loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 350

العمل غير المشروع

المذكرة الإيضاحية :

نظرة عامة :

بالغ التقنين السابق في إلتزام الإنجاز بصدد الأحكام الخاصة بالعمل غير المشروع وليس يخلو هذا الوضع من شيء من الغرابة ، ولا سيما إذا روعي أن أحكام المسئولية التقصيرية قد أصابت ، منذ صدور التقنين المدني الفرنسي ، وبوجه خاص منذ صدور التقنينات المصرية ، من بسطة النطاق ما يؤهلها لأن تشغل في تقنين عصري مكاناً لا يدانيه في أهميته ما أفرد لها حتى اليوم .

وقد عرض المشروع لأحكام العمل غير المشروع في قسمين رئيسين : أفرد أولها المسئولية عن الأعمال الشخصية ، وهي المسئولية العامة أصلاً ، وقوامها إثبات الخطأ أما القسم الثاني فقد جمعت فيه أحوال المسئولية عن عمل الخير ، والمسئولية الناشئة عن الأشياء ، وهي أحوال تقوم فيها المسئولية على افتراض الخطأ .

وقد استهل المشروع القسم الأول بالقاعدة الأساسية في المسئولية عن الخطأ الثابت ، فأفرغها في نص واضح موجز اقتبسه من المشروع الفرنسي الإيطالى والواقع أن التقنيات اللاتينية ، في هذه الناحية ، أرق في صياغتها التشريعية من التقنين الألماني فهذا التقنين ، بدلاً من أن يضع مبدأ تنطوي في عمومه جميع التطبيقات التفصيلية للخطأ الشخصي ، يبدأ بطائفة من النصوص تعرض لحالات خاصة ، ومن هذه الحالات يستخلص المبدأ العام ومذهبه هذا يقرب من مذهب القانون الإنجليزي ، ولكنه أخلق بنظام قانوني يقوم على أحكام القضاء، وعلى التطبيق في المسائل التفريعية ، منه بتقنين يقصد به إلى تقرير مبادئ عامة ولهذه العلة أعرضت عنه ذات التقنيات التي درجت على استلهام التقنين الألماني ، كتقنين الإلتزامات السويسري، والتقنين المساوى المعدل، و التقنين البولوني ويراعى ، من ناحية أخرى ، أن نظرية التعسف في استعمال الحق لم يفرد لها مكان بين أحكام المسئولية ، بل عولجت في سياق النصوص التمهيدية ، بإعتبار أن ما لها من عموم التطبيق يجاوز حدود هذه الأحكام .   

ثم إن المشروع عرض بالضبط والتحديد الأحكام مختلفة تتعلق بهذا الشق من المسئولية التقصيرية ، غدد أولا أهلية المساءلة عن العمل غير المشروع ، وجعل مناطها من التمييز ، بل وقرر جواز مساءلة غير المميز عن الضرر الذي يقع منه ، إذا لم يتيسر رجوع المضرور بالتعويض على من نيطت به الرقابة بيد أن المسئولية لا تكون كاملة في هذه الحالة ، إذ يجوز للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل ، مراعية في ذلك مركز الخصوم ، وهذه صورة من صور المسئولية المادية أو الموضوعية ، أقرها المذهب الجرماني ، وأخذ بها المشروع الفرنسي الإيطالي ، وهي بعد تساير مبادئ الشريعة الإسلامية وقد تكون مسئولية فاقد التمييز شخصية ، على أن هذا لا يتحقق إلا إذا ثبت أنه فقد التمييز بخطأ منه ، كذلك قرر المشروع التضامن ، عند تعدد المسئولين عن عمل ضار ، وبين كيفية الرجوع فيما بينهم أنه رسم في نصوص مفصلة حدود التعويض عن الضرر المادي ، والضرر الأدبي ، وقد ردها إلى فكرتين : أولهما فكرة النتائج الطبيعية للعمل الضار ، وقد استعاض بها عن فكرة النتائج المباشرة التي كانت متبعة من قبل، والثانية فكرة الإرتباط الواجب بين مدى التعويض وجسامة الخطأ وقد استكثر المشروع من طرق التعويض ، فلم يجعل الأمر قاصرا على الإلزام بأداء مبلغ معين ، بل أجاز للقاضی أن يحكم بإراد مرتب وأن يحتفظ بحق إعادة النظر في الحكم خلال مدة معقولة ، بل وجعل له أن يأمر بإعادة الحالة إلى ما كانت عليه ، أو أن يأمر باجراء أمر معين ، عملا كان أو امتناءآ عن عمل وأنشأ إلى جانب التقادم العادي ، وهو يتم بانقضاء خمس عشرة سنة تبدأ من يوم وقوع العمل غير المشروع ، تقادماً قصيراً مدته ثلاث سنوات ، يبدأ سريانها من اليوم الذي يعلم فيه المضرور بحدوث الضرر إلا أنه سوى في المدة بين تقادم الدعوى المدنية والدعوى الجنائية ، إذا كانت دعوی التعويض ناشئة عن جريمة .

وقد نص المشروع على أسباب الإعفاء من المسئولية مبتدئاً بالسبب الأجنبي وهو يشمل الحادث الفجائي أو القوة القاهرة ، وخطأ المصاب ، وخطأ الخير ، ويراعى في هذا الصدد، أن رضاء المصاب، والخطأ المشترك يعتبر في الكثرة الغالبة من الأحوال من أسباب تخفيف المسئولية ، كما أن الدفاع الشرعي وحالة الضرورة و الإكراه الأدب قد جعلت جميعاً من أسباب الإباحة .

أما الفرع الثاني من هذا الفصل وهو الذي أفرد للمسئولية عن عمل الغير ، والمسئولية الناشئة عن الأشياء ، فقد ضبط المشروع فيه حدود أحكام مختلفة ، مسترشداً في ذلك بما جرى عليه القضاء، في مسئولية الشخص عمن هم تحت رقابته نص صراحة على أن المسئول هو كل من تولى رقابة شخص في حاجة إلى الرقابة بسبب قصره أو حالته العقلية أو الجسمية .

وكذلك ذكر أن قرينة افتراض الخطأ يجوز إسقاطها بإثبات العكس، وفي مسئولية المتبوع عن أعمال تابعيه ، جارى القضاء في توسعه ، جعل المتبوع مسئولاً، إذا كانت الوظيفة قد هيأت الفرصة للتابع في إرتكاب العمل غير المشروع ولو لم يكن هذا العمل من بين أعمال تلك الوظيفة ثم حدد علاقة التبعية تحديداً واضحاً ، وجعل قرينة افتراض الخطأ قاطعة لا تنقض بالدليل العكسي ، وفي المسئولية الناشئة عن الأشياء أفسح للأحكام الخاصة بالمسئولية عن البناء ، وقد أغفلها التقنين السابق، مكانا إلى جانب أحكام المسئولية عن فعل الحيوان ، على أن أهم ما استحدث في هذا الشأن هو النص الخاص بمسئولية من يتولى حراسة أشياء تتطلب عناية خاصة في حراستها ، فقد اتبع هذا التمر مذهب القضاء في فرنسا بإعتباره أكفل بالاستجابة المقتضيات الحياة الإقتصادية الحديثة .

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- نستظهر المادة 230 من المشروع في عبارة أكثر ما تكون إيجاز ووضوحاً حكم المسئولية التقصيرية في عناصرها الثلاثة، فترتب الإلتزام بالتعويض على كل خطأ سبب ضرراً للغير ، فلا بد إذن من توافر خطأ ، وضرر ، ثم علاقة سببية تقوم بينهما، ويغني لفظ و الخطأ ، في هذا المقام عن سائر النعوت والتي التي تخطر البعض في معرض التعبير اصطلاح العمل غير المشروع، أو العمل المخالف للقانون، أو الفعل الذي يحرمه القانون، الخ .. فهو يتناول الفعل (الامتناع) والفعل الإيجابي ، وتنصر في دلالته إلى مجرد الإهمال والفعل العمد، على حد سواء وغني عن البيان أن سرد الأعمال التي يتحقق فيها معنى الخطأ ، في نصوص التشريع ، لا يكون من ورائه إلا إشكال وجه الحكم، ولا يؤدي فقط إلى وضع بیان جامع مانع . فيجب أن يترك تحديد الخطأ التقدير القاضي و هو يسترشد ، في ذلك ، بما يستخلص من طبيعة نهي القانون عن الإضرار من عناصر التوجيه فثمة التزام يفرض على الكافة عدم الإضرار بالغير ، ومخالفة هذا النهي هي التي ينطوي فيها الخطأ ويقتضى هذا الإلتزام تبصراً في التصرف ، يوجب إعمال ببذل عناية الرجل الحريص ، وقد أقر التقنين النمساوي هذا الضابط التوجه إقراراً تشريعياً ، فنص في المادة 1297 على أنه يفترض فيمن يتمتع بقواه العاقلة أن تتوافر لديه درجة الانتباه ، والعناية ، التي تتوقع في سواد الناس ويتحقق معنى الخطأ في كل عمل ينشأ عنه ضرر بحقوق الغير ، إذا لم يلتزم من وقع منه هذا العمل ، تلك الدرجة .

2 - وقد عرض التقنين البولوني ، بعد أن وضع المبدأ العام في المسئولية التقصيرية ، لصورة التحريض والإعانة على الأضرار ، وصورة الإفادة من الضرر فقرر في المادة 136 مسئولية من يحرض شخصاً آخر على الإضرار بالغير ، أو يعينه على ذلك ، كما قرر مسئولية من يفيد عن بينة من ضرر يصيب الغير أما حكم الصورة الأولى ، وهي الخاصة بمسئولية الشريك فلا وجه للشك فيه، لأن الإشتراك في ذاته يعتبر خطأ مستقلاً ولكن حكم الصورة الثانية ، لا يزال محلاً للنظر من وجوه ، فإذا لم يكن قد وقع من أثرى على هذا النحو خطأ معين ، ولم يجاوز أمره حدود الإنتفاع عن بينة من ضرر أصاب الغير ، فلا تجوز مساءلته إلا بمقتضى قواعد الإثراء بلا سبب . ( أنظر المادة 50 من تقنين الإلتزامات السويسري).

3 - ولما كان الأصل في المسئولية التقصيرية ، بوجه عام، أن تناط بخطأ يقام الدليل عليه ، لذلك ألقي عبء الإثبات فيها على عاتق المضرور ، وهو الدائن ويراعى أن المشروع لم يبلغ في هذه الناحية شأن التقنين السوفيتي في ابتناء تلك المسئولية على أساس الخطأ المفروض فقد انتهى هذا التقنين ، تفريعاً على ذلك ، إلى تقرير قاعدة أخرى بشأن الإثبات فقضى في المادة 403 بأن من أضر بالغير في شخصه أو ماله يلزم بتعويض الضرر ، ويبرأ من التزامه هذا إذا أقام الدليل على أنه لم يكن في مقدوره أن يتقي هذا الضرر ، أو أنه كانت له سلطة إحداثه قانوناً ، أو أنه حدث من جراء سبق إصرار المضرور ، أو إهماله الفاضح ويراعي من ناحية أخرى أن الشقة بين أحكام المشروع و بين المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة، لا تزل أبعد مدى ما يغرق تلك الأحكام عن المسئولية على أساس الخطأ المفروض ذلك أن الأوضاع الإقتصادية في البلاد لا تقتضي تطوراً يبلغ في عمقه مثل هذا المدى ، وقصارى ما هنالك أن المشروع قنع بتطبيق المسئولية على أساس الخطأ المفروض ، في نطاق الأحكام الخاصة بالمسئولية عن عمل الغير ، و المسئولية الناشئة عن الأشياء أما المسئولية على أساس تبعة المخاطر المستحدثة فلا يوجد بشأنها سوى تشريعات خاصة تناولت تنظيم مسائل بلغت من النضج ما يؤهلها لهذا الضرب من التنظيم .

المشروع في لجنة المراجعة

تليت المادة 230 من المشروع التمهيدي ، ثم قرئ تعديل لفظي اقترحه معالى عبد العزيز فهمى باشا فأقره الأعضاء ، وأصبح النص النهائي :

(كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض) وأصبح رقم المادة 167 في المشروع النهائي .

المشروع في مجلس النواب

 وافق المجلس على المادة دون تعديل ، تحت رقم 167 .

المشروع في مجلس الشيوخ

مناقشات لجنة القانون المدني :

وافقت اللجنة بالإجماع على المادة دون تعديل .

وأصبح رقمها 163.

مناقشات المجلس :

وافق المجلس على المادة دون تعديل .

 

الأحكام

1 ـ تنص المادة 163 من القانون المدنى على أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من إرتكبه بالتعويض . و تنص المادة 174 من ذلك القانون على أن يكون المتبوع مسئولاً عن الضرر الذى يحدثه تابعه بعمله غير المشروع من كان واقعاً منه فى حال تأدية وظيفتة أو بسببها . و من ثم تكون مسئولية المتبوع عن تابعة ليست مسئولية ذاتية و إنما هى فى حكم مسئولية الكفيل المتضامن كفالة ليس مصدرها العقد و إنما مصدرها القانون . و لا يجدى فى هذه الحالة التحدى بنص المادة 42 من القانون 63 لسنة 1964 التى لا تجيز للمصاب فيما يتعلق بإصابات العمل أن يتمسك ضد الهيئة بأحكام أى قانون آخر و لا تجيز له ذلك أيضاً بالنسبة لصاحب العمل إلا إذا كانت الإصابة قد نشأت عن خطأ جسيم من جانبه . ذلك أن مجال تطبيق هذه المادة هو عند بحث مسئولية رب العمل الذاتية .

(الطعن رقم 1527 لسنة 48 جلسة 1979/12/20 س 30 ع 3 ص 337 ق 401)

2 ـ أن المنافسة التجارية غير المشروعة تعتبر فعلاً ضاراً يستوجب مسئولية فاعله عن تعويض الضرر المترتب عليه عملاً بالمادة 163 من القانون المدنى ويعد تجاوزاً لحدود المنافسة غيــــر المشروعة ارتكاب أعمال مخالفة للقانون او العادات أو استخدام وسائل منافية لمبادئ الشرف والأمانة فى المعاملات .

(الطعن رقم 3251 لسنة 81 جلسة 2013/02/20)
(الطعن رقم 2274 لسنة 55 جلسة 1986/12/22 س 37 ع 2 ص 1016 ق 207)

3 ـ مؤدى حكم المادة الثالثة من القانون رقم 57 لسنة 1939 أنه يتوقف على كسب ملكية العلامة التجارية حق خاص قاصر على صاحبها يخوله وحده دون غيره استعمالها وذلك فى تميز منتجاته عن مثيلاتها وما يشابهها من المنتجات المنافسة ، ويقصد بهذا الاستعمال المعنى الواسع الذى يمتد فى هذا المجال إلى كل فعل ليس من شأنه أن يحول بين المالك والاستئثار باستعمال هذه العلامة والحيلولة دون قيام غيره بالتعامل مع المنتجات التى تستخدمها أو استعمال هذه العلامة بغير ترخيص ووضعها على منتجاته على نحو ما حرمته المادة 33 من قانون العلامات التجارية سالف البيان ، وتتسع معه الحماية المقررة لها على كل ما ينطوى عليه الاعتداء من أضرار أياً كان نوعها وذلك تطبيقاً لأحكام المادة 163 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 9008 لسنة 66 جلسة 2008/01/22 س 59 ص 115 ق 20)

4 ـ إذا اختلف وقت تحقق الضرر عن وقت الفعل المعتبر أساساً للمسئولية التقصيرية فالعبرة هى بوقت تحقق الضرر ذلك أن أهمية الخطأ فى قيام هذه المسئولية محدودة ، فالخطأ قد يكون مفترضاً ...... بل قد ينبنى الحق فى التعويض على مجرد تحمل التبعة ، أما الضرر فهو حجر الزاوية فى قيام هذا الحق ، يدل على ذلك ما جاء بنص المادة 163 من القانون المدنى ثم ما تلاه من أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلتزم مرتكبه بالتعويض وما ورد بالمذكرة الإيضاحية من أن " المشرع اكتفى بمجرد لفظ الخطأ ليترك تحديده لتقدير القاضى حسب كل حالة ، لأن سرد الأعمال التى يتحقق فيها معنى الخطأ لا يكون من ورائه إلا إشكال وجه الحكم ...... فثمة التزام يفرض على الكافة بعدم الإضرار بالغير ومخالفة هذا النهى هى التى ينطوى فيها الخطأ " فشاغل المشرع المدنى هو علاج آثار الضرر الذى أصاب الغير وليس تقويم سلوك مرتكب الفعل ، إذ لا تقوم المسئولية المدنية مهما كان جسامة الخطأ إلا إذا تحقق الضرر ولهذا عنى القانون المدنى فى المادتين 221 ، 222 منه ببيان الضرر المادى والأدبى وعناصرهما وحالات انتقال الحق فى التعويض إلى الغير ثم فرض بنص المادة 169 التضامن عند تعدد المسئولين ضماناً للحق فى التعويض ، وصرح فى المادة 170 بأنه إذا لم يتيسر للقاضى وقت الحكم أن يعين مدى التعويض تعييناً نهائياً ، فله أن يحتفظ للمضرور بالحق فى أن يطالب خلال مدة معينة بإعادة النظر فى التقدير ، ونص فى المادة 172 على أن تسقط بالتقادم دعوى التعويض الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات من اليوم الذى علم فيه المضرور بحدوث الضرر وبالشخص المسئول عنه لأن الحق فى رفع الدعوى لا يقوم إلا إذا تحقق وقوع الضرر ، بمعنى أن يكون قد وقع بالفعل أو أن يثبت أنه سيقع حتماً فى المستقبل .

(الطعن رقم 6891 لسنة 75 جلسة 2007/10/22 س 58 ص 677 ق 116)

5 ـ حيث إنه عن النعى على الحكم المطعون فيه خطأه فى تطبيق القانون إذ أقام قضاءه بالتعويض على سند من المادة 163 من القانون المدنى فهو فى غير محله بالنسبة لما قضى به من إلزام الطاعن بمبلغ 5852 جنية عن مساحة 5/3 22س 1ط - تم الإستيلاء عليها من ملكه وأضيف إلى جسر المصرف وتداخلت فيه بدلا من الجزء الذى تأكل نتيجة توسعته، ذلك أن البين من الأوراق أن المطعون عليه طلب فيها إلزام الطاعن بهذا المبلغ الذى يمثل قيمة ما استولى عليه الأخير من الأطيان المملوكة له - موضوع التداعى وهو بهذه المثابة ليس من قبيل التعويضات المنصوص عليها فى المادة الخامسة من القانون رقم 74 لسنة 1971 بشأن الرى والصرف التى يقابلها المادة الخامسة من قانون الرى والصرف رقم 12 لسنة 1984 المشار إليه بل هى بمثابة تعويض للمطعون عليه عن استيلاء الطاعن على قطعة أرض مملوكة له جبرا عنه وتخصيصها بالفعل للمنفعة العامة دون اتباع إجراءات نزع الملكية المنصوص عليها فى القانون رقم 577 لسنة 1954 ومن ثم يعتبر - وعلى ما جرى عليه قضاء هذه المحكمة - بمثابة غصب يستوجب مسئوليته عن التعويض ويكون شأن المالك عند مطالبته بالتعويض شأن المضرور من أى عمل غير مشروع وبالتالى فلا إختصاص للجنة المنصوص عليها فى قانون الرى والصرف بنظر هذه المنازعات وفقا للأسس والإجراءات التى حددها القانون المشار إليه.

(الطعن رقم 793 لسنة 60 جلسة 1994/12/25 س 45 ع 2 ص 1668 ق 312)

6 ـ رتب المشرع فى المادة 163 من القانون المدنى الإلتزام بالتعويض على كل خطأ سبب ضرراً للغير ، و أورد عبارة النص فى صيغة عامة بما يجعلها شاملة لكل فعل أو قول خاطىء سواء أكان مكوناً لجريمة معاقباً عليها ، أم كان لا يقع تحت طائلة العقاب و يقتصر على الإخلال بأى واجب قانونى لم تكلفه القوانين العقابية بنص خاص ، و مؤدى ذلك أن المحكمة المدنية يجب عليها البحث فيما إذا كان الفعل أو القول المنسوب للمسئول - مع تجرده من صفة الجريمة - يعتبر خروجاً على الإلتزام القانونى المفروض على الكافة ، بعدم الإضرار بالغير دون سبب مشروع ، فلا يمنع إنتفاء الخطأ الجنائي من القول أو الفعل المؤسس عليه الدعوى من توافر الخطأ فى هذا القول أو الفعل .

(الطعن رقم 1041 لسنة 52 جلسة 1985/12/19 س 36 ع 2 ص 1147 ق 236)

7 ـ المقرر أن التعويض مقياسه الضرر المباشر الذى أحدثه الخطأ ويشتمل هذا الضرر على عنصرين جوهريين هما الخسارة التى لحقت بالمضرور والكسب الذى فاته ، هذان العنصران هما اللذان يقومهما القاضى بالمال على ألا يقل عن الضرر أو يزيد عليه متوقعاً كان هذا الضرر أم غير متوقع متى تخلف عن المسئولية التقصيرية .

(الطعن رقم 10692 لسنة 81 جلسة 2014/11/30 س 58 ص 20 ق 3)

8 ـ تعد المنافسة التجارية غير المشروعة فعلا تقصيراً يستوجب مسئولية فاعله عن تعويض الضرر المترتب عليه عملاً بالمادة 163 من القانون المدنى - و يعد تجاوزاً لحدود المنافسة المشروعة إرتكاب أعمال مخالفة للقانون أو العادات أو إستخدم وسائل منافية لمبادىء الشرف و الأمانة فى المعاملات إذا قصد به إحداث لبث بين منشأتين تجاريتين أو إيجاد إضطراب بإحداهما متى كان من شأنه إجتذاب عملاء إحدى المنشأتين للأخرى أو صرف عملاء المنشأه عنها - فإذا كانت الواقعة الثابتة من الأوراق و التى حصلها الحكم المطعون فيه - هى خروج تسعة عمال من محل المطعون عليه خلال شهر واحد ثم إلحاقهم بمحل الطاعنين المنافس له كل منهم فور خروجه ثم إعلان الطاعنين بالصحف أكثر من مره عن إلتحاق أربعة منهم بمحلهم موجهين الأنظار إلى أسمائهم و سبق إشتغالهم بمحل المطعون عليه ، و كانت هذه الوقائع تنم عن إغراء الطاعنين لعمال محل المطعون عليه على الخروج منه و إلحاقهم بمحلهم كما تنم عن إعتداء على الإسم التجارى لمحل المطعون عليه بإقحامه فى الإعلانات المتعلقة بمحلهم و تضمينها ما يفيد سبق إشتغال عمالهم لدى المطعون عليه رغم إنقطاع الصلة بينهم و بينه بخروجهم من محله ، و كانت هذه الأفعال مجتمعة تعتبر تجاوزا لحدود المنافسة المشروعة لما يترتب عليها من لإضطراب فى أعمال محل المطعون عليه بسبب إنفضاض عميلاته عنه إلى محل الطاعنين ، لم كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ إنتهى إلى مساءلة الطاعنين على أساس من الفعل الضار غير المشروع و قضى بتعويضه يكون طبق القانون تطبيقا سليما و بنى قضائه على أسباب سائغة كافية لحمله .

(الطعن رقم 62 لسنة 25 جلسة 1959/06/25 س 10 ع 2 ص 505 ق 77)

9 ـ إذ كان قرار الطاعن بصفته بمجازاة المطعون ضدها العاملة بالجامعة التى يمثلها بالخصم من أجرها وإلزامها بتوريد 271 جنيه لخزينة الجامعة لإخلالها بواجباتها الوظيفية قد استهدف به إحداث أثر قانوني بمقتضى أحكام قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة فإنه بذلك يكون قراراً إداريا تدخل الدعوى بالتعويض عنه فى اختصاص محاكم مجلس الدولة وهو وإن ترتب عليه فيما تدعيه المطعون ضدها فى دعواها - أن لحقت بها أضرارا أدبية ومادية تتمثل فى الإساءة إلى سمعتها وما فاتها من كسب بخصم ثلاثة أيام من أجرها وحرمانها من الحوافز والبدلات ومكافآت الامتحانات فإن هذه الأضرار المدعاة سواء كان مردها إلى عيب فى القرار ذاته يمس مشروعيته وشروط صحته أو إلى خطأ شاب تنفيذه فهى أضرار ناشئة عن ذلك القرار الإداري ولا وجه للقول بأن هذه الأضرار لحقت بها من أعمال مادية ذلك أنه متى كانت هذه الأعمال المادية قد وقعت استنادا إلى القرار الإداري وتنفيذا له فلا يسوغ النظر إليها مستقلة عن ذلك القرار وهى ترتبط به برابطة السببية وتستمد كيانها منه وليست مجرد أعمال منقطعة الصلة بالقرار وإذ سار الحكم الابتدائي المؤيد بالحكم المطعون فيه على غير هذا النظر واعتبر دعوى المطعون ضدها هى بطلب تعويض عن خطأ شخصي تحكمه قواعد المسئولية التقصيرية المنصوص عليها فى المادة 163 من القانون المدنيوانتهى إلى القضاء لها بالتعويض بعد رفض الدفع بعدم الاختصاص الولائي للقضاء العادي فإنه يكون قد جاوز الولاية المحددة للمحاكم فيما ينشأ بين الأفراد وجهة الإدارة من منازعة وهى ولاية تتعلق بالنظام العام.

(الطعن رقم 265 لسنة 63 جلسة 1999/11/04 س 50 ع 2 ص 1054 ق 207)

10 ـ لما كانت المادة 163 من القانون المدني قد نصت على أن كل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من أرتكبه بالتعويض، فإن الحكم المطعون فيه إذ أسند وقوع الحادث الذي أودى بحياة المرحومين......... إلى خطأ تابع الشركة الطاعنة وحده للأسباب السائغة التي ساقها فى هذا الشأن وتؤدى إلى هذه النتيجة وتكفى وحدها لحمل قضائه ثم ألزم الشركة الطاعنة بكامل التعويض المقضي به لورثتيهما وفقاً للمادة 174 مدني، فإن فى ذلك الرد الضمني على ما أثارته الشركة الطاعنة بسبب النعي من أنها لم توجه دعوة للمرحومين. إذ أنه لا يلزم أن تتعقب محكمة الموضوع الخصم فى شتى وجوه دفاعه والرد عليها استقلالا.

(الطعن رقم 561 لسنة 42 جلسة 1983/12/27 س 34 ع 2 ص 1948 ق 382)

11 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إنهاء خدمة العامل فى ظل نظام العاملين بالقطاع العام الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1978 تسرى عليه الأحكام الواردة فى الفصل الثانى عشر منه ، و أن خلو هذا النظام من نص يجيز إلغاء قرار إنهاء خدمة العامل و إعادته إلى العمل مؤداه أن القرار الصادر بإنهاء الخدمة لا يخضع لرقابة القضاء إلا فى خصوص طلب التعويض عن الضرر الناجم عنه ، ما لم يكن هذا الإنهاء بسبب النشاط النقابى و هو ما نصت عليه الفقرة السادسة من المادة "75" من قانون العمل الصادر بالقانون رقم 91 لسنة 1959 و التى تسرى على العاملين بشركات القطاع العام لعدم ورود نص فى شأنها فى النظام الخاص بهم ، وفق ما تقضى به المادة الأولى من نظام العاملين المشار إليه .

(الطعن رقم 327 لسنة 52 جلسة 1987/11/22 س 38 ع 2 ص 979 ق 208)

12 ـ وإذ كان طلب المطعون عليهم السبعة الأول بالتعويض الموروث إنما يستند إلى حق مورثهم فى التعويض عن الضرر الذى لحقه وحسبما يتطور إليه هذا الضرر ويتفاقم ومتى ثبت له هذا الحق قبل وفاته فإن ورثته يتلقونه عنه فى تركته ويحق لهم المطالبة به تأسيساً على تحقق مسئولية أمين النقل الذى كان المورث طرفاً فيه وهذا التعويض يغاير التعويض الذى يسوغ للورثه المطالبة به عن الأضرار المادية والأدبية التى حاقت بأشخاصهم بسبب موت مورثهم وهو مايجيز لهم الرجوع به على أمين النقل على أساس من قواعد المسئولية التقصيرية ولا يعتبر ذلك جمعاً بين المسئوليتين العقدية والتقصيرية عن ضرر واحد لإختلاف موضوع كل من الطلبين والدائن فيهما.

(الطعن رقم 656 لسنة 54 جلسة 1993/01/31 س 44 ع 1 ص 363 ق 66)

13 ـ تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه هو من المسائل التى يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض إلا أن إستخلاص الخطأ الموجب للمسئولية هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع مادام هذا الإستخلاص سائغاً و مستنداً من عناصر تؤدى إليه من وقائع الدعوى .

