مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثاني ، الصفحة : 527
مذكرة المشروع التمهيدي :
إذا كان الالتزام الواجب تنفيذه التزاماً بعمل، فينبغي التفريق بين حالة ضرورة قيام المدين نفسه بالوفاء، وحالة انتفاء هذه الضرورة، ففي الحالة الأولى يتعين على المدين أن يتولى أداء ما التزم به شخصياً كما إذا كان ممثلاً أو مغنياً أو مصوراً، فإن امتنع عن ذلك كان للدائن أن يلجأ إلى الغرامات التهديدية، أو التعويض النقدي، عند عدم اشتراط جزاء وفي الحالة الثانية يجوز للدائن أن يقتضى التنفيذ عيناً من غیر تدخل المدين بأن يستصدر إذناً من القاضى يخوله أن يتولى هذا التنفيذ على نفقة المدين (كإجراء إصلاحات عاجلة يلتزم المؤجر القيام بها مثلاً) بل يجوز التجاوز عن إذن القضاء عند الاستعجال.
إذا كان تنفيذ الالتزام يتطلب التدخل الشخصى من المدين كما إذا كان رساماً أو ممثلاً أو جراحاً ففى هذه الحالة لا يجوز القضاء بالتنفيذ العيني ليجبر المدين عليه فذلك يتعارض مع الحرية الشخصية ولا يكون للدائن فى حالة امتناع المدين إلا سلوك طريق التهديد المالي فيطلب إلى المحكمة إلزام المدين بغرامة تهديدية عن كل يوم تأخير أو عن كل إسبوع م 213 وللدائن أيضاً أن يطلب تعويضاً بسبب امتناع المدين عن تنفيذ التزامه، وقد يكون هذا التعويض متفقاً عليه مسبقاً بموجب شرط جزائى فتسرى أحكام المواد 223 – 225 مدنى .
فإن أصبح التنفيذ العيني للالتزام غير مجد، كما لوكان الميعاد المحدد للحفل أو لعرض اللوحات قد انقضى أو كان المريض قد توفي، فإن الالتزام ينفذ بطريق التعويض، ولا يجوز للمدين الاحتجاج بالتنفيذ الذى عرضه شخص آخر وذلك عملاً بالمادة 323 من القانون المدنى التى وضعت قيداً على الوفاء الصادر من غير المدين يتمثل فيما نصت عليه المادة 208 من ذات القانون. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الرابع، الصفحة/ 195)
ونرى من النصوص المتقدمة أن الالتزام بإنجاز عمل معين، من حيث تدخل المدين الشخصى فى تنفيذ الالتزام تنفيذاً عينياً، أنواع ثلاثة :
( 1 ) أن يكون الالتزام ممكن التنفيذ عينياً دون تدخل شخصى من المدين فى هذا التنفيذ، وهذا هو الأصل، وتنص عليه المادة 209 .
( 2 ) أن يكون الالتزام غير ممكن التنفيذ عيناً دون تدخل شخصى من المدين، وهذا استثناء يرد على الأصل من إحدى ناحيتيه، ناحية تعذر تنفيذ الالتزام، وتنص عليه المادة 208 .
( 3 ) أن تكون طبيعة الالتزام سمح بأن يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ العينى، وهذا استثناء يرد على الأصل من الناحية الأخرى، ناحية إمكان تنفيذ الالتزام، وتنص عليه المادة 210 .
والبت فيما إذا كان التنفيذ العيني للالتزام ممكناً دون تدخل المدين الشخصى موكول إلى الدائن، فهو الذى يرى ما إذا كان يكتفى بتنفيذ الالتزام على نفقة المدين دون تدخله.
فإذا قدر الدائن أن طبيعة الالتزام تسمح بأن يكون التنفيذ العينى كافياً حتى لو قام به غير المدين، وامتنع المدين من التنفيذ، استطاع الدائن أن يلجأ إلى القضاء ليطلب ترخيصاً فى تنفيذ الالتزام على نفقة المدين .
