، فهو لم يعرض أصلاً لإنفساخ العقد الملزم لجانب واحد.

مع ذلك فإن الإنفساخ يرد على العقد الملزم لجانب واحد، كما يرد على العقد الملزم للجانبين، وذلك بخلاف الفسخ الذي لا يتصور وروده إلا في خصوص العقد الملزم للجانبين.

غير أنه في العقد الملزم لجانب واحد، إذا إستحال تنفيذ الإلتزام بسبب أجنبي، فإن الذي يتحمل تبعة هذه الإستحالة هو الدائن وذلك لأنه لا يستطيع أن يطالب المدين بشيء، وليس في ذمته التزام يتحلل منه في مقابل تحلل المدين من التزامه، فيتحمل الخسارة في النهاية فإذا كانت هناك وديعة بغير أجر ثم هلكت عند المودع لديه بسبب أجنبي فاستحال عليه ردها، تحمل المودع وهو الدائن تبعة هذا الهلاك.

فيمكن القول إذن بوجه عام إن المدين هو الذي يتحمل التبعة في العقود الملزمة للجانبين والدائن هو الذي يتحملها في العقود الملزمة لجانب واحد.

آثار إنفساخ العقد :

إذا انفسخ العقد بحكم القانون، ترتب على إنفساخه ما يترتب على فسخه بحكم القاضي أو بحكم الإتفاق، فيعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد (م 160) .

أي أن الإنفساخ يكون بأثر رجعي مع مراعاة ما ذكرناه من انتفاء الأثر الرجعي في عقود المدة ومع عدم الإخلال بالحماية القانونية من الإنفساخ المقرر للغير حسن النية.

غير أن الدائن هنا لا يستحق تعويضاً عما يناله من ضرر بسبب تفويت الصفقة، لأن استحالة التنفيذ لا ترجع إلى خطأ المدين وبهذا يتميز الإنفساخ عن الفسخ، الذي لا يحول دون حق الدائن في التعويض عن الضرر الذي يرتبه له، جزاء لتقصير المدين في الوفاء بالتزامه .

هلاك محل الإلتزام وتخلف شيء آخر :

قد يهلك محل الإلتزام ويخلف شيئا آخر وراءه ومثل ذلك تهدم المنزل المبيع أو احترافه قبل تسليمه إلى المشتري أو قبل انتقال ملكيته إليه لعدم تسجيل العقد، ويتخلف أو حق في التعويض أو في مبلغ التأمين غير أن هذه المسألة لم يتناولها وراءه أنقاض الفقه أو القضاء وإنما سار القضاء على الحكم بوقوع الإنفساخ في الحالة التي نحن بصددها، تأسيساً على استحالة تنفيذ الإلتزام لسبب أجنبي عن المدين، دون أن يتطرق أصلاً إلى البحث عما إذا كان هلاك الشيء الذي أدى إلى استحالة التنفيذ قد خلف وراءه شيئاً أم لم يخلف.

ويعلل البعض مسلك القضاء بأن الحق الذي خلفه هلاك محل الإلتزام، في الدعاوى التي عرضت عليه، لم يصل من الأهمية إلى حد يسعى الدائن إلى أن يستأثر به بديلاً عن الشيء التي ورد التزامه في الأصل عليه فيعترض على حصول الإنفساخ .

ولكن المسألة ثارت في الكويت في حالة نزع ملكية العقار المبيع قبل تسجي البيع بسبب أن الدولة هناك تدفع مقابلاً سخياً للإستملاك بحيث جرت عادة الكويت إلى أن يسعوا هم لدى السلطات في أن تملك أراضيهم وقد ثارت تلك المسألة في خصوص تحديد من يثبت له مقابل استملاك العقار المبيع بعد غير مسجل. أهو المشتري أم البائع وقد قضت محكمة التمييز الكويتية بإنفساخ البيع في الحالة التي نحن بصددها و بأحقية البائع في مقابل الاستملاك تأسيسا عليه وذلك برغم أن المشتري كان قد تمسك بعدم الإنفساخ، قانعا بمقابل الإستملاك ومكتفياً به بدل العقار المشترى.

وكان المشروع التمهيدي للتقنين المدني ينص في المادة 283 على أنه : "فی الالتزام بنقل حق عيني، إذا هلك الشيء أو ضاع أو خرج عن التعامل، لسبب أجنبي لا يد للمدين فيه، التزم المدين أن يتنازل للدائن عما قد يكون له من حق أو دعوى في التعويض عن هذا الشيء"، إلا أن لجنة المراجعة حذفت هذه المادة "لأن الحكم الذي نصت عليه حكم تفصیلی".

ويتجه رأى في الفقه إلى أنه إذا ارتضى الدائن أن يأخذ ما خلفه هلاك محل الالتزام استيفاء لحقه، فلا يمكن القول بأن الالتزام بات مستحيلاً، وأن العقد بالتالي قد انفسخ كما أنه يمكن دعم ذلك بفكرة الحلول العيني، فيما يخلفه الشيء إثر هلاكه يحل محله، بحيث أنه إذا اقتنع الدائن به استيفاء لحقه فإن التزام المدين يعتبر ممكنا في أدائه لا مستحيلاً فلا ينفسخ العقد. 

لا يمنع إنفساخ العقد من المطالبة بالتعويض :

جاء بمذكرة المشروع التمهيدي أنه: ".... فإذا تحقق من ذلك (القاضي) يثبت وقوع الفسخ بحكم القانون، ثم يقضي بالتعويض أو برفض القضاء به، تبعاً لما إذا كانت هذه الاستحالة راجعة إلى خطأ المدين أو تقصيره أو إلى سبب أجنبي لا يد له فيه" - وعبارة "راجعة إلى خطأ المدين أو تقصيره"، الواردة بالمذكرة غير صحيحة، لأنها تفترض أن الإستحالة التي ينفسخ بها العقد قد تكون راجعة إلى خطأ المدین، والصحيح أن الإستحالة لا ينفسخ بها العقد من تلقاء نفسه إلا إذا كانت راجعة إلى سبب أجنبي.

بينما الاستحالة إذا رجعت إلى تقصير المدين كان للدائن مطالبته بالتعويض إما على أساس المسئولية العقدية وفي هذه الحالة يبقى العقد قائما وإما أن يطالبه بفسخ العقد مع التعويض.

غير أنه يمكن تفسير ما جاء بمذكرة المشروع التمهيدي بأنه إذا تأخر المدين في تنفيذ التزامه بدون مبرر، حتى وقع السبب الأجنبي الذي أدى إلى إستحالة تنفيذ التزامه، فإن المدين يكون قد ارتكب خطأ يستوجب مطالبته بالتعويض. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/696)

 

استحالة التنفيذ لا ترجع إلى سبب أجنبي : إذا إستحال على المدين في العقد الملزم للجانبين تنفيذ التزامه، ولم يستطيع أن يثبت أن استحالة التنفيذ قد نشأت عن سبب أجنبي لا يد له فيه ، فإن المادة 215 تقضي كما أسلفنا بأن المدين يحكم عليه بالتعويض لعدم الوفاء بالتزامه وهذه هي المسئولية العقدية التي فصلنا قواعدها فيما تقدم فالمدين الذي لم ينفذ التزامه يكون قد ارتكب خطأ عقدياً ، وهو لم يثبت السبب الأجنبي فتبقى علاقة السببية مفروضة ، وبذلك تتحقق مسئوليته العقدية على أساس قيام العقد ويتبين من ذلك أن العقد لم ينفسخ في هذه الحالة ، بل على النقيض من ذلك قد بقى وتأكد وجوده ، إذا أصبح هو الأساس للمطالبة بالتعويض .

ولكن ذلك لا يمنع من تطبيق قواعد الفسخ القضائي فللمدائن ، وقد أصبح تنفيذ التزام المدين مستحيلاً ، أن يطلب فسخ العقد لعدم وفاء المدين بإلتزامه ، بدلاً من أن يطلب التعويض على أساس المسئولية التقصيرية وفي هذه الحالة لا يسع القاضي إلا أن يجيبه إلى طلبه ، إذ لا محل لإمهال المدين لتنفيذ التزامه بعد أن أصبح هذا التنفيذ مستحيلاً ، فيحكم بفسخ العقد والحكم هنا منشئ للفسخ لا مقرر له ، والعقد لم ينفسخ بحكم القانون بل فسخ بحكم القاضي .

استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي : أما إذا كانت استحالة التنفيذ ترجع إلى سبب أجنبي ، فإن الالتزام ينقضي طبقاً للمادة 373 التي تقدم ذكرها ، وينفسخ العقد من تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 والعلة في هذا واضحة ، فقد انقضى التزام المدين لإستحالة تنفيذه بسبب أجنبي ، فلم يعد ثمة محل للمسئولية العقدية ليختار الدائن بينها وبين فسخ العقد كما كان يفعل لو أن الإستحالة لا ترجع إلى سبب أجنبي فلم يبق إلا فسخ العقد ولذلك نص القانون على أن العقد ينفسخ من تلقاء نفسه ولا محل هنا للإعذار لأن الإعذار لا يتصور إلا إذا كان التنفيذ لا يزال ممكناً ولأن التنفيذ لم يعد ممكناً لا يكون هناك خيار للدائن بين التنفيذ والفسخ – وقد رأينا أن هذا الخيار يثبت للدائن في جميع صور الفسخ القضائي والاتفاقي – ولا يبقى ممكناً إلا فسخ العقد كذلك لا ضرورة لحكم قضائي بالفسخ ، فالعقد ينفسخ من تلقاء نفسه بحكم القانون كما قررنا وإذا التجأ الدائن للقضاء فإنما يكون ذلك ليتقرر أن استحالة التنفيذ بسبب أجنبي أمر محقق – فقد يقوم نزاع في ذلك – وأن العقد قد انفسخ ، فالحكم هنا يقرر الفسخ لا ينشئه ، على النحو الذي رأيناه في بعض صور الفسخ الاتفاقي .

– مبدأ تحمل التبعة : فإذا انفسخ العقد بحكم القانون ، كانت التبعة في انقضاء الالتزام الذي استحال تنفيذه واقعة على المدين بهذا الالتزام فهو لا يد له في استحالة التنفيذ لأن استحالة راجعة إلى سبب أجنبي ، ومع لك لا يستطيع أن يطالب الدائن بتنفيذه الالتزام المقابل فالخسارة في نهاية الأمر تقع عليه وهو الذي يتحملها وهذا هو مبدأ تحمل التبعة في العقد الملزم للجانبين .

ويرجع هذا إلى فكرة الارتباط ما بين الالتزامات المتقابلة في العقود الملزمة للجانبين ، وهي الفكرة التي انبنى عليها إنفساخ العقد ولو أن العقد كان ملزماً لجانب واحد ، كالوديعة غير المأجورة ، و استحال تنفيذ التزام المودع عنده لسبب أجنبي ، بأن هلك الشيء في يده بقوة قاهرة فاستحال عليه رده إلى الودع ، فإن الذي يتحمل التبعة هو الدائن لا المدين والسبب في ذلك واضح ، إذ الدائن – وهو هنا المودع – ليس في ذمته التزام يتحلل منه في مقابل تحل المدين – وهو هنا المودع عنده – من إلتزامه ، فالدائن هو الذي يتحمل الخسارة في آخر الأمر من جراء إستحالة تنفيذ التزام المدين ، وهو الذي يتحمل تبعة هذه الاستحالة . 

فيمكن القول إذن بوجه عام إن المدين هو الذي يتحمل التبعة في العقود الملزمة للجانبين ، والدائن هو الذي يتحملها في العقود الملزمة لجانب واحد  .

– الأثر الذي يترتب على إنفساخ العقد بحكم القانون : وإذا انفسخ العقد بحكم القانون ، ترتب على إنفساخه من الأثر ما يترتب على فسخه بحكم القاضي أو بحكم الاتفاق كما سبق القول ، فيعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العد ( م 160 ) ، ولا محل للتعويض لأن المدين قد انقضى التزامه بقوة قاهرة .

وكل ما سبق أن قررناه في هذا الصدد ، فيما عدا التعويض ، من انحلال العقد بأثر رجعي ، ومن أثر الفسخ فيما يبني المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير ، ومن انعدام الأثر الرجعي بالنسبة إلى العقود الزمنية ، ينطبق هنا فلا حاجة إلى التكرار . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/  999 ) 

ومؤدي ذلك أن استحالة الوفاء الراجعة إلى سبب أجنبي والتي تؤدي إلى انقضاء الإلتزام الذي صار الوفاء به مستحيلاً تستتبع إنفساخ العقد الملزم للجانبين وزوال الإلتزامات المقابلة له تبعاً لذلك ومن المقرر أن إنفساخ العقد في هذه الحالة لا يحتاج إلى حكم قضائي متى كانت إستحالة التنفيذ غير منازع فيها .

فالقاعدة أذن في العقود الملزمة للجانبين، سواء أكان ذلك في القانون الفرنسي أم في القانون المصري ، أن استحالة الوفاء تؤدي إلى إنفساخ العقد وإلى أن تبعة الهلاك تقع على المدين. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 670)

 

الإنفساخ بقوة القانون لا يكون إلا حيث يستحيل التنفيذ العينى لسبب اجنبي ، أما إذا استحال التنفيذ بسبب خطأ المدين فإن العقد لا ينفسخ بقوة القانون أذ أن المادة 215 تلزم المدين بالتنفيذ بمقابل في هذه الحالة وهذه هي المسئولية العقدية التي لا يتصور قيامها مع زوال العقد فالمدين الذي لم ينفذ التزامه بخطأ منه سواء كان التنفيذ ممكناً أو أصبح مستحيلاً بسبب هذا الخطأ يبقى مسئولاً مسئولية عقدية محكومة بالعقد بما يخول الدائن أما مطالبته على اساس العقد بالتنفيذ بمقابل أي بالتعويض العقدي ، واما ان يطالب - حتى يتخلص هو كذلك من العقد وأثره - بالفسخ ، وفي هذه الحالة يلتزم القاضي بإجابته لأنه لا يكون مجال للإمهال أو الخيار مع ثبوت الإستحالة وإذا قضى للدائن بالتعويض فإنما يقضي به بعد الفسخ على أساس المسئولية التقصيرية حسبما أوضحنا في التعليق على المادة 157 .

ذلك كله السنهوري بند 488 وراجع فيه هامش ص 723 حيث ينقد عبارة المذكرة الإيضاحية التي أشارت إلى الإستحالة لسبب تقصير المدين - جمال زکی بند 177 و 212 - مصطفى الجارحي ص 72 حتى 79 - الشرقاوی بند 90 - مرقس بند 346 وراجع فيه بند 350 مقارنة بين الفسخ للإمتناع عن الوفاء وبين الإنفساخ لاستحالة الوفاء بسبب أجنبى - الصدة بند 379 - البدراوى بند 410 وما بعده - حمدي عبد الرحمن ص 630 وما بعدها .