(الطعن رقم 262 لسنة 42 جلسة 1976/06/29 س 27 ع 1 ص 1454 ق 276)

14 ـ المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن تكييف الفعل المؤسس عليه طلب التعويض بأنه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه هو من المسائل التى يخضع قضاء الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض

(الطعن رقم 527 لسنة 58 جلسة 1994/11/29 س 45 ع 2 ص 1512 ق 284)

15 ـ إن ما تؤديه الهبئة العامة للتأمينات الإجتماعية للعامل - أو ورثته - بسبب إصابات العمل إنما هو فى مقابل ما تستأديه هذه الهيئة من إشتراكات تأمينية بينما يتقاضى حقه فى التعويض قبل المسئول عن الفعل الضار بسبب الخطأ الذى إرتكبه المسئول و ليس ثمة ما يمنع من الجمع بين الحقين .

(الطعن رقم 1527 لسنة 48 جلسة 1979/12/20 س 30 ع 3 ص 337 ق 401)

16 ـ إثارة الطاعن أنه لم يختصم بصفته رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية الذى يعد مسئولاً وحده عن الإلتزامات المالية المترتبة على مسئولية رئيس التحرير أو أى محرر فى الجريدة التى تصدرها - هو سبب جديد لم يسبق طرحه على محكمة الموضوع مما لا يجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض .

(الطعن رقم 1723 لسنة 49 جلسة 1981/06/02 س 32 ع 2 ص 1662 ق 300)

17 ـ إذ كان الركن المادي لجريمة السب هو عبارات السب ذاتها، ومن ثم تصلح كل منها لأن تكون محلاً للعقوبة والتعويض متي تبين من ظروف حصولها والملابسات التي اكتنفتها توفر ذاتية متميزة لها تغاير الفعل المادي لغيرها بما يجعل من كل عبارة جريمة مستقلة بأركانها التي تميزها عن الأخرى. وإذا كان الحكم المطعون فيه قد عول فى قضائه فى الدعوى الفرعية بالتعويض على ما نسبه إلى الطاعن من عبارات السب التي احتواها تحقيق مكتب العمل فى 1994/9/10, رغم أن المطعون ضدها لم تستند إليها - كأساس لدعواها - إلا أمام محكمة الاستئناف بينما استندت أمام أول درجة كأساس لطلب التعويض إلي وقائع تختلف فى ظروف حصولها وكنهها عما ارتكنت إليه أمام الدرجة الثانية, الأمر الذي تكون معه المحكمة الاستئنافية قد قبلت طلباً جديداً أبدى أمامها لأول مرة بالمخالفة لمبدأ التقاضي على درجتين, مما يعيب حكمها فى الدعوى الفرعية بالتعويض بالخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 5153 لسنة 67 جلسة 1999/02/17 س 50 ع 1 ص 256 ق 47)

18 ـ مفاد نصوص المواد 163 ، 170 ،121 من القانون المدنى أن الضرر ركن من أركان المسئولية و ثبوته شرط لازم لقيامها و القضاء تبعاً لذلك ، يستوى فى إيجاب التعويض عن الضرر أن يكون هذا الضرر مادياً أو أديباً و لا يقصد بالتعويض عن الضرر الأدبى - و هو لا يمثل خسارة مالية - محو هذا الضرر و إزالته من الوجود إذ هو نوع من الضرر لا يمحى و لا يزول بتعويض مادى و لكن يقصد بالتعويض أن يستحدث المضرور لنفسه بديلاً عما أصابه من الضرر الأدبى ، فالخسارة لا تزول و لكن يقوم إلى جانبها كسب يعوض عنها ، و ليس هناك من معيار لحصر أحوال التعويض عن الضرر الأدبى إذ كل ضرر يؤدى الإنسان فى شرفه و إعتباره أو يصيب عاطفته و إحساسه و مشاعره يصلح أن يكون محلاً للتعويض فيندرج فى ذلك العدوان على حق ثابت للمضرور كالإعتداء على حق الملكية و لذا فإن إتلاف سيارة مملوكة للمضرور و يتخذها وسيلة لكسب الرزق و العيش يعتبر عدواناً على حق الملكية و حرماناً من ثمرته من شأنه أن يحدث لصاحب هذا الحق حزناً و غماً و أسى و هذا هو الضرر الأدبى الذى يسوغ التعويض عنه ، لما كان ذلك و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فى بيان التعويض عن الضرر الأدبى فأورد بأسبابه أن المطعون ضده فضلاً عما أصابه من ضرر مادى قد حاق به ضرر أدبى يتمثل فيما ألم به من هم و حزن لتحطيم سيارته و ضياع مصدر رزقه فإنه يكون قد خلص صحيحاً إلى كفاية واقعة إتلاف مال مملوك للمضرور يتعيش منه لتحقق الضرر الأدبى و وجوب التعويض عنه .

(الطعن رقم 304 لسنة 58 جلسة 1990/03/15 س 41 ع 1 ص 762 ق 127)

19 ـ لما كان الريع بمثابة تعويض لصاحب العقار المغتصب مقابل ما حرم من ثمار، وكانت ثمار الأرض بطبيعتها متغيرة ارتفاعاً وانخفاضاً بما يوجب تقدير الريع على حسب واقع الحال وقت تقديره، فلا يصح تقدير ريع مدة معينة قياساً على مدة سابقة أو لاحقة لها فإن الحكم المطعون فيه إذ خالف هذا النظر وقدر الريع المستحق للطاعنة عن المدة من 1985 حتى 1991 استرشاداً بالقيمة التي قدرها الخبير لريع سنة 1979 دون مراعاة ما يمكن أن يكون قد طرأ من زيادة على تلك القيمة وهو ما تمسكت به الطاعنة أمام محكمة الموضوع فإنه يكون معيباً .

(الطعن رقم 5098 لسنة 62 جلسة 2000/02/22 س 51 ع 1 ص 342 ق 62)

20 ـ التعويض عن الغصب - إذا أصبح رد العقار المغصوب مستحيلاً واستعيض عن الرد بتعويض نقدي يعادل الثمن - لا يستحق إلا لمالك العقار.

(الطعن رقم 4540 لسنة 62 جلسة 1999/04/20 س 50 ع 1 ص 526 ق 104)

21 ـ إذا كان الحكم المطعون فيه قد أحال بصدد تقرير مسئولية الطاعنة عن التعويض و خطئها إلى أسباب الحكم الابتدائى ، و كان هذا الحكم قد كيف العقد المبرم بين الطرفين بأنه عقد إرشاد و أقام قضائه على مسئولية السفينة - وفقا لأحكام المادة 2/6 من القانون رقم 130 لسنة 1948 الخاص بتنظيم الإرشاد بميناء الإسكندرية - عن كل ضرر يصيب سفينة الإرشاد أثناء عمليات الإرشاد ، فإن النعى على الحكم يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 322 لسنة 40 جلسة 1976/01/12 س 27 ع 1 ص 184 ق 47)

22 ـ يتعين على محكمة الموضوع فى كل حال أن تتقصى من تلقاء نفسها الحكم القانونى الصحيح المنطبق على العلاقة بين طرفى دعوى التعويض وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها باعتبار أن كل ما تولد به للمضرور حق فى التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أحداثه أو تسبب فيه إنما هو السبب المباشر المولد للدعوى بالتعويض مهما كانت طبيعة المسئولية التى استند إليها المضرور فى تأييد طلبه أو النص القانونى الذى اعتمد عليه فى ذلك لأن هذا الاستناد يعتبر من وسائل الدفاع فى دعوى التعويض التى يتعين على محكمة الموضوع أن تأخذ منها ما يتفق وطبيعة النزاع المطروح عليها وأن تنزل حكمه على واقعة الدعوى ولا يعد ذلك منها تغييراً لسبب الدعوى أو موضوعها مما لا تملكه من تلقاء نفسها ، فإن هى أخطأت فى ذلك جاز لمن تكون له مصلحة من الخصوم أن يطعن فى الحكم بطريق النقض على أساس مخالفته للقانون ولو لم يكن قد نبه محكمة الموضوع إلى قواعد المسئولية الواجبة التطبيق لالتزامها هى بإعمال أحكامها من تلقاء نفسها.

(الطعن رقم 5196 لسنة 62 جلسة 1993/05/20 س 44 ع 2 ص 466 ق 212)

23 ـ إذا كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الطاعن أقام دعوى فرعية طلب فيها إلزام البنك المطعون عليه بأن يدفع له تعويضاً عما أصابه من ضرر نتيجة قيام البنك بإجراء مقاصة باطلة فإن عدم مخالفة البنك للقانون فى المقاصة التى أجراها يجعل تعييب الحكم المطعون فيه فى قضائه برفض طلب التعويض الذى أقامه الطاعن على هذا الأساس يكون فى غير محله .

(الطعن رقم 32 لسنة 34 جلسة 1967/11/21 س 18 ص 1720 ق 260)

24 ـ النعى بأن المطعون عليه - الذى قضى له بالتعويض قبل الطاعن لإغتصابه شقة النزاع - عيادتين أخريين علاوة على شقة النزاع خلافاً للقانون رقم 537 لسنة 1954 فى شأن مزاولة مهنة طب و جراحة الأسنان و أن له مسكناً فى منطقة أخرى على خلاف الخطر المنصوص عليه فى قانون إيجارات الأماكن رقم 121 لسنة 1947 ، هذه المخالفة بفرض التسليم بصحتها لا تتيح للطاعن إغتصاب الشقة المذكورة و حرمان المطعون عليه من الإنتفاع بها ، و إذ قرر الحكم المطعون فيه أن هذا الإعتداء يعتبر خطأ يستحق المطعون عليه التعويض عنه فإنه يكون قد أصاب صحيح القانون ، و يكون النعى عليه بالقصور لعدم الرد على دفاع الطاعن غير منتج .

(الطعن رقم 272 لسنة 43 جلسة 1978/03/21 س 29 ع 1 ص 827 ق 162)

25 ـ أن تخويل اللجان المنصوص عليها فى المرسوم بقانون رقم 95 لسنة 1945 الخاص بشئون التموين دون غيرها سلطة تقدير التعويض المستحق عن الإستيلاء إبتداء لا يحول دون إلتجاء ذوى الشأن إلى المحاكم بطلب تعويضهم عن الضرر الناشئ عن تأخر تشكيلها أو تأخيرها فى إصدار قراراتها و ذلك على أساس المسئولية التقصيرية إذ توافرت الشروط اللازمة لتحقق هذه المسؤلية إذ يعتبر هذا التأخير بغير مسوغ شرعى تقتضيه ظروف الأحوال خطأ يستوجب مسئولية فاعله عن الضرر المتسبب عنه .

(الطعن رقم 715 لسنة 49 جلسة 1982/11/11 س 33 ع 2 ص 891 ق 163)

26 ـ لما كانت حجية الحكم الجنائي لا تقوم إلا فيما كان فصله فيه لازماً ، و كان لا يمنع أن الفعل وإن تجرد من صفة الجريمة قد يولد خطأ مدنياً يستوجب التعويض ، و كان الثابت أن الطاعن تمسك فى دفاعه الوارد فى صحيفة استئنافه بإشتراك المطعون ضده فى الخطأ الموجب للتعويض لأنه المتسبب فى حدوث المشاجرة التى نجمت عنها أصابة كل منهما ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه أجترأ فى الرد على الدفاع بالقول أن الطاعن لا يعرف الشخص الذى إعتدى عليه و أحدث إصابته و تأكد ذلك ببراءة المطعون ضده بحكم جنائى نهائى فى حين أن الحكم الجنائي ببراءة هذا الأخير من تهمة إحداث إصابة الطاعن لا يكتسب حجية فى شأن ما نسبه إليه الطاعن من خطأ مدنى يتمثل فى تسببه فى قيام المشاجرة و وقوع الحادث .

(الطعن رقم 2485 لسنة 55 جلسة 1986/06/22 س 37 ع 2 ص 731 ق 151)

27 ـ السرعة التى تصلح أساساً للمساءلة المدنية فى جريمة القتل خطأ ليس لها حدود ثابتة و إنما هى تجاوز الحد الذى تقتضيه ملابسات الحال و ظروف المرور و زمانه و مكانه فيتسبب من هذا التجاوز الموت و لا يغير من ذلك أن تكون السرعة داخله فى الحدود المسموح بها طبقاً للقرارات و القواعد المنظمة للمرور و إستخلاص ما إذا كانت سرعة السيارة فى ظروف معينة تعد عنصراً من عناصر الخطأ أو لا تعد هى مسألة تقديرية متروكة لمحكمة الموضوع بلا معقب عليها من محكمة النقض متى كان ذلك فإن إسناد الحكم المطعون فيه الخطأ لسائق السيارة الملاكى لأنه كان يسير بسرعة زائدة للأسباب السائغة التى أوردها لا رقابة عليه لهذه المحكمة.

(الطعن رقم 561 لسنة 42 جلسة 1983/12/27 س 34 ع 2 ص 1948 ق 382)

28 ـ مسئولية الطبيب الذى إختاره المريض أو نائبه لعلاجه هى مسئولية عقدية . و الطبيب و إن كان لا يلتزم بمقتضى العقد الذى ينعقد بينه و بين مريضه بشفائه أو بنجاح العملية التى يجريها له ، لأن إلتزام الطبيب ليس إلتزاما بتحقيق نتيجه و إنما هو إلتزام ببذل عناية ، إلا أن العناية المطلوبة منه تقتضى أن يبذل لمريضه جهودا صادقة يقظه تتفق - فى غير الظروف الإستثنائية - مع الأصول المستقرة فى علم الطب ، فيسأل الطبيب عن كل تقصير فى مسلكه الطبى لا يقع من طبيب يقظ فى مستواه المهنى وجد فى نفس الظروف الخارجية التى أحاطت بالطبيب المسئول . و جراح التجميل و إن كان كغيره من الأطباء لا يضمن نجاح العملية التى يجريها إلا أن العناية المطلوبة منه أكثر منها فى أحوال الجراحة الأخرى إعتبارا بأن جراحة التجميل لا يقصد منها شفاء المريض من علة فى جسمه و إنما إصلاح تشويه لا يعرض حياته لأى خطر .

(الطعن رقم 111 لسنة 35 جلسة 1969/06/26 س 20 ع 2 ص 1075 ق 166)

29 ـ إذا كان الحكم المطعون فيه بعد أن سرد وقائع الدعوى عرض لما أوردته محكمة الدرجة الأولى فى حكمها من أسباب أقامت عليها مسئولية الحكومة عن فعل تابعيها من رجال البوليس أثناء قيامهم بتفريق المظاهرات التى قامت يوم وقوع الحادث الذى أصيبت فيه الطاعنة و ما أسنده ذلك الحكم إليهم من خطأ يتمثل فى إطلاقهم الأعيرة النارية على غير هدى و بدون دقة - مع وجود متسع من الفضاء أمامهم و إحداثهم نتيجة لذلك و لعدم إحكام الرماية إصابة الطاعنة التى كانت فى شرفة منزلها فى الدور الثانى منه ، و كان الحكم المطعون فيه تناول بالتفنيد ما ورد فى هذه الأسباب فأوضح - مما حصله من الوقائع - أنه لم يكن ثمة - فى مكان وقوع الحادث - فضاء متسع و أنه لم يثبت أن رجال البوليس كانوا يطلقون النار جزافاً - و أسس قضاءه برفض دعوى الطاعنة على نفى وقوع خطأ ما من جانب رجال البوليس - مورداً فى ذلك من الإعتبارات السائغة ما يبرر قضاءه فإن النعى عليه بالخطأ فى القانون وفساد الإستدلال يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 279 لسنة 25 جلسة 1959/11/19 س 10 ع 3 ص 694 ق 106)

30 ـ الخطأ المرفقى هو الخطأ الذى ينسب إلى المرفق حتى و لو كان الذى قام به مادياً أحد العاملين به و يقوم على أساس أن المرفق ذاته هو الذى تسبب فى الضرر لأنه لم يؤد الخدمة العامة وفقاً للقواعد التى يسير عليها سواء أكانت هذه القواعد خارجية أى وضعها المشرع ليلتزم بها المرفق أم داخلية سنها المرفق لنفسه و يقتضيها السير العادى للأمور ،ولما كان الحكم المطعون فيه إذ أسس قضاءه على صحة ما تمسك به المطعون ضده فى هذا الشأن ، ذلك إستناداً إلى ما خلص إليه خبير الدعوى و قرار مجلس إدارة الهيئة الطاعنة الصادر بتاريخ ... تنازلها عن حقها فى الرجوع على العاملين فيها فيما تسببه أخطاؤهم المهنية اليسيرة من أضرار للغير و تلتزم الهيئة بتعويضهم عنها و هو الأمر الذى لم يرد بالقانون ما يحظره فإنه يكون قد أصاب صحيح الواقع و القانون .

(الطعن رقم 902 لسنة 51 جلسة 1986/06/19 س 37 ع 2 ص 719 ق 148)

31 ـ لما كان المقرر فى قضاء هذه المحكمة أن إثبات مساهمة المضرور فى الفعل الضار أو أن الضرر بفعله وحده من مسائل الواقع التى يقدرها قاضى الموضوع و لا رقابة عليه فى ذلك لمحكمة النقض ما دام إستخلاصه سائغاً ، و كان الحكم الإبتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد إستخلص فى حدود سلطته التقديرية أن الخطأ راجع إلى الهيئة الطاعنة وحدها و نفى الخطأ عن المطعون عليه لما هو ثابت بتقرير الخبير الذى إستند إليه فى قضائه أن تعطل التليفون رجع إلى تهالك شبكة الكابلات الأرضية و أن إصلاحه لا يحتاج لدخول عمال الطاعنة إلى مسكن المطعون عليه و أطرح ما جاء بالمحضر رقم ... المؤرخ فى 1981/2/28 لخدمة دفاعها بعد أن أقام المطعون عليه الدعوى ، و كان هذا الإستخلاص سائغاً و له أصله الثابت بالأوراق فإن ما تنعاه الطاعنة فى هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض و يكون النعى برمته على غير أساس .

(الطعن رقم 1556 لسنة 56 جلسة 1989/03/26 س 40 ع 1 ص 840 ق 147)

32 ـ المقرر فى قضاء المحكمة أنه و إن كان تكييف الفعل المؤسس عليه التعويض بأنه خطأ أو نفى هذا الوصف عنه هو من المسائل التى يخضع قضاء محكمة الموضوع فيها لرقابة محكمة النقض ، إلا أن إستخلاص قيام الخطأ أو نفى ثبوته هو مما يدخل فى حدود السلطة التقديرية لمحكمة الموضوع ما دام هذا الإستخلاص سائغاً و مستمداً من عناصر تؤدى إليه من وقائع الدعوى .

(الطعن رقم 357 لسنة 56 جلسة 1990/01/04 س 41 ع 1 ص 115 ق 26)

33 ـ إذ كان الحكم المطعون فيه لم يعول على الحكم الجنائي القاضى غيابيا بثبوت خطأ قاضى السيارة الأجرة والذى ثبتت وفاته قبل صيرورة هذا الحكم باتا وانقضاء الدعوى الجنائية بالنسبة له فإنه لا عليه بعد ذلك إن قام بتقدير الوقائع المكونة لخطأ قائد السيارة الأجرة الموجب للمسئولية وتقدير توافر السببية بين هذا الخطأ والنتيجة أو عدم توافره وذلك باعتبارها فى هذه الحالة من المسائل الموضوعية التى تفصل فيها محكمة الموضوع بغير معقب ما دام تقديرها سائغا ومستندا إلى أدلة مقبولة لها أصلها فى الأوراق.

(الطعن رقم 2363 لسنة 58 جلسة 1996/05/16 س 47 ع 1 ص 811 ق 152)

34 ـ إذ كان الثابت فى الأوراق أن الشركة الطاعنة تمسكت فى استئنافها بانتفاء رابطة السببية بين إصابة مورث المطعون ضدهما وبين وفاته ودللت على ذلك بما جاء فى دفاعها الوارد بوجه النعي، وأن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه بإلزامها بالتعويض استنادا إلى أن الجريمة التي دين عنها قائد السيارة المؤمن عليها لديها هي - قتل خطأ - فى حين أن الثابت من محضر الجنحة سالفة البيان أنه دين جنائيا عن تهمة الإصابة الخطأ وأن الحادث وقع فى 14/4/1996 بينما حدثت وفاة المذكور بتاريخ 23/2/1997 وإذ كان ما تردى فيه الحكم من مخالفة للثابت فى الأوراق فى هذا الصدد قد حجبه عن التحقق من قيام علاقة السببية مباشرة بين الإصابة والوفاة , فإنه فضلاً عما تقدم يكون قد عاره قصور مبطل .

(الطعن رقم 544 لسنة 69 جلسة 1999/12/28 س 50 ع 2 ص 1321 ق 261)

35 ـ استخلاص علاقة السببية بين الخطأ والضرر وإن كان من مسائل الواقع التي يقدرها قاضى الموضوع، إلا أن ذلك مشروط بأن يكون استخلاصه سائغا .

(الطعن رقم 848 لسنة 68 جلسة 1999/12/07 س 50 ع 2 ص 1241 ق 244)

36 ـ من المقرر أن المسئولية عن إبلاغ الجهات المختصة بما يقع من جرائم لا تقوم إلا أذا أثبت كذب البلاغ و أن التبليغ قد صدر عن سوء قصد و بغية الكيد و النيل و النكاية بمن أبلغ عنه أو ثبت صدور التبليغ عن تسرع و رعونة و عدم احتياط .

(الطعن رقم 2886 لسنة 68 جلسة 1999/07/13 س 50 ع 2 ص 997 ق 196)

37 ـ المقرر- فى قضاء هذه المحكمة - أن المسئولية التقصيرية لا تقوم إلا بتوافر أركانها الثلاثة من خطأ ثابت فى جانب المسئول إلى ضرر واقع فى حق المضرور وعلاقة سببيه تربط بينهما بحيث يثبت أن الضرر قد نشأ عن ذلك الخطأ ونتيجة لحدوثه.

(الطعن رقم 533 لسنة 68 جلسة 1999/06/15 س 50 ع 2 ص 850 ق 167)

38 ـ إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعنة كانت قد تمسكت فى مذكرتها المقدمة إلى محكمة الاستئناف بجلسة 3 /11 /1996 بأن الحادث المطالب بالتعويض عنه وقع نتيجة خطأ المجني عليه وحده لانحرافه بدراجته إلى اليسار دون تبصر لحالة الطريق مما يترتب عليه انقطاع علاقة السببية بين الخطأ والضرر فترتفع به مسئولية الشركة الطاعنة عن تعويض الأضرار الناجمة عن الحادث, وإذ لم يعرض الحكم المطعون فيه لهذا الدفاع ويقسطه حقه من البحث والتمحيص ويعمل أثره فى الدعوى رغم أنه دفاع جوهري من شأنه لو صح أن يتغير به وجه الرأي فيها, فإنه يكون معيباً.

(الطعن رقم 616 لسنة 67 جلسة 1998/06/20 س 49 ع 2 ص 548 ق 132)

39 ـ أساس الحكم بالتعويض المعادل فى حالة إبطال العقد أو بطلانه مع إستحالة إعادة المتعاقدين إلى الحالة التى كانا عليها قبله - إنما هو المسئولية التقصيرية .

(الطعن رقم 138 لسنة 34 جلسة 1969/06/04 س 20 ع 2 ص 868 ق 137)

40 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد إعتبر الشركة الطاعنة [ المؤجر ] مسئولة مسئولية تقصيرية عن صيانة ماسورة تصريف المياه الخاصة بالشقة التى تعلو محل المطعون ضده [المستأجر] والتى يستأجرها شخص آخر ، تأسيسا على أنها تعتبر من مصارف المياه التى جعلت المادة 567 من القانون المدنى الالتزام بصيانتها من الترميمات الضرورية التى تقع على عاتق المؤجر فإنه لا يكون قد خالف القانون .

(الطعن رقم 197 لسنة 34 جلسة 1967/10/26 س 18 ع 4 ص 1560 ق 236)

41 ـ متى كان يبين من الحكم المطعون فيه أنه لم يعتمد فى تحصيله لخطأ الطاعنة - المؤسسة المصرية العامة للكهرباء - على خطأ الكشافين التابعين لها فحسب بل إعتمد أيضاً على ما وقع منها نتيجة لهذا الخطأ ، فأوضح أنها حملت المطعون ضده الأول بغير حق بفرق فى قيمة الإستهلاك يفوق القدر الثابت لها ، و أنها إعتبرت هذا الفرق ديناً لها فى ذمته ، و أوقعت الحجز الإدارى وفاء له على ممتلكات المطعون ضدهما ثم باعتها جبراً ، و كان تحصيل الحكم لخطأ الطاعنة على هذا النحو سائغاً و وصفه بأنه خطأ جسيم صحيحاً فى القانون ، و إذ كان حق الطاعنة فى إتخاذ إجراءات الحجز الإدارى على أموال مدينها عملاً بالمادة الأولى من القانون رقم 308 لسنة 1955 فى شأن الحجز الإدارى مقيداً بأن يكون إستعمالها هذا الحق غير مصحوب بخطأ جسيم ، و كان ما إنتهى إليه الحكم من ثبوت ركن الخطأ الموجب لمسئولية الطاعنة يتضمن الرد على إدعائها بخطأ المطعون ضده الأول لإهماله فى طلب وقف إجراءات الحجز و البيع و عدم جدوى هذا الإدعاء فى نفى مسئوليتها ، فإن النعى الوارد بسببى الطعن - على الحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق القانون و القصور فى التسبيب بإغفاله الرد على دفاع الطاعنة بأنها أوقعت الحجز عملاً بالحق المخول لها فى المادة الأولى من القانون رقم 308 لسنة 1955 فى شأن الحجز الإدارى و أنه إذا كان ثمة تقصير فهو فى جانب المطعون ضده - يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 18 لسنة 38 جلسة 1973/04/28 س 24 ع 2 ص 698 ق 123)

42 ـ ولئن كان لرجال البوليس فى سبيل تنفيذ ما نص عليه القانون رقم 10 لسنة 1914 بشأن التجمهر والقانون رقم 14 لسنة 1933 بتقرير الأحكام الخاصة بالاجتماعات العامة والمظاهرات فى الطريق العمومية أن يتخذوا من الوسائل ما يؤدى إلى تفريق المجتمعين ولا مسئولية عليهم إذ هم فى سبيل القيام بهذا الواجب أصابوا أحدا، إلا أنهم إذا جاوزوا فى تصرفاتهم الحد اللازم لتحقيق هذه الأغراض ، كان هذا التجاوز اعتداء لا يحميه القانون، وتقدير ذلك من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع متى أقام قضاءه على أسباب سائغة.

(الطعن رقم 1675 لسنة 55 جلسة 1992/03/18 س 43 ع 1 ص 468 ق 101)

43 ـ لما كان ما أورده الحكم المطعون فيه فى نفى خطأ الحكومة سائغاً مستمداً من عناصر لها أصلها الثابت من واقع مطروح فى الدعوى و كان ما ورد به من تقريرات واقعية تتعلق بالظروف التى أحاطت يوم الحادث المدعى به لا تعدو أن تكون من قبيل ما يحصله القاضى إستقاء من علمه بالظروف العامة المعروفة لدى الجميع عما كانت الإضطرابات و القلاقل و أعمال الشغب و ما إتخذته الحكومة من إجراءات للحيلولة دون تفاقم الأمر خلال أيام 17 ، 18 ، 19 من يناير سنة 1977 و كان الطاعن لم يثبت أن من كان موجوداً من قوات رجال الأمن قريباً من مكان الحادث قد إمتنع عن القيام بواجبه فى منع المتظاهرين من إشعال الحريق و الإتلاف بالملهى الذى يملكه فإن ما يثيره من نعى يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 357 لسنة 56 جلسة 1990/01/04 س 41 ع 1 ص 115 ق 26)

44 ـ تنظيم قوات الأمن وتوزيعها وتحديد عددها هو من المسائل التى تنأى عن رقابة المحاكم فلا تقوم مسئولية الحكومة عن تعويض الأضرار التى تلحق الأفراد بسبب الإضرابات والقلاقل إلا إذا ثبت أن القائمين على شئون الأمن قد إمتنعوا عن القيام بواجبهم أو قصروا فى أداء هذه الواجبات تقصيراً يمكن وصفه فى تلك الظروف الإستثنائية بأنه خطأ .

(الطعن رقم 36 لسنة 31 جلسة 1966/03/10 س 17 ع 2 ص 536 ق 73)

45 ـ إذا ما أدت الإصابة إلى وفاة الراكب من قبل رفع دعواه فإنه يكون أهلاً فيما يسبق الموت و لو بلحظه لكسب الحقوق و من بينها حقه فى التعويض عن الضرر الذى لحقه و حسبما يتطور إليه هذا الضرر و يتفاقم ، و متى ثبت له هذا الحق قبل وفاته فإن ورثته يتلقونه عنه فى تركته و يحق لهم المطالبة به تأسيساً على تحقيق مسئولية عقد النقل الذى كان المورث طرفاً فيه ، و هذا التعويض يغاير التعويض الذى يسوغ للورثه المطالبة به عن الأضرار المادية و الأدبية التى حاقت بأشخاصهم بسبب موت مورثهم و هو ما يجوز لهم الرجوع به على أمين النقل على أساس من قواعد المسئولية التقصيرية و ليس على سند من المسئولية العقدية لأن إلتزامات عقد النقل إنما إنصرفت إلى عاقديه فالراكب المسافر هو الذى يحق له مطالبة الناقل بالتعويض عن الإخلال بإلتزامه بضمان سلامته دون ورثته الذين لم يكونوا طرفاً فى هذا العقد .