فإذا كان التنفيذ العينى لا يحتمل الإبطاء إلى أن يستصدر الحكم، كما هى الحال فى بعض صور الإصلاحات العاجلة بالعين المؤجرة، جاز للمستأجر دون أن يستصدر حكماً أن يعهد إلى مقاول يقوم بهذه الإصلاحات العاجلة – ويحسن أن يكون ذلك بعد إعذار المؤجر - ثم يرجع بنفقة هذه الإصلاحات على المؤجر بدعوى يرفعها عليه يطالبه فيها بذلك، وهنا يبسط القاضى رقابته ليتثبت من أن الظروف كانت تبرر هذا التصرف الاستثنائى.
وخلافاً للأصل المتقدم، قد يكون التنفيذ العينى للالتزام غير ممكن دون تدخل المدين الشخصي فى هذا التنفيذ . ويرجع ذلك إما إلى الاتفاق فيشترط الدائن على المدين أن يقوم بتنفيذ الالتزام بنفسه، وإما إلى طبيعة الالتزام ذاتها فهناك من الالتزامات ما تقتضى طبيعته أن يكون تنفيذه العينى على يد المدين شخصياً . مثل هذه الالتزامات الأخيرة أن يتعهد مغن أو ممثل بالغناء أو بالتمثيل فى حفلة فتنفيذ التزامه يقتضى أن يغنى أو يمثل هو بنفسه، أو أن يتعهد رسام برسم لوحة فنية، أو نحات بصنع تمثال، أو جراح معروف بإجراء عملية جراحية .
فإذا كان التنفيذ العيني للالتزام يقتضى تدخل المدين الشخصى على النحو المتقدم، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين نفسه، كما نصت على ذلك المادة 208.
وهناك نوع من الالتزامات بإنجاز عمل معين تسمح طبيعته أن يقوم حكم القاضي مقام تنفيذه العينى وقد نصت المادة 210 على هذا النوع من الالتزامات، فجعلت حكم القاضى فيه هو التنفيذ العينى وأكثر الأمثلة شيوعاً فى ذلك هو التزام البائع بالتصديق على إمضائه فى عقد البيع تمهيداً لتسجيل العقد فإن امتنع البائع عن تنفيذ التزامه، جاز للمشترى أن يطلب الحكم بإثبات صحة التوقيع، فيكون الحكم الصادر بذلك بمثابة تصديق على الإمضاء يمكن بعدة تسجيل عقد البيع . وإذا وقع نزاع فى صحة البيع نفسه، جاز الحكم بثبوت صحة البيع، ويكون هذا الحكم بمثابة عقد مصدق فيه على الإمضاء فيسجل . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثاني المجلد/ الثاني الصفحة/ 1036)
أياً كان مضمون الالتزام بعمل، أي سواء أكان التزاماً ببذل عناية أي التزاماً بوسيلة أم التزاماً بتحقيق نتيجة، فإن تنفيذ هذا الالتزام يستلزم صدور عمل إيجابي معين من جانب المدين. وطبيعي أنه لا يمكن جبر المدين على القيام بالعمل شخصياً، لأن في هذا مساساً بحريته، فضلاً عن أن مثل هذا الإجبار قد لا يكون مؤدياً إلى القيام بالعمل على الوجه المرغوب فيه.
فإذا نص الاتفاق أو استوجبت طبيعة الدين أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه كحالة الاتفاق مع طبيب معين أو فنان معين أو محام معين، وامتنع المدين عن القيام بالعمل المطلوب فإنه يجوز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين، إنما يستطيع الدائن أن يلجأ إلى الغرامات التهديدية، وهذه قد تفيد في حمل المدين على الوفاء كما سنرى. فإن أصر المدين على عدم الوفاء فلا سبيل للدائن إلا التنفيذ بطريق التعويض النقدي . (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الثالث، الصفحة/ 369)
والأصل أن يقوم المدين بنفسه بالعمل الذي التزم به، إلا إذا لم تكن هناك مصلحة للدائن في أن يقوم المدين نفسه بالعمل المتعهد به، فيجوز للمدين أن يكلف غيره القيام بهذا العمل أما إذا نص الاتفاق أو استوجبت طبيعة العمل المتعهد به أن يقوم به المدين نفسه، جاز للدائن أن يرفض قیام غیر المدین به.
