مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 327
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - يفترض الفسخ وجود عقد ملزم للجانبين ، يتخلف فيه أحد العاقدين عن الوفاء بالتزامه فيطلب الآخر فسخه ، ليقال بذلك من تنفيذ ما التزم به ويقع الفسخ بناء على حكم يقضى به أو بتراضي العاقدين ، أو بحكم القانون وبذلك يكون الفسخ قضائياً أو اتفاقياً أو قانونياً على حسب الأحوال .
2 - في حالة الفسخ القضائي يتخلف أحد العاقدين عن الوفاء بإلتزامه ، رغم أن الوفاء لا يزال ممكناً، ويكون العاقد الآخر بالخيار : بين المطالبة بتنفيذ العقد ، وبين طلب الفسخ ، على أن يكون قد أعذر الدين من قبل فإذا اختار الدائن تنفيذه العقد وطلبه ، وهو يدخل في حدود الإمكان ، كما هو حكم الفرض، تعين أن يستجيب القاضي لهذا الطلب ، وجاز له أن يحكم بالتعويض ، إذا اقتضى الحال ذلك أما إذا اختار الفسخ ، فلا يجبر القاضي على إجابته إليه ، بل يجوز له أن ينظر المدين إلى میسره إذا طلب النظرة ، مع إلزامه بالتعويض عند الإقتضاء ، بل ويجوز له أن يقضي بذلك من تلقاء نفسه وله كذلك ، ولو كان التنفيذ جزئياً ، أن يقتصر على تعويض الدائن عما تخلف المدن عن تنفيذه ، إذا كان ما تم تنفيذه هو الجزء الأهم في الإلتزام على أن للقاضي أن يجيب الدائن إلى طلبه ، ويقضي بفسخ العقد، مع إلزام المدين بالتعويض دائماً ، إن كان ثمة محل لذلك ولا يكون التعاقد ذاته في حالة الفسخ ، أساساً للإلتزام بالتعويض ، إذ هو ينعدم إنعداماً يستند أثره بفعل الفسخ وإنما يكون مصدر الإلزام ، في هذه الحالة ، خطأ المدين أو تقصيره على أن القاضي لا يحكم بالفسخ إلا بتوافر شروط ثلاثة : أولها أن يظل تنفيذ العقد مكناً، والثاني أن يطلب الدائن فسخ العقد ، دون تنفيذه، والثالث أن يبقى المدين على تخلفه ، فيكون من ذاك مبرر للقضاء بالفسخ ، فإذا اجتمعت هذه الشروط تحقق بذلك ما ينسب إلى الدين من خطأ أو تقصير .
3 - أما الفسخ الاتفاق ، فيفترض اتفاق المتعاقدين على وقوع الفسخ بحكم القانون دون حاجة إلى حكم قضائي ، عند التخلف عن الوفاء ، ويفضي مثل هذا الإنفاق إلى حرمان المتعاقد من ضيافتين : (1) العقد يفسخ حتماً دون أن يكون لهذا العاقد ، بل ولا القاضي ، خيار بين الفسخ والتنفيذ وإنما يبقي الخيار للدائن بداهة فيكون له أن يرغب عن الفسخ ويصر على التنفيذ. (ب) ويقع الفسخ بحكم الاتفاق دون حاجة للتقاضي على أن ذلك لا يقبل الدائن من ضرورة الترافع إلى القضاء ، عند منازعة المدين في واقعة تنفيذ العقد بيد أن مهمة القاضي تقتصر، في هذه الحالة على التثبت من هذه الواقعة ، فإذا تحققت لديه صحتها أيقن على العقد ، وإلا قضى بالفسخ على أن حرمان المدين من هاتين الضمانتين لا يسقط عنه ضانة أخرى ، تتمثل في ضرورة الإعذار ، ما لم يتفق المتعاقدان صراحة على عدم لزوم هذا الإجراء أيضاً .
4 - يتي بعد ذلك أمر الفسخ القانوني وهو يقع عند انقضاء الالتزام على أثر استحالة تنفيذه فإنقضاء هذا الالتزام يستبعد انقضاء الإلتزام المقابل له لتخلف سبيه ولهذه العلة ينفسخ العقد من تلقاء نفسه أو بحكم القانون بغير حاجة إلى التقاضي بل وبغير إعذار ، متى وضحت إستحالة التنفيذ وضوحاً كافياً على أن الترافع إلى القضاء قد يكون ضرورياً، عند منازعة الدائن أو المدين في وقوع الفسخ بيد أن موقف القاضي في هذه الحالة يقتصر على الاستيثاق من أن التنفيذ قد أصبح مستحيلاً، فإذا تحقق من ذلك يثبت وقوع الفسخ بحكم القانون ، ثم يقضي بالتعويض أو رفض القضاء به ، تبعاً لما إذا كانت هذه الإستحالة راجعة إلى خطأ المدين أو تقصيره أو إلى سبب أجنبي لا يد له فيه .
5 - ويترتب على الفسخ ، قضائيا كان أو اتفافياً أو قانونياً ، انعدام العقد إنعداماً يستند أثره، فيعتبر كأن لم يكن وهذا يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كان عليها قبل العقد فيرد كل منهما ما تسلم بمقتضى هذا العقد ، بعد أن تم فسخه وإذا أصبح الرد مستحيلاً وجب التعويض على الملازم ، وفقاً للأحكام الخاصة بدفع غير المستحق ومع ذلك فقد استثني المشروع من حكم هذه القاعدة صورة خاصة تعرض في فسخ العقود الناقلة لملكية العقارات فنص على أن هذا الفسخ لا يضر بالغير حسن النية ، إذا كان قد تلق من المتعاقد ، الذي آلت إليه ملكية العقار بمقتضى العقد المفسوخ ، حقا على هذا العقار ، قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ ( أنظر المادة 375 من المشروع )، ومؤدى هذا ، أن يظل حق الغير قائماً ، ويرد العقار مثقلا به ، رغم فسخ العقد الناقل للساكية ، وغنى عن البيان، أن هذا الاستثناء يكفل قسطاً معقولاً من الحماية للغير حسن النية ، ويهيئ بذلك للتعامل ما يخلق به من أسباب الإستقرار .
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 221 من المشروع :
فقررت اللجنة حذف الفقرة الثانية اكتفاء بورود حكمها في نص عام في التسجيل هو المادة 137 وأدخلت تعديلاً لفظياً على العبارة الأخيرة من الفقرة الأولى ، فأصبح النص النهائي للسادة هو ما يأتي :
إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا كان ذلك مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل .
ثم قدم المشروع النهائي بإستبدال عبارة , فإذا استحال ذلك بعبارة فإذا كان ذلك مستحيلاً .
وأصبح رقم المادة 114 في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 164 .
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
وافقت اللجنة على المادة مع حذف عبارة : بتعويض معادل ، والإستعاضة عنها بكلمة بالتعويض .
تقرير اللجنة :
حذفت كلمة معادل الواردة في آخر النص بعد كلمة تعويض ، نفياً لشبهة الإتجاه إلى تقرير حكم يخالف القواعد العامة في التعويض .
وأصبح رقم المادة 160.
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1- مفاد نص المادة 160 من القانون المدنى – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – أن الفسخ يترتب عليه انحلال العقد بأثر رجعى منذ نشوئه ويعتبر كأن لم يكن ويعاد كل شيء إلى ما كان عليه من قبل ، وبالتالى فإنه يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع أن تعود – بقوة القانون – العين المبيعة إلى البائع ، وأن يرد الأخير ما قبضه من الثمن وتطبق ذات القواعد إذا انحل العقد بسبب إبطــــاله أو بطــــــلانه .
(الطعن رقم 7784 لسنة 82 جلسة 2013/04/11)
2- إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل التعاقد عملاً بالمادة 160 من القانون المدنى ، ومن ثم فإن الفسخ له أثر رجعى سواء كان الفسخ بحكم القاضى أم بحكم الاتفاق أم بحكم القانون إلا أنه إذا كان العقد زمنياً كالإيجار وفسخ لم يكن لفسخه أثر رجعى لأن طبيعة العقود الزمنية تستعصى على هذا الأثر ذلك أن العقد الزمنى يقصد الزمن فيه لذاته إذ إنه محل العقد وما انقضى منه لا يمكن الرجوع فيه ، ويترتب على ذلك أن المدة التى انقضت من عقد الإيجار تبقى محتفظة بآثارها ويبقى عقد الإيجار قائماً طول هذه المدة وتكون الأجرة المستحقة عن المدة السابقة على الفسخ لها صفة الأجرة لا التعويض ويعتبر العقد مفسوخاً من وقت الحكم البات بفسخه لا قبل ذلك أومن اليوم التالى لنشر حكم المحكمة الدستورية العليا فى الجريدة الرسمية ويترتب على ذلك أنه إذا نشأ العقد المفروش وتم تنفيذه وانتهى فى ظل الرخصة التى كانت تخولها المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 للمستأجر وقبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا ففى هذه الحالة لا خطأ من جانب المستأجر لأنه لم يكن يعلم وما كان له أن يتوافر هذا العلم وقت التأجير مفروشا بأن نص المادة 40 سالفة البيان غير دستورى .
(الطعن رقم 2310 لسنة 68 جلسة 2010/03/18 س 61 ص 377 ق 60)
3- إذ كان الثابت أن الطاعن قد تمسك أمام محكمة الموضوع بنفاذ عقد الإيجار الصادر له من المطعون ضده الثاني فى حق المطعون ضدها الأولى وأن فسخ عقد البيع بين الأخيرين بموجب الحكم الصادر فى الدعوى .... لسنة ........ مدني مدينة نصر لا يؤثر على سلامة عقد الإيجارالذي أبرم قبل تحقق الشرط الفاسخ، فأطرح الحكم المطعون فيه دفاعه بمقولة إن مقتضى الفسخ أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه.
(الطعن رقم 1613 لسنة 70 جلسة 2002/12/09 س 53 ع 2 ص 1142 ق 220)
4- الأصل أنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد عملاً بالمادة 160 من القانون المدني ومن ثم كان الفسخ له أثر رجعي سواء كان بحكم القاضي أو بحكم القانون إلا أنه إذا كان العقد زمنيا كالإيجار وفسخ لم يكن لفسخه أثر رجعي لأن طبيعة العقود الزمنية تستعصي على هذا الأثر ذلك أن العقد الزمني يقصد الزمن فيه لذاته إذ أنه محل العقد وما انقضى منه لا يمكن الرجوع فيه, ويترتب على ذلك أن المدة التي انقضت من عقد الإيجار تبقى محتفظة بآثارها ويبقى عقد الإيجار قائماً طوال هذه المدة وتكون الأجرة المستحقة عن المدة السابقة على الفسخ لها صفة الأجرة لا التعويض ويعتبر العقد مفسوخا من وقت الحكم البات بفسخه لا قبل ذلك أو من اليوم التالي لنشر حكم المحكمة الدستورية العليا فى الجريدة الرسمية ويترتب على ذلك أنه إذا نشأ العقد المفروش وتم تنفيذه وانتهى فى ظل الرخصة التي كانت تخولها المادة 40 من القانون رقم 49 لسنة 1977 للمستأجر وقبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا ففي هذه الحالة لا تقصير من المستأجر الأصلي ولا خطأ من جانبه لأنه لم يكن يعلم وقت التأجير المفروش بأن نص المادة 40 سالفة البيان غير دستوري.
(الطعن رقم 10167 لسنة 64 جلسة 2001/02/08 س 52 ع 1 ص 277 ق 58)
5- إذ كان الثابت بالأوراق أن الطاعن تمسك أمام محكمة الموضوع بعدم إمكان إعادة الحال إلى ما كان عليه وتسليمه ارض المطعون ضدهم خالية كأثر من آثار الفسخ وذلك تأسيساً على أن البناء أقيم على هذه الأرض وأرض أخرى ضمت إليها وبلغت مساحتها جميعهاً 1029 م2 لا تتجاوز ارض المطعون ضدهم فيها نسبة 60 % فقط وأنه لا يتصور تسليم أي جزء من الأرض خالية إلا إذا هدم العقار بأكمله وفى ذلك ضياع للمال وإهداره . وإذ لم يعن الحكم بإيراد هذا الدفاع وبحثه والرد عليه رغم جوهريته إذ من شأنه لو تحقق أن يغير وجه الرأي فى شأن قضائه بالإزالة والتسليم فإن الحكم يكون معيباً بالقصور .
(الطعن رقم 1390 لسنة 69 جلسة 2000/07/01 س 51 ع 2 ص 879 ق 166)
6- لما كان الطاعن قد أقام دعواه بطلب فسخ العقد (عقد البيع) لإخلال المطعون ضدهما بالتزامهما، إذ تخلفت فى المبيع ما كفلاه له فيه من الحداثة والكفاءة العالية، مع التعويض لما أصابه من أضرار، وهي - بهذه المثابة - دعوى فسخ لإخلال البائع بضمان العيب، والذي ألحق به التقنين المدني الحالي تخلف الصفة التي كفل البائع وجودها فى المبيع وقت التسليم، وهي مما تتقادم بخمس عشرة سنة طبقا للقواعد العامة، فإن الحكم المطعون فيه ولئن كان قد انتهى صحيحاً إلى تكييف الدعوى بما سلف، إلا أنه أجرى عليها التقادم الحولي الخاص بدعوى الضمان، رغم أن الطاعن لم يؤسس رجوعه عليها، مما يعيبه بمخالفة القانون وبالخطأ فى تطبيقه.
(الطعن رقم 2567 لسنة 61 جلسة 1999/06/30 س 50 ع 2 ص 955 ق 188)
7- نص المادة 160 من القانون المدني وقد جرى على أنه "إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد..." مفاده أنه يترتب على الفسخ إنحلال العقد بأثر رجعي منذ نشوئه ويعتبر كأن لم يكن ويعاد كل شيء إلى ما كان عليه من قبل لا بالنسبة لطرفيه فحسب بل بالنسبة للغير كذلك فلا تنفذ التصرفات التي رتبها أحد المتعاقدين على محل التعاقد أثناء قيام العقد فى حق الطرف الآخر إعمالاً لهذا الأثر الرجعي للفسخ, إلا أنه رغبة من المشرع فى حماية الغير حسن النية من هذا الأثر فقد عطله لمصلحته متى كان قد تلقى حقاً عينياً على عقار وشهر حقه قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ أو قبل التأشير بمضمونها على هامش المحرر المسجل وذلك بما نصت عليه المادة 15 /1 من قانون تنظيم الشهر العقاري الصادر برقم 114 لسنة 1946 من أنه "يجب التأشير فى هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التي يكون الغرض منها الطعن فى التصرف الذي يتضمنه المحرر وجوداً أو صحة أو نفاذاً, كدعاوى البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع، فإذا كان المحرر الأصلي لم يشهر تسجل تلك الدعاوى وكذلك المادة 17 /1, 2 من ذات القانون المعدلة بالقانون رقم 25 لسنة 1976 من أنه "يترتب على تسجيل الدعاوى المذكورة بالمادة 15 أو التأشير بها أن حق المدعي إذا ما تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداء من تاريخ تسجيل الدعاوى أو التأشير بها. ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذي كسب حقه بحسن نية قبل التأشير أو التسجيل المنصوص عليهما فى الفقرة السابقة.....".
(الطعن رقم 47 لسنة 67 جلسة 1998/06/11 س 49 ع 2 ص 507 ق 122)
8- إذا كان الأصل فى العقود - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن تكون لازمة بمعنى عدم إمكان انفراد أحد المتعاقدين بفسخ العقد دون رضاء المتعاقد الآخر، وإلا انه ليس ثمة ما يمنع من الاتفاق بينهما صراحة أو ضمناً على رفع على رفع العقد والتقايل منه وليس هناك ما يحول بين احدهما وبين طلب فسخه أو انفساخه إذا لم يوف المتعاقد الآخر بالتزامه أو إذا أصبح تنفيذ هذا الالتزام مستحيلاً طبقاً لنصوص المواد من 157 إلى 160 من القانون المدنى مما مؤداه أن الحق فى طلب حل الرابطة العقدية وفقاً لهذه النصوص باعتبارها مكملة لإدارة المتعاقدين ثابت لكل متعاقد بنص القانون ويعتبر العقد متضمناً له ولو خلا من أشترطه ولا يجوز حرمانه منه أو الحد من نطاقه إلا باتفاقه إلا صريح، وعقد القسمة شانه فى ذلك شأن سائر العقود التبادلية .
(الطعن رقم 2381 لسنة 60 جلسة 1995/04/05 س 46 ع 1 ص 581 ق 116)
9- مؤدى النص فى المادة 370 من القانون المدني على أنه إذا إجتمع فى شخص واحد صفتا الدائن والمدين بالنسبة إلى دين واحد إنقضى هذا الدين بالقدر الذي إتحدت معه الذمة وإذا زال السبب الذي أدى لإتحاد الذمة وكان لزواله أثر رجعى عاد الدين إلى الوجود هو وملحقاته بالنسبة إلى ذوى الشأن جميعاً ويعتبر إتحاد الذمة كأن لم يكن وأن شراء المستأجر العين المؤجرة من المؤجر وإنتقال الملكية إليه هو صورة من صور إنتهاء الإيجار بإتحاد الذمة وذلك بمجرد وقوع البيع ذلك لأن المستأجر بشرائه العين حل محل المؤجر فإجتمعت له صفتا المؤجر والمستأجر مما مؤداه إنقضاء عقد الإيجار بإتحاد الذمة بما لازمه أنه بزوال سبب اتحاد الذمة كالقضاء بفسخ عقد البيع وبما للحكم بالفسخ من أثر رجعى وعودة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد عملاً بالمادة 160 من القانون المدني، تعود العلاقة الإيجارية التي كانت قائمة بينهما قبل انعقاد البيع بحيث يعود المشترى مستأجرا والبائع مؤجرا لإستعادته صفة المالك، أي تترتب إلتزامات عقد الإيجار بمقوماته الأصلية بينهما.
(الطعن رقم 2602 لسنة 60 جلسة 1992/01/29 س 43 ع 1 ص 255 ق 56)
10- مفاد نص المادة 160 من القانون المدني على توافر الأثر الرجعى للفسخ، إلا أن المقرر بالنسبة لعقد الإيجار هو من عقود المدة فإنه يستعصى بطبيعته على فكرة الأثر الرجعى، لأن الأمر فيه مقصود لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذي ينعقد عليه والتقابل بين الإلتزامين فيه يتم على دفعات بحيث لا يمكن الرجوع فيما نفذ منه فإذا فسخ عقد الإيجار بعد البدء فى تنفيذه فإن آثار العقد التي إنتجها قبل الفسخ تظل قائمة عملياً، ويكون المقابل المستحق عن هذه المدة له صفة الأجرة لا التعويض، ولا يعد العقد مفسوخاً إلا من وقت الحكم النهائي الصادر بالفسخ لا قبله، إلا أن الأمر يختلف إذا كان عقد الإيجار لم يتم تنفيذه ولم يتسلم المستأجر العين المؤجرة فإن تقاعس المؤجر عن تنفيذ التزامه بتسليم العين المؤجرة يوجب فسخ العقد متى طلب المستأجر ذلك ويرد الطرفان إلى الحالة التي كانا عليها عند عقد التعاقد وللمستأجر أن يسترد ما دفعه لحساب الأجرة التي سوف تستحق عليه عند تنفيذ العقد.
(الطعن رقم 1929 لسنة 52 جلسة 1991/04/11 س 42 ع 1 ص 886 ق 142)
11- النص فى المادة 160 من القانون المدني على أنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فإذا استحال ذلك جاز الحكم بالتعويض". وفي المادة 182 منه على أنه، يصح إسترداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لالتزام لم يتحقق سببه أو لالتزام زال سببه بعد أن تحقق. وفي المادة 187 منه على أنه تسقط دعوى استرداد ما دفع بغير حق بإنقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذي يعلم فيه من دفع غير المستحق بحقه فى الاسترداد !مفاده أن فسخ عقد البيع يترتب عليه إنحلاله بأثر رجعى منذ نشوئه ويعتبر كأن لم يكن ويعاد كل شيء إلى ما كان عليه من قبل، وأن حق البائع فى استرداد المبيع من المشترى يقوم تبعاً لذلك على أساس استرداد ما دفع بغير وجه حق، ولا تكون المطالبة باسترداد المبيع أو بالتعويض عنه فى حالة استحالة رده كأثر من الآثار المترتبة على الفسخ ممكناً إلا بعد التقرير به بحكم نهائي إذ من هذا التاريخ يبدأ سريان التقادم القصير المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدني.
(الطعن رقم 1038 لسنة 55 جلسة 1991/03/28 س 42 ع 1 ص 838 ق 133)
12- التسليم هو واقعة مادية يجوز اثباتها بكافة طرق الاثبات اذ العبرة فيه بحقيقة الواقع وان خالف الثابت بالأوراق ومؤدى نص المادة 160 من القانون المدني انه إذا فسخ العقد سقط أثره بين المتعاقدين وأعتبر كأن لم يكن وأعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد وأن البيع يعتبر بمثابة تعويض لصاحب العقار المغتصب مقابل ما حرم من ثمار ويلزم به من ارتكب العمل غير المشروع وهو الغصب وأن لمحكمة الموضوع سلطة تقدير عمل الخبير ولها أن تأخذ بالتقرير كله أو أن تأخذ ببعض ما جاء به وباطراح البعض الآخر.
(الطعن رقم 2551 لسنة 55 جلسة 1991/05/15 س 42 ع 1 ص 1119 ق 174)
13- مقتضى إنحلال العقد بأثر رجعى نتيجة للفسخ هو - وعلى ما سلف القول - أن يسترد كل متعاقد عين ما قدمه لا يقابله ، ولازم ذلك أنه وقد فسخ العقد محل النزاع وملحقه لإخلال الطاعن بإلتزاماته الناشئة عنهما فإنه يحق للمطعون ضدها إسترداد ما دفعته إليه من مبالغ وبذات العملة المسددة بها بالدولارات الأمريكية وليس بما يعادلها من العملة المحلية ، وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بإلزام الطاعن بأن يؤدى للمطعون ضدها مبلغ 910230 دولارا أمريكيا فلا تكون به حاجة إلى بيان سعر الصرف الذى يتم على أساسه تحويل المبلغ المقضى به إلى العملة المحلية لأن محل الإلزام هو ذات العملة الأجنبية وليس ما يقابلها و فى ذلك ما يكفى للتعرف بقضاء الحكم و ينأى به عن التجهيل .
(الطعن رقم 2092 لسنة 57 جلسة 1989/03/06 س 40 ع 1 ص 735 ق 127)
14- مفاد نص المادة 160 من القانون المدني أن الفسخ يترتب عليه انحلال العقد بأثر رجعى منذ نشوئه ويعتبر كأن لم يكن فيسترد كل متعاقد ما قدم للآخر، ويقوم استرداد الطرف الذي نفذ إلتزامه ما سدده للآخر من مبالغ فى هذه الحالة على استرداد ما دفع بغير حق الأمر الذي أكدته المادة 182 من القانون المدني بنصها على أنه يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لإلتزام زال سببه بعد أن تحقق، لما كان ذلك وكانت المادة 185 / 3من القانون المدني تلزم من تسلم غير المستحق برد الفوائد من يوم رفع الدعوى فإن الحكم المطعون فيه إذ ألزم الطاعن بالفوائد اعتباراً من تاريخ قيد صحيفة الدعوى موضوع الطعن بقلم كتاب المحكمة المنظورة أمامها فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون.
(الطعن رقم 2092 لسنة 57 جلسة 1989/03/06 س 40 ع 1 ص 735 ق 127)
15- الحكم بفسخ عقد الشركة خلافاً للقواعد العامة فى الفسخ ليس له أثر رجعى وإنما تنحل الشركة بالنسبة للمستقبل، أما قيامها وإعمالها فى الماضي فإنها لاتتأثر به، ومن ثم فلا محل لتطبيق القاعدة العامة الواردة فى المادة 160 من القانون المدني التي توجب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد.
(الطعن رقم 1198 لسنة 52 جلسة 1988/06/20 س 39 ع 2 ص 1059 ق 175)
16- إذ كانت المادة 14 من القانون رقم 142 لسنة 1944 - بفرض رسم أيلولة على التركات - تقضى بأن "يستبعد من التركة كل ما عليها من الديون والإلتزامات إذا كانت ثابتة بمستندات تصلح دليلاً على المتوفى أمام القضاء" وكان مفاد نص المادة 160 من القانون المدني أن الفسخ يترتب عليه انحلال العقد بأثر رجعى منذ نشوئه ويعتبر كأن لم يكن ويعاد كل شيء إلى ما كان عليه من قبل وبالتالي فإنه يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع أن تعود العين المبيعة إلى البائع وأن يرد الأخير ما قبضه من الثمن.... وإذ كان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه ومن الصور الرسمية للأحكام النهائية الصادرة من محكمة طنطا الإبتدائية بتاريخ ... فى الدعاوى ... مدني كلى طنطا المرفقة بملف الطعن - أن المحكمة قضت فيها بفسخ عقود البيع الصادرة من مورث الطاعنين وبالزام هؤلاء بأن يدفعوا من تركة مورثهم قيمة ما دفعه كل مشتر من ثمن - وجعله ذلك مبلغ 060/ 5085 جنيهاً - فإنه يكون من حق الطاعنين طلب إستبعاد المبلغ المشار إليه من أصول التركة بإعتباره ديناً على المتوفى ثابت بأحكام قضائية نهائية ولا يغير من ذلك أن أمر هذا الدين لم يعرض على لجنة الطعن لأن الأمر يتعلق بمسألة قانونية لا يجوز الإتفاق على خلاف ما يقضى به القانون فى شأنها.
(الطعن رقم 1488 لسنة 50 جلسة 1986/11/03 س 37 ع 2 ص 822 ق 169)
17- فسخ عقد الإيجار إتفاقاً أو قضاء - بعد البدء فى تنفيذه - وخلافاً للقواعد العامة لا يكون له أثر رجعى ، إذ يعتبر العقد مفسوخاً من وقت الإتفاق عليه أوالحكم النهائى بفسخه ، لأن طبيعة العقود الزمنية و منها عقد الإيجار تستعصى على هذا الأثر و يبقى عقد الإيجار بالنسبة للمدة التى إنقضت من قبل قائماً بحكم العلاقة بين الطرفين فى شأن إدعاء أى منهما قبل الآخر بعد تنفيذ إلتزاماته الناشئة عن هذا العقد خلال تلك المدة بإعتبار أحكام العقد - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى وحدها التى تضبط كل علاقة بين الطرفين بسبب العقد سواء عند تنفيذه تنفيذاً صحيحاً أوعند الإخلال بتنفيذه فلا يجوز الأخذ بأحكام المسئولية التقصيرية فى مقام العلاقة العقدية ، لأن فى ذلك إهدار لنصوص العقد المتعلقة بالمسئولية من عدم تنفيذه مما يخل بالقوة الملزمة له . لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأقام قضاءه بتأييد الحكم المستأنف على أن تعديل طلبات المطعون عليه يعتبر منه تسليماً بفسخ عقد الإيجار موضوع الدعوى ورتب على ذلك إعماله قواعد المسئولية التقصيرية بدلاً من قواعد المسئولية العقدية، فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون .
(الطعن رقم 742 لسنة 46 جلسة 1981/02/10 س 32 ع 1 ص 468 ق 91)
18- النص فى المادة "160 من القانون المدنى على أنه " إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ..." قطعى الدلالة على الأثر الرجعى للفسخ ، وعلى شموله العقود كافة ، إلا أنه من المقرر بالنسبه لعقد المدة أو العقد المستمر و الدورى التنفيذ كالإيجار أنه يستعصى بطبيعته على فكرة الأثر الرجعى ، لأن الزمن فيه مقصود لذاته بإعتباره أحد عناصر المحل الذى ينعقد عليه ، والتقابل بين الإلتزامين فيه يتم على دفعات بحيث لا يمكن الرجوع فيما نفذ منه ، فإذا فسخ عقد الإيجار بعد البدء فى تنفيذه ، فإن آثار العقد التى أنتجها قبل الفسخ تظل قائمة عملياً و يكون المقابل المستحق من هذه المدة له صفة الأجرة لا التعويض ، ولا يعد العقد مفسوخاً إلا من وقت الحكم النهائى الصادر بالفسخ لا قبله و يعتبر الفسخ هنا بمثابة إلغاء للعقد فى حقيقة الواقع .
(الطعن رقم 509 لسنة 46 جلسة 1979/02/07 س 30 ع 1 ص 491 ق 95)
19- النص فى المادة 1/15 من قانون تنظيم الشهر العقارى رقم 114 سنة 1946 على أنه " يجب التأشير فى هامش سجل المحررات واجبة الشهر بما يقدم ضدها من الدعاوى التى يكون الغرض منها الطعن فى التصرف الذى يتضمنه المحرر وجوداً أو صحة أو نفاذاً كدعاوى البطلان أو الفسخ أوالإلغاء أوالرجوع فإذا كان المحرر الأصلى لم يشهر تسجيل تلك الدعاوى " ، وفى المادة 17 من هذا القانون على أنه " يترتب على تسجيل الدعاوى المذكورة بالمادة الخامسة عشرة أوالتأشير بها أن حق المدعى إذا تقرر بحكم مؤشر به طبقاً للقانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينيه إبتداء من تاريخ تسجيل الدعاوى أوالتأشير بها ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذى كسب حقه بحسن نية قبل التأشير أوالتسجيل المشار إليهما " . يدل على أن المشرع خرج على الأثر الرجعى للفسخ لمصلحة الغير حسن النية الذى تلقى حقاً عينياً على عقار و شهر حقه قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ أو التأشير بمضمونها على هامش المحرر المسجل ، فقرر أن الحكم الذى يصدر بفسخ العقد لا يكون حجة على هذا الغير ومن ثم يظل حقه قائماً و يسرى فى مواجهة المدعى المحكوم له بالفسخ . أما إذا كان الغير سيىء النية فإن حقه طبقاً لنص هاتين المادتين يزول بالحكم بالفسخ ولو كان قد شهر حقه قبل تسجيل صحيفة الدعوى قبل التأشير بها .
(الطعن رقم 894 لسنة 44 جلسة 1979/01/09 س 30 ع 1 ص 133 ق 36)
20- الصلح لا يترتب عليه قانون إنحلال التصرف الذى صدر الصلح فى شأنه ليحل هذا الصلح محله ، وإنما يظل التصرف الأصلى قائماً ومنتجاً لآثاره المعدلة بعقد الصلح ، بحيث إذا أبطل هذا العقد أوفسخ ظل التصرف الأصلى منتجاً لآثاره دون أن ينال منها الصلح الذى أبطل أوفسخ .
(الطعن رقم 654 لسنة 45 جلسة 1978/05/25 س 29 ع 1 ص 1328 ق 259)
21- حق الواهب فى استرداد المال الموهوب فى حالة تحقق الشرط الفاسخ للهبة يقوم على أساس استرداد ما دفع بغير وجه حق وقد أكدت المادة 182 من القانون المدني هذا المعنى بنصها على إنه يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لإلتزام زال سببه بعد أن تحقق، إلا أنه لما كان الثابت أن المطعون عليه رفع دعواه بطلب رد المبلغ الموهوب، وكان الطاعن قد نازعه فى ذلك وكان رد المبلغ لا يقضى به فى هذه الحالة إلا كأثر من الآثار المترتبة على انفساخ العقد طبقاً للمادة 160 من القانون المدني التي تقضى بأنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، وكانت دعوى الفسخ لا تخضع للتقادم الثلاثي المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدني ولا تتقادم إلا بمضي خمس عشرة سنة، فإنه طالما يكون للواهب أن يرفع هذه الدعوى فإنه يكون له أن يطالب بالآثار المترتبة عليها ومنها رد المال الموهوب، إذ لا يكون هذا المال مستحق الأداء ممكناً المطالبة به إلا بعد تقرير الفسخ، إذ كان ذلك فإن النعي على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون يكون على غير أساس.
(الطعن رقم 351 لسنة 44 جلسة 1978/03/16 س 29 ع 1 ص 773 ق 152)
22- نص المادة 160 من القانون المدنى يدل على أن فسخ العقد إتفاقاً أو قضاء يترتب عليه إنحلال العقد و إعتباره كأن لم يكن و تعود الحال إلى ما كانت عليه قبل العقد و إذا كان العقد بيعاً و فسخ رد المشترى المبيع إلى البائع و رد البائع الثمن إلى المشترى ، فإذا كان المشترى قد أقام بناء على العين المبيعة أعتبر بانياً بسوء نية ما دام الفسخ قد ترتب بسبب آت من جهته ، و فى هذه الحالة تطبق القاعدة المقررة فى المادة 924 من القانون المدنى التى تنص على أنه ,, إذا أقام شخص بمواد من عنده منشآت على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون رضاء صاحب الأرض ، كان لهذا أن يطلب إزالة المنشآت على نفقة من أقامها مع التعويض إن كان له وجه و ذلك فى ميعاد سنة من اليوم الذى يعلم فيه بإقامة المنشآت مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة أو دفع مبلغ يساوى ما زاد فى ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت و يجوز لمن أقام المنشآت أن يطلب نزعها إن كان لا يلحق بالأرض ضرراً ، إذا إختار صاحب الأرض أن يستبقى المنشآت طبقاً لأحكام الفقرة السابقة ، و ذلك بالنسبة لحق البائع فى طلب إزالة ما يكون المشترى قد أقامه من مبان على الأرض المبيعة أو إستبقاؤه مع دفع المقابل ، و كذلك حق المشترى الذى أقام البناء على الأرض التى عادت ملكيتها إلى البائع بفسخ العقد و بيان قدر المقابل الذى يستحقه عند إزالة البناء و لا يتصور فى هذه الحالة إعمال القاعدة الواردة فى تلك المادة و التى تقيد حق صاحب الأرض فى طلب إزالة البناء بأن يكون طلبه خلال سنة من يوم علمه بإقامة البناء ، ذلك أنه طالما أن العقد ما زال قائماً لم يفسخ فلا يتصور إلزام البائع بذلك للقيد الزمنى عند طلبه الإزالة لأن ذلك لن يكون إلا بعد إنحلال العقد ، و من ثم فإن ذلك القيد الزمنى فى طلب الإزالة لا يسرى فى حق البائع إلا من تاريخ الحكم النهائى بفسخ العقد إذا كان البائع عالماً بإقامة المنشآت قبل ذلك أو من تاريخ علمه بإقامتها إذا كان العلم بعد الفسخ و فى جميع الأحوال فإن حق البائع فى طلب الإزالة يسقط بمضى خمسة عشر عاماً من تاريخ الحكم إذ كان ذلك فإنه يكون غير منتج النعى على الحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق القانون إذ إحتسب مدة السنة من تاريخ علم المطعون عليهما ، بإقامة المنشآت قبل فسخ العقد طالما أنه إنتهى صحيحاً إلى رفض الدفع بسقوط حقها فى طلب الإزالة .
(الطعن رقم 472 لسنة 44 جلسة 1977/12/15 س 28 ع 2 ص 1821 ق 311)
23- إستحالة تنفيذ الإلتزام - بنقل الملكية - لسبب أجنبى ، لا يعفى البائع مورث الطاعنين من رد الثمن الذى قبضه من المشترى - المطعون عليه - ، بل إن هذا الثمن واجب رده فى جميع الأحوال التى يفسخ فيها البيع بحكم القانون ، و ذلك بالتطبيق لحكم المادة 160 من القانون المدنى ، و يقع الغرم على مورث الطاعنين نتيجة تحمله التبعة فى إنقضاء إلتزامه الذى إستحال عليه تنفيذه - بإستيلاء جهة الإصلاح الزراعى على العين المبيعة - و لا يجدى فى ذلك دفاع الطاعنين بأن المطعون عليه أهمل فى تسجيل العقد أو إثبات تاريخه .
(الطعن رقم 119 لسنة 43 جلسة 1977/04/05 س 28 ع 1 ص 909 ق 156)
24- إذ واجه الحكم المطعون فيه دفاع الطاعنين بإكتساب مورثهم - المشترى - الذى قضى بفسخ عقد شرائه ملكية أعيان النزاع بوضع اليد المدة الطويلة وإنتهى إلى أن حيازته لها كانت حيازة عرضية بنية التملك فلا تصلح غير مقترنة سبباً لكسب الملكية بالتقادم ، إذ أن وضع يده كان مستنداً إلى حقه فى حبس الأعيان المبيعة حتى يستوفى مقدم الثمن وقيمة الإصلاحات التى أجراها ، وكانت هذه الأسباب سائغة وتكفى لحمل قضائه ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بالقصور أو بمخالفة القانون فى غير محله .