(الطعن رقم 1180 لسنة 47 جلسة 1981/04/29 س 32 ع 1 ص 1328 ق 242)

46 ـ و إذ ترتب على التخطى إلحاق أضرار ماديه و أدبية بالطالب تتمثل فيما يثيره التخطى من تساؤلات عن دواعية بما يمس إعتباره و مكانته فى القضاء ، و فيما ضاع عليه من ميزات مالية كانت ستعود عليه من الإعارة فإن المحكمة ترى تقدير التعويض الجابر لهذا الضرر بمبلغ خمسة آلاف جنيه.

(الطعن رقم 101 لسنة 53 جلسة 1985/02/12 س 36 ع 1 ص 32 ق 6)

47 ـ محل دعوى التعويض عن العمل غير المشروع هو الأضرار المطلوب التعويض عنها، وإذ كان البين من الحكم السابق الصادر فى الدعوى رقم 20 لسنة 1983 مدنى محكمة جنوب القاهرة ومن صحيفة الدعوى الحالية أن الطاعن كان قد أقام الدعوى الولى للحكم له بالتعويض عن الأضرار التى حاقت به متمثلة فى اعتقاله وتعذيبه ومصادرة أمواله وحرمانه من مصدر رزقه وغلق مكتبة، وهى بذاتها الأضرار المطلوب التعويض عنها فى الدعوى المطروحة وانه اختصم المطعون ضده بصفته فى الدعويين باعتباره مسئولا عن محدث هذه الأضرار به فإن الدعويين تكونان متحديتين أطرافا ومحلا وسببا، وكان لا يغير من هذا النظر ما عزاه الطاعن إلى المطعون ضده من أخطاء يرى انها أسهمت فى إحداث الضرر ما دام أن الضرر المطلوب التعويض عنه واحدا فيهما ، فإن حجية الحكم السابق رقم 20 لسنة 1983 سالف الذكر تكون مانعة من نظر الدعوى المطروحة .

(الطعن رقم 137 لسنة 59 جلسة 1994/06/23 س 45 ع 2 ص 1107 ق 209)

48 ـ إذا كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أثبت الأفعال التى إعتبرها خطأ من جانب الطاعن (محافظ الإسكندرية) و إنتهى إلى أن السبب المنتج منها فى إحداث الضرر هو خطأ الطاعن المتمثل فى عدم إيجاد أشخاص فنيين و أداوات و عقاقير لإسعاف مورث المطعون ضدهم بعد إنتشاله من المياه بشاطىء العجمى ، و كان الطاعن لم يدع أمام محكمة الموضوع وجود رجال أو أدوات للإسعاف بل دفع مسئوليته بعدم إلتزامه بتزويد الشاطىء بعمال و معدات الإنقاذ و الإسعاف مما يفيد تسليمه بعدم وجود هؤلاء العمال و تلك المعدات ، إذ كان ذلك فإن الحكم لم يكن بحاجة لإقامة دليل آخر على عدم وجودهما ، و لما كان هذا الفعل من الطاعن يتحقق فيه معنى الخطأ لأنه يعتبر إنحرافا عن السلوك المألوف الذى يقتضى من المشرفين على شاطىء العجمى المستغلين له إتخاذ الإحتياطات اللازمة للمحافظة على سلامة المستحمين و وقايتهم من الغرق و إسعافهم عندما يشرفون عليه و كان من شأن عدم إسعاف المشرف على الغرق بعد إخراجه من المياه أن يؤدى عادة إلى وفاته فإن الحكم المطعون فيه إذ إنتهى إلى توافر علاقة السببية بين خطأ الطاعن و وفاة المورث التى ألحقت الضرر بورثته لا يكون مخالفاً للقانون أو مشوباً بالقصور .

(الطعن رقم 483 لسنة 34 جلسة 1968/11/28 س 19 ع 3 ص 1448 ق 220)

49 ـ أن تفويت الفرصة وإن يجيز للمضرور ان يطالب بالتعويض عنه على ان يدخل فى عناصره ما كان المضرور يأمل فى الحصول عليه من كسب من وراء تحقيق هذه الفرصة إلا أن ذلك مشروط بأن يكون هذا الامل قائماً على أسباب مقبولة من شأنها طبقا للمجرى العادى للأمور ترجيح كسب فوته عليه العمل الضار غير المشروع .

(الطعن رقم 7085 لسنة 63 جلسة 1995/11/30 س 46 ع 2 ص 1285 ق 251)

شرح خبراء القانون

 ماهية الخطأ التقصيري : 

الخطأ في المسئولية التقصيرية، هو إخلال بإلتزام قانونی بأن ينحرف الشخص عن السلوك الواجب أو عن السلوك المألوف للشخص العادي ووفقاً لذلك، فإن الخطأ التقصيري يتكون من عنصرين، أولهما مادي ويتمثل في التعدى الذي ينطوي على الإخلال بالواجب القانوني، وقد يكون هذا العنصر واجب الإثبات ، فيقيم المضرور الدليل عليه بكافة طرق الإثبات المقررة قانوناً، وقد يكون مفترضاً لا يكلف المضرور إثباته وإنما يتحمل المسئول عبء إثبات توافر السبب الأجنبي الذي أدى إلى إحداث الضرر.

أما العنصر الثاني، فهو معنوي يتمثل في الادراك والتمييز، فإذا انتفى هذا العنصر، إنتفى الخطأ التقصيري بالنسبة لمن فقد إدراكه، ولا يترتب على ذلك أن يمتنع على المضرور الرجوع بالتعويض، إذ أوجب القانون أن يكون لكل فاقد الإدراك والتمييز من يتولى رقابته يكون مسئولًا مدنياً عن الأضرار التي قد يحدثها من هو تحت رقابته بالغير.

فإذا توافر العنصران، توافر الخطأ التقصيري، ولكن لا تتحقق المسئولية إلا إذا ترتب على هذا الخطأ ضرر، ويقيم المشرع قرينة على توافر هذه العلاقة بينهما الى أن يثبت المسئول عكس ذلك، بأن يثبت أن الضرر لم يترتب على الخطأ الذي اقترفه، وحينئذ تنتفي علاقة السببية بينهما، وتنهار أركان المسئولية التقصيرية.

والعبرة في تحقق الخطأ التقصيري، أن يكون المسئول قد خرج بفعله عن السلوك المألوف للشخص العادي، فينظر للفعل بمعيار الشخص العادي، فإن كان الفعل لا يأتيه الشخص العادي، فإن المسئول يتعين عليه عدم اقترافه وإلا توافر في حقه الخطأ التقصيري حتى لو كان اهتمامه بشئون نفسه يقل عن ذلك، أما إذا كان تفادي الضرر يتطلب عناية الشخص الحريص، فيكفي لتفادي المسئولية أن يقوم الشخص بالإحتياطات التي يقوم بها الشخص العادي، فإن وقع ضرر بالرغم من ذلك، فلا تتحقق به المسئولية لانتفاء الخطأ.

الخطأ التقصيري الموجب للمسئولية وفقاً للمادة 163 من القانون المدني، هو إخلال بإلتزام فرضه القانون على الكافة لقيم قدرها ليستقيم المجتمع وأوجب عليهم عدم النيل من هذا الإلتزام حتى لا يضرون بالغير، وهو ما يتطلب اليقظة والتبصر، وأن الخروج على هذا الإلتزام يتحقق به الخطأ التقصيري، ومن ثم فإن تقرير أن الفعل يعتبر خطأ تقصيرية من عدمه، يعتبر من مسائل القانون التي يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض لأنه يتصدى لمسألة قانونية.

فإن توافرت في الفعل مقومات الخطأ التقصيري، فإن استخلاص المحكمة لتوافره أو عدم توافره من الوقائع المطروحة عليها، يكون إستخلاص موضوعي لا رقابة لمحكمة النقض على محكمة الموضوع بصدده طالما كان قضاؤها له أصله الثابت في الأوراق بما يتفق وهذا الاستخلاص فيكون سائغاً، أما إن كان لا سند له من الأوراق أو يتعارض مع الثابت فيها كان إستخلاصاً معيباً تمتد إليه رقابة محكمة النقض لمخالفة الثابت في الأوراق.

ويقاس الخطأ بمعيار موضوعی يعتد فيه بمقياس الرجل العادي في ذات الظروف التي كان فيها من وقع منه الفعل.

 

الخطأ المنتج والخطأ العارض :

تقوم المسئولية التقصيرية على الخطأ الرئيسي المنتج الذي أدى إلى إحداث الضرر مباشرة، ويكون الخطأ مباشرة إذا كان من شأنه، وفي حد ذاته أن يرتب هذا الضرر دون أن تتدخل أية عوامل أخرى، فإن لم يكن من شأنه أن يرتب الضرر على النحو المتقدم، كان خطأ غير مباشر لا يصلح لأن يكون ركناً في المسئولية مثال ذلك أن يتسبب شخص في إتلاف جزء من سيارة أخر، وعند نزول الأخير للوقوف على ما تلف منها، صدمته سيارة مسرعة، فيكون من أحدث الإتلاف مسئولاً عنه لتوافر الخطأ المباشر، ولكن لا يسأل عن الإصابة لإنتفاء الخطأ المباشر بالنسبة لها .

ويكون الخطأ منتجاً عندما يكون كافية وحده لترتيب الضرر بصرف النظر عن وقوع أخطاء أخرى طالما كان من الممكن تحقق الضرر ولو لم تقع تلك الأخطاء التي تعتبر حينئذ عارضة وتبعية، مثال ذلك، أن يسمح تاجر لعامله بإستعمال میزان غير مدموغ ويترتب على ذلك ضبطه ومصادرته، فالخطأ المنتج والأصيل في هذه الحالة هو خطأ التاجر بينما يكون خطأ العامل عارضا وتبعياً مما يحول دون التاجر والرجوع على العامل بالتعويض عن مصادرة الميزان، ويتفق ذلك مع قواعد الخطأ المرفقي. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/الثالث، الصفحة/271 )

 

المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية :

يقصد بالمسئولية المدنية بوجه عام المسئولية عن تعويض الضرر الناجم عن الإخلال بإلتزام مقرر في ذمة المسئول.

وتنقسم المسئولية المدنية إلى مسئولية عقدية ومسئولية تقصيرية.

والمسئولية العقدية هي تلك التي تترتب على عدم تنفيذ الإلتزام الناشئ عن الع على الوجه المتفق عليه، كمسئولية المقاول عن التأخر في إقامة البناء الذي تعهد ببنائه عن الميعاد المتفق عليه، ومسئولية البائع الذي يتصرف في المبيع بعد البيع عن عدم نقل ملكيته إلى المشتري.

أما المسئولية التقصيرية فهي التي تقوم على الإخلال بإلتزام قانوني وهو إلتزام بعدم الإضرار بالغير وهو إلتزام عام واحد لا يتغير حيث يلتزم المسئول بتعويض الضرر الذي ينشأ عن الإخلال بهذا الإلتزام الذي ينشأ دون علاقة عقدية بين المسئول والمضرور كمسئولية سائق السيارة الذي يقودها دون حيطة فيصيب إنساناً أو يتلف مالاً .

وحدة المسئولية المدنية :

كان السائد حتى أواخر القرن الماضي أن المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية تتميزان عن بعضهما من جميع النواحي، فهما تختلفان من حيث الأساس إذ مصدر المسئولية العقدية، العقد أما التقصيرية فمصدرها القانون، فضلاً عن الأولى تتصل بالإلتزام أما الإلتزام فمصدره العقد في حين أن الثانية تتصل بمصدر الإلتزام وحيث لا توجد من قبل أية رابطة بين المسئول والمضرور وهما مختلفتان كذلك من حيث التنظيم، إذ تختلف كل منهما عن الأخرى من حيث الشروط اللازمة لتحريك كل منهما من حيث مباشرة كل منهما ومن حيث آثار كل منهما.

لكن منذ أواخر القرن التاسع عشر بدأ اتجاه عكسي يذهب إلى أن المسئولية واحدة وليست مزدوجة، ولا اختلاف بين المسئوليتين لا من حيث الأساس ولا من حيث التنظيم أو الآثار، وإن وجدت ثمة فروق بينهما فهى فروق بسيطة بحيث لا تستاهل إقامة ذلك التعارض المزعوم بين المسؤوليتين  .

وقد انتهى هذا الخلاف إلى التسليم بأن المسئوليتين تتحدان في الأساس ولكن تقوم بينهما مع ذلك فروق لها من الأهمية ما يستوجب التمييز بينهما.

وعليه نبين أولاً أساس المسئوليتين ثم نقف بعد ذلك على حقيقة ما بينهما من فروق.

الأساس واحد في المسئوليتين وهو الخطأ الذي يعني الإخلال بإلتزام سابق ويستوي بعد ذلك أن يكون مصدر هذا الإلتزام هو العقد أو العمل غير المشروع.

إلا أنه إلى جانب ذلك يجب أن نراعي أمراً له أهميته ذلك أنه في المسئولية العقدية كان الدائن والمدين مرتبطين بعقد قبل أن تتحقق المسئولية فالإلتزام الذي يقع الإخلال به في هذه المسئولية ينشأ عن علاقة نظمتها إرادة الطرفين وبذلك يكون الإلتزام بالتعويض في هذه المسئولية مرتبطاً بالإلتزام الناشئ من العقد.

أما في المسئولية التقصيرية فقد كان الدائن والمدين أجنبيين قبل أن تتحقق المسئولية فالإخلال الذي يقع في هذه المسئولية ليس إخلالاً بإلتزام معين نظمته إرادة الطرفين، وإنما هو إخلال بإلتزام عام يفرضه القانون، ويقضي بعدم الإضرار بالغير .

ويترتب على اختلاف هذا الوضع في المسؤوليتين فروق لها أهميتها وتوجب التمييز بينهما.

 الفروق التي توجب التمييز بين المسئولية العقدية والمسئولية التقصيرية :

1 - من حيث الأهلية :

تستلزم المسئولية العقدية توافر أهلية الأداء التي يستلزمها القانون الوضعي الذي يحكم التصرف لأنها ترتكز على الإرادة وأهلية الأداء الكاملة تثبت ببلوغ الشخص 21 سنة ميلادية كاملة.

أما أهلية الإلتزام الناشئ عن المسئولية التقصيرية، فتتوافر بمجرد التمييز .

وعلى ذلك فإن ناقص الأهلية لا يستطيع أن يشغل مسئوليته العقدية في حين أنه يستطيع أن يلتزم عن طريق عمله غير المشروع بل إنه إذا دفع الضرر عن شخص غير مميز ولم يكن هناك من هو مسئول عنه، أو تعذر الحصول على تعويض من المسئول، جاز للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعياً في ذلك مركز الخصوم (م 2 / 164 مدنی).

2 - من حيث الإعذار :

في المسئولية العقدية لا يكفي وقوع الخطأ أو تقصير المدين لتوافر المسئولية، بل إنه على ما تقضى المادة 218 من القانون المدني لا يستحق التعويض عن استحالة التنفيذ عيناً إلا بعد إعذار المدينه أما في المسئولية التقصيرية فلا حاجة إلى إعذار المسئول لدفع التعويض لأنه يكون معذراً بحكم القانون .

3 - من حيث درجة الخطأ :

في المسئولية العقدية إذا كان الإلتزام بتحقيق غاية توافرت المسئولية عند عدم تحقق النتيجة ولو لم يثبت بجانبه أي خطأ ما دام لم يثبت السبب الأجنبي وإذا كان الإلتزام ببذل عناية فإن الخطأ يقدر بمقياس الرجل العادي فلا يسأل المدين عن خطئه اليسير جداً أي الخطأ الذي لا يستطيع تحاشيه سوى الرجل الحريص وإنما يسأل عن الخطأ اليسير أي عن الخطأ الذي يستطيع تحاشيه الرجل العادي .

أما في المسئولية التقصيرية فيسأل الفاعل عن كل خطأ مهما كان يسيراً ولو كان الرجل العادي لا يستطيع تفاديها .

4 - من حيث عبء الإثبات :

ليس على المدعي في المسئولية العقدية أن يثبت سوى التعاقد، فيقع على عاتق المدين أن يثبت إما أنه أوفي بما تعهد به وإما أن عدم وفائه يرجع إلى سبب أجنبي عنه والغالب أن يكون التعاقد سهل الإثبات أو معترفاً به.

أما في المسئولية التقصيرية فعبء الإثبات يقع على الدائن (المضرور) إذ يلزمه أن يقيم الدليل على خطأ المسئول، وهو عبء ثقيل ومن أجل ذلك كانت المسئولية العقدية وسيلة من الوسائل الفنية التي لجأ إليها القضاء كي يخفف من ذلك العبء، فاعتبر عقد النقل وبعض عقود أخرى، متضمنة لإلتزام بضمان السلامة .

5 - من حيث مدى التعويض :

لا يكون التعويض في المسئولية العقدية إلا عن الضرر المباشر المتوقع فيما عدا حالتي الغش والخطأ الجسيم، وذلك لأن المتعاقدين هما اللذين أنشئا الإلتزام بإرادتهما ، فهما اللذان حددا مدى التعويض عند الإخلال به ولم يدخل في حسابهما ضرر لم يتوقعاه، وبذلك لا يكون الضرر غير المتوقع داخلاً في التعاقد فلا يجب التعويض عنه أما في المسئولية التقصيرية فيكون التعويض عن الضرر المباشر كله سواء كان متوقعا أو غير متوقع (م 221 مدنی) وذلك لأن الإلتزام الذي حصل الإخلال به في هذه المسئولية قد أنشأه القانون وحدد مداه دون دخل لإرادة المتعاقدين، ولهذا وجب التعويض عن كل الضرر المباشر كما هو الأصل .

6- من حيث التضامن :

إذا تعدد المسئولون في المسئولية العقدية، فإن التضامن بينهم لا يفترض، وإنما يكون بناءً على إتفاق أو نص في القانون (م 279 مدنی) وذلك لأن إرادة المتعاقدين .

عند تعدد المدينين هي التي تحدد مدى اشتراك كل مدين في المسئولية أما إذا تعدد المسئولون في المسئولية التقصيرية كانوا متضامنين في التزامهم بتعويض الضرر وتكون المسئولية فيما بينهم بالتساوي إلا إذا عين القاضي نصيب كل منهم في التعويض . 

7 - من حيث الاتفاق على الإعفاء من المسئولية :

يجوز الإتفاق في المسئولية العقدية على إعفاء المدين من أية مسئولية تترتب على عدم تنفيذ إلتزامه التعاقدي إلا ما ينشأ عن غشه أو عن خطئه الجسيم، ومع ذلك يجوز للمدين أن يشترط عدم مسئوليته عن الغش أو الخطأ الجسيم الذي يقع من أشخاص يستخدمهم في تنفيذ إلتزامه (م 2 /  17 مدنی).

أما في المسئولية التقصيرية فإنه يقع باطلاً كل شرط يقضي بالإعفاء من المسئولية المترتبة عليها (م 3 / 217).

8 - من حيث التقادم : 

تسقط الدعوى الناشئة عن العمل غير المشروع بانقضاء ثلاث سنوات (م 1 / 172 مدنی)، تبدأ من اليوم الذي علم فيه المضرور بحدوث الضرر و بالشخص المسئول عنه وفي أي الأحوال تسقط بمضي خمس عشرة سنة من يوم وقوع الفعل غير المشروع وإذا كانت الدعوى ناشئة عن جريمة، فلا تسقط دعوى التعويض إلا بسقوط الدعوى الجنائية، أي أنه تتغير مدة سقوط دعوى التعويض الناشئة عن جريمة بنوع الجريمة الواقعة .

أما في المسئولية العقدية، فإنه يجب الرجوع إلى النصوص القانونية التي أبرمت العقود طبقاً لأحكامها والقاعدة العامة هي أن يتقادم الإلتزام بإنقضاء خمس عشرة سنة (374 مدنی) فيما عدا الحالات التي قرر لها القانون حكماً خاصاً .

9- من حيث الإختصاص : أن تكون محكمة المدعى عليه في الأحوال التعاقدية هي المختصة ما لم يتفق على غير ذلك، أو حسبما يقرر القانون (قانون التجارة مثلاً) تعيين الاختصاص أما فى المسئولية التقصيرية فالمحكمة المختصة هي على الدوام محكمة المدعى عليه عملاً بالقاعدة العامة، من أن المدعي يسعى إلى المدعى عليه في محكمته، كما قد تكون في محكمة المكان الذي وقع فيه الفعل الجريمة أو شبه الجريمة المنشئ للإلتزام، وذلك مع إمكان رفع الدعوى المدنية عن التعويض أمام المحكمة الجنائية التي تنظر الدعوى العمومية . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثاني الصفحة/762)

 

ويتبين من هذا النص أن المسئولية التقصيرية ، كالمسئولية العقدية ، لها أركان ثلاثة : ( 1 ) الخطأ ( 2 ) الضرر ( 3 ) علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر فنتكلم عن هذه الأركان الثلاثة تباعاً .

المبحث الأول : الخطأ 

مسألتان نحدد أولاً فكرة الخطأ الذي يوجب المسئولية التقصيرية ، ثم نستعرض تطبيقات مختلفة لهذه الفكرة .

تحديد فكرة الخطأ في المسئولية التقصيرية : تضاربت الآراء في تحديد معنى الخطأ في المسئولية التقصيرية ، ونستعرض من هذه الآراء أكثرها ذيوعاً ، وهي أربعة :

فرأى شائع بين الفقهاء يقول إن الخطأ هو العمل الضار غير المشروع ، أي العمل الضار المخالف للقانون وهذا رأي لا يقدمنا كثيراً في تحديد معنى الخطأ إذ يبقى أن نعرف ما هي الأعمال التي تلحق ضرراً بالغير وينهى عنها القانون وإذا كانت هناك نصوص تعين بعض هذه الأعمال فإن الكثرة الغالبة منها لم يرد فيها نص فيكون علينا أن نرسم لها ضوابط تعينها ، وهذا ما نتلمسه فلا نجده في هذا الرأي .

ورأى ثان – قال به الأستاذ بلانيول – يعرف الخطأ بأنه هو الإخلال بإلتزام سابق يبقى هنا أيضاً أن نعرف ما هي هذه الإلتزامات التي يعتبر الإخلال بها خطأ يحاول بلا نيول أن يحصرها في أربعة : الإمتناع عن العنف ، والكف عن الغش ، والأحجام عن عمل لم تتهيأ له الأسباب من قوة أو مهارة ، واليقظة في تأدية واجب الرقابة على الأشخاص أو على الأشياء وليس هذا تعريفاً للخطأ ، بل هو تقسيم لأنواعه .

ورأي ثالث للأستاذ إيمانويل ليفى يقول إن تحديد الخطأ يقتضي التوفيق ما بين أمرين : مقدار معقول من الثقة توليه الناس للشخص فمن حقهم عليه أن يحجم عن الأعمال التي تضر بهم ، ومقدار معقول من الثقة يوليه الشخص لنفسه فمن حقه على الناس أن يقدم على العمل دون أن يتوقع الإضرار بالغير فالشخص ما بين الإقدام والإحجام يشق لنفسه طريقاً وسطاً يساير ثقته بنفسه ، ولا يتعارض مع ثقة الناس به  ويدعى هذا المذهب بمذهب الإخلال بالثقة المشروعة وهو كما نرى لا يتضمن ضابطاً بين هذا الطريق الوسط الذي يعصم الشخص من الخطأ إذا هو سلكه .

ورأى رابع يحلل الخطأ إلى عنصرين ، فهو اعتداء على حق يدرك المعتدى فيه جانب الاعتداء كما يقول ديموج ، أو هو إخلال بواجب يتبين من اخل به أنه أخل بواجب كما يقول سافاتييه ، أو هو انتهاك لحرمة حق لا يستطيع من انتهاك حرمته أن يعارضه بحق أقوى أو بحق مماثل كما يقول جوسران، والاعتداء على الحق ، والإخلال بالواجب ، والحق الأقوى أو الحق المماثل كل هذه الألفاظ لا تحدد معنى الخطأ ، بل هي ذاتها في حاجة إلى تحديد .

الخطأ له ركنان – ركن مادي وركن معنوي : والرأي الذي استقر فقها وقضاء يقرب معنى الخطأ في المسئولية التقصيرية من معناه في المسئولية العقدية هو إخلال بإلتزام عقدي وقد رأينا أن الإلتزام العقدي الذي يعد الإخلال به خطأ في المسئولية العقدية إما أن يكون إلتزاماً بتحقيق غاية ، وإنما أن يكون إلتزاماً ببذل عناية أما الإلتزام القانوني الذي يعتبر الإخلال به خطأ في المسئولية التقصيرية فهو دائماً إلتزام ببذل عناية وهو أن يصطنع الشخص في سلوكه اليقظة والتبصر حتى لا يضر بالغير فإذا انحرف عن هذا السلوك الواجب ، وكان من القدرة على التمييز بحيث يدرك أنه قد انحرف .ن كان هذا الإنحراف خطأ يستوجب مسئوليته التقصيرية .

ومن ثم يقوم الخطأ في المسئولية التقصيرية على ركنين : الركن الأول مادي وهو التعدي  ، والركن الآخر معنوي وهو الإدراك  .

الركن المادي : التعدي

مقياس التعدى مقياس موضوعي لا مقياس ذاتي : نستظهر مما تقدم أن الخطأ انحراف في السلوك فهو تعد يقع من الشخص في تصرفه ، ومجاوزة للحدود التي يجب عليه التزامها في سلوكه فكيف يقع هذا الانحراف ؟ وما هو ضابطه ؟

يقع الإنحراف إذا تعمد الشخص الإضرار بالغير ما يسمى بالجريمة المدنية أو إذا هو دون أن يتعمد الإضرار بالغير أهمل وقصر – وهذا ما يسمى بشبه الجريمة المدنية.

أما الضابط في الإنحراف فيتصور أن يرد إلى إحدى وجهتين : وجهة ذاتية أو وجهة موضوعية  فيقاس التعدي الذي يقع من الشخص مقياساً شخصياً إذا اخترنا الوجهة الذاتية ، أو مقياساً مجرداً  إذا آثرنا الوجهة الموضوعية .

والمقياس الشخصي يستلزم أن ننظر إلى شخص المعتدي نفسه ، لا إلى التعدي في ذاته أو نحن ننظر إلى التعدى من خلال شخص المتعدى فنبحث هل ما وقع منه يعتبر بالنسبة إليه انحرافاً في السلوك ، أي في سلوكه هو فقد يكون على درجة كبيرة من اليقظة وحسن التدبير ، فأقل إنحراف في سلوكه يكون تعدياً وقد يكون دون المستوى المعادي في الفطنة والذكاء ، فلا يعتبر متعدياً إلا إذا كان الانحراف في سلوكه انحرافاً كبيراً بارزاً وقد يكون في المستوى العادي المألوف فالتعدي بالنسبة إليه لا يكون إنحرافاً في السلوك بهذا القدر من البروز أو على تلك الدرجة من الضئالة ، ولكنه إنحراف إذا وقع يعتبره جمهور الناس إنحرافاً عن السلوك المألوف والمقياس الشخصي على هذا النحو لا شك في عدالته فهو يأخذ كل شخص بجريرته ، ويقيس مسئوليته بمعيار من فطنته ويقظته وهو في الوقت ذاته يربط ما بين الخطأ القانوني والخطأ الأدبي فالشخص لا يكون قد ارتكب خطأ قانونياً إلا إذا أحس أنه ارتكب خطأ أدبياً، فضميره دليله ووازعه ، يشعره بما يهم أن يرتكب من خطأ ، ويثنيه عنه ، أو يسجله عليه ولكن المقياس الشخصي فيه عيب جوهري لا يصلح معه أن يكون مقياساً منضبطاً وافياً بالغرض فهو يقتضي أن ننسب الانحراف في السلوك إلى صاحبه ، فينظر إلى الشخص ، ونكشف عما فيه من يقظة وما خلص له من فطنة ، وما درج عليه من عادات وهذا كله أمر خفي ، بل لعله أن يكون من الخفاء بحيث يستعصى على الباحث المدقق كشفه ثم هو بعد ذلك يختلف من شخص إلى شخص فالإنحراف عن السلوك المألوف ، تراه الناس في العادة إنحرافاً محققاً ، يكون تعدياً بالنسبة إلى شخص ذى فطنة أو شخص عادي ، ولا يكون كذلك بالنسبة إلى شخص دون الاثنين في الفطنة، فما ذنب ضحية هذا الإنحراف ؟ وما الذي يعنيه – وقد حاق به الضرر – من أن يكون المتسبب فيه شخصاً فوق المستوى العادي أو دون هذا المستوى وهل التعويض جزاء جنائي ينظر فيه إلى شخص المجرم قبل أن ينظر إلى الجريمة فيصيب المجرم في نفسه قبل أن يصيبه في ماله ؟ أو هو جزاء مدني ينظر فيه إلى التعدي قبل أن ينظر إلى المتعدى ، فيصيب المسئول في ماله قل أن يصيبه في نفسه ؟ لا شك في أن التعويض جزاء مدني لا عقوبة جنائية ولا شك كذلك في أن الدائن بمقتضى العمل غير المشروع ، كالدائن بمقتضى العقد ، ما تعنيه الظواهر النفسية بقدر ما تعنيه الظواهر الاجتماعية فالخطأ كالإرادة شيء اجتماعي قبل أن يكون ظاهرة نفسية ، وكما يقف الدائن في العقد عند الإرادة الظاهرة يستخلص منها الإرادة الباطنة دون أن يعبأ بما يكنه مدينه من سريرة خفية ، كذلك الدائن في العمل غير المشروع ينبغي أن يقف عند الإنحراف عن السلوك المألوف لا يعبأ بما ينطوي عليه مدينه من تراخ أو يقظة .