وقد نصت المادة 208 مدني على أنه في الالتزام بعمل أذا نص الاتفاق أو استوجبت طبيعة الدين أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين.
تنفيذ الالتزام بعمل في التقنين المدني الحالی :
تنص المادة 209 مدني على أنه «في الالتزام بعمل، إذا لم يقم المدين بتنفيذ التزامه، جاز للدائن أن يطلب ترخيصاً من القضاء في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين إذا كان هذا التنفيذ ممكناً - ويجوز في حالة الاستعجال أن ينفذ الدائن الالتزام على نفقة المدين، دون ترخيص من القضاء».
هذا هو النص الرئيسي في شأن تنفيذ الالتزام بعمل، ويكمله نص المادتين 208 و 210، والأولى تقضي بأنه «في الالتزام بعمل، إذا نص الاتفاق أو استوجبت طبيعة الدين أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين ». والثانية تنص على أنه «في الالتزام بعمل يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ إذا سمحت بهذا طبيعة الالتزام».
ويبين من هذه النصوص أن المشرع يعتبر أن الأصل في الالتزام بعمل عند عدم وفاء المدين به - بالرغم من إعذاره - جواز تنفيذه تنفيذاً عينياً جبراً عن المدين وأنه رأى أن إكراه المدين على أن يقوم بنفسه بتنفيذ الالتزام رغم إرادته قد يكون غير منتج كما في إكراه مدرس أو فنان على التدريس أو على الرسم أو الغناء، أو يكون فيه حجر على حريته الشخصية كما في إكراه عامل على العمل في مصنع أو خادم على الخدمة في منزل، فآثر أن يكون التنفيذ العينى الجبري من طريق تكليف غير المدين انجاز العمل المتعهد به على نفقة المدين إذا كان تنفيذ ذلك العمل لا يزال ممكناً، وأجاز للدائن في الأمثلة المتقدمة أن يعهد بالقيام بالعمل المطلوب من المدين إلى مدرس أو رسام أو عامل أو خادم آخر على نفقة المدين، تحاشياً لإكراه المدين على أن يقوم رغم إرادته بالعيال الذي التزم به.
أما اذا صار تنفيذ العمل المتعهد به مستحلاً، كما في حالة هلاك العين التي التزم المدين بحفظها وفي حالة انقضاء ميعاد الاستئناف الذي تعهد المدين برفعه، فلا يكون ثمت محل لقهر المدين عليه، ولا يبقى الدائن إلا طلب الفسخ مع التعويض أو طلب التنفيذ بمقابل .
ويلاحظ أن نص المادة 209 إذ يجيز للدائن طلب تنفيذ الالتزام على نفقة المدين يوحي بأن للدائن في بعض الأحوال على الأقل طريقاً آخر للوصول إلى حقه، وهو يشير بذلك إلى الحالة المنصوص عليها في المادة 208 أي حيث ينص الاتفاق أو تستوجب طبيعة الدين أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه، كما اذا اشترط الموكل على المحامي أن يترافع هذا عدة بنفسه في قضية معينة أو يحضر عنه بنفسه في لجنة تحكيم أو اذا اتفق مع مغن أو موسيقار أو ممثل على إحياء حفلة معينة أو مع رسام أو مثال مشهور على رسم صورة أو نحت تمثال ففي هذه الأحوال التي يقتضي فيها تنفيذ الالتزام عيناً أن يقوم به المدين شخصياً لا تتحقق مصلحة الدائن كاملة من طريق الترخيص له بتكليف غير المدين بتنفيذ العمل المطلوب، فيكون له الخيار بين أن يطلب الضغط على إرادة المدين من طريق فرض غرامة تهديدية عليه كما سيجيء وبين طلب التنفيذ بمقابل أي أنه لا يتعين عليه طلب التنفيذ على نفقة المدين.