(الطعن رقم 429 لسنة 42 جلسة 1977/03/30 س 28 ع 1 ص 830 ق 147)
25- متى كان الحكم المطعون فيه قد أثبت أن إلتزام الطاعن وهو البائع بنقل ملكية السيارة المبيعة قد صار مستحيلاً بسبب تأميم شركة الطاعن تنفيذاً للقانون رقم 151 لسنة 1963 ، فإنه يكون قد أثبت أن إستحالة تنفيذ هذا الإلتزام ترجع إلى سبب أجنبى ، ووقوع الإستحالة لهذا السبب الأجنبى لا يعفى الطاعن من رد الثمن الذى قبضه ، بل أن هذا الثمن واجب رده فى جميع الأحوال التى يفسخ فيها العقد أو ينفسخ بحكم القانون وذلك بالتطبيق لنص المادة 160 من القانون المدنى ويقع الغرم على الطاعن نتيجة تحمله التبعة فى إنقضاء إلتزامه الذى إستحال عليه تنفيذه .
(الطعن رقم 256 لسنة 43 جلسة 1977/01/11 س 28 ع 1 ص 211 ق 48)
26- متى كان الطاعن - البائع - قد أخل بإلتزامه بتسليم البضاعة فيما عدا خمسين طناً ، وقضى تبعاً بفسخ العقد فلا محل لأن يطالب الطاعن بالإبقاء على مقدم الثمن الذي استلمه بل يتعين عليه رده عملاً بما تقضى به المادة 160 من القانون المدني من أن الفسخ يعيد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد فيرد كل منهما ما تسلم بمقتضى العقد بعد أن تم فسخه ، ولا يجوز للطاعن بالتالي أن يطالب بتكاليف إعداد البضاعة للتصدير وهو لم يقم بتسليمها .
(الطعن رقم 205 لسنة 39 جلسة 1974/12/03 س 25 ع 1 ص 1315 ق 225)
27- إذ يبين من مطالعة الأوراق أن البيع موضوع الدعوى الذى إنتهى الحكم المطعون فيه - إن خطأ أوصواباً - إلى إنعقاده صحيحاً قبل حصول التأميم ، قد أنصب على مقومات مضرب الأرز من أرض ومبان وآلات ثابتة ، وكان المضرب بمقوماته هذه يعتبر عقاراً ، وإذا كانت ملكية العقار لا تنتقل لا بين المتعاقدين ولا بالنسبة إلى الغير إلا بالتسجيل ، وكان عقد بيع هذا المضرب لم يسجل قبل حصول التأميم ، فإن تلك الملكية تكون قد بقيت للبائعة حتى نقلها التأميم إلى الدولة وبذلك إستحال على البائعة تنفيذ إلتزامها بنقل الملكية إلى المشترية . متى كان ذلك وكان قانون التأميم لم يتضمن نص كالذى تضمنته قواينن الإصلاح الزراعى بالإعتداد بتصرفات المالك الثابتة التاريخ قبل العمل به ، بل أنه خلا من أى تنظيم لهذه التصرفات و بذلك بقيت على أصلها خاضعة لأحكام القانون المدنى ، من إشتراط التسجيل لإنتقال ملكية العقار فيما بين المتعاقدين ، ولا يغنى تسليم المبيع عنه شيئاً فى نقل الملكية ، وإذا كان عقد البيع ينفسخ حتماً ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدنى بسبب إستحالة تنفيذ إلتزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبى ، ويترتب على الإنفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، ويتحمل تبعة الإستحالة المدين بالإلتزام الذى إستحال تنفيذه عملاً بمبدأ تحمل التبعة فى العقد الملزم للجانبين وذلك بالتطبيق للمادة 160 من القانون المدنى . وإذا خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وإنتهى إلى إلزام الطاعنة - المشترية - بأن تدفع ثمن المضرب إلى المطعون عليها الأولى - البائعة - تأسيساً على القول بإنعقاد البيع صحيحاً بين الطرفين وتنفيذه بتسليم المضرب إلى الطاعنة تمهيداً لتحرير العقد النهائى الناقل للملكية ، بأنه لا أثر للتأميم على حق البائعة فى إقتضاء ثمن الصفقة ، لحصوله فى تاريخ لاحق لإنعقاد ذلك العقد ، فإنه يكون معيباً بمخالفة القانون
(الطعن رقم 424 لسنة 38 جلسة 1974/06/09 س 25 ع 1 ص 1027 ق 169)
28- الصحيح فى القانون - وعلى ما جرى به قضاء محكمة النقض - هو أن إلتزام المشترى برد العقار المبيع بعد فسخ البيع إنما يقابل إلتزام البائع برد ما قبضه من الثمن ، وأن إلتزام المشترى برد ثمرات العين المبيعة يقابل إلتزام البائع برد فوائد ما قبضه من الثمن ، بما مؤداه ان من حق المشترى أن يحبس ما يستحقه البائع فى ذمته من ثمار حتى يستوفى منه فوائد ما دفعه من الثمن .
(الطعن رقم 321 لسنة 37 جلسة 1972/04/18 س 23 ع 2 ص 721 ق 113)
29- عقد البيع ينفسخ حتما ومن تلقاء نفسه طبقاً للمادة 159 من القانون المدنى بسبب استحالة تنفيذ التزام أحد المتعاقدين لسبب أجنبى ، ويترتب على الانفساخ ما يترتب على الفسخ من عودة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد ، ويتحمل تبعة الاستحالة فى هذه الحالة المدين بالالتزام الذى إستحال تنفيذه ، عملاً بمبدأ تحمل التبعة فى العقد الملزم للجانبين ، فإذا أثبت الحكم المطعون فيه أن التزام الطاعن بنقل ملكية العين المبيعة قد صار مستحيلا بسبب الإستيلاء عليها لديه تنفيذا للقانون رقم 127 لسنة 1961 بتعديل قانون الإصلاح الزراعى ، فإنه يكون بذلك قد أثبت أن استحالة تنفيذ هذا الإلتزام ترجع إلى سبب أجنبى . وإذ كان وقوع الاستحالة لهذا السبب الأجنبى لا يعفى الطاعن من رد الثمن الذى قبضه ، بل إن هذا الثمن واجب رده فى جميع الأحوال التى يفسخ فيها العقد أو ينفسخ بحكم القانون ، وذلك بالتطبيق لحكم المادة 160 من القانون المدنى ، و يقع الغرم على الطاعن نتيجة تحمله التبعة فى انقضاء إلتزامه الذى إستحال عليه تنفيذه وكان لا ينفى هذه الاستحالة أن المطعون عليه استمر يضع اليد على القدر المبيع ، ذلك أن واضع اليد على الأراض المستولى عليها يستمر - بحكم القانون - فى وضع يده عليها ، ويعتبر مكلفا بزراعتها مقابل دفع سبعة أمثال الضريبة سنويا إلى الهيئة العامة للإصلاح الزراعى حتى تقوم هذه الهيئة باستلامها فعلا ، فإن الحكم المطعون فيه إذ قضى بإلزام الطاعن برد الثمن تأسيسا على انفساخ العقد لإستحالة تنفيذ الطاعن التزامه بنقل الملكية ، يكون قد طبق القانون تطبيقا صحيحاً ويكون غير منتج دفاع الطاعن بأن المطعون عليه هو الذى أهمل فى تسجيل عقده أو فى التقدم إلى اللجنة القضائية للإصلاح الزراعى للاعتداد بهذا العقد .
(الطعن رقم 303 لسنة 36 جلسة 1971/03/02 س 22 ع 1 ص 244 ق 40)
30- إذا حكم القاضى بفسخ عقد الشركة فإن هذا الفسخ خلافا للقواعد العامة فى الفسخ لا يكون له أثر رجعى ، إنما تنحل الشركة بالنسبة للمستقبل ، أما قيامها وأعمالها فى الماضى فإنها لا تتأثر بالحل ، وبالتالى فلا محل لتطبيق القاعدة العامة الواردة فى المادة 160 من القانون المدنى والتى توجب إعادة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد فى حالة فسخه مما يقتضى أن يرد كل منهما ما تسلمه من الآخر تنفيذا للعقد ، وإنما يستتبع فسخ عقد الشركة وحلها تصفية أموالها وقسمتها بالطريقة المبينة فى العقد ، وعند خلوه من حكم خاص تتبع فى ذلك الأحكام الواردة فى المادة 532 من القانون المدنى و ما بعدها ، وقبل إجراء تصفية الشركة لا يجوز للشريك أن يسترد حصته فى رأس المال لأن هذه التصفية هى التى تحدد صافى مال الشركة الذى يجوز قسمته بين الشركاء ، وتكون من ثم دعوى المطعون ضده فى خصوص إسترداد حصته فى رأس مال الشركة قبل حصول التصفية غير مقبولة لرفعها قبل الأوان .
(الطعن رقم 287 لسنة 35 جلسة 1969/06/12 س 20 ع 2 ص 929 ق 148)
31- إلتزام المشترى برد الأرض المبيعة - بعد فسخ عقد البيع - إنما يقابل إلتزام البائع برد ما قبضه من الثمن أما إلتزام المشترى برد ثمرات العين المبيعة فهو يقابل إلتزام البائع برد فوائد ما قبضه من الثمن و من ثم فإن من حق المشترى أن يحبس ما يستحقه البائع فى ذمته من ثمار حتى يستوفى منه فوائد ما دفعه من الثمن .
(الطعن رقم 492 لسنة 34 جلسة 1968/06/27 س 19 ع 2 ص 1234 ق 185)
32- ثبوت حق المشترى فى حبس قيمة الثمار إلى أن يستوفى من البائع - بعد فسخ عقد البيع - ما هو مستحق له فى ذمته من فوائد ما دفعه من الثمن ، لا يمنع من الحكم بقيمة الثمار المستحقة للبائع على أن يكون تنفيذ هذا الحكم مشروطا بأداء البائع للمشترى ما هو مستحق له فى ذمته من فوائد ما قبضه من الثمن من تاريخ هذا القبض حتى تاريخ الوفاء .
(الطعن رقم 492 لسنة 34 جلسة 1968/06/27 س 19 ع 2 ص 1234 ق 185)
33- لئن كان حق المشترى فى إسترداد الثمن من البائع فى حالة فسخ البيع يقوم على أساس إسترداد ما دفع بغير حق - الأمر الذى أكدته المادة 182 من القانون المدنى بنصها على أنه يصح إسترداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لإلتزام زال سببه بعد أن تحقق و هو ما ينطبق على حالة ما إذا نفذ أحد المتعاقدين إلتزامه فى عقد فسخ بعد ذلك إلا أنه فى حالة إنفساخ العقد من تلقاء نفسه - طبقا للمادة 159 مدنى - لإستحالة تنفيذ البائع إلتزامه بنقل الملكية بسبب الإستيلاء لديه على الأطيان المبيعة تنفيذاً لقانون الإصلاح الزراعى و منازعة البائع فى حصول هذا الإنفساخ قبل رفع الدعوى و أثناء نظرها لا يقضى برد الثمن إلا كأثر من الآثار المترتبة على فسخ العقد أو إنفساخه طبقاً للمادة 160 من القانون المدنى . وإذ كانت دعوى الفسخ لا تخضع للتقادم الثلاثى المنصوص عليه فى المادة 187 من القانون المدنى و لا تتقادم إلا بخمس عشرة سنة فإنه طالما يكون للدائن أن يرفع هذه الدعوى فإنه يكون له أن يطالب بالآثار المترتبة على الفسخ ومنها رد الثمن إذ لا يكون هذا الثمن مستحق الأداء و ممكناً المطالبة به إلا بعد تقرير الفسخ .
(الطعن رقم 217 لسنة 34 جلسة 1968/02/22 س 19 ع 1 ص 345 ق 53)
34- وإن كان يترتب على إنفساخ عقد البيع أن يعاد العاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد فيرد المشترى المبيع و ثماره إذا كان قد تسلمه و يرد البائع الثمن و فوائده ، إلا أن إستحقاق البائع لثمار المبيع يقابله إستحقاق المشترى لفوائد الثمن و تحصل المقاصة بينهما بقدر الأقل منهما .
(الطعن رقم 217 لسنة 34 جلسة 1968/02/22 س 19 ع 1 ص 345 ق 53)
35- إن المشرع وإن كان قد أجاز للمشترى - طبقا للمادة 443 من القانون المدنى - الرجوع على البائع له - فى حالة إستحقاق المبيع - بضمان الاستحقاق إلا أنه لم يمنعه من المطالبة بفسخ عقد البيع على أساس أن البائع قد أخل بالتزامه وهو ما أشارت إليه المادة السابق ذكرها بقولها " كل هذا ما لم يكن رجوع المشترى مبنيا على المطالبة بفسخ البيع أو إبطاله " - ومن مقتضى ذلك أنه فى حالة القضاء بالفسخ تترتب الاثار التى نصت عليها المادة 160 من القانون المدنى وهى أن يعود المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل التعاقد فيرد كل متهما ما تسلم بمقتضى العقد بعد أن تم فسخه .
(الطعن رقم 193 لسنة 34 جلسة 1967/08/15 س 18 ع 3 ص 1500 ق 225)
36- لما كانت المادة 160 من القانون المدنى تنص على أنه إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان إلى الحالة التى كانا عليها قبل العقد وكان يترتب على الفسخ إنحلال العقد بالنسبة إلى الغير بأثر رجعى فإنه يترتب على القضاء بفسخ عقد البيع أن تعود العين المبيعة إلى البائع ولا تنفذ فى حقه التصرفات التى ترتبت عليها كما يكون للمشترى أن يرجع على بائعه بالثمن بدعوى مستقلة إذا إمتنع هذا البائع عن رده إليه وذلك كأثر من آثار فسخ العقد
(الطعن رقم 188 لسنة 32 جلسة 1966/03/24 س 17 ع 2 ص 708 ق 97)
الآثار المترتبة على الفسخ والتفاسخ والإنفساخ
دعوى الفسخ والإلتزام بالرد :
الفسخ يكون قضائياً أو إتفاقياً أو قانونياً، وفي الحالة الأولى لا يقع الفسخ إلا بحكم نهائي من القضاء بناء على دعوى يرفعها طالب الفسخ، ويكون الحكم حينئذ منشئة للفسخ وليس مقررة له، فيعتبر الفسخ قد تحقق من وقت صيرورة الحكم نهائياً، وبذلك يظل العقد نافذاً فيما بين المتعاقدين حتى صدور الحكم النهائي، بحيث إذا قام الطرف الذي أخل بالتزامه، بتنفيذ هذا الإلتزام إلى ما قبل صدور الحكم النهائي، أعتبر هذا التنفيذ واردة على محله ووجب الإعتداد به لأنه وقت إتمام هذا التنفيذ لم يكن العقد قد انفسخ بل كان قائماً ونافذاً، ويترتب على ذلك زوال السبب المؤدي للفسخ، وبهذا التنفيذ يتوقى المدين الحكم بالفسخ، إلا أنه يتعين الزامه بمصاريف الدعوى طالما تحقق إخلاله بإلتزامه وقت رفع دعوى الفسخ، بإعتباره المتسبب في رفعها حتى لو توقى الفسخ وذلك عملاً بالمادة 185 من قانون المرافعات فإذا قضى بالفسخ ابتدائية، تم توقى الفسخ أمام المحكمة الاستئنافية، فإنها تقضي بإلغاء الحكم المستأنف، وتلزم المستأنف مصاريف الاستئناف، إذ سبق أن ألزمته محكمة الدرجة الأولى مصاريف الدعوى عندما قضت بالفسخ، فإن قضي نهائيا بالفسخ، عاد المتعاقدان إلى ما كانا عليه قبل التعاقد إعمالاً للأثر الرجعي للفسخ على التفصيل الذي سوف نتناوله فيما بعد، فالفسخ القضائي يتطلب رفع دعوى وصدور حكم نهائي فيها بالفسخ، ويكون الحكم منشئاً للفسخ وليس مقرراً له ولا يتعارض ذلك مع الأثر الرجعی للفسخ.
أما في حالة الفسخ الإتفاقي، فإن رفع الدعوى لا يكون لازماً إذا نص في العقد على إعتباره مفسوخاً من تلقاء نفسه، دون حاجة الى حكم قضائي وذلك عملا بالمادة 158 من القانون المدني فيقع الفسخ فور الإخلال بالإلتزام حتى لو نازع المدين في تحقق الشرط مما اضطر الدائن إلى رفع الدعوى، ومتى صدر الحكم بالفسخ، كان مقرراً للفسخ أي أن الفسخ يعتبر قد وقع من وقت الإخلال بالإلتزام وليس من وقت صدور الحكم، وبالتالي يعتبر العقد كأن لم يكن من وقت هذا الإخلال، وهو ما يحول دون المدين وتوقى الفسخ، لأن التوقي يتطلب قيام العقد فإن كان قد زال، فإن التنفيذ يرد على غير محل، فإن تمثل الإخلال في عدم الوفاء بأحد الأقساط، فإن الوفاء به عن طريق العرض والإيداع يكون عديم الأثر لإستناده إلى عقد انقضى و يترتب على الفسخ عودة المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل التعاقد لكن إذا لم تتم صياغة الشرط الفاسخ على النحو المتقدم وانحصرت في اعتبار العقد مفسوخاً من تلقاء نفسه، فإن الفسخ لا يقع إلا بصدور حكم نهائي بناءً على دعوى، ويكون الحكم في هذه الحالة منشئاً للفسخ وليس مقرراً له، وبالتالي يعتبر العقد قائماً ونافذاً حتى يصدر حكم نهائي بالفسخ، ولكن التزاماً بإرادة المتعاقدين، لا تملك المحكمة أية سلطة تقديرية بصدد إيقاع الفسخ ومن ثم تلتزم بالحكم به، كما تحول تلك الإرادة دون المدين و تنفيذ التزامه بعد أن أخل به وبالتالي لا يجوز له توقى الفسخ، ويترتب على الفسخ عودة المتعاقدين الى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد .
ويقع إنفساخ العقد بقوة القانون إذا إستحال تنفيذ التزامات أحد عاقديه ولا يتطلب ذلك رفع دعوى أو صدور حكم منى وضحت الإستحالة وضوحاً كافية، فإذا نازع الدين ورفعت الدعوى كان الحكم مقررة للإنفساخ وليس منشئا له.
ودعوى الفسخ دعوی شخصية ولو طلب فيها الرد، حتى لو تعلق الرد بعقار، إذ يلتزم كل من المتعاقدين برد ما كان قد تسلمه من المتعاقد الآخر كأثر ترتب قانونا على حكم الفسخ، وهذا التزام شخصي بالرد، مما مؤداه أنه إذا رفض أحد المتعاقدين الرد، كان للمتعاقد الآخر رفع دعوى لإلزامه بذلك، فإن كان الفسخ وارداً على بيع عقار، التزم المشتري برد العقار وإلا جاز للبائع رفع دعوى لإلزامه بذلك، وحينئذ لا يكلف البائع بإثبات ملكيته للعقار، ولكن يكتفي بإثبات العقد الذي تم بموجبه تسليم العقار للمشترى، فدعوى رد العقار دعوى شخصية وليست دعوى ملكية، ومن ثم ينعقد الاختصاص بنظرها لمحكمة موطن المشتري طالما أن العقد لم يكن قد سجل، فإن كان قد سجل، فان دعوى الرد تكون شخصية عقارية لورودها على عقار انتقلت ملكيته إلى المشتري، فينعقد الاختصاص لموطن المشتري أو للمحكمة التي يقع العقار بدائرتها.
ولا يقضى بالرد إلا إذا كان طالبه قد قام بتنفيذ التزاماته الشخصية التي رتبها حكم الفسخ أو كان لم يستوف حقوقه من خصمه، فإن لم يكن قد قام بذلك، جاز لخصمه التمسك بحقه في الحبس، فإن كان البائع قد أودع الثمن خزينة المحكمة معلقة صرفه للمشتري على قيام الأخير برد العين، أو كان البائع لم يقبض الثمن بعد، امتنع على المشترى حبس المبيع، لكن إن كان البائع قد قبض الثمن ولم يرده، جاز للمشتري التمسك بحقه في الحبس، وفي هذه الحالة تقضي المحكمة بإلزام المشترى برد المبيع وتعلق تنفيذ حكمها على قيام البائع برد الثمن، وينحصر هذا التعليق على التمسك بالحبس لعدم تعلق ذلك بالنظام العام، بحيث إن لم يتمسك المشتري بذلك قضت المحكمة بالرد.
ويجب رد ذات المحل الذي وفاه المتعاقد، فلا يجوز رد غيره إلا إذا وافق المتعاقد الآخر على ذلك، فينحصر الإلتزام بالرد في تنفيذ المتعاقد لإلتزامه عيناً، فإن امتنع ذلك، يكون التنفيذ بطريق التعويض، فإذا كان الثمن دفع بعملة أجنبية، تعین على البائع رده بذات العملة، فلا يجبر المشتري على قبول الوفاء بالعملة المحلية بحيث إن قام البائع بعرض الثمن بالعملة المحلية عرضة حقيقية على المشتري، ولما رفض الأخير هذا العرض، تم الإيداع بخزينة المحكمة، فإن هذا الوفاء لا يبرئ ذمة البائع من إلتزامه برد الثمن، ويكون للمشتري الحق في حبس المبيع .
وتستند دعوى الرد الى زوال سبب التزام طالب الرد بموجب الحكم النهائي بفسخ العقد، وذلك عملاً بنص المادة 182 من القانون المدني الذي يجري بأنه يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذاً لإلتزام لم يتحقق سببه أو الإلتزام زال سببه بعد أن تحقق ففي العقود الملزمة للجانبين، يكون سبب إلتزام کل متعاقد، هو التزام المتعاقد الآخر، فإذا قضى بفسخ العقد أو تقايل عنه طرفاه ، زال سبب التزام كل منهما وأصبح ما حصل عليه كل منهما من الآخر، غير مستحق له مما يوجب عليه رده فور زوال السبب، بحيث إذا امتنع عن الرد رضاء، الزم به قضاء، وينحصر الدفع بعدم التنفيذ على الالتزامات التعاقدية إذ ينصرف الدفع الى تمسك المتعاقد بعدم تنفيذ التزامه الذي يتضمنه العقد، فإذا انحل العقد زالت الالتزامات التي كان يتضمنها ولا يكون للمتعاقد إلا حبس ما تحت يده راجع نقض 21/6/1990 فیما یلی .
فالإلتزام بالرد، كأثر من آثار إنحلال العقد، هو إلتزام شخصي، إن لم ينفذ رضاء فانه ينفذ قضاء، وذلك يطلب صریح جازم في دعوى الفسخ ليصدر حكم صریح جازم بالرد، فإن لم يطلبه المدعي، انحصرت الدعوى في طلب الفسخ، ولا تعتبر التقريرات القانونية التي توردها المحكمة في قضائها متعلقاً بالأثر الرجعي للفسخ، والتزام البائع برد الثمن والتزام المشترى برد المبيع، بمثابة قضاء بالرد، بإعتبار أن هذه التقريرات لازمة لتسبيب حكم الفسخ.
فإن طلب المدعي الرد، وجب على المحكمة أن تتصدى لهذا الطلب، فإن أجابته، فالأصل أن تقضى بالإلزام في منطوق الحكم، لكن قد يرد هذا الإلزام بمدونات الحكم التي تحز حينئذ حجية المنطوق مما يجوز معه تنفيذ هذا الإلتزام جبراً متى كان ممكناً بعلم هلاك العين، فإن كان البائع هو المدعي، وقضى بإلزام المشترى بالرد، وجب على البائع لتنفيذ الحكم جبراً، أن يقوم بتنفيذ التزامه المقابل المتمثل في رد الثمن، فإن لم ينفذه، جاز للمشتري التمسك بالحق في الحبس مما يحول دون تنفيذ الحكم جبراً عليه، والعكس صحيح إذا كان الحكم صادراً ضد البائع.
فان لم يطلب المدعي الرد، ولكن قضت المحكمة به، فإنها تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، مما يجيز الطعن في قضائها بالتماس إعادة النظر وفقاً للمادة 241 من قانون المرافعات.
وبثبوت الحق في الحبس لكل من المتعاقدين، تنتفي الخشية من عدم تنفيذ المتعاقد لإلتزامه، وبالتالي لا يجوز طلب توقيع الحجز التحفظي لما يكون للمدين لدى الغير.
أثر الفسخ بالنسبة للمتعاقدين :
إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدان الى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا إستحال ذلك جاز الحكم بالتعويض، ويسرى ذلك على انحلال كل عقد ، سواء كان هذا الإنحلال راجعة الى الفسخ القضائي أو الفسخ الاتفاقي أو الفسخ القانوني، لم يترتب على إنحلال العقد من زوال سبب التزام كل متعاقد، فيصبح ما تسلمه كل منهما غير مستحق له مما يوجب عليه رده لمن يستحقه وهو المتعاقد الآخر فلا يجوز الرد لغيره حتى لو كان الغير هو الذي قام بتسليم الشئ إذ يكون التسليم في هذه الحالة قد تم الحساب المتعاقد والمقرر أن العقد ينفسخ على عاقديه وتنحصر فيهم آثار الفسخ ويشمل رد الشئ توابعه وما أصبح مستحقة من ثماره، ففي البيع يرد المشتري البيع بثمراته إذا كان من شأنه أن ينتج ثمرات، كما لو كان عقاراً مؤجراً أو غير مؤجر طالما كان من شأنه أن ينتج ثمرات بأن كان صالحة للإنتفاع به ولو لم ينتفع به إذ العبرة بالإمكانية من إستغلاله وليس بالإستغلال الفعلي، ومثل ذلك أيضاً السيارة طالما سلمت صالحة للإستعمال ولو أصبحت غير صالحة بعد ذلك أى يرجع عدم صلاحيتها الى خطأ المشتري الذي قصر في إصلاحها، أما إن كان العقار غير صالح بالحالة التي سلم عليها لأن ينتج ثمرات كما لو لم يكن تشطيبه قد اكتمل، أو كانت السيارة سلمت معطلة غير صالحة للإستعمال وظلت على هذه الحالة حتى الرد، فلا يلتزم المشترى إلا برد العقار أو السيارة ولا يكون ثمة محل لطلب الثمرات لأن المبيع في تلك الحالات لا ينتج ثمرات، وأيضاً إذا كان المبيع يتمثل في منقولات معدة للبيع كقطع غيار أو آلات جديدة أو ملابس أو أحذية وما شبه ذلك فإن الإلتزام بالرد ينحصر في المبيع دون الثمرات، وهذا لا يحول دون طلب التعويض الذي يستحق بسبب الفسخ.
كما يلتزم البائع برد الثمن وفوائده من وقت المطالبة القضائية، فإذا كان المشترى هو الذي طلب الفسخ، فإن الفوائد تسرى من وقت رفع الدعوى بالفسخ متی تضمنت طلبه بالرد والفوائد، فإن لم تتضمن هذا الطلب، فلا تعتبر دعوى الفسخ مطالبة برد الثمن وفوائده وحينئذ تسرى الفوائد من وقت رفع الدعوى بطلب رد الثمن وفوائده الذي أصبح غير مستحق للبائع لزوال سببه بعد أن كان قد حقق، عملاً بالفقرة الثانية من المادة 185 من القانون المدني التي تنص على أن يلتزم من تسلم غير المستحق برد الفوائد والثمرات من يوم رفع الدعوى، وكذلك الحال بالنسبة للبائع إذا كان هو الذي رفع دعوى الفسخ، فيستحق الثمرات إذا كان المبيع ينتج ثمارة من وقت طلب رد المبيع وثمراته سواء قدم هذا الطلب مع دعوى الفسخ أو بدعوى مستقلة.
ومن وقت صدور الحكم النهائي بالفسخ، يصبح المبيع غير مستحق للمشترى، والثمن غير مستحق للبائع، فيلتزم كل منهما برد ما تسلمه، رضاءً أو قضاءً بدعوى رد غير المستحق، ومن وقت استحقاق المشترى لفوائد الثمن يستحق البائع ثمرات المبيع، يستوي أن يكون المشترى هو الذي طلب الرد أم كان البائع هو الذي طلبه، إذ أن التزام البائع برد الثمن وفوائده يقابله التزام المشترى برد المبيع وثمراته، بحيث إذا امتنع أحدهما عن تنفيذ التزامه جاز للآخر حبس ما في بده ، ويسري كل ما تقدم على جميع العقود الملزمة للجانبين، وتقع المقاصة القانونية بين فوائد الثمن وثمرات المبيع بقدر الأقل منهما، وما تبقى بعد المقاصة تلزم به المحكمة المدين به، ولا تتصدى المحكمة للفوائد والثمرات من تلقاء نفسها وإنما بناءً على طلب الدائن بها، ولا تلازم بين الفوائد والثمرات إلا إذا طلبت، بحيث إذا طلب المشتري الثمن وفوائده، وطلب البائع رد المبيع فقط دون أن يطلب رد ثمراته، فلا تقضي المحكمة برد الثمرات بينما تقضي برد الثمن وفوائده، وفي نطاق الحبس، يقابل المبيع الثمن، بينما تقابل الثمرات الفوائد على ما أوضحناه ببند (الأثر الرجعي للفسخ، فيما يلي).
وإذا قام من تسلم المبيع بإجراء تحسينات فيه أو إقامة بناء أو غرس أشجار، ثم قضى بالفسخ، فإن الآثار التي ترتب على ذلك تخضع للقواعد العامة المقررة في المادتين 924، 925 من القانون المدني، فإن كان الذي أقام التحسينات أو البناء أو الغراس هو المتسبب في الفسخ، كما لو كان مشترياً وأخل بإلتزاماته، فيعتبر أنه كان سيئ النية عند قيامه بهذه المنشآت، ومن ثم يجوز للبائع أن يطلب إزالتها على نفقة المشتري مع التعويض إن ترتب على ذلك ضرر للبائع وذلك في ميعاد سنة من تاريخ صدور الحكم النهائي بالفسخ إذا توافر علم البائع بإقامة المنشآت قبل ذلك أو من تاريخ علمه بإقامتها إذا كان العلم بعد الفسخ، و للبائع أيضاً أن يطلب إستبقاء المنشآت مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة أو دفع مبلغاً يساوي ما زاد في ثمن العقار بسبب هذه المنشآت.
أما إن لم يكن هو المتسبب في الفسخ، فيعتبر حسن النية مما يحول دون البائع وطلب الإزالة وإنما يخير بين أن يدفع قيمة المواد وأجرة العمل أو أن يدفع مبلغاً يساوي ما زاد في ثمن العقار بسبب هذه المنشآت ما لم يطلب المشتري نزعها، مفاد ذلك أن المشتري إذا كان هو المتسبب في الفسخ، فلا يجوز له الرجوع بقيمة المنشآت إلا وفقاً للقواعد المتقدمة، وله الحق في حبس العقار كله حتى يستوفي التعويض المقرر فضلاً عن الثمن الذي قبضه البائع وفوائده، ولا يحول دون ذلك أن يقصر البائع الوفاء على الثمن وحده دون التعويض إلا إذا كان قد طلب إزالة المنشآت وقضى له بذلك بحكم نهائی، وحينئذ يوفي بالثمن مخصومة منه نفقات إزالة المنشآت وفاء مباشرة للمشترى، أو بطريق العرض والإيداع.
وفي حالة ملاك الشيئ، مما يحول دون رده، فإن المدين الملتزم بالرد، کالمشتري في عقد البيع، يلتزم بتعويض البائع طالما كان الهلاك بخطأ المشترى، أما إن كان بسبب أجنبي، فلا يسأل المشترى إلا بقدر ما عاد عليه من نفع کما لو استخدم ما تخلف عن الهلاك في عمل خاص به، فإن لم يتحقق ذلك، استرد البائع الشيء الهالك بحالته دون تعويض إذا طلب الرد، فإنه لم يطلبه وطالب المشتري بالثمن، تنفيذاً للعقد دون الفسخ، قضى له بذلك، إذ لا مصلحة للبائع في طلب الفسخ في حالة هلاك المبيع إلا إذا كانت قيمة العقار المتهدم تجاوز الثمن، ويسري ذلك سواء تحقق الهلاك قبل رفع دعوى الفسخ أم بعد ذلك، على أنه إذا كان الهلاك بخطأ المشتري، امتنع عليه طلب الفسخ، إذ يستحيل عليه تنفيذ التزامه بالرد وهو شرط لإجابته لطلب الفسخ، و للبائع بعد رفع دعوى الفسخ، في حالة هلاك المبيع أن يعدل طلباته إلى التنفيذ العيني لإلتزام المدين بإلزامه بدفع الثمن أو الباقي منه إعمالاً لقواعد المسئولية العقدية لتمسكه في هذا الطلب بالعقد، سواء كان الهلاك بخطأ المشتري أو بسبب أجنبي، فيتحمل المشتري حينئذ تبعة الهلاك طالما كان قد تسلم المبيع ولو لم تكن الملكية قد انتقلت إليه وذلك عملا بالمادة 437 من القانون المدني، خلافاً لإنفساخ العقد بإستحالة تنفيذه إذ يتحمل المالك تبعة هذه الإستحالة عملاً بالمادة 159 منه .
اعتبار المشتري الحابس حائزاً عرضياً :
أوضحنا فيما تقدم أن من حق المشترى أن يحبس العقار حتى يرد له البائع الثمن وفوائده. ويعتبر المشترى في هذه الحالة، حائزة عرضية للعقار المبيع يحوزه الحساب البائع مما يحول دونه ودون ورثته من بعده والتمسك بتملكه بالتقادم إلا إذا جابه البائع مجابهة صريحة بأنه يحوز العقار لحساب نفسه .
أثر الفسخ بالنسبة للغير :
الغير في صدد الفسخ، هو من تلقى حقا عينيا على المبيع، فمشترى العقار يعتبر من طبقة الغير من وقت تسجيل عقد البيع، ومشتري المنقول يصبح من طبقة الغير من وقت تسلمه له إن كان معينة بنوعه، ومن وقت التعاقد إن كان معينة بذاته، ويصبح المنقول المعين بنوعه، منقولاً معيناً بذاته بمجرد إفرازه، وبهذا الإفراز تنتقل ملكيته للمشتري.
كما يصبح الدائن المرتهن من طبقة الغير بمجرد اكتسابه حق الرهن على المبيع - راجع المادتين 1034، 1085 - وذلك بإستيفاء الشروط اللازمة لذلك والمتعلقة بنوع الرهن سواء كان رسمياً أو حيازياً ما لم يكن صورياً أو باطلاً .
وتلقى الحق العيني، یعنی اکتسابه، فتلقى حق الملكية على العقار يكون بتسجيل العقد أو الحكم الصادر بصحته ونفاذه، وتلقى حق الرهن الرسمي يكون بقيده، وهكذا، وفي المنقول، بتلقي المشترى ملكيته بالحيازة أو بالإفراز أو إذا كان معينة بذاته وفقاً لما تقدم.
وبناء على ذلك، فإن لم يكتسب الحق العيني على الشئ لا يعتبر من طبقة الغير، وبالتالي يكون ممثلاً في شخص مدينه الذي تصرف له في هذا الشيء فيحاج بحجم الفسخ الذي يصدر عضد الأخير طالما أن هذا الحكم قد صدر قبل تلقيه الحق العيني على الشئ، كما يحاج بالتقايل الذي تم بين مدينة ومن تلقى منه الأخير الشيئ، أما إذا تلقى الحق قبل صدور حكم الفسخ، أصبح من طبقة الغير .
