موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،
هذه المادة تقابل المادة 83 من القانون الحالي وقد أضيف بالنص المقترح إلى الأفعال الجنائية التي تحكمها المادة المذكورة فعل جنائي آخر تتمثل صورته في الإتلاف أو الاختلاس أو التزوير أو الإخفاء الذي يقع عمدا على مستند من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها إذا رؤى تسوية هذا الفعل من تلك الأفعال بإعتباره شريكاً في الجريمة الأصلية دون الحاجة إلى إلتزام قواعد القانون العام المتعلقة بالإشتراك في الجرائم بالنظر إلى ما تتسم به الجرائم المنصوص عليها في هذا الباب من أهمية وخطر وقد أجيز للمحكمة أن تقضى بالإعفاء من العقاب المقرر بالمادة المقترحة لصلة القربي أو المصاهرة حتى الدرجة الرابعة إذا وجدت من ظروف الدعوى ما تبرر الإعفاء.
ملحوظة 1: بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021، والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ.
ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.
(مركز الراية للدراسات القانونية)
الاشتراك :
من الثابت أنه إذا تحققت صورة الإشتراك في الجرائم المضرة بأمن الدولة من جهة الخارج، فإن الشريك يعاقب بالعقوبة المقررة للفاعل (المادة 41 عقوبات).
بمعنى أنه يجب أن يحصل من الشريك (تحريض) أو (إتفاق) أو (مساعدة) في إرتكاب إحدى هذه الجرائم، فتقع الجريمة إما تامة أو في حالة شروع، بناءاً على التحريض أو الإتفاق أو المساعدة التي حصلت (المادة40 عقوبات).
وقد خشي المشرع أن تتخلف ثغرات عن تطبيق القواعد العامة في الإشتراك فيفلت بعض الأشخاص من العقاب، على الرغم من دورهم في إعانة الجاني، أو تسهيل الجريمة، أو تضييع أدلتها، ولذلك نص في المادة (82) عقوبات على حالات خاصة للاشتراك يؤاخذ بمقتضاها في جرائم هذا الباب من يعلم بنوايا الجاني ويقدم له مالاً أو سكناً أو غير ذلك، ومن يخفي أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال في الجريمة، كذلك من يتلف أو يختلس أو يخفي أو يزور مستنداً من شأنه تسهيل کشف الجريمة أو أدلتها.
والعلة في معاقبة من يرتكب فعلاً من تلك الأفعال بإعتباره شريكاً في الجريمة الأصلية، دون حاجة إلى إلتزام قواعد القانون العام المتعلقة بالإشتراك، ترجع إلى ما تتسم به جرائم أمن الدولة الخارجي من أهمية وخطر، مما اقتضى تجريم إعانة الجاني أو تعويق الإثبات.
أما حالات الإشتراك أو صوره الخاصة وفقاً للمادة (82) عقوبات فهي ثلاثة :
الصورة الأولى :
بينتها الفقرة الأولى من المادة (82) عقوبات، وتنص على أنه يعد شريكا في جرائم هذا الباب "كل من كان عالماً بنيات الجاني وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو للسكن أو مأوى أو مكاناً للإجتماع أو غير ذلك من التسهيلات، وكذلك كل من حمل رسائله أو سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه".
وهذه الفقرة تتطلب لإنطباقها شروطاً ثلاثة :
الأول: أن يوجد شخص أو أكثر " انتوي" إرتكاب إحدى جرائم الأمن الخارجي للدولة.
فلا يشترط إذن وقوع الجريمة تامة أو شروعا فيها، وإنما يكفي أن يكون لدى الشخص أو الأشخاص نية إرتكاب الجريمة .
بعبارة أكثر وضوحاً : فان النص ينطبق إذا وقعت الجريمة، أو إذا لم تكن قد وقعت وكان لدى الشخص نية إرتكابها.