من أجل هذا كله رجح لأخذ بالمقياس المجرد دون المقياس الشخصي فيقاس الانحراف بسلوك شخص تجرده من ظروفه الشخصية هذا الشخص المجرد هو الشخص العادي الذي يمثل جمهور الناس ، فلا هو خارق الذكاء شديد اليقظة فيرتفع إلى الذروة ، ولا هو محدود الفطنة خامل الهمة فينزل إلى الحضيض : وهو الشخص الذي اتخذناه من قبل مقياساً للخطأ العقدي في الإلتزام ببذل عناية ، حيث يطلب من المدين في الأصل أن يبذل عناية الرجل العادي وهو شخص عرفه القانون الروماني ، وسماه برب الأسرة العاقل  ننظر إلى المألوف من سلوك هذا الشخص العادي ، ونقيس عليه سلوك الشخص الذي نسب إليه التعدي فإن كان هذا لم ينحرف في سلوكه عن المألوف من سلوك الشخص العادي فهو لم يتعد ، وانتفى عنه الخطأ ، ونفض المسئولية عن كاهله أما إذا كان قد انحرف ، فمهما يكن من أمر فطنته ويقظته ، فقد تعدى ، وثبت عليه الخطأ ، وترتبت المسئولية في ذمته بهذا وحده يسلم لنا مقياس منضبط صالح واف بالغرض فلا نحن في حاجة إلى البحث عن خبايا النفس والكشف عن خفايا السرائر ، ولا المقياس يختلف في تطبيقه من شخص إلى شخص بل يصبح التعدي أمراً واحداً بالنسبة إلى جميع الناس ، إذ أن معياره لا يتغير فإذا جاوز الإنحراف المألوف من سلوك الناس صار تعدياً ، يستوي في ذلك أن يصدر من فطن ذكي أو وسط عادي ، أو خامل غبي ويصبح الخطأ شيئاً اجتماعياً لا ظاهرة نفسية فتستقر الأوضاع وتنضبط الروابط القانونية .

ولا نريد في دفاعنا عن المقياس المجرد – وهو المقياس الذي أخذ به الجمهور من رجال الفقه والقضاء – أن تخفى ما ينطوي عليه من تسليم جزئي بقيام المسئولية على تحمل التبعة ذلك أن الشخص الذي هو دون المستوى العادي من الفطنة واليقظة إذا أخذ بهذا القياس ، كان عليه أن يتحمل تبعة نشاطه فيما ينزل فيه عن المستوى العادي فقد يكون استنفد ما وسعه من جهد ، وبذل ما في طاقته من حرص ويقظة ، ولكن ذلك كله لم ينهض به إلى مستوى الشخص العادي فبعد انحرافه عن هذا المستوى تعدياً ، ويصبح مسئولاً ومسئوليته هنا إذا كانت تقوم على خطأ قانوني بالنسبة إلى المقياس المجرد ، فهي لا تقوم على أي خطأ بالنسبة إلى المقياس الشخصي ، ومن هنا يجيء تحمل التبعة فكأن المطلوب من الناس جميعاً ، وهم مأخوذون بهذا المقياس المجرد ، أو يبلغوا من الفطنة واليقظة ما بلغ أوساطهم من ذلك فمن علا عن الوسط كان علوه غنماً ، ومن نزل عنه كان نزوله غرماً هكذا يعيش الإنسان في المجتمع ، وهذا هو الثمن الذي يدفعه للعيش فيه .

التجرد من الظروف الداخلية لا من الظروف الخارجية : وهذا المقياس المجرد – مقياس السلوك المألوف من الشخص العادي – قد تجرد كما قلنا من جميع الظروف الذاتية الملابسة لشخص المتعدى ، إذ هي ظروف داخلية متصلة به ، فهو مأخوذ بمقياس السلوك المألوف من الشخص العادي حتى لو كان هو محدود الذكاء ، قليل الفطنة ، ضعيف الإدراك ، وهو مأخوذ به أيضاً حتى لو كان بطيء الحركة ، خامل الهمة ، بليد الطبع . و هو مأخوذ به كذلك حتى لو كان عنيف التصرف ، ثائر الطبع ، عصبي المزاج – ولو أن سائق السيارة ليلاً في المدينة كان ضعيف النظر ، أو كان صبياً صغيراً في السنن أو كان ريفياً لم يتعود القيادة في المدن ، أو كان امرأة لا تضبط أعصابها ، فإن شيئاً من هذا لا يغير من وجه المسألة فما زال السائق مأخوذاً بمقياس السلوك المألوف من الشخص العادي والشخص العادي هنا رجل سليم النظر تعود القيادة ، يستطيع عند الاقتضاء أن يضبط أعصابه هذه هي الصفات التي ألفتها الناس ، وما تنتظر بحق أن يكون عليها سائق السيارة ليلاً في المدينة .

نقول : سائق السيارة ليلاً في المدينة ، ولم نقل سائق السيارة إطلاقاً دون تحديد ذلك أن الشخص العادي الذي جعل مقياساً مجرداً ، إذا كنا قد جردناه من جميع الظروف الملابسة لشخص المتعدى إذ هي ظروف داخلية تتصل بهذا الشخص بالذات ، فليس لنا أن نجرده من الظروف الخارجية إذ هي ظروف عامة تتناول جميع الناس فلا نجرده أولاً من ظروف الزمان فهو يسوق السيارة ليلاً وظرف الزمان هذا ظرف عام خارجي ، لا ينفرد به ، بل يستوي فيه مع سائر سائقي السيارات ولا نجرده ثانياً من ظروف المكان فهو يسوق السيارة في المدينة وظرف المكان هذا هو أيضاً ظرف عام خارجي كظرف الزمان وهناك ظروف أخرى خارجية عامة قد تحيط بسائق السيارة ، فيجب الإعتداد به ، وعدم التجرد منها فهو قد يسوق سيارته في منعطفات ضيقة ، أو في شوارع مزدحمة بالناس ، أو على أرض مبللة ففي مثل هذه الظروف الخارجية يجب عليه أن يصطنع الحيطة والأناة في السير وهو قد يسوق سيارته في شوارع فسيحة أو في طرق خالية من الناس ، أو يخترق صحراء في طريق ممهد ، ففي مثل هذه الظروف الخارجية لا ضير عليه إذا هو أسرع .

نستظهر إذن مما قدمناه القاعدة الآتية : إن الشخص العادي ، الذي نجعل سلوكه المألوف مقياساً للخطأ يجب أن يتجرد من الظروف الداخلية الذاتية الملابسة لشخص المتعدى دون أن يتجرد من الظروف الخارجية العامة التي تحيط بالتعدى وأهم الظروف الخارجية العامة التي لا يجوز التجرد منها هي ظروف الزمان وظروف المكان .

وقبل أن نترك هذا الموضوع ، نعود إلى ظروف ثلاثة سبق أن اعتبرناها ظروفاً داخلية شخصية يجب التجرد منها وهي ظرف السن ، وظرف الجنس ، وظرف الحالة الإجتماعية فقد أسلفنا أن سائق السيارة ، حتى لو كان صبياً أو امرأة أو ريفياً ، يجب أن يقاس سلوكه بسلوك الرجل العادي المجرد من هذه الظروف الثلاثة وإذا صح هذا النظر في شأن قيادة السيارة حيث لا يختص بهذا العمل الصبيان أو النساء أو الريفيون دون غيرهم ، فإنه لا يصح في شأن الأعمال التي تعتبر عادة من أعمال الصبيان أو النساء أو أهل الريف ، فإن الصبي الصغير إذا لعب مع رفقائه لا ينبغي أن يقاس سلوكه بسلوك الشخص الناضج في السن كذلك المرأة إذا باشرت عملاً تباشره النساء عادة كالتعليم والتوليد والتمريض ، لا يقاس سلوكها فيه بسلوك الرجل الريفي الساذج وهو يعيش في قريته النائية عيشته المألوفة ، لا يقاس سلوكه بسلوك المتحضر المثقف ، ذلك أن الصبي الصغير فيما يقوم به من أعمال الصبيان ، والمرأة فيما تباشره من أعمال النساء ، والريفي فيما يسكن إليه من حياة قروية ، ينبغي أن يعتبر كل منهم منتمياً إلى طبقة قائمة بذاتها فيتجرد من كل طبقة من هذه الطبقات الثلاث ، شخص عادي يكون سلوكه المألوف هو المقياس الذي يقاس به سلوك جميع الأفراد التي تنتمي إلى هذه الطبقة فالمقياس المجرد للصبيان ، فيما هو من أعمال الصبيان ، صبي مثلهم ، يتجرد عن الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بصبي بالذات والمقياس المجرد للسناء ، فيما تباشر النساء عادة من أعمال ، امرأة منهن من وسطياتهن تتجرد عن الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بامرأة بالذات والمقياس المجرد لأهل القرى ، فيما يدخل في حياتهم الريفية ، قروى منهم ومن أوسطهم يتجرد عن الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بقروى بالذات أما قيادة السيارة فلا تدخل في أعمال الصبيان ، ولا هي من الأعمال التي تباشرها النساء عادة ، وليست محصورة في أهل القرى لذلك كانت ظروف السن والجنس والحالة الاجتماعية بالنسبة إليها ظروفاً داخلية شخصية لا ظروفاً خارجية عامة ومن ثم يتبين أن الظرف الواحد قد يكون ظرفاً داخلياً شخصياً بالنسبة إلى شيء معين ، ثم ينقلب إلى ظرف خارجي عام بالنسبة إلى شيء آخر وفي هذه النسبية التي نقول بها ما يجعل المقياس المجرد أوفر مرونة وأكثر مطاوعة لمقتضيات الظروف .

 عبء الإثبات في ركن التعدي : والتعدي على الوجه الذي بسطناه ، إذا وقع من شخص فألحق ضرراً بآخر ، كان على المضرور عبء إثبات وقوعه من المتعدى فإن المسئولية هنا قد ترتبت على عمل شخصي صدر من المسئول ، وقد أسلفنا أن المسئولية عن الأعمال الشخصية تقوم على خطأ واجب الإثبات فعلى الدائن في هذه الحالة أن يثبت أن المدين قد انحرف عن السلوك المألوف للرجل العادي ، فترتبت المسئولية في ذمته وهذا هو عين ما قررناه في المسئولية العقدية فقد قدمنا أن الدائن في العقد هو الذي يثبت إخلال المدين بإلتزامه العقدي ، كما أن المدين هو الذي يثبت أنه قام بإلتزامه وهنا في المسئولية التقصيرية ، يثبت الدائن أن المدين قد أخل بإلتزامه القانوني ، فلم يصطنع الحيطة الواجبة في عدم الإضرار بالغير ، بأن انحرف عن السلوك المألوف للرجل العادي فألحق الضرر بالدائن .

الركن المعنوي : الإدراك

مناط المسئولية التمييز : الإدراك هو الركن المعنوي في الخطأ فلا يكفي ركن التعدي ليقوم الخطأ ، بل يجب لقيامه أن يكون من وقعت منه أعمال التعدي مدركاً لها . ولا مسئولية دون تمييز فالصبي غير المميز ، والمجنون ، والمعتوه عتهاً تاماً ، ومن فقد رشده لسبب عارض كالسكر والغيبوبة والمرض ، والمنوم تنويماً مغنيطيسياً ، والمصاب بمرض النوم ، كل هؤلاء لا يمكن أن ينسب إليهم خطأ لأنهم غير مدركين لأعمالهم .

وهذه مسألة كاد الإجماع ينعقد عليها منذ تقررت في القانون الروماني ، وانتقلت منه إلى العصور الوسطى ، ومن هذه إلى العصور الحديثة واعتبر سقوط المسئولية عن عديم التمييز من الناحيتين الجنائية والمدنية معاً خطوة خطاها القانون إلى الإمام .

 ركن الإدراك ينفي الخطأ عن عديم التمييز : ولكن تيار النظرية المادية في المسئولية التقصيرية ، وهي النظرية التي تبني المسئولية على تحمل التبعة لا على الخطأ بدأ في العهد الأخير يعيد إلى ميدان البحث مسئولية عديم التمييز فأنصار النظرية المادية يقولون بالمسئولية حتى إذا انعدم التمييز ، فغير المميز إذا لم يكن قادراً على إرتكاب الخطأ يستطيع إحداث الضرر والمسئولية عندهم إنما تقوم على الضرر ونعواً إلى المتمسكين بالخطأ أساساً للمسئولية أن منطقهم يستلزم عدم المساءلة إذا انعدم التمييز وأشاروا إلى حالات يكون من القسوة فيها إلا يعوض عديم التمييز إذا كان واسع الثراء ما أحدثه من ضرر جسيم لفقير معدم فعمد بعض أنصار المسئولية المبنية على الخطأ إلى تعديل موقفهم من عديم التمييز ورأوا في المقياس المجرد الذي اتخذوه معياراً للتعدى ما ظنوه يعينهم على القول بمسئولية عديم التمييز في نطاق الخطأ فقالوا إن عديم التمييز ليس قادراً فحسب على إحداث الضرر ، بل هو أيضاً قادر على إرتكاب الخطأ إذ الخطأ عندهم له ركن واحد هو التعدي والتعدي له هذا المقياس المجرد الذي سبق بيانه وعديم التمييز صغيراً غير مميز كان أو مجنوناً أو معتوهاً أو غير ذلك ، إذا قيس سلوكه بالسلوك المألوف للشخص العادي بدأ إنحرافه ، يوضح شذوذه ولم يدع مجالاً للقول بأنه يتصرف تصرف المميزين فهو إذا صدر منه عمل يضر بالغير ، كان العمل تعدياً يستوجب المساءلة أما إنعدام التمييز فهو ظرف داخلي شخصي لا يجوز أن يقوم له اعتبار وقد تقدم أنه يجب تجريد الشخص العادي الذي جعل مقياساً للتعدي من جميع الظروف الداخلية الشخصية .

ونبادر إلى القول إنه حتى لو قيل إن الخطأ ليس له إلا ركن واحد هو ركن التعدي ، فإن المقياس المجرد لهذا الركن لا يسعف في نظرنا القائلين بمسئولية عديم التمييز فقد قدمنا أنه لا يصح اعتبار ظرف عام تشترك فيه طائفة من الناس ظرفاً داخلياً خاصاً بكل فرد من أفراد هذه الطائفة عند تقدير ما يصدر عادة عن هذه الطائفة من أعمال فالصبية والنساء والريفيون مقياسهم المجرد ، في الأعمال التي تصدر منهم في العادة ، لا يتجرد من عوامل السن والجنس والحالة الاجتماعية ومقياس كل طائفة من هؤلاء شخص من أوسطهم ينتمي إلى الطائفة بالذات ، فلا يتجرد من المميز العام لهذه الطائفة ، وإن تجرد من الظروف الداخلية الشخصية التي تتعلق بفرد منها بعينه وكذلك عديمو التمييز هم أيضاً طائفة من الناس تشترك في مميز عام هو إنعدام التمييز ، فلا يجوز أن يتجرد مقياسهم من هذا التمييز في تقدير الأعمال التي تصدر منهم في العادة ولما كان عديم التمييز لا يتصور فيهم أن يتصرفوا تصرف المميزين ، فإن كل عمل يصدر منهم ، مهما كان غريباً شاذاً ، يدخل ضمن أعمالهم المعتادة ، ويجب إلا يتجرد المقياس فيه من عامل إنعدام التمييز فإذا قيس سلوكهم في أي عمل يصدر منهم إلى السلوك المألوف من شخص عديم التمييز ، فإن هذا السلوك لا ينحرف عن مقياسه ، ولا يعتبر تعدياً وعلى هذا الوجه يكون عديم التمييز غير مسئول .

هذا كله لو قيل إن الخطأ لا ينطوي إلا على ركن التعدي والصحيح في نظرنا أن للخطأ ركناً آخر هو ركن الإدراك ولا تزال المسئولية المدنية ، مهما جردناها من العوامل الأدبية ، مرتبطة بهذا العامل الأدبي لا يجوز أن تنفك عنه فهي تقوم على التمييز . والشخص الذي لا يدرك ما يصدر عنه من عمل لا تجوز مساءلته لا أدبياً ولا جنائياً ولا مدنياً ، مادامت المسئولية تقوم على الخطأ وهذا هو فضل النظرية الشخصية فهي تربط المسئولية بالخطأ وتربط الخطأ بالتمييز ، فتشيع في المسئولية عاملاً أدبياً لا يجوز الإستغناء عنه ، إذ هو عنصر ذاتي يخفف من حدة العنصر الموضوع الذي يهيمن على مقياس الشخص المجرد .

ويبقى أخيراً أن نلاحظ أن التمييز في المسئولية التقصيرية لا يكيف على أنه أهلية يجب توفرها كالأهلية في العقد ، إنما التمييز هو ركن الإدراك في الخطأ وبدونه لا يكون التعدي خطأ .

الضرر

تحديد الموضوع – الإثبات : الضرر هو الركن الثاني للمسئولية التقصيرية فليس يكفي لتحقق المسئولية أن يقع خطأ ، بل يجب أن يحدث الخطأ ضرراً  ونتكلم هنا في قيام الضرر في ذاته أما الكلام في التعويض عن الضرر فمحله الفرع الخاص بآثار المسئولية .

والمضرور هو الذي يثبت وقوع الضرر به ووقوع الضرر واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع الطرق ، ومنها البينة والقرائن .

 الضرر المادي والضرر الأدبي : وقد يكون الضرر مادياً يصيب المضرور في جسمه أو في ماله ، وهو الأكثر الغالب وقد يكون أدبياً يصيب المضرور في شعوره أو عاطفته أو كرامته أو شرفه أو أي معنى آخر من المعاني التي يحرص الناس عليها . ونتكلم في كل من هذين النوعين .

الضرر المادي: الضرر المادي هو إخلال بمصلحة للمضرور ذات قيمة مالية ويجب أن يكون هذا الإخلال محققاً ، ولا يكفي أن يكون محتملاً يقع أو لا يقع .

فللضرر المادي إذن شرطان : 

(1) أن يكون هناك إخلال بمصلحة مالية للمضرور . 

(2) أن يكون محققاً ونبحث كلاً من هذين الشرطين .

  1 - الإخلال بمصلحة مالية للمضرور

 الضرر إخلال بحق أو بمصلحة : قد تكون المصلحة المالية للمضرور حقاً أو مجرد مصلحة مالية ونستعرض كلاً من الفرضين .

الضرر إخلال بحق للمضرور : لكل شخص الحق في السلامة : سلامة حياته وسلامة جسمه فالتعدي على الحياة ضرر ، بل هو أبلغ الضرر وإتلاف عضو أو إحداث جرح أو إصابة الجسم أو العقل بأي أذى آخر من شأنه أن يخل بقدرة الشخص على الكسب أو يكبد نفقة في العلاج هو أيضاً ضرر مادي .

والتعدي على الملك هو إخلال بحق ويعتبر ضرراً فإذا أحرق شخص منزلاً لآخر ، أو قلع زراعته ، أو خرب أرضه ، أو أتلف له مالاً كأثاث أو عروض أو غير ذلك ، كان هذا ضرراً مادياً أصاب المضرور في حق ثابت له وكل إخلال بحق مالي ثابت ، عينياً كان هذا الحق أو شخصياً ، هو ضرر مادي والأمثلة على ذلك كثيرة تجتزئ بما قدمناه منها .

وقد يصيب الضرر شخصاً بالتبعية عن طريق ضرر أصاب شخصاً آخر فالقتل ضرر أصاب المقتول في حياته ، وعن طريق هذا الضرر أصيب بضرر أولاد المقتول بحرمانهم من العائل ، وهذا عدا الضرر الأول الذي أصاب المقتول نفسه  . والحق الذي يعتبر الإخلال به ضرراً أصاب الأولاد تبعاً هو حقهم في النفقة قبل أبيهم . وقد يكون المضرور تبعاً دائناً للمصاب لا بنفقة ولكن بحق آخر ، فالإخلال بهذا الحق يعتبر ضرراً بالتبعية . مثل ذلك دائن يطالب المدين بعمل يستوجب تدخله الشخصي ، وقد قتل المدين ، فللدائن مطالبة القاتل بالتعويض عن الضرر الذي أصابه من جراء فقد مدينه وفوات الفرصة عليه في تنفيذ العمل أما إذا كان الدائن يستطيع أن يحصل على حقه من غير تدخل المدين ، فلا يكون ثمة ضرر . ذلك أن التركة إذا كانت موسرة استطاع الدائن أن يتقاضى منها حقه ، وإذا كانت معسرة فقد ثبت أن المدين كان معسراً قبل موته ولم يحدث للدائن ضرر بالموت .

الضرر إخلال بمصلحة مالية للمضرور : وقد يكون الضرر إخلالاً لا بحق للمضرور ولكن بمجرد مصلحة مالية له مثل ذلك أن يصاب عامل فيستحق معاشاً عند رب العمل ، فيكون المسئول عن إصابة العامل قد أصاب رب العمل في مصلحة مالية له إذ جعله مسئولاً عن معاش العامل ، والإخلال بالمصلحة المالية على هذا النحو يعد ضرراً ومثل آخر للمصلحة المالية التي يصاب فيها المضرور أن يفقد عائله دون أن يكون له حق ثابت في النفقة ، وهذا بخلاف من له حق ثابت في النفقة فإن الضرر يصيبه في حق لا في مصلحة ويقع ذلك إذا كان شخص يعول أحداً من أقاربه أو ممن يلوذ به دون أن يلزمه القانون بالنفقة عليه – فمن يعال إذا فقد العائل يكون قد أصيب في مصلحة مالية – لا في حق – إذا هو أثبت أن العائل كان يعوله فعلاً وعلى نحو مستمر دائم وأن فرصة الاستمرار على ذلك في المستقبل كانت محققة ، فيقدر القاضي ما ضاع على المضرور من فرصة بفقد عائله ويقضي له بتعويض على هذا الأساس كذلك الضرر الذي يصيب الخطيبة من فقد خطيبها يقاس بمقدار ما كلفتها الخطبة من نفقات بمقدار ما ضاع عليها من فرصة في إتمام الزواج ، وهذا أمر يترك تقديره للقاضي .

ويراعى أن المصلحة المالية التي يعد الإخلال بها ضرراً هي المصلحة المشروعة . أما المصلحة غير المشروعة فلا يعتد بها ، ولا يعتبر الإخلال بها ضرراً يستوجب التعويض فالخليلة لا يجوز أن تطالب بتعويض عن ضرر أصابها بفقد خليلها ، لأن العلاقة فيما بينهما كانت غير مشروعة أما الولد الطبيعي والأبوان الطبيعيان فيجوز لهم ذلك ، لأن العلاقة فيما بينهم ، وإن كانت قد نشأت عن علاقة غير مشروعة ، هي في ذاتها مشروعة .

  2 - تحقق الضرر

 الضرر الحال والضرر المستقبل : ويجب أن يكون الضرر محقق الوقوع ، بأن يكون قد وقع فعلاً ، أو سيقع حتماً .

مثل الضرر الذي وقع فعلاً – وهو الضرر الحال – هو أن يموت المضرور أو يصاب بتلف في جسمه أو في ماله أو في مصلحة مالية له على النحو الذي قدمناه .

ومثل الضرر الذي سيقع حتماً – وهو الضرر المستقبل – هو أن يصاب عامل فيعجز عن العمل ، فيعوض ليس فحسب عن الضرر الذي وقع فعلاً من جراء عجزه عن العمل في الحال ، بل وعن الضرر الذي سيقع حتماً من جراء عجزه عن العمل في المستقبل فإذا كان هذا الضرر يمكن تقديره فوراً قدره القاضي وحكم به كاملاً أما إذا كان لا يمكن تقديره ، فقد يرجع ذلك إلى أن الضرر يتوقف تقديره على أمر لا يزال مجهولاً ، كما إذا أصيب العامل في ساقه وتوقف تقدير الضرر على ما إذا كانت الساق ستبتر أو ستبقى فللقاضي في هذه الحالة أن يقدر التعويض على كلا الفرضين ويحكم بما قدر ، ويتقاضى العامل التعويض الذي يستحقه وفقاً لأي من الفرضين يتحقق في المستقبل وقد يرجع عدم إمكان التقدير في الحال إلى أن العامل سيبقى عاجزاً عن العمل عجزاً كلياً أو جزئياً طول حياته ، ولا يعلم أحد في أي وقت يموت ، فيجوز للقاضى في هذه الحالة أن يجعل التعويض إيراداً مرتباً مدى الحياة – وقد يرجع عدم إمكان تقدير الضرر إلى أسباب أخرى ، فيجوز للقاضي بعد أن يقدر الضرر وفقاً لما تبينه من الظروف أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطالب في خلال مدة معينة بإعادة النظر في التقدير .

الضرر الأدبي :

 تحديد الضرر الأدبي : الضرر الأدبي هو الضرر الذي لا يصيب الشخص في ماله . وقد رأينا أن الضرر الذي يصيب الشخص في حق أو في مصلحة مالية هو ضرر مادي . وعلى النقيض من ذلك الضرر الأدبي ، فهو لا يمس المال ولكن يصيب مصلحة غير مالية ويمكن إرجاع الضرر الأدبي إلى أحوال معينة :

- ضرر أدبي يصيب الجسم فالجروح والتلف الذي يصيب الجسم والألم الذي ينجم عن ذلك وما قد يعقب من تشويه في الوجه أو في الأعضاء في الجسم بوجه عام ، كل هذا يكون ضرراً مادياً وأدبياً إذا نتج عنه إنفاق المال في العلاج أو نقص في القدرة على الكسب المادي ، ويكون ضرراً أدبياً فحسب إذا لم ينتج عنه ذلك .

 - ضرر أدبي يصيب الشرف والاعتبار والعرض فالقذف والسب وهتك العرض وإيذاء السمعة بالتقولات والتخرصات والإعتداء على الكرامة ، كل هذه أعمال تحدث ضرراً أدبياً إذ هي تضر بسمعة المصاب وتؤذي شرفه واعتباره بين الناس .

 - ضرر أدبي يصيب العاطفة والشعور والحنان فانتزاع الطفل من حضن أمه وخطفه ، والاعتداء على الأولاد أو الأم أو الأب أو الزوج أو الزوجة ، كل هذه أعمال تصيب المضرورة في عاطفته وشعوره ، وتدخل إلى قلبه الغم والأسى والحزن . ويلحق بهذه الأعمال كل عمل يصيب الشخص في معتقداته الدينية وشعوره الأدبي .

 - ضرر أدبي يصيب الشخص من مجرد الإعتداء على حق ثابت له فإذا دخل شخص أرضاً مملوكة لآخر بالرغم من معارضة المالك ، جاز لهذا أن يطالب بتعويض عما أصابه من الضرر الأدبي من جراء الاعتداء على حقه حتى لو لم يصبه ضرر مادي من هذا الإعتداء .

ويجب في جميع هذه الأحوال أن يكون الضرر الأدبي كالضرر المادي ، ضرراً محققاً غير احتمالي .

 الضرر الأدبي قابل للتعويض : والضرر الأدبي على النحو الذي قدمناه قابل للتعويض بالمال .

علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر 

السببية ركن مستقل : علاقة السببية ما بين الخطأ والضرر معناها أن توجد علاقة مباشرة ما بين الخطأ الذي ارتكبه المسئول والضرر الذي أصاب المضرور والسببية هي الركن الثالث من أركان المسئولية ، وهي ركن مستقل عن ركن الخطأ وآية ذلك أنها قد توجد ولا يوجد الخطأ ، كما إذا أحدث شخص ضرراً بفعل صدر منه لا يعتبر خطأ وتتحقق مسئوليته على أساس تحمل التبعة ، فالسببية هنا موجودة والخطأ غير موجود وقد يوجد الخطأ ولا توجد السببية ويسوق أحد الفقهاء لذلك مثلاً : يدس شخص لآخر سماً وقبل أن يسري السم في جسم المسموم يأتي شخص ثالث فيقتله بمسدس فهنا خطأ هو دس السم ، وضرر هو موت المصاب ، ولكن لا سببية بينهما إذ الموت سببه إطلاق المسدس لا دس السم ، فوجد الخطأ ولم توجد السببية ونورد مثلين آخرين يوجد فيها الخطأ ولا توجد السببية بعد أن يتم البيع يكشف المشتري عما عسى أن يثقل العقار الذي اشتراه من رهون ، فيبين من الكشف أن العقار غير مرهون ، ثم يتضح أن هذا الكشف غير صحيح وأن العقار مثقلاً برهن، وينزع الدائن المرتهن ملكية العقار فهنا خطأ وهو الكشف غير الصحيح ، وضرر وهو نزع ملكية العقار ، ولكن السببية غير موجودة فإن الكشف غير الصحيح لم يظهر إلا بعد تمام البيع فلم يكن هو السبب في وقوع الضرر شخص يقود سيارة دون رخصة ، ثم يصيب أحد المارة وتكون الإصابة بخطأ يقع من هذا المصاب فهنا خطأ وهو قيادة السيارة دون رخصة ، وضرر وهو إصابة أحد المارة ، ولكن الخطأ ليس هو السبب في الضرر بل هناك سبب أجنبي هو خطأ المصاب ، فوجد الخطأ دون أن توجد السببية .