ومتى أصبح المتصرف إليه من طبقة الغير، بأن يكون قد اكتسب حقاً عينياً على الشئ، فإنه لا يحاج بالحكم الصادر بالفسخ - ولا بالتقايل عن العقد – إذا كان قد إكتسب الحق العيني قبل تسجيل صحيفة دعوى الفسخ أو التأشير بها في هامش تسجيل العقد محل دعوى الفسخ، ويشترط لذلك أن يكون حسن النية وقت اكتسابه الحق العيني، فإن كان سيئ النية في ذلك الوقت أو قبله، فإنه يحاج بحكم الفسخ وحينئذ يلتزم برد الشئ إلى المدعي في دعوى الفسخ أما إذا أصبح سئ النية بعد إكتسابه الحق العيني، فلا أثر لذلك لأن العبرة في الإحتجاج عليه بحكم الفسخ أن يكون سئ النية وقت اكتسابه الحق لا بعد ذلك، وحسن النية مفترض فلا يكلف من تلقى الحق إثباته وإنما على من يدعى سوء نيته إثبات ذلك، ويتوافر سوء النية بتحقق العلم بسبب الفسخ، وقد نصت المادة 17 من قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 على أنه يترتب على تسجيل دعاوی البطلان أو الفسخ أو الإلغاء أو الرجوع أو التأشير بها أن حق المدعى إذا تقرر بحكم مؤشر به طبق القانون يكون حجة على من ترتبت لهم حقوق عينية ابتداءً من تاريخ تسجيل تلك الدعاوى أو التأشير بها ولا يكون هذا الحق حجة على الغير الذي کسب حقه بحسن نية قبل التأشير أو التسجيل المشار إليهما.
أما إن كان الغير قد تلقى الحق العيني بعد تسجيل دعوى الفسخ أو بعد التأشير بها في هامش تسجيل العقد محل دعوى الفسخ، فإنه يحاج بالحكم الصادر بالفسخ سواء كان حسن النية وقت تلقيه الحق أو كان سيئها، ومن ثم يزول حقه العيني بمجرد التأشير بمنطوق حكم الفسخ في هامش تسجيل الصحيفة أو في هامش تسجيل العقد المقضي بفسخه، وينسحب هذا التأشير الى تاريخ تسجيل الصحيفة أو التأشير بها، وبذلك تقوم قرينة قانونية قاطعة على علمه بسبب الفسخ بما يتوافر به سوء نيته إعمالاً لقرينة شهر التصرف والعبرة بالإحتجاج على الغير بحكم الفسخ بالتأشير به على نحو ما تقدم أو تسجيله وفي الحالتين يرتد أثره إلى وقت تسجيل الصحيفة أو التأشير بها، فإن لم يتم التأشير بالحكم أو تسجية، فلا يحاج الغير بدعوى الفسخ حتى لو كانت مسجلة أو مؤشر بها، يدل ذلك على أن العبرة ليس برفع الدعوى وإنما بصدور حكم نهائي بالفسخ والتأشير به .
إعتبار الدعوى المسجلة أو المؤشر بها كأن لم تكن :
أوضحنا في البند السابق، أن دعوى الفسخ إذا سجلت صحيفتها أو تأشر بها قبل اكتساب الغير حق عيني على محل العقد موضوع الدعوى، ثم التأشير بمنطوق الحكم الصادر بالفسخ في هامش تسجيل الصحيفة أو بهامش تسجيل العقد، فإن الغير يحاج بالفسخ لإمتداد أثر التأشير بالحكم الى تاريخ تسجيل الصحيفة أو التأشير بها.
ولما كان هذا الأثر لا يتحقق إلا بالفصل في الدعوى بحكم نهائي ثم التأشير بمنطوقه أو بتسجيله على نحو ما تقدم، مما مفاده إستمرار نظر الدعوى حتى يصدر فيها حكم نهائي، بحيث إذا تعذر ذلك، بأن قضي نهائية بإعتبار الدعوى كأن لم تكن، فإنه يترتب على ذلك زوالها بما في ذلك صحيفة افتتاحها المسجلة أو المؤشر بها وزوال الآثار القانونية المترتبة عليها ومنها الأسبقية التي تقررت لها بتسجيل صحيفتها إلا من تاريخ إجراء هذا التسجيل، فإن كان ذلك بعد تسجيل الغير عقده، فإنه لا يحاج بحكم الفسخ إذ يرتد أثره الى تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى الصادر فيها هذا الحكم، وهو تسجيل لاحق على تسجيل عقد الغير.
ومناط تحقق الأثر المتقدم، أن تزول الدعوى وترفع دعوى جديدة بذات الطلبات، وذلك لإستقلال الإجراءات القضائية عن بعضها فتستقل کل دعوى في آثارها عن غيرها ولو اخدت الطلبات والخصوم فيها، ويترتب على ذلك، أنه إذا ظلت الدعوى قائمة فإنها تنتج كافة آثارها حتى لو عدلت الطلبات فيها أو صحح شكلها بإدخال صاحب الصفة فيها، وحينئذ إذا صدر حكم نهائي فيها بالفسخ وتأشر به أو سجل على نحو ما تقدم، ارتد أثر الفسخ الى تاريخ تسجيل صحيفة الدعوى أو التأشير بها.
الأثر الرجعي للفسخ :
يترتب على فسخ العقد الملزم للجانبين، ما يترتب على انحلاله بوجه عام، إذ يصبح العقد كأن لم يكن، فيزول وتزول كافة الآثار التي ترتبت عليه، ويعود كل متعاقد الى الحالة التي كان عليها قبل التعاقد، مما مؤداه، أن يسترد کل متعاقد ما كان قد أعطاه للمتعاقد الآخر، ليس هذا فحسب، بل يرد أيضاً ناتج ما كان قد تسلمه، وينصرف هذا الناتج الى الفوائد والثمرات إذ طالما عاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد، فإن كلاً منهما، يفترض أنه لم يسلم محل التزامه للمتعاقد الآخر، وبالتالي تكون له فائدة ما أعطى أو ثمراته، ويعتبر كل متعاقد أنه لم يتصرف في هذا المحل وأنه انتفع بنتاجه، ويترتب على ذلك، أن المتعاقد لا يرد ما تسلمه فقط وإنما يرد أيضاً فوائده أو ثمراته التي استحقت منذ تسلم محل التزام المتعاقد الآخر، وتلك هي دلالة الأثر الرجعي للفسخ، ولكن لما كان يترتب على فسخ العقد، أن يصبح المحل الذي تسلمه المتعاقد غير مستحق له، فإن فوائده وثمراته تصبح أيضاً غير مستحقة له وقد تدخل المشرع بالنسبة لتلك الفوائد والثمرات فلم يجعل استحقاقها منذ بدء التعاقد، وإنما من وقت المطالبة القضائية بها، إذ نصت الفقرة الثانية من المادة 185 من القانون المدني على أنه يلتزم من تسلم غير المستحق برد الفوائد والثمرات من يوم رفع الدعوى وتقع المقاصة القانونية بقدر الأقل من الفوائد والثمرات وينحصر الإلتزام فيما زاد بعد إجراء المقاصة.
استثناءات من الأثر الرجعي للفسخ :
يترتب على الفسخ إعتبار العقد كأن لم يكن وهو ما يقتضى إعادة المتعاقدين إلى ذات المركز القانوني الذي كانا عليه قبل التعاقد، وهو ما يعرف بالأثر الرجعي للفسخ، ويتوقف تحقق هذا الأثر على إمكان إعادة المتعاقدين إلى الوضع الذي كانا عليه قبل التعاقد فكلما كان ذلك ممكناً، كان للفسخ أثر رجعي، بل إن طالب الفسخ لإيجاب إلى طلبه إذا استحال عليه إعادة ذات الشي الذي تسلمه إلى المتعاقد الآخر، لأن من استحال عليه ذلك امتنع عليه طلب الفسخ، فالمشتري الذي هلك المبيع في يده بخطئه يمتنع عليه طلب الفسخ، أما إذا استحال إعادة المتعاقدين إلى ما كانا عليه قبل التعاقد، أو كان في ذلك إرهاق للمدين على نحو ما أوضحناه بالمادة 203 ، فلا يكون للفسخ أثر رجعي، مثال ذلك، عقد الإيجار، إذ يستحيل محو المدة التي انتفع فيها المستأجر بالعين المؤجرة ولكن يجوز حرمانه من الإنتفاع بالمدة المقبلة، وبالتالي لا يكون لفسخ الإيجار بأثر رجعي وإنما بأثر فورى مباشر منذ صيرورة حكم الإخلاء نهائياً، ومن هذا الوقت يصبح يد المستأجر يد غاصب، ويلتزم بتعويض عن انتفاعه اللاحق لحكم الفسخ بينما يكون ملتزماً بالأجرة عن المدة السابقة على حكم الفسخ، ويرد امتياز المؤجر على الأجرة دون التعويض. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الثالث الصفحة/ 235 )
تحقق أثر الفسخ أياً كان نوع الفسخ :
يتحقق أثر الفسخ المنصوص عليه بالمادة، على أنواع الفسخ جميعاً، أي سواء كان الفسخ قضائياً أو اتفاقياً أو قانونياً .
يقرر النص الأثر الرجعى للفسخ، ومقتضاه إعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا يقرر النص عليها قبل العقد، واعتبار العقد كأن لم يكن.
ويترتب على ذلك، أنه إذا كان العقد الذي تقرر فسخه لم ينفذ شيء منه فلا يلتزم أي من المتعاقدين بشيء نحو الأخر.
وإذا كان العقد قد نفذ جزء منه وجب أن يرد كل من المتعاقدين إلى الطرف الأخر الأداء الذي قبضه منه .
فإذا كان العقد بيعاً تعين على المشتري أن يرد المبيع الذي تسلمه إلى البائع وتعين على البائع أن يرد الثمن الذي قبضه إلى المشتري، وهذا وذاك فضلاً عن الفوائد والثمار .
ولكن إعمال الفسخ لا يتوقف على الرد لأن الرد نتيجة للفسخ .
ويكون الرد على أساس قاعدة استرداد ما دفع بغير حق عملاً بالفقرة الأولى عن المادة 181 مدني التي تقضي بأن : "كل من تسلم على سبيل الوفاء ما ليس مستحقاً له وجب عليه رده".
وما تقضي به المادة 182 مدني من أنه : "يصح استرداد غير المستحق إذا كان الوفاء قد تم تنفيذا لالتزام زال سببه بعد أن تحقق".
ولا يقضى بالرد بغير طلب سواء في دعوى الفسخ أو في دعوى تالية.
وإذا استحال الرد بخطأ صاحب الشأن حكم عليه بالتعويض وفقاً للأحكام الخاصة بدفع غير المستحق وليس المسئولية العقدية، لأن العقد بعد فسخه لم يعد له وجود، ولا يصلح أساساً للحكم بالتعويض ويعتبر العقد هنا واقعة مادية .
و للدائن الذي طلب الفسخ وأجيب إلى طلبه، أن يطلب زيادة على ذلك الحكم له بالتعويض عما أصابه من ضرر إذا كان عدم تنفيذ المدين لإلتزامه راجعاً إلي خطئه سواء عن عمد أو إهمال .
تقيد عدم سريان الأثر الرجعى للفسخ على عقود المدة بالحكمة التي أملته :
عدم سريان أثر الفسخ في عقود المدة على الماضي يتقيد بالحكمة التي أدت إليه، وهي تعذر إزالة ما تم من أثر العقد في الماضي أما إذا أمكن إزالة أثر العقد المستمر فإن القاعدة العامة في رجعية أثر الفسخ تنطبق .
إقامة بناء على العين قبل فسخ عقد البيع :
إذا كان المشتري قد أقام بناء على الأرض المبيعة له، وفسخ عقد البيع اتفاقاً أو قضاءً، فإنه يلتزم برد العين إلى البائع عملاً بالمادة 160 مدني، واعتبر بالنسبة للبناء بانياً بسوء نية ما دام الفسخ قد ترتب بسبب من جهته، وفي هذه الحالة تطبق القاعدة المقررة في المادة 924 مدني التي تقضي بأنه : "1- إذا أقام شخص بمواد من عنده منشآت على أرض يعلم أنها مملوكة لغيره دون رضاء صاحب الأرض، كان لهذا أن يطلب إزالة المنشآت على نفقة من أقامها مع التعويض إن كان له وجه، وذلك في ميعاد سنة من اليوم الذي يعلم فيه بإقامة هذه المنشآت أو أن يطلب استبقاء المنشآت مقابل دفع قيمتها مستحقة الإزالة، أو دفع مبلغ يساوي ما زاد في ثمن الأرض بسبب هذه المنشآت .
2 - يجوز لمن أقام المنشآت أن يطلب نزعها إن كان ذلك لا يلحق بالأرض ضررا، إلا إذا اختار صاحب الأرض أن يستبقي المنشآت طبقاً لأحكام الفقرة السابقة".
غير أنه لا يتصور في هذه الحالة إعمال القاعدة الواردة في تلك المادة والتي تقيد حق صاحب الأرض في طلب إزالة البناء بأن يكون طلبه خلال سنة من يوم علمه بإقامة البناء.
حق الحبس وإجراء المقاصة :
إذا وقع الفسخ ووجب الرد، فإنه يكون لكل من المتعاقدين الحق في حبس ما استوفاه من المتعاقد الآخر حتى يرد ما له في ذمته، كما يجوز له طلب إجراء المقاصة بين ما يستحقه كل منهما قبل الآخر .
أثر الفسخ بالنسبة للغير:
الفسخ كما ذكرنا في التفاسخ أو التقايل يسرى أثره على الغير، كما يسري بين المتعاقدين فالعقد الذي تقرر فسخه يزول كل أثر له فيما بين المتعاقدين، ويترتب على ذلك أن يتأثر الغير بهذا الوضع بالنسبة إلى الحق الذي يتلقاه من أحد الطرفين على الشيء الذي ورد عليه العقد فهذا الحق يزول تبعاً للفسخ.
فإذا كان أحد الطرفين في العقد الذي فسخ قد تصرف في حقه إلى الغير فإن حق الغير يزول بالفسخ. فإذا اشترى شخص عيناً ثم باعها، وبعد ذلك فسخ العقد الأول، فإن البائع في هذا العقد يسترد العين من المشتري الثاني وإذا كان هذا الشخص قد رتب على العين رهناً أو حقاً عينياً آخر فإن البائع يسترد العين خالياً من الرهن أو أي حق آخر.
إنما يستثنى من هذه القاعدة حالتان :
الحالة الأولى :
أنه إذا كسب الغير بحسن نية حقاً عينياً عقارياً على الشيء الذي ورد عليه العقد الذي فسخ وذلك قبل تسجيل دعوى الفسخ أو التأشير بها في هامش تسجيل هذا العقد، فإن حقه يبقى بالرغم من الفسخ .
الحالة الثانية :
أنه إذا كسب الغير حقا يتعلق بالشيء الذي ورد عليه العقد الذي فسخ وذلك بمقتضى عقد من عقود الإدارة كالإيجار فإن حقه يبقى بالرغم من الفسخ .
ويراعي ما تنص عليه المادة 604 مدني من أنه: "1- إذا انتقلت ملكية العين المؤجرة اختياراً أو جبراً إلى شخص آخر، فلا يكون الإيجار نافذاً في حق هذا الشخص إذا لم يكن له تاريخ ثابت سابق على التصرف الذي نقل الملكية.
ومع ذلك يجوز لمن انتقلت إليه الملكية أن يتمسك بعقد الإيجار ولو لم يكن هذا العقد غير نافذ في حقه".
(انظر شرح المادة 604).
ويراعى أيضاً ما تنص عليه المادة 30 من القانون رقم 49 لسنة 1977 من أنه: استثناء من حكم المادة (604) من القانون المدني تسري عقود الإيجار القائمة على المالك الجديد ولو لم يكن لسند الإيجار تاريخ ثابت بوجه رسمی سابق على تاريخ انتقال الملكية .
وقد ورد نص خاص لمصلحة الدائن المرتهن رهنا رسميا في المادة 1034 مدنی والتي تقضي بأن: "يبقى قائماً لمصلحة الدائن المرتهن الرهن الصادر من المالك الذي تقرر إبطال سند ملكيته أو فسخه أو إلغاؤه أو زواله لأي سبب آخر، إذا كان هذا الدائن حسن النية في الوقت الذي أبرم فيه الرهن". (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/ 714)
ويلاحظ أن هذا النص عام ، يبين ما يترتب على الفسخ من أثر ، سواء كان الفسخ بحكم القاضي أو بحكم الإتفاق أو بحكم القانون ويتبين من النص أيضاً أنه إذا حكم القاضي بفسخ العقد فإن العقد ينحل ، لا من وقت النطق بالحكم فحسب ، بل من وقت نشوء العقد فالفسخ له أثر رجعي ، ويعتبر العقد المفسوخ كأن لم يكن ، ويسقط أثره حتى في الماضي وإذا كان هذا مفهوماً في الفسخ بحكم الاتفاق أو بحكم القانون ، حيث يقتصر الحكم على تقرير أن العقد مفسوخ ولا ينشيء الفسخ فإنه أيضاً مفهوم في الفسخ بحكم القاضي ولو أن الحكم هنا منشيء للفسخ لا مقرر له ولا يوجد ما يمنع من أن يكون الحكم منشئاً للفسخ وأن يكون له أثر رجعي ، فالحكم بالشفعة حكم منشيء ولكنه ينقل ملكية العقار المشفوع فيه من وقت البيع لا من وقت النطق بالحكم .
والحكم بالفسخ له هذا الأثر الرجعي فيما بين المتعاقدين وبالنسبة إلى الغير . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول الصفحة/ 975)
وبناءً على ذلك إذا انحل عقد البيع مثلاً بتقرير بطلانه أو فسخه وجب على كل من البائع والمشتري أن يرد الى الطرف الآخر ما حصله بسبب العقد وإذا كان انحلال العقد راجعا إلى تقصير أحد الطرفين التزم هذا الطرف - فوق الرد - بتعويض الطرف الآخر من انحلال العقد .
فيلزم المشتري بما يأتي :
1 - أن يرد المبيع اذا كان قد تسلمه ، فاذا كان المبيع قد هلك تحت يده ، ألتزم أن يرد قيمته وقت الهلاك أن كان سيء النية .
2 - أن يرد ما حصله من ثمار المبيع سواء كانت تلك الثمار طبيعية أو صناعية أو مدنية ، لأن المبيع يعتبر كأنه لم يخرج من ملك البائع وكذلك ثمارة التي حصلها المشتري .. ولا يجوز لهذا - في حالة حسن نيته - أن يدعي تملكها بقبضها بحسن نية لأنه إذا كان سببه الذين آتيا من جانبه اعتبر أنه كان عالماً بقابلية العقد للفسخ وانتفى بذلك عن نيته في قبض الثمار ، وإذا وقع الفسخ بناء على طلبة اعتبر أنه بهذا الطلبة قد قبل أن يعيد الحالة إلى ما كانت عليه قبل العقد بما في ذلك رد الثمار التي حصلها بسبب العقد أما في حالة بطلان العقد ، فيجوز ان بقبض الثمار بحسن نية أن يستبقيها .
3- أن يعوض البائع عما أحدثته بالمبيع من تلف ولا يلزم بتعويض التلف الذي يحدث بمجرد مرور الزمن .
و إذا وقع الفسخ بناءً على طلب البائع وبسبب تقصير المشتري ويجب على هذا أن يدفع للبائع فوق ما تقدم :
4- تعويضاً عما أصابه من ضرر وما فاته من ربح بسبب الفسخ .
5- مصروفات بدعوى الفسخ .
ويلزم البائع بما يأتي :
1 - أن يرد ما قبضه من الثمن ، ويسقط عن المشتري ما لم دفعه من الثمن .
2 - أن يدفع للمشتري تضمينات عنا قبضه من الثمن من وقت قبضه لأنه لا يجوز أن يجمع بين ثمار المبيع وفوائد الثمن وحكم بأن هذه التضمينات تقدر بمبلغ معين يلزم به البائع ، علاوة على الثمن ، أي أن يكتب عليه الثمن مع الفوائد التي يعوض بها على المشتري ما خسره وما حرم منه من الأرباح المعقولة قانوناً بسبب نزع الملكية والاستحقاق .
وليس على القاضي إذا أجرى الفوائد التعويضية على البائع أن يتم أحكام فوائد التأخير المشار إليها في المادة 124 مدني قديم الذي يحكم واقعة النزاع ، ما لم يكن هو حسن النية والمشتري سئ النية وحكم على المشتري برد الثمار ، فلا يلزم البائع بدفع الفوائد و رد الثمن لأنه يكون قد تملك الفوائد بقبضها بحسن نية أما إذا لم يكن حكم للبائع بإسترداد الثمار بعد وتمسك هو بتملكه الفوائد قبل أن يحكم له بالثمار ، فإن طلب الثمار لا يجاب إلى ذلك أن كان طلبها مبنياً عليه رد غير المستحق لأن الرد حينئذ يفترض اثراء بدون مقابل ، في حين أن المشتري يكون شراؤه في هذه الحالة بالثمار مقابل فقده فوائد الثمن ، فلا يلزم برد الثمار أما إن كان طلب رد الثمار الطبيعية بدعوى استباق عينية بإعتبار الثمار نتاج المبيع ومملوكاً للبائع ، فيحكم بها البائع ولا يلزم بالفوائد .
3 - أن يرد للمشتري المصروفات الضرورية التي أنفقها في المحافظة على المبيع ، وأن يرد إليه في مقابل المصروفات النافعة - أي التي أنفقت في تحسينات أو انشاءات أدخلت على المبيع - أما قيمة هذه التحسينات والمنشآت مستحقة الإزالة ، وأما قيمة ما زاد في ثمن المبيع بسبب هذه التحسينات أو الأنشاءات ، وأما المصروفات الفعلية التي أدت الى هذه التحسينات والانشاءات ( المادة 924 فقرة أولى ) .
وإذا وقع الفسخ بناءً على طلب المشترى و بسبب تقصير البائع وجب على هذا أن يدفع للمشتري فوق ما تقدم .
4 - المصروفات الكمالية بإعتبارها ضرراً غير متوقع وباعتبار البائع سيء النية.
5 - جميع مصروفات العقد ومصروفات دعوى الفسخ أو أية دعوی أخرى اضطر المشتري الى رفعها بسبب تقصير البائع .
6 - تعويضاً عما فات المشتري من ربح وما لحقه من خسارة بسبب فسخ العقد وضياع الصفقة عليه .
قصر أثر الإنحلال في عقود المدة - إذا كان الأصل أن إنحلال العقد يكون له أثر رجعي ، فإن هذا الأثر الرجعي يصطدم في العقود المستمرة أو عقود المدة بعقبة ترجع إلى أن الزمن عنصر من عناصر المحل الذي تنعقد عليه هذه العقود ، وأن الزمن متى انقضى فلا سبيل الى رده .
فإذا أبطل عقد الإيجار مثلاً - وهو من العقود المستمرة أو فسخ بعد البدء في تنفيذه ، فإن القواعد المتقدمة تقضي بزوال جميع آثاره التي أنتجها في الماضي واعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل العقد ؛ ولكن لأن المستأجر يستحيل عليه أن يرد عين الانتفاع الذي استوفاه ، وجب عليه أن يرده بمقابل ، ولا شك في أن أدق تقدير لهذا المقابل هو الذي يعول فيه على الأجرة التي سبق أن اتفق عليها الطرفان في عقد الإيجار ، فتكون النتيجة العملية أن يحتفظ المؤجر بالأجرة عن المدة التي انقضت قبل إبطال العقد أو فسخه بإعتبارها تنفيذاً بمقابل لإلتزام المستأجر برد ما حصله من الانتفاع بالعين المؤجرة في هذه المدة ، أي أن آثار العقد التي أنتجها قبل الأبطال أو الفدين تظل قائمة عمليا ولا يترتب على الأبطال أو الفسخ إلا إمتناع آثار العقد بالنسبة الى المستقبل .. وقد عدا ذلك كثرة الفقه الى القول بأن الفسخ لا يكون له في عقد الإيجار وسائر عقود المدة أثر رجعي ، وأن ما أنتجه العقد من آثار قبل خسخه يظل قائماً ، ويكون مقابل منفعة المدة التي مضت أجراً لا تعويضاً، ويترتب على ذلك أنها تكون مضمونة بامتياز المؤجر بالرغم من فسخ العقد .
لذلك يبدو أن عقود المدة لا يرد عليها الإنحلال وانما يرد عليها الإنتهاء فقط ، إذ أن الأسباب التي تؤدي إلى إنحلال العقود الأخرى لا تقوى على أن تحل عقود المدة ويقف أثرها عند حد إنهاء هذه العقود ومنع آثارها المستقبلية فقط. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ الثاني الصفحة/ 677)
الأثر الرجعي للفسخ بين المتعاقدين : يترتب على فسخ العقد زواله و انحلال الرابطة العقدية بأثر رجعي إلى وقت إبرامه فتنعدم جميع الآثار التي تولدت عنه ويعاد العاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل قيامه ، فيلتزم كل منهما برد ما كان قد استوفاه نفاذاً للعقد فيرد البائع إلى المشتري الثمن وفوائده ويرد المشتري إليه المبيع وثمراته، ولكن إعمال الفسخ لا يتوقف على الرد لأن الرد نتيجة للفسخ، ويكون الرد على أساس قاعدة إسترداد ما دفع بغير حق ولا يقضى بالرد بغير طلب سواء في دعوى الفسخ أو في دعوى تالية ( قارن مصطفى الجارحى ص 129 حيث يرى أن دعوى الفسخ تتضمن بذاتها طلب الرد ومن ثم يكون الحكم بالفسخ أو الإنفساخ سنداً تنفيذياً للإسترداد ) وإذا إستحال الرد بخطأ صاحب الشأن حكم عليه بالتعويض بموجب المسئولية التقصيرية ( قارن الشرقاوى هامش ص 438 حيث يرى أن الإلتزام بالتعويض يقوم على أساس المسئولية التعاقدية ) ويكون لكل من الطرفين حبس التزامه بالرد إلى أن يستوفي التزام الطرف الآخر بالرد ، ويترتب على فسخ العقد زوال كافة الحقوق التي يكون صاحب الشأن قد رتبها للغير على الشيء محل العقد سواء كانت حقوقاً عينية أصلية أو تبعية أو كانت حقوقاً شخصية ويستثنى من ذلك الأحوال التي يرد فيها نص خاص كالشأن في الحقوق العينية التي تم شهرها قبل شهر صحيفة دعوى الفسخ عملاً بالمادتين 16 و 17 من قانون الشهر العقاري رقم 114 لسنة 1946 ، أو الحقوق الشخصية التي تقررت للغير بموجب عقد من عقود الادارة عملاً بالفقرة الثانية من المادة 246 ( يراجع في تفصيل ذلك كله السنهوری بند 487 وما بعده - جمال زکی بندی 219 220 - حجازی بند 602 مكرراً - مصطفى الجارحی ص 129 وما بعدها - مرقس في المصادر بند 351 وما بعده - الصدة بند 367 - الشرقاوي ص 436 وما بعدها - حمدي عبد الرحمن ص 633 وما بعدها - البدراوی بند 407 وما بعده - وراجع فيها تفصيل الصور المختلفة التي تعرض بمناسبة الإلتزام بالرد وتسوية علاقات الطرفين عن الثمار والمصروفات وإجراء المقاصة بين الإلتزامات النقدية ) .
ولا تسقط دعوى الرد - رغم تأسيسها على استرداد ما دفع بغير حق - إلا بمضي خمسة عشر عاماً من تاريخ تقرير الفسخ، ويسري على الإنفساخ بحكم القانون لاستحالة التنفيذ بسبب أجنبي ذات آثار الفسخ ، ويتحمل تبعة الإستحالة المدين بالإلتزام الذي استحال تنفيذه ويسرى الأثر الرجعي للفسخ على الغير وذلك دون الإخلال بما قد يرتبه القانون من أحكام في هذا الصدد .
ويجوز الحكم مع الرد بالتعويض :
ويكون لكل من العاقدين بعد الفسخ حبس ما استوفاه حتى يسترد ما له في ذمة الطرف الآخر ، كما يمكن إجراء المقاصة.
وإذا كان المشتري قد أقام منشئات على العين المبيعة سرت أحكام الإلتصاق وتتحدد على هذا الأساس حدود التزامات كل من الطرفين تبعاً لحسن نية من أقام المنشآت أو سوء نيته. (التقنين المدني في ضوء القضاء والفقه، الأستاذ/ محمد كمال عبد العزيز، طبعة 2003 الصفحة / 1140)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس ، الصفحة / 288
أَمَّا التَّصَرُّفَاتُ اللاَّزِمَةُ فَلاَ يَرِدُ عَلَيْهَا الإْفْسَادُ بَعْدَ نَفَاذِهَا. إِلاَّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْفَسْخُ بِرِضَا الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الإْقَالَةِ، وَفِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ يَصِحُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِفْسَادُهَا مَتَى شَاءَ، أَمَّا اللاَّزِمَةُ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلاَ يَجُوزُ إِفْسَادُهَا مِمَّنْ هِيَ لاَزِمَةٌ فِي حَقِّهِ وَيَجُوزُ لِلآْخَرِ.
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ.
إِقَالَةٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ: الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ إِذَا رَفَعَهُ مِنْ سُقُوطِهِ.
وَمِنْهُ الإْقَالَةُ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ.
وَهِيَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: رَفْعُ الْعَقْدِ، وَإِلْغَاءُ حُكْمِهِ وَآثَارِهِ بِتَرَاضِي الطَّرَفَيْنِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْبَيْعُ:
2 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْبَيْعِ فِي أُمُورٍ مِنْهَا: أَنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الإْقَالَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا فَسْخٌ، وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ بَيْعٌ، وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى سَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا. وَمِنْهَا أَنَّ الإْقَالَةَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهَا الإْيجَابُ بِلَفْظِ الاِسْتِقْبَالِ كَقَوْلِ أَحَدِهِمَا: أَقِلْنِي، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ فَإِنَّهُ لاَ يَقَعُ إِلاَّ بِلَفْظِ الْمَاضِي، لأِنَّ لَفْظَةَ الاِسْتِقْبَالِ لِلْمُسَاوَمَةِ حَقِيقَةً، وَالْمُسَاوَمَةُ فِي الْبَيْعِ مُعْتَادَةٌ، فَكَانَتِ اللَّفْظَةُ مَحْمُولَةً عَلَى حَقِيقَتِهَا، فَلَمْ تَقَعْ إِيجَابًا، بِخِلاَفِ الإْقَالَةِ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ فِيهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً، فَيُحْمَلُ اللَّفْظُ فِيهَا عَلَى الإْيجَابِ.
ب - الْفَسْخُ:
3 - تَخْتَلِفُ الإْقَالَةُ عَنِ الْفَسْخِ فِي أَنَّ الْفَسْخَ هُوَ رَفْعُ جَمِيعِ أَحْكَامِ الْعَقْدِ وَآثَارِهِ وَاعْتِبَارِهِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ. وَأَمَّا الإْقَالَةُ فَقَدِ اعْتَبَرَهَا بَعْضُهُمْ فَسْخًا، وَاعْتَبَرَهَا آخَرُونَ بَيْعًا.
حُكْمُ الإْقَالَةِ التَّكْلِيفِيِّ:
4 - الإْقَالَةُ دَائِرَةٌ بَيْنَ النَّدْبِ وَالْوُجُوبِ بِحَسَبِ حَالَةِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ مَنْدُوبًا إِلَيْهَا إِذَا نَدِمَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ، لِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه «مَنْ أَقَالَ مُسْلِمًا بَيْعَتَهُ أَقَالَ اللَّهُ عَثْرَتَهُ». وَقَدْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الإْقَالَةِ، وَعَلَى أَنَّهَا مَنْدُوبٌ إِلَيْهَا، لِوَعْدِ الْمُقِيلِينَ بِالثَّوَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْمُقَالِ مُسْلِمًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِكَوْنِهِ حُكْمًا أَغْلَبِيًّا، وَإِلاَّ فَثَوَابُ الإِقَالَةِ ثَابِتٌ فِي إِقَالَةِ غَيْرِ الْمُسْلِمِ، وَقَدْ وَرَدَ بِلَفْظِ: «مَنْ أَقَالَ نَادِمًا...». وَتَكُونُ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَتْ بَعْدَ عَقْدٍ مَكْرُوهٍ أَوْ بَيْعٍ فَاسِدٍ، لأِنَّهُ إِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ فَاسِدًا أَوْ مَكْرُوهًا وَجَبَ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الرُّجُوعُ إِلَى مَا كَانَ لَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، لأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ بِالإْقَالَةِ أَوْ بِالْفَسْخِ. كَمَا يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الإْقَالَةُ وَاجِبَةً إِذَا كَانَ الْبَائِعُ غَارًّا لِلْمُشْتَرِي وَكَانَ الْغَبْنُ يَسِيرًا، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْغَبْنُ بِالْيَسِيرِ هُنَا، لأِنَّ الْغَبْنَ الْفَاحِشَ يُوجِبُ الرَّدَّ إِنْ غَرَّهُ الْبَائِعُ عَلَى الصَّحِيحِ.
رُكْنُ الإْقَالَةِ:
5 - رُكْنُ الإْقَالَةِ الإْيجَابُ وَالْقَبُولُ الدَّالاَّنِ عَلَيْهَا. فَإِذَا وُجِدَ الإْيجَابُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَالْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بِلَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ، وَهِيَ تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ فِي الْمَجْلِسِ، نَصًّا بِالْقَوْلِ أَوْ دَلاَلَةً بِالْفِعْلِ. وَيَأْتِي الْقَبُولُ مِنَ الآْخَرِ بَعْدَ الإْيجَابِ، أَوْ تَقَدَّمَ السُّؤَالُ، أَوْ قَبَضَ الآْخَرُ مَا هُوَ لَهُ فِي مَجْلِسِ الإْقَالَةِ أَوْ مَجْلِسِ عِلْمِهَا، لأِنَّ مَجْلِسَ الْعِلْمِ فِي حَقِّ الْغَائِبِ كَمَجْلِسِ اللَّفْظِ فِي الْحَاضِرِ، فَلاَ يَصِحُّ مِنَ الْحَاضِرِ فِي غَيْرِ مَجْلِسِهَا.
الأْلْفَاظُ الَّتِي تَنْعَقِدُ بِهَا الإْقَالَةُ:
6 - لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الإْقَالَةَ تَنْعَقِدُ صَحِيحَةً بِلَفْظِ الإْقَالَةِ أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهَا، كَمَا لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي. وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ فِي صِيغَةِ اللَّفْظِ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَاضِيًا وَالآْخَرُ مُسْتَقْبَلاً. فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهَا تَصِحُّ بِلَفْظَيْنِ أَحَدُهُمَا مُسْتَقْبَلٌ وَالآْخَرُ مَاضٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَقِلْنِي: فَقَالَ، أَقَلْتُكَ، أَوْ قَالَ لَهُ: جِئْتُكَ لِتُقِيلَنِي، فَقَالَ: أَقَلْتُكَ، فَهِيَ تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ كَمَا يَنْعَقِدُ النِّكَاحُ.
وَمَعَ أَنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْطِ الإْقَالَةَ حُكْمَهُ، لأِنَّ الْمُسَاوَمَةَ لاَ تَجْرِي فِي الإْقَالَةِ، فَحُمِلَ اللَّفْظُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ. وَأَمَّا مُحَمَّدٌ فَهُوَ يَقُولُ: إِنَّهَا لاَ تَنْعَقِدُ إِلاَّ بِلَفْظَيْنِ يُعَبَّرُ بِهِمَا عَنِ الْمَاضِي، لأِنَّهَا كَالْبَيْعِ فَأُعْطِيَتْ بِسَبَبِ الشَّبَهِ حُكْمَ الْبَيْعِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: أَقَلْتُ، وَالآْخَرُ: قَبِلْتُ، أَوْ رَضِيتُ، أَوْ هَوَيْتُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَتَنْعَقِدُ بِفَاسَخْتُكَ وَتَارَكْتُ، كَمَا تَصِحُّ بِلَفْظِ «الْمُصَالَحَةِ» وَتَصِحُّ بِلَفْظِ «الْبَيْعِ» وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْمُعَاطَاةِ، لأِنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى، وَكُلُّ مَا يُتَوَصَّلُ إِلَيْهِ أَجْزَأَ. خِلاَفًا لِلْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي أَنَّ مَا يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ لاَ يَصْلُحُ لِلْحَلِّ، وَمَا يَصْلُحُ لِلْحَلِّ لاَ يَصْلُحُ لِلْعَقْدِ. وَتَنْعَقِدُ الإْقَالَةُ بِالتَّعَاطِي كَالْبَيْعِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: أَقَلْتُكَ فَرَدَّ إِلَيْهِ الثَّمَنَ، وَتَصِحُّ بِالْكِتَابَةِ وَالإْشَارَةِ مِنَ الأْخْرَسِ. شُرُوطُ الإْقَالَةِ:
7 - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ مَا يَلِي:
أ - رِضَى الْمُتَقَايِلَيْنِ: لأِنَّهَا رَفْعُ عَقْدٍ لاَزِمٍ، فَلاَ بُدَّ مِنْ رِضَى الطَّرَفَيْنِ.