ومن البديهي أنه إذا كانت المعاونة قدمت لمؤازرة الجاني وتأييده في أغراضه الإجرامية، ثم وقعت الجريمة بناء عليها، فان ذلك يعد إشتراكاً في نفس الوقت تطبيقاً للقواعد العامة، لكن المادة 82 في فقراتها الثلاث" تخرج على قواعد الاشتراك العامة في حالتي عدم وقوع الجريمة على الإطلاق وعند وقوع الأفعال المذكورة فيها لاحقاً على الجريمة الأصلية، فإن الاشتراك لا يكون إلا في فعل معاقب عليه، ولا تعتبر المساعدة أو المعاونة اللاحقة على إتمام الجريمة من وسائله وفقاً للمادة (40) عقوبات، وبالتالي فإنه لم يكن بالإمكان إعتبار هاتين الحالتين من قبيل الإشتراك لولا وجود نص.
والثاني: أن يقدم الشخص إلى من انتوی إرتكاب إحدى هذه الجرائم إعانة مالية أو وسيلة للتعيش، أو للسكن، أو مأوى أو مكاناً للإجتماع بغيره من أعوانه، أو أي تسهيل آخر، مثل تقديم الملابس أو الأدوات.
ولا يشترط أن تتعدد الإعانات المالية أو أن تكون ذات شأن، ولا أن تقدم عدة أمكنة للسكن أو الإجتماع أو الإيواء، فالسائد أن مرة واحدة تكفي في تقديم الإعانة أو مكان الإجتماع، كما يكفي أن تقدم غرفة للإيواء ليلة واحدة، لأن هذه الجريمة ليست من جرائم الإعتياد.
وقد تناول النص، فضلاً عما تقدم، كل من حمل رسائل الجاني أو من سهل له البحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه.
ويراد بحمل الرسائل حفظها أو نقلها، سواء أكانت صادرة من الجاني أو موجهة إليه، وليس من اللازم أن تكون هذه الرسائل متعلقة بالجريمة، فالنص ينطبق ولو كانت متعلقة بالشئون الصحية للجاني، وتسهيل البحث عن موضوع الجريمة يعني المعاونة في تذليل العقبات التي تقف دون الوصول إليها.
ويقصد بتسهيل "إخفاء" موضوع الجريمة، حيازته إذا كان له کیان مادي ملموس، أو جعل الغير يحوزه، أو إرشاد الجاني إلى موضع يخفيه فيه.
أما تسهيل "تقل" موضوعها أو "إبلاغه" فيراد به تيسير نقله من مكان إلى آخر، أو إحاطة الآخرين علماً به، أيا ما كانت الوسيلة المتبعة في ذلك.
فقد يسهل له نقله في عربة أو طائرة أو باخرة، بنفسه أو بواسطة غيره، وقد يسهل له إبلاغه بخطاب يكتبه، وقد يحصل تسهيل النقل والإبلاغ معاً عن طريق البرق أو اللاسلكي.
ومن البديهي أن إرتكاب أحد الأفعال المتقدمة يكفي لانطباق النص، وأنه يجب أن يكون الفعل "إرادياً"، فإذا كان قيام الشخص به نتيجة إكراه مادي أو معنوي فانه لا يصح مساءلته.
والثالث: هو توفر القصد لدي مقدم المعونة أو المأوى.... أو من يجمل رسائل الجاني، أو يسهل له نقل موضوع الجريمة أو إخفائه أو إبلاغه، وذلك بأن يكون عالماً بالجريمة الأصلية التي يعدها الجاني، أي عالماً بقصده إرتكابها، وهذا ما عبر عنه النص بقوله "كل من كان عالماً بنيات الجاني".
وليس من الضروري أن يكون عالماً بوقوعها إذا كانت قد وقعت، فالقدر الأدنى في الجانب المادي هو أن يوجد شخص يعد لإرتكاب إحدى جرائم هذا الباب وأن يعاونه المتهم بأحد الأفعال المذكورة في النص، ويكفي إذن في الجانب المعنوي أن يكون مقدم العون أو ما إليه "عالم" بإعداد الشخص للجريمة، أي بقصده أو عزمه على مقارفتها، حتى ولو كانت الجريمة عند تقديم العون أو ما إليه قد وقعت فعلاً دون علمه. فإذا توفر العلم بإرتكاب الجاني للجريمة، عند مقارفة أحد الأفعال السابقة، فان ذلك يعني بدون شك توفر القصد وتحقق الإشتراك.
الصورة الثانية :
بينت الفقرة الثانية من المادة (82) عقوبات أنه يعتبر شريكا في جرائم أمن الدولة الخارجي "كل من أخفي أشياء استعملت أو أعدت للإستعمال في إرتكاب الجريمة، أو تحصلت منه، وهو عالم بذلك".