غير أن هذا الخيار لا يكون للدائن إلا في الأحوال المنصوص عليها في المادة 208، أما فيما عدا ذلك فيجبر الدائن على قبول التنفيذ على نفقة المدين إذا عرض الأخير ذلك، أذ يؤخذ بطريق مفهوم المخالفة من نص المادة 208 أن الأصل أن الدائن لا يجوز له رفض الوفاء من غير المدين ولا سيما إذا كان ذلك الغير مكلفاً من المدين بالوفاء فاذا طلب الدائن في هذه الحالات الأخيرة الفسخ أو التنفيذ بمقابل وعرض الدين الترخيص للدائن بتنفيذ الالتزام على نفقته، جاز للمحكمة رفض طلبات الدائن، بل نرى أنه يجوز لها رفض طلبات الدائن ولو لم يعرض المدين ذلك لأن لها سلطة تقديرية فيما يتعلق بطلب الفسخ ولأن شرط استحقاق التنفيذ بمقابل أن يكون التنفيذ العيني قد صار مستحيلاً، والفرض أنه لم يصر كذلك ما دام ممكناً القيام به على نفقة المدين، ولا يجوز من باب أولى الاستجابة لطلب الدائن التنفيذ بمقابل متى قام المدين بتنفيذ الالتزام بنفسه.
أما اذا طلب الدائن الترخيص له في تنفيذ الالتزام على نفقة المدين، وكان ذلك التنفيذ ممكناً، تعين على المحكمة أن ترخص له فيه، وقد أجاز القانون للدائن في حالة الاستعجال أن ينفذ الالتزام على نفقة المدين دون ترخيص من القضاء غير أن هذه الإجازة تعتبر رخصة للدائن، له أن يستعملها أو ألا يستعملها، ولا يصح أن يغلب عليه عدم استعمالها والتجاؤه مثلاً إلى الامتناع عن تنفيذ التزاماته استناداً إلى عدم وفاء المدين التزاماته المقابلة.
وهناك أحوال يستطيع فيها الدائن الوصول إلى النتيجة التي يبتغيها من تنفيذ الالتزام دون حاجة إلى إكراه المدين على القيام بالعمل المتعهد به أو تكليف غيره بتنفيذه على نفقته، وهي التي قررت في شأنها المادة 210 مدني أن يقوم حكم القاضي مقام التنفيذ اذا سمحت بهذا طبيعة الالتزام، ومثل ذلك التزام البائع بتوقيع عقد صالح للشهر أمام موثق العقود، فيجوز للمشتري أن يستصدر حكماً بثبوت التعاقد، فيقوم هذا الحكم مقام تنفيذ البائع التزامه بالتوقيع، فيجوز تسجيله وتنتقل به ملكية المبيع إلى المشتري (69 مكرر) . (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 68)
المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية
( مادة ۲۲۲)
في الالتزام بعمل ، اذا نص الاتفاق او استوجبت طبيعة الدين أن ينفذ المدين الالتزام بنفسه ، جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غير المدين.
هذه المادة تطابق المادة ۲۰۸ من التقنين الحالي .
و تطابق المادة 249 من التقنين العراقي
و تطابق في حكمها الفقرة الأولى من المادة 356 من التقنين الأردنی التي تنص على أنه « اذا كان موضوع الحق عملاً واستوجبت طبیعته أو نص الاتفاق على أن يقوم المدين به بشحضه جاز للدائن أن يرفض الوفاء من غيره.