ب - اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ: لأِنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ مَوْجُودٌ فِيهَا، فَيُشْتَرَطُ لَهَا الْمَجْلِسُ، كَمَا يُشْتَرَطُ لِلْبَيْعِ.
ج - أَنْ يَكُونَ التَّصَرُّفُ قَابِلاً لِلنَّسْخِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ، فَإِنْ كَانَ التَّصَرُّفُ لاَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ كَالنِّكَاحِ وَالطَّلاَقِ فَلاَ تَصِحُّ الإْقَالَةُ.
د - بَقَاءُ الْمَحَلِّ وَقْتَ الإْقَالَةِ، فَإِنْ كَانَ هَالِكًا وَقْتَ الإْقَالَةِ لَمْ تَصِحَّ، فَأَمَّا قِيَامُ الثَّمَنِ وَقْتَ الإْقَالَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ.
هـ - تَقَابُضُ بَدَلَيِ الصَّرْفِ فِي إِقَالَةِ الصَّرْفِ، وَهَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهَا بَيْعٌ، لأِنَّ قَبْضَ الْبَدَلَيْنِ إِنَّمَا وَجَبَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَهَذَا الْحَقُّ لاَ يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ. و - أَلاَّ يَكُونَ الْبَيْعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فِي بَيْعِ الْوَصِيِّ، فَإِنْ كَانَ لَمْ تَصِحَّ إِقَالَتُهُ.
حَقِيقَتُهَا الشَّرْعِيَّةُ:
8 - لِلْفُقَهَاءِ فِي تَكْيِيفِ الإْقَالَةِ اتِّجَاهَاتٌ:
الأْوَّلُ: أَنَّهَا فَسْخٌ يَنْحَلُّ بِهِ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، يُقَالُ فِي الدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ أَقِلْنِي عَثَرَاتِي، أَيِ ارْفَعْهَا، وَالأْصْلُ أَنَّ مَعْنَى التَّصَرُّفِ شَرْعًا مَا يُنْبِئُ عَنْهُ اللَّفْظُ لُغَةً، وَرَفْعُ الْعَقْدِ فَسْخُهُ، وَلأِنَّ الْبَيْعَ وَالإْقَالَةَ اخْتَلَفَا اسْمًا، فَتَخَالَفَا حُكْمًا، فَإِذَا كَانَتْ رَفْعًا لاَ تَكُونُ بَيْعًا، لأِنَّ الْبَيْعَ إِثْبَاتٌ وَالرَّفْعُ نَفْيٌ، وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَسْخًا مَحْضًا، فَتَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ.
الثَّانِي: أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا بَيْعًا فَإِنَّهَا تَكُونُ فَسْخًا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَالإْمَامِ مَالِكٍ. وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنْ تَقَعَ الإْقَالَةُ فِي الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ مَعْنَى الْبَيْعِ هُوَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، وَهُوَ أَخْذُ بَدَلٍ وَإِعْطَاءُ بَدَلٍ، وَقَدْ وُجِدَ، فَكَانَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا لِوُجُودِ مَعْنَى الْبَيْعِ فِيهَا، وَالْعِبْرَةُ فِي الْعُقُودِ لِلْمَعَانِي لاَ لِلأْلْفَاظِ وَالْمَبَانِي.
الثَّالِثُ: أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الإْقَالَةَ تُنْبِئُ عَنِ الْفَسْخِ وَالإْزَالَةِ، فَلاَ تَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ نَفْيًا لِلاِشْتِرَاكِ، وَالأْصْلُ الْعَمَلُ بِحَقِيقَةِ اللَّفْظِ، وَإِنَّمَا جُعِلَ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، لأِنَّ فِيهَا نَقْلَ مِلْكٍ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ بِعِوَضٍ مَالِيٍّ، فَجُعِلَتْ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ مُحَافَظَةً عَلَى حَقِّهِ مِنَ الإْسْقَاطِ، إِذْ لاَ يَمْلِكُ الْعَاقِدَانِ إِسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِمَا.
آثَارُ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ:
يَتَرَتَّبُ عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي حَقِيقَةِ الإْقَالَةِ آثَارٌ فِي التَّطْبِيقِ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا يَلِي: أَوَّلاً - الإْقَالَةُ بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ:
9 - إِذَا تَقَايَلَ الْمُتَبَايِعَانِ وَلَمْ يُسَمِّيَا الثَّمَنَ الأْوَّلَ، أَوْ سَمَّيَا زِيَادَةً عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، أَوْ سَمَّيَا جِنْسًا آخَرَ سِوَى الْجِنْسِ الأْوَّلِ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، أَوْ أَجَّلاَ الثَّمَنَ الأْوَّلَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَتَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالأْجَلِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ بَاطِلَةٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الإْقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ مَنْقُولاً أَمْ غَيْرَ مَنْقُولٍ، لأِنَّ الْفَسْخَ رَفْعُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ، وَالْعَقْدُ وَقَعَ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، فَيَكُونُ فَسْخُهُ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ، وَحُكْمُ الْفَسْخِ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الْقَبْضِ وَمَا بَعْدَهُ، وَبَيْنَ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِ الْمَنْقُولِ، وَتَبْطُلُ تَسْمِيَةُ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَالْجِنْسِ الآْخَرِ وَالأْجَلِ، وَتَبْقَى الإْقَالَةُ صَحِيحَةً، لأِنَّ تَسْمِيَةَ هَذِهِ الأْشْيَاءِ لاَ تُؤَثِّرُ فِي الإْقَالَةِ وَلأِنَّ الإْقَالَةَ رَفْعُ مَا كَانَ لاَ رَفْعُ مَا لَمْ يَكُنْ، حَيْثُ إِنَّ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا مُحَالٌ.
وَتَكُونُ الإْقَالَةُ أَيْضًا بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ الْمُسَمَّى، لاَ بِمَا يُدْفَعُ بَدَلاً عَنْهُ، حَتَّى لَوْ كَانَ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَدَفَعَ إِلَيْهِ دَرَاهِمَ عِوَضًا عَنْهَا، ثُمَّ تَقَايَلاَ - وَقَدْ رُخِّصَتِ الدَّنَانِيرُ - رَجَعَ بِالدَّنَانِيرِ لاَ بِمَا دَفَعَ، لأِنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَتِ الإْقَالَةُ فَسْخًا، وَالْفَسْخُ يُرَدُّ عَلَى عَيْنِ مَا يُرَدُّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، كَانَ اشْتِرَاطُ خِلاَفِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ بَاطِلاً.
ثَانِيًا - الشُّفْعَةُ فِيمَا يُرَدُّ بِالإْقَالَةِ:
10 - يَقْتَضِي الْقِيَاسُ أَلاَّ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ إِذَا اعْتُبِرَتْ هَذِهِ الإْقَالَةُ فَسْخًا مُطْلَقًا، وَهَذَا قِيَاسٌ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، لأِنَّ الإْقَالَةَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَسْخٌ، إِلاَّ إِذَا لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهَا فَسْخًا فَتُجْعَلُ بَيْعًا. وَعَنْ زُفَرَ: هِيَ فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً. أَمَّا سَائِرُ الْحَنَفِيَّةِ، وَكَذَلِكَ بَقِيَّةُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، فَإِنَّهَا تُعْطِي الشَّفِيعَ حَقَّ الشُّفْعَةِ فِيمَا رُدَّ بِالإْقَالَةِ.
فَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَيْعٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا بَيْعٌ فِي حَقِّهِمَا، كَمَا هُوَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُ بِالشُّفْعَةِ بَعْدَ تَقَايُلِ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَمَنِ اشْتَرَى دَارًا وَلَهَا شَفِيعٌ، فَسَلَّمَ الشُّفْعَةَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، أَوِ اشْتَرَاهَا وَلَمْ يَكُنْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ بُنِيَتْ بِجَنْبِهَا دَارٌ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهَا بِالشُّفْعَةِ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، وَالشَّفِيعُ غَيْرُهُمَا، فَتَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّهِ فَيَسْتَحِقُّ. وَعَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ تُعَدُّ الإْقَالَةُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ الْكُلِّ، وَلاَ مَانِعَ مِنْ جَعْلِهَا بَيْعًا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ، وَلِهَذَا الشَّفِيعِ الأْخْذُ بِالشُّفْعَةِ، إِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الأْوَّلِ، وَإِنْ شَاءَ بِالْبَيْعِ الْحَاصِلِ بِالإْقَالَةِ، أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ مِنْ أَيِّهِمَا شَاءَ: مِنَ الْمُشْتَرِي لأِجْلِ الشِّرَاءِ، أَوْ مِنَ الْبَائِعِ لِشِرَائِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي بِالإْقَالَةِ، حَيْثُ تَكُونُ الإْقَالَةُ بَيْعًا مِنَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ، وَحَيْثُ تَكُونُ فَسْخَ بَيْعٍ فَتُؤْخَذُ مِنَ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَلاَ يَتِمُّ فَسْخُهُ إِلاَّ إِنْ رَضِيَ الشَّفِيعُ لأِنَّ الشِّرَاءَ لَهُ.
إِقَالَةُ الْوَكِيلِ:
11 - مَنْ مَلَكَ الْبَيْعَ مَلَكَ الإْقَالَةَ، فَصَحَّتْ إِقَالَةُ الْمُوَكِّلِ بَيْعَ وَكِيلِهِ، وَتَصِحُّ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إِذَا تَمَّتْ قَبْلَ قَبْضِ الثَّمَنِ. فَإِنْ أَقَالَ بَعْدَ قَبْضِهِ يَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْمُوَكِّلِ، إِذْ تُعْتَبَرُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ حِينَئِذٍ شِرَاءً لِنَفْسِهِ. وَبِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَيَلْزَمُ الْمَبِيعُ الْوَكِيلَ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لاَ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي أَصْلاً. وَتَجُوزُ الإْقَالَةُ مِنَ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ كَالإْبْرَاءِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. وَالْمُرَادُ بِإِقَالَةِ الْوَكِيلِ بِالسَّلَمِ: الْوَكِيلُ بِشِرَاءِ السَّلَمِ، بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ الْعَيْنِ.
وَإِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ لاَ تَجُوزُ بِإِجْمَاعِ الْحَنَفِيَّةِ بِخِلاَفِ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ، وَعِنْدَ مَالِكٍ لاَ تَجُوزُ إِقَالَةُ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا.
وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى صِحَّةِ التَّوْكِيلِ فِي حَقِّ كُلِّ آدَمِيٍّ مِنَ الْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ. وَعَلَى هَذَا فَيَصِحُّ التَّوْكِيلُ بِالإْقَالَةِ عِنْدَهُمُ ابْتِدَاءً، سَوَاءٌ أَقُلْنَا: إِنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ عَلَى الْمَذْهَبِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا أَمْ بَيْعٌ.
هَذَا، وَلَمْ يَذْكُرِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مَنْ لَهُ حَقُّ الإْقَالَةِ مِنْ غَيْرِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ سِوَى الْوَرَثَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ. أَمَّا حُكْمُ الإْقَالَةِ الصَّادِرَةِ مِنَ الْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ فَلَمْ يَتَطَرَّقُوا لَهُ.
وَالْمُتَوَلِّي عَلَى الْوَقْفِ إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا بِأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ فَإِنَّ إِقَالَتَهُ لاَ تَصِحُّ.
مَحَلُّ الإْقَالَةِ:
12 - مَحَلُّ الإْقَالَةِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ فِي حَقِّ الطَّرَفَيْنِ مِمَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لاَ يُمْكِنُ فَسْخُهَا إِلاَّ بِاتِّفَاقِ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الإْقَالَةَ تَصِحُّ فِي الْعُقُودِ الآْتِيَةِ: الْبَيْعِ - الْمُضَارَبَةِ - الشَّرِكَةِ - الإْجَارَةِ - الرَّهْنِ (بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاهِنِ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ الرَّاهِنِ دَيْنَهُ) - السَّلَمِ - الصُّلْحِ. وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ فِيهَا الإْقَالَةُ فَهِيَ الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ، كَالإْعَارَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْجِعَالَةِ، أَوِ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بِالْخِيَارِ، مِثْلُ الْوَقْفِ وَالنِّكَاحِ حَيْثُ لاَ يَجُوزُ فَسْخُ أَحَدِهِمَا بِالْخِيَارِ.
أَثَرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ فِي الإْقَالَةِ:
13 - إِذَا اعْتَبَرْنَا الإْقَالَةَ فَسْخًا، فَإِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، بَلْ تَكُونُ هَذِهِ الشُّرُوطُ لَغْوًا، وَتَصِحُّ الإْقَالَةُ. فَفِي الإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، إِذَا شَرَطَ أَكْثَرَ مِمَّا دَفَعَ، فَالإْقَالَةُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِمُتَعَذِّرِ الْفَسْخِ عَلَى الزِّيَادَةِ، وَتُبْطِلُ الشَّرْطَ، لأِنَّهُ يُشْبِهُ الرِّبَا، وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مُسْتَحَقٌّ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ خَالٍ عَنِ الْعِوَضِ.
وَكَذَا إِذَا شَرَطَ أَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ، لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ عَلَى الأْقَلِّ، لأِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِهِ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ، وَالْفَسْخُ عَلَى الأْقَلِّ لَيْسَ كَذَلِكَ، لأِنَّ فِيهِ رَفْعَ مَا لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا وَهُوَ مُحَالٌ. وَالنُّقْصَانُ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا فَرَفْعُهُ يَكُونُ مُحَالاً، إِلاَّ أَنْ يَحْدُثَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ فَتَجُوزُ الإْقَالَةُ بِالأْقَلِّ، لأِنَّ الْحَطَّ يُجْعَلُ بِإِزَاءِ مَا فَاتَ مِنَ الْعَيْبِ.
وَهَذَا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ يَرَوْنَ الإْقَالَةَ فَسْخًا، وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ مَنْ قَالَ: إِنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، لأِنَّ الْبَيْعَ يَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ، فَإِذَا زَادَ كَانَ قَاصِدًا بِهَذَا ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ، وَإِذَا شَرَطَ الأْقَلَّ فَكَذَلِكَ .
الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ:
14 - الإْقَالَةُ فِي الصَّرْفِ كَالإْقَالَةِ فِي الْبَيْعِ، أَيْ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ كَمَا فِي ابْتِدَاءِ عَقْدِ الصَّرْفِ.
فَلَوْ تَقَايَلاَ الصَّرْفَ، وَتَقَابَضَا قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ، مَضَتِ الإْقَالَةُ عَلَى الصِّحَّةِ. وَإِنِ افْتَرَقَا قَبْلَ التَّقَابُضِ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ، سَوَاءٌ اعْتُبِرَتْ بَيْعًا أَمْ فَسْخًا.
فَعَلَى اعْتِبَارِهَا بَيْعًا كَانَتِ الْمُصَارَفَةُ مُبْتَدَأَةً، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ يَدًا بِيَدٍ، مَا دَامَتِ الإْقَالَةُ بَيْعًا مُسْتَقِلًّا يُحِلُّهَا مَا يُحِلُّ الْبُيُوعَ، وَيُحَرِّمُهَا مَا يُحَرِّمُ الْبُيُوعَ، فَلاَ تَصْلُحُ الإْقَالَةُ إِذْ حَصَلَ الاِفْتِرَاقُ قَبْلَ الْقَبْضِ.
عَلَى اعْتِبَارِهَا فَسْخًا فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَهِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقٍّ ثَالِثٍ، وَاسْتِحْقَاقُ الْقَبْضِ حَقٌّ لِلشَّرْعِ، وَهُوَ هُنَا ثَالِثٌ، فَيُعْتَبَرُ بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ التَّقَابُضُ. وَهَلاَكُ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ لاَ يُعَدُّ مَانِعًا مِنَ الإْقَالَةِ، لأِنَّهُ فِي الصَّرْفِ لاَ يَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَقْبُوضِ بَعْدَ الإْقَالَةِ، بَلْ رَدُّهُ أَوْ رَدُّ مِثْلِهِ، فَلَمْ تَتَعَلَّقِ الإْقَالَةُ بِعَيْنِهِمَا، فَلاَ تَبْطُلُ بِهَلاَكِهِمَا.
إِقَالَةُ الإْقَالَةِ:
15 - إِقَالَةُ الإْقَالَةِ إِلْغَاءٌ لَهَا وَالْعَوْدَةُ إِلَى أَصْلِ الْعَقْدِ، وَهِيَ تَصِحُّ فِي أَحْوَالٍ مُعَيَّنَةٍ، فَلَوْ تَقَايَلاَ الْبَيْعَ، ثُمَّ تَقَايَلاَ الإْقَالَةَ، ارْتَفَعَتِ الإْقَالَةُ وَعَادَ الْبَيْعُ. وَقَدِ اسْتَثْنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ إِقَالَةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ الْمُسْلِمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَصِحُّ، لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ دَيْنٌ وَقَدْ سَقَطَ بِالإْقَالَةِ الأْولَى، فَلَوِ انْفَسَخَتْ لَعَادَ الْمُسْلَمُ فِيهِ الَّذِي سَقَطَ، وَالسَّاقِطُ لاَ يَعُودُ.
مَا يُبْطِلُ الإْقَالَةَ:
16 - مِنَ الأْحْوَالِ الَّتِي تَبْطُلُ فِيهَا الإْقَالَةُ بَعْدَ وُجُودِهَا مَا يَأْتِي:
أ - هَلاَكُ الْمَبِيعِ: فَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الإْقَالَةِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَتْ، لأِنَّ مِنْ شَرْطِهَا بَقَاءَ الْمَبِيعِ، لأِنَّهَا رَفْعُ الْعَقْدِ وَهُوَ مَحَلُّهُ، بِخِلاَفِ هَلاَكِ الثَّمَنِ فَإِنَّهُ لاَ يَمْنَعُ الإْقَالَةَ لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ، وَلِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ بِهَلاَكِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ دُونَ الثَّمَنِ. وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الثَّمَنُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَهَلَكَ بَطَلَتِ الإْقَالَةُ.
وَلَكِنْ لاَ يُرَدُّ عَلَى اشْتَرَطَ قِيَامَ الْمَبِيعِ لِصِحَّةِ الإْقَالَةِ إِقَالَةَ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ فِيهِ، لأِنَّهَا صَحِيحَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا أَمْ دَيْنًا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إِلَيْهِ أَمْ هَالِكًا. لأِنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً فَلَهُ حُكْمُ الْعَيْنِ حَتَّى لاَ يَجُوزُ الاِسْتِبْدَالُ بِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
ب - تَغَيُّرُ الْمَبِيعِ: كَأَنْ زَادَ الْمَبِيعُ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً، كَمَا لَوْ وَلَدَتِ الدَّابَّةُ بَعْدَ الإْقَالَةِ، فَإِنَّهَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَصَبْغِ الثَّوْبِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَبْطُلُ الإْقَالَةُ بِتَغَيُّرِ ذَاتِ الْمَبِيعِ مَهْمَا كَانَ. كَتَغَيُّرِ الدَّابَّةِ بِالسِّمَنِ وَالْهُزَالِ، بِخِلاَفِ الْحَنَابِلَةِ.
اخْتِلاَفُ الْمُتَقَايِلَيْنِ:
17 - قَدْ يَقَعُ الاِخْتِلاَفُ بَيْنَ الْمُتَقَايِلَيْنِ عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، أَوْ عَلَى كَيْفِيَّتِهِ، أَوْ عَلَى الثَّمَنِ، أَوْ عَلَى الإْقَالَةِ مِنْ أَسَاسِهَا.
فَإِنَّهُمَا إِذَا اتَّفَقَا عَلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي كَيْفِيَّتِهِ تَحَالَفَا، فَيَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ قَوْلِ صَاحِبِهِ وَإِثْبَاتِ قَوْلِهِ.
وَيُسْتَثْنَى مِنَ التَّحَالُفِ مَا لَوْ تَقَايَلاَ الْعَقْدَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ فَلاَ تَحَالُفَ، بَلِ الْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لأِنَّهُ غَارِمٌ.
وَلَوِ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي، فَقَالَ الْمُشْتَرِي: بِعْتُهُ مِنَ الْبَائِعِ بِأَقَلَّ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ قَبْلَ نَقْدِهِ وَفَسَدَ الْبَيْعُ بِذَلِكَ، وَقَالَ الْبَائِعُ: بَلْ تَقَايَلْنَاهُ، فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ فِي إِنْكَارِهِ الإْقَالَةَ.
فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي يَدَّعِي أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنَ الْمُشْتَرِي بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَهُ، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي الإْقَالَةَ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السابع ، الصفحة / 24
انْفِسَاخٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الاِنْفِسَاخُ: مَصْدَرُ انْفَسَخَ، وَهُوَ مُطَاوِعُ فَسَخَ، وَمِنْ مَعْنَاهُ: النَّقْضُ وَالزَّوَالُ. يُقَالُ: فَسَخْتُ الشَّيْءَ فَانْفَسَخَ أَيْ: نَقَضْتُهُ فَانْتَقَضَ، وَفَسَخْتُ الْعَقْدَ أَيْ: رَفَعْتُهُ.
وَالاِنْفِسَاخُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: هُوَ انْحِلاَلُ الْعَقْدِ إِمَّا بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا بِإِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، أَوْ بِإِرَادَةِ أَحَدِهِمَا.
وَقَدْ يَكُونُ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، فَهُوَ بِهَذَا الْمَعْنَى مُطَاوِعٌ لِلْفَسْخِ وَنَتِيجَةٌ لَهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإْقَالَةُ:
2 - الإْقَالَةُ فِي اللُّغَةِ، عِبَارَةٌ عَنِ الرَّفْعِ، وَفِي الشَّرْعِ: رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ، وَهَذَا الْقَدْرُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِهَا فَسْخًا أَوْ عَقْدًا جَدِيدًا.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقَالَةٌ).
ب - الاِنْتِهَاءُ:
3 - انْتِهَاءُ الشَّيْءِ: بُلُوغُهُ أَقْصَى مَدَاهُ، وَانْتَهَى الأْمْرُ: بَلَغَ النِّهَايَةَ. وَانْتِهَاءُ الْعَقْدِ: مَعْنَاهُ بُلُوغُهُ نِهَايَتَهُ، وَهَذَا يَكُونُ بِتَمَامِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالاِسْتِئْجَارِ لأِدَاءِ عَمَلٍ فَأَتَمَّهُ الأْجِيرُ، أَوِ الْقَضَاءُ مُدَّةَ الْعَقْدِ كَاسْتِئْجَارِ مَسْكَنٍ أَوْ أَرْضٍ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ. وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْعُقُودِ الْمُسْتَمِرَّةِ كَانْتِهَاءِ عَقْدِ الزَّوَاجِ بِالْمَوْتِ أَوِ الطَّلاَقِ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَالْفَرْقُ بَيْنَ الاِنْفِسَاخِ وَالاِنْتِهَاءِ، أَنَّ الاِنْفِسَاخَ يُسْتَعْمَلُ فِي جَمِيعِ الْعُقُودِ، وَيَكُونُ فِي عُقُودِ الْمُدَّةِ قَبْلَ نِهَايَتِهَا أَيْضًا، بِخِلاَفِ الاِنْتِهَاءِ، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَعْمِلُ الاِنْفِسَاخَ مَكَانَ الاِنْتِهَاءِ وَبِالْعَكْسِ.
ج - الْبُطْلاَنُ:
4 - الْبُطْلاَنُ لُغَةً: فَسَادُ الشَّيْءِ وَزَوَالُهُ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى: النَّقْضِ وَالسُّقُوطِ. وَالْبُطْلاَنُ يَطْرَأُ عَلَى الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَامَلاَتِ إِذَا وُجِدَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِهِ، وَيُرَادِفُ الْفَسَادَ إِذَا اسْتُعْمِلَ فِي الْعِبَادَاتِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ إِلاَّ فِي الْحَجِّ.
أَمَّا فِي الْعُقُودِ فَالْبَاطِلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، هُوَ مَا لَمْ يَكُنْ مَشْرُوعًا لاَ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ، بِأَنْ فَقَدَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهِ، أَوْ وَرَدَ الْعَقْدُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّهِ، وَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ مِنْ نَقْلِ الْمِلْكِيَّةِ أَوِ الضَّمَانِ أَوْ غَيْرِهِمَا.
وَعَلَى هَذَا يَخْتَلِفُ الاِنْفِسَاخُ عَن الْبُطْلاَنِ، بِأَنَّ الاِنْفِسَاخَ يَرِدُ عَلَى الْمُعَامَلاَتِ دُونَ الْعِبَادَاتِ، وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ قَبْلَ الاِنْفِسَاخِ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ شَرْعِيٍّ، بِخِلاَفِ الْبُطْلاَنِ؛ لأِنَّ الْعَقْدَ الْبَاطِلَ فِي اصْطِلاَحِ الْحَنَفِيَّةِ لاَ وُجُودَ لَهُ أَصْلاً، وَكَذَلِكَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لاَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ.
د - الْفَسَادُ:
5 - الْفَسَادُ نَقِيضُ الصَّلاَحِ، وَفَسَادُ الْعِبَادَةِ بُطْلاَنُهَا إِلاَّ فِي بَعْضِ مَسَائِلِ الْحَجِّ كَمَا سَبَقَ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ دُونَ وَصْفِهِ، وَأَمَّا عِنْدَ غَيْرِهِمْ فَيُطْلَقُ الْفَاسِدُ وَالْبَاطِلُ عَلَى كُلِّ تَصَرُّفٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ، وَالْفَاسِدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَدْ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ الأْحْكَامِ، فَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ عِنْدَهُمْ إِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ أَفَادَ الْمِلْكَ، وَلَكِنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ، يَجِبُ فَسْخُ الْعَقْدِ مَا دَامَتِ الْعَيْنُ قَائِمَةً، لِحَقِّ الشَّارِعِ.
وَيُعْتَبَرُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ عَقْدًا مَوْجُودًا ذَا أَثَرٍ، لَكِنَّهُ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، يَجِبُ شَرْعًا فَسْخُهُ رَفْعًا لِلْفَسَادِ.
هـ - الْفَسْخُ:
6 - الْفَسْخُ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا يَكُونُ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، فَهُوَ عَمَلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ غَالِبًا، أَوْ فِعْلُ الْحَاكِمِ فِي بَعْضِ الأْحْوَالِ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ.
أَمَّا الاِنْفِسَاخُ: فَهُوَ انْحِلاَلُ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، أَوْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ غَيْرِ اخْتِيَارِيَّةٍ. فَإِذَا كَانَ الاِنْحِلاَلُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ كَانَتِ الْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةَ السَّبَبِ بِالْمُسَبَّبِ، كَمَا إِذَا فَسَخَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ عَقْدَ الْبَيْعِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ مَثَلاً، فَالاِنْفِسَاخُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَتِيجَةُ الْفَسْخِ الَّذِي مَارَسَهُ الْعَاقِدُ اخْتِيَارًا. يَقُولُ الْقَرَافِيُّ: الْفَسْخُ قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، وَالاِنْفِسَاخُ انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَالأْوَّلُ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ، وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَهَذَانِ فَرْعَانِ: فَالأْوَّلُ مِنْ جِهَةِ الْمَوْضُوعَاتِ، وَالثَّانِي مِنْ جِهَةِ الأْسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ.
وَمِثْلُهُ مَا جَاءَ فِي الْمَنْثُورِ لِلزَّرْكَشِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ أَطْلَقَ وَلَمْ يُقَيِّدِ الْفَسْخَ بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ؛ لأِنَّ الْفَسْخَ يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ الْمُحَرَّمَةِ، وَذَلِكَ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا كَمَا هُوَ الْحَالُ غَالِبًا.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ الاِنْفِسَاخُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ، بَلْ نَتِيجَةً لِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنْ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ، كَمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ مَثَلاً، فَلاَ يُوجَدُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ عَلاَقَةُ السَّبَبِيَّةِ الَّتِي قَرَّرَهَا الْقَرَافِيُّ.
7 - وَمِنَ الأْمْثِلَةِ الَّتِي قَرَّرَ الْفُقَهَاءُ فِيهَا انْفِسَاخَ الْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ مَا يَأْتِي:
أ - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ، كَمَا إِذَا تَلِفَتِ الدَّابَّةُ الْمُعَيَّنَةُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ.
ب - لَوْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ سَقَطَ الأَْجْرُ لِزَوَالِ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ، وَتَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، لَكِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ قَالُوا: لاَ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِنَفْسِهِ، بَلْ يَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
ج - إِذَا مَاتَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلاَهُمَا فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، كَالْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ انْفَسَخَ الْعَقْدُ.
د - يَنْفَسِخُ عَقْدُ الإْجَارَةِ بِمَوْتِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِلْجُمْهُورِ، وَكَذَلِكَ تَنْفَسِخُ الإْجَارَةُ بِالأْعْذَارِ عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ.
وَسَوْفَ يَقْتَصِرُ الْكَلاَمُ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى الاِنْفِسَاخِ الَّذِي لاَ يَكُونُ أَثَرًا لِلْفَسْخِ. أَمَّا الاِنْفِسَاخُ الَّذِي هُوَ أَثَرٌ لِلْفَسْخِ فَيُرْجَعُ إِلَيْهِ تَحْتَ عُنْوَانِ (فَسْخٌ).
مَا يَرِدُ عَلَيْهِ الاِنْفِسَاخُ:
8 - مَحَلُّ الاِنْفِسَاخِ الْعَقْدُ لاَ غَيْرُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ سَبَبُهُ الْفَسْخَ أَمْ غَيْرَهُ؛ لأِنَّ هُمْ عَرَّفُوا الاِنْفِسَاخَ بِانْحِلاَلِ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ هُنَاكَ ارْتِبَاطٌ بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ بِوَاسِطَةِ الْعَقْدِ.
أَمَّا إِذَا أُرِيدَ مِنَ الاِنْفِسَاخِ الْبُطْلاَنُ وَالنَّقْضُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَرِدَ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي تَنْشَأُ عَنْ إِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ الْعُهُودُ وَالْوُعُودُ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ أَحْيَانًا فِي الْعِبَادَاتِ وَيَرِدُ عَلَى النِّيَّاتِ، كَانْفِسَاخِ نِيَّةِ صَلاَةِ الْفَرْضِ إِلَى النَّفْلِ، وَكَذَلِكَ انْفِسَاخُ الْحَجِّ بِالْعُمْرَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فَصَرَفَهُ إِلَى الْعُمْرَةِ يَنْفَسِخُ الْحَجُّ إِلَى الْعُمْرَةِ.
وَخَالَفَهُمْ فِي ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَفْسَخَ نِيَّةَ الْحَجِّ بَعْدَمَا أَحْرَمَ، وَيَقْطَعَ أَفْعَالَهُ، وَيَجْعَلَ إِحْرَامَهُ وَأَفْعَالَهُ لِلْعُمْرَةِ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِحْرَامٌ).
أَسْبَابُ الاِنْفِسَاخِ:
9 - الاِنْفِسَاخُ لَهُ أَسْبَابٌ مُخْتَلِفَةٌ: مِنْهَا مَا هُوَ اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ مَا يَأْتِي بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ بِإِرَادَةِ كِلَيْهِمَا أَوْ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَمِنْهَا مَا هُوَ سَمَاوِيٌّ وَهُوَ مَا يَأْتِي بِدُونِ إِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ أَوِ الْقَاضِي، بَلْ بِعَوَامِلَ خَارِجَةٍ عَنِ الإْرَادَةِ لاَ يُمْكِنُ اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ مَعَهَا.
يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: مَا يَنْفَسِخُ بِهِ الْعَقْدُ نَوْعَانِ: اخْتِيَارِيٌّ وَضَرُورِيٌّ، فَالاِخْتِيَارِيُّ هُوَ أَنْ يَقُولَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ أَوْ نَقَضْتُهُ وَنَحْوُهُ، وَالضَّرُورِيُّ: أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ مَثَلاً.
الأْسْبَابُ الاِخْتِيَارِيَّةُ:
أَوَّلاً: الْفَسْخُ:
10 - الْمُرَادُ بِالْفَسْخِ هُنَا مَا يَرْفَعُ بِهِ حُكْمَ الْعَقْدِ بِإِرَادَةِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا، وَهَذَا يَكُونُ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ بِطَبِيعَتِهَا، كَعَقْدَيِ الْعَارِيَّةِ وَالْوَكَالَةِ مَثَلاً، أَوْ مَا يَكُونُ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ، أَوْ بِسَبَبِ الأْعْذَارِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ بِهَا اسْتِمْرَارُ الْعَقْدِ، أَوْ بِسَبَبِ الْفَسَادِ.
وَيُنْظَرُ حُكْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحَيْ: (إِقَالَةٌ وَفَسْخٌ).
ثَانِيًا: الإْقَالَةُ:
11 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْدِ وَإِزَالَتُهُ بِرِضَى الطَّرَفَيْنِ وَهِيَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ الاِنْفِسَاخِ الاِخْتِيَارِيَّةِ، وَتَرِدُ عَلَى الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ، كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ . أَمَّا إِذَا كَانَ الْعَقْدُ غَيْرَ لاَزِمٍ كَالْعَارِيَّةِ، أَوْ لاَزِمًا بِطَبِيعَتِهِ وَلَكِنْ فِيهِ أَحَدُ الْخِيَارَاتِ فَلاَ حَاجَةَ فِيهِ لِلإِْقَالَةِ؛ لِجَوَازِ فَسْخِهِ بِطَرِيقٍ أُخْرَى، كَمَا تَقَدَّمَ.
وَيُنْظَرُ الْكَلاَمُ فِيهِ تَحْتَ عُنْوَانِ: (إِقَالَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع ، الصفحة / 108
اسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ:
25 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، مَعَ كَوْنِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ، فَالْفَسَادُ مُقْتَرِنٌ بِهِ، وَدَفْعُ الْفَسَادِ
وَاجِبٌ فَيَسْتَحِقُّ فَسْخَهُ، وَلأِنَّ الْفَاسِدَ يُفِيدُ مِلْكًا خَبِيثًا لِمَكَانِ النَّهْيِ، فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقُّ الْفَسْخِ، إِزَالَةً لِلْخَبَثِ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ. وَلأِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ اشْتِرَاطَ الرِّبَا وَإِدْخَالَ الآْجَالِ الْمَجْهُولَةِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهَذِهِ مَعْصِيَةٌ وَالزَّجْرُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ يَصْلُحُ زَاجِرًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ، لأِنَّهُ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفْسَخُ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمُبَاشَرَةِ كَمَا عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ .
وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي فَسْخِهِ قَضَاءُ قَاضٍ؛ لأِنَّ الْوَاجِبَ شَرْعًا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَضَاءِ . وَلَكِنْ لَوْ أَصَرَّا عَلَى إِمْسَاكِ الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا وَعَلِمَ بِذَلِكَ الْقَاضِي فَلَهُ فَسْخُهُ جَبْرًا عَلَيْهِمَا، حَقًّا لِلشَّرْعِ .
شُرُوطُ الْفَسْخِ:
26 - الْفَسْخُ مَشْرُوطٌ بِمَا يَلِي:
أ - أَنْ يَكُونَ بِعِلْمِ الْمُتَعَاقِدِ الآْخَرِ، وَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُ، وَنَقَلَ الْكَاسَانِيُّ عَنِ الْكَرْخِيِّ أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ: ثُمَّ نَقَلَ عَنِ الأْسْبِيجَابِيِّ أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَهُمَا خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ الْخِلاَفَ فِيهِ كَالْخِلاَفِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ وَالرُّؤْيَةِ.
ب - أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا.
ج - أَنْ لاَ يَعْرِضَ لَهُ مَا يَتَعَذَّرُ بِهِ الرَّدُّ .
مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ:
27 - الْفَسْخُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ:
أ - فَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْفَسْخُ بِعِلْمِ صَاحِبِهِ مِنْ غَيْرِ رِضَاهُ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ قَبْلَ الْقَبْضِ لاَ يُفِيدُ الْمِلْكَ، فَكَانَ الْفَسْخُ قَبْلَ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الاِمْتِنَاعِ مِنَ الْقَبُولِ وَالإْيجَابِ ، فَيَمْلِكُهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَكِنَّهُ - كَمَا يَقُولُ الزَّيْلَعِيُّ - يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ؛ لأِنَّ فِيهِ إِلْزَامَ الْفَسْخِ لَهُ، فَلاَ يَلْزَمُهُ بِدُونِ عِلْمِهِ .
ب - وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْقَبْضِ: فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ أَوْ إِلَى غَيْرِهِمَا:
(1) فَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِأَنْ كَانَ رَاجِعًا إِلَى الْبَدَلَيْنِ: الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ، كَبَيْعِ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَالْبَيْعِ بِالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ، يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الرَّاجِعَ إِلَى الْبَدَلِ رَاجِعٌ إِلَى صُلْبِ الْعَقْدِ، فَلاَ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ، لأِنَّهُ لاَ قِوَامَ لِلْعَقْدِ إِلاَّ بِالْبَدَلَيْنِ، فَكَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، فَيُؤَثِّرُ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، بِعَدَمِ لُزُومِهِ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ جَمِيعًا.
(2) وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ غَيْرَ رَاجِعٍ إِلَى الْبَدَلَيْنِ، كَالْبَيْعِ بِشَرْطٍ زَائِدٍ، كَالْبَيْعِ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ، أَوْ بِشَرْطٍ فِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا:
- فَالأْسْبِيجَابِيُّ قَرَّرَ أَنَّ وِلاَيَةَ الْفَسْخِ لِصَاحِبِ الشَّرْطِ، بِلاَ خِلاَفٍ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ الَّذِي لاَ يَرْجِعُ إِلَى الْبَدَلِ، لاَ يَكُونُ قَوِيًّا فَيَحْتَمِلُ السُّقُوطَ، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْطِ، فَلاَ يَلْزَمُهُ - وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ خِلاَفًا فِي الْمَسْأَلَةِ:
فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا الْفَسْخُ، لِعَدَمِ اللُّزُومِ، بِسَبَبِ الْفَسَادِ.
وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ: الْفَسْخُ لِمَنْ لَهُ مَنْفَعَةُ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى تَصْحِيحِ الْعَقْدِ بِإِسْقَاطِ الْمُفْسِدِ، فَلَوْ فَسَخَهُ الآْخَرُ، لأَبْطَلَ حَقَّهُ عَلَيْهِ، هَذَا لاَ يَجُوزُ .
طَرِيقُ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
28 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ الْفَاسِدُ بِطَرِيقِينَ:
الأْوَّلُ: بِالْقَوْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَنْ يَمْلِكُ الْفَسْخَ: فَسَخْتُ الْعَقْدَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ نَقَضْتُهُ، فَيَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَا الْبَائِعِ، سَوَاءٌ أَكَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ اسْتِحْقَاقَ الْفَسْخِ ثَبَتَ رَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى، فَيَظْهَرُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَضَاءٍ وَلاَ رِضَاءٍ .
الثَّانِي: بِالْفِعْلِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يُرَدَّ الْمَبِيعُ عَلَى بَائِعِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ، بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، أَوْ إِعَارَةٍ، أَوْ بَيْعٍ أَوْ إِجَارَةٍ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ بَائِعِهِ - حَقِيقَةً، أَوْ حُكْمًا كَالتَّخْلِيَةِ - فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ، وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ .
مَا يَبْطُلُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ:
29 - لاَ يَسْقُطُ حَقُّ الْفَسْخِ بِصَرِيحِ الإْبْطَالِ وَالإْسْقَاطِ، بِأَنْ يَقُولَ: أَسْقَطْتُ، أَوْ: أَبْطَلْتُ، أَوْ: أَوْجَبْتُ الْبَيْعَ، أَوْ أَلْزَمْتُهُ؛ لأِنَّ وُجُوبَ الْفَسْخِ ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، دَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَمَا ثَبَتَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى خَالِصًا، لاَ يَقْدِرُ الْعَبْدُ عَلَى إِسْقَاطِهِ مَقْصُودًا، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ.
لَكِنْ قَدْ يَسْقُطُ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ، بِأَنْ يَتَصَرَّفَ الْعَبْدُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ مَقْصُودًا، فَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ سُقُوطَ حَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ.
وَإِذَا بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ لَزِمَ الْبَيْعُ، وَتَقَرَّرَ الضَّمَانُ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ لاَ يَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلاَ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ.
وَفِيمَا يَلِي أَهَمُّ صُوَرِ ذَلِكَ.
الصُّورَةُ الأْولَى: التَّصَرُّفُ الْقَوْلِيُّ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا.
30 - أَطْلَقَ الْحَنَفِيَّةُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ يُخْرِجُ الْمَبِيعَ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْعَبْدِ بِهِ . وَهَذَا التَّعْلِيلُ هُوَ الَّذِي أَصَّلَهُ الْمَالِكِيَّةُ، وَذَلِكَ كَمَا لَوْ جَعَلَ الْمَبِيعَ مَهْرًا، أَوْ بَدَلَ صُلْحٍ، أَوْ بَدَلَ إِجَارَةٍ، وَعَلَّلُوهُ قَائِلِينَ: لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ بِذَلِكَ .
أَوْ وَهَبَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الْهِبَةَ لاَ تُفِيدُ الْمِلْكَ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ.
أَوْ رَهَنَهُ وَسَلَّمَهُ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ لاَ يَلْزَمُ بِدُونِ التَّسْلِيمِ.
أَوْ وَقَفَهُ وَقْفًا صَحِيحًا، لأِنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ حِينَ وَقَفَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ .
أَوْ أَوْصَى بِهِ ثُمَّ مَاتَ، لأِنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنْ مِلْكِهِ إِلَى مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ، وَهُوَ مِلْكٌ مُبْتَدَأٌ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ.
أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَهُ أَيْضًا، لأِنَّهُ لاَ يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِ الْمُتَصَدِّقِ بِدُونِ تَسْلِيمٍ .
وَكَذَا الْعِتْقُ، فَقَدِ اسْتَثْنَوْهُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ .
31 - فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا، يَنْفُذُ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَيَمْتَنِعُ فَسْخُهُ وَذَلِكَ:
أ - لأِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَلَكَهُ، فَمَلَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ.
ب - وَلأِنَّهُ تَعَلُّقُ حَقِّ الْعَبْدِ بِالْعَقْدِ الثَّانِي، وَنَقْضُ الْعَقْدِ الأْوَّلِ مَا كَانَ إِلاَّ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَحَقُّ الْعَبْدِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى يُقَدَّمُ بِإِذْنِهِ تَعَالَى، لِغِنَاهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَسَعَةِ عَفْوِهِ، وَفَقْرِ الْعَبْدِ دَائِمًا إِلَى رَبِّهِ.
ج - وَلأِنَّ الْعَقْدَ الأْوَّلَ مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ لاَ بِوَصْفِهِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، فَلاَ يُعَارِضُهُ مُجَرَّدُ الْوَصْفِ.
د - وَلأِنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ حَصَلَ بِتَسْلِيطٍ مِنْ جِهَةِ الْبَائِعِ الأْوَّلِ ؛ لأِنَّ التَّمْلِيكَ مِنْهُ - مَعَ الإْذْنِ فِي الْقَبْضِ - تَسْلِيطٌ عَلَى التَّصَرُّفِ، فَلاَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الاِسْتِرْدَادِ مِنَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي، وَإِلاَّ كَانَ سَاعِيًا فِي نَقْضِ مَا تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى الْمُنَاقَضَةِ .
32 - اسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ: الإْجَارَةَ. فَقَرَّرُوا أَنَّهَا لاَ تَمْنَعُ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ؛ لأِنَّ الإْجَارَةَ تُفْسَخُ بِالأْعْذَارِ، وَرَفْعُ الْفَسَادِ مِنَ الأْعْذَارِ، بَلْ لاَ عُذْرَ أَقْوَى مِنَ الْفَسَادِ، كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ .
وَلأِنَّهَا - كَمَا يَقُولُ الْمَرْغِينَانِيُّ - تَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَيَكُونُ الرَّدُّ امْتِنَاعًا .
وَنَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا زَالَ الْمَانِعُ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّ الْفَسْخِ - كَمَا لَوْ رَجَعَ الْوَاهِبُ بِهِبَتِهِ، أَوْ أَفْتَكَ الرَّاهِنُ رَهْنَهُ - عَادَ الْحَقُّ فِي الْفَسْخِ؛ لأِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ لَمْ تُوجِبِ الْفَسْخَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ.
لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ، لاَ بَعْدَهُ؛ لأِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي بِذَلِكَ يُبْطِلُ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْعَيْنِ، وَيَنْقُلُهُ إِلَى الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْلِ بِإِذْنِ الشَّرْعِ، فَلاَ يَعُودُ حَقُّهُ إِلَى الْعَيْنِ وَإِنِ ارْتَفَعَ السَّبَبُ، كَمَا لَوْ قَضَى عَلَى الْغَائِبِ بِقِيمَةِ الْمَغْصُوبِ بِسَبَبِ فَقْدِهِ مَثَلاً، ثُمَّ وُجِدَ الْمَغْصُوبُ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: الأْفْعَالُ الَّتِي تَرِدُ عَلَى الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا:
33 - وَمِنْهَا الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ، فَلَوْ بَنَى الْمُشْتَرِي فِي الأْرْضِ الَّتِي اشْتَرَاهَا شِرَاءً فَاسِدًا بِنَاءً أَوْ غَرَسَ شَجَرًا:
فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، وَذَلِكَ لأِنَّهُمَا اسْتِهْلاَكٌ عِنْدَهُ، لأِنَّهُ يُقْصَدُ بِهِمَا الدَّوَامُ، وَقَدْ حَصَلاَ بِتَسْلِيطٍ مِنَ الْبَائِعِ، فَيَنْقَطِعُ بِهِمَا حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ، كَالْبَيْعِ.
وَذَهَبَ الصَّاحِبَانِ إِلَى أَنَّ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ لاَ يَمْنَعَانِ مِنَ الْفَسْخِ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَنْقُضَهُمَا وَيَسْتَرِدَّ الْمَبِيعَ، وَذَلِكَ لأِنَّ حَقَّ الشُّفْعَةِ - مَعَ ضَعْفِهِ - لاَ يَبْطُلُ بِالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، فَهَذَا أَوْلَى .
34 - وَمِمَّا يَمْنَعُ الْفَسْخَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ أَوِ النَّقْصُ مِنْهُ.
أ - أَمَّا الزِّيَادَةُ: فَقَدْ قَرَّرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ كُلَّ زِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَبِيعِ، غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ قُمَاشًا فَخَاطَهُ، أَوْ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ قَمْحًا فَطَحَنَهُ، أَوْ قُطْنًا فَغَزَلَهُ، فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَأَمْثَالِهَا يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ، وَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ قِيمَةُ الْمَبِيعِ.
وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَسَمْنِ الْمَبِيعِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ كَالْوَلَدِ، وَالزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْهِبَةِ، فَإِنَّهَا لاَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ .
ب - وَأَمَّا نَقْصُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ قَرَّرُوا أَنَّهُ إِذَا نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، لاَ يَبْطُلُ حَقُّهُ فِي الرَّدِّ، وَلاَ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ. لَكِنْ إِنْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِفِعْلِهِ، أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ يَأْخُذُهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، وَيُضَمِّنُهُ أَرْشَ النُّقْصَانِ. وَلَوْ نَقَصَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْبَائِعِ، اعْتُبِرَ الْبَائِعُ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لَهُ. وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ بِأَخْذِهِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ مِنَ الْجَانِي .
35 - وَقَدْ وَضَعَ الزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ ضَابِطًا لِمَا يَمْتَنِعُ بِهِ مِنَ الأْفْعَالِ حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ وَالْفَسْخِ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُشْتَرِيَ مَتَى فَعَلَ بِالْمَبِيعِ فِعْلاً، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْغَصْبِ، يَنْقَطِعُ بِهِ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الاِسْتِرْدَادِ، كَمَا إِذَا كَانَ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا .
ثَالِثًا (مِنْ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ): حُكْمُ الرِّبْحِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
36 - صَرَّحَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهُ يَطِيبُ لِلْبَائِعِ مَا رَبِحَ فِي الثَّمَنِ، وَلاَ يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي مَا رَبِحَ فِي الْمَبِيعِ، فَلَوِ اشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ عَيْنًا بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مَثَلاً وَتَقَابَضَا، وَرَبِحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا قَبَضَ، يَتَصَدَّقُ الَّذِي قَبَضَ الْعَيْنَ بِالرِّبْحِ، لأِنَّهَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهَا، وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلَّذِي قَبَضَ الدَّرَاهِمَ؛ لأِنَّ النَّقْدَ لاَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ .
وَمُفَادُ هَذَا الْفَرْقِ: أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ (أَيْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ) لاَ يَطِيبُ الرِّبْحُ لَهُمَا؛ لأِنَّ كُلًّا مِنَ الْبَدَلَيْنِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ، فَتَمَكَّنَ الْخَبَثُ فِيهِمَا مَعًا .
رَابِعًا: قَبُولُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِلتَّصْحِيحِ:
37 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ فِيهِ ضَعِيفًا أَوْ قَوِيًّا:
أ - فَإِذَا كَانَ الْفَسَادُ ضَعِيفًا، وَهُوَ مَا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ، أَوْ وُقِّتَ إِلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَكَمَا فِي الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إِلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ مَثَلاً، فَإِذَا أَسْقَطَ الأْجَلَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِيهِ قَبْلَ حُلُولِهِ، وَقَبْلَ فَسْخِهِ، جَازَ الْبَيْعُ لِزَوَالِ الْمُفْسِدِ، وَلَوْ كَانَ إِسْقَاطُ الأْجَلِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَلَى مَا حَرَّرَهُ ابْنُ عَابِدِينَ كَذَلِكَ سَائِرُ الْبِيَاعَاتِ الْفَاسِدَةِ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً بِحَذْفِ الْمُفْسِدِ، فَبَيْعُ جِذْعٍ فِي سَقْفٍ فَاسِدٍ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ ذِرَاعٍ مِنْ ثَوْبٍ وَحِلْيَةٍ فِي سَيْفٍ، لأِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ إِلاَّ بِضَرَرٍ لاَ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ، لَكِنَّهُ إِنْ قَلَعَهُ وَسَلَّمَهُ قَبْلَ نَقْضِ الْبَيْعِ جَازَ، وَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي الاِمْتِنَاعُ. وَبَيْعُ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ، لَكِنَّهُ لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَأْخُذَ أَيَّهُمَا شَاءَ جَازَ لِعَدَمِ الْمُنَازَعَةِ . وَإِنْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي رَهْنًا، وَلَمْ يَكُنِ الرَّهْنُ مُعَيَّنًا وَلاَ مُسَمًّى، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لَكِنْ إِذَا تَرَاضَيَا عَلَى تَعْيِينِ الرَّهْنِ فِي الْمَجْلِسِ، وَرَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ عَجَّلَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ يَبْطُلُ الأْجَلُ، فَيَجُوزُ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا لِزَوَالِ الْفَسَادِ .
هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ حَيْثُ قَالَ: الْبَيْعُ إِذَا انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ لاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الاِسْتِحَالَةِ.
ب - أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَسَادُ قَوِيًّا، بِأَنْ يَكُونَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْبَدَلُ أَوِ الْمُبْدَلُ، فَلاَ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ اتِّفَاقًا، كَمَا إِذَا بَاعَ عَيْنًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنِ الْمُشْتَرِي، فَهَذَا الْبَيْعُ فَاسِدٌ وَلاَ يَنْقَلِبُ صَحِيحًا .
خَامِسًا: الضَّمَانُ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ:
38 - لاَ يَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا، إِذَا هَلَكَ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، ثَبَتَ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ بِرَدِّ مِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا - مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ مَعْدُودًا - وَرَدِّ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَكْثَرَ مِنَ الثَّمَنِ أَمْ أَقَلَّ مِنْهُ أَمْ مِثْلَهُ.
وَتَجِبُ الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، عِنْدَ جُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ يَوْمَ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ بِهِ يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ، فَهُوَ الْيَوْمُ الَّذِي انْعَقَدَ بِهِ سَبَبُ الضَّمَانِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الإْتْلاَفِ (الْهَلاَكُ)، لأِنَّهُ بِالإْتْلاَفِ يَتَقَرَّرُ الْمِثْلُ أَوِ الْقِيمَةُ
39 - أَمَّا لَوْ نَقَصَ الْمَبِيعُ بَيْعًا فَاسِدًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، فَالنَّقْصُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أ - لَوْ نَقَصَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي، أَوِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ، أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعَ تَضْمِينِ الْمُشْتَرِي أَرْشَ النُّقْصَانِ.
ب - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، صَارَ بِذَلِكَ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَنِ الْبَائِعِ، هَلَكَ عَلَى الْبَائِعِ.
ج - وَلَوْ نَقَصَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، خُيِّرَ الْبَائِعُ:
- فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ مِنَ الْمُشْتَرِي، ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْجَانِي.
- وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ، وَهُوَ لاَ يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي .
سَادِسًا: ثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ:
40 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، كَمَا يَثْبُتُ فِي الْبَيْعِ الْجَائِزِ حَتَّى لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرِطْلٍ مِنْ خَمْرٍ، عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ، فَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ الْبَائِعِ، وَأَعْتَقَهُ فِي الأْيَّامِ الثَّلاَثَةِ لاَ يَنْفُذُ إِعْتَاقُهُ، وَلَوْلاَ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْبَائِعِ لَنَفَذَ إِعْتَاقُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَمُفَادُهُ صِحَّةُ إِعْتَاقِهِ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، لِزَوَالِ الْخِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ.
وَكَمَا يَثْبُتُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الْمَبِيعِ بَيْعًا فَاسِدًا، يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْعَيْبِ، وَلِلْمُشْتَرِي بَعْدَ قَبْضِهِ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ بِقَضَاءٍ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ .
آثَارُ الْبَيْعِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ:
149 - إِنَّ الأْصْلَ فِي النَّهْيِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ هُوَ الْبُطْلاَنُ، فَيَجْرِي عَلَى هَذَا الأْصْلِ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ مُقْتَصِرَةٌ عَلَى مَا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَقَطْ، أَمَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي الْوَصْفِ اللاَّزِمِ، فَلاَ ضَرُورَةَ لِلْخُرُوجِ عَلَى الأْصْلِ، وَلاَ فِي أَنْ لاَ يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الْبُطْلاَنُ؛ لأِنَّ بُطْلاَنَ الْوَصْفِ اللاَّزِمِ يُوجِبُ بُطْلاَنَ الأْصْلِ، بِخِلاَفِ الْمُجَاوِرِ لِمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِلاَزِمٍ.
ب - وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الأْصْلُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا صَحِيحًا شَرْعًا، فَيَجْرِي النَّهْيُ عَلَى هَذَا الأْصْلِ، إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَالضَّرُورَةُ عِنْدَهُمْ مُنْحَصِرَةٌ فِيمَا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، أَوْ فِي جُزْئِهِ فَقَطْ، أَمَّا إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي وَصْفٍ لاَزِمٍ، فَلاَ ضَرُورَةَ فِي الْخُرُوجِ عَلَى الأْصْلِ، وَلاَ فِي أَنْ لاَ يَجْرِيَ النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ الصِّحَّةُ؛ لأِنَّ صِحَّةَ الأْجْزَاءِ وَالشُّرُوطِ فِيهِ كَافِيَةٌ لِصِحَّةِ الشَّيْءِ، وَتَرْجِيحُ الصِّحَّةِ بِصِحَّةِ الأْجْزَاءِ أَوْلَى مِنْ تَرْجِيحِ الْبُطْلاَنِ بِالْوَصْفِ الْخَارِجِيِّ، وَإِذَا لَمْ تَكُنِ الضَّرُورَةُ قَائِمَةً، يَجْرِي النَّهْيُ عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ مَوْجُودًا شَرْعًا، أَيْ صَحِيحًا .
الْفَرْقُ بَيْنَ الاِصْطِلاَحَاتِ الثَّلاَثَةِ: الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ وَالصِّحَّةِ:
150 - اتَّضَحَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ الْجُمْهُورَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَبَيْنَ الْبُطْلاَنِ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
فَالصِّحَّةُ هُنَا - فِي الْعُقُودِ، وَمِنْهَا الْبَيْعُ - تَقْتَضِي بِأَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ سَبَبًا لِتَرَتُّبِ آثَارِهِ الْمَطْلُوبَةِ مِنْهُ شَرْعًا، كَالْبَيْعِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمِلْكِ.
أَمَّا الْبُطْلاَنُ، فَمَعْنَاهُ تَخَلُّفُ الأْحْكَامِ عَنِ الْعُقُودِ، وَخُرُوجُ الْعُقُودِ عَنْ أَنْ تَكُونَ أَسْبَابًا مُفِيدَةً لِلأْحْكَامِ.
وَالْفَسَادُ يُرَادِفُ الْبُطْلاَنَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: هُوَ قِسْمٌ ثَالِثٌ مُغَايِرٌ لِلصَّحِيحِ فَهُوَ: مَا كَانَ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِوَصْفِهِ. بِخِلاَفِ الْبَاطِلِ، فَهُوَ مَا كَانَ غَيْرَ مَشْرُوعٍ بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ .
فَيَسْتَوِي عِنْدَ الْجُمْهُورِ بَيْعُ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ، وَبَيْعُ الأْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ فِي الْبُطْلاَنِ: كَبَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِهِ، وَكَبَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَبَيْعِ الْعِينَةِ، وَالْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا، وَالْبَيْعِ بِالشَّرْطِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذِهِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا أَيُّ أَثَرٍ لَهَا.
لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ يَقُولُونَ مُفَصِّلِينَ: بِبُطْلاَنِ بَيْعِ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَالأَْجِنَّةِ وَالْمَيْتَاتِ، لاِنْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالرُّكْنِيَّةِ كَالْجُمْهُورِ، وَهَذَا هُوَ عَدَمُ مَشْرُوعِيَّةِ الأْصْلِ بِتَعْبِيرِهِمْ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا أَيُّ أَثَرٍ.
وَبِفَسَادِ الْبَاقِيَاتِ، لاَ بِبُطْلاَنِهَا:
أ - فَفِي الْبَيْعِ بِشَرْطٍ مَثَلاً النَّهْيُ رَاجِعٌ لِلشَّرْطِ، فَيَبْقَى أَصْلُ الْعَقْدِ صَحِيحًا، مُفِيدًا لِلْمِلْكِ، لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَالْحُرْمَةِ، فَالشَّرْطُ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْبَيْعِ، لاَزِمٌ لَهُ لِكَوْنِهِ مَشْرُوطًا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْوَصْفِ فِي هَذَا الْمَقَامِ .
ب - وَفِي الْبَيْعِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الرِّبَا يَقُولُونَ: إِنَّ رُكْنَ الْبَيْعِ، وَهُوَ الْمُبَادَلَةُ الْمَالِيَّةُ مِنْ أَهْلِهَا فِي مَحَلِّهَا مَوْجُودَةٌ، فَيَكُونُ مَشْرُوعًا، لَكِنْ لَمْ تُوجَدِ الْمُبَادَلَةُ التَّامَّةُ، فَأَصْلُ الْمُبَادَلَةِ حَاصِلٌ، لاَ وَصْفُهَا، وَهُوَ كَوْنُهَا تَامَّةً .
وَهَذَا بِخِلاَفِ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالأْجِنَّةِ، لأِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ، وَلاَ مُتَقَوَّمَةً، فَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ أَصْلاً.
وَفِيمَا يَلِي أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ - مِنْ وَجِهَةِ نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ الَّذِينَ قَرَّرُوهُ - ثُمَّ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، ثُمَّ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ.
أَوَّلاً: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
151 - لاَ يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ الْبَاطِلُ أَصْلاً، وَلَيْسَ لَهُ وُجُودٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعًا، وَإِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ فَلاَ يَكُونُ مِلْكًا لَهُ.
قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَلاَ حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلاً؛ لأِنَّ الْحُكْمَ لِلْمَوْجُودِ، وَلاَ وُجُودَ لِهَذَا الْبَيْعِ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ؛ لأِنَّ التَّصَرُّفَ الشَّرْعِيَّ لاَ وُجُودَ لَهُ بِدُونِ الأْهْلِ يَّةِ وَالْمَحَلِّيَّةِ شَرْعًا، إِذْ لاَ وُجُودَ لِلتَّصَرُّفِ الْحَقِيقِيِّ إِلاَّ مِنَ الأْهْلِ فِي الْمَحَلِّ حَقِيقَةً، وَذَلِكَ نَحْوُ بَيْعِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ وَبَيْعِ الْمَلاَقِيحِ وَالْمَضَامِينِ وَكُلِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.
وَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَفِي ضَمَانِهِ خِلاَفٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
أ - قِيلَ: لاَ يُضْمَنُ، لأِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ الْعَقْدَ إِذَا بَطَلَ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقَبْضِ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَهُوَ لاَ يُضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي، كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الدُّرَرِ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ .
ب - وَقِيلَ: يَكُونُ مَضْمُونًا، لأِنَّهُ يَصِيرُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.
وَاخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ بِالْقِيمَةِ، لأِنَّهُ لاَ يَكُونُ أَدْنَى حَالاً مِنَ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.
وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّاحِبِينَ. وَفِي الْقُنْيَةِ: أَنَّهُ الصَّحِيحُ، لِكَوْنِهِ قَبَضَهُ لَنَفْسِهِ فَشَابَهُ الْغَصْبُ، وَفِي الدُّرِّ: قِيلَ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى . وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ: (الْبَيْعُ الْبَاطِلُ).
ثَانِيًا: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
152 - يَنْبَنِي عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِدَّةُ آثَارٍ هِيَ: انْتِقَالُ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْفَسْخِ لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَعَدَمُ طِيبِ الرِّبْحِ النَّاشِئِ مِنَ الْمَبِيعِ، وَقَبُولُهُ لِلتَّصْحِيحِ، وَضَمَانُ الْمَبِيعِ بِالْهَلاَكِ، وَثُبُوتُ الْخِيَارِ فِيهِ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ هَذِهِ الآْثَارِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي مُصْطَلَحِ: (الْبَيْعُ الْفَاسِدُ).
هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا أَحْكَامُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَهِيَ أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْبَاطِلِ لِعَدَمِ تَفْرِقَتِهِمْ بَيْنَهُمَا، وَانْظُرْ فِي مُصْطَلَحِ: (الْبَيْعُ الْبَاطِلُ).
ثَالِثًا: أَحْكَامُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ:
153 - حُكْمُ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ: الْمَنْعُ شَرْعًا وَتَرَتُّبُ الإْثْمِ، وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا صَحِيحٌ. لأِنَّ النَّهْيَ بِاعْتِبَارِ مَعْنًى مُجَاوِرٍ لِلْبَيْعِ، لاَ فِي صُلْبِهِ، وَلاَ فِي شَرَائِطِ صِحَّتِهِ، وَمِثْلُ هَذَا النَّهْيِ لاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ، بَلِ الْكَرَاهِيَةَ.
فَالْبَيْعُ عِنْدَ الأْذَانِ لِلْجُمُعَةِ، وَبَيْعُ النَّجْشِ، وَبَيْعُ الإْنْسَانِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَسَوْمُهُ عَلَى سَوْمِهِ، وَنَحْوُهَا بُيُوعٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَهِيَ - كَمَا يَقُولُ الْحَصْكَفِيُّ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ، لَكِنَّهَا صَحِيحَةٌ وَلَيْسَتْ بَاطِلَةً، مَعَ النَّهْيِ عَنْهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، إِلاَّ فِي رِوَايَاتٍ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ - رحمه الله تعالي - وَذَلِكَ لأِنَّ النَّهْيَ لاَ يَرْجِعُ إِلَى ذَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَلاَ إِلَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، بَلْ إِلَى مَعْنًى يَقْتَرِنُ بِهِ .
154 - وَمِنْ أَهَمِّ أَحْكَامِ الْبَيْعِ الْمَكْرُوهِ:
- أَنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
- وَأَنَّهُ يُمْلَكُ فِيهِ الْمَبِيعُ قَبْلَ قَبْضِهِ.
- وَأَنَّهُ يَجِبُ فِيهِ الثَّمَنُ، لاَ الْقِيمَةُ.
- وَأَنَّهُ لاَ يَجِبُ فَسْخُهُ.
وَقِيلَ: إِنَّ فَسْخَهُ وَاجِبٌ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا، صَوْنًا لَهُمَا عَنِ الْمَحْظُورِ، وَلأِنَّ رَفْعَ الْمَعْصِيَةِ وَاجِبٌ بِقَدْرِ الإْمْكَانِ.
وَوَفَّقَ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله تعالي - بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ بِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَيْهَا دِيَانَةً. بِخِلاَفِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، فَإِنَّهُمَا إِذَا أَصَرَّا عَلَيْهِ يَفْسَخُهُ الْقَاضِي جَبْرًا عَلَيْهَا، وَوَجَّهَهُ أَنَّ الْبَيْعَ هُنَا صَحِيحٌ، فَلاَ يَلِي الْقَاضِي فَسْخَهُ لِحُصُولِ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ .
لَكِنْ قَرَّرَ ابْنُ جُزَيٍّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ إِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْظُورٍ خَارِجٍ عَنْ بَابِ الْبُيُوعِ، كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي مَوْضِعٍ مَغْصُوبٍ، فَهَذَا لاَ يُفْسَخُ، فَاتَ أَوْ لَمْ يَفُتْ.
وَإِذَا كَانَ النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ، وَلَمْ يُخَلَّ فِيهِ بِشَرْطٍ مُشْتَرَطٍ فِي صِحَّةِ الْبُيُوعِ، كَالْبَيْعِ وَقْتَ الْجُمُعَةِ، وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي، وَتَلَقِّي الْجَلَبِ، فَاخْتُلِفَ فِيهِ: فَقِيلَ يُفْسَخُ. وَقِيلَ: لاَ يُفْسَخُ، وَقِيلَ: يُفْسَخُ إِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 5
تَخَارُجٌ
التَّعْرِيفُ:
1 -التَّخَارُجُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ تَخَارَجَ، يُقَالُ: تَخَارَجَ الْقَوْمُ: إِذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نَفَقَةً عَلَى قَدْرِ نَفَقَةِ صَاحِبِهِ. وَتَخَارَجَ الشُّرَكَاءُ: خَرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ شَرِكَتِهِ عَنْ مِلْكِهِ إِلَى صَاحِبِهِ بِالْبَيْعِ
وَفِي الاِصْطِلاَحِ هُوَ: أَنْ يَصْطَلِحَ الْوَرَثَةُ عَلَى إِخْرَاجِ بَعْضِهِمْ بِشَيْءٍ مَعْلُومٍ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الصُّلْحُ:
2 - الصُّلْحُ لُغَةً: اسْمٌ لِلْمُصَالَحَةِ الَّتِي هِيَ الْمُسَالَمَةُ خِلاَفَ الْمُخَاصَمَةِ.
وَاصْطِلاَحًا: عَقْدٌ وُضِعَ لِرَفْعِ الْمُنَازَعَةِ .
وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّخَارُجِ؛ لأِنَّهُ يَشْمَلُ الْمُصَالَحَةَ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ.
ب - الْقِسْمَةُ (أَوِ التَّقَاسُمُ):
3- الْقِسْمَةُ لُغَةً، اسْمٌ لِلاِقْتِسَامِ أَوِ التَّقْسِيمِ، وَتَقَاسَمُوا الشَّيْءَ: قَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ
وَشَرْعًا: جَمْعُ نَصِيبٍ شَائِعٍ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الْقِسْمَةِ يَأْخُذُ جُزْءًا مِنَ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ، أَمَّا فِي التَّخَارُجِ فَإِنَّ الْوَارِثَ الَّذِي يَخْرُجُ يَأْخُذُ شَيْئًا مَعْلُومًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ التَّرِكَةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4- التَّخَارُجُ جَائِزٌ عِنْدَ التَّرَاضِي، وَالأْصْلُ فِي جَوَازِهِ مَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رضي الله عنه طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تُمَاضِرَ بِنْتَ الأْصْبَغِ الْكَلْبِيَّةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ، فَوَرَّثَهَا عُثْمَانُ رضي الله عنه مَعَ ثَلاَثِ نِسْوَةٍ أُخَرَ، فَصَالَحُوهَا عَنْ رُبْعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَلاَثَةٍ وَثَمَانِينَ أَلْفًا. قِيلَ مِنَ الدَّنَانِيرِ، وَقِيلَ مِنَ الدَّرَاهِمِ .
حَقِيقَةُ التَّخَارُجِ:
5 - الأْصْلُ فِي التَّخَارُجِ أَنَّهُ عَقْدُ صُلْحٍ بَيْنَ الْوَرَثَةِ لإِخْرَاجِ أَحَدِهِمْ، وَلَكِنَّهُ يُعْتَبَرُ عَقْدَ بَيْعٍ إِنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ.
وَيُعْتَبَرُ عَقْدَ قِسْمَةٍ وَمُبَادَلَةٍ، إِنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ التَّرِكَةِ.
وَقَدْ يَكُونُ هِبَةً أَوْ إِسْقَاطًا لِلْبَعْضِ، إِنْ كَانَ الْبَدَلُ الْمُصَالَحُ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنَ النَّصِيبِ الْمُسْتَحَقِّ . وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَيُشْتَرَطُ فِي كُلِّ حَالَةٍ شُرُوطُهَا الْخَاصَّةُ.
مَنْ يَمْلِكُ التَّخَارُجَ:
6 -التَّخَارُجُ عَقْدُ صُلْحٍ، وَهُوَ فِي أَغْلَبِ أَحْوَالِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ، وَلِذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَمْلِكُ التَّخَارُجَ أَهْلِيَّةَ التَّعَاقُدِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلاً غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ، فَلاَ يَصِحُّ التَّخَارُجُ مِنَ الصَّبِيِّ الَّذِي لاَ يُمَيِّزُ، وَلاَ مِنَ الْمَجْنُونِ وَأَشْبَاهِهِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ذَا إِرَادَةٍ؛ لأِنَّ التَّخَارُجَ مَبْنَاهُ عَلَى الرِّضَا. (ر: إِكْرَاهٌ).
وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَمْلِكُ التَّخَارُجَ كَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ. وَفِي تَصَرُّفِ الْفُضُولِيِّ خِلاَفٌ بَيْنَ مَنْ يُجِيزُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ، وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَبَيْنَ مَنْ لاَ يُجِيزُهُ، وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ مَوْضِعُهُ مُصْطَلَحُ (فُضُولِيٌّ).
وَقَدْ يَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ بِالْوَكَالَةِ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ التَّصَرُّفُ عَلَى الْمَأْذُونِ بِهِ لِلْوَكِيلِ. (ر: وَكَالَةٌ).
وَقَدْ يَكُونُ مِلْكُ التَّصَرُّفِ كَذَلِكَ بِالْوِلاَيَةِ الشَّرْعِيَّةِ كَالْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ، وَحِينَئِذٍ يَجِبُ أَنْ يَقْتَصِرَ تَصَرُّفُهُمَا عَلَى مَا فِيهِ الْحَظُّ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ.
فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ فَرْحُونَ عَنْ مُفِيدِ الْحُكَّامِ فِي الأْبِ يُصَالِحُ عَنِ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِبَعْضِ حَقِّهَا مِنْ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَحَقُّهَا بَيِّنٌ لاَ خِصَامَ فِيهِ، أَنَّ صُلْحَهُ غَيْرُ جَائِزٍ، إِذْ لاَ نَظَرَ فِيهِ، أَيْ لاَ مَصْلَحَةَ، وَتَرْجِعُ الاِبْنَةُ بِبَقِيَّتِهِ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَيْهِ . وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (وِصَايَةٍ، وِلاَيَةٍ).