ويتعين أن تكون الإستحالة دائمة فإذا كانت مؤقتة وقف العقد حتى زوال سبب الإستحالة ، ويترتب على الإنفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ولا يمنع إنفساخ العقد بقوة القانون من إلزام أحد أطرافه بالتعويض طبقاً لقواعد المسئولية التقصيرية. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة/ 1130)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة /  288

أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ اللاَّزِمَةُ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهَا الإْفْسَادُ بَعْدَ نَفَاذِهَا. إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الإْقَالَةِ، وَفِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِفْسَادُهَا مَتَى شَاءَ، أَمَّا اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلاَ يَجُوزُ إِفْسَادُهَا مِمَّنْ هِيَ لاَزِمَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَجُوزُ لِلآْخَرِ.

وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.

إِقَالَةٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ: الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ إِذَا رَفَعَهُ مِنْ سُقُوطِهِ.

 وَمِنْهُ الإْقَالَةُ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ.

وَهِيَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: رَفْعُ الْعَقْدِ، وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْبَيْعُ:

2 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْبَيْعِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الإْقَالَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا فَسْخٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بَيْعٌ، وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا. وَمِنْهَا أَنَّ الإْقَالَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهَا الإْيجَابُ بِلَفْظِ الاِسْتِقْبَالِ كَقَوْلِ أَحَدِهِمَا: أَقِلْنِي، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ إِلاَّ بِلَفْظِ الْمَاضِي، لأِنَّ لَفْظَةَ الاِسْتِقْبَالِ لِلْمُسَاوَمَةِ حَقِيقَةً، وَالْمُسَاوَمَةُ فِي الْبَيْعِ مُعْتَادَةٌ، فَكَانَتِ اللَّفْظَةُ مَحْمُولَةً عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَلَمْ تَقَعْ إِيجَابًا، بِخِلاَفِ الإْقَالَةِ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ فِيهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً، فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ فِيهَا عَلَى الإْيجَابِ.

ب - الْفَسْخُ:

3 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْفَسْخِ فِي أَنَّ الْفَسْخَ هُوَ رَفْعُ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَآثَارِهِ وَاعْتِبَارِهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الإْقَالَةُ فَقَدِ اعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ فَسْخًا، وَاعْتَبَرَهَا آخَرُونَ بَيْعًا.

 حُكْمُ الإْقَالَةِ التَّكْلِيفِيِّ:

4 - الإْقَالَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ بِحَسَبِ حَالَةِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهَا إِذَا نَدِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم  فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ  رضي الله عنه «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ». وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الإْقَالَةِ، وَعَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، لِوَعْدِ الْمُقِيلِينَ بِالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْمًا أَغْلَبِيًّا، وَإِلاَّ فَثَوَابُ الإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إِقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا...». وَتَكُونُ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ، لأِنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إِلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، لأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالإْقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارًّا لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ  بِالْيَسِيرِ هُنَا، لأِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إِنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.

رُكْنُ الإْقَالَةِ:

5 - رُكْنُ الإْقَالَةِ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالاَّنِ عَلَيْهَا. فَإِذَا وُجِدَ الإْيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، نَصًّا بِالْقَوْلِ أَوْ دَلاَلَةً بِالْفِعْلِ. وَيَأْتِي الْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بَعْدَ الإْيجَابِ، أَوْ تَقَدَّمَ السُّؤَالُ، أَوْ قَبَضَ الآْخَرُ مَا هُوَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الإْقَالَةِ أَوْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا، لأِنَّ مَجْلِسَ الْعِلْمِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ كَمَجْلِسِ اللَّفْظِ فِي الْحَاضِرِ، فَلاَ يَصِحُّ مِنَ الْحَاضِرِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهَا.

الأْلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الإْقَالَةُ:

6 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْقَالَةَ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً بِلَفْظِ الإْقَالَةِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، كَمَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي. وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالآْخَرُ مُسْتَقْبَلاً. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ وَالآْخَرُ مَاضٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَقِلْنِي: فَقَالَ، أَقَلْتُكَ، أَوْ قَالَ لَهُ: جِئْتُكَ لِتُقِيلَنِي، فَقَالَ: أَقَلْتُكَ، فَهِيَ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ.

وَمَعَ أَنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِ الإْقَالَةَ حُكْمَهُ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ لاَ تَجْرِي فِي الإْقَالَةِ، فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْعَقِدُ إِلاَّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي، لأِنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِيَتْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُ، وَالآْخَرُ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ هَوَيْتُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْتُ، كَمَا تَصِحُّ بِلَفْظِ «الْمُصَالَحَةِ» وَتَصِحُّ بِلَفْظِ «الْبَيْعِ» وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُعَاطَاةِ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، وَكُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ أَجْزَأَ. خِلاَفًا لِلْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لاَ يَصْلُحُ لِلْحَلِّ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لاَ يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ. وَتَنْعَقِدُ الإْقَالَةُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَقَلْتُكَ فَرَدَّ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَتَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشَارَةِ مِنَ الأْخْرَسِ. شُرُوطُ الإْقَالَةِ:

7 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ مَا يَلِي:

أ - رِضَى الْمُتَقَايِلَيْنِ: لأِنَّهَا رَفْعُ عَقْدٍ لاَزِمٍ، فَلاَ بُدَّ مِنْ رِضَى الطَّرَفَيْنِ.

ب - اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ: لأِنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ مَوْجُودٌ فِيهَا، فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْمَجْلِسُ، كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ.

ج - أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ قَابِلاً لِلنَّسْخِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ لاَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ فَلاَ تَصِحُّ الإْقَالَةُ.

د - بَقَاءُ الْمَحَلِّ وَقْتَ الإْقَالَةِ، فَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَقْتَ الإْقَالَةِ لَمْ تَصِحَّ، فَأَمَّا قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الإْقَالَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ.

هـ - تَقَابُضُ بَدَلَيِ الصَّرْفِ فِي إِقَالَةِ الصَّرْفِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا بَيْعٌ، لأِنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ إِنَّمَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ. و - أَلاَّ يَكُونَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ، فَإِنْ كَانَ لَمْ تَصِحَّ إِقَالَتُهُ.

حَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ:

8 - لِلْفُقَهَاءِ فِي تَكْيِيفِ الإْقَالَةِ اتِّجَاهَاتٌ:

الأْوَّلُ: أَنَّهَا فَسْخٌ يَنْحَلُّ بِهِ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي، أَيِ ارْفَعْهَا، وَالأْصْلُ أَنَّ مَعْنَى التَّصَرُّفِ شَرْعًا مَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً، وَرَفْعُ الْعَقْدِ فَسْخُهُ، وَلأِنَّ الْبَيْعَ وَالإْقَالَةَ اخْتَلَفَا اسْمًا، فَتَخَالَفَا حُكْمًا، فَإِذَا كَانَتْ رَفْعًا لاَ تَكُونُ بَيْعًا، لأِنَّ الْبَيْعَ إِثْبَاتٌ وَالرَّفْعُ نَفْيٌ، وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسْخًا مَحْضًا، فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ.

الثَّانِي: أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَسْخًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالإْمَامِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ تَقَعَ الإْقَالَةُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَهُوَ أَخْذُ بَدَلٍ وَإِعْطَاءُ بَدَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي لاَ لِلأْلْفَاظِ وَالْمَبَانِي.

الثَّالِثُ: أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْفَسْخِ وَالإْزَالَةِ، فَلاَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ نَفْيًا لِلاِشْتِرَاكِ، وَالأْصْلُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، لأِنَّ فِيهَا نَقْلَ مِلْكٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ، فَجُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّهِ مِنَ الإْسْقَاطِ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ الْعَاقِدَانِ إِسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِمَا.

آثَارُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ:

يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ آثَارٌ فِي التَّطْبِيقِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا يَلِي: أَوَّلاً - الإْقَالَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ:

9 - إِذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ الأْوَّلَ، أَوْ سَمَّيَا زِيَادَةً عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، أَوْ سَمَّيَا جِنْسًا آخَرَ سِوَى الْجِنْسِ الأْوَّلِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، أَوْ أَجَّلاَ الثَّمَنَ الأْوَّلَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالأْجَلِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإْقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولاً أَمْ غَيْرَ مَنْقُولٍ، لأِنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَيَكُونُ فَسْخُهُ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ، وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ وَالأْجَلِ، وَتَبْقَى الإْقَالَةُ صَحِيحَةً، لأِنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الأْشْيَاءِ لاَ تُؤَثِّرُ فِي الإْقَالَةِ وَلأِنَّ الإْقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لاَ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ، حَيْثُ إِنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ.

وَتَكُونُ الإْقَالَةُ أَيْضًا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ الْمُسَمَّى، لاَ بِمَا يُدْفَعُ بَدَلاً عَنْهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ دَرَاهِمَ عِوَضًا عَنْهَا، ثُمَّ تَقَايَلاَ - وَقَدْ رُخِّصَتِ الدَّنَانِيرُ - رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ لاَ بِمَا دَفَعَ، لأِنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَتِ الإْقَالَةُ فَسْخًا، وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، كَانَ اشْتِرَاطُ خِلاَفِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ بَاطِلاً.

ثَانِيًا - الشُّفْعَةُ فِيمَا يُرَدُّ بِالإْقَالَةِ:

10 - يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَلاَّ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ إِذَا اعْتُبِرَتْ هَذِهِ الإْقَالَةُ فَسْخًا مُطْلَقًا، وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الإْقَالَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا. وَعَنْ زُفَرَ: هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً. أَمَّا سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، فَإِنَّهَا تُعْطِي الشَّفِيعَ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ.

فَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّهِمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ تَقَايُلِ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَمَنِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ، فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، أَوِ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ بُنِيَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالشَّفِيعُ غَيْرُهُمَا، فَتَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ تُعَدُّ الإْقَالَةُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَلِهَذَا الشَّفِيعِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ، إِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الأْوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ بِالإْقَالَةِ، أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ: مِنَ الْمُشْتَرِي لأِجْلِ الشِّرَاءِ، أَوْ مِنَ الْبَائِعِ لِشِرَائِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي بِالإْقَالَةِ، حَيْثُ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا مِنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، وَحَيْثُ تَكُونُ فَسْخَ بَيْعٍ فَتُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلاَ يَتِمُّ فَسْخُهُ إِلاَّ إِنْ رَضِيَ الشَّفِيعُ لأِنَّ الشِّرَاءَ لَهُ.

إِقَالَةُ الْوَكِيلِ:

11 - مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ الإْقَالَةَ، فَصَحَّتْ إِقَالَةُ الْمُوَكِّلِ بَيْعَ وَكِيلِهِ، وَتَصِحُّ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إِذَا تَمَّتْ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. فَإِنْ أَقَالَ بَعْدَ قَبْضِهِ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ، إِذْ تُعْتَبَرُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ شِرَاءً لِنَفْسِهِ. وَبِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيلَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي أَصْلاً. وَتَجُوزُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالإْبْرَاءِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. وَالْمُرَادُ بِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ السَّلَمِ، بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ.

وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لاَ تَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لاَ تَجُوزُ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا.

وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي حَقِّ كُلِّ آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالإْقَالَةِ عِنْدَهُمُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إِنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمْ بَيْعٌ.

هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَنْ لَهُ حَقُّ الإْقَالَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سِوَى الْوَرَثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ. أَمَّا حُكْمُ الإْقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَطَرَّقُوا لَهُ.

وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ إِقَالَتَهُ لاَ تَصِحُّ.

 مَحَلُّ الإْقَالَةِ:

12 - مَحَلُّ الإْقَالَةِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ مِمَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لاَ يُمْكِنُ فَسْخُهَا إِلاَّ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الإْقَالَةَ تَصِحُّ فِي الْعُقُودِ الآْتِيَةِ: الْبَيْعِ - الْمُضَارَبَةِ - الشَّرِكَةِ - الإْجَارَةِ - الرَّهْنِ (بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ) - السَّلَمِ - الصُّلْحِ. وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ فِيهَا الإْقَالَةُ فَهِيَ الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ، كَالإْعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجِعَالَةِ، أَوِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، مِثْلُ الْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ فَسْخُ أَحَدِهِمَا بِالْخِيَارِ.

أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الإْقَالَةِ:

13 - إِذَا اعْتَبَرْنَا الإْقَالَةَ فَسْخًا، فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ تَكُونُ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَغْوًا، وَتَصِحُّ الإْقَالَةُ. فَفِي الإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، إِذَا شَرَطَ أَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِمُتَعَذِّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَتُبْطِلُ الشَّرْطَ، لأِنَّهُ يُشْبِهُ الرِّبَا، وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ خَالٍ عَنِ الْعِوَضِ.

وَكَذَا إِذَا شَرَطَ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الأْقَلِّ، لأِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَالْفَسْخُ عَلَى الأْقَلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ، لأِنَّ فِيهِ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهُوَ مُحَالٌ. وَالنُّقْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَرَفْعُهُ يَكُونُ مُحَالاً، إِلاَّ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَتَجُوزُ الإْقَالَةُ بِالأْقَلِّ، لأِنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ مِنَ الْعَيْبِ.

وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرَوْنَ الإْقَالَةَ فَسْخًا، وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لأِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَإِذَا شَرَطَ الأْقَلَّ فَكَذَلِكَ .

الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ:

14 - الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ كَالإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّرْفِ.

فَلَوْ تَقَايَلاَ الصَّرْفَ، وَتَقَابَضَا قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ، مَضَتِ الإْقَالَةُ عَلَى الصِّحَّةِ. وَإِنِ افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ، سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ بَيْعًا أَمْ فَسْخًا.

فَعَلَى اعْتِبَارِهَا بَيْعًا كَانَتِ الْمُصَارَفَةُ مُبْتَدَأَةً، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ يَدًا بِيَدٍ، مَا دَامَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا مُسْتَقِلًّا يُحِلُّهَا مَا يُحِلُّ الْبُيُوعَ، وَيُحَرِّمُهَا مَا يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ، فَلاَ تَصْلُحُ الإْقَالَةُ إِذْ حَصَلَ الاِفْتِرَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ.

عَلَى اعْتِبَارِهَا فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ هُنَا ثَالِثٌ، فَيُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ. وَهَلاَكُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ لاَ يُعَدُّ مَانِعًا مِنَ الإْقَالَةِ، لأِنَّهُ فِي الصَّرْفِ لاَ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الإْقَالَةِ، بَلْ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ مِثْلِهِ، فَلَمْ تَتَعَلَّقِ الإْقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا، فَلاَ تَبْطُلُ بِهَلاَكِهِمَا.

إِقَالَةُ الإْقَالَةِ:

15 - إِقَالَةُ الإْقَالَةِ إِلْغَاءٌ لَهَا وَالْعَوْدَةُ إِلَى أَصْلِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَوْ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الإْقَالَةَ، ارْتَفَعَتِ الإْقَالَةُ وَعَادَ الْبَيْعُ. وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ إِقَالَةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ، لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَقَدْ سَقَطَ بِالإْقَالَةِ الأْولَى، فَلَوِ انْفَسَخَتْ لَعَادَ الْمُسْلَمُ فِيهِ الَّذِي سَقَطَ، وَالسَّاقِطُ لاَ يَعُودُ.