إنعدام السببية لأن السبب غير منتج أو غير مباشر

حالتان : قد تتعدد أسباب الضر ويكون خطأ المدعى عليه أحد هذه الأسباب ، ولكن يؤدي هذا التعدد إلى انقطاع الصلة ما بين الخطأ والضرر فتنعدم علاقة السببية وقد يكون للضرر بسبب واحد هو خطأ المدعى عليه ولكن الضرر ذاته هو الذي يتعدد إذ تتعاقب الأضرار ، فتنقطع الصلة ما بين بعضها وبين خطأ المدعى عليه من جراء تسلسل النتائج فتنعدم علاقة السببية فيما انقطعت فيه الصلة .

ويستعرض كلا من الحالتين : (1) تعدد الأسباب (2) تسلسل النتائج أو تعاقب الأضرار  .

1 – تعدد الأسباب

تعدد الأسباب مع الاستغراق أو دون استغراق : كثيراً ما تتعدد الأسباب التي تتدخل في إحداث الضرر وعند ذلك يعنينا أن نعرف هل نأخذ بهذه الأسباب جميعاً ، القريب منها والبعيد ، ونعتبرها كلها أسباباً أحدثت الضرر ، أو نقف من هذه الأسباب عند المؤثر المنتج دون غيره .

ويحسن في هذا الصدد أن نميز بين حالتين في تعدد الأسباب الحالة الأولى إذا تعددت الأسباب مع استغراق سبب منها للأسباب الأخرى ، والحالة الثانية إذا تعددت الأسباب دون استغراق .

1 - تعدد الأسباب مع إستغراق سبب منها للأسباب الأخرى :

 بقاء السبب المستغرق وحده مرتباً للمسئولية : رأينا في بحث السبب الأجنبي أنه يجوز أن يكون للضرر سببان ، ولكن أحدهما يستغرق الآخر ويبقى هو السبب الوحيد الذي أحدث الضرر ، فتتحقق مسئولية صاحبه كاملة ورأينا أن هذا يتحقق في فرضين :

أن يكون أحد السببين خطأ عمداً والآخر غير عمد فيستغرق الخطأ العمد الخطأ غير العمد ويصبح هو السبب الوحيد الذي نقف عنده فإذا تعمد شخص إحداث ضرر بأخر وساعده على إحداث هذا الضرر خطأ ارتكبه المضرور أو ارتكبه الغير ، كما لو انتهز شخص فرصة سير غريمه في الطريق غير ملق بألا لما حوله فدهسه بسيارته ، أو رأى حفرة في الطريق حفرها الغير خطأ فأوقع غريمه فيها ، اجتمع سببان تدخلاً في إحداث الضرر : تعمد الجاني وخطا المجني عليه أو خطأ الغير ولا شك في أن تعمد الجاني قد استغرق خطأ المجني عليه أو خطأ الغير ، فالتعمد وحده هو الذي نقف عنده ، ويعتبر السبب الوحيد في إحداث الضرر ، ويكون المدعى عليه مسئولاً وحده مسئولية كاملة .

أن يكون أحد السببين نتيجة للسبب الآخر مثل ذلك أن يخطئ الطبيب في نصيحة المريض أو المحامي في توجيه الموكل أو المهندس في المشورة على العميل ، فيخطئ المريض أو الموكل أو العميل في إتباع النصيحة أو التوجيه والمشورة فيصاب بالضرر ومن ثم وجد سببان متواليان تدخلا في إحداث الضرر للمشورة الخاطئة وتنفيذ هذه المشورة ولكن أحد السببين هو الذي ساق إلى السبب الآخر ، فكان هذا نتيجة له ، إذ المشورة هي التي ساقت إلى التنفيذ فكان التنفيذ نتيجة للمشورة ويترتب على ذلك أن المشورة تستغرق التنفيذ ، وتصبح هي وحدها السبب الذي نقف عنده ، وتتحقق مسئولية الطبيب أو المحامي أو المهندس وحده مسئولية كاملة .

ب – تعدد الأسباب دون استغراق

 نظريتان : أما إذا تعددت الأسباب ولم يستغرق سبب من الأسباب الأخرى ، جاز عندئذ التساؤل هل نأخذ بهذه الأسباب جميعاً وهذه هي نظرية تكافؤ الأسباب  أو تقف منها عند الأسباب المؤثرة المنتجة وهذه هي نظرية السبب المنتج وقد كان فقهاء الالمان – وتبعهم في ذلك فقهاء البلاد الأخرى – يقولون بنظرية تكافؤ الأسباب ، ثم هجروها – وتبعهم في ذلك أيضاً غيرهم – إلى نظرية السبب المنتج ونستعرض الآن كلا من النظريتين .

 نظرية تكافؤ الأسباب : قال بهذه النظرية الفقهية الألماني فون بيري ومؤداها أن كل سبب له دخل في إحداث الضرر – مهما كان بعيداً – يعتبر من الأسباب التي أحدثت الضرر . فجميع الأسباب التي تدخلت في إحداث الضرر متكافئة ، وكل واحد منها يعتبر سبباً في إحداثه ويكون للسبب دخل في إحداث الضرر إذا كان لولاه لما وقع الضرر فلو أن ثملاً سار في عرض الطريق فدهسته سيارة مسرعة ، وكان من اليسير على سائق السيارة أن يتفادى الحادث لو أنه كان يسير بسرعة معتدلة ، كما كان يمكن للثمل أن يتفادى الحادث لو أنه كان مالكاً لتوازنه ، كان هناك سببان في إحداث الضرر : خطأ السائق في السير بسرعة كبيرة وخطأ المصاب في السير في الطريق العام وهو ثمل ذلك أن الضرر ما كان ليقع لو لم يكن السائق مسرعاً وما كان أيضاً ليقع لو لم يكن المصاب ثملاً فالسببان متكافئان في إحداث الضرر ، ويعتبر كل منهما سبباً فيه ، ويكون صاحبة مسئولاً فتتحقق المسئوليتان معاً كذلك لو كان لشخص سيارة ولم يتخذ الاحتياطات المعقولة للمحافظة عليها فسرقت منه ، وساقها السارق بسرعة كبيرة فدهس أحد العبارة ، كان هنا أيضاً سببان في إحداث الضرر سرعة السائق وتقصير صاحب السيارة في المحافظة عليها فالضرر ما كان ليقع لو لم يكن السارق مسرعاً ، وما كان أيضاً ليقع لو لم يهمل صاحب السيارة فتسرق منه فالسببان متكافئان في إحداث الضرر ، وكلاهما يعتبر سبباً في إحداثه .

نظرية السبب المنتج : قال بهذه النظرية الفقيه الألماني فون كريس  ، فإن جاز لها الكثرة من الفقهاء في ألمانيا وفي غيرها من البلاد وساعد على هجر نظرية تكافؤ الأسباب إلى نظرية السبب المنتج أن القرائن القانونية على الخطأ المفترض كثرت . فأصبح من اليسير استظهار خطأ مفترض في جانب المدعى عليه ينضم إلى أخطاء أخرى أكثر وضوحاً وبروزاً فلو قلنا بنظرية تكافؤ الأسباب لوجب اعتبار جميع هذه الأخطاء ، وفيها الخطأ المفترض ، أسباباً متكافئة ومن ثم أثر الفقهاء نظرية السبب المنتج ، فيستعرضون الأسباب المتعددة التي كان لها دخل في إحداث الضرر ، ويميزون بين الأسباب العارضة و الأسباب المنتجة  ، ويقفون عند الثانية دون الأولى ويعتبرونها وحدها السبب في إحداث الضرر . وإذا قيل إن كلاً من السبب المنتج والسبب العارض كان له دخل في إحداث الضرر ، ولولاه لما وقع ، إلا أن السببية بهذا المعنى هي السببية الطبيعية ونحن إنما نريد السببية القانونية ، فنبحث أي الأسباب التي يقف عندها القانون من بين الأسباب الطبيعية المتعددة ليعتبرها وحدها هي الأسباب التي أحدثت الضرر والسبب العارض غير السبب المنتج وإذا كان كلاهما تدخل في إحداث الضرر ، ولولاه لما وقع ، إلا أن السبب المنتج هو السبب المألوف الذي يحدث الضرر في العادة ، والسبب العارض هو السبب غير المألوف الذي لا يحدث عادة هذا الضرر ولكن أحدثه عرضاً أرأيت لو أهمل صاحب السيارة في المحافظة عليها فسرقت منه ، وعدا بها السائق في سرعة كبيرة فدهس أحد العابرة ، فاجتمع سببان في إحداث الضرر هما خطأ صاحب السيارة وخطأ السارق ، ماذا كان من هذين السببين هو السبب المألوف ؟ أليس هو خطأ السارق في أن يسير بسرعة كبيرة إذ هو الذي يحدث هذا الضرر في العادة ، وأليس خطأ صاحب السيارة في إهماله في المحافظة عليها حتى سرقت منه وإن كان له دخل في إحداث الضرر إلا أنه سبب غير مألوف لا يحدث عادة هذا الضرر ؟ فخطأ السارق وحده هو السبب المنتج ، أما خطأ صاحب السيارة فسبب عارض ويجب الوقوف عند السبب المنتج دون السبب العارض ، واعتبار صاحب السبب المنتج هو وحده المسئول وفي مثل الثمل الذي دهسته السيارة المسرعة اجتمع سببان في إحداث الضرر خطأ الثمل وخطأ السائق وكلاهما سبب مألوف يحدث هذا الضرر عادة ، فهما سببان منتجات ، وصاحبهما مسئولان معاً ومن ثم يكون السببان في هذا المثل منتجين وفقاً لنظرية السبب المنتج ، ومتكافئتين وفقاً لنظرية تكافؤ الأسباب .

ويتضح مما تقدم أن نظرية السبب المنتج هي النظرية الأخرى بالإتباع .

 الأثر الذي يترتب على تعدد الأسباب التي أحدثت الضرر : فإذا نحن عرفنا الأسباب التي أحدثت الضرر – سواء اهتدينا إلى هذه الأسباب عن طريق نظرية السبب المنتج أو عن طريق نظرية تكافؤ الأسباب – ووجدنا هذه الأسباب متعددة ، فقد رأينا فيما قدمناه عند الكلام في السبب الأجنبي أن هذا التعدد له أثر كبير في المسئولية ونستعرض في إيجاز الفروض المختلفة ملخصين ما قدمناه في هذا الصدد .

فقد يجتمع سببان في إحداث الضرر : خطأ المدعى عليه وقوة قاهرة أو خطأ المدعى عليه وخطأ المضرور أو خطأ المدعى عليه وخطأ الغير أو تجتمع أسباب ثلاثة : خطأ كل من المدعى عليه والمضرور والغير .

فإذا اجتمع خطأ المدعى عليه وقيام قوة قاهرة ، كان المدعى عليه مسئولاً عن التعويض الكامل ، لأن خطأه كان سبباً في إحداث الضرر ولا يستطيع الرجوع على أحد ، لأن الحادث الذي اشترك مع خطئه في إحداث الضرر كان قوة قاهرة ، يتحمل وحده المسئولية كاملة فلو أن شخصاً لكم شخصاً آخر في صدره لكمة بسيطة ، وتصادف أن المصاب كان مريضاً بالقلب لوم يكن المدعى عليه يعلم ذلك ، فمات المصاب من جراء هذه اللكمة كان المدعى عليه مسئولاً مسئولية كاملة عن موت المصاب ولو سار سائق السيارة مسرعاً أكثر مما يجب ، فإذا بريح عاصف اقتلع شجرة ورماها في عرض الطريق أمام السيارة ، فانقلبت السيارة على أحد العابرة فأصابته ، كان المدعى عليه مسئولاً عن التعويض الكامل ، ولا يستطيع الرجوع على أحد كما هو الأمر في المثل السابق .

وإذا اجتمع خطأ المدعى عليه وخطأ المضرور ، كما إذا أسرع سائق السيارة في سيره فاعترض طريقه شخص ثمل فدهسه ، كان هناك خطأ مشترك كما قدمنا ، ورجع المضرور على المسئول بنصف التعويض على النحو الذي سبق أن بيناه .

وإذا اجتمع خطأ المدعى عليه وخطأ الغير ، كما إذا سار السائق في سرعة كبيرة و اعترضته حفرة في الطريق أحدثها الغير خطأ فانقلبت السيارة وأصابت أحد العابرة ، فإن كلاً من الخطأين يعتبر سبباً في إحداث الضرر ، ويكون المدعى عليه مسئولاً نحو المضرور عن تعويض كامل ، ويرجع بنصف التعويض على الغير الذي أحدث الحفرة خطأ في الطريق .

وإذا اجتمع خطأ كل من المدعى عليه والمضرور والغير ، كما إذا سار السائق بسرعة كبيرة فعثر حفرة أحدثها الغير خطأ في الطريق فانقلبت السيارة وأصابت شخصاً ثملاً كان يعبر الطريق ، كان السائق مسئولاً نحو المضرور عن ثلثي التعويض ، ويرجع بالثلث على الغير .

2 - تسلسل النتائج أو تعاقب الأضرار والضرر غير المباشر :

 التمييز بين تعدد الأسباب وتسلسل النتائج : ينبغي أن نميز تمييزاً دقيقاً بين حالة تعدد الأسباب التي عالجناها فيما تقدم وحالة تسلسل النتائج أو تعاقب الأضرار التي نعالجها الآن ففي الحالة الأولى الضرر واحد لم يتعاقب ، والأسباب هي التي تعاقبت فتعددت وفي الحالة الثانية السبب واحد لم يتعدد ، والأضرار هي التي تعاقبت عن هذا السبب الواحد فصارت إضراراً متعددة ففي إحدى الحالتين إذن السبب هو المتعدد ، أما الضرر فيبقى واحداً وفي الحالة الأخرى الضرر هو المتعدد ، أما السبب فيبقى واحداً وقد تمتزج الحالتان فتتعدد الأسباب وتتعاقب الأضرار ، فيعطي لتعدد الأسباب حكمه الذي قدمناه ، ويعطي لتعاقب الأضرار الحكم الذي سنبسطه فيما يلي .

أمثلة عملية لتسلسل النتائج أو تعاقب الأضرار يوجد مثال تقليدي أورده بواتييه في الأضرار التي تتعاقب ، وهو مثل في المسئولية العقدية ولكنه ينطبق أيضاً على المسئولية التقصيرية تاجر مواش يبيع بقرة موبوءة ، فتعدى مواشي المشتري ، وتموت ويموت معها سائر المواشي ، فلا يتمكن المشتري من زراعة أرضه ، فيعوزه المال ، فلا يستطيع الوفاء بديونه ، فيحجز الدائنون على أرضه ويبيعونها عليه بثمن بخس فهذه أضرار متعاقبة يجر بعضها بعضاً موت البقرة الموبوءة ، عدوى المواشي وموتها ، العجز عن الزراعة ، العجز عن وفاء الديون ، الحجز على الأرض وبيعها بثمن بخس ، ويرى ويرى بوتييه بحق أن الأضرار المباشرة التي يجب التعويض عنها هي موت البقرة الموبوءة وعدوى المواشي وموتها أما العجز عن الزراعة وعن وفاء الديون والحجز على الأرض وبيعها بثمن بخس ، فهذه أضرار غير مباشرة لا محل للتعويض عنها .

وقد وقع في مصر ما يقرب من هذا ، فقضت فيه محكمة الاستئناف الوطنية بما يأتي : " إذا تلفت آلات وابور بسبب حادث حصل للقطار الذي كانت هذه الآلات مشحونة فيه ، فلا تسأل المصلحة عن الضرر غير المتسبب مباشرة عن الحادث ، كأن يقال إن هذا الوابور كان معداً للتركيب على بئر أو توازيه وبسبب تلف الآلات تعذر الانتفاع بهذه البئر ، فتلفت زراعة صاحب البئر ، وكان أيضاً متعهداً بأن يروى لأصحاب الأطيان المجاورة فلم يروها بسبب هذا الحادث فطالبوه بتعويض الضرر ، ثم إنه لم ينتفع أيضاً بالأرض التي حفر البئر فيها وبالأرض التي أعدها لوضع الوابور إلخ إلخ ، وأن المصلحة مسئولة عن تعويض كل هذه الأضرار " .

وقد قضت محكمة النقض كذلك بما يأتي : " إذا حمل الحكم مصلحة الآثار مسئولية خطئها من سحب رخصة من متجر بالآثار ، وما يترتب على هذا السحب من اعتباره متجراً بغير رخصة ، وتحرير محضر مخالفة له ، ومهاجمة منزله ، وإزالة اللوحة المعلقة على محل تجارته ، وقضى له بناءً على ذلك بتعويض عما لحقه من هذه الأضرار ، فقضاؤه صحيح قانوناً " .

فهذه أمثلة عملية منتزعة من صميم الحياة المصرية نرى فيها الأضرار عن السبب الواحد تتلاحق وتتعاقب وتتسلسل فأين نقف ؟ القاعدة التقليدية هي إننا نقف عند الضرر المباشر  فنعوض عنه ، ونغفل الضرر غير المباشر  فلا يجب له التعويض. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الأول المجلد/ الثاني الصفحة/   1195 ، 1079)  

 

إثبات الضرر ورقابة محكمة النقض : يقع عبء إثبات الضرر على عاتق المضرور ويستقل قاضى الموضوع بتقدير ثبوت أو نفي الوقائع المكونة للضرر سواء كان أدبياً أو مادياً ولكن وصف هذه الوقائع بالضرر ای تكييفها من حيث توافر الشروط التي يستلزمها القانون في الضرر الذي يستوجب التعويض فإنه يعتبر مسألة قانون - يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض ومن هنا استقرت الدائرة المدنية بمحكمة النقض على أنه يجب على قاضي الموضوع - بیان عناصر الضرر في حكمه ، وذلك على خلاف الدائرة الجنائية بالمحكمة نفسها. (المسئولية المدنية في ضوء الفقه والقضاء للمستشار عز الدين الدناصوري والدكتور عبد الحميد الشواربي ، الجزء / الأول الصفحة/ 18)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس  ، الصفحة /  147

الْفعْل الضّارّ أو (الْفعْل غيْر الْمشْروع):

12 - الْفعْل الضّارّ الّذي يصيب الْجسْم أو الْمال يسْتوْجب الْعقوبة أو الضّمان.

والأْضْرار متعدّدةٌ فمنْها إتْلاف مال الْغيْر، ومنْها الْجناية على النّفْس أو الأْطْراف، ومنْها التّعدّي بالْغصْب، أوْ بالسّرقة، أوْ بالتّجاوز في الاسْتعْمال الْمأْذون فيه، كتجاوز الْمسْتأْجر، والْمسْتعير، والْحجّام، والطّبيب، والْمنْتفع بالطّريق، ومنْه

لتّفْريط في الأْمانات كالْودائع والرّهون.

ففي كلّ ذلك يصير الْفاعل ملْزمًا بضمان فعْله، وعليْه الْعوض في الْمثْليّ بمثْله، وفي الْقيميّ بقيمته، وهذا في الْجمْلة، إذْ من الإْتْلافات ما لا ضمان فيه، كمنْ صال عليْه إنْسانٌ أوْ بهيمةٌ ولمْ ينْدفعْ إلاّ بالْقتْل فقتله، كما أنّ من الأْعْمال الْمباحة ما فيه الضّمان، كالْمضْطرّ الّذي يأْكل مال غيْره، ففيه الضّمان عنْد غيْر الْمالكيّة.

والضّابط في ذلك ما قال الزّرْكشيّ: أنّ التّعدّي مضْمونٌ أبدًا إلاّ ما قام دليله، وفعْل الْمباح ساقطٌ أبدًا إلاّ ما قام دليله.

والأْصْل في منْع الضّرر قوْل النّبيّ صلى الله عليه وسلم« لا ضرر ولا ضرار »  وفي كلّ ما سبق تفْصيلاتٌ كثيرةٌ ينْظر في مصْطلحاتها وأبْوابها.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث عشر ، الصفحة / 35

تَعْوِيضٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - أَصْلُ التَّعْوِيضِ لُغَةً: الْعِوَضُ، وَهُوَ الْبَدَلُ تَقُولُ: عَوَّضْتُهُ تَعْوِيضًا إِذَا أَعْطَيْتُهُ بَدَلَ مَا ذَهَبَ مِنْهُ. وَتَعَوَّضَ مِنْهُ وَاعْتَاضَ: أَخَذَ الْعِوَضَ  .

وَيُفْهَمُ مِنْ عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ التَّعْوِيضَ اصْطِلاَحًا هُوَ: دَفْعُ مَا وَجَبَ مِنْ بَدَلٍ مَالِيٍّ بِسَبَبِ إِلْحَاقِ ضَرَرٍ بِالْغَيْرِ.

 الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّثْمِينُ:

2 - التَّثْمِينُ لُغَةً: هُوَ أَنْ تَجْعَلَ لِلشَّيْءِ ثَمَنًا بِالْحَدْسِ وَالتَّخْمِينِ  

وَعَلَى هَذَا التَّعْرِيفِ لاَ يَكُونُ التَّثْمِينُ إِلاَّ فِي الْمُعَاوَضَاتِ (الْمُبَادَلاَتِ بِعِوَضٍ) أَمَّا التَّعْوِيضَاتُ (التَّصَرُّفَاتُ الْمُقْتَضِيَةُ لِلضَّمَانِ، كَالإْتْلاَفِ  وَالْغَصْبِ) فَلاَ يَدْخُلُ فِيهَا التَّثْمِينُ، بَلْ يَدْخُلُ فِيهَا التَّقْوِيمُ كَمَا سَيَأْتِي.

ب - التَّقْوِيمُ

3 - التَّقْوِيمُ لُغَةً: مَصْدَرُ قَوَّمَ، تَقُولُ: قَوَّمْتُ الْمَتَاعَ: إِذَا جَعَلْتُ لَهُ قِيمَةً مَعْلُومَةً، وَفِي الْحَدِيثِ: «قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ قَوَّمْتَ لَنَا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُقَوِّمُ»  وَأَهْلُ مَكَّةَ يَقُولُونَ: اسْتَقَمْتُهُ بِمَعْنَى قَوَّمْتُهُ  

وَالتَّقْوِيمُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ وَالتَّعْوِيضَاتِ

ج - الأْرْشِ:

4 - أَرْشُ الْجِرَاحَةِ لُغَةً: دِيَتُهَا. وَالْجَمْعُ أُرُوشٌ، مِثْلُ: فَلْسٍ وَفُلُوسٍ. وَأَصْلُهُ: الْفَسَادُ. يُقَالُ: أَرَّشْتُ بَيْنَ الْقَوْمِ تَأْرِيشًا: إِذَا أَفْسَدْتُ ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي نُقْصَانِ الأْعْيَانِ  لأِنَّهُ فَسَادٌ فِيهَا. وَيُقَالُ: أَصْلُهُ هَرْشٌ .

وَاصْطِلاَحًا: هُوَ الْمَالُ الْوَاجِبُ فِي الْجِنَايَةِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى بَدَلِ النَّفْسِ وَهُوَ الدِّيَةُ  وَعَلَى هَذَا يَكُونُ التَّعْوِيضُ أَعَمَّ مِنَ الأْرْشِ.

د - الضَّمَانُ:

5 - الضَّمَانُ لُغَةً: الاِلْتِزَامُ. يُقَالُ: ضَمَّنْتُهُ الْمَالَ: أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ  

وَشَرْعًا: الْتِزَامُ حَقٍّ ثَابِتٍ فِي ذِمَّةِ الْغَيْرِ، أَوْ إِحْضَارُ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ، أَوِ الْتِزَامُ عَيْنٍ مَضْمُونَةٍ، وَيُقَالُ لِلْعَقْدِ الَّذِي يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ 

فَالضَّمَانُ عَلَى هَذَا أَعَمُّ مِنَ التَّعْوِيضِ؛ لأِنَّهُ يَكُونُ فِي الأْمْوَالِ، وَيَكُونُ فِي غَيْرِ الأْمْوَالِ كَمَا فِي كَفَالَةِ الشَّخْصِ.

حُكْمُ التَّعْوِيضِ:

6 - التَّعْوِيضُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ مُقَابِلَ ضَرَرٍ، وَمِنْ ثَمَّ فَهُوَ وَاجِبُ الأْدَاءِ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يُعَوَّضُ عَنْهُ وَمَا لاَ يُعَوَّضُ عَنْهُ.

وَالضَّرَرُ الْمُعَوَّضُ عَنْهُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ يَشْمَلُ الضَّرَرَ الْوَاقِعَ عَلَى الْمَالِ بِمَا فِيهِ الْمَنْفَعَةُ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ طَرِيقِ الْغَصْبِ، أَمِ الإْتْلاَفِ، أَمِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، وَهِيَ الدِّيَةُ وَالأْرْشِ وَتَفْصِيلُهُ فِي (الْجِنَايَاتِ) أَمْ عَنْ طَرِيقِ التَّفْرِيطِ فِي الأْمَانَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيَكُونُ التَّعْوِيضُ بِدَفْعِ مَالٍ مُقَدَّرٍ أَوْ مُصَالَحٍ عَلَيْهِ يُدْفَعُ لِمَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ الضَّرَرُ، أَوْ لِمَنْ تَنْتَقِلُ إِلَيْهِ التَّرِكَةُ بَدَلاً لِمَا فُقِدَ وَقَطْعًا لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ بَيْنَ النَّاسِ. ثُمَّ إِنَّ التَّعْوِيضَ أَثَرٌ شَرْعِيٌّ لأِنَّهُ مُوجِبُ خِطَابِ الْوَضْعِ، فَيَشْمَلُ الْمُكَلَّفَ وَغَيْرَهُ. وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ يَجِبُ التَّعْوِيضُ فِي مَالِهِ، يَدْفَعُهُ وَلِيُّهُ عَنْهُ.

التَّعْوِيضُ عَنِ الضَّرَرِ:

7 - يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ بِإِتْلاَفِ الْعَيْنِ أَوِ الْمَنْفَعَةِ أَوِ النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا.

وَالتَّعْوِيضُ لَيْسَ مُلاَزِمًا لِلإْتْلاَفِ، بِحَيْثُ كُلَّمَا وُجِدَ الإْتْلاَفُ وُجِدَ التَّعْوِيضُ. وَذَلِكَ لأِنَّ  الإْتْلاَفَ يَنْقَسِمُ إِلَى: إِتْلاَفٍ مَشْرُوعٍ، وَإِلَى إِتْلاَفٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ. أَمَّا الإْتْلاَفُ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّعْوِيضُ بِلاَ خِلاَفٍ، سَوَاءٌ أَكَانَ حَقًّا لِلَّهِ، كَالصَّيْدِ حَالَةَ الإْحْرَامِ أَوْ فِي الْحَرَمِ، أَمْ حَقًّا لِلْعَبْدِ كَإِتْلاَفِ أَمْوَالِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَأَمَّا الإْتْلاَفُ الْمَشْرُوعُ فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ التَّعْوِيضُ، إِنْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَإِلاَّ فَلاَ. عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ)

التَّعْوِيضُ بِتَفْوِيتِ الْعَيْنِ:

8 - تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ) أَنَّ الْعَيْنَ الْمُتْلَفَةَ إِنْ كَانَتْ مِثْلِيَّةً يَضْمَنُ الْمُتْلِفُ مِثْلَهَا، وَإِنْ كَانَتْ قِيَمِيَّةً يَضْمَنُ قِيمَتَهَا، وَيُرَاعَى فِي تَقْدِيرِ الْقِيمَةِ مَكَانُ الإْتْلاَفِ.

التَّعْوِيضُ عَنْ تَفْوِيتِ الْمَنْفَعَةِ:

9 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنَافِعَ الأْمْوَالِ مَضْمُونَةٌ بِالتَّفْوِيتِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ مُدَّةَ مَقَامِهَا فِي يَدِ الْغَاصِبِ أَوْ غَيْرِهِ؛ لأِنَّ  كُلَّ مَا ضُمِنَ بِالإْتْلاَفِ جَازَ أَنْ يُضْمَنَ بِمُجَرَّدِ التَّلَفِ فِي يَدِهِ كَالأْعْيَانِ ، عَلَى خِلاَفٍ وَتَفْصِيلٍ يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي مُصْطَلَحِ (غَصْبٌ، وَضَمَانٌ). وَمِنَ الْمَنَافِعِ الَّتِي نَصُّوا عَلَى ضَمَانِهَا تَفْوِيتُ مَنْفَعَةِ الْحُرِّ، فَإِنَّ مَنْ قَهَرَ حُرًّا وَسَخَّرَهُ فِي عَمَلٍ ضَمِنَ أُجْرَتَهُ. وَأَمَّا لَوْ حَبَسَهُ وَعَطَّلَ مَنَافِعَهُ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَغَيْرُ ضَامِنٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الأْصَحِّ عِنْدَهُمْ .