شُرُوطُ صِحَّةِ التَّخَارُجِ:
لِلتَّخَارُجِ شُرُوطٌ عَامَّةٌ بِاعْتِبَارِهِ عَقْدَ صُلْحٍ، وَشُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِصُوَرِ التَّخَارُجِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الصُّوَرِ، وَسَتُذْكَرُ عِنْدَ بَيَانِهَا.
أَمَّا الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ فَهِيَ:
7 - أ - يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّخَارُجِ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ - مَحَلَّ التَّخَارُجِ - مَعْلُومَةً، إِذِ التَّخَارُجُ فِي الْغَالِبِ بَيْعٌ فِي صُورَةِ صُلْحٍ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لاَ يَجُوزُ، وَكَذَا الصُّلْحُ عَنْهُ، وَذَلِكَ إِذَا أَمْكَنَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ التَّرِكَةِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا جَازَ الصُّلْحُ عَنِ الْمَجْهُولِ، كَمَا إِذَا صَالَحَتِ الزَّوْجَةُ عَنْ صَدَاقِهَا، وَلاَ عِلْمَ لَهَا وَلاَ لِلْوَرَثَةِ بِمَبْلَغِهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالإْمَامِ أَحْمَدَ، وَبَعْضِ الْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ لاَ يُجِيزُونَ الصُّلْحَ عَنِ الْمَجْهُولِ. وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ جَوَازُ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ تَعَذَّرَ عِلْمُهُ أَوْ لَمْ يَتَعَذَّرْ. وَدَلِيلُ الصُّلْحِ عَنِ الْمَجْهُولِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْعِلْمِ بِهِ: «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا فِي مَوَارِيثَ دَرَسَتِ: اقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ تَحَالاَّ» .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَعْلُومَةً فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَبْضٍ؛ لأِنَّهُ لاَ حَاجَةَ فِيهِ إِلَى التَّسْلِيمِ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ جَائِزٌ، كَمَنْ أَقَرَّ بِغَصْبِ شَيْءٍ، فَبَاعَهُ الْمُقَرُّ لَهُ مِنَ الْمُقِرِّ جَازَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا قَدْرَهُ؛ وَلأِنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَدَلِيلُ جَوَازِ ذَلِكَ أَثَرُ عُثْمَانَ فِي تَخَارُجِ تُمَاضِرَ امْرَأَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ .
8 - ب - أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَالاً مُتَقَوِّمًا مَعْلُومًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ، فَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مَجْهُولاً جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، وَلاَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يَصْلُحُ عِوَضًا فِي الْبَيْعِ. وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ، إِذْ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: إِذَا كَانَ الْعِوَضُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمٍ، وَكَانَ لاَ سَبِيلَ إِلَى مَعْرِفَتِهِ كَالْمُخْتَصِمِينَ فِي مَوَارِيثَ دَارِسَةٍ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ مَعَ الْجَهَالَةِ .
9 - ج - التَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ فِيمَا يُعْتَبَرُ صَرْفًا، كَالتَّخَارُجِ عَنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآْخَرِ، وَكَذَا فِيمَا إِذَا اتَّفَقَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا. وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الأْصْلِ، مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي التَّفَاصِيلِ الَّتِي سَتَرِدُ عِنْدَ ذِكْرِ صُوَرِ التَّخَارُجِ .
10- د - تَوَافُرُ شُرُوطِ بَيْعِ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ لِلتَّرِكَةِ دَيْنٌ عَلَى الْغَيْرِ، وَهَذَا عِنْدَ مَنْ يُجِيزُ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ كَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، أَوْ يُرَاعَى اسْتِعْمَالُ الْحِيلَةِ لِجَوَازِ التَّخَارُجِ كَالإْبْرَاءِ أَوِ الْحَوَالَةِ بِهِ كَمَا يَقُولُ الْحَنَفِيَّةُ، وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِ الصُّوَرِ.
صُوَرُ التَّخَارُجِ:
لَمْ تَرِدْ صُوَرٌ مُفَصَّلَةٌ لِلتَّخَارُجِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ ذَلِكَ مُفَصَّلاً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ مَعَ الاِخْتِلاَفِ فِي الاِتِّجَاهَاتِ، وَلاَ تَظْهَرُ هَذِهِ الاِتِّجَاهَاتُ إِلاَّ بِذِكْرِ كُلِّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ.
صُوَرُ التَّخَارُجِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ:
11 -إِذَا تَخَارَجَ الْوَرَثَةُ مَعَ أَحَدِهِمْ عَنْ نَصِيبِهِ فِي التَّرِكَةِ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ يَدْفَعُونَهُ لَهُ، فَلِذَلِكَ صُوَرٌ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ نَوْعِ الْبَدَلِ الَّذِي يَدْفَعُونَهُ، وَبِحَسَبِ نَوْعِيَّةِ التَّرِكَةِ، وَذَلِكَ كَمَا يَلِي:
أ - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ عَقَارًا أَوْ عَرَضًا، فَأَخْرَجَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ مِنْهَا بِمَالٍ أَعْطَوْهُ إِيَّاهُ، جَازَ التَّخَارُجُ سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَقَلَّ مِنْ حِصَّتِهِ أَمْ أَكْثَرَ؛ لأِنَّهُ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بَيْعًا، وَالْبَيْعُ يَصِحُّ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنَ الثَّمَنِ. وَلاَ يَصِحُّ جَعْلُهُ إِبْرَاءً؛ لأِنَّ الإِْبْرَاءَ مِنَ الأْعْيَانِ غَيْرِ الْمَضْمُونَةِ لاَ يَصِحُّ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ مِقْدَارِ حِصَّتِهِ مِنَ التَّرِكَةِ؛ إِذِ الْجَهَالَةُ هُنَا لاَ تُفْسِدُ الْبَيْعَ؛ لأِنَّ هَا لاَ تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ؛ لأِنَّ الْمَبِيعَ هُنَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى تَسْلِيمٍ.
ب - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ ذَهَبًا فَأَعْطَوْهُ فِضَّةً، أَوْ كَانَتْ فِضَّةً فَأَعْطَوْهُ ذَهَبًا جَازَ الصُّلْحُ أَيْضًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ أَمْ أَكْثَرَ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ الْجِنْسِ بِخِلاَفِ الْجِنْسِ، فَلاَ يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي.
لَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرْفًا غَيْرَ أَنَّ الْوَارِثَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ إِنْ كَانَ جَاحِدًا وُجُودَهَا فِي يَدِهِ يَكْتَفِي بِذَلِكَ الْقَبْضِ؛ لأِنَّهُ قَبْضُ ضَمَانٍ فَيَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ.
وَالأْصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مَتَى تَجَانَسَ الْقَبْضَانِ، بِأَنْ يَكُونَ قَبْضَ أَمَانَةٍ أَوْ قَبْضَ ضَمَانٍ نَابَ أَحَدُهُمَا مَنَابَ الآْخَرِ، أَمَّا إِذَا اخْتَلَفَا فَالْمَضْمُونُ يَنُوبُ عَنْ غَيْرِهِ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي يَدِهِ بَقِيَّةُ التَّرِكَةِ مُقِرًّا، فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ الْقَبْضِ، وَهُوَ الاِنْتِهَاءُ إِلَى مَكَانٍ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ؛ لأِنَّهُ قَبْضُ أَمَانَةٍ، فَلاَ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الصُّلْحِ.
ج - وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ، وَبَدَلُ الصُّلْحِ كَذَلِكَ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، جَازَ الصُّلْحُ كَيْفَمَا كَانَ، صَرْفًا لِلْجِنْسِ إِلَى خِلاَفِ جِنْسِهِ كَمَا فِي الْبَيْعِ، لَكِنْ لاَ بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ صَرْفًا.
د - وَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ، فَصَالَحُوهُ عَلَى أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَلاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَا أُعْطِيَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ؛ لِيَكُونَ نَصِيبُهُ بِمِثْلِهِ، وَالزِّيَادَةُ تَكُونُ فِي مُقَابِلِ حَقِّهِ مِنْ بَقِيَّةِ التَّرِكَةِ احْتِرَازًا عَنِ الرِّبَا، وَلاَ بُدَّ مِنَ التَّقَابُضِ فِيمَا يُقَابِلُ نَصِيبَهُ؛ لأِنَّهُ صُرِفَ فِي هَذَا الْقَدْرِ.
فَإِنْ كَانَ مَا أَعْطَوْهُ مُسَاوِيًا لِنَصِيبِهِ، أَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ بَطَلَ الصُّلْحُ لِوُجُودِ الرِّبَا؛ لأِنَّهُ إِذَا كَانَ الْبَدَلُ مُسَاوِيًا تَبْقَى الزِّيَادَةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْبَدَلِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، فَيَكُونُ رِبًا. وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ تَبْقَى الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ خَالِيَةً عَنِ الْعِوَضِ، فَيَكُونُ رِبًا. وَتَعَذَّرَ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الْمُعَاوَضَةِ لِلُزُومِ الرِّبَا، وَلاَ يَصِحُّ تَجْوِيزُهُ بِطَرِيقِ الإْبْرَاءِ عَنِ الْبَاقِي؛ لأِنَّ الإْبْرَاءَ عَنِ الأْعْيَانِ بَاطِلٌ.
وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ التَّخَارُجُ إِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مَجْهُولاً لاِحْتِمَالِ الرِّبَا؛ لأِنَّ الْفَسَادَ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مُسَاوِيًا لَهُ أَوْ أَقَلَّ، فَكَانَ أَرْجَحَ وَأَوْلَى بِالاِعْتِبَارِ.
وَنُقِلَ عَنِ الْحَاكِمِ أَبِي الْفَضْلِ أَنَّ الصُّلْحَ إِنَّمَا يَبْطُلُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ فِي مَالِ الرِّبَا فِي حَالَةِ التَّصَادُقِ، أَمَّا فِي حَالَةِ التَّنَاكُرِ بِأَنْ أَنْكَرُوا وِرَاثَتَهُ فَالصُّلْحُ جَائِزٌ؛ لأِنَّهُ فِي حَالَةِ الْمُنَاكَرَةِ يَكُونُ الْمَدْفُوعُ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ وَلاِفْتِدَاءِ الْيَمِينِ، أَوْ لِحَمْلِهِ عَلَى أَخْذِ عَيْنِ الْحَقِّ فِي قَدْرِ الْمَأْخُوذِ وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ فِي الْبَاقِي، كَمَا قَالُوا فِي الصُّلْحِ عَنِ الدَّيْنِ بِأَقَلَّ مِنْ جِنْسِهِ.
هـ - وَلَوْ كَانَتِ التَّرِكَةُ ذَهَبًا وَفِضَّةً وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ فَصَالَحُوهُ عَلَى عَرَضٍ جَازَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَعْطَوْهُ أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَكْثَرَ.
و - إِذَا كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَجْهُولَةً وَالصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ فَفِيهِ اخْتِلاَفٌ. قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: لاَ يَجُوزُ الصُّلْحُ لِمَا فِيهِ مِنَ احْتِمَالِ الرِّبَا، بِأَنْ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ مِنْ جِنْسِهِ، فَيَكُونُ فِي حَقِّهِ بَيْعُ الْمُقَدَّرِ بِجِنْسِهِ جُزَافًا.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: يَجُوزُ لاِحْتِمَالِ أَنْ لاَ يَكُونَ فِي التَّرِكَةِ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ الْجِنْسِ فِي التَّرِكَةِ أَقَلَّ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ فَلاَ يَلْزَمُ الرِّبَا، وَاحْتِمَالُ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرَ، أَوْ مِثْلُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الصُّلْحُ هُوَ احْتِمَالُ الاِحْتِمَالِ، فَفِيهِ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَلَيْسَتْ بِمُعْتَبَرَةٍ.
وَقَوْلُ أَبِي جَعْفَرٍ هُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِيخَانْ.
ز - وَإِنْ كَانَتْ أَعْيَانُ التَّرِكَةِ مَجْهُولَةً، وَهِيَ غَيْرُ مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ فِي يَدِ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ، وَكَانَ الصُّلْحُ عَلَى الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ قِيلَ: لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ الْمَجْهُولِ؛ لأِنَّ الْمُصَالِحَ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ وَهُوَ مَجْهُولٌ بِمَا أَخَذَ مِنَ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ.
وَالأَْصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لأِنَّ الْجَهَالَةَ هُنَا لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى التَّسْلِيمِ، لِقِيَامِ التَّرِكَةِ فِي يَدِهِمْ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ فِي يَدِ الْمُصَالِحِ أَوْ بَعْضِهَا لَمْ يَجُزِ الصُّلْحُ، مَا لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ مَا فِي يَدِهِ لِلْحَاجَةِ إِلَى التَّسْلِيمِ .
صُوَرُ التَّخَارُجِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ:
يُفَرِّقُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ نَفْسِ التَّرِكَةِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِهَا.
أَوَّلاً: إِذَا كَانَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ نَفْسِ التَّرِكَةِ:
12 - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ قَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى عَرَضٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ، وَصَالَحَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَنْ إِرْثِهِ. كَزَوْجَةٍ مَثَلاً مَاتَ زَوْجُهَا فَصَالَحَهَا الاِبْنُ عَلَى مَا يَخُصُّهَا مِنَ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ الصُّلْحَ يَجُوزُ فِي الْحَالاَتِ الآْتِيَةِ:
أ - إِذَا أَخَذَتْ ذَهَبًا مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرَ حِصَّتِهَا مِنْ ذَهَبِ التَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ، أَوْ أَخَذَتْ دَرَاهِمَ مِنَ التَّرِكَةِ قَدْرَ حِصَّتِهَا مِنْ دَرَاهِمِ التَّرِكَةِ أَوْ أَقَلَّ، وَذَلِكَ كَصُلْحِهَا بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ أَوْ أَقَلَّ وَالذَّهَبُ ثَمَانُونَ عِنْدَ الْفَرْعِ الْوَارِثِ؛ لأِنَّ هَا أَخَذَتْ حَظَّهَا (أَيِ: الثَّمَنَ) مِنَ الدَّنَانِيرِ أَوْ بَعْضَهُ فَيَكُونُ الْبَاقِي كَأَنَّهُ هِبَةٌ لِلْوَرَثَةِ.
وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الذَّهَبُ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ حَاضِرًا كُلَّهُ، أَوْ تَكُونَ الدَّرَاهِمُ حَاضِرَةً كُلَّهَا إِنْ أَخَذَتْ مِنْهَا، وَسَوَاءٌ حَضَرَ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ التَّرِكَةِ أَمْ غَابَ؛ لأِنَّ النَّوْعَ الَّذِي أَخَذَتْ مِنْهُ لَوْ كَانَ بَعْضُهُ غَائِبًا تَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ صُورَةٌ مَمْنُوعَةٌ، وَهِيَ: اشْتِرَاطُ تَعْجِيلِ الثَّمَنِ فِي بَيْعِ الشَّيْءِ الْغَائِبِ بَيْعًا لاَزِمًا .
ب - إِذَا أَخَذَتْ ذَهَبًا مِنَ التَّرِكَةِ زَائِدًا عَلَى حَظِّهَا دِينَارًا وَاحِدًا فَقَطْ. كَصُلْحِهَا بِأَحَدَ عَشَرَ مِنَ الثَّمَانِينَ الْحَاضِرَةِ؛ لأِنَّ هَا أَخَذَتْ نَصِيبَهَا مِنَ الدَّنَانِيرِ، وَبَاعَتْ لِبَاقِي الْوَرَثَةِ حَظَّهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالْعَرَضِ بِالدِّينَارِ الزَّائِدِ، فَجَمِيعُ مَا فِيهِ مِنَ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ دِينَارٌ؛ لأِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ. وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مِنْ عَرَضٍ وَنَقْدٍ حَاضِرَةً.
ج - إِذَا صُولِحَتْ بِذَهَبٍ مِنْ ذَهَبِ التَّرِكَةِ، وَكَانَ مَا أَخَذَتْهُ يَزِيدُ عَمَّا يَخُصُّهَا مِنَ الذَّهَبِ أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ، جَازَ هَذَا الصُّلْحُ إِنْ قَلَّتِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ، أَوْ قَلَّتْ قِيمَةُ الْعُرُوضِ الَّتِي تَسْتَحِقُّهَا عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ، أَوْ قَلَّتِ الدَّرَاهِمُ وَالْعُرُوضُ عَنْ صَرْفِ دِينَارٍ.
وَإِنَّمَا جَازَ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ لاِجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي دِينَارٍ وَاحِدٍ فَقَطْ؛ لأِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ .
وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مَعْلُومَةً وَحَاضِرَةً.
فَإِنْ كَانَتِ الدَّرَاهِمُ وَقِيمَةُ الْعُرُوضِ أَكْثَرَ مِنْ صَرْفِ دِينَارٍ مُنِعَ الصُّلْحُ حِينَئِذٍ؛ لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى اجْتِمَاعِ الْبَيْعِ وَالصَّرْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ.
د - إِذَا صُولِحَتْ بِعَرَضٍ مِنْ عُرُوضِ التَّرِكَةِ جَازَ الصُّلْحُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ مَا أَخَذَتْهُ قَدْرَ نَصِيبِهَا أَمْ أَقَلَّ أَمْ أَكْثَرَ.
ثَانِيًا: إِذَا كَانَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ:
13 -إِذَا كَانَ بَدَلُ التَّخَارُجِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ فَإِنَّ حُكْمَ الصُّلْحِ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ الْحَالاَتِ وَهِيَ:
أ - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ عُرُوضًا وَفِضَّةً وَذَهَبًا، وَصَالَحَهَا الْوَرَثَةُ بِذَهَبٍ مِنْ غَيْرِ ذَهَبِ التَّرِكَةِ، أَوْ بِفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ فِضَّةِ التَّرِكَةِ، فَلاَ يَجُوزُ هَذَا الصُّلْحُ، قَلَّ مَا أَخَذَتْهُ عَنْ نَصِيبِهَا أَوْ كَثُرَ؛ لأِنَّهُ بَيْعُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ وَعَرَضٍ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَهَذَا رِبَا فَضْلٍ، وَفِيهِ رِبَا النَّسَاءِ إِنْ غَابَتِ التَّرِكَةُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا؛ لأِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ النَّقْدِ إِذَا صَاحَبَهُ النَّقْدُ.
ب - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ كَمَا ذُكِرَ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَصَالَحَ الْوَرَثَةُ الزَّوْجَةَ بِعَرَضٍ مِنْ غَيْرِ عَرَضِ التَّرِكَةِ جَازَ هَذَا الصُّلْحُ بِشُرُوطٍ هِيَ:
أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا مَعْلُومَةً لِلْمُتَصَالِحِينَ لِيَكُونَ الصُّلْحُ عَلَى مَعْلُومٍ، وَأَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ جَمِيعُهَا حَاضِرَةً حَقِيقَةً فِي الْعَيْنِ أَوْ حُكْمًا فِي الْعَرَضِ، بِأَنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ الْغَيْبَةِ بِحَيْثُ يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ، وَأَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ عَنْ إِقْرَارٍ، وَأَنْ يُقِرَّ الْمَدِينُ بِمَا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ، وَأَنْ يَحْضُرَ وَقْتَ الصُّلْحِ إِذْ لَوْ غَابَ لاَحْتُمِلَ إِنْكَارُهُ، وَأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا.
ج - إِذَا كَانَتِ التَّرِكَةُ دَرَاهِمَ وَعَرَضًا، أَوْ ذَهَبًا وَعَرَضًا، جَازَ الصُّلْحُ بِذَهَبٍ مِنْ غَيْرِ ذَهَبِ التَّرِكَةِ، أَوْ بِفِضَّةٍ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَجْتَمِعَ الْبَيْعُ وَالصَّرْفُ فِي أَكْثَرَ مِنْ دِينَارٍ .
مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:
14 -يُفَرِّقُ الشَّافِعِيَّةُ فِي تَخَارُجِ الْوَرَثَةِ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمْ عَنْ إِقْرَارٍ أَوْ عَنْ إِنْكَارٍ، فَإِنْ كَانَ عَنْ إِقْرَارٍ، وَكَانَ الْبَدَلُ مِنْ غَيْرِ الْمُتَصَالَحِ عَلَيْهِ كَانَ بَيْعًا تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِ الْقَبْضِ إِنِ اتَّفَقَ الْمُصَالَحُ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَلَيْهِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا، وَكَاشْتِرَاطِ التَّسَاوِي إِذَا كَانَ جِنْسًا رِبَوِيًّا وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَإِنْ جَرَى الصُّلْحُ عَلَى بَعْضِ الْمُتَصَالَحِ عَنْهُ فَهُوَ هِبَةٌ لِلْبَعْضِ، وَتَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُ الْهِبَةِ.
هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلصُّلْحِ عَنْ إِقْرَارٍ، أَمَّا الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ فَهُوَ بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ، لَكِنَّهُمْ يَسْتَثْنُونَ مِنْ بُطْلاَنِ الصُّلْحِ عَلَى الإْنْكَارِ صُلْحَ الْوَرَثَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لِلضَّرُورَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُعْطَى لِلْمُتَصَالِحِ مِنْ نَفْسِ التَّرِكَةِ لاَ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ التَّصَالُحُ عَلَى تَسَاوٍ أَوْ تَفَاوُتٍ .
مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:
15 -لَمْ يَذْكُرِ الْحَنَابِلَةُ صُوَرًا لِلتَّخَارُجِ، وَهُوَ يَجْرِي عَلَى قَوَاعِدِ الصُّلْحِ الْعَامَّةِ الَّتِي قَدْ تَكُونُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ إِبْرَاءً.
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَدَلُ مِنْ جِنْسِ الْمُتَصَالَحِ عَلَيْهِ وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ بِقَدْرِهِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ لِبَعْضِهِ وَتَرْكٌ لِلْبَعْضِ الآْخَرِ: إِمَّا عَلَى سَبِيلِ الإْبْرَاءِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْبَدَلُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمُتَصَالَحِ عَلَيْهِ كَانَ بَيْعًا تَجْرِي فِيهِ أَحْكَامُ الْبَيْعِ، وَتُرَاعَى شُرُوطُ الصَّرْفِ إِنْ كَانَ عَنْ نَقْدٍ بِنَقْدٍ وَهَكَذَا.
وَيُشْتَرَطُ - إِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ - أَنْ لاَ يَأْخُذَ الْمُتَصَالِحُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ؛ لأِنَّ الزَّائِدَ لاَ مُقَابِلَ لَهُ، فَيَكُونُ ظَالِمًا بِأَخْذِهِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا أَخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ؛ لأِنَّهُ يَكُونُ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي؛ لاِعْتِقَادِهِ أَخْذَهُ عِوَضًا، وَيَكُونُ فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ بِمَنْزِلَةِ الإْبْرَاءِ؛ لأِنَّهُ دَفَعَ الْمَالَ افْتِدَاءً لِيَمِينِهِ وَرَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ .
كَوْنُ بَعْضِ التَّرِكَةِ دَيْنًا قَبْلَ التَّخَارُجِ:
لَوْ كَانَ بَعْضُ التَّرِكَةِ دَيْنًا عَلَى النَّاسِ وَصَالَحَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ عَلَى أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنَ الدَّيْنِ وَيَكُونَ لَهُمْ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ الصُّلْحِ حَسَبَ الاِتِّجَاهَاتِ الآْتِيَةِ:
16 - فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الصُّلْحُ بَاطِلٌ فِي الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ، أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلأِنَّ فِيهِ تَمْلِيكَ الدَّيْنِ - وَهُوَ حِصَّةُ الْمُصَالِحِ - مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهْمُ الْوَرَثَةُ، وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلأِنَّ الصَّفْقَةَ وَاحِدَةٌ، سَوَاءٌ بَيَّنَ حِصَّةَ الدَّيْنِ أَوْ لَمْ يُبَيِّنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبَيْهِ عَلَى الأْصَحِّ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ بَعْضَ الصُّوَرِ لِتَصْحِيحِ هَذَا الصُّلْحِ وَهِيَ:
أ - أَنْ يَشْتَرِطَ الْوَرَثَةُ أَنْ يُبْرِئَ الْمُصَالِحُ الْغُرَمَاءَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ؛ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ إِسْقَاطًا، أَوْ هُوَ تَمْلِيكُ الدَّيْنِ مِمَّنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَهُوَ جَائِزٌ.
ب - أَنْ يُعَجِّلَ الْوَرَثَةُ قَضَاءَ نَصِيبِ الْمُصَالَحِ مِنَ الدَّيْنِ مُتَبَرِّعِينَ وَيُحِيلُهُمْ بِحِصَّتِهِ. وَفِي هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ضَرَرُ بَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ؛ لأِنَّ فِي الأْولَى لاَ يُمْكِنُهُمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ الْمُصَالَحِ بِهِ. وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ؛ لأِنَّ النَّقْدَ خَيْرٌ مِنَ النَّسِيئَةِ .
17 - وَالْحَنَابِلَةُ كَالْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَكِنْ يَصِحُّ إِبْرَاءُ الْغَرِيمِ مِنْهُ أَوِ الْحَوَالَةُ بِهِ عَلَيْهِ.
18- أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: فَإِنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ بِشُرُوطِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الصُّلْحُ عَنِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَى الْغَيْرِ، حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ، وَيُمْتَنَعُ الصُّلْحُ عَنْهُ حَيْثُ يُمْتَنَعُ بَيْعُهُ. فَيَجُوزُ الصُّلْحُ عَنِ الدَّيْنِ إِذَا كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا أَوْ عَرَضًا أَوْ طَعَامًا مِنْ قَرْضٍ، وَبِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ حَاضِرًا، وَأَنْ يَكُونَ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ، وَأَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا، وَيُمْتَنَعُ فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ .
19 -وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - عَلَى مَا جَاءَ فِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ - بُطْلاَنُ بَيْعِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَالْمُعْتَمَدُ جَوَازُ بَيْعِهِ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ بِشُرُوطِهِ، بِأَنْ يَكُونَ الْمَدِينُ مَلِيًّا مُقِرًّا وَالدَّيْنُ حَالًّا مُسْتَقِرًّا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ قَالَ أَحَدُ الْوَارِثِينَ لِصَاحِبِهِ: صَالَحْتُكَ مِنْ نَصِيبِي عَلَى هَذَا الثَّوْبِ، فَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ دُيُونًا عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ بَيْعُ دَيْنٍ لِغَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا عَيْنٌ وَدَيْنٌ عَلَى الْغَيْرِ - وَلَمْ نُجَوِّزْ بَيْعَ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ - بَطَلَ الصُّلْحُ فِي الدَّيْنِ، وَفِي الْعَيْنِ الْقَوْلاَنِ فِي تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ.
وَلَوْ مَاتَ شَخْصٌ عَنِ ابْنَيْنِ، وَالتَّرِكَةُ أَلْفَا دِرْهَمٍ وَمِائَةُ دِينَارٍ، وَهِيَ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، فَصَالَحَ أَحَدُهُمَا أَخَاهُ مِنَ الدَّيْنِ عَلَى أَلْفَيْ دِرْهَمٍ جَازَ؛ لأِنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الذِّمَّةِ فَلاَ ضَرُورَةَ إِلَى تَقْدِيرِ الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ، فَيُجْعَلُ مُسْتَوْفِيًا لأِحَدِ الأْلْفَيْنِ وَمُعْتَاضًا عَنِ الدَّنَانِيرِ الأْلْفَ الآْخَرَ .
ظُهُورُ دَيْنٍ عَلَى التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّخَارُجِ:
20 -الأْصْلُ أَنَّ الدَّيْنَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ، وَيُقَدَّمُ سَدَادُهُ عَلَى تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ؛ لقوله تعالي (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ).
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي وَقْتِ ابْتِدَاءِ مِلْكِيَّةِ الْوَارِثِ لِلتَّرِكَةِ إِذَا كَانَتْ مَدِينَةً.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ لاَ تَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ التَّرِكَةِ إِلَى الْوَرَثَةِ إِلاَّ بَعْدَ سَدَادِ الدَّيْنِ.
وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. تَنْتَقِلُ مِلْكِيَّةُ التَّرِكَةِ لِلْوَارِثِ قَبْلَ سَدَادِ الدَّيْنِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَفَائِدَةُ هَذَا الْخِلاَفِ أَنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي تَحْدُثُ مِنْ وَقْتِ الْوَفَاةِ إِلَى وَقْتِ السَّدَادِ يَتَعَلَّقُ بِهَا الدَّيْنُ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ التَّرِكَةَ لاَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ مَعَ تَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهَا. وَتَكُونُ لِلْوَارِثِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ التَّرِكَةَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْوَارِثِ وَلَوْ كَانَتْ مَدِينَةً.
وَمَعَ هَذَا الاِخْتِلاَفِ فَإِنَّهُ إِذَا تَصَالَحَ الْوَرَثَةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَأَخْرَجُوا أَحَدَهُمْ، وَاقْتَسَمُوا التَّرِكَةَ، ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ بَعْدَ الصُّلْحِ مُحِيطٌ بِالتَّرِكَةِ، فَإِنَّهُ إِذَا قَضَى الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ، أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ، أَوْ ضَمِنَ رَجُلٌ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَرْجِعَ عَلَى الْوَرَثَةِ مَضَى الصُّلْحُ وَلاَ يَبْطُلُ.
وَإِنِ امْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنَ الأْدَاءِ، وَلَمْ يَضْمَنْ أَحَدٌ، وَلَمْ يُبْرِئِ الْغُرَمَاءُ بَطَلَ الصُّلْحُ. وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ فِي الْجُمْلَةِ. إِذْ فِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُقَيَّدُ الْبُطْلاَنُ بِمَا إِذَا كَانَ الْمَقْسُومُ مُقَوَّمًا. بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ عَيْنًا أَوْ مِثْلِيًّا .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (صُلْحٍ - قِسْمَةٍ - دَيْنٍ - تَرِكَةٍ).
ظُهُورُ دَيْنٍ لِلْمَيِّتِ بَعْدَ التَّخَارُجِ
21 - لَوْ صَالَحَ الْوَرَثَةُ أَحَدَهُمْ وَخَرَجَ مِنْ بَيْنِهِمْ، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمَيِّتِ شَيْءٌ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ عَيْنًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ دَيْنًا: فَإِنْ كَانَ عَيْنًا فَالأْشْهَرُ أَنَّهَا لاَ تَنْدَرِجُ تَحْتَ الصُّلْحِ الَّذِي تَمَّ بَيْنَ الْوَرَثَةِ. وَإِنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَ الْكُلِّ، أَيْ يَكُونُ هَذَا الَّذِي ظَهَرَ بَيْنَ الْكُلِّ. وَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهَا عَلَى هَذَا. وَقِيلَ: تَدْخُلُ فِي الصُّلْحِ فَلاَ تُسْمَعُ الدَّعْوَى بِهَا.
وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ صَدَرَ بَعْدَ الصُّلْحِ إِبْرَاءٌ عَامٌّ، ثُمَّ ظَهَرَ لِلْمُصَالَحِ عَيْنٌ، فَالأْصَحُّ سَمَاعُ الدَّعْوَى بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الصُّلْحِ، وَلاَ تُسْمَعُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِهَا. وَهَذَا إِذَا اعْتَرَفَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِأَنَّ الْعَيْنَ مِنَ التَّرِكَةِ، وَإِلاَّ فَلاَ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بَعْدَ الإْبْرَاءِ.
وَإِنْ كَانَ مَا ظَهَرَ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا فَعَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الصُّلْحِ يَصِحُّ الصُّلْحُ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ بَيْنَ الْكُلِّ، وَعَلَى الْقَوْلِ بِالدُّخُولِ فَالصُّلْحُ فَاسِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُخْرِجًا مِنَ الصُّلْحِ، بِأَنْ وَقَعَ التَّصْرِيحُ بِالصُّلْحِ عَنْ غَيْرِ الدَّيْنِ مِنْ أَعْيَانِ التَّرِكَةِ فَلاَ يَفْسُدُ الصُّلْحُ. وَإِنْ وَقَعَ الصُّلْحُ عَلَى جَمِيعِ التَّرِكَةِ فَسَدَ كَمَا لَوْ كَانَ الدَّيْنُ ظَاهِرًا وَقْتَ الصُّلْحِ.
هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَوَاعِدُ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى تُسَايِرُ مَا قَالَهُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْجُمْلَةِ .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (صُلْحٍ - إِبْرَاءٍ - دَعْوَى - قِسْمَةٍ).
كَيْفِيَّةُ تَقْسِيمِ التَّرِكَةِ بَعْدَ التَّخَارُجِ:
22 - إِذَا تَصَالَحَ الْوَرَثَةُ مَعَ أَحَدِهِمْ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ حِصَّتَهُ لَهُمْ، وَيَأْخُذَ بَدَلَهَا جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنَ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ طَرِيقَةَ التَّقْسِيمِ أَنْ تُصَحَّحَ الْمَسْأَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُصَالَحِ مَوْجُودًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ، ثُمَّ تُطْرَحُ سِهَامُهُ مِنَ التَّصْحِيحِ، ثُمَّ يُقْسَمُ بَاقِي التَّرِكَةِ عَلَى سِهَامِ الْبَاقِينَ مِنَ الْوَرَثَةِ.
مِثَالُ ذَلِكَ:
تُوُفِّيَتِ امْرَأَةٌ عَنْ زَوْجٍ وَأُمٍّ وَعَمٍّ، فَمَعَ وُجُودِ الزَّوْجِ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ، لِلزَّوْجِ مِنْهَا ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلأْمِّ سَهْمَانِ، وَلِلْعَمِّ الْبَاقِي وَهُوَ سَهْمٌ وَاحِدٌ. فَإِنْ صَالَحَ الزَّوْجُ عَنْ نَصِيبِهِ - الَّذِي هُوَ النِّصْفُ - عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ لِلزَّوْجَةِ مِنَ الْمَهْرِ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ مِنَ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ سِهَامَهُ تَسْقُطُ فِي نَظِيرِ مَا أَخَذَ، وَالْبَاقِي مِنَ التَّرِكَةِ - وَهُوَ مَا عَدَا الْمَهْرَ - يُقْسَمُ بَيْنَ الأْمِّ وَالْعَمِّ بِقَدْرِ سِهَامِهِمَا مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَيَكُونُ لِلأْمِّ سَهْمَانِ وَلِلْعَمِّ سَهْمٌ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْعَلَ الزَّوْجُ كَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ مَا دَامَ قَدْ خَرَجَ عَنْ نَصِيبِهِ؛ لأِنَّهُ لَوْ جُعِلَ كَذَلِكَ وَجُعِلَتِ التَّرِكَةُ مَا وَرَاءَ الْمَهْرِ، وَتَمَّ التَّقْسِيمُ عَلَى هَذَا الأْسَاسِ، لاَنْقَلَبَ فَرْضُ الأْمِّ مِنْ ثُلُثِ أَصْلِ الْمَالِ إِلَى ثُلُثِ مَا بَقِيَ؛ إِذْ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا، فَيَكُونُ لِلأْمِّ سَهْمٌ وَلِلْعَمِّ سَهْمَانِ، وَهُوَ خِلاَفُ الإْجْمَاعِ إِذْ حَقُّهَا ثُلُثُ الأْصْلِ، أَمَّا إِذَا أَدْخَلْنَا الزَّوْجَ كَانَ لِلأْمِّ سَهْمَانِ مِنَ السِّتَّةِ وَلِلْعَمِّ سَهْمٌ وَاحِدٌ، فَيُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ فَتَكُونُ مُسْتَوْفِيَةً حَقَّهَا مِنَ الْمِيرَاثِ.
هَذَا إِذَا كَانَ التَّخَارُجُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ.
23 - أَمَّا إِذَا كَانَ التَّخَارُجُ عَلَى شَيْءٍ مِنَ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ التَّرِكَةِ، فَإِنَّ الْمُتَخَارِجَ يَكُونُ قَدْ بَاعَ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ نَظِيرَ الثَّمَنِ الَّذِي دَفَعَهُ سَائِرُ الْوَرَثَةِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْخَاصَّةِ، لِتَخْلُصَ التَّرِكَةُ كُلُّهَا لَهُمْ.