مَا يُبْطِلُ الإْقَالَةَ:

16 - مِنَ الأْحْوَالِ الَّتِي تَبْطُلُ فِيهَا الإْقَالَةُ بَعْدَ وُجُودِهَا مَا يَأْتِي:

 أ - هَلاَكُ الْمَبِيعِ: فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإْقَالَةِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ، لأِنَّ مِنْ شَرْطِهَا بَقَاءَ الْمَبِيعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَحَلُّهُ، بِخِلاَفِ هَلاَكِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْقَالَةَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، وَلِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلاَكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الثَّمَنِ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَهَلَكَ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ.

وَلَكِنْ لاَ يُرَدُّ عَلَى اشْتَرَطَ قِيَامَ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لأِنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَمْ هَالِكًا. لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى لاَ يَجُوزُ الاِسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

ب - تَغَيُّرُ الْمَبِيعِ: كَأَنْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الدَّابَّةُ بَعْدَ الإْقَالَةِ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَبْطُلُ الإْقَالَةُ بِتَغَيُّرِ ذَاتِ الْمَبِيعِ مَهْمَا كَانَ. كَتَغَيُّرِ الدَّابَّةِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، بِخِلاَفِ الْحَنَابِلَةِ.

اخْتِلاَفُ الْمُتَقَايِلَيْنِ:

17 - قَدْ يَقَعُ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُتَقَايِلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، أَوْ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ، أَوْ عَلَى الثَّمَنِ، أَوْ عَلَى الإْقَالَةِ مِنْ أَسَاسِهَا.

فَإِنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ تَحَالَفَا، فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ.

وَيُسْتَثْنَى مِنَ التَّحَالُفِ مَا لَوْ تَقَايَلاَ الْعَقْدَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلاَ تَحَالُفَ، بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لأِنَّهُ غَارِمٌ.

وَلَوِ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتُهُ مِنَ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ تَقَايَلْنَاهُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إِنْكَارِهِ الإْقَالَةَ.

فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الإْقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس  ، الصفحة /  185

 الْفسْخ:

4 - الْفسْخ لغةً: النّقْض، يقال فسخ الشّيْء يفْسخه فسْخًا فانْفسخ أيْ: نقضه فانْتقض، وتفاسخت الأْقاويل: تناقضتْ، ويطْلق اصْطلاحًا على حلّ ارْتباط الْعقْد والتّصرّف وقلْب كلّ واحدٍ من الْعوضيْن لصاحبه، وهو بهذا يكون فيه معْنى الإْلْغاء والإْبْطال وقدْ يعبّر الْفقهاء في الْمسْألة الْواحدة تارةً بالإْلْغاء والإْبْطال، وتارةً بالْفسْخ. غيْر أنّ الْفسْخ غالبًا ما يكون في الْعقود، ويقلّ في الْعبادات، ومنْه: فسْخ الْحجّ إلى الْعمْرة، وفسْخ نيّة الْفرْض إلى النّفْل، غيْر أنّه يكون في الْعقود قبْل تمامها، وعنْد تمامها بشروطٍ مثْل خيار الشّرْط وخيار الرّؤْية وخيار الْعيْب والإْقالة

الْحكْم الإْجْماليّ:

5 - أجاز الْعلماء إلْغاء التّصرّفات والْعقود غيْر اللاّزمة منْ جانب الْعاقديْن، أمّا في الْعقود اللاّزمة منْ جانبٍ واحدٍ فإنّه يصحّ الإْلْغاء من الْجانب الآْخر غيْر الْملْتزم به كالْوصيّة.

وأمّا في الْعقود والتّصرّفات الْملْزمة فلا يرد عليْها الإْلْغاء بعْد نفاذها إلاّ برضا الْعاقديْن، كما في الإْقالة، أوْ بوجود سببٍ مانعٍ من اسْتمْرار الْعقْد كظهور الرّضاع بيْن الزّوْج والزّوْجة، وقدْ يكون هنا الإْلْغاء بمعْنى الْفسْخ.

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السابع   ، الصفحة /  24

انْفِسَاخٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الاِنْفِسَاخُ: مَصْدَرُ انْفَسَخَ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَسَخَ، وَمِنْ مَعْنَاهُ: النَّقْضُ وَالزَّوَالُ. يُقَالُ: فَسَخْتُ الشَّيْءَ فَانْفَسَخَ أَيْ: نَقَضْتُهُ فَانْتَقَضَ، وَفَسَخْتُ الْعَقْدَ أَيْ: رَفَعْتُهُ.

وَالاِنْفِسَاخُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ انْحِلاَلُ الْعَقْدِ إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِإِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا.

وَقَدْ يَكُونُ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُطَاوِعٌ لِلْفَسْخِ وَنَتِيجَةٌ لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْقَالَةُ:

2 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ، عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، وَفِي الشَّرْعِ: رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهَا فَسْخًا أَوْ عَقْدًا جَدِيدًا.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقَالَةٌ).

ب - الاِنْتِهَاءُ:

3 - انْتِهَاءُ الشَّيْءِ: بُلُوغُهُ أَقْصَى مَدَاهُ، وَانْتَهَى الأْمْرُ: بَلَغَ النِّهَايَةَ. وَانْتِهَاءُ الْعَقْدِ: مَعْنَاهُ بُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، وَهَذَا يَكُونُ بِتَمَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالاِسْتِئْجَارِ لأِدَاءِ  عَمَلٍ فَأَتَمَّهُ الأْجِيرُ، أَوِ الْقَضَاءُ مُدَّةَ الْعَقْدِ كَاسْتِئْجَارِ مَسْكَنٍ أَوْ أَرْضٍ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَانْتِهَاءِ عَقْدِ الزَّوَاجِ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ.

وَعَلَى ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِنْفِسَاخِ وَالاِنْتِهَاءِ، أَنَّ الاِنْفِسَاخَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، وَيَكُونُ فِي عُقُودِ الْمُدَّةِ قَبْلَ نِهَايَتِهَا أَيْضًا، بِخِلاَفِ الاِنْتِهَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَعْمِلُ الاِنْفِسَاخَ مَكَانَ الاِنْتِهَاءِ وَبِالْعَكْسِ.

ج - الْبُطْلاَنُ:

4 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: فَسَادُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى: النَّقْضِ وَالسُّقُوطِ. وَالْبُطْلاَنُ يَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ إِذَا وُجِدَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَيُرَادِفُ الْفَسَادَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الْحَجِّ.

أَمَّا فِي الْعُقُودِ فَالْبَاطِلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لاَ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، بِأَنْ فَقَدَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِيَّةِ أَوِ الضَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا.

وَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الاِنْفِسَاخُ عَن الْبُطْلاَنِ، بِأَنَّ الاِنْفِسَاخَ يَرِدُ عَلَى الْمُعَامَلاَتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ، وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ قَبْلَ الاِنْفِسَاخِ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ شَرْعِيٍّ، بِخِلاَفِ الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ الْبَاطِلَ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ لاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، وَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ.

د - الْفَسَادُ:

5 - الْفَسَادُ نَقِيضُ الصَّلاَحِ، وَفَسَادُ الْعِبَادَةِ بُطْلاَنُهَا إِلاَّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَيُطْلَقُ الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عَلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَالْفَاسِدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الأْحْكَامِ، فَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُمْ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَفَادَ الْمِلْكَ، وَلَكِنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ، يَجِبُ فَسْخُ الْعَقْدِ مَا دَامَتِ الْعَيْنُ قَائِمَةً، لِحَقِّ الشَّارِعِ.

وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ، لَكِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، يَجِبُ شَرْعًا فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ.

هـ - الْفَسْخُ:

6 - الْفَسْخُ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا يَكُونُ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، فَهُوَ عَمَلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَالِبًا، أَوْ فِعْلُ الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ  كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ.

أَمَّا الاِنْفِسَاخُ: فَهُوَ انْحِلاَلُ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، أَوْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ غَيْرِ اخْتِيَارِيَّةٍ. فَإِذَا كَانَ الاِنْحِلاَلُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ كَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةَ السَّبَبِ بِالْمُسَبَّبِ، كَمَا إِذَا فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَقْدَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ مَثَلاً، فَالاِنْفِسَاخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَتِيجَةُ الْفَسْخِ الَّذِي مَارَسَهُ الْعَاقِدُ اخْتِيَارًا. يَقُولُ الْقَرَافِيُّ: الْفَسْخُ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَالاِنْفِسَاخُ انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَالأْوَّلُ  فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ  سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهَذَانِ فَرْعَانِ: فَالأْوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الأْسْبَابِ  وَالْمُسَبَّبَاتِ.

وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْثُورِ لِلزَّرْكَشِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدِ الْفَسْخَ بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لأِنَّ  الْفَسْخَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَذَلِكَ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا كَمَا هُوَ الْحَالُ غَالِبًا.

أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، بَلْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنْ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مَثَلاً، فَلاَ يُوجَدُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةُ السَّبَبِيَّةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْقَرَافِيُّ.

7 - وَمِنَ الأْمْثِلَةِ الَّتِي قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا انْفِسَاخَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ مَا يَأْتِي:

أ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، كَمَا إِذَا تَلِفَتِ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ.

ب - لَوْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الأَْجْرُ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، وَتَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ، بَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

ج - إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلاَهُمَا فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ.

د - يَنْفَسِخُ عَقْدُ الإْجَارَةِ  بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِالأْعْذَارِ  عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.

وَسَوْفَ يَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى الاِنْفِسَاخِ الَّذِي لاَ يَكُونُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ. أَمَّا الاِنْفِسَاخُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ لِلْفَسْخِ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ تَحْتَ عُنْوَانِ (فَسْخٌ).

مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الاِنْفِسَاخُ:

8 - مَحَلُّ الاِنْفِسَاخِ الْعَقْدُ لاَ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ سَبَبُهُ الْفَسْخَ أَمْ غَيْرَهُ؛ لأِنَّ هُمْ عَرَّفُوا الاِنْفِسَاخَ بِانْحِلاَلِ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْعَقْدِ.

أَمَّا إِذَا أُرِيدَ مِنَ الاِنْفِسَاخِ الْبُطْلاَنُ وَالنَّقْضُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعُهُودُ وَالْوُعُودُ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ أَحْيَانًا فِي الْعِبَادَاتِ وَيَرِدُ عَلَى النِّيَّاتِ، كَانْفِسَاخِ نِيَّةِ صَلاَةِ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْلِ، وَكَذَلِكَ انْفِسَاخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَرَفَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ يَنْفَسِخُ الْحَجُّ إِلَى الْعُمْرَةِ.

وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ.

قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ، وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ، وَيَجْعَلَ إِحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَامٌ).

أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ:

9 - الاِنْفِسَاخُ لَهُ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَةٌ: مِنْهَا مَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ مَا يَأْتِي بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ بِإِرَادَةِ كِلَيْهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُوَ مَا يَأْتِي بِدُونِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوِ الْقَاضِي، بَلْ بِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنِ الإْرَادَةِ  لاَ يُمْكِنُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ مَعَهَا.

يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: مَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ، فَالاِخْتِيَارِيُّ هُوَ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ أَوْ نَقَضْتُهُ وَنَحْوُهُ، وَالضَّرُورِيُّ: أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَثَلاً.

الأْسْبَابُ  الاِخْتِيَارِيَّةُ:

أَوَّلاً: الْفَسْخُ:

10 - الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ هُنَا مَا يَرْفَعُ بِهِ حُكْمَ الْعَقْدِ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ بِطَبِيعَتِهَا، كَعَقْدَيِ الْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ مَثَلاً، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ، أَوْ بِسَبَبِ الأْعْذَارِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ بِهَا اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ، أَوْ بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَيُنْظَرُ حُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِقَالَةٌ وَفَسْخٌ).

ثَانِيًا: الإْقَالَةُ:

11 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَى الطَّرَفَيْنِ وَهِيَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ الاِخْتِيَارِيَّةِ، وَتَرِدُ عَلَى الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ . أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ لاَزِمٍ كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ لاَزِمًا بِطَبِيعَتِهِ وَلَكِنْ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ فَلاَ حَاجَةَ فِيهِ لِلإِْقَالَةِ؛ لِجَوَازِ فَسْخِهِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَيُنْظَرُ الْكَلاَمُ فِيهِ تَحْتَ عُنْوَانِ: (إِقَالَةٌ).

أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ غَيْرُ الاِخْتِيَارِيَّةِ:

أَوَّلاً: تَلَفُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ:

تَلَفُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَهُ أَثَرٌ فِي انْفِسَاخِ بَعْضِ الْعُقُودِ، وَالْعُقُودُ نَوْعَانِ:

12 - الأْوَّلُ: الْعُقُودُ الْفَوْرِيَّةُ: وَهِيَ الَّتِي لاَ يَحْتَاجُ تَنْفِيذُهَا إِلَى زَمَنٍ مُمْتَدٍّ يَشْغَلُهُ بِاسْتِمْرَارٍ، بَلْ يَتِمُّ تَنْفِيذُهَا فَوْرًا دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الْعَاقِدَانِ، كَالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ وَالصُّلْحِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهَا.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعُقُودِ لاَ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إِذَا تَمَّ قَبْضُهُ. فَعَقْدُ الْبَيْعِ مَثَلاً يَتِمُّ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَهَلَكَ بِيَدِهِ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لأِنَّ  الْهَالِكَ مِلْكُ الْمُشْتَرِي، وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَحَمَّلُ تَبِعَةَ الْهَالِكِ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ.

أَمَّا إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإْيجَابِ وَالْقَبُولِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَبَيَانٌ: فَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ - وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا فِيهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ لِمُشْتَرِيهِ، وَهُوَ الْمَالُ الْمِثْلِيُّ مِنْ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ، يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالتَّلَفِ وَالضَّمَانِ عَلَى الْبَائِعِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا وَكَانَ عَقَارًا، أَوْ مِنَ الأْمْوَالِ  الْقِيَمِيَّةِ الَّتِي لَيْسَ لِمُشْتَرِيهَا حَقُّ تَوْفِيَةٍ فَلاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِالتَّلَفِ، وَيَنْتَقِلُ الضَّمَانُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ اللاَّزِمِ.

وَأَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ الْقَوْلَ بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ. قَالَ السَّمَرْقَنْدِيُّ: وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالْهَلاَكُ يَكُونُ عَلَى الْبَائِعِ، يَعْنِي يَسْقُطُ الثَّمَنُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ. وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي الْقَلْيُوبِيِّ: الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ، فَإِنْ تَلِفَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي.

