loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1-إذا أثبت الحكم على المتهمين أنهما كان يضطلعان بنقل معلومات و بيانات هى بطبيعتها و فى الظروف التى أبلغت فيها من أسرار الدفاع الحقيقية لا الحكمية فإن الإستناد إلى قرار مجلس الوزراء الصادر فى 12 يوليه سنة 1951 الذى بين طائفة من الأسرار الحكمية المشار إليها فى المادة 85 من قانون العقوبات لا يكون له محل .

(الطعن رقم 1519 لسنة 27 جلسة 1958/05/13 س 9 ع 2 ص 505 ق 135)

شرح خبراء القانون

ملحوظة 1: بموجب قانون حالة الطوارئ رقم 162 لسنة 1958، وقرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 بمد حالة الطوارئ المعلنة بقرار رئيس الجمهورية رقم 174 لسنة 2021 في جميع أنحاء البلاد لمدة ثلاثة أشهر تبدأ من 24 /7 /2021، وبتفويض رئيس مجلس الوزراء في اختصاصات رئيس الجمهورية المنصوص عليها في القانون المشار إليه، فقد صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1664 لسنة 2021 المنشور في الجريدة الرسمية، العدد 28 (مكرر) في 18 يوليو 2021، والذي تضمن إحالة الجريمة موضوع هذا النص إلى محاكم أمن الدولة طوارئ، وذلك خلال فترة سريان قرار رئيس الجمهورية بمد حالة الطوارئ.

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

تناول المشرع بعبارات عامة واسعة المدلول أربعة أقسام لأسرار الدفاع هي :

أولاً : المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية التي بحكم طبيعتها لا يعلمها إلا الأشخاص الذين لهم صفة في ذلك، ويجب مراعاة المصلحة الدفاع عن البلاد أن تبقى سراً على من عدا هؤلاء الأشخاص.

وهذه المعلومات كلها من الأسرار الحقيقية وهي التي تعد بطبيعتها كذلك.

وهي تحيط في الواقع بكافة الشئون التي تتألف منها قوة الدولة.

(1) ويقصد بالمعلومات الحربية: الحقائق أو الأنباء التي تعد بطبيعتها من أسرار القوات العسكرية، نظامية كانت أم احتياطية، فيدخل في ذلك ما يتعلق بحجم هذه القوات، وما يتعلق بحقيقة استعدادها ومداه.

(2) والمعلومات السياسية: هي التي تتعلق بقرارات الحكومة في شئون السياسة الخارجية أو الداخلية، مما يتصل بالدفاع عن البلاد، من ذلك موقف الجمهورية إزاء بعض الأحداث التي تجري في الدول الأخرى.

(3) والمعلومات الإقتصادية : تعبير يتسع للحقائق والأخبار المتعلقة بكافة نواحي الإنتاج المختلفة التي تخدم شئون الدفاع.

ثانياً : الأشياء والمكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور وغيرها من الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع عن البلاد ألا يعلم بها إلا من يناط بهم حفظها أو استعمالها والتي يجب أن تبقى سرأ على من عداهم خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة".

وهذا النوع من الأشياء والوثائق وغيرها خاص بالأسرار "الحكمية" بمعنى أن القانون قد اعتبرها من الأسرار، وحظر العلم بها إلا على من يقومون على حفظها أو استعمالها دون غيرهم، خشية أن يؤدي إلى إفشاء أسرار بطبيعتها، مما ينبه القانون في النوع الأول كالمعلومات الحربية أو الصناعية أو السياسية المتعلقة بالدفاع عن البلاد. فعبارة "خشية أن تؤدي إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة" ليست إذن فقرة لا لزوم لها كما يعتقد البعض.

ثالثاً : الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها، وبصفة عامة كل ما له مساس بالشئون العسكرية والاستراتيجية ولم يكن قد صدر إذن كتابي من القيادة العامة ينشره أو إذاعته".

وليس من شك في أن ما ذكرته هذه الفقرة من أنواع أسرار الدقاع قد جاء على سبيل المثال لا الحصر، فهي تعني كل ما يمس بالشئون العسكرية والاستراتيجية وكلها أخبار أو معلومات تتصل بطبيعتها بتنظيم وسائل الدفاع عن البلاد.

وقد تدعو المصلحة إلى إذاعة بعض هذه الأخبار والمعلومات، أو السماح بنشرها، ولذلك ذكر النص صراحة أنها تبقى على أصلها بإعتبارها سراً، ما لم يكن قد صدر إذن كتابي بنشرها أو إذاعتها من القيادة العامة للقوات المسلحة.