وهذه الفقرة تتضمن حالة إخفاء الأشياء، وتطبيقها لازم سواء وقعت الجريمة الأصلية وكانت الأشياء التي أخفيت قد استعملت فيها، أو تحصلت منها، أم لم تقع وكانت الأشياء قد أعدت للإستعمال.
لكن ذلك يتطلب وجود عناصر ثلاثة :
الأول فعل الإخفاء، الثاني أن يكون محل الإخفاء شيئا مما جاء في النص، الثالث القصد الجنائي .
فعل الإخفاء :
يتحقق فعل الإخفاء بتسلم الجاني الشيء وجعله في حيازته، فلا بد فيه من فعل إيجابي، أو إتصال فعلي بالشيء ، مهما كان سببه أو غرضه أو ظروف زمانه أو مكانه، ما دام الجاني قد أدخل به الشيء في حيازته.
موضوع الإخفاء :
يجب أن يقع الإخفاء على شيء أستعمل، أو أعد للاستعمال في إحدى جرائم هذا الباب، أو على شيء تحصل منها.
القصد الجنائي :
يجب أن يكون المخفي" عالماً بأنه يحوز أشياء معدة للاستعمال، أو سبق استعمالها في ارتكاب إحدى جرائم الأمن الخارجي أو أنها قد تحصلت منها. وليس من الضروري أن يحيط علمه بمكان الجريمة وكيفية إرتكابها، والعلم على هذا النحو كاف دون اعتداد بالباعث. وإنما يلاحظ أيضا أنه قد يتأتي أن يعلم الشخص بالواقع بعد دخول الشيء في حيازته، فإن استمر حائزاً له بعد علمه بأنه معد للإستعمال أو تحصل عن إحدى هذه الجرائم، فان القصد الجنائي يوجد ويتعاصر مع فعل الإخفاء المستمر، ومن ثم تترتب مساءلة الجاني.
الصورة الثالثة :
نصت المادة (82) فقرة ثالثة عقوبات على أنه يعتبر شريكاً في جرائم هذا الباب "كل من التلف أو اختلس أو أخفي أو غير عمداً مستندة من شأنه تسهیل کشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها"، وهذه الفقرة مستحدثة في القانون رقم 112 لسنة 1957.
وقد أريد بتناول هذه الأفعال صيانة المستندات التي تيسر کشف جرائم الأمن الخارجي أو عقاب مرتكبيها.
ويلزم لتحقق الإشتراك في الجريمة الأصلية وفقاً لهذا النص أن توجد شوط ثلاثة:
الأول: وقوع فعل من الأفعال المذكورة، وهي الإتلاف أو الاختلاس أو الإخفاء أو التغيير.
الثاني: أن يكون محل الفعل مستندة من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها.
الثالث: القصد الجنائي.
الأفعال المادية :
تناول المشرع أفعالاً أربعة كل منها على حده يكفي لانطباق النص وهذه الأفعال هي :
الإتلاف: ويراد به إعدام ذاتية المحرر بأي وسيلة، فقد يتم ذلك بتمزيقه كله بحيث لا يمكن الإستفادة منه أو بإحراقه، أو بإلقائه في الماء، أو بمحوه كله بمادة كيميائية.
الإختلاس: هو سلب حيازة المستند بعنصريها المادي والمعنوي بنية تملكه والإختصاص به دون رضاء صاحبه أو حائزه السابق.
الإخفاء: وهو إدخال الجاني الشيء في حيازته بفعل إيجابي، سواء أكان بنية تملكه، أم على سبيل الوديعة، بل أن الإخفاء يمتد إلى نقل الشيء من موضعه إلى موضع آخر حتى لا يمكن ضبطه أو العثور عليه عند البحث عنه.
محل الأفعال :
يجب أن يقع أحد هذه الأفعال على مستند، أي على محرر به كتابة بأية لغة، أو به رسوم أو صور أو خرائط، ويكون من شأنه تسهیل کشف إحدى جرائم الأمن الخارجي وأدلتها أو عقاب مرتكبيها.