13 - وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ، أَمَّا إِذَا تَلِفَ الثَّمَنُ، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَهُمَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَبِيعِ، لَوْ تَلِفَ انْفَسَخَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا هَلَكَ الثَّمَنُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؛ لأِنَّهُ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ مِثْلِهِ، بِخِلاَفِ الْمَبِيعِ؛ لأِنَّهُ عَيْنٌ وَلِلنَّاسِ أَغْرَاضٌ فِي الأْعْيَانِ. أَمَّا إِنْ هَلَكَ الثَّمَنُ وَلَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فِي الْحَالِ فَفِيهِ خِلاَفٌ. وَلاَ أَثَرَ لِتَلَفِ الثَّمَنِ فِي الاِنْفِسَاخِ إِذَا لَمْ يَكُنْ عَيْنًا بِأَنْ كَانَ نَقْدًا دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ؛ لأِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالْعَقْدِ؛ وَلأِنَّ  الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فِي الْعَقْدِ.

هَذَا، وَأَمَّا إِتْلاَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْبَائِعِ يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ بِلاَ خِلاَفٍ. وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمُشْتَرِي يُعْتَبَرُ قَبْضًا يُوجِبُ الضَّمَانَ عَلَيْهِ.

14 - الثَّانِي: الْعُقُودُ الْمُسْتَمِرَّةُ: وَهِيَ الَّتِي يَسْتَغْرِقُ تَنْفِيذُهَا مُدَّةً مِنَ الزَّمَنِ وَتَمْتَدُّ بِامْتِدَادِ الزَّمَنِ حَسَبَ الشُّرُوطِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ وَالَّتِي تَقْتَضِيهَا طَبِيعَةُ هَذِهِ الْعُقُودِ، كَالإْجَارَةِ  وَالإْعَارَةِ  وَالْوَكَالَةِ وَأَمْثَالِهَا.

وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الْعُقُودِ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ، وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي الْجُمْلَةِ.

فَعَقْدُ الإْجَارَةِ  مَثَلاً يَنْفَسِخُ بِهَلاَكِ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ. فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ عَقِيبَ الْقَبْضِ قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَأْجِرُ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ أَصْلِهِ وَيَسْقُطُ الأَْجْرُ. وَإِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ بَعْدَ مُضِيِّ شَيْءٍ مِنَ الْمُدَّةِ فَإِنَّ الإْجَارَةَ  تَنْفَسِخُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ، دُونَ مَا مَضَى، وَيَكُونُ لِلْمُؤَجِّرِ مِنَ الأْجْرِ  بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى مِنَ الْمَنْفَعَةِ أَوْ بِقَدْرِ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ.

وَفِي إِجَارَةِ الدَّوَابِّ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ: أَنَّهُ إِذَا وَقَعَتِ الإْجَارَةُ عَلَى دَوَابَّ بِعَيْنِهَا لِحَمْلِ الْمَتَاعِ، فَمَاتَتِ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا وَقَعَتْ عَلَى دَوَابَّ لاَ بِعَيْنِهَا وَسَلَّمَ الأْجْرَ  إِلَيْهِ فَمَاتَتْ لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ أَنْ يَأْتِيَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِلْمُسْتَأْجِرِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا وَقَعَ عَلَى الْعَيْنِ مَا يَمْنَعُ نَفْعَهَا بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا لَوْ أَصْبَحَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِلسُّكْنَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالأْصَحُّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَذَلِكَ لِزَوَالِ الاِسْمِ بِفَوَاتِ السُّكْنَى؛ لأِنَّ  الْمَنْفَعَةَ الْمَعْقُودَ عَلَيْهَا تَلِفَتْ فَانْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَزَمِنَتْ (أَيْ مَرِضَتْ مَرَضًا مُزْمِنًا) بِحَيْثُ لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ لِتَدُورَ فِي الرَّحَى.

وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مُقَابِلُ الأْصَحِّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ لَكِنْ لَهُ الْفَسْخُ؛ لأِنَّ  أَصْلَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لاَ يَفُوتُ؛ لأِنَّ  الاِنْتِفَاعَ بِالْعَرْصَةِ (وَهِيَ أَرْضُ الْمَبْنَى) مُمْكِنٌ بِدُونِ الْبِنَاءِ، إِلاَّ أَنَّهُ نَاقِصٌ، فَصَارَ كَالْعَيْبِ

وَمِنَ الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ الَّتِي تَنْفَسِخُ بِتَلَفِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ عَقْدُ الشَّرِكَةِ وَعَقْدُ الْمُضَارَبَةِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِمَا. وَكَذَلِكَ عَقْدُ الْعَارِيَّةِ بِتَلَفِ الْمُعَارِ، وَتَنْتَهِي الْوَكَالَةُ الْخَاصَّةُ بِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَكَالَةِ، كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مُصْطَلَحَيْ (إِعَارَةٌ، وَوَكَالَةٌ).

أَمَّا إِذَا غُصِبَ الْمَحَلُّ وَحِيلَ بَيْنَ الشَّخْصِ الْمُنْتَفِعِ وَالْعَيْنِ الْمُنْتَفَعِ بِهَا فَلاَ يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ) بَلْ لِلْمُسْتَأْجِرِ حَقُّ الْفَسْخِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: إِنَّ الْغَصْبَ أَيْضًا مُوجِبٌ لِلاِنْفِسَاخِ؛ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، كَمَا سَيَأْتِي.

 

أَثَرُ تَعَذُّرِ أَوْ تَعَسُّرِ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ:

23 - الْمُرَادُ بِذَلِكَ صُعُوبَةُ دَوَامِ الْعَقْدِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّلَفِ، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَيْرَ ذَلِكَ.

وَهَذَا يَكُونُ بِأُمُورٍ، مِنْهَا هَلاَكُ مَحَلِّ الْعَقْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلاَمُ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا الاِسْتِحْقَاقُ وَبَيَانُهُ فِيمَا يَلِي:

أَثَرُ الاِسْتِحْقَاقِ فِي الاِنْفِسَاخِ:

24 - الاِسْتِحْقَاقُ: ظُهُورُ كَوْنِ الشَّيْءِ حَقًّا وَاجِبًا لِلْغَيْرِ، فَإِذَا بِيعَ أَوِ اسْتُؤْجِرَ شَيْءٌ ثُمَّ ظَهَرَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ حَقٌّ لِغَيْرِ الْبَائِعِ أَوِ الْمُؤَجِّرِ فَهَلْ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ؟.

صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْحُكْمَ بِالاِسْتِحْقَاقِ لاَ يُوجِبُ فَسْخَ الْعَقْدِ، بَلْ يُوجِبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إِجَازَةِ الْمُسْتَحِقِّ. فَإِذَا لَمْ يُجِزِ الْمُسْتَحِقُّ الْعَقْدَ، أَوْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ، أَوْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْبَائِعِ بِدَفْعِ الثَّمَنِ، فَحَكَمَ لَهُ بِذَلِكَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فَيَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ الْمَبِيعَ، وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ مِنَ الْبَائِعِ.

وَانْفِسَاخُ الْبَيْعِ بِاسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

هَذَا إِذَا كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ قَدْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ اتِّفَاقًا، وَكَذَلِكَ إِذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِ الْمُشْتَرِي، أَوْ نُكُولِهِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ.

وَهَذَا إِذَا اسْتَحَقَّ كُلَّ الْمَبِيعِ. أَمَّا إِذَا اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ، فَقِيلَ: يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ، وَقِيلَ: يَنْفَسِخُ فِي الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ فَقَطْ، وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ فَسْخِ الْعَقْدِ فِي الْجَمِيعِ وَبَيْنَ فَسْخِهِ فِي الْبَعْضِ الْمُسْتَحَقِّ. وَبَعْضُهُمْ فَصَلُوا بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْجُزْءُ الْمُسْتَحَقُّ مُعَيَّنًا أَوْ مُشَاعًا.

هَذَا، وَلِلاِسْتِحْقَاقِ أَثَرٌ فِي انْفِسَاخِ عَقْدِ الإْجَارَةِ  وَالرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَعَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاضِعِهِ. وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (اسْتِحْقَاقٌ).

ثَالِثًا - الْغَصْبُ:

25 - غَصْبُ مَحَلِّ الْعَقْدِ يُوجِبُ الاِنْفِسَاخَ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ، فَفِي عَقْدِ الإْجَارَةِ  مَثَلاً صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ: أَنْ لَوْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الأَْجْرُ كُلُّهُ فِيمَا إِذَا غُصِبَتْ فِي جَمِيعِ الْمُدَّةِ. وَإِنْ غُصِبَتْ فِي بَعْضِهَا سَقَطَ بِحِسَابِهَا لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ. وَتَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِالْغَصْبِ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِقَاضِيخَانْ. فَلَوْ زَالَ الْغَصْبُ قَبْلَ نِهَايَةِ الْمُدَّةِ لاَ تَعُودُ الإْجَارَةُ عَلَى الْمَشْهُورِ، وَتَعُودُ عَلَى قَوْلِ قَاضِيخَانْ فَيَسْتَوْفِي بَاقِيَ الْمُدَّةِ.

وَأَلْحَقَ الْمَالِكِيَّةُ الْغَصْبَ بِتَلَفِ الْمَحَلِّ فَحَكَمُوا بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِهِ. فَقَدْ صَرَّحُوا أَنَّ الإْجَارَةَ  تَنْفَسِخُ بِتَعَذُّرِ مَا يَسْتَوْفِي مِنَ الْمَنْفَعَةِ، وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ مِنَ التَّلَفِ، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانِيتِ قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلِكَ.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَالُوا: إِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ؛ لأِنَّ  فِيهِ تَأْخِيرَ حَقِّهِ، فَإِنْ فَسَخَ فَالْحُكْمُ فِيهِ كَمَا لَوِ انْفَسَخَ، وَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَةِ  فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعِ بِالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْعَقْدِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأَجْرِ الْمِثْلِ.

وَلِمَعْرِفَةِ تَأْثِيرِ الْغَصْبِ فِي انْفِسَاخِ الْعُقُودِ الأْخْرَى يَرْجِعُ إِلَى هَذِهِ الْعُقُودِ وَإِلَى مُصْطَلَحِ (غَصْبٌ).

26 - هَذَا وَهُنَاكَ أَنْوَاعٌ أُخْرَى مِنَ التَّعَذُّرِ تُوجِبُ انْفِسَاخَ الْعَقْدِ، أَوْ تُعْطِي لِلْعَاقِدِ خِيَارَ الْفَسْخِ، مِنْهَا مَا يَلِي:

أَوَّلاً: عَجْزُ الْعَاقِدِ عَنِ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ شَرْعًا، بِأَنْ كَانَ الْمُضِيُّ فِيهِ حَرَامًا، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ شَخْصًا عَلَى قَلْعِ الضِّرْسِ إِذَا اشْتَكَتْ ثُمَّ سَكَنَتْ، أَوْ عَلَى قَطْعِ الْيَدِ الْمُتَآكِلَةِ إِذَا بَرَأَتْ، أَوِ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِذَا سَقَطَ بِالْعَفْوِ، فَفِي هَذِهِ الْحَالاَتِ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِنَفْسِهَا.

ثَانِيًا: تَضَمُّنُ الضَّرَرِ بِأَنْ كَانَ الْمُضِيُّ فِي مُوجِبِ الْعَقْدِ غَيْرَ مُمْكِنٍ إِلاَّ بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ زَائِدٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْعَقْدِ، كَمَا إِذَا اسْتَأْجَرَ الطَّبَّاخَ لِلْوَلِيمَةِ ثُمَّ خَالَعَ الْمَرْأَةَ، أَوِ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ عَلَيْهَا فَفَاتَهُ وَقْتُ الْحَجِّ أَوْ مَرِضَ، أَوِ اسْتَأْجَرَ ظِئْرًا فَحَبِلَتْ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَأَمْثَالِهَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ قَائِلٍ بِانْفِسَاخِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ، وَقَائِلٍ بِاسْتِحْقَاقِ الْمُسْتَأْجِرِ الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ.

ثَالِثًا: زَوَالُ الْمَنْفَعَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا، كَدَارٍ انْهَدَمَتْ وَأَرْضٍ غَرِقَتْ وَانْقَطَعَ مَاؤُهَا. فَهَذِهِ الصُّوَرُ إِنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا نَفْعٌ أَصْلاً فَهِيَ كَالتَّالِفَةِ يَنْفَسِخُ بِهَا الْعَقْدُ، كَمَا سَبَقَ. وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا نَفْعٌ غَيْرَ مَا اسْتَأْجَرَهَا لَهُ، مِثْلُ أَنْ يُمْكِنَهُ الاِنْتِفَاعُ بِعَرْصَةِ الدَّارِ، وَالأْرْضِ بِوَضْعِ حَطَبٍ فِيهَا، أَوْ نَصْبِ خَيْمَةٍ فِي أَرْضٍ اسْتَأْجَرَهَا لِلزِّرَاعَةِ، انْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِمَا عِنْدَ الْبَعْضِ لِزَوَالِ الاِسْمِ؛ وَلأِنَّ  الْمَنْفَعَةَ الَّتِي وَقَعَ عَلَيْهَا الْعَقْدُ تَلِفَتْ، وَلاَ تَنْفَسِخُ عِنْدَ الآْخَرِينَ؛ لأِنَّ  الْمَنْفَعَةَ لَمْ تَبْطُلْ جُمْلَةً، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ نَقَصَ نَفْعُهَا مَعَ بَقَائِهَا. فَعَلَى هَذَا يُخَيَّرُ الْمُسْتَأْجَرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ.

الاِنْفِسَاخُ فِي الْجُزْءِ وَأَثَرُهُ فِي الْكُلِّ:

27 - انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي جُزْءٍ مِنَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ مِنَ الأْسْبَابِ  يُؤَدِّي فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ  إِلَى الاِنْفِسَاخِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كُلِّهِ. وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْجُزْءُ الَّذِي يَنْفَسِخُ فِيهِ الْعَقْدُ قَدْ قُدِّرَ نَصِيبُهُ مِنَ الْعِوَضِ، أَوْ كَانَ فِي تَجْزِئَةِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ بَيِّنٌ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ، أَوْ يَجْمَعُ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَيْنَ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَمَا لاَ يَجُوزُ، وَهَذَا مَا يُعَبِّرُ عَنْهُ الْفُقَهَاءُ بِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.

فَإِذَا جَمَعَ فِي الْعَقْدِ مَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لاَ يَجُوزُ يَبْطُلُ فِيمَا لاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ خِلاَفٍ. وَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي، يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلاَفِ الْعُقُودِ، وَإِمْكَانِ التَّجْزِئَةِ وَالاِجْتِنَابِ عَنْ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الطَّرَفَيْنِ. وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ).