رابعاً : نصت المادة (85) عقوبات على أنه: يعد من أسرار الدفاع "الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ لكشف الجرائم.

وعلة إلحاق هذه الأخبار والمعلومات بأسرار الدفاع أن لجرائم الأمن الخارجي خطورة معينة، فهي إعتداء على شخصية الدولة وكيانها، وفي إفشاء المعلومات المتعلقة بهذه الجرائم، أو نقلها، مما يفيد منه الجناة أو بعضهم إلى الفرار من وجه القضاء، أو العمل على تضييع الأدلة، أو إفسادها، ولذلك رأى المشرع أن يكون الأصل في إخبار تدابير الكشف عن هذه الجرائم أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها أنها من أسرار الدفاع عن البلاد الحصر نطاق هذه الجرائم وعدم إفلات الجناة فيها من القصاص.

وهذا النص يتناول ثلاثة أنواع من الأخبار والمعلومات، يعد كل منها أسرار الدفاع القومي، وهي :

(أ) المعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات التي تتخذ للكشف عن جرائم الأمن الخارجي، والتوصل إلى الجناة فيها من فاعلين وشركاء، ومن ذلك جميع الإستدلالات بمعرفة الشرطة أو رجال المخابرات والتحقيق الإداري الذي يسبق تحريك الدعوى.

(ب) المعلومات أو الأخبار المتعلقة بالتحقيق" في إحدى جرائم الأمن الخارجي، كما هو الشأن في المعلومات المتصلة بتحريك الدعوى، والأمر بالقبض على أحد الجناة، أو التفتيش لشخصه أو مسكنه، والمعلومات المتعلقة بإستجواب المتهمين أو أقوال الشهود في أثناء التحقيق، وإجراءات المعاينة والمواجهة.

(ج) المعلومات المتعلقة بالمحاكمة في إحدى جرائم الأمن الخارجي، بما في ذلك المرافعات والتحقيق النهائي.

ومع ذلك فقد أجاز النص المحكمة التي تتولى المحاكمة أن تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها، أي أن المشرع قدر رعاية لمقتضيات الصالح العام أن يمكن المحكمة، وهي أحرص من غيرها على تبين مصلحة الدولة ورعاية أسرار أمنها الخارجي، من أن تسمح بإذاعة ما يدور في الجلسات، أو بنشر قرار الإتهام، إذ أن لذلك فائدة في الإشعار بخطورة ما اقترفه الجناة وفي إظهار عدالة المحاكمة.

ولم يتضمن نص المادة  4/85 حظر نشر الحكم، وهذا يعني أن الأصل جواز إذاعته أو نشره، خاصة وأن تداوله حق للخصوم والمحامين وكل ذي شأن، إلا أنه إذا رأت المحكمة لإعتبارات تتعلق بأمن الدولة أن تمنع نشره فإنه يعد حينئذ من الأسرار الداخلة في نطاق النص.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة :133)

وما نصت عليه المادة 85 عقوبات المذكورة ورد جامعاً مانعاً لكل ما يمكن أن يكون سراً للدفاع، وقد كانت تمیز قديما بين ما يعد سراً حقيقياً وما يعد سراً حكمياً، فجاء القانون رقم 112 لسنة 1975 وأزال هذه التفرقة بما أورده من تفصيل شامل لأسرار الدفاع، إذا فلا يكفي لسلامة الحكم بالإدانة أن تقول المحكمة إن المتهم قد انتهك سراً من أسرار الدفاع ما لم تبين طبيعته التي تندرج تحت الفئات الموجودة في القانون.

ويشترط في أسرار الدفاع: 

(1) أن تكون ذات طبيعة سرية . 

(2) أن تتعلق بالدفاع عن البلاد أو بسلامة أمن الدولة الخارجي في الحدود المنصوص عليها في المادة 85 عقوبات.

أولاً : ما يعد سراً :

يشترط لتوافر السر أن تسيغ الدولة على واقعة أو شيء ما صفة السرية، بحيث يتعين بقاؤه محجوباً عن غير من كلف بحفظه أو إستعماله ما يتقرر إباحة إذاعته على الناس كافة دون تمييز، وتتحقق إرادة الدولة في إضفاء السرية إما صراحة بالتنبيه بعدم إذاعته، وإما بالنظر إلى طبيعة الواقعة أو الشيء موضوع السرية في ظروف معينة، فليس بشرط إذا لتوافر السرية أن ينبه على حافظ السر بعدم إذاعته ، متى كانت طبيعته تنطق بالسرية.