القصد الجنائي :
وهي علم أحد مرتكب أحد هذه الأفعال بأن فعله الإرادي يتعلق بمستند من شأنه تسهیل کشف جريمة مما يخل بالأمن الخارجي للدولة، أو عقاب الجناة فيها، ولا عبرة بعد ذلك بباعثه على الفعل أو غاياته منه.
وقد اعتقد البعض أنه لابد في "التغيير" من أن تكون غاية الجاني إستعمال المحرر فيما زور من أجله، وانه يجب أن يتضمن نشاط المتهم الذهني هذه الغاية، ولكن المفهوم أن النص يتناول " التغيير" في هذا المجال بأي أسلوب وقع، باعتباره يؤدي إلى نفس نتيجة الإتلاف أو الإخفاء، وهي تضييع أدلة الجريمة، و من ثم يكفي حصوله مع علم الجاني بأنه يغير الحقيقة في مستند من شأنه أن يحقق الأغراض التي تحدث عنها النص، ولم تكن غاية الجاني إستعمال المستند، فقد تكون غايته على العكس منع إستعماله وهو الغالب.
الإعفاء من العقوبة في الصور الثلاث :
نصت الفقرة الأخيرة من المادة (82) عقوبات على أنه يجوز للمحكمة في هذه الأحوال أن تعفي من العقوبات أقارب الجاني وأصهاره إلى الدرجة الرابعة إذا لم يكونوا معاقبين بنص آخر في القانون.
والإعفاء الوارد بهذه الفقرة جوازي، أي متروك لتقدير المحكمة، ولكنها لا تستطيع أن تقرره إلا بشرطين :
الأول: أن يكون المتهم أحد الأشخاص الذين ذكرهم النص، وهم أقارب الجاني وإصهاره إلى الدرجة الرابعة.
والثاني: ألا يكون المتهم معاقباً بنص آخر في القانون، لأن أفعاله قد تصل إلى حد الإشتراك وفقاً للقواعد العامة، أو قد تنطوي على جريمة أخرى، وعندئذ يتعين توقيع العقاب الذي يستأهله تبعاً للظروف.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 110)
وإذا تأملنا نماذج السلوك المنصوص عليها بالمادة 82 والتي يعتبر الشخص فيها شريكاً في جرائم أمن الدولة من جهة الخارج فسوف نجد أن المشرع خرج عن القواعد العامة سالفة الذكر.
ففي النموذج الأول :
نجد أنه يعتبر شريكاً كل من كان عالما بنيات الجاني وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو للسكني أو مأوى أو مكاناً للإجتماع أو غير ذلك من التسهيلات ، وكذلك كل من حمل رسائله أو سهل له ابحث عن موضوع الجريمة أو إخفائه أو نقله أو إبلاغه.
والفرض في كل صور السلوك المنصوص عليها في النموذج الأول أنها مساعدات أو تسهيلات لا ترتبط بوقوع الجريمة برابطة سببية مادية، وإلا لاعتبر مرتكبها شريكاً وفقاً للقواعد العامة دون ما حاجة إلى نص خاص، وحتى لو أمكن إستخلاص رابطة السببية عن القواعد العامة أيضاً لأنها يكتفي لتوافر الإشتراك في هذه الجرائم بالعلم بنيات الفاعل الأصلي الجاني ودون أن يستلزم إتجاه الإرادة إلى تحقيق الجريمة عن طريق سلوك الفاعل الأصلي.
وبعبارة أخرى فإن المشرع يقيم الركن المعنوي للإشتراك في الأحوال السابقة على عنصر العلم فقط دون الإرادة على عكس ما هو مقرر بالقواعد العامة للإشتراك.
وهنا تبرز أهمية نص المادة 82 عقوبات ، إذ لولاه لما أمكن معاقبة الجاني في الفروض السابقة بوصفه شريكاً في الجريمة، ولاقتضى الأمر تجريم هذه الأفعال بنص خاص، وكان هذا فعلا مسلك المشرع قبل القانون رقم 112 لسنة 1957 والذي أتى بالنص الحالي. .
أما النموذج الثانی :
فهو للسلوك الذي يعتبر مرتكبه شريكاً في جرائم أمن الدولة من جهة الخارج فيشمل كل من أخفي أشياء أستعملت أو أعدت للإستعمال في ارتكاب الجريمة أو تحصلت منها وهو عالم بذلك.