وَأَمَّا مَنَافِعُ الْمَغْصُوبِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ضَمَانِهَا:

فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى ضَمَانِ مَنَافِعِ الْمَغْصُوبِ، وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ - تَعْوِيضًا - عَمَّا فَاتَهُ، سَوَاءٌ اسْتَوْفَى الْغَاصِبُ الْمَنَافِعَ أَمْ لاَ. لأِنَّ  الْمَنْفَعَةَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ - فِي الْمَشْهُورِ -: يَضْمَنُ الْغَاصِبُ غَلَّةَ مَغْصُوبٍ مُسْتَعْمَلٍ دُونَ غَيْرِ الْمُسْتَعْمَلِ، وَيَضْمَنُ غَلَّةَ مَا عَطَّلَ مِنْ دَارٍ أَغْلَقَهَا، وَأَرْضٍ بَوَّرَهَا، وَدَابَّةٍ حَبَسَهَا. وَلِلتَّفْصِيلِ انْظُرْ (غَصْبٌ، وَضَمَانٌ).

وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ مَنَافِعَ الْمَغْصُوبِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ؛ لأِنَّ هَا لَيْسَتْ مَالاً عِنْدَهُمْ، عَدَا ثَلاَثَةَ مَوَاضِعَ يَجِبُ فِيهَا أَجْرُ الْمِثْلِ عَلَى اخْتِيَارِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ  وَهِيَ:

أ - الْوَقْفُ:

10 - إِذَا كَانَ الْوَقْفُ لِلسُّكْنَى أَوْ لِلاِسْتِغْلاَلِ أَوْ كَانَ مَسْجِدًا، فَإِنَّ مَنْ تَعَدَّى عَلَيْهِ - أَيْ كَمَنْ جَعَلَ الْمَسْجِدَ بَيْتًا - يَلْزَمُهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ شُغْلِهِ، كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْخَيْرِيَّةِ وَالْحَامِدِيَّةِ.

ب - مَالُ الْيَتِيمِ:

11 - قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَكَذَا الْيَتِيمُ نَفْسُهُ - لِمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ - يَتِيمٌ لاَ أَبَ لَهُ وَلاَ أُمَّ، اسْتَعْمَلَهُ أَقْرِبَاؤُهُ مُدَّةً فِي أَعْمَالٍ شَتَّى بِلاَ إِذْنِ الْحَاكِمِ وَبِلاَ إِجَارَةٍ، لَهُ طَلَبُ أَجْرِ الْمِثْلِ بَعْدَ الْبُلُوغِ إِنْ كَانَ مَا يُعْطُونَهُ مِنَ الْكِسْوَةِ وَالْكِفَايَةِ لاَ يُسَاوِي أَجْرَ الْمِثْلِ.

وَأَمَّا مَالُ الْيَتِيمِ، فَإِنَّ تَفْوِيتَ مَنْفَعَتِهِ يُوجِبُ التَّعْوِيضَ أَيْضًا، وَذَلِكَ كَمَا إِذَا سَكَنَتْ أُمُّ الْيَتِيمِ مَعَ زَوْجِهَا فِي بَيْتٍ لَهُ، فَتَجِبُ الأْجْرَةُ  عَلَى الزَّوْجِ. وَكَذَا إِذَا سَكَنَ الدَّارَ شَرِيكُ الْيَتِيمِ، فَتَجِبُ الأْجْرَةُ  عَلَى الشَّرِيكِ أَيْضًا، عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الصُّورَتَيْنِ. وَكَذَا سَاكِنُ الدَّارِ إِذَا كَانَ أَجْنَبِيًّا مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ. وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى التَّفْصِيلِ.

ج - الْمُعَدُّ لِلاِسْتِغْلاَلِ:

12 - مَنْ بَنَى بَيْتًا أَوِ اشْتَرَاهُ لأِجْلِ الاِسْتِغْلاَلِ، فَإِنَّ عَلَى مَنْ يَسْتَغِلُّهُ - مِنْ غَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهِ - أَجْرُ الْمِثْلِ بِشَرْطِ عِلْمِ الْمُسْتَعْمِلِ بِكَوْنِهِ مُعَدًّا لِذَلِكَ، وَبِشَرْطِ أَنْ لاَ يَكُونَ الْمُسْتَعْمِلُ مَشْهُورًا بِالْغَصْبِ.

وَأَمَّا لَوْ سَكَنَ فِي الْمُعَدِّ لِلاِسْتِغْلاَلِ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ .

التَّعْوِيضُ بِسَبَبِ التَّعَدِّي وَالتَّفْرِيطِ فِي الْعُقُودِ:

أ - التَّعْوِيضُ فِي عُقُودِ الأْمَانَاتِ:

13 - عُقُودُ الأْمَانَاتِ كَالْوَدِيعَةِ وَالْوَكَالَةِ، الأْصْلُ فِيهَا: أَنَّ مَحَلَّ الْعَقْدِ لاَ يَضْمَنُهُ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ إِلاَّ بِالتَّفْرِيطِ أَوْ بِالتَّعَدِّي. وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ إِلَى مُصْطَلَحَاتِهَا، وَانْظُرْ (تَعَدِّي، وَضَمَانٌ).

ب - التَّعْوِيضُ عَنِ الْعَيْبِ فِي الْمَبِيعِ:

14 - إِذَا ظَهَرَ فِي الْمَبِيعِ عَيْبٌ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي بَيْنَ رَدِّهِ لِلْبَائِعِ أَوْ أَخْذِ أَرْشِ النَّقْصِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ) وَفِي (خِيَارُ الْعَيْبِ).

 ج - التَّعْوِيضُ فِي الإْجَارَةِ:

15 - الأْجِيرُ نَوْعَانِ. إِمَّا خَاصٌّ وَإِمَّا مُشْتَرَكٌ. أَمَّا الْخَاصُّ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَكُونُ ضَامِنًا إِلاَّ بِالتَّعَدِّي. وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُشْتَرَكِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِجَارَةٌ، إِتْلاَفٌ).

التَّعْوِيضُ بِسَبَبِ التَّحْرِيضِ:

16 - ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَغْرَى ظَالِمًا عَلَى مَالٍ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَى الْمُغْرِي (الظَّالِمِ). لِقَاعِدَةِ: (يُضَافُ الْفِعْلُ إِلَى الْفَاعِلِ - لاَ الآْمِرِ - مَا لَمْ يَكُنْ مُجْبِرًا) وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُتْبَعُ الْمُغْرِي إِلاَّ بَعْدَ تَعَذُّرِ الرُّجُوعِ عَلَى الْمُغْرِي، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْمُبَاشِرَ يُقَدَّمُ عَلَى الْمُتَسَبِّبِ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ: لَوْ فَتَحَ بَابَ الْحِرْزِ فَسَرَقَ غَيْرُهُ، أَوْ دَلَّ سَارِقًا فَسَرَقَ، أَوْ أَمَرَ غَاصِبًا فَغَصَبَ، أَوْ بَنَى دَارًا فَأَلْقَتِ الرِّيحُ فِيهَا ثَوْبًا وَضَاعَ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَنْ أَغْرَى ظَالِمًا بِأَخْذِ مَالِ إِنْسَانٍ أَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ، فَلِصَاحِبِ الْمَالِ تَضْمِينُ الْمُغْرِي لِتَسَبُّبِهِ أَوِ الظَّالِمِ لِظُلْمِهِ .

التَّعْوِيضُ بِسَبَبِ الإْكْرَاهِ:

17 - تَقَدَّمَ فِي مُصْطَلَحَيْ (إِكْرَاهٌ وَإِتْلاَفٌ) اخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِي التَّعْوِيضِ بِسَبَبِ الإْكْرَاهِ، هَلْ يَكُونُ عَلَى الْمُكْرِهِ (بِكَسْرِ الرَّاءِ) فَقَطْ، أَوْ يَكُونُ عَلَى الْمُكْرَهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) أَيْضًا لِمُبَاشَرَتِهِ لِلإْتْلاَفِ؟  انْظُرْ (إِكْرَاهٌ، إِتْلاَفٌ)

التَّعْوِيضُ بِالْمُبَاشَرَةِ أَوْ بِالتَّسَبُّبِ:

18 - إِذَا أَتْلَفَ شَخْصٌ لآِخَرَ شَيْئًا أَوْ غَصَبَهُ مِنْهُ فَهَلَكَ أَوْ فُقِدَ، وَكَذَا إِذَا أَلْحَقَ بِغَيْرِهِ ضَرَرًا بِجِنَايَةٍ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا، أَوْ تَسَبَّبَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ بِمُبَاشَرَتِهِ أَوْ تَسَبُّبِهِ. وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ)  وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (جِنَايَةٌ، ضَمَانٌ، غَصْبٌ).

تَعْوِيضُ مَا تُتْلِفُهُ الدَّوَابُّ:

تَقَدَّمَ اخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِي ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الدَّوَابُّ مِنَ الزُّرُوعِ.

وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ضَمَانِ مَا تُتْلِفُهُ الدَّوَابُّ مِنْ غَيْرِ الزَّرْعِ إِذَا كَانَ مَعَهَا مَنْ لَهُ يَدٌ عَلَيْهَا وَلَمْ يَمْنَعْهَا، أَوْ رَاعٍ فِيهِ كِفَايَةُ الْحِفْظِ. وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا رَاعٍ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ) .

مَا يُشْتَرَطُ لِتَعْوِيضِ الْمُتْلَفَاتِ:

19 - اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ لِضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ أَنْ يَكُونَ الْمُتْلَفُ مَالاً مُتَقَوِّمًا، وَأَنْ يَكُونَ الْمُتْلِفُ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ. وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ) .

مَا يَكُونُ بِهِ التَّعْوِيضُ:

20 - إِذَا كَانَ الإْتْلاَفُ فِي الأْعْيَانِ  كُلِّيًّا فَتَعْوِيضُهُ بِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ بِقِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيَمِيًّا، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ ف 36)

أَمَّا إِذَا كَانَ الإْتْلاَفُ جُزْئِيًّا، فَفِيهِ أَرْشُ النَّقْصِ، وَيُرْجَعُ فِي تَقْدِيرِهِ إِلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ. انْظُرْ مُصْطَلَحَ (أَرْشٌ).

أَمَّا إِتْلاَفُ النَّفْسِ فَقَدْ أَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ الدِّيَةَ فِي الْحَالاَتِ الَّتِي لاَ يُطْلَبُ فِيهَا الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ تَكُونُ مِنَ الإْبِلِ، أَوِ الْبَقَرِ، أَوِ الْغَنَمِ، أَوِ الذَّهَبِ، أَوِ الْحُلَلِ عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي بَعْضِهَا.

وَفِي إِتْلاَفِ الْعُضْوِ أَوْ مَنْفَعَتِهِ الدِّيَةُ إِنْ كَانَتْ لَهُ دِيَةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَإِلاَّ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا تَجِبُ كُلَّمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَفِي الْجِنَايَةِ خَطَأً عَلَى النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا. وَيُرْجَعُ فِي تَفْصِيلِ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مُصْطَلَحَاتِ (أَرْشٌ، دِيَةٌ، حُكُومَةُ عَدْلٍ).

 التَّعْوِيضُ عَنِ الأْضْرَارِ الْمَعْنَوِيَّةِ:

21 - لَمْ نَجِدْ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ عَبَّرَ بِهَذَا، وَإِنَّمَا هُوَ تَعْبِيرٌ حَادِثٌ. وَلَمْ نَجِدْ فِي الْكُتُبِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّ أَحَدًا مِنَ الْفُقَهَاءِ تَكَلَّمَ عَنِ التَّعْوِيضِ الْمَالِيِّ فِي شَيْءٍ مِنَ الأَْضْرَارِ الْمَعْنَوِيَّةِ.

تَلَفٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّلَفُ لُغَةً: الْهَلاَكُ وَالْعَطَبُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لَهُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .

وَالإْتْلاَفُ: إِحْدَاثُ التَّلَفِ، وَيُنْظَرُ لِتَفْصِيلِهِ مُصْطَلَحُ: (إِتْلاَفٌ) وَالتَّلَفُ فِي بَابِ الْمُضَارَبَةِ مَخْصُوصٌ بِالنَّقْصِ الْحَاصِلِ لاَ عَنْ تَحْرِيكٍ، بِخِلاَفِ الْخُسْرِ فَهُوَ مَا نَشَأَ عَنْ تَحْرِيكٍ  .

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:

2 - التَّلَفُ يَتَعَلَّقُ بِهِ خِطَابُ الْوَضْعِ، وَتَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ آثَارٌ أَهَمُّهَا الضَّمَانُ. وَالتَّلَفُ لاَ يُوصَفُ بِحِلٍّ أَوْ حُرْمَةٍ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِيمَنْ يَضْمَنُ التَّلَفَ.

أَمَّا الإْتْلاَفُ، فَهُوَ إِحْدَاثُ التَّلَفِ، وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِهِ فِي مُصْطَلَحِ: (إِتْلاَفٌ)

أَسْبَابُ التَّلَفِ:

3 - التَّلَفُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِعَارِضٍ سَمَاوِيٍّ، وَهُوَ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِالآْفَةِ السَّمَاوِيَّةِ أَوْ بِالْجَائِحَةِ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِفِعْلٍ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وَهَذَا يُقَسِّمُهُ الْفُقَهَاءُ إِلَى نَوْعَيْنِ: تَلَفٌ حِسِّيٌّ، وَتَلَفٌ شَرْعِيٌّ، وَيُسَمِّيهِ الْمَالِكِيَّةُ التَّلَفَ الْحُكْمِيَّ.

فَالتَّلَفُ الْحِسِّيُّ: هُوَ هَلاَكُ الْعَيْنِ نَفْسِهَا، سَوَاءٌ أَتَى عَلَيْهَا كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا.

وَالتَّلَفُ الشَّرْعِيُّ (الْحُكْمِيُّ): هُوَ مَنْعُ الشَّارِعِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِالْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا بِسَبَبٍ مِنَ الْمُتْلِفِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَنْعُ عَامًّا يَدْخُلُ فِيهِ التَّلَفُ وَغَيْرُهُ، كَمَا فِي الْعَيْنِ، أَمْ مُبَاحًا لِلْمُتْلِفِ دُونَ غَيْرِهِ كَمَا فِي وَطْءِ الأْمَةِ، أَمْ كَانَ مُبَاحًا لِغَيْرِ الْمُتْلِفِ كَمَا فِي الصَّدَقَةِ وَالْهِبَةِ.

وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ لَهُ صُوَرًا مِنْهَا، مَا لَوِ اشْتَرَى أَمَةً فَأَعْتَقَهَا أَبُوهُ قَبْلَ قَبْضِهَا، وَذَلِكَ لأِنَّ  الشَّارِعَ جَعَلَ عِتْقَ أَبِيهِ كَعِتْقِهِ، حَيْثُ رَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمَهُ، وَمِثْلُهُ الْكِتَابَةُ، وَالتَّدْبِيرُ، وَالصَّدَقَةُ، وَالْهِبَةُ .

وَهَذَا التَّقْسِيمُ بِاعْتِبَارِ الْمُتْلِفِ، أَمَّا بِاعْتِبَارِ الْمَحَلِّ، فَهُوَ إِمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَى النَّفْسِ وَالأْعْضَاءِ، وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (جِنَايَةٌ، وَدِيَةٌ، وَقِصَاصٌ)

وَإِمَّا أَنْ يَرِدَ عَلَى الأْمْوَالِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ هُنَا.

أَوَّلاً: أَثَرُ التَّلَفِ فِي الْعِبَادَاتِ:

أ - تَلَفُ زَكَاةِ الْمَالِ:

4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ) إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ، وَيَجِبُ عَلَى الْمُزَكِّي الضَّمَانُ، وَذَلِكَ لأِنَّ هَا مَالٌ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَلَفِ النِّصَابِ، كَالدَّيْنِ، فَضَمِنَهَا بِتَلَفِهَا فِي يَدِهِ. فَلاَ يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْمَالِ.

وَقَيَّدَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ هَذَا الْحُكْمَ بِقَيْدَيْنِ: التَّمَكُّنُ مِنَ الأْدَاءِ، وَالتَّفْرِيطُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ. فَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأْدَاءِ أَوْ بِتَفْرِيطٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ فَلاَ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عَنْهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.

وَلَمْ يَعْتَبِرِ الْحَنَابِلَةُ هَذَيْنِ الْقَيْدَيْنِ وَأَوْجَبُوا الضَّمَانَ مُطْلَقًا وَاعْتَبَرُوا إِمْكَانَ الأْدَاءِ شَرْطًا لِوُجُوبِ الإْخْرَاجِ لاَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ. لِمَفْهُومِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه سلم : « لَيْسَ فِي مَالٍ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ»  فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ بَعْدَ الْحَوْلِ مُطْلَقًا.

وَلأِنَّ هَا حَقُّ الْفَقِيرِ، فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهَا إِمْكَانُ الأْدَاءِ كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ، وَلأِنَّهُ لَوِ اشْتُرِطَ لَمْ يَنْعَقِدِ الْحَوْلُ الثَّانِي، حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنَ الأْدَاءِ. وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَنْعَقِدُ عَقِبَ الأَْوَّلِ إِجْمَاعًا، وَلأِنَّ هَا عِبَادَةٌ فَلاَ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهَا إِمْكَانُ الأْدَاءِ كَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ. وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ بِاعْتِبَارِ التَّمَكُّنِ مِنَ الأْدَاءِ مُطْلَقًا أَيْ وَلَوْ بِلاَ تَفْرِيطٍ، وَاخْتَارَهَا ابْنُ قُدَامَةَ.

وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الزَّرْعَ وَالثَّمَرَ إِذَا تَلِفَ بِجَائِحَةٍ قَبْلَ الْقَطْعِ، فَإِنَّ زَكَاتَهُمَا تَسْقُطُ، فَإِنْ بَقِيَ بَعْدَ الْجَائِحَةِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْخَارِصَ إِذَا خَرَصَ الثَّمَرَ ثُمَّ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ قَبْلَ الْجُذَاذِ، وَلأِنَّهُ قَبْلَ الْجُذَاذِ فِي حُكْمِ مَا لاَ تَثْبُتُ الْيَدُ عَلَيْهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى ثَمَرَهُ فَتَلِفَتْ بِجَائِحَةٍ رَجَعَ بِهَا عَلَى الْبَائِعِ.

وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ فِي تَلَفِ الْمَوَاشِي قَيْدًا ثَالِثًا وَهُوَ مَجِيءُ السَّاعِي، فَإِذَا تَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي فَلاَ يُحْسَبُ مَا تَلِفَ أَوْ ضَاعَ، وَإِنَّمَا يُزَكَّى الْبَاقِي إِنْ كَانَ فِيهِ زَكَاةٌ، وَذَلِكَ لأِنَّ هُمْ يَعْتَبِرُونَ مَجِيءَ السَّاعِي شَرْطَ وُجُوبٍ، وَكَذَلِكَ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ عِنْدَهُمْ عَنْهَا لَوْ تَلِفَتْ بَعْدَ مَجِيءِ السَّاعِي وَالْعَدِّ وَقَبْلَ أَخْذِهِ، وَذَلِكَ لأِنَّ  مَجِيئَهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا إِلَى الأْخْذِ، كَدُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ، فَقَدْ يَطْرَأُ أَثْنَاءَ الْوَقْتِ مَا يُسْقِطُهَا كَالْحَيْضِ، كَذَلِكَ التَّلَفُ بَعْدَ الْمَجِيءِ وَالْعَدِّ، وَأَمَّا لَوْ ذَبَحَ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ قَصْدِ الْفِرَارِ، أَوْ بَاعَ شَيْئًا كَذَلِكَ بَعْدَ مَجِيءِ السَّاعِي وَقَبْلَ الأْخْذِ، فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَيُحْسَبُ عِلْمُ الْمُعْتَمَدِ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ بِقَصْدِ الْفِرَارِ فَتَجِبُ زَكَاتُهُ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحَوْلِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَالِ بَعْدَ الْحَوْلِ سَوَاءٌ أَتَمَكَّنَ مِنَ الأْدَاءِ أَمْ لاَ.

وَإِنْ هَلَكَ بَعْضُ النِّصَابِ سَقَطَ مِنَ الْوَاجِبِ فِيهِ بِقَدْرِ مَا هَلَكَ مِنْهُ لِتَعَلُّقِهَا بِالْعَيْنِ لاَ بِالذِّمَّةِ، وَلأِنَّ  الشَّرْعَ عَلَّقَ وُجُوبَهَا بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ، وَالْمُعَلَّقُ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ لاَ يَبْقَى دُونَهَا، وَيَقْصِدُونَ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ هُنَا وَصْفُ النَّمَاءِ أَيْ إِمْكَانُ الاِسْتِثْمَارِ، لاَ مُجَرَّدُ وُجُودِ النِّصَابِ .

وَأَمَّا إِذَا تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ بِفِعْلِ الْمُزَكِّي نَفْسِهِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَسْقُطُ عَنْهُ، وَإِنِ انْتَفَتِ الْقُدْرَةُ الْمُيَسَّرَةُ لِبَقَائِهَا تَقْدِيرًا، زَجْرًا لَهُ عَنِ التَّعَدِّي وَنَظَرًا لِلْفُقَرَاءِ.

هَذِهِ الأْحْكَامُ فِيمَا إِذَا كَانَ التَّلَفُ بَعْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّلَفُ قَبْلَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ لِعَدَمِ الشَّرْطِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ إِنْ أَتْلَفَ رَبُّ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ إِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْفِرَارَ مِنْهَا، فَإِنْ قَصَدَ بِالإْتْلاَفِ الْفِرَارَ مِنَ الزَّكَاةِ فَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ:

فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ) إِلَى سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ.

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْهُ .

ب - تَلَفُ الْمَالِ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ:

5 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ - وَمِنْهُمُ الْحَنَفِيَّةُ - إِلَى أَنَّ تَلَفَ الْمَالِ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ أَدَائِهَا لاَ يُسْقِطُهَا، بَلْ تَسْتَقِرُّ فِي ذِمَّتِهِ اتِّفَاقًا، وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَالِ بِأَنَّ وُجُوبَ زَكَاةِ الْفِطْرِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، وَهِيَ أَدْنَى مَا يَتَمَكَّنُ بِهِ الْعَبْدُ مِنْ أَدَاءِ مَا لَزِمَهُ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ غَالِبًا، أَمَّا زَكَاةُ الْمَالِ فَيَتَعَلَّقُ وُجُوبُهَا بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ، وَهِيَ مَا يُوجِبُ يُسْرَ الأْدَاءِ عَلَى الْمُكَلَّفِ بَعْدَمَا ثَبَتَ الإْمْكَانُ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ، وَدَوَامُهَا شَرْطٌ لِدَوَامِ الْوَاجِبِ الشَّاقِّ عَلَى النَّفْسِ كَأَكْثَرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ، حَتَّى سَقَطَتِ الزَّكَاةُ وَالْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ بِهَلاَكِ الْمَالِ بَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأْدَاءِ؛ لأِنَّ  الْقُدْرَةَ الْمُيَسَّرَةَ وَهِيَ وَصْفُ النَّمَاءِ قَدْ فَاتَتْ بِالْهَلاَكِ، فَيَفُوتُ دَوَامُ الْوُجُوبِ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، بِخِلاَفِ الْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ فَلَيْسَ بَقَاؤُهَا شَرْطًا لِبَقَاءِ الْوَاجِبِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ تَلَفُ الْمَالِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الأْدَاءِ فَفِي سُقُوطِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا تَسْقُطُ كَزَكَاةِ الْمَالِ، وَالثَّانِي: لاَ تَسْقُطُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى سُقُوطِ زَكَاةِ الْفِطْرِ بِالتَّلَفِ، إِلاَّ أَنْ يُخْرِجَهَا فِي غَيْرِ وَقْتِهَا فَتَضِيعُ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا حِينَئِذٍ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الرابع عشر ، الصفحة / 231

الْخَطَأُ:

37 - الْخَطَأُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْفِعْلِ أَوْ فِي الْقَصْدِ. فَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ: كَمَنْ يَرْمِي صَيْدًا فَيُصِيبُ إِنْسَانًا، أَوْ فِي قَصْدِهِ: كَمَنْ يَرْمِي شَخْصًا يَظُنُّهُ غَيْرَ مَعْصُومِ الدَّمِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ مَعْصُومٌ. وَكَمَنِ اجْتَهَدَ فِي التَّعَرُّفِ عَلَى الْقِبْلَةِ فَأَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا خِلاَفُهَا. وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ مِنَ الأْسْبَابِ الْمُخَفِّفَةِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لقوله تعالي: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «تَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . وَلَيْسَ الْخَطَأُ مُسْقِطًا حُقُوقَ الْعِبَادِ، فَلَوْ أَتْلَفَ مَالَ غَيْرِهِ خَطَأً فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ.

وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مُخَفِّفًا فِي الْجِنَايَاتِ، دَارِئًا لِلْحُدُودِ، فَيُخَفِّفُ عَنِ الْقَاتِلِ خَطَأً مِنَ الْقِصَاصِ إِلَى الدِّيَةِ، وَيَدْرَأُ الْحَدَّ عَنِ الْوَاطِئِ غَيْرَ زَوْجَتِهِ خَطَأً.

أَمَّا حُقُوقُ اللَّهِ فَيَسْقُطُ الإْثْمُ، وَقَدْ تَسْقُطُ مُطَالَبَةُ الشَّارِعِ بِإِعَادَةِ الْعِبَادَةِ مَرَّةً أُخْرَى.

هَذَا وَإِنَّ قَوَاعِدَ التَّخْفِيفِ الْمَذْكُورَةَ فِي أَبْوَابِ النِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ وَالْخَطَأِ هِيَ قَوَاعِدُ غَالِبِيَّةٌ يَقَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنَ الاِسْتِثْنَاءَاتِ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُ أَصْحَابِ كُتُبِ الأْشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ، وَكُتُبِ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ، حَصْرَهَا فَيُرْجَعُ إِلَيْهَا هُنَاكَ . وَانْظُرْ أَيْضًا (نِسْيَانٌ. جَهْلٌ. خَطَأٌ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والعشرون  ، الصفحة /  110

وَالثَّانِي: الْعَمَلُ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ الْمُقْتَضِي لِثُبُوتِ دَيْنٍ عَلَى الْفَاعِلِ: كَالْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلدِّيَةِ وَالْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلأْرْشِ، وَإِتْلاَفِ مَالِ الْغَيْرِ، وَكَتَعَدِّي يَدِ الأْمَانَةِ  أَوْ تَفْرِيطِهَا فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى مَا بِحَوْزَتِهِ مِنْ أَمْوَالٍ، كَتَعَمُّدِ الأْجِيرِ  الْخَاصِّ إِتْلاَفَ الأْعْيَانِ  الْمَوْجُودَةِ تَحْتَ يَدِهِ أَوْ إِهْمَالِهِ فِي حِفْظِهَا .

وَيُعَدُّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَوْ «أَتْلَفَ عَلَى شَخْصٍ وَثِيقَةً تَتَضَمَّنُ دَيْنًا لَهُ عَلَى إِنْسَانٍ، وَلَزِمَ مِنْ إِتْلاَفِهَا ضَيَاعُ ذَلِكَ الدَّيْنِ، فَيَلْزَمُهُ الدَّيْنُ ».

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثامن والعشرون ، الصفحة /  178

ضَرَرٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الضَّرَرُ: اسْمٌ مِنَ الضَّرِّ، وَقَدْ أُطْلِقَ عَلَى كُلِّ نَقْصٍ يَدْخُلُ الأْعْيَانَ، وَالضَّرُّ - بِفَتْحِ الضَّادِ - لُغَةً: ضِدُّ النَّفْعِ، وَهُوَ النُّقْصَانُ، يُقَالُ: ضَرَّهُ يَضُرُّهُ إِذَا فَعَلَ بِهِ مَكْرُوهًا وَأَضَرَّ بِهِ، يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ ثُلاَثِيًّا وَبِالْبَاءِ رُبَاعِيًّا. قَالَ الأْزْهَرِيُّ: كُلُّ مَا كَانَ سُوءَ حَالٍ وَفَقْرٍ وَشِدَّةٍ فِي بَدَنٍ فَهُوَ ضُرٌّ بِالضَّمِّ، وَمَا كَانَ ضِدَّ النَّفْعِ فَهُوَ بِفَتْحِهَا .

وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَالُ الْفُقَهَاءِ لِلَفْظِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْتْلاَفُ:

2 - الإْتْلاَفُ فِي اللُّغَةِ: الإْفْنَاءُ، يُقَالُ: تَلِفَ الْمَالُ يَتْلَفُ إِذَا هَلَكَ، وَأَتْلَفَهُ: أَفْنَاهُ، وَهُوَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: إِخْرَاجُ الشَّيْءِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُنْتَفَعًا بِهِ مَنْفَعَةً مَطْلُوبَةً مِنْهُ عَادَةً .

فَهُوَ فِي اللُّغَةِ لاَ يُطْلَقُ إِلاَّ عَلَى مَا أَصَابَهُ الْعَدَمُ، فَإِذَا تَعَطَّلَ الشَّيْءُ وَلَمْ يُمْكِنِ الاِنْتِفَاعُ بِهِ عَادَةً كَانَ تَالِفًا لَدَى الْفُقَهَاءِ دُونَ اللُّغَوِيِّينَ، وَعَلَى هَذَا فَالإْتْلاَفُ نَوْعٌ مِنَ الضَّرَرِ وَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.

ب - الاِعْتِدَاءُ:

3 - الاِعْتِدَاءُ فِي اللُّغَةِ وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الظُّلْمُ وَتَجَاوُزُ الْحَدِّ، يُقَالُ: اعْتَدَى عَلَيْهِ إِذَا ظَلَمَهُ، وَاعْتَدَى عَلَى حَقِّهِ أَيْ جَاوَزَ إِلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ .

وَعَلَى هَذَا فَالاِعْتِدَاءُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ وَفَرْعٌ عَنْهُ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

4 - الأْصْلُ  تَحْرِيمُ سَائِرِ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ إِلاَّ بِدَلِيلٍ  وَتَزْدَادُ حُرْمَتُهُ كُلَّمَا زَادَتْ شِدَّتُهُ، وَقَدْ شَهِدَتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ الشَّرْعِيَّةُ الْكَثِيرَةُ، مِنْهَا:

قوله تعالي: ) لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ) .

وقوله تعالي: ) وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا) .

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»  ، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَشْمَلُ كُلَّ أَنْوَاعِ الضَّرَرِ لأِنَّ  النَّكِرَةَ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ تَعُمُّ، وَفِيهِ حَذْفٌ، أَصْلُهُ لاَ لُحُوقَ أَوْ إِلْحَاقَ، أَوْ لاَ فِعْلَ ضَرَرٍ أَوْ ضِرَارٍ بِأَحَدٍ فِي دِينِنَا، أَيْ: لاَ يَجُوزُ شَرْعًا إِلاَّ لِمُوجِبٍ خَاصٍّ .

أَمَّا إِدْخَالُ الضَّرَرِ عَلَى أَحَدٍ يَسْتَحِقُّهُ لِكَوْنِهِ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فَيُعَاقَبُ بِقَدْرِ جَرِيمَتِهِ، أَوْ لِكَوْنِهِ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَغَيْرَهُ فَيَطْلُبُ الْمَظْلُومُ مُقَابَلَتَهُ بِالْعَدْلِ، فَهَذَا غَيْرُ مُرَادٍ بِالْحَدِيثِ قَطْعًا .

كَمَا أَنَّ الضَّرَرَ يُبَاحُ اسْتِثْنَاءً فِي أَحْوَالٍ أُخْرَى، ضَبَطَتْهَا بَعْضُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَمْثَالِ قَاعِدَةِ «الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ»، وَقَاعِدَةِ «الضَّرَرُ الأْشَدُّ  يُزَالُ بِالضَّرَرِ الأْخَفِّ» وَمَا إِلَى ذَلِكَ مِنَ الْقَوَاعِدِ الَّتِي يَأْتِي ذِكْرُهَا.

الْقَوَاعِدُ الْفِقْهِيَّةُ الضَّابِطَةُ لأِحْكَامِ الضَّرَرِ:

5 - لَقَدْ عَنَى الْفُقَهَاءُ كَثِيرًا بِدِرَاسَةِ مَوْضُوعِ الضَّرَرِ وَمُعَالَجَةِ آثَارِهِ، وَذَلِكَ لِمَا لَهُ مِنْ أَهَمِّيَّةٍ بَالِغَةٍ فِي اسْتِقْرَارِ الْعَلاَقَاتِ بَيْنَ النَّاسِ، وَقَعَّدُوا لِذَلِكَ مَجْمُوعَةً مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ تَضْبِطُهُ، وَتُوَضِّحُ مَعَالِمَهُ الْعَامَّةَ وَتُنَظِّمُ آثَارَهُ، وَأَهَمُّ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ هِيَ:

الضَّرَرُ يُزَالُ:

6 - أَصْلُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوْلُ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ»  وَيُبْتَنَى عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ كَثِيرٌ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، فَمِنْ ذَلِكَ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَجَمِيعُ أَنْوَاعِ الْخِيَارَاتِ، وَالْحَجْرُ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَالشُّفْعَةُ، وَمَا إِلَى ذَلِكَ .

وَيَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ قَوَاعِدُ:

7 - الأْولَى: الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ: وَمِنْ ثَمَّ جَازَ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَإِسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ.

وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ «بِشَرْطِ عَدَمِ نُقْصَانِهَا عَنْهَا» .

8 - الثَّانِيَةُ: «مَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا» وَمِنْ فُرُوعِهَا: الْمُضْطَرُّ لاَ يَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ إِلاَّ قَدْرَ سَدِّ الرَّمَقِ، وَالطَّعَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُؤْخَذُ عَلَى سَبِيلِ الْحَاجَةِ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ، قَالَ فِي الْكَنْزِ: وَيَنْتَفِعُ فِيهَا بِعَلَفٍ وَطَعَامٍ وَحَطَبٍ وَسِلاَحٍ وَدُهْنٍ بِلاَ قِسْمَةٍ، وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا لاَ يَنْتَفِعُ بِهَا، وَمَا فَضَلَ رُدَّ إِلَى الْغَنِيمَةِ .

وَلِلتَّفْصِيلِ: (ر: ضَرُورَة).

الضَّرَرُ لاَ يُزَالُ بِمِثْلِهِ.

9 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقَيِّدَةٌ لِقَاعِدَةِ «الضَّرَرُ يُزَالُ» بِمَعْنَى أَنَّ الضَّرَرَ مَهْمَا كَانَ وَاجِبَ الإْزَالَةِ، فَإِزَالَتُهُ إِمَّا بِلاَ ضَرَرٍ أَصْلاً أَوْ بِضَرَرٍ أَخَفَّ مِنْهُ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى قَاعِدَةِ «الضَّرَرُ الأْشَدُّ  يُزَالُ بِالأْخَفِّ» وَأَمَّا إِزَالَةُ الضَّرَرِ بِضَرَرٍ مِثْلِهِ أَوْ أَشَدَّ فَلاَ يَجُوزُ، وَهَذَا غَيْرُ جَائِزٍ عَقْلاً - أَيْضًا - لأِنَّ  السَّعْيَ فِي إِزَالَتِهِ بِمِثْلِهِ عَبَثٌ.

وَمِنْ فُرُوعِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْقَتْلِ مَثَلاً لاَ يَجُوزُ؛ لأِنَّ  هَذَا إِزَالَةُ الضَّرَرِ بِضَرَرٍ مِثْلِهِ، بِخِلاَفِ أَكْلِ مَالِهِ فَإِنَّهُ إِزَالَةُ الضَّرَرِ بِمَا هُوَ أَخَفُّ.

وَمِنْهَا لَوِ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةً، أَوْ أَدْخَلَ الْبَقَرُ رَأْسَهُ فِي قِدْرٍ، أَوْ أَوْدَعَ فَصِيلاً فَكَبِرَ فِي بَيْتِ الْمُودَعِ وَلَمْ يُمْكِنْ إِخْرَاجُهُ إِلاَّ بِهَدْمِ الْجِدَارِ، أَوْ كَسْرِ الْقِدْرِ، أَوْ ذَبْحِ الدَّجَاجَةِ، يَضْمَنُ صَاحِبُ الأْكْثَرِ قِيمَةَ الأْقَلِّ؛ لأِنَّ  الأْصْلَ أَنَّ الضَّرَرَ الأْشَدَّ يُزَالُ بِالأْخَفِّ .

يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ:

10 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ مُقَيِّدَةٌ لِقَاعِدَةِ «الضَّرَرُ لاَ يُزَالُ بِمِثْلِهِ» أَيْ لاَ يُزَالُ الضَّرَرُ بِالضَّرَرِ إِلاَّ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا عَامًّا وَالآْخَرُ خَاصًّا، فَيُتَحَمَّلُ حِينَئِذٍ الضَّرَرُ الْخَاصُّ لِدَفْعِ الضَّرَرِ الْعَامِّ.

وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مُهِمَّةٌ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرْعِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمَقَاصِدِ الشَّرْعِيَّةِ فِي مَصَالِحِ الْعِبَادِ اسْتَخْرَجَهَا الْمُجْتَهِدُونَ مِنَ الإْجْمَاعِ وَمَعْقُولِ النُّصُوصِ، قَالَ الأْتَاسِيُّ نَقْلاً عَنِ الْغَزَالِيِّ: إِنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا جَاءَ لِيَحْفَظَ عَلَى النَّاسِ دِينَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ وَعُقُولَهُمْ وَأَنْسَابَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَكُلُّ مَا يَكُونُ بِعَكْسِ هَذَا فَهُوَ مَضَرَّةٌ يَجِبُ إِزَالَتُهَا مَا أَمْكَنَ وَإِلاَّ فَتَأْيِيدًا لِمَقَاصِدِ الشَّرْعِ يُدْفَعُ فِي هَذَا السَّبِيلِ الضَّرَرُ الأْعَمُّ بِالضَّرَرِ الأْخَصِّ  

إِذَا تَعَارَضَ مَفْسَدَتَانِ رُوعِيَ أَعْظَمُهُمَا ضَرَرًا بِارْتِكَابِ أَخَفِّهِمَا:

11 - هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَقَاعِدَةُ «الضَّرَرُ الأْشَدُّ  يُزَالُ بِالأْخَفِّ» وَقَاعِدَةُ «يُخْتَارُ أَهْوَنُ الشَّرَّيْنِ» مُتَّحِدَاتٌ، وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَ التَّعْبِيرُ. وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهَا يَتَفَرَّعُ عَلَى أُخْتَيْهَا.

وَمِنْ فُرُوعِهَا جَوَازُ شَقِّ بَطْنِ الْمَيْتَةِ لإِِخْرَاجِ الْوَلَدِ إِذَا كَانَتْ تُرْجَى حَيَاتُهُ .

 اسْتِعْمَالُ الْحَقِّ بِالنَّظَرِ إِلَى مَا يَئُولُ إِلَيْهِ مِنْ أَضْرَارٍ:

12 - يَقُولُ الشَّاطِبِيُّ: جَلْبُ الْمَصْلَحَةِ أَوْ دَفْعُ الْمَفْسَدَةِ إِذَا كَانَ مَأْذُونًا فِيهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ يَلْزَمَ عَنْهُ إِضْرَارُ الْغَيْرِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَلْزَمَ عَنْهُ ذَلِكَ، وَهَذَا ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا:

أَنْ يَقْصِدَ الْجَالِبُ أَوِ الدَّافِعُ ذَلِكَ الإْضْرَارَ كَالْمُرَخِّصِ فِي سِلْعَتِهِ قَصْدًا لِطَلَبِ مَعَاشِهِ، وَصَحِبَهُ قَصْدَ الإْضْرَارِ بِالْغَيْرِ.

وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يَقْصِدَ إِضْرَارًا بِأَحَدٍ، وَهُوَ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ الإْضْرَارُ عَامًّا كَتَلَقِّي السِّلَعِ وَبَيْعِ الْحَاضِرِ لِلْبَادِي وَالاِمْتِنَاعِ عَنْ بَيْعِ دَارِهِ أَوْ فَدَّانِهِ، وَقَدِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ النَّاسُ لِمَسْجِدٍ جَامِعٍ أَوْ غَيْرِهِ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ خَاصًّا، وَهُوَ نَوْعَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَلْحَقَ الْجَالِبَ أَوِ الدَّافِعَ بِمَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ ضَرَرٌ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى فِعْلِهِ، كَالدَّافِعِ عَنْ نَفْسِهِ مَظْلِمَةً يَعْلَمُ أَنَّهَا تَقَعُ بِغَيْرِهِ، أَوْ يَسْبِقُ إِلَى شِرَاءِ طَعَامٍ، أَوْ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ، أَوْ إِلَى صَيْدٍ أَوْ حَطَبٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ عَالِمًا أَنَّهُ إِذَا حَازَهُ تَضَرَّرَ غَيْرُهُ بِعَدَمِهِ، وَلَوْ أُخِذَ مِنْ يَدِهِ تَضَرَّرَ.

وَالثَّانِي: أَنْ لاَ يَلْحَقَهُ بِذَلِكَ ضَرَرٌ، وَهُوَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:

الأْوَّلُ: مَا يَكُونُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ قَطْعِيًّا، أَعْنِي الْقَطْعَ الْعَادِيَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ خَلْفَ الدَّارِ فِي الظَّلاَمِ، بِحَيْثُ يَقَعُ الدَّاخِلُ فِيهِ، وَشِبْهُ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ نَادِرًا كَحَفْرِ الْبِئْرِ بِمَوْضِعٍ لاَ يُؤَدِّي غَالِبًا إِلَى وُقُوعِ أَحَدٍ فِيهِ، وَأَكْلِ الأْغْذِيَةِ الَّتِي غَالِبًا لاَ تَضُرُّ أَحَدًا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

وَالثَّالِثُ: مَا يَكُونُ أَدَاؤُهُ إِلَى الْمَفْسَدَةِ كَثِيرًا لاَ نَادِرًا، وَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَالِبًا كَبَيْعِ السِّلاَحِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، وَالْعِنَبِ مِنَ الْخَمَّارِ، وَمَا يُغَشُّ بِهِ مِمَّنْ شَأْنُهُ الْغِشُّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ.

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ كَثِيرًا لاَ غَالِبًا كَمَسَائِلِ بُيُوعِ الآْجَالِ. فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَقْسَامٍ .

الأْحْكَامُ  الْعَامَّةُ فِي ضَمَانِ الأْفْعَالِ  الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ :

90 - تَقُومُ فِكْرَةُ هَذَا النَّوْعِ مِنَ الضَّمَانِ - خِلاَفًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي ضَمَانِ الأْفْعَالِ  الضَّارَّةِ بِالأْنْفُسِ - عَلَى مَبْدَأِ جَبْرِ الضَّرَرِ الْمَادِّيِّ الْحَائِقِ بِالآْخَرِينَ، أَمَّا فِي تِلْكَ فَهُوَ قَائِمٌ عَلَى مَبْدَأِ زَجْرِ الْجُنَاةِ، وَرَدْعِ غَيْرِهِمْ.

وَالتَّعْبِيرُ بِالضَّمَانِ عَنْ جَبْرِ الضَّرَرِ وَإِزَالَتِهِ، هُوَ التَّعْبِيرُ الشَّائِعُ فِي الْفِقْهِ الإْسْلاَمِيِّ، وَعَبَّرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالتَّعْوِيضِ، كَمَا فَعَلَ ابْنُ عَابِدِينَ .

وَتَوَسَّعَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذَا النَّوْعِ فِي أَنْوَاعِ الضَّمَانِ وَتَفْصِيلِ أَحْكَامِهِ، حَتَّى أَفْرَدَهُ الْبَغْدَادِيُّ بِالتَّصْنِيفِ فِي كِتَابِهِ: (مَجْمَعِ الضَّمَانَاتِ).

وَمِنْ أَهَمِّ قَوَاعِدِ الضَّمَانِ قَاعِدَةُ: «الضَّرَرُ يُزَالُ». وَإِزَالَةُ الضَّرَرِ الْوَاقِعِ عَلَى الأْمْوَالِ  يَتَحَقَّقُ بِالتَّعْوِيضِ الَّذِي يُجْبَرُ فِيهِ الضَّرَرُ.

وَقَدْ عَرَّفَ الْفُقَهَاءُ الضَّمَانَ بِهَذَا الْمَعْنَى، بِأَنَّهُ: رَدُّ مِثْلِ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتِهِ .

وَعَرَّفَهُ الشَّوْكَانِيُّ بِأَنَّهُ: عِبَارَةٌ عَنْ غَرَامَةِ التَّالِفِ 

وَكِلاَ التَّعْرِيفَيْنِ يَسْتَهْدِفُ إِزَالَةَ الضَّرَرِ، وَإِصْلاَحَ الْخَلَلِ الَّذِي طَرَأَ عَلَى الْمَضْرُورِ، وَإِعَادَةَ حَالَتِهِ الْمَالِيَّةِ إِلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ قَبْلَ وُقُوعِ الضَّرَرِ.

طَرِيقَةُ التَّضْمِينِ:

91 - الْقَاعِدَةُ الْعَامَّةُ فِي تَضْمِينِ الْمَالِيَّاتِ، هِيَ: مُرَاعَاةُ الْمِثْلِيَّةِ التَّامَّةِ بَيْنَ الضَّرَرِ، وَبَيْنَ الْعِوَضِ، كُلَّمَا أَمْكَنَ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ: «ضَمَانُ الْعُدْوَانِ مُقَدَّرٌ بِالْمِثْلِ بِالنَّصِّ » يُشِيرُ إِلَى قوله تعالي: ) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) .

وَالْمِثْلُ وَإِنْ كَانَ بِهِ يَتَحَقَّقُ الْعَدْلُ، لَكِنَّ الأْصْلَ  أَنْ يَرُدَّ الشَّيْءَ الْمَالِيَّ الْمُعْتَدَى فِيهِ نَفْسَهُ، كُلَّمَا أَمْكَنَ، مَا دَامَ قَائِمًا مَوْجُودًا، لَمْ يَدْخُلْهُ عَيْبٌ يُنْقِصُ مِنْ مَنْفَعَتِهِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الْحَسَنُ، عَنْ سَمُرَةَ - رضي الله تعالي عنهما - عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَ» .

بَلْ هَذَا هُوَ الْمُوجِبُ الأْصْلِ يُّ فِي الْغَصْبِ، الَّذِي هُوَ أَوَّلُ صُوَرِ الضَّرَرِ وَأَهَمُّهَا.

فَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الشَّيْءِ بِعَيْنِهِ، لِهَلاَكِهِ أَوِ اسْتِهْلاَكِهِ أَوْ فَقْدِهِ، وَجَبَ حِينَئِذٍ رَدُّ مِثْلِهِ، إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، أَوْ قِيمَتِهِ إِنْ كَانَ قِيمِيًّا.

وَالْمِثْلِيُّ هُوَ: مَا لَهُ مِثْلٌ فِي الأْسْوَاقِ، أَوْ نَظِيرٌ، بِغَيْرِ تَفَاوُتٍ يُعْتَدُّ بِهِ، كَالْمَكِيلاَتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَذْرُوعَاتِ، وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ.

وَالْقِيمِيُّ هُوَ: مَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ فِي الأْسْوَاقِ، أَوْ هُوَ مَا تَتَفَاوَتُ أَفْرَادُهُ، كَالْكُتُبِ الْمَخْطُوطَةِ، وَالثِّيَابِ الْمُفَصَّلَةِ الْمَخِيطَةِ لأِشْخَاصٍ بِأَعْيَانِهِمْ.

وَالْمِثْلُ أَعْدَلُ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ، لِمَا فِيهِ مِنِ اجْتِمَاعِ الْجِنْسِ وَالْمَالِيَّةِ.

وَالْقِيمَةُ تَقُومُ مَقَامَ الْمِثْلِ، فِي الْمَعْنَى وَالاِعْتِبَارِ الْمَالِيِّ .

وَقْتُ تَقْدِيرِ التَّضْمِينِ:

92 - تَنَاوَلَ الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فِي الْمَغْصُوبِ - عَلَى التَّخْصِيصِ - إِذَا كَانَ مِثْلِيًّا، وَفُقِدَ مِنَ السُّوقِ، وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَنْظَارُهُمْ فِيهَا عَلَى الْوَجْهِ التَّالِي:

ذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ: إِلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْغَصْبِ، لأِنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ مِنَ السُّوقِ الْتَحَقَ بِمَا لاَ مِثْلَ لَهُ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ، وَهُوَ الْغَصْبُ، كَمَا أَنَّ الْقِيمِيَّ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ كَذَلِكَ يَوْمَ الْغَصْبِ.

وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ: إِلَى اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ يَوْمَ الاِنْقِطَاعِ، لأِنَّ  الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إِلَى الْقِيمَةِ بِالاِنْقِطَاعِ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الاِنْقِطَاعِ.

وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: اعْتِبَارُ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَضَاءِ، لأِنَّ  الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ، وَلاَ يَنْتَقِلُ إِلَى الْقِيمَةِ بِمُجَرَّدِ الاِنْقِطَاعِ، لأِنَّ  لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَنْ يَنْتَظِرَ حَتَّى يُوجَدَ الْمِثْلُ، بَلْ إِنَّمَا يَنْتَقِلُ بِالْقَضَاءِ، فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ يَوْمَ الْقَضَاءِ .

أَمَّا الْقِيمِيُّ إِذَا تَلِفَ، فَتَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ اتِّفَاقًا .

أَمَّا فِي الاِسْتِهْلاَكِ: فَكَذَلِكَ عِنْدَ الإْمَامِ وَعِنْدَهُمَا يَوْمَ الاِسْتِهْلاَكِ .

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ ضَمَانَ الْقِيمَةِ يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَالاِسْتِيلاَءِ عَلَى الْمَغْصُوبِ سَوَاءٌ أَكَانَ عَقَارًا، أَمْ غَيْرَهُ، لاَ يَوْمَ حُصُولِ الْمُفَوِّتِ، وَلاَ يَوْمَ الرَّدِّ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ التَّلَفُ بِسَمَاوِيٍّ أَمْ بِجِنَايَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ .

وَفِي الإْتْلاَفِ وَالاِسْتِهْلاَكِ - فِي غَيْرِ الْمِثْلِيَّاتِ - كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، تُعْتَبَرُ يَوْمَ الاِسْتِهْلاَكِ وَالإْتْلاَفِ .

وَالأْصَحُّ  عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ الْمِثْلِيَّ إِذَا تَعَذَّرَ وُجُودُهُ، فِي بَلَدِهِ وَحَوَالَيْهِ تُعْتَبَرُ أَقْصَى قِيمَةٍ، مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إِلَى تَعَذُّرِ الْمِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ إِلَى التَّلَفِ، وَفِي قَوْلٍ إِلَى الْمُطَالَبَةِ .

وَإِذَا كَانَ الْمِثْلُ مَفْقُودًا عِنْدَ التَّلَفِ، فَالأْصَحُّ وُجُوبُ أَكْثَرِ الْقِيَمِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إِلَى التَّلَفِ، لاَ إِلَى وَقْتِ الْفَقْدِ . وَأَمَّا الْمُتَقَوِّمُ فَيُضْمَنُ فِي الْغَصْبِ بِأَقْصَى قِيمَةٍ مِنَ الْغَصْبِ إِلَى التَّلَفِ .

وَأَمَّا الإْتْلاَفُ بِلاَ غَصْبٍ، فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ، لأِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَتُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ الإْتْلاَفِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَكَانُ لاَ يَصْلُحُ لِذَلِكَ كَالْمَفَازَةِ، فَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي أَقْرَبِ الْبِلاَدِ .

وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ: أَنَّهُ يَجِبُ رَدُّ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا، يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِ غَصْبِهِ مِنْ نَقْدِهِ، لأِنَّ  ذَلِكَ زَمَنُ الضَّمَانِ وَمَوْضِعُ الضَّمَانِ وَمُنْصَرَفُ اللَّفْظِ عِنْدَ الإْطْلاَقِ (كَالدِّينَارِ) كَمَا يَقُولُ الْبُهُوتِيُّ  إِنْ لَمْ تَخْتَلِفْ قِيمَةُ التَّالِفِ، مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إِلَى حِينِ الرَّدِّ.

فَإِنِ اخْتَلَفَتْ لِمَعْنًى فِي التَّالِفِ مِنْ كِبَرٍ وَصِغَرٍ وَسِمَنٍ وَهُزَالٍ - وَنَحْوِهَا - مِمَّا يَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ وَيَنْقُصُ مِنْهَا، فَالْوَاجِبُ رَدُّ أَكْثَرِ مَا تَكُونُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ مِنْ حِينِ الْغَصْبِ إِلَى حِينِ الرَّدِّ، لأِنَّ هَا مَغْصُوبَةٌ فِي الْحَالِ الَّتِي زَادَتْ فِيهَا، وَالزِّيَادَةُ مَضْمُونَةٌ لِمَالِكِهَا.

وَإِنْ كَانَ الْمَغْصُوبُ مِثْلِيًّا يَجِبُ رَدُّ مِثْلِهِ، فَإِنْ فُقِدَ الْمِثْلُ، فَتَجِبُ الْقِيمَةُ يَوْمَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ، لأِنَّ  الْقِيمَةَ وَجَبَتْ فِي الذِّمَّةِ حِينَ انْقِطَاعِ الْمِثْلِ، فَاعْتُبِرَتِ الْقِيمَةُ حِينَئِذٍ، كَتَلَفِ الْمُتَقَوِّمِ.

وَقَالَ الْقَاضِي: تَجِبُ قِيمَتُهُ يَوْمَ قَبْضِ الْبَدَلِ، لأِنَّ  الْوَاجِبَ هُوَ الْمِثْلُ، إِلَى حِينِ قَبْضِ الْبَدَلِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ وُجِدَ الْمِثْلُ بَعْدَ فَقْدِهِ، لَكَانَ الْوَاجِبُ هُوَ الْمِثْلُ دُونَ الْقِيمَةِ، لأِنَّهُ الأْصْلُ ، قَدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْبَدَلِ، فَأَشْبَهَ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَاءِ بَعْدَ التَّيَمُّمِ .

تَقَادُمُ الْحَقِّ فِي التَّضْمِينِ:

93 - التَّقَادُمُ - أَوْ مُرُورُ الزَّمَانِ - هُوَ: مُضِيُّ زَمَنٍ طَوِيلٍ، عَلَى حَقٍّ أَوْ عَيْنٍ فِي ذِمَّةِ إِنْسَانٍ، لِغَيْرِهِ دُونَ مُطَالَبَةٍ بِهِمَا، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهَا.

وَالشَّرِيعَةُ - بِوَجْهٍ عَامٍّ - اعْتَبَرَتِ التَّقَادُمَ مَانِعًا مِنْ سَمَاعِ الدَّعْوَى، فِي الْمِلْكِ وَفِي الْحَقِّ، مَعَ بَقَائِهِمَا عَلَى حَالِهِمَا السَّابِقَةِ، وَلَمْ تَعْتَبِرْهُ مَكْسَبًا لِمِلْكِيَّةٍ أَوْ قَاطِعًا لِحَقٍّ.

فَيَقُولُ الْحَصْكَفِيُّ: الْقَضَاءُ مُظْهِرٌ لاَ مُثْبِتٌ، وَيَتَخَصَّصُ بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ وَخُصُومَةٍ حَتَّى لَوْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِعَدَمِ سَمَاعِ الدَّعْوَى، بَعْدَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، فَسَمِعَهَا الْقَاضِي، لَمْ يَنْفُذْ .

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الأَْشْبَاهِ وَغَيْرِهَا، أَنَّ الْحَقَّ لاَ يَسْقُطُ بِتَقَادُمِ الزَّمَانِ .

فَبِنَاءً عَلَى هَذَا يُقَالُ: إِذَا لَمْ يَرْفَعْ الشَّخْصُ الْمَضْرُورُ دَعْوَى، يُطَالِبُ فِيهَا بِالضَّمَانِ أَوِ التَّعْوِيضِ عَنِ الضَّرَرِ، مِمَّنْ أَلْحَقَهُ بِهِ، مُدَّةَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا، سَقَطَ حَقُّهُ، قَضَاءً فَقَطْ لاَ دِيَانَةً، فِي إِقَامَةِ الدَّعْوَى مِنْ جَدِيدٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَضْرُورُ غَائِبًا، أَوْ كَانَ مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا وَلَيْسَ لَهُ وَلِيٌّ، أَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَاكِمًا جَائِرًا، أَوْ كَانَ ثَابِتَ الإِْعْسَارِ خِلاَلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ، ثُمَّ أَيْسَر بَعْدَهَا، فَإِنَّهُ يَبْقَى حَقُّهُ فِي إِقَامَةِ الدَّعْوَى قَائِمًا، مَهْمَا طَالَ الزَّمَنُ بِسَبَبِ الْعُذْرِ، الَّذِي يَنْفِي شُبْهَةَ التَّزْوِيرِ

وَكَذَلِكَ إِذَا أَمَرَ السُّلْطَانُ الْعَادِلُ نَفْسَهُ بِسَمَاعِ هَذِهِ الدَّعْوَى، بَعْدَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا أَوْ سَمِعَهَا بِنَفْسِهِ - كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ  - حِفْظًا لِحَقِّ الْمَضْرُورِ، إِذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّزْوِيرِ.