28 - وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَسَائِلِ الآْتِيَةِ:

أ - إِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فَتَلِفَ بَعْضُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخِ الْعَقْدُ فِي الْبَاقِي، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا، فَذَهَابُ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لاَ يَفْسَخُهُ؛ لإِمْكَانِ تَبْعِيضِهِ مَعَ عَدَمِ إِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِأَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

ب - وَفِي الْقَوَاعِدِ لاِبْنِ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهُ: إِذَا طَرَأَ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِعَيْنِهَا، كَرِدَّةٍ وَرَضَاعٍ اخْتَصَّتْ بِانْفِسَاخِ النِّكَاحِ وَحْدَهَا بِغَيْرِ خِلاَفٍ. وَإِنْ طَرَأَ مَا يَقْتَضِي تَحْرِيمَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لإِحْدَاهُمَا مَزِيَّةٌ، بِأَنْ صَارَتَا أُمًّا وَبِنْتًا بِالاِرْتِضَاعِ، فَفِي ذَلِكَ رِوَايَتَانِ: أَصَحُّهُمَا يَخْتَصُّ الاِنْفِسَاخُ بِالأْمِّ  وَحْدَهَا إِذَا لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا؛ لأِنَّ  الاِسْتِدَامَةَ أَقْوَى مِنَ الاِبْتِدَاءِ، فَهُوَ كَمَنْ أَسْلَمَ عَلَى أُمٍّ وَبِنْتٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا، فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نِكَاحُ الْبِنْتِ دُونَ الأْمِّ .

ج - سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَ الْحَنَفِيَّةِ انْفِسَاخُ عَقْدِ الإْجَارَةِ  بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا. فَإِذَا أَجَّرَ رَجُلاَنِ دَارًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُ الْمُؤَجَّرَيْنِ فَإِنَّ الإْجَارَةَ  تَبْطُلُ (تَنْفَسِخُ) فِي نَصِيبِهِ فَقَطْ، وَتَبْقَى بِالنِّسْبَةِ لِنَصِيبِ الْحَيِّ عَلَى حَالِهَا. وَكَذَا إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُسْتَأْجَرِينَ. وَلَوِ اسْتَأْجَرَ دَارَيْنِ فَسَقَطَتْ إِحْدَاهُمَا فَلَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمَا؛ لأِنَّ  الْعَقْدَ عَلَيْهِمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَقَدْ تَفَرَّقَتْ، فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ.

د - لَوْ بَاعَ دَابَّتَيْنِ فَتَلِفَتْ إِحْدَاهُمَا قَبْلَ قَبْضِهَا انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيمَا تَلِفَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. أَمَّا فِيمَا لَمْ يَتْلَفْ فَقَدْ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَنْفَسِخُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ، بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْجَازَةِ، فَإِنْ أَجَازَهُ فَبِحِصَّتِهِ مِنَ الْمُسَمَّى، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَيَنْفَسِخُ فِي الْجَمِيعِ عِنْدَهُمْ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

هـ - لَوِ اسْتَحَقَّ بَعْضَ الْمَبِيعِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ كُلُّهُ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ إِذَا كَانَ الْجُزْءُ الْمُسْتَحَقُّ هُوَ الأْكْثَرُ وَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْجُزْءِ الْمُسْتَحَقِّ وَحْدَهُ فِي قَوْلٍ آخَرَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ إِذَا كَانَ الاِسْتِحْقَاقُ بَعْدَ الْقَبْضِ وَكَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا لاَ يَضُرُّ تَبْعِيضُهُ، كَمَا إِذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ فَاسْتَحَقَّ أَحَدَهُمَا.

وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ إِلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ لِلْمُشْتَرِي بَيْنَ الْفَسْخِ فِي الْكُلِّ وَبَيْنَ الإِْمْضَاءِ فِي الْبَاقِي عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِحْقَاقٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع   ، الصفحة / 108

 

اسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ:

25 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَالْفَسَادُ مُقْتَرِنٌ بِهِ، وَدَفْعُ الْفَسَادِ

وَاجِبٌ فَيَسْتَحِقُّ فَسْخَهُ، وَلأِنَّ الْفَاسِدَ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ، إِزَالَةً لِلْخَبَثِ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ. وَلأِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اشْتِرَاطَ الرِّبَا وَإِدْخَالَ الآْجَالِ الْمَجْهُولَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ وَالزَّجْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ يَصْلُحُ زَاجِرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، لأِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفْسَخُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ  .

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي فَسْخِهِ قَضَاءُ قَاضٍ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ  . وَلَكِنْ لَوْ أَصَرَّا عَلَى إِمْسَاكِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فَلَهُ فَسْخُهُ جَبْرًا عَلَيْهِمَا، حَقًّا لِلشَّرْعِ  .

شُرُوطُ الْفَسْخِ:

26 - الْفَسْخُ مَشْرُوطٌ بِمَا يَلِي:

أ - أَنْ يَكُونَ بِعِلْمِ الْمُتَعَاقِدِ الآْخَرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ: ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الأْسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ الْخِلاَفَ فِيهِ كَالْخِلاَفِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.

ب - أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.

ج - أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الرَّدُّ  .

مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ:

27 - الْفَسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَكَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الاِمْتِنَاعِ مِنَ الْقَبُولِ وَالإْيجَابِ ، فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّهُ - كَمَا يَقُولُ الزَّيْلَعِيُّ - يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لأِنَّ فِيهِ إِلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ، فَلاَ يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ  .

ب - وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْقَبْضِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِمَا:

(1فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ: الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الرَّاجِعَ إِلَى الْبَدَلِ رَاجِعٌ إِلَى صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، لأِنَّهُ لاَ قِوَامَ لِلْعَقْدِ إِلاَّ بِالْبَدَلَيْنِ، فَكَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، فَيُؤَثِّرُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا.

(2وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى الْبَدَلَيْنِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، كَالْبَيْعِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا:

فَالأْسْبِيجَابِيُّ قَرَّرَ أَنَّ وِلاَيَةَ الْفَسْخِ لِصَاحِبِ الشَّرْطِ، بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الَّذِي لاَ يَرْجِعُ إِلَى الْبَدَلِ، لاَ يَكُونُ قَوِيًّا فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْطِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ - وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ خِلاَفًا فِي الْمَسْأَلَةِ:

فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، لِعَدَمِ اللُّزُومِ، بِسَبَبِ الْفَسَادِ.

وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: الْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ، فَلَوْ فَسَخَهُ الآْخَرُ، لأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، هَذَا لاَ يَجُوزُ  .

طَرِيقُ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

28 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ بِطَرِيقِينَ:

الأْوَّلُ: بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ نَقَضْتُهُ، فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَا الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ ثَبَتَ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَاءٍ  .

الثَّانِي: بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ بَائِعِهِ - حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَالتَّخْلِيَةِ - فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ  .

مَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ:

29 - لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْفَسْخِ بِصَرِيحِ الإْبْطَالِ وَالإْسْقَاطِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتُ، أَوْ: أَبْطَلْتُ، أَوْ: أَوْجَبْتُ الْبَيْعَ، أَوْ أَلْزَمْتُهُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْفَسْخِ ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، دَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَمَا ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى إِسْقَاطِهِ مَقْصُودًا، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ.

لَكِنْ قَدْ يَسْقُطُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِأَنْ يَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَقْصُودًا، فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ.

وَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَتَقَرَّرَ الضَّمَانُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ لاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلاَ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ.

وَفِيمَا يَلِي أَهَمُّ صُوَرِ ذَلِكَ.

الصُّورَةُ الأْولَى: التَّصَرُّفُ الْقَوْلِيُّ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا.

30 - أَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ يُخْرِجُ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ  . وَهَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي أَصَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ جَعَلَ الْمَبِيعَ مَهْرًا، أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ، أَوْ بَدَلَ إِجَارَةٍ، وَعَلَّلُوهُ قَائِلِينَ: لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ  .

أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الْهِبَةَ لاَ تُفِيدُ الْمِلْكَ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ.

أَوْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ لاَ يَلْزَمُ بِدُونِ التَّسْلِيمِ.

أَوْ وَقَفَهُ وَقْفًا صَحِيحًا، لأِنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ  .

أَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ مَاتَ، لأِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ.

أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَهُ أَيْضًا، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ  .

وَكَذَا الْعِتْقُ، فَقَدِ اسْتَثْنَوْهُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ  .

31 - فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، يَنْفُذُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَيَمْتَنِعُ فَسْخُهُ وَذَلِكَ:

أ - لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ، فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ.

ب - وَلأِنَّهُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي، وَنَقْضُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ   مَا كَانَ إِلاَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُقَدَّمُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى، لِغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسَعَةِ عَفْوِهِ، وَفَقْرِ الْعَبْدِ دَائِمًا إِلَى رَبِّهِ.

ج - وَلأِنَّ الْعَقْدَ الأْوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لاَ بِوَصْفِهِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، فَلاَ يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ.

د - وَلأِنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الأْوَّلِ  ؛ لأِنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ - مَعَ الإْذْنِ فِي الْقَبْضِ - تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الاِسْتِرْدَادِ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِلاَّ كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَاقَضَةِ  .

32 - اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ: الإْجَارَةَ. فَقَرَّرُوا أَنَّهَا لاَ تَمْنَعُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ تُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنَ الأْعْذَارِ، بَلْ لاَ عُذْرَ أَقْوَى مِنَ الْفَسَادِ، كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ  .

وَلأِنَّهَا - كَمَا يَقُولُ الْمَرْغِينَانِيُّ - تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا  .

وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّ الْفَسْخِ - كَمَا لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِهِبَتِهِ، أَوْ أَفْتَكَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ - عَادَ الْحَقُّ فِي الْفَسْخِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبِ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ.

لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ، لاَ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ، وَيَنْقُلُهُ إِلَى الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ، فَلاَ يَعُودُ حَقُّهُ إِلَى الْعَيْنِ وَإِنِ ارْتَفَعَ السَّبَبُ، كَمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ فَقْدِهِ مَثَلاً، ثُمَّ وُجِدَ الْمَغْصُوبُ  .

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الأْفْعَالُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا:

33 - وَمِنْهَا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، فَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِي الأْرْضِ الَّتِي اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ شَجَرًا:

فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُمَا اسْتِهْلاَكٌ عِنْدَهُ، لأِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ، وَقَدْ حَصَلاَ بِتَسْلِيطٍ مِنَ الْبَائِعِ، فَيَنْقَطِعُ بِهِمَا حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ، كَالْبَيْعِ.

وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ لاَ يَمْنَعَانِ مِنَ الْفَسْخِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَهُمَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَذَلِكَ لأِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ - مَعَ ضَعْفِهِ - لاَ يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَهَذَا أَوْلَى  .

34 - وَمِمَّا يَمْنَعُ الْفَسْخَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَوِ النَّقْصُ مِنْهُ.

أ - أَمَّا الزِّيَادَةُ: فَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَبِيعِ، غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قُمَاشًا فَخَاطَهُ، أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ قَمْحًا فَطَحَنَهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَأَمْثَالِهَا يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ، وَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ.

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَسَمْنِ الْمَبِيعِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ  .

ب - وَأَمَّا نَقْصُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لاَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَلاَ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ. لَكِنْ إِنْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَيُضَمِّنُهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ. وَلَوْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْبَائِعِ، اعْتُبِرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لَهُ. وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنَ الْجَانِي  .

35 - وَقَدْ وَضَعَ الزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لِمَا يَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ الأْفْعَالِ  حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ وَالْفَسْخِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى فَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلاً، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الاِسْتِرْدَادِ، كَمَا إِذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا  .

ثَالِثًا (مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ): حُكْمُ الرِّبْحِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

36 - صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَ يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا رَبِحَ فِي الْمَبِيعِ، فَلَوِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَيْنًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلاً وَتَقَابَضَا، وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ، يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْعَيْنَ بِالرِّبْحِ، لأِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهَا، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ؛ لأِنَّ النَّقْدَ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ  .

وَمُفَادُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ (أَيْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ) لاَ يَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُمَا؛ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الْبَدَلَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهِمَا مَعًا  .

رَابِعًا: قَبُولُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلتَّصْحِيحِ:

37 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِيهِ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا:

أ - فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ مَثَلاً، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ  مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَقَبْلَ فَسْخِهِ، جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً بِحَذْفِ الْمُفْسِدِ، فَبَيْعُ جِذْعٍ فِي سَقْفٍ فَاسِدٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَحِلْيَةٍ فِي سَيْفٍ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلاَّ بِضَرَرٍ لاَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إِنْ قَلَعَهُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الاِمْتِنَاعُ. وَبَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ  . وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ  الْمُشْتَرِي رَهْنًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا وَلاَ مُسَمًّى، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لَكِنْ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَرَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ يَبْطُلُ الأْجَلُ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِزَوَالِ الْفَسَادِ  .

هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ إِذَا انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ.

ب - أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، بِأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ، فَلاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ اتِّفَاقًا، كَمَا إِذَا بَاعَ عَيْنًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَهَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا  .

خَامِسًا: الضَّمَانُ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ:

38 - لاَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا، إِذَا هَلَكَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثَبَتَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِرَدِّ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا - مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا - وَرَدِّ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ أَمْ أَقَلَّ مِنْهُ أَمْ مِثْلَهُ.

وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ بِهِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ، فَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ  .

وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الإْتْلاَفِ (الْهَلاَكُ)، لأِنَّهُ بِالإْتْلاَفِ يَتَقَرَّرُ الْمِثْلُ أَوِ الْقِيمَةُ

39 - أَمَّا لَوْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَالنَّقْصُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:

أ - لَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعَ تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ النُّقْصَانِ.

ب - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، صَارَ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنِ الْبَائِعِ، هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ.

ج - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ:

فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي.

وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَهُوَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي  .

سَادِسًا: ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ:

40 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَأَعْتَقَهُ فِي الأْيَّامِ  الثَّلاَثَةِ لاَ يَنْفُذُ إِعْتَاقُهُ، وَلَوْلاَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ لَنَفَذَ إِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إِعْتَاقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، لِزَوَالِ الْخِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.

وَكَمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَلِلْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ  .

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة /  155

خِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ

التَّعْرِيفُ:

1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارٌ) وَكَذَلِكَ سَبَقَ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الشَّرْطِ) وَفَوَاتُ الشَّرْطِ: هُوَ عَدَمُ تَحْقِيقِ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَخِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ: هُوَ خِيَارٌ يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الْفِعْلِ الْمَشْرُوطِ مِنَ الْعَاقِدِ فَوْقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

2 - لِهَذَا الْخِيَارِ صِلَةٌ بِأَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ الأْخْرَى  مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا جَمِيعًا تَسْلُبُ لُزُومَ الْعَقْدِ مَعَ انْفِرَادِ كُلِّ خِيَارٍ بِالإْضَافَةِ  الْمُثْبِتَةِ لَهُ، كَالْعَيْبِ أَوِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُنْظَرُ مَا يَتَّصِلُ بِكُلِّ خِيَارٍ فِي مُصْطَلَحِهِ.

الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِخِيَارِ فَوَاتِ الشَّرْطِ:

3 - مِنَ الْمَبَادِئِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَاقِدَ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْوَفَاءِ بِشَرْطٍ الْتَزَمَ بِهِ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ فِي الْعَقْدِ - وَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا - فَإِنَّ الأْصْلَ  أَنْ يَتَوَصَّلَ الْمُشْتَرِطُ إِلَى تَنْفِيذِهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْقَضَاءِ لِيُوَفِّيَ الْمُتَخَلِّفَ عَنِ الشَّرْطِ جَبْرًا. وَهَذَا فِي شَرْطٍ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَا لاَ يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى فِعْلِهِ. كَالْتِزَامِهِ بِأَنْ يُقَدِّمَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ. فَهَاهُنَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُسَمُّونَهُ بِذَلِكَ، بَلْ يُعَبِّرُونَ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ فَسْخِ الْعَقْدِ، يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: يُقَالُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَ الرَّهْنَ - أَوْ قِيمَتَهُ - أَوْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ (عَاجِلاً) أَوْ يَفْسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ.. وَلَوِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَالْغَرَضِ.

ثُمَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ مِنْهُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ إِعْطَاءِ الْكَفِيلِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مِنْهُ شَرْطُ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَخَذُوا بِمَبْدَأِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ، أَوْ زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ. لَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ صُوَرًا حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الأْجَلِ، أَوِ الرَّهْنِ، أَوِ الْكَفِيلِ - مَعَ الْمَعْلُومِيَّةِ وَالتَّعْيِينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ - أَوْ بِشَرْطِ الإْشْهَادِ.

فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلَ الْكَفِيلُ الْمُعَيَّنُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِطِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ.

وَلاَ يُجْبَرُ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الشَّرْطَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا شَرَطَ، لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ، كَمَا لاَ يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ إِذَا تَلِفَ .

وَنَحْوُ ذَلِكَ لِلْحَنَابِلَةِ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلُ إِنْ وَفَّى الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَإِنْ أَبَى فَلِلْمُشْتَرِطِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ بِدُونِ مُقَابِلٍ عَنْ تَرْكِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ .

وَالْمَذْهَبُ الْحَنْبَلِيُّ هُوَ أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ عِنَايَةً بِالشُّرُوطِ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الأْصْلَ  فِي الْعُقُودِ رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَنَتِيجَتُهَا هُوَ مَا أَوْجَبَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالتَّعَاقُدِ . وَقَدِ اعْتَدُّوا بِمَبْدَأِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ بَعْدَمَا وَسَّعُوا مِنْ مَفْهُومِهِ، عَلَى أَسَاسِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَاقِدِ هِيَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يُوجِبْهَا الْعَقْدُ فَأَبَاحُوا أَكْثَرَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يُصَادِمُ نَصًّا شَرْعِيًّا أَوْ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَكُونُ فِي ذَاتِهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ شَرْعًا لِلْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ، وَتَكُونُ ثَمَرَةُ صِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ تَمْكِينَ الشُّرُوطِ لَهُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِ وَفَاءِ الْمُشْتَرِطِ .

وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَنَابِلَةُ مَعَ هَذَا خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ فِي عِدَادِ مَا أَوْرَدُوهُ مِنْ خِيَارَاتٍ . إِلاَّ أَنَّ صَاحِبَ «غَايَةِ الْمُنْتَهَى» اسْتَوْجَهَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّمَانِيَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (بِاسْتِمْرَارِ) قِسْمًا تَاسِعًا مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ وَهُوَ الْخِيَارُ الَّذِي ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي لِفَقْدِ شَرْطٍ صَحِيحٍ، أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أَوْ لاَ يُبْطِلُهُ، وَقَدْ أَقَرَّهُ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ الاِسْتِدْرَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ فَائِدَتُهُ شَكْلِيَّةً فَالْخِيَارُ كَمَا رَأَيْنَا مُعْتَبَرٌ فِي الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ لِلْحَنَابِلَةِ وَإِنْ لَمْ تُبْرِزْهُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَا يُورِدُونَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ صُوَرِهِ وَقُيُودِهِ .

انْتِقَالُهُ بِالْمَوْتِ:

4 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بِلاَ خِلاَفٍ .

سُقُوطُهُ وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ:

5 - يُطَبَّقُ مَا يَجْرِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَلاَمِ عَنْ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ، (ر: خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني  والعشرون  ، الصفحة / 135

الرُّجُوعُ بِالإْقَالَةِ:

16 - الإْقَالَةُ - سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ فَسْخًا أَوْ بَيْعًا - تُعْتَبَرُ رُجُوعًا فِي الْعَقْدِ بِرِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَهِيَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الْجَائِزَةِ بَلِ الْمَنْدُوبَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ» وَالْقَصْدُ مِنْهَا رَدُّ كُلِّ حَقٍّ إِلَى صَاحِبِهِ، فَفِي الْبَيْعِ مَثَلاً يَعُودُ - بِمُقْتَضَاهَا - الْمَبِيعُ إِلَى الْبَائِعِ، وَالثَّمَنُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَفِي الْجُمْلَةِ فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ أَوْ نَقْصُهُ أَوْ رَدُّ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّ  مُقْتَضَى الإْقَالَةِ رَدُّ الأْمْرِ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ، وَرُجُوعُ كُلٍّ مِنْهُمَا إِلَى مَا كَانَ لَهُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (إِقَالَة)

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثلاثون  ، الصفحة /  239

انْتهَاءُ الْعَقْد وَأَسْبَابُهُ :

56 - انْتهَاءُ الْعَقْد إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتيَاريًّا أَوْ يَكُونَ ضَرُوريًّا وَالأَْوَّلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بإرَادَة عَاقدٍ وَاحدٍ أَوْ بإرَادَة كلَيْهمَا، فَإذَا كَانَ بإرَادَة أَحَد الْعَاقدَيْن يُسَمَّى في اصْطلاَح الْفُقَهَاء فَسْخًا، وَإذَا كَانَ برضَا كلاَ الْعَاقدَيْن يُسَمَّى إقَالَةً وَالثَّاني، أَي الانْتهَاءُ الضَّرُوريُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُؤَقَّتَة، كَالإْجَارَة وَالإْعَارَة وَالْوَكَالَة وَنَحْوهَا، أَوْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُطْلَقَة، كَالرَّهْن وَالنّكَاح وَالْبَيْع وَنَحْوهَا، وَيُسَمَّى الانْتهَاءُ في هَذه الصُّورَة انْفسَاخًا.

وَلكُلّ هَذه الصُّوَر أَسْبَابٌ وَأَحْكَامٌ نُجْملُهَا فيمَا يَلي:

أَوَّلاً - الأْسْبَابُ الاخْتيَاريَّةُ لانْتهَاء الْعَقْد:

أ - الْفَسْخُ:

57 - الْفَسْخُ حَلُّ ارْتبَاط الْعَقْد وَرَفْعُ حُكْمه بالإْرَادَة وَيَكُونُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة بطَبيعَتهَا، كَعَقْد الْوَكَالَة وَالْوَديعَة وَالشَّركَة وَنَحْوهَا اتّفَاقًا، وَكَذَا عَقْدُ الإْعَارَة الْمُطْلَقَة عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء، أَوْ بشَرْط أَنْ لاَ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ عنْدَ الْمَالكيَّة، فَهَذه الْعُقُودُ يُمْكنُ إنْهَاؤُهَا بالْفَسْخ بإرَادَة كُلٍّ منَ الْعَاقدَيْن مَعَ مُرَاعَاة عَدَم الضَّرَر، وَكَذَا الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ كَعَقْد الْبَيْع وَالإْجَارَة وَغَيْرهمَا إذَا كَانَ فيهَا خيَارٌ لكُلٍّ منَ الطَّرَفَيْن أَوْ أَحَدهمَا، فَتُفْسَخُ بإرَادَة مَنْ لَهُ الْخيَارُ.

وَيُنْظَرُ تَفْصيلُ ذَلكَ كُلّه في مُصْطَلَح: (فَسْخ).

 ب - الإْقَالَةُ.

58 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْد وَإلْغَاءُ حُكْمه وَآثَاره بتَرَاضي الطَّرَفَيْن وَمَحَلُّ الإْقَالَة الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ منَ الطَّرَفَيْن ممَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار؛ لأنَّ  هَذه الْعُقُودَ لاَ يُمْكنُ فَسْخُهَا إلاَّ بإرَادَة الطَّرَفَيْن وَاتّفَاق الْمُتَعَاقدَيْن، وَعَلَى ذَلكَ فَإنَّ الإْقَالَةَ تَصحُّ في عُقُود الْبَيْع وَالْمُضَارَبَة، وَالإْجَارَة وَالرَّهْن (بالنّسْبَة للرَّاهن) وَالسَّلَم وَالصُّلْح وَهيَ عُقُودٌ لاَزمَةٌ.

وَلاَ تَصحُّ الإْقَالَةُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة كَالإْعَارَة وَالْوَصيَّة، وَالْجَعَالَة أَو الْعُقُود اللاَّزمَة الَّتي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار كَالْوَقْف وَالنّكَاح.

وَلشُرُوط الإْقَالَة وَأَثَرهَا في إنْهَاء الْعُقُود يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (إقَالَة ف 7، 12).

ج - انْتهَاءُ الْمُدَّة الْمُعَيَّنَة أَو الْعَمَل الْمُعَيَّن:

59 - تَنْتَهي بَعْضُ الْعُقُود بانْتهَاء مُدَّتهَا الْمُقَرَّرَة لَهَا باتّفَاق الطَّرَفَيْن، أَوْ بانْتهَاء الْعَمَل الَّذي عُقدَ الْعَقْدُ لأجْله.

فَعَقْدُ الإْجَارَة الْمُقَيَّدُ بمُدَّةٍ يَنْتَهي بانْتهَاء الْمُدَّة باتّفَاق الْفُقَهَاء كَالدَّار للسُّكْنَى أَو الأْرْض للزّرَاعَة، إلاَّ إذَا وُجدَ عُذْرٌ يَقْتَضي امْتدَادَ الْمُدَّة، كَأَنْ يَكُونَ في الأْرْض زَرْعٌ لَمْ يُحْصَدْ، أَوْ كَانَتْ سَفينَةٌ في الْبَحْر وَانْقَضَت الْمُدَّةُ قَبْلَ وُصُولهَا إلَى السَّاحل. ر: (إجَارَة ف 60)

كَمَا تَنْقَضي الإْجَارَةُ لعَمَلٍ مُعَيَّنٍ بانْتهَاء الْعَمَل الْمَعْقُود عَلَيْه في إجَارَة الأَْشْخَاص، كَالْحَمَّال وَالْقَصَّار وَالْخَيَّاط إذَا أَنْهَوْا الْعَمَلَ.

وَكَذَلكَ عَقْدُ الْوَكَالَة الْمُقَيَّدَة لإجْرَاء عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإنَّهَا تَنْتَهي بانْتهَاء الْعَمَل الْمُفَوَّض للْوَكيل. ر: (وَكَالَة).

ثَانيًا - أَسْبَابُ الْعَقْد الضَّرُوريَّةُ :

أ - هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه.

60 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَلَفَ الْمَعْقُود عَلَيْه سَبَبٌ لانْتهَاء بَعْض الْعُقُود، وَذَلكَ لتَعَذُّر دَوَام الْعَقْد، فَإذَا تَلفَت الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَو انْهَدَمَت الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ للسُّكْنَى انْفَسَخَت الإْجَارَةُ. وَكَذَلكَ إذَا تَلفَت الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ أَو الْمُودَعَةُ في عَقْدَي الْعَاريَّة وَالإْيدَاع، أَوْ تَلفَ رَأْسُ الْمَال في عَقْدَي الشَّركَة (شَركَة الأْمْوَال أَو الْمُضَارَبَة) كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في الْمُصْطَلَحَات الْخَاصَّة بكُلّ عَقْدٍ منْ هَذه الْعُقُود.

وَهَذَا السَّبَبُ يُؤَثّرُ في الْعُقُود الْمُسْتَمرَّة الَّتي تَدُومُ آثَارُهَا بدَوَام الْمَحَلّ، أَمَّا مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَوْرًا - كَعَقْد الْبَيْع مَثَلاً - فَلاَ يُؤَثّرُ فيه هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه (الْمَبيع) بَعْدَ قَبْض الْبَدَلَيْن.

أَمَّا قَبْلَ قَبْض الْمَبيع، فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في أَثَر هَلاَك الْمَبيع في انْفسَاخ الْبَيْع: فَقَالَ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ بانْفسَاخه مَعَ تَفْصيلٍ عنْدَهُمْ.

قَالَ الْكَاسَانيُّ في هَلاَك الْمَبيع قَبْلَ الْقَبْض: إنْ هَلَكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْض بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لأنَّهُ لَوْ بَقيَ أَوْجَبَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَري بالثَّمَن، وَإذَا طَالَبَهُ بالثَّمَن فَهُوَ يُطَالبُهُ بتَسْليم الْمَبيع، وَإنَّهُ عَاجزٌ عَن التَّسْليم، فَتَمْتَنعُ الْمُطَالَبَةُ أَصْلاً، فَلَمْ يَكُنْ في بَقَاء الْبَيْع فَائدَةٌ، فَيَنْفَسخُ، وَكَذَلكَ إذَا هَلَكَ بفعْل الْمَبيع، بأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بفعْل الْبَائع، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري عنْدَنَا، وَإنْ هَلَكَ بفعْل الْمُشْتَري لاَ يَنْفَسخُ الْبَيْعُ وَعَلَيْه الثَّمَنُ؛ لأنَّهُ بالإْتْلاَف صَارَ قَابضًا.

وَقَالَ النَّوَويُّ: الْمَبيعُ قَبْلَ قَبْضه منْ ضَمَان الْبَائع، فَإنْ تَلفَ بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري.

أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَالُوا: إذَا كَانَ الْمَبيعُ ممَّا فيه حَقُّ تَوْفيَةٍ لمُشْتَريه - وَهُوَ الْمَالُ الْمثْليُّ منْ مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ - يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائع، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبيعُ مُعَيَّنًا وَعَقَارًا أَوْ منَ الأَْمْوَال الْقيميَّة فَلاَ يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف، وَيَنْتَقلُ الضَّمَانُ إلَى الْمُشْتَري بالْعَقْد الصَّحيح اللاَّزم وَمثْلُهُ عنْدَ الْحَنَابلَة.

ب - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا :

61 - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا لاَ تُؤَثّرُ في الْعُقُود اللاَّزمَة في الْجُمْلَة، مَا عَدَا عَقْدَ الإْجَارَة عنْدَ الْحَنَفيَّة، فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بوَفَاة الْمُؤَجّر أَو الْمُسْتَأْجر؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد، وَتَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإذَا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الإْجَارَة بَعْدَ الْوَفَاة فَالْمُسْتَأْجرُ أَوْ وَرَثَتُهُ يَنْتَفعَان منَ الْعَيْن الْمُنْتَقلَة ملْكيَّتُهَا بوَفَاة الْمُؤَجّر إلَى الْوَرَثَة، وَالْمَنَافعُ الْمُسْتَحْدَثَةُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حينَ الْوَفَاة حَتَّى تَنْتَقلَ إلَى وَرَثَة الْمُسْتَأْجر.