فالإخفاء السابق أو اللاحق على ارتكاب الجريمة لأشياء استعملت أو أعدت للإستعمال في الجريمة يعتبر صاحبه شريكاً في الجريمة. ولا خلاف في أن الإخفاء اللاحق على إرتكاب الجريمة للأشياء المذكورة لا يعد مرتكبه شريكاً بإعتبار أن ذلك ضرب من ضروب المساعدة اللاحقة - والتي تفترض علاقة السببية بينها وبين الجريمة وبالتالي لا سبيل لعقاب الجاني إلا تحت وصف جريمة مستقلة وليس بوصفه شريكاً .
وهذا فعلاً ما تعاقب عليه المادة 44 مكرراً من قانون العقوبات حيث نصت على أن «كل من أخفي أشياء مسروقة أو متحصلة من جناية أو جنحة مع عمله بذلك يعاقب بالحبس مع الشغل مدة لا تزيد على سنتين ، وإذا كان الجاني يعلم أن الأشياء التي يخفيها متحصلة من جريمة عقوبتها أشد ، حكم عليه بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة.
ولذلك يبدو للوهلة الأولى أن المشرع لم يكن بحاجة للنص على ه ذه الصورة في المادة 82 بوصف مرتكبها شريكاً ما دامت المادة 44 مكرراً فقرة ثانية تعاقب المخفي الذي يعلم بأن الأشياء موضوع الإخفاء متحصلة من جريمة أشد بالعقوبة المقررة لتلك الجريمة .
غير أن قيمة نص المادة 2/ 82 تبدو في حالة الإخفاء اللاحق لأشياء أعدت للإستعمال ولم تستعمل فعلاً في إرتكاب الجريمة إذ في هذه الحالة لا مجال لأعمال المادة 44 مكرراً ، ومن ثم جاءت المادة 2/ 82 لسد هذا النقص تأكيداً لفاعلية الحماية الجنائية في هذه الجرائم.
وتبدو أهمية نص المادة 2/ 82 عقوبات في حالة الإخفاء السابق علی إرتكاب الجريمة لأشياء أعدت للإستعمال في إرتكابها والفرض هنا أن الجريمة وقعت دون الإستعانة بالأشياء موضوع الإخفاء أو أن الجريمة لم تقع وإنما وقعت جريمة أخرى تقوم على الأعمال التحضيرية كللتحريض غير المتبوع بأثر أو الإتفاق الجنائي.
وسواء وقعت الجريمة دون الإستعانة بالأدوات موضوع الإخفاء أو لم تقع ، فإن قواعد الإشتراك العامة لا تسمح بإعتبار المخفي شريكاً لإنعدام رابطة السببية من ناحية ولتخلف إرادة تحقيق الجريمة بالنسبة للشريك.
ومن هنا تبرز قيمة نص المادة 2/ 82 في إعتبار المخفي شريكاً في الجريمة التي وقعت سواء أكانت الجريمة التي أعدت فعلاً الأشياء للاستعمال أم كانت جريمة تشكل المرحلة الأولى من مراحل التدرج الإجرامي، فمن يخفي اشياء معدة للإستعمال في إرتكاب جريمة تخابر.
وكان هناك إتفاق جنائي بين عدة أشخاص موضوعه هذه الجريمة ، فالمخفي يعتبر شريكاً في جريمة الإتفاق ولو لم تتجه إرادته إلى ذلك ، وإنما استناداً إلى نص المادة 2/ 82.
وفي النموذج الثالث :
فهو يعتبر شريكاً كل من أتلف أو اختلس أو أخفي أو غير عمداً مستند من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها، وواضح هنا أيضا أن تلك الأفعال لا يمكن أن تخضع مرتكبها لقواعد الإشتراك العامة، ذلك أن إخفاء أو إتلاف أو إختلاس أدلة الجريمة يفترض وقوع الجريمة فعلاً وبالتالي لا يمكن مسألة الجاني بوصفه شريكاً لإنتفاء علاقة السببية المادية المتطلبة في أفعال الإشتراك .
إلا أن المشرع اعتبر تلك الأفعال نوعاً من المساعدة اللاحقة التي تأخذ حكم الإشتراك وعاقب عليها بهذا الوصف بدلاً من العقاب عليها تحت وصت جريمة مستقلة.