وَكَذَلِكَ إِذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ بِحَقِّ الْمَضْرُورِ فِي الضَّمَانِ، وَالتَّعْوِيضِ عَنِ الضَّرَرِ، بَعْدَ مُضِيِّ هَذِهِ الْمُدَّةِ ، فَإِنَّهُ يَتَلاَشَى بِذَلِكَ مُضِيُّ الزَّمَنِ وَيَسْقُطُ لِظُهُورِ الْحَقِّ بِإِقْرَارِهِ وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ.

ثَانِيًا: الأْحْكَامُ  الْخَاصَّةُ فِي ضَمَانِ الأْفْعَالِ  الضَّارَّةِ بِالأْمْوَالِ :

94 - قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَاعِدَةَ فِي الضَّمَانِ، هِيَ رَدُّ الْعَيْنِ أَصْلاً، وَإِذَا تَعَذَّرَ رَدُّ الْعَيْنِ، وَجَبَ الضَّمَانُ بِرَدِّ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيَّاتِ، وَدَفْعِ الْقِيمَةِ فِي الْقِيمِيَّاتِ.

وَنَذْكُرُ - هُنَا - التَّضْمِينَ فِي أَحْوَالٍ خَاصَّةٍ مُسْتَثْنَاةٍ مِنَ الأْصْلِ ، إِذْ يُحْكَمُ فِيهَا بِالتَّعْوِيضِ الْمَالِيِّ أَحْيَانًا، وَبِالتَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ضَمَانِ الْمِثْلِ فِي أَحْيَانٍ أُخْرَى، وَهِيَ: قَطْعُ الشَّجَرِ، وَهَدْمُ الْمَبَانِي، وَالْبِنَاءُ عَلَى الأْرْضِ  الْمَغْصُوبَةِ، أَوِ الْغَرْسُ فِيهَا، وَقَلْعُ عَيْنِ الْحَيَوَانِ، وَتَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِيهَا كَمَا يَلِي:

أ - قَطْعُ الشَّجَرِ:

95 - لَوْ قَطَعَ شَخْصٌ لآِخَرَ، شَجَرَ حَدِيقَتِهِ، ضَمِنَ قِيمَةَ الشَّجَرِ، لأِنَّهُ لَيْسَ بِمِثْلِيٍّ.

وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ: أَنْ تُقَوَّمُ الْحَدِيقَةُ مَعَ الشَّجَرِ الْقَائِمِ، وَتُقَوَّمَ بِدُونِهِ فَالْفَضْلُ هُوَ قِيمَتُهُ، فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُضَمِّنَهُ تِلْكَ الْقِيمَةَ، وَيَدْفَعَ لَهُ الأْشْجَارَ الْمَقْطُوعَةَ، وَبَيْنَ أَنْ يُمْسِكَهَا، وَيُضَمِّنَهُ نُقْصَانَ تِلْكَ الْقِيمَةِ .

وَلَوْ كَانَتْ قِيمَةُ الأْشْجَارِ مَقْطُوعَةً وَغَيْرَ مَقْطُوعَةٍ سَوَاءً، بَرِئَ .

وَلَوْ أَتْلَفَ شَجَرَةً مِنْ ضَيْعَةٍ، وَلَمْ يَتْلَفْ بِهِ شَيْءٌ، قِيلَ: تَجِبُ قِيمَةُ الشَّجَرَةِ الْمَقْطُوعَةِ، وَقِيلَ تَجِبُ قِيمَتُهَا نَابِتَةً  وَلَوْ أَتْلَفَ شَجَرَةً، قُوِّمَتْ مَغْرُوسَةً وَقُوِّمَتْ مَقْطُوعَةً، وَيَغْرَمُ مَا بَيْنَهُمَا.

وَلَوْ أَتْلَفَ ثِمَارَهَا، أَوْ نَفَضَهَا لَمَّا نَوَّرَتْ، حَتَّى تَنَاثَرَ نَوْرُهَا، قُوِّمَتِ الشَّجَرَةُ مَعَ ذَلِكَ، وَقُوِّمَتْ بِدُونِهَا فَيَغْرَمُ مَا بَيْنَهُمَا، وَكَذَا الزَّرْعُ .

ب - هَدْمُ الْمَبَانِي:

96 - إِذَا هَدَمَ إِنْسَانٌ بِنَاءً أَوْ جِدَارًا لِغَيْرِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءُ مِثْلِهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ، فَإِنْ تَعَذَّرَتِ الْمُمَاثَلَةُ رَجَعَ إِلَى الْقِيمَةِ  لِحَدِيثِ: أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالي عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «كَانَ رَجُلٌ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ يُقَالُ لَهُ: جُرَيْجٌ، يُصَلِّي، فَجَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيبَهَا، فَقَالَ: أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي؟ ثُمَّ أَتَتْهُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ، وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَقَالَتِ امْرَأَةٌ: لأَفْتِنَنَّ جُرَيْجًا، فَتَعَرَّضَتْ لَهُ، فَكَلَّمَتْهُ، فَأَبَى. فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا. فَوَلَدَتْ غُلاَمًا، فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ كَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ، فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى الْغُلاَمَ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ يَا غُلاَمُ؟ قَالَ: الرَّاعِي. قَالُوا: نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: لاَ، إِلاَّ مِنْ طِينٍ» .

وَالأْصْلُ : أَنَّ الْحَائِطَ وَالْبِنَاءَ مِنَ الْقِيمِيَّاتِ، فَتُضْمَنُ بِالْقِيمَةِ.

وَقَدْ نَقَلَ الرَّمْلِيُّ الْحَنَفِيُّ أَنَّهُ لَوْ هَدَمَ جِدَارَ غَيْرِهِ، تُقَوَّمُ دَارُهُ مَعَ جُدْرَانِهَا، وَتُقَوَّمُ بِدُونِ هَذَا الْجِدَارِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا .

وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَضْلِ: إِذَا هَدَمَ حَائِطًا مُتَّخَذًا مِنْ خَشَبٍ أَوْ عَتِيقًا مُتَّخَذًا مِنْ رَهْصٍ (طِينٍ  ) يَضْمَنُ قِيمَتَهُ، وَإِنْ كَانَ حَدِيثًا يُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهِ كَمَا كَانَ .

وَقَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: مَنْ هَدَمَ حَائِطَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ نُقْصَانَهَا (أَيْ قِيمَتَهَا مَبْنِيَّةً  ) وَلاَ يُؤْمَرُ بِعِمَارَتِهَا، إِلاَّ فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ، كَمَا فِي كَرَاهَةِ الْخَانِيَّةِ .

لَكِنَّ الْمَذْهَبَ، مَا قَالَهُ الْعَلاَّمَةُ قَاسِمٌ فِي شَرْحِهِ لِلنُّقَايَةِ: وَإِذَا هَدَمَ الرَّجُلُ حَائِطَ جَارِهِ فَلِلْجَارِ الْخِيَارُ: إِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْحَائِطِ، وَالنَّقْضُ لِلضَّامِنِ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ النَّقْضَ، وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ، لأِنَّ  الْحَائِطَ قَائِمٌ مِنْ وَجْهٍ، وَهَالِكٌ مِنْ وَجْهٍ، فَإِنْ شَاءَ مَالَ إِلَى جِهَةِ الْقِيَامِ، وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ، وَإِنْ شَاءَ مَالَ إِلَى جِهَةِ الْهَلاَكِ وَضَمَّنَهُ قِيمَةَ الْحَائِطِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى الْبِنَاءِ، كَمَا كَانَ، لأِنَّ  الْحَائِطَ لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الأْمْثَالِ.

وَطَرِيقُ تَقْوِيمِ النُّقْصَانِ: أَنْ تُقَوَّمَ الدَّارُ مَعَ حِيطَانِهَا، وَتُقَوَّمَ بِدُونِ هَذَا الْحَائِطِ فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا .

وَالضَّمَانُ فِي هَذِهِ الْحَالِ مُقَيَّدٌ بِمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْهَدْمُ لِلضَّرُورَةِ، كَمَنْعِ سَرَيَانِ الْحَرِيقِ، بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ ضَمَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ الْحَاكِمِ، ضَمِنَ الْهَادِمُ قِيمَتَهَا مُعَرَّضَةً لِلْحَرِيقِ.

ج - الْبِنَاءُ عَلَى الأْرْضِ  الْمَغْصُوبَةِ أَوِ الْغَرْسُ فِيهَا:

97 - إِذَا غَرَسَ شَخْصٌ شَجَرًا، أَوْ أَقَامَ بِنَاءً عَلَى أَرْضٍ غَصَبَهَا، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ  أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِقَلْعِ الشَّجَرِ، وَهَدْمِ الْبِنَاءِ، وَتَفْرِيغِ الأْرْضِ  مِنْ كُلِّ مَا أَنْشَأَ فِيهَا، وَإِعَادَتِهَا كَمَا كَانَتْ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا  وَذَلِكَ: لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ، وَلَيْسَ لِعِرَقِ ظَالِمٍ حَقٌّ» ، قَالَ: فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي الَّذِي حَدَّثَنِي هَذَا الْحَدِيثَ، «أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلاً فِي أَرْضِ الآْخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الأْرْضِ  بِأَرْضِهِ وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، قَالَ:

فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا، وَإِنَّهَا لَتُضْرَبُ أُصُولُهَا بِالْفُؤُوسِ، وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عَمٌّ » أَيْ طَوِيلَةٌ .

وَلأِنَّهُ شَغَلَ مِلْكَ غَيْرِهِ، فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهِ، دَفْعًا لِلظُّلْمِ، وَرَدًّا لِلْحَقِّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ .

قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: عَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهَا إِنْ كَانَ، وَتَسْوِيَتُهَا، لأِنَّهُ ضَرَرٌ حَصَلَ بِفِعْلِهِ، مَعَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إِلَى وَقْتِ التَّسْلِيمِ .

وَقَالَ الْقَلْيُوبِيُّ: وَلِلْغَاصِبِ قَلْعُهُمَا قَهْرًا عَلَى الْمَالِكِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ إِجَابَةُ الْمَالِكِ لَوْ طَلَبَ الإْبْقَاءَ بِالأْجْرِ، أَوِ التَّمَلُّكَ بِالْقِيمَةِ، وَلِلْمَالِكِ قَلْعُهُمَا جَبْرًا عَلَى الْغَاصِبِ، بِلاَ أَرْشٍ لِعَدَمِ احْتِرَامِهِمَا عَلَيْهِ .

وَالْمَالِكِيَّةُ خَيَّرُوا الْمَالِكَ بَيْنَ قَلْعِ الشَّجَرِ وَهَدْمِ الْبِنَاءِ، وَبَيْنَ تَرْكِهِمَا، عَلَى أَنْ يُعْطَى الْمَالِكُ الْغَاصِبُ، قِيمَةَ أَنْقَاضِ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ، مَقْلُوعًا، بَعْدَ طَرْحِ أُجْرَةِ النَّقْضِ وَالْقَلْعِ، لَكِنَّهُمْ قَيَّدُوا قَلْعَ الزَّرْعِ بِمَا إِذَا لَمْ يَفُتْ، أَيْ لَمْ يَمْضِ وَقْتٌ مَا تُرَادُ الأْرْضُ  لَهُ فَلَهُ عِنْدَئِذٍ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا مَطْرُوحًا مِنْهُ أُجْرَةُ الْقَلْعِ. فَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ، بَقِيَ الزَّرْعُ لِلزَّارِعِ، وَلَزِمَهُ الْكِرَاءُ إِلَى انْتِهَائِهِ .

وَنَصَّ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَنَفِيَّةُ .

(ر: غَرْس – غَصْب).

د - قَلْعُ عَيْنِ الْحَيَوَانِ:

98 - الْحَيَوَانُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الأْمْوَالِ ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُطَبَّقَ فِي إِتْلاَفِهِ - كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا - الْقَوَاعِدُ الْعَامَّةُ، إِلاَّ أَنَّهُ وَرَدَ فِي السَّمْعِ تَضْمِينُ رُبُعِ قِيمَتِهِ، بِقَلْعِ عَيْنِهِ:

فَفِي الْحَدِيثِ: «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ رُبُعَ ثَمَنِهَا»  

وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَشُرَيْحٍ - رضي الله تعالي عنهما - وَكَتَبَ عُمَرُ إِلَى شُرَيْحٍ، لَمَّا كَتَبَ إِلَيْهِ يَسْأَلُهُ عَنْ عَيْنِ الدَّابَّةِ: إِنَّا كُنَّا نُنْزِلُهَا مَنْزِلَةَ الآْدَمِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ أَجْمَعَ رَأْيُنَا أَنَّ قِيمَتَهَا رُبُعُ الثَّمَنِ. قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: هَذَا إِجْمَاعٌ يُقَدَّمُ عَلَى الْقِيَاسِ .

وَهَذَا مِمَّا جَعَلَ الْحَنَفِيَّةُ - وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ عَنْ أَحْمَدَ - يَعْدِلُونَ عَنِ الْقِيَاسِ، بِالنَّظَرِ إِلَى ضَمَانِ الْعَيْنِ فَقَطْ .

فَعَمِلُوا بِالْحَدِيثِ، وَتَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ، لَكِنَّهُمْ خَصُّوهُ بِالْحَيَوَانِ الَّذِي يُقْصَدُ لِلَّحْمِ، كَمَا يُقْصَدُ لِلرُّكُوبِ وَالْحَمْلِ وَالزِّينَةِ أَيْضًا، كَمَا فِي عَيْنِ الْفَرَسِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ، وَكَذَا فِي عَيْنِ الْبَقَرَةِ وَالْجَزُورِ.

أَمَّا غَيْرُهُ، كَشَاةِ الْقَصَّابِ الْمُعَدَّةِ لِلذَّبْحِ، مِمَّا يُقْصَدُ مِنْهُ اللَّحْمُ فَقَطْ، فَيُعْتَبَرُ مَا نَقَصَتْ قِيمَتُهُ .

وَطَرَدَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الْقِيَاسَ، فَضَمَّنُوا مَا يَتْلَفُ مِنْ سَائِرِ أَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ، بِمَا يَنْقُصُ مِنْ قِيمَتِهِ، بِفَقْدِ عَيْنِهِ وَغَيْرِهَا، بَالِغًا مَا بَلَغَ النَّقْصُ بِلاَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْحَيَوَانِ .

قَالَ الْمَحَلِّيُّ: وَيَضْمَنُ مَا تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَ مِنْ أَجْزَائِهِ بِمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ .

وَقَالَ الْغَزَالِيُّ: وَلاَ يَجِبُ فِي عَيْنِ الْبَقَرَةِ وَالْفَرَسِ إِلاَّ أَرْشُ النَّقْصِ .

وَعَلَّلَ ذَلِكَ ابْنُ قُدَامَةَ، بِأَنَّهُ ضَمَانُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ جِنَايَةٍ، فَكَانَ الْوَاجِبُ مَا نَقَصَ، كَالثَّوْبِ، وَلأِنَّهُ لَوْ فَاتَ الْجَمِيعُ لَوَجَبَتْ قِيمَتُهُ، فَإِذَا فَاتَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَجَبَ قَدْرُهُ مِنَ الْقِيمَةِ، كَغَيْرِ الْحَيَوَانِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس والثلاوثون  ، الصفحة /  114

الإْتْلاَفِ.

وَإِذَا فُقِدَ الْمِثْلِيُّ بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ فِي الأْسْوَاقِ  فَاتَّفَقُوا كَذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُعْدَلُ عَنِ الْمِثْلِيِّ إِلَى الْقِيمَةِ.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَقْدِيرِ هَذِهِ الْقِيمَةِ: أَيُرَاعَى وَقْتُ الإْتْلاَفِ؟ أَمْ وَقْتُ الاِنْقِطَاعِ عَنِ الأْسْوَاقِ ؟ أَمْ وَقْتُ الْمُطَالَبَةِ؟ أَمْ وَقْتُ الأْدَاءِ؟ لِلْفُقَهَاءِ فِيهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِتْلاَفٌ ف 36).

وَمَعَ أَنَّ الْقَاعِدَةَ رَدُّ الْمِثْلِيِّ بِالْمِثْلِ إِلاَّ أَنَّ هُنَاكَ بَعْضَ الأْشْيَاءِ  الْمِثْلِيَّةِ يَكُونُ الرَّدُّ فِيهَا بِالْقِيمَةِ، فَقَدْ ذَكَرَ تَاجُ الدِّينِ السُّبْكِيُّ وَالسُّيُوطِيُّ عِدَّةَ صُوَرٍ لِلإِْتْلاَفِ بِلاَ غَصْبٍ يَكُونُ الرَّدُّ فِيهَا بِالْقِيمَةِ وَهِيَ:

أ - إِتْلاَفُ مَاءٍ فِي مَفَازَةٍ، ثُمَّ اجْتَمَعَ الْمُتْلِفُ وَصَاحِبُ الْمَاءِ عَلَى شَطِّ نَهَرٍ، أَوْ بَلَدٍ حَيْثُ لاَ يَكْتَفِي الرَّدُّ بِمِثْلِهِ، بَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي الْمَفَازَةِ.

ب - إِتْلاَفُ الْجَمْدِ وَالثَّلْجِ فِي الصَّيْفِ، ثُمَّ أَرَادَ الْمُتْلِفُ رَدَّهُ فِي الشِّتَاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فِي الصَّيْفِ.

جـ - إِتْلاَفُ حُلِيٍّ مَصْنُوعٍ حَيْثُ يَكُونُ الضَّمَانُ بِقِيمَتِهِ، حَتَّى تُلاَحَظَ فِيهَا قِيمَةُ الصَّنْعَةِ .

وَذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ عِدَّةَ أَمْثِلَةٍ رُوعِيَتْ فِيهَا الْقِيمَةُ مَعَ كَوْنِهَا مِثْلِيَّةً، وَمِنْهَا: إِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ، وَتَحَالَفَا، وَتَفَاسَخَا وَكَانَ الْمَبِيعُ هَالِكًا فَإِنَّ الْبَيْعَ يُفْسَخُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ دُونَ النَّظَرِ إِلَى كَوْنِهِ مِثْلِيًّا، هَذَا عَلَى رَأْيِ مُحَمَّدٍ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَمِنْهَا الْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، لأِنَّهُ بِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ.

وَمِنْهَا الْمَغْصُوبُ الْمِثْلِيُّ إِذَا انْقَطَعَ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي اعْتِبَارِ الْيَوْمِ الَّذِي تُحْسَبُ فِيهِ .

وَمِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِذَا تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِالْمِثْلِ لأِيِّ  سَبَبٍ كَانَ فَيَكُونُ الرَّدُّ بِالْقِيمَةِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس  ، الصفحة / 63

وَسَائِلُ الإْصْلاَحِ وَمَوَاطِنُ الْبَحْثِ:

6 - مِنَ اسْتِقْرَاءِ الأْحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الإْصْلاَحَ يَتِمُّ بِوَسَائِلَ عَدِيدَةٍ مِنْهَا:

أ - إِكْمَالُ النَّقْصِ، فَمَنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ أَنْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ يَصْلُحُ وُضُوءُهُ بِغُسْلِ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمَتْرُوكِ بِالْمَاءِ، بِشُرُوطٍ ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ فِي الْوُضُوءِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ الْغُسْلُ.

وَمِنْ ذَلِكَ وُجُوبُ إِصْلاَحِ الشَّيْءِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ، إِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَلَلُ أَوِ النَّقْصُ مِمَّا تَتَعَطَّلُ بِهِ الْمَنَافِعُ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الإْجَارَةِ.

ب - التَّعْوِيضُ عَنِ الضَّرَرِ: وَيَتَمَثَّلُ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْجِنَايَاتِ، كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ، وَفِي ضَمَانِ الإْتْلاَفَاتِ فِي كِتَابِ الضَّمَانِ، وَكَمَا سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (إِتْلاَفٌ).

مجلة الأحكام العدلية

مادة (90) المباشر والمتسبب 
إذا اجتمع المباشر والمتسبب يضاف الحكم إلى المباشر، مثلاً لو حفر الرجل بئراً في الطريق العام فألقى أحد حيوان شخص في تلك البئر ضمن الذي ألقى الحيوان ولا شيء على حافر البئر. 
مادة (92) المباشر 
المباشر ضامن وان لم يتعمد. 
مادة (93) المتسبب 
المتسبب لا يضمن إلا بالتعمد. 
مادة (916) المال المتلوف من الصبي 
إذا أتلف صبي مال غيره فيلزم الضمان من ماله وإن لم يكن له مال ينتظر إلى حال يساره ولا يضمن وليُّهُ. 
مادة (925) الفعل الاختياري 
لو فعل أحد فعلاً يكون سبباً لتلف شيء فحال في ذلك الوقت فعل اختياري يعني إن شخصاً آخر أتلف ذلك الشيء مباشرة يكون ذلك الفاعل المباشر الذي هو صاحب الفعل الاختياري ضامناً (راجع المادة 90). 

 

 

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام الأعظم ابى حنيفة (رضى الله عنه ) إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية (1392هـ ـ 1972م  )

۲۰- إذا اجتمع المباشر والمتسبب أضيف الحكم إلى المباشر .

المذكرة الإيضاحية

تتضح القاعدة في عدم تضمين من دل سارقا على مال إنسان فسرقه .

 

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

( مادة 169)

1- كل فعل سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض ، ولو كان غیر مميز .

تتناول هذه المادة القاعدة في المسئولية عن الأعمال الشخصية ، فهي بهذه المثابة تعتبر القاعدة العامة في المسئولية عن العمل غير المشروع

وهذه المادة يقابلها في التقنين الحالي المادتان الاتيتان :

م163 : « كل خطا سبب ضررا للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض .

م 164:« يكون الشخص مسئولا عن أعماله غير المشروعة متی صدرت منه وهو مميز .

1- ومع ذلك اذا وقع الضرر من شخص غير مميز ولم يكن هناك من هو مستول عنه او تعذر الحصول على التعويض من المسئول جاز للقاضي أن يلزم من وقع منه الضرر بتعويض عادل مراعياً في ذلك مركز الخصوم ) .

و تقابلها في التقنين العراقي المواد الآتية :

م186 1- اذا اتلف احد مال غيره او انتصر قيمته مباشرة او تسببا ، يكون ضامنا ، اذا كان في أحدانه هذا الضرر قد تعمد او تعدى

٢- واذا اجتمع المباشر والتسبب ضمن المتعمد أو التعدي منهما ، فلو ضمنا ما كانا متكافلين في الضمان .

م۱۹۱ : ۱- اذا اتلف صبي مميز او غير مميز او من في حكمهما غيره لزمة الضمان من ماله .

۲۔ واذا تعذر الحصول على التعويض من أموال من وقع منه الضرر ان كان صبيا غير مميز او مجنونا ، جاز للمحكمة أن تلزم الولي أو القيم او الومی بمبلغ التعويض ، على أن يكون لهذا الرجوع بما دفعه على من وقع منه الضرر "

٣- عند تقدير التعويض العادل عن الضرر لابد للمحكمة أن تراعي في ذلك مركز الخصوم ، .

م202: كل فعل ضار بالنفس من قتل أو جرح أو ضرب أو ای نوع آخر من انواع الايذاء يلزم بالتعويضات من أحدث الضرر

م204:: کل تعد يصيب الغير بأي ضرر آخر غير ماذكر في المواد السابقة يستوجب التعويض •

م 216: 1- لا ضرر ولا ضرار : والضرر لا يزال بمثله وليس للمظلوم أن يظلم بما ظلم •

2- فلو أتلف أحد مال غيره في مقابل اتلاف هذا اله كان كل منهما ضامنا للآخر مار تلف . ولو انخدع شخصی ناخذ دراهم زائفة من شخص آخر فليس له أن يصرفها إلى غيره .

 

وفي الفقرة الأولى من النص المقترح تتضح أن كان المسئولية التقصيرية وهي ثلاثة: الفعل الضار والضرر وعلاقة السببية بين الفعل والضرر، وهذه الأركان جميعها واجبة الاثبات . غير انه يلاحظ أن النص المقترح جاء فيه لفظ و فعل ، بدلا من لفظ و خطا ، الوارد في نص التقنين الحالي وهذا التغيير مقصود . و مقتضاه أن يتوزع عبء الانبات على عاتق الطرفين في الدعوی • حيث يكتفى من المضرور باثبات الفعل الذي ترتب عليه الضرر ، أي اثبات نسبة هذا الفعل الى المدعى عليه . ويبقى على هذا الأخير أن يقيم الدليل على أن الفعل المنسوب اليه مما يجوز له أن يأتيه شرعا ، فاذا نجح في هذا الاثبات اندفعت المسئولية عنه ، لأن الجواز الشرعي ينافی الضمان ، واذا لم ينجع نامت مسئوليته . وبذلك يتوزع عبء الاثبات بين الطرفين ، الأمر الذي يخفف عن الضرور به انبات خطأ يصعب اثباته في كثير من الحالات •

وقد يبدو لأول وهلة أن هذا التغيير لا ينطوي على أهمية له من الناحية العملية ، لا سيما اذا عرفنا أن ما يحصل عملا هو أن يبادر كل من الطرفين منذ البداية الى تقديم ما يراه من ادله الصالحه ، ولكن مع ذلك فان التطبيق العملي قد يسفر عن صور لم تخطر على البال ، فيكون من الأفضل تحديد عبء الانبات على هذا النحو  اذ أن لهذا التحديد أهميته لمعرفة من يكسب الدعوى ومن يخسرها ، فالذي لا يقع عليه عبء الاثبات لا يخسر الدعوى اذا أخفق في التدليل على ما يدعيه .

ويلاحظ في هذا الشأن أن الفقه الاسلامی عني بذكر تطبيقات عديدة اللقاعدة العامة فيما يتعلق بالفعل الضا : نتحدث عن اتلاف المال ، والنصب ، والأفعال الضارة التي تقع على النفس ، وقلده في ذلك التقنين العراقي والتقنين الأردني ، ولكنهما مع ذلك عادا الى تقرير القاعدة العامة كما هو واضح من النصوص السالفة الذكور '

وقد روى عدم الاغراق في التطبيقات والتفاصيل ، والاكتفاء بالقاعدة العامة على النحو الوارد في النص المقترح . فهذا أسلم من الناحية التشريعية ، وادعى الى ترك الباب مفتوحا امام الاجتهاد ، لا سيما وأن التطبيقات مهما كثرت لا يتصور أن تكون شاملة كل ما يدخل تحت القاعدة العامة .

وهناك مسألة يجب القاء الضوء عليها ، وهي علاقة السببية بين الخطأ والضرر ' فالمسئولية ، سواء كانت عقدية أو تقصيرية ، تقوم على ارکان ثلاثة في الخطا والضرر وعلاقة السببية بينهما . فلا يكفي القيام المسئولية أن يكون هناك خطا وضرر ، بل لا بد أن يكون الخطا هو السبب الذي أدى إلى وقوع الضرر . ومعرفة ما اذا كانت السببية قد قامت بين الخطأ والضرر أم لم تقم مسالة يدق النظر فيها حين تتعدد الأسباب التي أدت إلى وقوع الضرر ، ولذلك تعددت فيها النظريات سواء في فقه القانون الوضعي أو في الفقه الاسلامي ، ومن النظريات التي جاءت في الفقه الإسلامي أن المباشر ضامن وان لم يتعمد (م ۹۲ من المجلة ) ، والمتسبب لا يضمن الا بالتعمد (م۹۳ من المجلة ، واذا اجتمع المباشر والمتسببه يضاف الحكم الى المباشر (م 90 من المجلة) . وبها اخذ التقنين العراقي والتقنين الأردني والتقنين الكوینی " ولكنها ليست النظرية الوحيدة في الفقه الاسلامي والنص على نظرية معينة ليس عملا سليما من الناحية التشريعية ، حيث يحسن أن يترك الباب مفتوحا امام الاجتهاد ، وكما خضعت الفكرة التطور في فقه القانون الوضعي يحسن أن تترك كذلك للتطور في الفقه الاسلامي . .

لهذا رؤى عدم الاشارة في النص المقترح أو في غيره الى نظرية بعينها خصوص علاقة السببية بين الفعل الضار والضرر .

اما عن مسئولية عديم التمييز فقد روى في النص المقترح أن يؤخذ بما يقرره الفقه الاسلامی ، حيث تكون القاعدة هي مسئولية عديم التمييز عن الفعل الضار الذي يصدر منه ، فلا تكون مسئوليته على سبيل الاستثناء كما يقضى التقنين الحالي ، ووجه العدالة ظاهر في الحل المقترح والذي يأخذ به الفقه الاسلامی ، والاتجاه الان نحو التوسع في الحالات التي تقوم فيها المسئولية على أساس الضرر وليس على أساس الخطا . ولعل فيما عرضنا له من توزيع عب، اثبات الفعل الضاربين طرفي الدعوى ما يشير إلى الرغبة في أن نخطو خطوة في هذا الطريق ، ( انظرم 916 من المجلة )