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء إلَى أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُؤَثّرُ في انْتهَاء عَقْد الإْجَارَة إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا بَاقيَةً؛ لأنَّ  الْمَنَافعَ أَمْوَالٌ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا حينَ الْعَقْد، فَانْتَقَلَتْ إلَى الْمُسْتَأْجر بالْعَقْد.

أَمَّا الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزمَة - كَالْوَكَالَة وَالإْعَارَة وَالْوَديعَة وَنَحْوهَا - فَتَنْفَسخُ في الْجُمْلَة وَتَنْتَهي بوَفَاة أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا؛ لأنَّ هَا عُقُودٌ تَنْفَسخُ بإرَادَة أَحَد الطَّرَفَيْن في حَيَاتهمَا وَتَسْتَمرُّ بإرَادَتهمَا، فَإذَا تُوُفّيَ الْعَاقدُ فَقَدْ بَطَلَتْ إرَادَتُهُ وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذه الْعُقُود الَّتي كَانَتْ تَسْتَمرُّ باسْتمْرَار إرَادَة الْعَاقدَيْن.

ج - غَصْبُ الْمَعْقُود عَلَيْه :

62 - غَصْبُ مَحَلّ بَعْض الْعُقُود يُوجبُ انْفسَاخَهَا، فَفي عَقْد الإْجَارَة قَالَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ: إنْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فَللْمُسْتَأْجر الْفَسْخُ؛ لأنَّ  فيه تَأْخيرَ حَقّه، فَإنْ فَسَخَ فَالْحُكْمُ فيه كَمَا لَو انْفَسَخَ الْعَقْدُ بتَلَف الْعَيْن، وَإنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَة فَلَهُ الْخيَارُ بَيْنَ الْفَسْخ وَالرُّجُوع بالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاء عَلَى الْعَقْد وَمُطَالَبَة الْغَاصب بأَجْر الْمثْل.

وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: لَوْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ منْ يَد الْمُسْتَأْجر سَقَطَ الأَْجْرُ كُلُّهُ فيمَا إذَا غُصبَتْ في جَميع الْمُدَّة، وَإنْ غُصبَتْ في بَعْضهَا سَقَطَ بحسَابهَا، وَذَلكَ لزَوَال التَّمَكُّن منَ الانْتفَاع بالْعَيْن الْمُسْتَأْجَرَة، وَتَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بالْغَصْب في الْمَشْهُور عنْدَ الْحَنَفيَّة، خلاَفًا لبَعْضهمْ.

وَأَلْحَقَ الْمَالكيَّةُ الْغَصْبَ بتَعَذُّر الاسْتيفَاء منَ الْمَعْقُود عَلَيْه، فَحَكَمُوا بانْفسَاخ الْعَقْد به، وَصَرَّحُوا بأَنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسخُ بتَعَذُّر مَا يُسْتَوْفَى منْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ منَ التَّلَف، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانيت قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلكَ.

 د - أَسْبَابٌ أُخْرَى يُفْسَخُ بهَا الْعَقْدُ أَوْ يَنْتَهي.

63 - ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاء منْ أَسْبَاب فَسْخ الْعَقْد أَو انْتهَائه الاسْتحْقَاقَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَالكيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ أَنَّ الْمَبيعَ إذَا اسْتُحقَّ للْغَيْر بالْبَيّنَة أَوْ بإقْرَار الْمُشْتَري فَإنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسخُ وَيَنْتَهي حُكْمُهُ وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: إنَّ الْحُكْمَ بالاسْتحْقَاق لاَ يُوجبُ فَسْخَ الْعَقْد، بَلْ يُوجبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَة الْمُسْتَحقّ، فَإنْ أَجَازَ وَإلاَّ يَنْفَسخُ وَيَسْتَردُّ الْمُشْتَري الثَّمَنَ منَ الْبَائع. كَمَا فُصّلَ في مُصْطَلَح: (اسْتحْقَاق ف9 وَمَا بَعْدَهَا).

 الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والثلاثون ، الصفحة /  131

فَسْخ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْفَسْخُ لُغَةً: يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: النَّقْضُ أَوِ التَّفْرِيقُ، وَالضَّعْفُ فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ، وَالْجَهْلُ، وَالطَّرْحُ، وَإِفْسَادُ الرَّأْيِ، وَمِنَ الْمَجَازِ: انْفَسَخَ الْعَزْمُ وَالْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ: انْتَقَضَ، وَقَدْ فَسَخَهُ: إِذَا نَقَضَهُ .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ  أَوْ هُوَ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ مِنَ الأْصْلِ  كَأَنْ لَمْ يَكُنْ  أَوْ هُوَ: قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ  فَيُسْتَعْمَلُ الْفَسْخُ أَحْيَانًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ أَحَدِ الْخِيَارَاتِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي أَحْوَالِ فَسْخِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ أَوْ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ .

 

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الاِنْفِسَاخُ:

2 - الاِنْفِسَاخُ هُوَ: انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ.

وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ: أَنَّ الأْوَّلَ  فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوِ الْحَاكِمِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ .

وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: انْفِسَاخ ف 1، 6)

ب - الْخَلْعُ:

3 - الْخَلْعُ لُغَةً: النَّزْعُ وَالإْزَالَةُ، وَاصْطِلاَحًا: هُوَ إِزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ . فَالْخُلْعُ خَاصٌّ بِحَلِّ الرَّابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَهُوَ أَعَمُّ، وَهُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ مُطْلَقًا، وَالْخُلْعُ يَحْدُثُ بِالتَّرَاضِي، أَمَّا الْفَسْخُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.

فَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا صِلَةُ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ.

ج - الطَّلاَقُ:

4 - مِنْ مَعَانِي الطَّلاَقِ لُغَةً: رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا، يُقَالُ: أَطْلَقَ الْفَرَسَ: إِذَا خَلاَّهُ ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلاَقِ: أَنَّ الْفَسْخَ مُقَارِبٌ لِلطَّلاَقِ إِلاَّ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ الْفَسْخَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ، أَمَّا الطَّلاَقُ فَلاَ يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَلَكِنْ يُنْهِي آثَارَهُ فَقَطْ .

د - الإْبْطَالُ:

5 - الْبَاطِلُ لُغَةً: ضِدُّ الْحَقِّ، وَالإْبْطَالُ اصْطِلاَحًا: هُوَ الْحُكْمُ بِكَوْنِ الْعَقْدِ بَاطِلاً، لاِخْتِلاَلِ رُكْنِهِ أَوْ مَحَلِّهِ، وَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ: هُوَ مَا اخْتَلَّ رُكْنُهُ أَوْ مَحَلُّهُ أَوْ مَا لاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ.

(ر: إِبْطَال ف 1، وَبُطْلاَن ف 1)

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الإْبْطَالِ  وَالْفَسْخِ: أَنَّ الإْبْطَالَ يَحْدُثُ أَثْنَاءَ قِيَامِ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْصُلُ فِي الْعُقُودِ وَالْعِبَادَاتِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَيَقِلُّ فِي الْعِبَادَاتِ، وَيَكُونُ فِي الْعُقُودِ قَبْلَ تَمَامِهَا، لأِنَّهُ فَكُّ ارْتِبَاطِ التَّصَرُّفِ.

(ر: إِبْطَال ف 2)

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

6 - الأْصْلُ فِي الْعُقُودِ شَرْعًا اللُّزُومُ  لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)  قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الأْصْلَ  فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ، لأِنَّ  الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنَ الأْعْيَانِ ، وَالأْصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا .

وَقَدْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا، فَيَجِبُ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ الْفَسَادِ، وَاحْتِرَامِ ضَوَابِطِ الشَّرْعِ أَوْ شَرَائِطِهِ الَّتِي قَرَّرَهَا فِي الْعُقُودِ، حِمَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَمَنْعًا لِلْمُنَازَعَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَيَجُوزُ الْفَسْخُ إِعْمَالاً لإِرَادَةِ  الْعَاقِدِ، كَالْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، وَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَالاِتِّفَاقِ كَالإْقَالَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارَاتِ وَالإْقَالَةِ  وَقَالَ  عليه الصلاة والسلام : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ).

وَالْفَسْخُ الْقَضَائِيُّ يَكُونُ إِمَّا رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِمَّا إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ وَرَفْعًا لِلظُّلْمِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِسَبَبِ إِضْرَارِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّهِ فِي الْفَسْخِ، لِوُجُودِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ مَثَلاً، وَحَقُّ الْقَاضِي فِي الْفَسْخِ نَاشِئٌ مِنْ وِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ عَلَى النَّاسِ، أَوْ لأِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِقَابَةُ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ..

وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَسْخُ إِمَّا شَرْعًا أَوْ قَضَاءً أَوْ بِالرِّضَا.

أَسْبَابُ الْفَسْخِ:

7 - أَسْبَابُ الْفَسْخِ خَمْسَةٌ: إِمَّا الاِتِّفَاقُ أَوِ التَّرَاضِي وَمِنْهُ الإْقَالَةُ، وَإِمَّا الْخِيَارُ، وَإِمَّا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِمَّا اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ أَحَدِ الْتِزَامَاتِ الْعَقْدِ الْمُتَقَابِلَةِ، وَإِمَّا الْفَسَادُ.

أ - الْفَسْخُ بِالاِتِّفَاقِ:

8 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ، وَالإْقَالَةُ نَوْعٌ مِنَ الْفَسْخِ الاِتِّفَاقِيِّ وَتَقْتَضِي رُجُوعَ كُلٍّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُثَمَّنُ لِلْبَائِعِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ .

وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، لأِنَّ  الإْقَالَةَ  هِيَ الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَلأِنَّ  الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى الْبَائِعِ بِلَفْظٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَانَ فَسْخًا .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ  بَيْعٌ ثَانٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ .

وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ، لأِنَّهَا  رَفْعٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَرَفْعُ الشَّيْءِ فَسْخُهُ.

وَيَرَى مُحَمَّدٌ: أَنَّ الإْقَالَةَ  فَسْخٌ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا، فَتُجْعَلُ بَيْعًا لِلضَّرُورَةِ، لأِنَّ  الأْصْلَ  فِي الإْقَالَةِ  الْفَسْخُ، لأِنَّهَا  عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الشَّيْءِ لُغَةً وَشَرْعًا .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقَالَة ف 8)

ب - خِيَارُ الْفَسْخِ:

9 - الْخِيَارُ: هُوَ حَقُّ الْعَاقِدِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ إِمْضَائِهِ لِظُهُورِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِمُقْتَضَى اتِّفَاقٍ عَقْدِيٍّ، فَيَكُونُ لِلْمُتَعَاقِدِ الْحَقُّ فِي الاِخْتِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ إِمْضَائِهِ بِفَسْخِهِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ، أَوْ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ  أَمْرَ خِيَارِ التَّعْيِينِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَار ف 1 - 18)

ج - عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ أَصْلاً:

10 - يَجُوزُ لأِحَدِ  الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْعَقْدِ الْمُسَمَّى أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْفَسْخِ، مِثْلُ الْعَارِيَّةُ وَالْقَرْضِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ، فَكُلُّهَا عُقُودٌ غَيْرُ لاَزِمَةٍ يَجُوزُ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عُقُودُ الْمُشَارَكَاتِ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لِلْوَدِيعِ فَسْخُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْمُودَعِ بِالْفَسْخِ، وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً .

د - اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ الاِلْتِزَامِ:

11 - إِذَا اسْتَحَالَ تَنْفِيذُ أَحَدِ الاِلْتِزَامَاتِ الْعَقْدِيَّةِ جَازَ فَسْخُ الْعَقْدِ، لأِنَّ  الاِلْتِزَامَ الْمُقَابِلَ يُصْبِحُ بِلاَ سَبَبٍ.

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 64) وَمُصْطَلَحِ (الْتِزَام ف 57) وَمُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 74، 76)

هـ - الْفَسْخُ لِلْفَسَادِ:

12 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُعَامَلاَتِ لِلْفَسَادِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لإِزَالَةِ  سَبَبِ فَسَادِ الْعَقْدِ كَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوِ الأْجَلِ  أَوْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .

أَنْوَاعُ الْفَسْخِ:

13 - الْفَسْخُ بِإِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ هُوَ إِنْهَاءُ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقِهِمَا، إِذْ إِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي عُقِدَ بِهَا الْعَقْدُ، فَكَمَا نَشَأَ الْعَقْدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَطَابِقَيْنِ عَلَى إِنْشَائِهِ، كَذَلِكَ يَزُولُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَوَافِقَيْنِ عَلَى إِلْغَائِهِ، وَقَدْ يَتِمُّ الْفَسْخُ بِإِرَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْخِيَارِ .

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ:

14 - إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ أَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، بِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلاَ إِلَى التَّرَاضِي.

وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلاَ يَنْفَسِخُ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي. فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا - وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِحُكْمِ الْقَاضِي إِذَا رُفِعَ الأْمْرُ  إِلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْعَاقِدَانِ عَنِ الْفَسْخِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُطْلاَن ف 25) (وَخِيَارُ الْعَيْبِ ف 38، 39) (وَبَيْع ف 59)

الْفَسْخُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ:

15 - يَكُونُ الْفَسْخُ بِسَبَبِ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي الْعَقْدِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الزَّوَاجِ عِنْدَ تَبَيُّنِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفَسْخِ الْبَيْعِ حَالَةَ فَسَادِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالاِنْفِسَاخِ، كَمَا إِذَا كَانَ فِي الْمَبِيعِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ .

الْفَسْخُ لِلأْعْذَارِ:

16 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِلْعُذْرِ إِذَا كَانَ عَقْدَ إِيجَارٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَقْدَ بَيْعٍ لِلثِّمَارِ بِسَبَبِ الْجَوَائِحِ .

فَقَدْ أَجَازَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ  دُونَ غَيْرِهِمْ فَسْخَ عَقْدِ الإْجَارَةِ  وَعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِالأْعْذَارِ  الطَّارِئَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا بِالْعَاقِدَيْنِ أَمْ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لأِنَّ  الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى الْفَسْخِ عِنْدَ الْعُذْرِ، لأِنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ، لَلَزِمَ صَاحِبَ الْعُذْرِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ.

أَمَّا الْجُمْهُورُ فَالأْصْلُ  عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ، وَقَدْ يَرَوْنَ الْفَسْخَ فِي أَحْوَالٍ قَلِيلَةٍ.

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 64، 69)

الْفَسْخُ لاِسْتِحَالَةِ التَّنْفِيذِ:

17 - إِذَا هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِغَيْرِ الْهَلاَكِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ أَمْ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 59) وَمُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْعَيْبِ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)

الْفَسْخُ لِلإْفْلاَسِ وَالإْعْسَارِ وَالْمُمَاطَلَةِ:

18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا ظَهَرَ مُفْلِسًا فَلِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْظِرَهُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَلَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ.

وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلاَ فَسْخَ، وَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ وَبَقِيَّةَ مَالِهِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ.

أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ الْحَالُّ أَوْ بَعْضُهُ بَعِيدًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَر، أَوْ غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي الْمَسَافَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ.

وَيَرَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلاً فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ، قَالَ فِي الإْنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، إِذْ نَصُّوا أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرِيمُ أَحَقَّ بِأَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ، بَلْ هُوَ فِي ثَمَنِهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.

وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِالدَّيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَالِهِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِفْلاَس ف 25، 26)

وَلَيْسَ خِيَارُ الْفَسْخِ مُخْتَصًّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي كُلِّ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالإْجَارَةِ  وَالْقَرْضِ، فَلِلْمُؤَجِّرِ فَسْخُ الإْجَارَةِ  إِذَا أَفْلَسَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ دَفْعِ الأْجْرَةِ ، لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ إِذَا أَفْلَسَ وَكَانَ عَيْنُ مَالِهِ قَائِمًا .

وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِلإْعْسَارِ  أَوِ الْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ، وَالْفُرْقَةُ طَلاَقٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَجَوَازُهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ.

وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بِسَبَبِ الإْعْسَارِ، لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قوله تعالي (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .

فَسْخُ النِّكَاحِ:

19 - التَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَسْخًا أَوْ طَلاَقًا.

وَالْفَسْخُ: مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ مَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.

أَمَّا الْفَسْخُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ يَكُونُ فِي الأْمُورِ  الآْتِيَةِ:

أ - عَدَمُ الْكَفَاءَةِ.

ب - نُقْصَانُ الْمَهْرِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ.

ج - إِبَاءُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الإْسْلاَمَ  إِذَا أَسْلَمَ الآْخَرُ، لَكِنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجَةِ فَسْخٌ بِالاِتِّفَاقِ، أَمَّا الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي رَأْيِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَلَمْ يَرَيَا تَوَقُّفَهَا عَلَى الْقَضَاءِ، لأِنَّ  الْفُرْقَةَ حِينَئِذٍ طَلاَقٌ فِي رَأْيِهِمَا.

د - خِيَارُ الْبُلُوغِ لأِحَدِ  الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِذَا زَوَّجَهُمَا فِي الصِّغَرِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ.

هـ - خِيَارُ الإْفَاقَةِ  مِنَ الْجُنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا زَوَّجَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْجُنُونِ غَيْرُ الأْبِ  وَالْجَدِّ وَالاِبْنِ.

وَأَمَّا الْفَسْخُ غَيْرُ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ فِي الأْمُورِ  التَّالِيَةِ:

أ - فَسَادُ الْعَقْدِ فِي أَصْلِهِ، كَالزَّوَاجِ بِغَيْرِ شُهُودٍ.

ب - طُرُوءُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.

ج - رِدَّةُ الزَّوْجِ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ فَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .

الْفَسْخُ لِعَدَمِ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ:

20 - عَدَمُ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ أَوْ مِلْكٌ وَالَّذِي يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْعَقْدِ عَلَى رِضَاهُ يُعَدُّ مِنْ أَسْبَابِ انْحِلاَلِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِهِ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ مَوْقُوف).

الْفَسْخُ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ:

21 - إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ.

وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْفَسْخِ أَوِ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحْقَاق ف9، 11).

آثَارُ الْفَسْخِ:

تَظْهَرُ آثَارُ الْفَسْخِ فِي شَيْئَيْنِ: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ، وَسَرَيَانُهُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.

أَوَّلاً: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ:

22 - يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِالْفَسْخِ وَيَكُونُ لَهُ آثَار فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا.

أ - أَثَرُ الْفَسْخِ فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ:

23 - يَظَلُّ الْعَقْدُ قَائِمًا إِلَى حِينِ الْفَسْخِ وَيُنْتِجُ جَمِيعَ آثَارِهِ، فَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ انْحَلَّ وَاعْتُبِرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّرَفَيْنِ.

ب - أَثَرُ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ:

24 - إِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ تَصَرُّفًا يُرَتِّبُ لِلْغَيْرِ حَقًّا فِي الْمِلْكِيَّةِ امْتَنَعَ الْفَسْخُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِفَاظًا عَلَى ذَلِكَ الْحَقِّ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَبْقَى حَقُّ الْفَسْخِ قَائِمًا وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي.

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ وَإِلاَّ فَالْفَسْخُ عَلَى حَالِهِ .

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِرْدَاد ف 11).

ثَانِيًا: أَثَرُ الْفَسْخِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ:

25 - بَحَثَ السُّيُوطِيُّ أَثَرَ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاضِي بِعُنْوَانِ: هَلْ يَرْفَعُ الْفَسْخُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ فَقَالَ: 

أ - فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ: الأْصَحُّ  أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.

ب - الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ج - تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: الأْصَحُّ  الاِنْفِسَاخُ مِنْ حِينِ التَّلَفِ.

د - الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

هـ - السَّلَمُ: يَرْجِعُ الْفَسْخُ إِلَى عَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ.

و - الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ: مِنْ حِينِهِ.

ز - الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ: مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.

ح - فَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ.

ط - الإْقَالَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ: الأْصَحُّ  مِنْ حِينِهِ .

وَيُلاَحَظُ أَنَّ أَغْلَبَ حَالاَتِ الْفَسْخِ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهَا أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.

وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ خِلاَفًا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ، هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ ؟

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ - إِمَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ - رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ عَلَى الْمَاضِي، فَتَكُونُ غَلَّةُ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الإْقَالَةُ .

قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلاً عَنْ شَيْخِ الإْسْلاَمِ: إِنَّ الْفَسْخَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لاَ فِي مَا مَضَى .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع والثلاثون ، الصفحة / 133

فِي الأْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ إِذَا وَجَبَ ضَمَانُهَا:

وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:

أ - الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

5 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَاجِبُ الْفَسْخِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إِلَى الْبَائِعِ، وَرَدُّ الثَّمَنِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ قِيَمِيًّا كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ.

وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُضْمَنُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَالَ: إِنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ .

وَيُفَصِّلُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ.

فَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ - وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ - إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ إِلاَّ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ.

وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَمِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَصْلُهَا لاِبْنِ يُونُسَ وَعَزَاهَا لاِبْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لاِبْنِ رُشْدٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّ اللاَّزِمَ مَعَ الْفَوَاتِ هُوَ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا أَمْ مِثْلِيًّا .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَأَقْصَى قِيَمِهِ إِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَهَذَا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ، وَقَالَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ تَعْلِيقًا عَلَى قَوْلِ الرَّوْضِ: (يُضْمَنُ الْمَبِيعُ التَّالِفُ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ)، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ صَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ أَيْضًا، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِيهِ.

كَذَلِكَ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْقِيمَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، لَكِنَّ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ .

هَذَا الَّذِي سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.

أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ إِذَا تَلِفَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنَفِيَّةَ؛ لأِنَّهُ  أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَيَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لأِنَّ  الْبَائِعَ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ مَجَّانًا .

وَقْتُ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:

6 - إِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَاتٌ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ.

فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ؛ لأِنَّهُ  إِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلاَ يَتَغَيَّرُ كَالْغَصْبِ.

وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ يَوْمَ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَالُوا: لأِنَّهُ  مَأْذُونٌ فِي إِمْسَاكِهِ فَأَشْبَهَ الْعَارِيَّةَ.

وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إِلَى حِينِ التَّلَفِ؛ لأِنَّهُ  مُخَاطَبٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِرَدِّهِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْغَصْبِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَيَخْرُجُ هَاهُنَا (الْبَيْعُ الْفَاسِدُ)، بَلْ هُوَ هُنَا أَوْلَى؛ لأِنَّ  الْعَيْنَ كَانَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فِي حَالِ زِيَادَتِهَا وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهَا مَعَ زِيَادَتِهَا، فَكَذَلِكَ فِي حَالِ تَلَفِهَا.

 وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (105) : 
 (ا) الإقالة رفع العقد وإزالته ولا خيار فيها ولا شفعة . 
(ب) تترتب آثار الإقالة من حينها لا من أصل العقد المتقایل منه . 
(ج) تصح الإقالة بلفظها وبكل ما أدى معناها . 
إيضاح 
(ا) الإقالة فسخ العقد : وهي عبارة عن الرفع والإزالة يقال : أقال الله عثرتك : أي أزالها ، ورد الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد ، ورجوع كل من العاقدين إلى ما كان له ، وهي مشروعة عند الندم الحديث أبي هريرة مرفوعا: (من أقال مسها أقال الله عنه يوم القيامة ولا خيار في الإقالة ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يفسخ ، ولا شفعة في الإقالة ، لأن المقضي لها هو البيع ولم يوجد . 
(ب) الفسخ بالإقالة رفع للعقد من حين الفسخ ، لا من أصله . فما حصل من ماء کسب و نماء منفصل فلم مشتری لحديث : ( الخراج بالضمان ) . ويبقى المبيع بعد التقابل أمانة بيد اشتری، ومؤنة رده على البائع ، لرضاه بقائه أمانة بيد المشتري بعد النقابل ، فلا يلزمه مؤنة رده . 
(ج) تصح الإقالة بلفظها ، بأن يقول : أقلتك ، و بلفظ مصالحة ، و بلفظ بيع ، وما يدل على معاطاة ، لأن المقصود المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ . 

مادة (106) : 
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مطلقا ، وبعد نداء الجمعة وتصح من المضارب والشريك ولو بلا إذن رب المال ، أو الشريك ، ومن المفلس بعد الحجر عليه . 
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع . 
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف المبيع ، ولا بزيادة على الثمن أو نقصه ، ولا بغير جنسه، ولا مع موت أحد العاقدين أو غيبته . 
إيضاح 
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مبیع مطلقا حتى فيا يحتاج لحق توفية ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض . وتصح بعد نداء الجمعة ، 
کسائر الفسوخ . وتصح من مضارب وشريك ولو بلا أذن رب المال أو الشريك لظهور المصلحة فيها ، لامن وكل في شراء أو في بيع ، لأنه لا يملك الإقالة بغير إذن الموكل لأنه لم يوكله في الفسخ . كما تصح من مفلس بعد حجر عليه لمصلحة . 
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع ، فيصح 
التقايل في آبق وشارد كما لو فسخ فيهما بخيار شرط. 
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف مبيع مطلقا لقوات محل الفسخ ، ونصح مع تلف ثمن ، ولا تصح مع زيادة على ثمن معقود به أو مع نقصه، أو بغير جنسه ، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل منهما إلى ما كان له ، كما لا تصح مع موت أحد العاقدين أو غيبته . 

_________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

 ( مادة 161)

في العقود الملزمة للجانبين ، اذا انقضى التزام لاستحالة تنفيذه بسبب اجنبي لايد للمدين فيه ، انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء ذاته .

هذه المادة تتفق في حكمها مع المادة 159 من التقنين الحالي التي تنص على أنه في العقود الملزمة للجانبين اذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد من تلقاء نفسه . وقد أريد بتعديل نص هذه المادة الأخيرة على النحو الوارد في النص المقترح أن يكون الحكم أكثر وضوحاً ، لان الالتزام لا ينقضي اذا كانت استحالة تنفیذه ترجع إلى فعل المدين .

وتتفق في حكمها مع المادة 215 من التقنين الكويتي التي تنص على ما يأتي :

1في العقود الملزمة للجانبين ، اذا أصبح تنفيذ التزام أحد الطرفين مستحيلاً بسبب اجنبي لا يد له فيه ، انقضى هنا الالتزام وانقضت معه الالتزامات المقابلة على الطرف الآخر ، وانفسخ العقد من تلقاء نفسه •

فاذا كانت الاستحالة جزئية كان للدائن بحسب الأحوال أن يتمسك بالعقد فيما بقي ممكن التنفيذ أو أن يطلب فسخ العقد .

و تقابل المادة 247 من التقنين الأردني التي تنص على أنه في العقود الملزمة للجانبين اذا طرات قوة قاهرة تجمل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه ، فاذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل ، ومثل الاستحالة الجزئية الاستحالة الوقتية في العقود المستمرة ، وفي كليهما يجوز للدائن فسخ العقد بشرط علم المدين

و تقابل المادة ۱۷۹ من التقنين العراقي التي تنص على ما يأتي :

١اذا هلك المعقود عليه في المعارضات وهو في يد صاحبه -انفسخ العقد سواء كان هلاكه بفعله أو بقوة قاهرة وجب عليه رد العوض التي قبضه لصاحبه .

۲فالمبيع اذا هلك في يد البائع قبل أن يقبضه المشتري يكون من مال البائع ولا شيء على المشتري ،،

ويميزالفقه الاسلامي بين فسخ العقد وانفساخه : فينفسخ العقد من تلقاء نفسه اذا هلك المعقود عليه هلاكا كليا ، وفي غير حالة الهلاك الكلي يكون العقد في حاجة إلى الفسخ (أنظرم 629 من مرشدالحيران ) عبد الرزاق السنهوری ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج 6 ص 250

( مادة 165 )

1- يجب أن يكون المعقود عليه قائما وموجودا في يد المتعاقد وقت الاقالة

٢- واذا هلك بعض المعقود عليه أو حصل التصرف فيه ، صحت الاقالة في الباقی بقدر هته من العوض .

هذه المادة مستحدثة •

وتتفق معها في الحكم المادة ۲۱۷ من التقنين الكويتي تنص على ما يأتي :

1- للمتعاقدين أن يتقابلا العقد برضائهما بعد انعقاده ، ما بقى المعقود عليه قائما وموجودا في يد أحدهما .

۲- فاذا هلك أو تلف أو حصل التصرف للغير في بعض المعقود عليه ، جازت الإقالة في الباني منه بقدر حصته من العوض .

وتتفق معها في الحكم المادة ۱۸۲ من التقنين العراقي التي تنص على ما يأتي :

:١- يلزم أن يكون المعقود عليه قائما و موجودا في يد العاقد وقت الاقالة .

۲- ففي البيع يلزم أن يكون المبيع قائما وموجودا في يد المشتري ولو كان بعض المبيع قله تلف صحت الإقالة في الباقی بقدر حصته من الثمن . أما هلاك الثمن فلا يكون مانعا من صحة الاقالة ،،

وتتفق معها في الحكم المادة 244 من التقنين الأردني التي تنص على ما يأتي :

۱ - تتم الاقالة بالايجاب والقبول في المجلس وبالتعاطي بشرطاں يكون المعقود عليه قائما و موجودا في يد العاقد وقت الاقالة ولو تلف بعضه صحت الإقالة في الباقی بقدر حصته من الثمن .

راجع المذكرة الايضاحية للمواد الثلاثة الخاصة بالاقالة .