ويلاحظ أن قيمة النموذج الأخير من نماذج الاشتراك تبدو في شموله الأفعال الاختلاس والإتلاف والتغيير للمستندات التي تسهل كشف الجريمة وأدلتها وعقاب مرتكبيها، أما فعل الإخفاء للمستند وقيمته فقط في الحالات التي لا يكون فيها المستند متحصلاً من الجريمة أو استعمل أو أعد للإستعمال في إرتكابها، إذ في غير هذه الحالة الأخيرة يعتبر الإخفاء من وسائل الإشتراك في جرائم أمن الدولة الخارجي بالتطبيق للفقرة الثانية من المادة 82 وليس بالتطبيق لفقرتها الثالثة. .
وإذا كان المشرع يعتبر الشخص شريكاً في الجريمة إذا ما حقق بسلوكه فعلاً يندرج تحت نموذج من النماذج الثلاثة السابقة ، فإن ذلك يتطلب توافر الركن المعنوي العادي وأن لم يتطلب الركن المعنوي للإشتراك، بمعنى أنه يلزم توافر العلم بجواهر السلوك والموضوع المادي له بمواصفاته المنصوص عليها.
ففي النموذج الأول يجب أن يكون الشخص عالماً بنيات الجانى" أي بما ينوي ارتكابه حتى ولو لم تكن تفصيلات إرتكابه الجريمة معلومة، ولكن يلزم العلم بنوع الجريمة التي ينوي إرتكابها ، أو إرتكبها فعلاً ، وفضلا عن ذلك يلزم توافر الإرادة المصاحبة للسلوك الذي به يعتبر الشخص شريكاً ، أي يريد تحقيق هذا السلوك مع عمله بظروف الجاني أو قصده.
وفي النموذج الثاني يلزم العلم بأن الأشياء موضوع الإخفاء استعملت أو أعدت للإستعمال في إرتكاب الجريمة أو تحصلت منها، وهذا يتطلب العلم بنوع الجريمة ذاتها ، هذا بالإضافة إلى توافر الإرادة فى فعل الإخفاء.
وفي النموذج الثالث يلزم العلم بأن المستند موضوع الإخفاء أو الإتلاف أو الإختلاس أو التغيير من شأنه تسهيل كشف الجريمة وأدلتها أو إدانة مرتكبها، وبالإضافة إلى ذلك يلزم توافر الإرادة المتجهة إلى فعل الإتلاف أو الإختلاس أو الإخفاء أو التغيير.
ويلاحظ على نص المادة 82 بفقراتها الثلاث أنها لا تستبعد تطبيق وقواعد الإشتراك المنصوص عليها بالمادة 40 من قانون العقوبات، بل أن توافر شروط الإشتراك المقررة بالمادة 40 عقوبات يستبعد تطبيق المادة 82 بفقراتها الثلاث، بمعنى أن هذه المادة الأخيرة بفقراتها الثلاث لا تطبق إلا حيث لا يمكن إعتبار الشخص شريكاً وفقاً للقواعد العامة المنصوص عليها في المادة 40 سالفة الذكر.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 48)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 164.
(مادة 307)
يعاقب بوصفه شريكاً في الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل:
(أ) من كان عالما بقصد الجاني، وقدم إليه إعانة أو وسيلة للتعيش أو السكني أو مأوى أو مكاناً للاجتماع ، أو غير ذلك من التسهيلات ، وكذلك كل من حمل رسائله، أو سهل إخفاءه أو نقله أو تخليصه من الجريمة.
(ب) من أخفى أشياء استعملت أو أعدت للاستعمال في ارتكاب الجريمة، أو تحصلت منها، وهو عالم بذلك.
(جـ) من أتلف أو اختلس أو أخفى أو غير عمداً مستنداً من شأنه تسهیل کشف الجريمة وأدلتها أو عقاب مرتكبيها.
ولا يسري حكم هذه المادة على زوج الجاني وأصوله وفروعه.
ويجوز للمحكمة أن تعفي من العقوبة أقارب الجاني وأصهاره إلى الدرجة الرابعة، ما لم يكونوا معاقبين بنص آخر.