24 - فَإِذَا كَانَ مَا دَفَعَهُ الْوَرَثَةُ هُوَ بِنِسْبَةِ سِهَامِ كُلٍّ مِنْهُمْ، فَإِنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ كَمَا قُسِمَتْ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ الْمَسْأَلَةِ وَالسِّهَامَ الَّتِي تَخُصُّ كُلَّ وَارِثٍ قَبْلَ التَّخَارُجِ، ثُمَّ تَسْقُطُ حِصَّةُ الْمُتَخَارِجِ فِي نَظِيرِ مَا تَخَارَجَ عَلَيْهِ وَتُقْسَمُ التَّرِكَةُ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ سِهَامِهِمْ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ، ثُمَّ تُقْسَمُ حِصَّةُ الْمُتَخَارِجِ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ سِهَامِ كُلٍّ مِنْهُمْ؛ لأِنَّهُ مْ دَفَعُوا الْبَدَلَ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ.
وَإِذَا كَانَ مَا دَفَعَهُ الْوَرَثَةُ بِالتَّسَاوِي فَإِنَّ حِصَّةَ الْخَارِجِ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِالتَّسَاوِي، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ سِهَامِهِ فِيهَا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ تَخَارُجٌ مِنْ أَحَدٍ.
وَإِنْ كَانَ مَا دَفَعَهُ الْوَرَثَةُ مُتَفَاوِتًا فِي الْقَدْرِ فَإِنَّ حِصَّةَ الْخَارِجِ تُقْسَمُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ هَذَا التَّفَاوُتِ، بَعْدَ أَخْذِ كُلٍّ مِنْهُمْ نَصِيبَهُ مِنَ التَّرِكَةِ بِنِسْبَةِ سِهَامِهِ.
25 -وَإِذَا تَخَارَجَ وَارِثٌ مَعَ وَارِثٍ آخَرَ عَلَى أَنْ يَتْرُكَ لَهُ نَصِيبَهُ، فَإِنَّ التَّرِكَةَ تُقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ جَمِيعًا عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ تَخَارُجٌ، وَيَئُولُ نَصِيبُ الْمُتَخَارِجِ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَنْ دَفَعَ لَهُ الْبَدَلَ .
تَخَارُجُ الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ:
26- الْمُوصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنَ التَّرِكَةِ. يَجُوزُ أَنْ يَتَخَارَجَ مَعَهُ الْوَرَثَةُ عَنْ نَصِيبِهِ الْمُوصَى لَهُ بِهِ. وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَالْحُكْمِ فِي تَخَارُجِ الْوَرَثَةِ مَعَ أَحَدِهِمْ، فَيُرَاعَى فِيهِ الشُّرُوطُ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي صُوَرِ التَّخَارُجِ، مِنَ اعْتِبَارِ كَوْنِ الْبَدَلِ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ، وَكَوْنِهِ أَقَلَّ مِمَّا يَسْتَحِقُّ أَوْ مُسَاوِيًا أَوْ أَكْثَرَ، وَاعْتِبَارُ شُرُوطِ الصَّرْفِ وَالتَّحَرُّزِ عَنِ الرِّبَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ.
وَفِي كَيْفِيَّةِ تَخَارُجِ الْوَرَثَةِ مَعَ الْمُوصَى لَهُ يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: الْمُوصَى لَهُ بِمَبْلَغٍ مِنَ التَّرِكَةِ كَوَارِثٍ. وَصُورَةُ ذَلِكَ:
رَجُلٌ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِدَارٍ وَتَرَكَ ابْنًا وَابْنَةً فَصَالَحَ الاِبْنُ وَالاِبْنَةُ الْمُوصَى لَهُ بِالدَّارِ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِنْ كَانَتِ الْمِائَةُ مِنْ مَالِهِمَا غَيْرَ الْمِيرَاثِ كَانَتِ الدَّارُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ صَالَحَاهُ مِنَ الْمَالِ الَّذِي وَرِثَاهُ عَنْ أَبِيهِمَا كَانَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا؛ لأِنَّ الْمِائَةَ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَثْلاَثًا.
وَذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي الْحِيَلِ: إِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنِ إِقْرَارٍ كَانَتِ الدَّارُ الْمُوصَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَإِنْ كَانَ الصُّلْحُ عَنْ إِنْكَارٍ فَعَلَى قَدْرِ الْمِيرَاثِ. وَعَلَى هَذَا بَعْضُ الْمَشَايِخِ. وَكَذَلِكَ الصُّلْحُ عَنِ الْمِيرَاثِ. كَذَا فِي قَاضِيخَانْ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العشرون ، الصفحة / 155
خِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ
التَّعْرِيفُ:
1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ لُغَةً وَاصْطِلاَحًا فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارٌ) وَكَذَلِكَ سَبَقَ تَعْرِيفُ الشَّرْطِ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَارُ الشَّرْطِ) وَفَوَاتُ الشَّرْطِ: هُوَ عَدَمُ تَحْقِيقِ الْغَرَضِ مِنْهُ، وَخِيَارُ فَوَاتِ الشَّرْطِ: هُوَ خِيَارٌ يَثْبُتُ بِفَوَاتِ الْفِعْلِ الْمَشْرُوطِ مِنَ الْعَاقِدِ فَوْقَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
2 - لِهَذَا الْخِيَارِ صِلَةٌ بِأَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ الأْخْرَى مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا جَمِيعًا تَسْلُبُ لُزُومَ الْعَقْدِ مَعَ انْفِرَادِ كُلِّ خِيَارٍ بِالإْضَافَةِ الْمُثْبِتَةِ لَهُ، كَالْعَيْبِ أَوِ الرُّؤْيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيُنْظَرُ مَا يَتَّصِلُ بِكُلِّ خِيَارٍ فِي مُصْطَلَحِهِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِخِيَارِ فَوَاتِ الشَّرْطِ:
3 - مِنَ الْمَبَادِئِ الْمُقَرَّرَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْعَاقِدَ إِذَا امْتَنَعَ عَنِ الْوَفَاءِ بِشَرْطٍ الْتَزَمَ بِهِ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ فِي الْعَقْدِ - وَكَانَ شَرْطًا صَحِيحًا - فَإِنَّ الأْصْلَ أَنْ يَتَوَصَّلَ الْمُشْتَرِطُ إِلَى تَنْفِيذِهِ بِالرُّجُوعِ إِلَى الْقَضَاءِ لِيُوَفِّيَ الْمُتَخَلِّفَ عَنِ الشَّرْطِ جَبْرًا. وَهَذَا فِي شَرْطٍ يُمْكِنُ الإْجْبَارُ عَلَيْهِ، بِخِلاَفِ مَا لاَ يُمْكِنُ إِجْبَارُ الْمُمْتَنِعِ عَلَى فِعْلِهِ. كَالْتِزَامِهِ بِأَنْ يُقَدِّمَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ. فَهَاهُنَا يُثْبِتُونَ خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ وَإِنْ كَانُوا لاَ يُسَمُّونَهُ بِذَلِكَ، بَلْ يُعَبِّرُونَ بِأَنَّ لَهُ حَقَّ فَسْخِ الْعَقْدِ، يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: يُقَالُ لَهُ: إِمَّا أَنْ تَدْفَعَ الرَّهْنَ - أَوْ قِيمَتَهُ - أَوْ تُؤَدِّيَ الثَّمَنَ (عَاجِلاً) أَوْ يَفْسَخَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ.. وَلَوِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَالْغَرَضِ.
ثُمَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ مِنْهُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ إِعْطَاءِ الْكَفِيلِ، وَلَمْ يُجْعَلْ مِنْهُ شَرْطُ الْحَوَالَةِ وَالضَّمَانِ .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ أَخَذُوا بِمَبْدَأِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ، أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ، أَوْ زَرْعًا بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ. لَكِنَّهُمُ اسْتَثْنَوْا مِنَ النَّهْيِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ صُوَرًا حَكَمُوا بِصِحَّتِهَا، كَالْبَيْعِ بِشَرْطِ الأْجَلِ، أَوِ الرَّهْنِ، أَوِ الْكَفِيلِ - مَعَ الْمَعْلُومِيَّةِ وَالتَّعْيِينِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ - أَوْ بِشَرْطِ الإْشْهَادِ.
فَإِنْ لَمْ يُوَفِّ الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ بِأَنْ لَمْ يَرْهَنْ أَوْ لَمْ يَتَكَفَّلَ الْكَفِيلُ الْمُعَيَّنُ ثَبَتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِطِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ.
وَلاَ يُجْبَرُ مَنْ شَرَطَ عَلَيْهِ الشَّرْطَ عَلَى الْقِيَامِ بِمَا شَرَطَ، لِزَوَالِ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ، كَمَا لاَ يَقُومُ غَيْرُ الْمُعَيَّنِ مَقَامَهُ إِذَا تَلِفَ .
وَنَحْوُ ذَلِكَ لِلْحَنَابِلَةِ فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلُ إِنْ وَفَّى الْمُلْتَزِمُ بِالشَّرْطِ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَإِنْ أَبَى فَلِلْمُشْتَرِطِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالإْمْضَاءِ بِدُونِ مُقَابِلٍ عَنْ تَرْكِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ .
وَالْمَذْهَبُ الْحَنْبَلِيُّ هُوَ أَوْسَعُ الْمَذَاهِبِ عِنَايَةً بِالشُّرُوطِ وَذَلِكَ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الأْصْلَ فِي الْعُقُودِ رِضَا الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَنَتِيجَتُهَا هُوَ مَا أَوْجَبَاهُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِالتَّعَاقُدِ . وَقَدِ اعْتَدُّوا بِمَبْدَأِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فِي اعْتِبَارِ الشُّرُوطِ بَعْدَمَا وَسَّعُوا مِنْ مَفْهُومِهِ، عَلَى أَسَاسِ أَنَّ مَصْلَحَةَ الْعَاقِدِ هِيَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلَوْ لَمْ يُوجِبْهَا الْعَقْدُ فَأَبَاحُوا أَكْثَرَ مِنْ شَرْطِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ غَيْرُهُمْ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مِمَّا لاَ يُصَادِمُ نَصًّا شَرْعِيًّا أَوْ أَصْلاً مِنْ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ قَدْ يَكُونُ فِي ذَاتِهِ غَيْرَ مُلْزِمٍ شَرْعًا لِلْمَشْرُوطِ عَلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ، وَتَكُونُ ثَمَرَةُ صِحَّةِ اشْتِرَاطِهِ تَمْكِينَ الشُّرُوطِ لَهُ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ عِنْدَ عَدَمِ وَفَاءِ الْمُشْتَرِطِ .
وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَنَابِلَةُ مَعَ هَذَا خِيَارَ فَوَاتِ الشَّرْطِ فِي عِدَادِ مَا أَوْرَدُوهُ مِنْ خِيَارَاتٍ . إِلاَّ أَنَّ صَاحِبَ «غَايَةِ الْمُنْتَهَى» اسْتَوْجَهَ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْخِيَارَاتِ الثَّمَانِيَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ (بِاسْتِمْرَارِ) قِسْمًا تَاسِعًا مِنْ أَقْسَامِ الْخِيَارِ وَهُوَ الْخِيَارُ الَّذِي ثَبَتَ لِلْمُشْتَرِي لِفَقْدِ شَرْطٍ صَحِيحٍ، أَوْ فَقْدِ شَرْطٍ فَاسِدٍ، سَوَاءٌ كَانَ يُبْطِلُ الْعَقْدَ أَوْ لاَ يُبْطِلُهُ، وَقَدْ أَقَرَّهُ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ الاِسْتِدْرَاكِ، وَإِنْ كَانَتْ فَائِدَتُهُ شَكْلِيَّةً فَالْخِيَارُ كَمَا رَأَيْنَا مُعْتَبَرٌ فِي الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ لِلْحَنَابِلَةِ وَإِنْ لَمْ تُبْرِزْهُ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَا يُورِدُونَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ صُوَرِهِ وَقُيُودِهِ .
انْتِقَالُهُ بِالْمَوْتِ:
4 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ الثَّابِتَ لِلْبَائِعِ عِنْدَ عَجْزِ الْمُشْتَرِي عَنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ الْمَشْرُوطِ فِي الْبَيْعِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بِلاَ خِلاَفٍ .
سُقُوطُهُ وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ:
5 - يُطَبَّقُ مَا يَجْرِي فِي خِيَارِ الْعَيْبِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكَلاَمِ عَنْ خِيَارِ فَوَاتِ الْوَصْفِ، (ر: خِيَارُ فَوَاتِ الْوَصْفِ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثلاثون ، الصفحة / 239
انْتهَاءُ الْعَقْد وَأَسْبَابُهُ :
56 - انْتهَاءُ الْعَقْد إمَّا أَنْ يَكُونَ اخْتيَاريًّا أَوْ يَكُونَ ضَرُوريًّا وَالأَْوَّلُ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بإرَادَة عَاقدٍ وَاحدٍ أَوْ بإرَادَة كلَيْهمَا، فَإذَا كَانَ بإرَادَة أَحَد الْعَاقدَيْن يُسَمَّى في اصْطلاَح الْفُقَهَاء فَسْخًا، وَإذَا كَانَ برضَا كلاَ الْعَاقدَيْن يُسَمَّى إقَالَةً وَالثَّاني، أَي الانْتهَاءُ الضَّرُوريُّ: إمَّا أَنْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُؤَقَّتَة، كَالإْجَارَة وَالإْعَارَة وَالْوَكَالَة وَنَحْوهَا، أَوْ يَكُونَ في الْعُقُود الْمُطْلَقَة، كَالرَّهْن وَالنّكَاح وَالْبَيْع وَنَحْوهَا، وَيُسَمَّى الانْتهَاءُ في هَذه الصُّورَة انْفسَاخًا.
وَلكُلّ هَذه الصُّوَر أَسْبَابٌ وَأَحْكَامٌ نُجْملُهَا فيمَا يَلي:
أَوَّلاً - الأْسْبَابُ الاخْتيَاريَّةُ لانْتهَاء الْعَقْد:
أ - الْفَسْخُ:
57 - الْفَسْخُ حَلُّ ارْتبَاط الْعَقْد وَرَفْعُ حُكْمه بالإْرَادَة وَيَكُونُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة بطَبيعَتهَا، كَعَقْد الْوَكَالَة وَالْوَديعَة وَالشَّركَة وَنَحْوهَا اتّفَاقًا، وَكَذَا عَقْدُ الإْعَارَة الْمُطْلَقَة عنْدَ جُمْهُور الْفُقَهَاء، أَوْ بشَرْط أَنْ لاَ تَكُونَ مُقَيَّدَةً بعَمَلٍ أَوْ أَجَلٍ عنْدَ الْمَالكيَّة، فَهَذه الْعُقُودُ يُمْكنُ إنْهَاؤُهَا بالْفَسْخ بإرَادَة كُلٍّ منَ الْعَاقدَيْن مَعَ مُرَاعَاة عَدَم الضَّرَر، وَكَذَا الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ كَعَقْد الْبَيْع وَالإْجَارَة وَغَيْرهمَا إذَا كَانَ فيهَا خيَارٌ لكُلٍّ منَ الطَّرَفَيْن أَوْ أَحَدهمَا، فَتُفْسَخُ بإرَادَة مَنْ لَهُ الْخيَارُ.
وَيُنْظَرُ تَفْصيلُ ذَلكَ كُلّه في مُصْطَلَح: (فَسْخ).
ب - الإْقَالَةُ.
58 - الإْقَالَةُ رَفْعُ الْعَقْد وَإلْغَاءُ حُكْمه وَآثَاره بتَرَاضي الطَّرَفَيْن وَمَحَلُّ الإْقَالَة الْعُقُودُ اللاَّزمَةُ منَ الطَّرَفَيْن ممَّا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار؛ لأنَّ هَذه الْعُقُودَ لاَ يُمْكنُ فَسْخُهَا إلاَّ بإرَادَة الطَّرَفَيْن وَاتّفَاق الْمُتَعَاقدَيْن، وَعَلَى ذَلكَ فَإنَّ الإْقَالَةَ تَصحُّ في عُقُود الْبَيْع وَالْمُضَارَبَة، وَالإْجَارَة وَالرَّهْن (بالنّسْبَة للرَّاهن) وَالسَّلَم وَالصُّلْح وَهيَ عُقُودٌ لاَزمَةٌ.
وَلاَ تَصحُّ الإْقَالَةُ في الْعُقُود غَيْر اللاَّزمَة كَالإْعَارَة وَالْوَصيَّة، وَالْجَعَالَة أَو الْعُقُود اللاَّزمَة الَّتي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ بالْخيَار كَالْوَقْف وَالنّكَاح.
وَلشُرُوط الإْقَالَة وَأَثَرهَا في إنْهَاء الْعُقُود يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (إقَالَة ف 7، 12).
ج - انْتهَاءُ الْمُدَّة الْمُعَيَّنَة أَو الْعَمَل الْمُعَيَّن:
59 - تَنْتَهي بَعْضُ الْعُقُود بانْتهَاء مُدَّتهَا الْمُقَرَّرَة لَهَا باتّفَاق الطَّرَفَيْن، أَوْ بانْتهَاء الْعَمَل الَّذي عُقدَ الْعَقْدُ لأجْله.
فَعَقْدُ الإْجَارَة الْمُقَيَّدُ بمُدَّةٍ يَنْتَهي بانْتهَاء الْمُدَّة باتّفَاق الْفُقَهَاء كَالدَّار للسُّكْنَى أَو الأْرْض للزّرَاعَة، إلاَّ إذَا وُجدَ عُذْرٌ يَقْتَضي امْتدَادَ الْمُدَّة، كَأَنْ يَكُونَ في الأْرْض زَرْعٌ لَمْ يُحْصَدْ، أَوْ كَانَتْ سَفينَةٌ في الْبَحْر وَانْقَضَت الْمُدَّةُ قَبْلَ وُصُولهَا إلَى السَّاحل. ر: (إجَارَة ف 60)
كَمَا تَنْقَضي الإْجَارَةُ لعَمَلٍ مُعَيَّنٍ بانْتهَاء الْعَمَل الْمَعْقُود عَلَيْه في إجَارَة الأَْشْخَاص، كَالْحَمَّال وَالْقَصَّار وَالْخَيَّاط إذَا أَنْهَوْا الْعَمَلَ.
وَكَذَلكَ عَقْدُ الْوَكَالَة الْمُقَيَّدَة لإجْرَاء عَمَلٍ مُعَيَّنٍ، فَإنَّهَا تَنْتَهي بانْتهَاء الْعَمَل الْمُفَوَّض للْوَكيل. ر: (وَكَالَة).
ثَانيًا - أَسْبَابُ الْعَقْد الضَّرُوريَّةُ :
أ - هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه.
60 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَلَفَ الْمَعْقُود عَلَيْه سَبَبٌ لانْتهَاء بَعْض الْعُقُود، وَذَلكَ لتَعَذُّر دَوَام الْعَقْد، فَإذَا تَلفَت الدَّابَّةُ الْمُسْتَأْجَرَةُ، أَو انْهَدَمَت الدَّارُ الْمُسْتَأْجَرَةُ للسُّكْنَى انْفَسَخَت الإْجَارَةُ. وَكَذَلكَ إذَا تَلفَت الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ أَو الْمُودَعَةُ في عَقْدَي الْعَاريَّة وَالإْيدَاع، أَوْ تَلفَ رَأْسُ الْمَال في عَقْدَي الشَّركَة (شَركَة الأْمْوَال أَو الْمُضَارَبَة) كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ في الْمُصْطَلَحَات الْخَاصَّة بكُلّ عَقْدٍ منْ هَذه الْعُقُود.
وَهَذَا السَّبَبُ يُؤَثّرُ في الْعُقُود الْمُسْتَمرَّة الَّتي تَدُومُ آثَارُهَا بدَوَام الْمَحَلّ، أَمَّا مَا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فَوْرًا - كَعَقْد الْبَيْع مَثَلاً - فَلاَ يُؤَثّرُ فيه هَلاَكُ الْمَعْقُود عَلَيْه (الْمَبيع) بَعْدَ قَبْض الْبَدَلَيْن.
أَمَّا قَبْلَ قَبْض الْمَبيع، فَقَد اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ في أَثَر هَلاَك الْمَبيع في انْفسَاخ الْبَيْع: فَقَالَ الْحَنَفيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ بانْفسَاخه مَعَ تَفْصيلٍ عنْدَهُمْ.
قَالَ الْكَاسَانيُّ في هَلاَك الْمَبيع قَبْلَ الْقَبْض: إنْ هَلَكَ كُلُّهُ قَبْلَ الْقَبْض بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ؛ لأنَّهُ لَوْ بَقيَ أَوْجَبَ مُطَالَبَةَ الْمُشْتَري بالثَّمَن، وَإذَا طَالَبَهُ بالثَّمَن فَهُوَ يُطَالبُهُ بتَسْليم الْمَبيع، وَإنَّهُ عَاجزٌ عَن التَّسْليم، فَتَمْتَنعُ الْمُطَالَبَةُ أَصْلاً، فَلَمْ يَكُنْ في بَقَاء الْبَيْع فَائدَةٌ، فَيَنْفَسخُ، وَكَذَلكَ إذَا هَلَكَ بفعْل الْمَبيع، بأَنْ كَانَ حَيَوَانًا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، وَكَذَا إذَا هَلَكَ بفعْل الْبَائع، وَيَسْقُطُ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري عنْدَنَا، وَإنْ هَلَكَ بفعْل الْمُشْتَري لاَ يَنْفَسخُ الْبَيْعُ وَعَلَيْه الثَّمَنُ؛ لأنَّهُ بالإْتْلاَف صَارَ قَابضًا.
وَقَالَ النَّوَويُّ: الْمَبيعُ قَبْلَ قَبْضه منْ ضَمَان الْبَائع، فَإنْ تَلفَ بآفَةٍ سَمَاويَّةٍ انْفَسَخَ الْبَيْعُ وَسَقَطَ الثَّمَنُ عَن الْمُشْتَري.
أَمَّا الْمَالكيَّةُ فَقَالُوا: إذَا كَانَ الْمَبيعُ ممَّا فيه حَقُّ تَوْفيَةٍ لمُشْتَريه - وَهُوَ الْمَالُ الْمثْليُّ منْ مَكيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ أَوْ مَعْدُودٍ - يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف وَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائع، أَمَّا إذَا كَانَ الْمَبيعُ مُعَيَّنًا وَعَقَارًا أَوْ منَ الأَْمْوَال الْقيميَّة فَلاَ يَنْفَسخُ الْعَقْدُ بالتَّلَف، وَيَنْتَقلُ الضَّمَانُ إلَى الْمُشْتَري بالْعَقْد الصَّحيح اللاَّزم وَمثْلُهُ عنْدَ الْحَنَابلَة.
ب - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا :
61 - وَفَاةُ أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا لاَ تُؤَثّرُ في الْعُقُود اللاَّزمَة في الْجُمْلَة، مَا عَدَا عَقْدَ الإْجَارَة عنْدَ الْحَنَفيَّة، فَإنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بوَفَاة الْمُؤَجّر أَو الْمُسْتَأْجر؛ لأنَّ الْمَنَافعَ لَيْسَتْ أَمْوَالاً مَوْجُودَةً حينَ الْعَقْد، وَتَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَإذَا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الإْجَارَة بَعْدَ الْوَفَاة فَالْمُسْتَأْجرُ أَوْ وَرَثَتُهُ يَنْتَفعَان منَ الْعَيْن الْمُنْتَقلَة ملْكيَّتُهَا بوَفَاة الْمُؤَجّر إلَى الْوَرَثَة، وَالْمَنَافعُ الْمُسْتَحْدَثَةُ لَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً حينَ الْوَفَاة حَتَّى تَنْتَقلَ إلَى وَرَثَة الْمُسْتَأْجر.
وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاء إلَى أَنَّ الْمَوْتَ لاَ يُؤَثّرُ في انْتهَاء عَقْد الإْجَارَة إذَا كَانَتْ مُدَّتُهَا بَاقيَةً؛ لأنَّ الْمَنَافعَ أَمْوَالٌ يُقَدَّرُ وُجُودُهَا حينَ الْعَقْد، فَانْتَقَلَتْ إلَى الْمُسْتَأْجر بالْعَقْد.
أَمَّا الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزمَة - كَالْوَكَالَة وَالإْعَارَة وَالْوَديعَة وَنَحْوهَا - فَتَنْفَسخُ في الْجُمْلَة وَتَنْتَهي بوَفَاة أَحَد الْعَاقدَيْن أَوْ كلَيْهمَا؛ لأنَّ هَا عُقُودٌ تَنْفَسخُ بإرَادَة أَحَد الطَّرَفَيْن في حَيَاتهمَا وَتَسْتَمرُّ بإرَادَتهمَا، فَإذَا تُوُفّيَ الْعَاقدُ فَقَدْ بَطَلَتْ إرَادَتُهُ وَانْتَهَتْ رَغْبَتُهُ، فَبَطَلَتْ آثَارُ هَذه الْعُقُود الَّتي كَانَتْ تَسْتَمرُّ باسْتمْرَار إرَادَة الْعَاقدَيْن.
ج - غَصْبُ الْمَعْقُود عَلَيْه :
62 - غَصْبُ مَحَلّ بَعْض الْعُقُود يُوجبُ انْفسَاخَهَا، فَفي عَقْد الإْجَارَة قَالَ الشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ: إنْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ فَللْمُسْتَأْجر الْفَسْخُ؛ لأنَّ فيه تَأْخيرَ حَقّه، فَإنْ فَسَخَ فَالْحُكْمُ فيه كَمَا لَو انْفَسَخَ الْعَقْدُ بتَلَف الْعَيْن، وَإنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى انْقَضَتْ مُدَّةُ الإْجَارَة فَلَهُ الْخيَارُ بَيْنَ الْفَسْخ وَالرُّجُوع بالْمُسَمَّى، وَبَيْنَ الْبَقَاء عَلَى الْعَقْد وَمُطَالَبَة الْغَاصب بأَجْر الْمثْل.
وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: لَوْ غُصبَت الْعَيْنُ الْمُسْتَأْجَرَةُ منْ يَد الْمُسْتَأْجر سَقَطَ الأَْجْرُ كُلُّهُ فيمَا إذَا غُصبَتْ في جَميع الْمُدَّة، وَإنْ غُصبَتْ في بَعْضهَا سَقَطَ بحسَابهَا، وَذَلكَ لزَوَال التَّمَكُّن منَ الانْتفَاع بالْعَيْن الْمُسْتَأْجَرَة، وَتَنْفَسخُ الإْجَارَةُ بالْغَصْب في الْمَشْهُور عنْدَ الْحَنَفيَّة، خلاَفًا لبَعْضهمْ.
وَأَلْحَقَ الْمَالكيَّةُ الْغَصْبَ بتَعَذُّر الاسْتيفَاء منَ الْمَعْقُود عَلَيْه، فَحَكَمُوا بانْفسَاخ الْعَقْد به، وَصَرَّحُوا بأَنَّ الإْجَارَةَ تَنْفَسخُ بتَعَذُّر مَا يُسْتَوْفَى منْهُ الْمَنْفَعَةُ، وَالتَّعَذُّرُ أَعَمُّ منَ التَّلَف، فَيَشْمَلُ الضَّيَاعَ وَالْمَرَضَ وَالْغَصْبَ وَغَلْقَ الْحَوَانيت قَهْرًا وَغَيْرَ ذَلكَ.
د - أَسْبَابٌ أُخْرَى يُفْسَخُ بهَا الْعَقْدُ أَوْ يَنْتَهي.
63 - ذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاء منْ أَسْبَاب فَسْخ الْعَقْد أَو انْتهَائه الاسْتحْقَاقَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْمَالكيَّةُ وَالشَّافعيَّةُ وَالْحَنَابلَةُ أَنَّ الْمَبيعَ إذَا اسْتُحقَّ للْغَيْر بالْبَيّنَة أَوْ بإقْرَار الْمُشْتَري فَإنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسخُ وَيَنْتَهي حُكْمُهُ وَقَالَ الْحَنَفيَّةُ: إنَّ الْحُكْمَ بالاسْتحْقَاق لاَ يُوجبُ فَسْخَ الْعَقْد، بَلْ يُوجبُ تَوَقُّفَهُ عَلَى إجَازَة الْمُسْتَحقّ، فَإنْ أَجَازَ وَإلاَّ يَنْفَسخُ وَيَسْتَردُّ الْمُشْتَري الثَّمَنَ منَ الْبَائع. كَمَا فُصّلَ في مُصْطَلَح: (اسْتحْقَاق ف9 وَمَا بَعْدَهَا).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والثلاثون ، الصفحة / 131
فَسْخ
التَّعْرِيفُ:
1 - الْفَسْخُ لُغَةً: يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: النَّقْضُ أَوِ التَّفْرِيقُ، وَالضَّعْفُ فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ، وَالْجَهْلُ، وَالطَّرْحُ، وَإِفْسَادُ الرَّأْيِ، وَمِنَ الْمَجَازِ: انْفَسَخَ الْعَزْمُ وَالْبَيْعُ وَالنِّكَاحُ: انْتَقَضَ، وَقَدْ فَسَخَهُ: إِذَا نَقَضَهُ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ أَوْ هُوَ ارْتِفَاعُ حُكْمِ الْعَقْدِ مِنَ الأْصْلِ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ أَوْ هُوَ: قَلْبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَيُسْتَعْمَلُ الْفَسْخُ أَحْيَانًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ، كَمَا فِي الْفَسْخِ بِسَبَبِ أَحَدِ الْخِيَارَاتِ، وَيُسْتَعْمَلُ أَيْضًا بِمَعْنَى رَفْعِ الْعَقْدِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ، كَمَا فِي أَحْوَالِ فَسْخِ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ أَوْ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الاِنْفِسَاخُ:
2 - الاِنْفِسَاخُ هُوَ: انْقِلاَبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ.
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالاِنْفِسَاخِ: أَنَّ الأْوَّلَ فِعْلُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوِ الْحَاكِمِ إِذَا ظَفِرُوا بِالْعُقُودِ الْمُحَرَّمَةِ، وَالثَّانِي صِفَةُ الْعِوَضَيْنِ، فَالأْوَّلُ سَبَبٌ شَرْعِيٌّ وَالثَّانِي حُكْمٌ شَرْعِيٌّ .
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: انْفِسَاخ ف 1، 6)
ب - الْخَلْعُ:
3 - الْخَلْعُ لُغَةً: النَّزْعُ وَالإْزَالَةُ، وَاصْطِلاَحًا: هُوَ إِزَالَةُ مِلْكِ النِّكَاحِ الْمُتَوَقِّفَةِ عَلَى قَبُولِ الْمَرْأَةِ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ . فَالْخُلْعُ خَاصٌّ بِحَلِّ الرَّابِطَةِ الزَّوْجِيَّةِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَهُوَ أَعَمُّ، وَهُوَ حَلُّ ارْتِبَاطِ الْعَقْدِ مُطْلَقًا، وَالْخُلْعُ يَحْدُثُ بِالتَّرَاضِي، أَمَّا الْفَسْخُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَتِمَّ بِالتَّرَاضِي أَوْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي.
فَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا صِلَةُ عُمُومٍ وَخُصُوصٍ.
ج - الطَّلاَقُ:
4 - مِنْ مَعَانِي الطَّلاَقِ لُغَةً: رَفْعُ الْقَيْدِ مُطْلَقًا، يُقَالُ: أَطْلَقَ الْفَرَسَ: إِذَا خَلاَّهُ ، وَفِي الاِصْطِلاَحِ: رَفْعُ قَيْدِ النِّكَاحِ فِي الْحَالِ أَوِ الْمَآلِ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ .
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلاَقِ: أَنَّ الْفَسْخَ مُقَارِبٌ لِلطَّلاَقِ إِلاَّ أَنَّهُ يُخَالِفُهُ فِي أَنَّ الْفَسْخَ نَقْضٌ لِلْعَقْدِ، أَمَّا الطَّلاَقُ فَلاَ يَنْقُضُ الْعَقْدَ وَلَكِنْ يُنْهِي آثَارَهُ فَقَطْ .
د - الإْبْطَالُ:
5 - الْبَاطِلُ لُغَةً: ضِدُّ الْحَقِّ، وَالإْبْطَالُ اصْطِلاَحًا: هُوَ الْحُكْمُ بِكَوْنِ الْعَقْدِ بَاطِلاً، لاِخْتِلاَلِ رُكْنِهِ أَوْ مَحَلِّهِ، وَالْعَقْدُ الْبَاطِلُ: هُوَ مَا اخْتَلَّ رُكْنُهُ أَوْ مَحَلُّهُ أَوْ مَا لاَ يَكُونُ مَشْرُوعًا بِأَصْلِهِ وَلاَ بِوَصْفِهِ.
(ر: إِبْطَال ف 1، وَبُطْلاَن ف 1)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الإْبْطَالِ وَالْفَسْخِ: أَنَّ الإْبْطَالَ يَحْدُثُ أَثْنَاءَ قِيَامِ التَّصَرُّفِ وَبَعْدَهُ، وَيَحْصُلُ فِي الْعُقُودِ وَالْعِبَادَاتِ، أَمَّا الْفَسْخُ فَإِنَّهُ يَكُونُ غَالِبًا فِي الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ، وَيَقِلُّ فِي الْعِبَادَاتِ، وَيَكُونُ فِي الْعُقُودِ قَبْلَ تَمَامِهَا، لأِنَّهُ فَكُّ ارْتِبَاطِ التَّصَرُّفِ.
(ر: إِبْطَال ف 2)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
6 - الأْصْلُ فِي الْعُقُودِ شَرْعًا اللُّزُومُ لقوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قَالَ الْقَرَافِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الأْصْلَ فِي الْعُقُودِ اللُّزُومُ، لأِنَّ الْعُقُودَ أَسْبَابٌ لِتَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ مِنَ الأْعْيَانِ ، وَالأْصْلُ تَرَتُّبُ الْمُسَبَّبَاتِ عَلَى أَسْبَابِهَا .
وَقَدْ يَرِدُ الْفَسْخُ عَلَيْهَا، وَيَكُونُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ جَائِزًا، فَيَجِبُ رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لإِزَالَةِ سَبَبِ الْفَسَادِ، وَاحْتِرَامِ ضَوَابِطِ الشَّرْعِ أَوْ شَرَائِطِهِ الَّتِي قَرَّرَهَا فِي الْعُقُودِ، حِمَايَةً لِلْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ، وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ، وَمَنْعًا لِلْمُنَازَعَاتِ الَّتِي تَحْدُثُ بِسَبَبِ مُخَالَفَةِ الشُّرُوطِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَيَجُوزُ الْفَسْخُ إِعْمَالاً لإِرَادَةِ الْعَاقِدِ، كَالْفَسْخِ فِي الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ، وَالْفَسْخِ بِالتَّرَاضِي وَالاِتِّفَاقِ كَالإْقَالَةِ، وَقَدْ جَاءَ الشَّرْعُ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَةٍ فِي مَشْرُوعِيَّةِ الْخِيَارَاتِ وَالإْقَالَةِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ).
وَالْفَسْخُ الْقَضَائِيُّ يَكُونُ إِمَّا رِعَايَةً لِحَقِّ الشَّرْعِ، وَإِمَّا إِحْقَاقًا لِلْحَقِّ وَرَفْعًا لِلظُّلْمِ الَّذِي يَقَعُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِسَبَبِ إِضْرَارِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَإِصْرَارِهِ عَلَى مَنْعِ غَيْرِهِ مِنْ مُمَارَسَةِ حَقِّهِ فِي الْفَسْخِ، لِوُجُودِ عَيْبٍ فِي الْمَبِيعِ أَوِ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ مَثَلاً، وَحَقُّ الْقَاضِي فِي الْفَسْخِ نَاشِئٌ مِنْ وِلاَيَتِهِ الْعَامَّةِ عَلَى النَّاسِ، أَوْ لأِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ رِقَابَةُ تَنْفِيذِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ..
وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْفَسْخُ إِمَّا شَرْعًا أَوْ قَضَاءً أَوْ بِالرِّضَا.
أَسْبَابُ الْفَسْخِ:
7 - أَسْبَابُ الْفَسْخِ خَمْسَةٌ: إِمَّا الاِتِّفَاقُ أَوِ التَّرَاضِي وَمِنْهُ الإْقَالَةُ، وَإِمَّا الْخِيَارُ، وَإِمَّا عَدَمُ اللُّزُومِ، وَإِمَّا اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ أَحَدِ الْتِزَامَاتِ الْعَقْدِ الْمُتَقَابِلَةِ، وَإِمَّا الْفَسَادُ.
أ - الْفَسْخُ بِالاِتِّفَاقِ:
8 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ بِالتَّرَاضِي بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ، وَالإْقَالَةُ نَوْعٌ مِنَ الْفَسْخِ الاِتِّفَاقِيِّ وَتَقْتَضِي رُجُوعَ كُلٍّ مِنَ الْعِوَضَيْنِ لِصَاحِبِهِ، فَيَرْجِعُ الثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي وَالْمُثَمَّنُ لِلْبَائِعِ، وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهَا قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ .
وَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَزُفَرُ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، لأِنَّ الإْقَالَةَ هِيَ الرَّفْعُ وَالإْزَالَةُ، وَلأِنَّ الْمَبِيعَ عَادَ إِلَى الْبَائِعِ بِلَفْظٍ لاَ يَنْعَقِدُ بِهِ الْبَيْعُ، فَكَانَ فَسْخًا .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الإْقَالَةَ بَيْعٌ ثَانٍ يُشْتَرَطُ فِيهَا مَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وَيَمْنَعُهَا مَا يَمْنَعُهُ .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ، سَوَاءٌ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ، وَفَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ بَعْدَ الْقَبْضِ، لأِنَّهَا رَفْعٌ لُغَةً وَشَرْعًا، وَرَفْعُ الشَّيْءِ فَسْخُهُ.
وَيَرَى مُحَمَّدٌ: أَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ إِلاَّ إِذَا تَعَذَّرَ جَعْلُهَا فَسْخًا، فَتُجْعَلُ بَيْعًا لِلضَّرُورَةِ، لأِنَّ الأْصْلَ فِي الإْقَالَةِ الْفَسْخُ، لأِنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الشَّيْءِ لُغَةً وَشَرْعًا .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِقَالَة ف 8)
ب - خِيَارُ الْفَسْخِ:
9 - الْخِيَارُ: هُوَ حَقُّ الْعَاقِدِ فِي فَسْخِ الْعَقْدِ أَوْ إِمْضَائِهِ لِظُهُورِ مُسَوِّغٍ شَرْعِيٍّ أَوْ بِمُقْتَضَى اتِّفَاقٍ عَقْدِيٍّ، فَيَكُونُ لِلْمُتَعَاقِدِ الْحَقُّ فِي الاِخْتِيَارِ بَيْنَ إِمْضَاءِ الْعَقْدِ وَعَدَمِ إِمْضَائِهِ بِفَسْخِهِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ أَمْرَ خِيَارِ شَرْطٍ أَوْ رُؤْيَةٍ أَوْ عَيْبٍ، أَوْ أَنْ يَخْتَارَ أَحَدَ الْمَبِيعَيْنِ إِنْ كَانَ الأْمْرُ أَمْرَ خِيَارِ التَّعْيِينِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (خِيَار ف 1 - 18)
ج - عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ أَصْلاً:
10 - يَجُوزُ لأِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا بِحَسَبِ الْعَقْدِ الْمُسَمَّى أَنْ يَسْتَقِلَّ بِالْفَسْخِ، مِثْلُ الْعَارِيَّةُ وَالْقَرْضِ الْوَدِيعَةِ وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ، فَكُلُّهَا عُقُودٌ غَيْرُ لاَزِمَةٍ يَجُوزُ فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، قَالَ ابْنُ رَجَبٍ: عُقُودُ الْمُشَارَكَاتِ كَالشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ، الْمَشْهُورُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ قَبْلَ الْعِلْمِ كَالْوَكَالَةِ، وَكَذَا الْوَدِيعَةُ لِلْوَدِيعِ فَسْخُهَا قَبْلَ عِلْمِ الْمُودَعِ بِالْفَسْخِ، وَتَبْقَى فِي يَدِهِ أَمَانَةً .
د - اسْتِحَالَةُ تَنْفِيذِ الاِلْتِزَامِ:
11 - إِذَا اسْتَحَالَ تَنْفِيذُ أَحَدِ الاِلْتِزَامَاتِ الْعَقْدِيَّةِ جَازَ فَسْخُ الْعَقْدِ، لأِنَّ الاِلْتِزَامَ الْمُقَابِلَ يُصْبِحُ بِلاَ سَبَبٍ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 64) وَمُصْطَلَحِ (الْتِزَام ف 57) وَمُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 74، 76)
هـ - الْفَسْخُ لِلْفَسَادِ:
12 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْمُعَامَلاَتِ لِلْفَسَادِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ لإِزَالَةِ سَبَبِ فَسَادِ الْعَقْدِ كَجَهَالَةِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوِ الأْجَلِ أَوْ وَسَائِلِ التَّوْثِيقِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
أَنْوَاعُ الْفَسْخِ:
13 - الْفَسْخُ بِإِرَادَةِ الْعَاقِدَيْنِ هُوَ إِنْهَاءُ الْعَقْدِ بِاتِّفَاقِهِمَا، إِذْ إِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ يَكُونُ بِالْوَسِيلَةِ الَّتِي عُقِدَ بِهَا الْعَقْدُ، فَكَمَا نَشَأَ الْعَقْدُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَطَابِقَيْنِ عَلَى إِنْشَائِهِ، كَذَلِكَ يَزُولُ بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ مُتَوَافِقَيْنِ عَلَى إِلْغَائِهِ، وَقَدْ يَتِمُّ الْفَسْخُ بِإِرَادَةٍ مُنْفَرِدَةٍ كَمَا فِي حَالَةِ الْخِيَارِ .
الْفَسْخُ بِحُكْمِ الْقَضَاءِ:
14 - إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْخِيَارِ أَوْ هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ، فَقَدْ ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْعَقْدَ يَنْفَسِخُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، بِغَيْرِ حَاجَةٍ إِلَى الْقَضَاءِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَبِيعَ إِذَا كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِقَوْلِ الْمُشْتَرِي: رَدَدْتُ، وَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَلاَ إِلَى التَّرَاضِي.
وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَلاَ يَنْفَسِخُ إِلاَّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ بِالتَّرَاضِي. فَإِذَا كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا - وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ - فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِحُكْمِ الْقَاضِي إِذَا رُفِعَ الأْمْرُ إِلَيْهِ وَامْتَنَعَ الْعَاقِدَانِ عَنِ الْفَسْخِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (بُطْلاَن ف 25) (وَخِيَارُ الْعَيْبِ ف 38، 39) (وَبَيْع ف 59)
الْفَسْخُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ:
15 - يَكُونُ الْفَسْخُ بِسَبَبِ الْخَلَلِ الْحَاصِلِ فِي الْعَقْدِ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الشَّرْعِ، كَفَسْخِ الزَّوَاجِ عِنْدَ تَبَيُّنِ الرَّضَاعِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ، وَفَسْخِ الْبَيْعِ حَالَةَ فَسَادِهِ، وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالاِنْفِسَاخِ، كَمَا إِذَا كَانَ فِي الْمَبِيعِ جَهَالَةٌ فَاحِشَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ .
الْفَسْخُ لِلأْعْذَارِ:
16 - يُفْسَخُ الْعَقْدُ لِلْعُذْرِ إِذَا كَانَ عَقْدَ إِيجَارٍ وَنَحْوِهِ، أَوْ عَقْدَ بَيْعٍ لِلثِّمَارِ بِسَبَبِ الْجَوَائِحِ .
فَقَدْ أَجَازَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ دُونَ غَيْرِهِمْ فَسْخَ عَقْدِ الإْجَارَةِ وَعَقْدِ الْمُزَارَعَةِ بِالأْعْذَارِ الطَّارِئَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْعُذْرُ قَائِمًا بِالْعَاقِدَيْنِ أَمْ بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لأِنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إِلَى الْفَسْخِ عِنْدَ الْعُذْرِ، لأِنَّهُ لَوْ لَزِمَ الْعَقْدُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْعُذْرِ، لَلَزِمَ صَاحِبَ الْعُذْرِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِالْعَقْدِ.
أَمَّا الْجُمْهُورُ فَالأْصْلُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ الْفَسْخِ بِالْعُذْرِ، وَقَدْ يَرَوْنَ الْفَسْخَ فِي أَحْوَالٍ قَلِيلَةٍ.
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِجَارَة ف 64، 69)
الْفَسْخُ لاِسْتِحَالَةِ التَّنْفِيذِ:
17 - إِذَا هَلَكَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الْمُعَيَّنُ انْفَسَخَ الْعَقْدُ لِتَعَذُّرِ التَّسْلِيمِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ لِغَيْرِ الْهَلاَكِ سَوَاءٌ أَكَانَ ذَلِكَ بِسَبَبٍ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ أَمْ أَحَدِهِمَا أَوْ غَيْرِهِمَا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْع ف 59) وَمُصْطَلَحِ (خِيَارُ الْعَيْبِ ف 32 وَمَا بَعْدَهَا)
الْفَسْخُ لِلإْفْلاَسِ وَالإْعْسَارِ وَالْمُمَاطَلَةِ:
18 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا ظَهَرَ مُفْلِسًا فَلِلْبَائِعِ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالرُّجُوعُ بِعَيْنِ مَالِهِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُنْظِرَهُ، عَمَلاً بِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ أَوْ إِنْسَانٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ» ، وَيَنْطَبِقُ ذَلِكَ الْحُكْمُ عَلَى الْمُعْسِرِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَلَوْ بِبَعْضِ الثَّمَنِ.
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ حَالًّا غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلاَ فَسْخَ، وَيَحْجُرُ الْحَاكِمُ الْمَبِيعَ وَبَقِيَّةَ مَالِهِ حَتَّى يُحْضِرَ الثَّمَنَ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الثَّمَنُ الْحَالُّ أَوْ بَعْضُهُ بَعِيدًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَر، أَوْ غَيَّبَهُ الْمُشْتَرِي الْمَسَافَةَ الْمَذْكُورَةَ كَانَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ.
وَيَرَى ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا كَانَ مُوسِرًا مُمَاطِلاً فَلِلْبَائِعِ الْفَسْخُ دَفْعًا لِضَرَرِ الْمُخَاصَمَةِ، قَالَ فِي الإْنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَيَرَوْنَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ الْفَسْخُ، إِذْ نَصُّوا أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرِيمُ أَحَقَّ بِأَخْذِ عَيْنِ مَالِهِ، بَلْ هُوَ فِي ثَمَنِهَا أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ كَانَ فِي غُرَمَاءِ الْمَيِّتِ مَنْ بَاعَ شَيْئًا وَوَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَمْ تَفِ التَّرِكَةُ بِالدَّيْنِ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَضْرِبَ مَعَ الْغُرَمَاءِ بِالثَّمَنِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْسَخَ وَيَرْجِعَ فِي عَيْنِ مَالِهِ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِفْلاَس ف 25، 26)
وَلَيْسَ خِيَارُ الْفَسْخِ مُخْتَصًّا بِعَقْدِ الْبَيْعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، بَلْ هُوَ ثَابِتٌ أَيْضًا فِي كُلِّ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالإْجَارَةِ وَالْقَرْضِ، فَلِلْمُؤَجِّرِ فَسْخُ الإْجَارَةِ إِذَا أَفْلَسَ الْمُسْتَأْجِرُ قَبْلَ دَفْعِ الأْجْرَةِ ، لِلْمُقْرِضِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُقْتَرِضِ إِذَا أَفْلَسَ وَكَانَ عَيْنُ مَالِهِ قَائِمًا .
وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِلإْعْسَارِ أَوِ الْعَجْزِ عَنِ النَّفَقَةِ، وَالْفُرْقَةُ طَلاَقٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَسْخٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِحُكْمِ الْقَاضِي، وَجَوَازُهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ.
وَلَمْ يُجِزِ الْحَنَفِيَّةُ التَّفْرِيقَ بِسَبَبِ الإْعْسَارِ، لأِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ إِنْظَارَ الْمُعْسِرِ بِالدَّيْنِ فِي قوله تعالي (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ) .
فَسْخُ النِّكَاحِ:
19 - التَّفْرِيقُ فِي النِّكَاحِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فَسْخًا أَوْ طَلاَقًا.
وَالْفَسْخُ: مِنْهُ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ، وَمِنْهُ مَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ.
أَمَّا الْفَسْخُ الْمُتَوَقِّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ يَكُونُ فِي الأْمُورِ الآْتِيَةِ:
أ - عَدَمُ الْكَفَاءَةِ.
ب - نُقْصَانُ الْمَهْرِ عَنْ مَهْرِ الْمِثْلِ.
ج - إِبَاءُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الإْسْلاَمَ إِذَا أَسْلَمَ الآْخَرُ، لَكِنَّ الْفُرْقَةَ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجَةِ فَسْخٌ بِالاِتِّفَاقِ، أَمَّا الْفُرْقَةُ بِسَبَبِ إِبَاءِ الزَّوْجِ فَهِيَ فَسْخٌ فِي رَأْيِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ أَبُو يُوسُفَ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ، فَلَمْ يَرَيَا تَوَقُّفَهَا عَلَى الْقَضَاءِ، لأِنَّ الْفُرْقَةَ حِينَئِذٍ طَلاَقٌ فِي رَأْيِهِمَا.
د - خِيَارُ الْبُلُوغِ لأِحَدِ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِذَا زَوَّجَهُمَا فِي الصِّغَرِ غَيْرُ الأْبِ وَالْجَدِّ.
هـ - خِيَارُ الإْفَاقَةِ مِنَ الْجُنُونِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا زَوَّجَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ فِي الْجُنُونِ غَيْرُ الأْبِ وَالْجَدِّ وَالاِبْنِ.
وَأَمَّا الْفَسْخُ غَيْرُ الْمُتَوَقِّفِ عَلَى الْقَضَاءِ فَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ فِي الأْمُورِ التَّالِيَةِ:
أ - فَسَادُ الْعَقْدِ فِي أَصْلِهِ، كَالزَّوَاجِ بِغَيْرِ شُهُودٍ.
ب - طُرُوءُ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ.
ج - رِدَّةُ الزَّوْجِ فِي رَأْيِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، فَإِنِ ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ فَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
الْفَسْخُ لِعَدَمِ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ:
20 - عَدَمُ إِجَازَةِ الْعَقْدِ الْمَوْقُوفِ مِمَّنْ لَهُ وِلاَيَةٌ أَوْ مِلْكٌ وَالَّذِي يَتَوَقَّفُ نَفَاذُ الْعَقْدِ عَلَى رِضَاهُ يُعَدُّ مِنْ أَسْبَابِ انْحِلاَلِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِانْعِقَادِهِ .
وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (عَقْدٌ مَوْقُوف).
الْفَسْخُ بِسَبَبِ الاِسْتِحْقَاقِ:
21 - إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ: فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى بُطْلاَنِ الْبَيْعِ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَخْيِيرِ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّ الْمَبِيعِ بِالْفَسْخِ أَوِ التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي، وَذَلِكَ فِي حَالَةِ الاِسْتِحْقَاقِ الْجُزْئِيِّ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اسْتِحْقَاق ف9، 11).
آثَارُ الْفَسْخِ:
تَظْهَرُ آثَارُ الْفَسْخِ فِي شَيْئَيْنِ: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ، وَسَرَيَانُهُ عَلَى الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ.
أَوَّلاً: انْتِهَاءُ الْعَقْدِ بِالْفَسْخِ:
22 - يَنْتَهِي الْعَقْدُ بِالْفَسْخِ وَيَكُونُ لَهُ آثَار فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَبِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِهِمَا.
أ - أَثَرُ الْفَسْخِ فِيمَا بَيْنَ الطَّرَفَيْنِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ:
23 - يَظَلُّ الْعَقْدُ قَائِمًا إِلَى حِينِ الْفَسْخِ وَيُنْتِجُ جَمِيعَ آثَارِهِ، فَإِذَا فُسِخَ الْعَقْدُ انْحَلَّ وَاعْتُبِرَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ بِالنِّسْبَةِ لِلطَّرَفَيْنِ.
ب - أَثَرُ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْغَيْرِ:
24 - إِذَا تَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي بِالْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْقَابِلِ لِلْفَسْخِ تَصَرُّفًا يُرَتِّبُ لِلْغَيْرِ حَقًّا فِي الْمِلْكِيَّةِ امْتَنَعَ الْفَسْخُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ حِفَاظًا عَلَى ذَلِكَ الْحَقِّ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَبْقَى حَقُّ الْفَسْخِ قَائِمًا وَلاَ يَنْفُذُ تَصَرُّفُ الْمُشْتَرِي.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي الثَّانِي فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ الْفَسْخُ وَإِلاَّ فَالْفَسْخُ عَلَى حَالِهِ .
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (اسْتِرْدَاد ف 11).
ثَانِيًا: أَثَرُ الْفَسْخِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ:
25 - بَحَثَ السُّيُوطِيُّ أَثَرَ الْفَسْخِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَاضِي بِعُنْوَانِ: هَلْ يَرْفَعُ الْفَسْخُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ؟ فَقَالَ:
أ - فَسْخُ الْبَيْعِ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوِ الشَّرْطِ: الأْصَحُّ أَنَّهُ مِنْ حِينِهِ.
ب - الْفَسْخُ بِخِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّصْرِيَةِ: الأْصَحُّ مِنْ حِينِهِ.
ج - تَلَفُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ: الأْصَحُّ الاِنْفِسَاخُ مِنْ حِينِ التَّلَفِ.
د - الْفَسْخُ بِالتَّحَالُفِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي: الأْصَحُّ مِنْ حِينِهِ.
هـ - السَّلَمُ: يَرْجِعُ الْفَسْخُ إِلَى عَيْنِ رَأْسِ الْمَالِ.
و - الْفَسْخُ بِالْفَلَسِ: مِنْ حِينِهِ.
ز - الرُّجُوعُ فِي الْهِبَةِ: مِنْ حِينِهِ قَطْعًا.
ح - فَسْخُ النِّكَاحِ بِأَحَدِ الْعُيُوبِ: الأْصَحُّ مِنْ حِينِهِ.
ط - الإْقَالَةُ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا فَسْخٌ: الأْصَحُّ مِنْ حِينِهِ .
وَيُلاَحَظُ أَنَّ أَغْلَبَ حَالاَتِ الْفَسْخِ فِي رَأْيِ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهَا أَثَرٌ رَجْعِيٌّ.
وَذَكَرَ ابْنُ رَجَبٍ الْحَنْبَلِيُّ خِلاَفًا فِي الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ الْمُسْتَنِدِ إِلَى مُقَارِنٍ لِلْعَقْدِ، هَلْ هُوَ رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ حِينِهِ ؟
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ بِسَبَبِ الْعَيْبِ - إِمَّا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ أَوْ بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ - رَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَثَرٌ عَلَى الْمَاضِي، فَتَكُونُ غَلَّةُ الْمَرْدُودِ بِعَيْبٍ لِلْمُشْتَرِي مِنْ وَقْتِ عَقْدِ الْبَيْعِ وَقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ، وَتَثْبُتُ الشُّفْعَةُ لِلشَّرِيكِ بِمَا وَقَعَتْ بِهِ الإْقَالَةُ .
قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلاً عَنْ شَيْخِ الإْسْلاَمِ: إِنَّ الْفَسْخَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لاَ فِي مَا مَضَى .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والثلاثون ، الصفحة / 133
فِي الأْشْيَاءِ الْقِيَمِيَّةِ إِذَا وَجَبَ ضَمَانُهَا:
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ:
أ - الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
5 - الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَاجِبُ الْفَسْخِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَيَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إِلَى الْبَائِعِ، وَرَدُّ الثَّمَنِ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَإِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَكَانَ قِيَمِيًّا كَالْحَيَوَانِ وَالْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَنْصُورٍ وَأَبِي طَالِبٍ.
وَحَكَى الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي الْفُصُولِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ يُضْمَنُ بِالْمُسَمَّى، وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ وَقَالَ: إِنَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ .
وَيُفَصِّلُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ وَبَيْنَ الْفَاسِدِ الْمُتَّفَقِ عَلَى فَسَادِهِ.
فَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ الْمُخْتَلَفِ فِي فَسَادِهِ - وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ - إِذَا فَاتَ الْمَبِيعُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ إِلاَّ مَا يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ.
وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ إِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَمِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَهَذَا مَا مَشَى عَلَيْهِ خَلِيلٌ وَهُوَ الْمَشْهُورُ، وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ شَاسٍ وَابْنِ الْحَاجِبِ، وَأَصْلُهَا لاِبْنِ يُونُسَ وَعَزَاهَا لاِبْنِ الْقَاسِمِ فِي غَيْرِ الْمُدَوَّنَةِ.
وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ لاِبْنِ رُشْدٍ وَابْنِ بَشِيرٍ وَاللَّخْمِيِّ وَالْمَازِرِيِّ أَنَّ اللاَّزِمَ مَعَ الْفَوَاتِ هُوَ الْقِيمَةُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا أَمْ مِثْلِيًّا .
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ مِثْلَهُ فِي الْمِثْلِيِّ، وَأَقْصَى قِيَمِهِ إِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَهَذَا مَا جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ كَمُغْنِي الْمُحْتَاجِ وَأَسْنَى الْمَطَالِبِ، وَقَالَ الشِّهَابُ الرَّمْلِيُّ تَعْلِيقًا عَلَى قَوْلِ الرَّوْضِ: (يُضْمَنُ الْمَبِيعُ التَّالِفُ بِالْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ)، هَذَا مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ، وَإِنْ صَحَّحَ الْ
مَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ أَيْضًا، وَادَّعَى فِي الْبَحْرِ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِيهِ.
كَذَلِكَ ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ الرَّافِعِيَّ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْقِيمَةِ دُونَ تَفْصِيلٍ بَيْنَ الْمِثْلِيِّ وَالْمُتَقَوِّمِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ، لَكِنَّ الزَّرْكَشِيَّ قَالَ: إِنَّهُ ضَعِيفٌ .
هَذَا الَّذِي سَبَقَ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْعِ الْفَاسِدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ وَالْبَاطِلُ سَوَاءٌ عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْبَيْعِ الْبَاطِلِ فَإِنَّ الْمَبِيعَ إِذَا تَلِفَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنَفِيَّةَ؛ لأِنَّهُ أَمَانَةٌ فِي يَدِهِ فَيَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ؛ لأِنَّ الْبَائِعَ مَا رَضِيَ بِقَبْضِهِ مَجَّانًا .
وَقْتُ وُجُوبِ الْقِيمَةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ:
6 - إِذَا وَجَبَتْ قِيمَةُ الْمَبِيعِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَلِلْفُقَهَاءِ اتِّجَاهَاتٌ فِي وَقْتِ وُجُوبِ الْقِيمَةِ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ يَوْمَ قَبْضِ الْمَبِيعِ، قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُ فِي يَدِهِ فَأَتْلَفَهُ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ فَلاَ يَتَغَيَّرُ كَالْغَصْبِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَوَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَجِبُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ يَوْمَ تَلَفِ الْمَبِيعِ قَالُوا: لأِنَّهُ مَأْذُونٌ فِي إِمْسَاكِهِ فَأَشْبَهَ الْعَارِيَّةَ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْقِيمَةَ تَجِبُ بِأَقْصَى الْقِيَمِ مِنْ حِينِ الْقَبْضِ إِلَى حِينِ التَّلَفِ؛ لأِنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ بِرَدِّهِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ فِي الْغَصْبِ، قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: فَيَخْرُجُ هَاهُنَا (الْبَيْعُ الْفَاسِدُ)، بَلْ هُوَ هُنَا أَوْلَى؛ لأِنَّ الْعَيْنَ كَانَتْ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهَا فِي حَالِ زِيَادَتِهَا وَعَلَيْهِ ضَمَانُ نَقْصِهَا مَعَ زِيَادَتِهَا، فَكَذَلِكَ فِي حَالِ تَلَفِهَا.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ تَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْبَيْعِ .
الْمَبِيعُ فِي الْبَيْعِ الْمَفْسُوخِ لِلاِخْتِلاَفِ فِي الثَّمَنِ:
10 - إِذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي ثَمَنِ الْمَبِيعِ فَقَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُكَ بِكَذَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ بِكَذَا وَلاَ بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، تَحَالَفَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ إِنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا.
فَإِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ ضَمَانِهِ.
فَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ قَوْلُ النَّوَوِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَصَحَّحَهُ فِي الْحَاوِي، وَهُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَا فِي التَّوْضِيحِ وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ الْمَبِيعَ بِالْقِيمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِثْلِيًّا أَمْ قِيَمِيًّا.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَضْمَنُ الْمِثْلَ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَالْقِيمَةَ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا .
مَا يُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ وَالْمِثْلِ مَعًا:
11 - مِنَ الْمَضْمُونَاتِ مَا تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ وَالْمِثْلُ مَعًا، وَذَلِكَ فِي الصَّيْدِ الْمَمْلُوكِ إِذَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ أَوْ قَتَلَهُ الْحَلاَلُ فِي الْحَرَمِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ بِالْقِيمَةِ لِلْمَالِكِ وَبِالْمِثْلِ الصُّورِيِّ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا اسْتَعَارَ صَيْدًا مَمْلُوكًا مِنْ حَلاَلٍ وَتَلِفَ عِنْدَهُ، وَهَذَا إِذَا كَانَ لَهُ مِثْلٌ لقوله تعالي : (فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ) .
فَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ مِنَ النَّعَمِ كَالْعَصَافِيرِ الْمَمْلُوكَةِ وَجَبَتْ فِيهِ قِيمَتَانِ: إِحْدَاهُمَا تَجِبُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، )وَالأْخْرَى تَجِبُ لِمَالِكِهِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 61
مُتَارَكَةٌ
التَّعْرِيفُ :
1 - الْمُتَارَكَةُ فِي اللُّغَةِ:
مَصْدَرُ تَارَكَ مِنَ التَّرْكِ وَهُوَ التَّخْلِيَةُ وَالْمُفَارَقَةُ يُقَالُ: تَتَارَكُوا الأْمْرَ بَيْنَهُمْ أَيْ تَرَكَهُ كُلٌّ مِنْهُمْ، وَتَارَكَهُ الْبَيْعَ مُتَارَكَةً إِذَا خَلاَّهُ كُلٌّ مِنْهُمْ .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: لَمْ يُعَرِّفِ الْفُقَهَاءُ الْمُتَارَكَةَ تَعْرِيفًا وَاضِحًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ لَفْظَ الْمُتَارَكَةِ بَلِ اسْتَعَاضُوا عَنْهُ بِلَفْظِ الْفَسْخِ وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ اسْتَعْمَلُوا لَفْظَ الْمُتَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ بِمَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ فِي الْجُمْلَةِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
الإْبْطَالُ:
2 - الإْبْطَالُ لُغَةً: إِفْسَادُ الشَّيْءِ وَإِزَالَتُهُ حَقًّا كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ أَوْ بَاطِلاً . وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الْحُكْمُ عَلَى الشَّيْءِ بِالْبُطْلاَنِ سَوَاءٌ وُجِدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ سَبَبُ الْبُطْلاَنِ أَوْ وُجِدَ وُجُودًا حِسِّيًّا لاَ شَرْعِيًّا وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ بِمَعْنَى الْفَسْخِ وَالإْفْسَادِ وَالإْزَالَةِ وَالنَّقْضِ وَالإْسْقَاطِ مَعَ اخْتِلاَفٍ فِي بَعْضِ الْوُجُوهِ .
رُكْنُ الْمُتَارَكَةِ
3 - قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الأْصْلُ فِي الْمُتَارَكَةِ أَنْ تَكُونَ بِاللَّفْظِ الْمُعَبَّرِ بِهِ عَنْهَا مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ كَتَرَكْتُ وَفَسَخْتُ وَنَقَضْتُ، وَتَصِحُّ بِلَفْظِ الطَّلاَقِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلاَ يَنْقُصُ بِهَا عَدَدُ الطَّلَقَاتِ عَلَى الزَّوْجِ .
وَيَحِلُّ مَحَلَّ اللَّفْظِ فِي أَغْلَبِ الأْحْوَالِ الْفِعْلُ الْمُعَبَّرُ بِهِ عَنْهَا مِثْلُ رَدِّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا عَلَى بَائِعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ فَتَصِحُّ وَيَبْرَأُ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ . هَذَا فِي الْمُعَاوَضَاتِ عَامَّةً. وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا؟.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِنَّ الْحَنَفِيَّةَ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُتَارَكَةَ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ لاَ تَتَحَقَّقُ بَعْدَ الدُّخُولِ إِلاَّ بِالْقَوْلِ كَتَرَكْتُكِ وَخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمَدْخُولِ بِهَا فَقِيلَ: تَكُونُ الْمُتَارَكَةُ بِالْقَوْلِ أَوْ بِالتَّرْكِ عَلَى قَصْدِ عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا، وَقِيلَ: لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِالْقَوْلِ كَحَالِ مَا بَعْدَ الدُّخُولِ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا وَمَضَى عَلَى عِدَّتِهَا سُنُونَ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ هَذَا إِذَا تَرَكَهَا مَعَ الْعَزْمِ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا فَإِذَا تَرَكَهَا مِنْ غَيْرِ عَزْمٍ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ مُتَارَكَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَخَالَفَ زُفَرُ فِي ذَلِكَ وَعَدَّهَا مُتَارَكَةً أَيْضًا وَأَوْجَبَ عَلَيْهَا الْعِدَّةَ مِنْ تَارِيخِ آخِرِ لِقَاءٍ لَهُ بِهَا .
مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْمُتَارَكَةِ مِنْ أَحْكَامٍ :
4 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ كُلَّ مَبِيعٍ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ رَدَّهُ الْمُشْتَرِي عَلَى بَائِعِهِ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ: كَإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَوَقَعَ فِي يَدِ بَائِعِهِ فَهُوَ مُتَارَكَةٌ لِلْبَيْعِ وَبَرِئَ الْمُشْتَرِي مِنْ ضَمَانِهِ .
وَقَالُوا: يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَسْخُهُ وَلَوْ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْ صَاحِبِهِ دَخَلَ بِهَا أَوْ لاَ فِي الأْصَحِّ خُرُوجًا عَنِ الْمَعْصِيَةِ فَلاَ يُنَافِي وُجُوبَهُ بَلْ يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَتَجِبُ الْعِدَّةُ بَعْدَ الْوَطْءِ لاَ الْخَلْوَةِ لِلطَّلاَقِ لاَ لِلْمَوْتِ مِنْ وَقْتِ التَّفْرِيقِ أَوْ مُتَارَكَةِ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمِ الْمَرْأَةُ بِالْمُتَارَكَةِ فِي الأْصَحِّ .
وَإِذَا تَمَّتِ الْمُتَارَكَةُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ وَتَحَقَّقَ رُكْنُهَا انْقَضَتْ كُلُّ آثَارِ الْعَقْدِ الَّذِي وَرَدَتْ عَلَيْهِ لاِنْتِقَاضِهِ بِهَا وَوَجَبَ رَدُّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بَعْدَهَا إِلَى الْحَالَةِ الَّتِي كَانَا عَلَيْهَا قَبْلَ التَّعَاقُدِ مَا أَمْكَنَ فَيَتَرَادَّ الْمُتَعَاقِدَانِ الْبَدَلَيْنِ وَيَتَفَرَّقُ الزَّوْجَانِ وَيَكُونُ كُلُّ لِقَاءٍ لَهُمَا بَعْدَهُ حَرَامًا وَزِنًا يُوجِبُ الْحَدَّ. فَإِذَا تَعَذَّرَ ذَلِكَ كَمَا لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ أَوْ وَلَدَتِ الْمَرْأَةُ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ ثُمَّ تَمَّتِ الْمُتَارَكَةُ وَجَبَ عَلَى الْمُشْتَرِي رَدُّ قِيمَةِ الْمَبِيعِ بَالِغًا مَا بَلَغَ لِتَعَذُّرِ رَدِّ عَيْنِهِ كَمَا وَجَبَ عَلَى الزَّوْجَيْنِ التَّفَرُّقُ إِثْرَ الْمُتَارَكَةِ مَعَ ثُبُوتِ نَسَبِ الْوَلَدِ، وَكَذَلِكَ إِثْبَاتُ الْمَهْرِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حِفْظًا لِحَقِّ الشَّرْعِ فِي الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ وَحَقِّ الْوَلَدِ فِي النَّسَبِ وَهِيَ مِنَ الْحُقُوقِ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الإْلْغَاءَ .
__________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 337)
إذا وقع البيع فاسداً فلا يملك المشتري المبيع إلا إذا قبضه برضا بائعه وإذا تعذر رده ضمنه بمثله لو مثلياً وإلا فقبضه يوم قبضه.
(مادة 338)
إذا وقع البيع باطلاً فلا ينعقد أصلاً وإذا قبض المشتري المبيع فلا يكون مالكاً له وإن هلك في يده ضمن مثله إن وجد أو قيمته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (105) :
(ا) الإقالة رفع العقد وإزالته ولا خيار فيها ولا شفعة .
(ب) تترتب آثار الإقالة من حينها لا من أصل العقد المتقایل منه .
(ج) تصح الإقالة بلفظها وبكل ما أدى معناها .
إيضاح
(ا) الإقالة فسخ العقد : وهي عبارة عن الرفع والإزالة يقال : أقال الله عثرتك : أي أزالها ، ورد الأمر إلى ما كان عليه قبل العقد ، ورجوع كل من العاقدين إلى ما كان له ، وهي مشروعة عند الندم الحديث أبي هريرة مرفوعا: (من أقال مسها أقال الله عنه يوم القيامة ولا خيار في الإقالة ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يفسخ ، ولا شفعة في الإقالة ، لأن المقضي لها هو البيع ولم يوجد .
(ب) الفسخ بالإقالة رفع للعقد من حين الفسخ ، لا من أصله . فما حصل من ماء کسب و نماء منفصل فلم مشتری لحديث : ( الخراج بالضمان ) . ويبقى المبيع بعد التقابل أمانة بيد اشتری، ومؤنة رده على البائع ، لرضاه بقائه أمانة بيد المشتري بعد النقابل ، فلا يلزمه مؤنة رده .
(ج) تصح الإقالة بلفظها ، بأن يقول : أقلتك ، و بلفظ مصالحة ، و بلفظ بيع ، وما يدل على معاطاة ، لأن المقصود المعنى فكل ما يتوصل به إليه أجزأ .
مادة (106) :
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مطلقا ، وبعد نداء الجمعة وتصح من المضارب والشريك ولو بلا إذن رب المال ، أو الشريك ، ومن المفلس بعد الحجر عليه .
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع .
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف المبيع ، ولا بزيادة على الثمن أو نقصه ، ولا بغير جنسه، ولا مع موت أحد العاقدين أو غيبته .
إيضاح
(ا) تصح الإقالة قبل قبض مبیع مطلقا حتى فيا يحتاج لحق توفية ، لأنها فسخ ، والفسخ لا يعتبر فيه القبض . وتصح بعد نداء الجمعة ،
کسائر الفسوخ . وتصح من مضارب وشريك ولو بلا أذن رب المال أو الشريك لظهور المصلحة فيها ، لامن وكل في شراء أو في بيع ، لأنه لا يملك الإقالة بغير إذن الموكل لأنه لم يوكله في الفسخ . كما تصح من مفلس بعد حجر عليه لمصلحة .
(ب) لا يلزم لصحة الإقالة أن تتوافر فيها شروط البيع ، فيصح
التقايل في آبق وشارد كما لو فسخ فيهما بخيار شرط.
(ج) لا تصح الإقالة مع تلف مبيع مطلقا لقوات محل الفسخ ، ونصح مع تلف ثمن ، ولا تصح مع زيادة على ثمن معقود به أو مع نقصه، أو بغير جنسه ، لأن مقتضى الإقالة رد الأمر إلى ما كان عليه ورجوع كل منهما إلى ما كان له ، كما لا تصح مع موت أحد العاقدين أو غيبته .