وغني عن البيان أن العبرة هي بإرادة الدولة الوطنية في إضفاء السرية على أمر ما، فلا تقع الجريمة على ما يعد سراً في نظر دولة أجنبية إلا إذا كان الأمر يعد سراً وطنياً في الوقت ذاته، كما هي الحال بالنسبة إلى الاتفاقات العسكرية وصفقات الأسلحة مع دولة أجنبية.

و لمحكمة الموضوع سلطة تقديرية في تحديد ما يعد من الأسرار، ولها أن تستطلع رأي السلطات المختصة صاحبة الشأن في سبيل تكوين إقتناعها على سبيل الشهادة أو الخبرة، دون أن تلتزم بالرأي الذي تبديه هذه السلطات بحسب أن المحكمة وحدها هي صاحبة السلطة في تقدير مدى توافر هذه السرية.

وقد يكون السر مادياً سواء مثبتاً أي متمثلاً في كيان مادي، کوثيقة أو مستند أو سلاح سري، أو معنوياً يبدو في مجرد أخبار أو معلومات لم تفرغ في ثوب مادي.

ولا تزول الطبيعة السرية عن الأمر إلا بإرادة الدولة صاحبة السر، فلا تزول هذه الطبيعة بمجرد ترامية إلى طائفة من الناس بإفشائه إلى البعض منهم، بل يظل الإلتزام بالحفظ والكتمان باقياً على الرغم من إنتهاكه على هذا النحو طالما أن هذا الإفشاء لم يؤد إلى ذيوع السر بين الكافة.

كما لا يحول دون الإبقاء على السرية أن يلتزم بحفظه عدد كبير من الناس، مادام أن العلم يتعين قصره عليهم دون غيرهم.

وقد اقترح الأستاذ جيرار التمييز بين السر الذي يتوافر في زمن الحرب وبين السر في زمن السلم، فإذا وقعت الجريمة في الحرب تحدد معنى السر وفقاً لمفهومه في نظر العدو، فكل ما قد يفيد في سير العمليات العسكرية يعد سراً أما في زمن السلم، فإن السر يتحدد وفقاً لمعناه في أضيق الحدود وقد أسس هذا الرأي بناءً على إعتبارین :

الأول : أنه يصعب على الدولة الإحتفاظ بأسرارها في الوقت الحديث، حيث ترتبط الدولة بمعاهدات مع غيرها من الدول، فتذوب أسرارها مع أسرار هذه الدول الأخرى، ولذا يتعين قصر العقاب على انتهاك الأسرار لسلطات أجنبية لا صفة لها في معرفة هذه الأسرار وبالتالي، فإن فكرة السر - حتى في وقت السلم - تصبح نسبية، أي تتوقف على العلاقات الدبلوماسية بين الدولة صاحبة السر والدولة المنتفعة من إنتهاكه.

الثاني : أن العقاب على ما يسمى بالجاسوسية المفتوحة في القانون الهولندي التي تقع بتسليم سلطة أجنبية معلومات وإن كانت لا تعد من الأسرار، إلا أن جمعها في يد هذه السلطة قد يؤدي إلى الإضرار بأمن الدولة. هذا العقاب يكشف عن مدى ضرورة النظر بعين الإعتبار إلى الفائدة التي سوف تعود على الدولة الأجنبية نتيجة لحصولها على الأسرار.

وهذا الرأي معيب في أساسه، لما يؤدي إليه من تفرقة مصطنعة بين الدول الأجنبية التي إنتهكت الأسرار لمصلحتها، فضلاً عن إثارة الشك في تقدير الدولة الوطنية لسرية بعض الأمور، هذا بالإضافة إلى أن هذا المعيار سوف يؤدي إلى إشاعة الإضطرابات في تحديد معنى السر مما يؤدي إلى خلق شعور بعدم العدالة، ولذا يجب أن يكون المعيار موضوعياً غير قابل للمنازعة فيه بقدر الإمكان.

ثانياً : ما يتعلق بالدفاع :

نصت المادة 85 عقوبات على تعريف مطول مفصل لما يعد من الأسرار المتعلقة بالدفاع، مقيداً في ذلك بخطة قانون العقوبات الفرنسي (المادة 77)، والأخبار والأشياء والمكاتبات والمحررات والوثائق والخرائط والتصميمات والصور، وهذه التعبيرات تتضمن في معظمها معان مترادفة متماثلة، ويمكن حصرها في أربع اصطلاحات، هي: المعلومات والأخبار والوثائق والأشياء .

أما المعلومات  فيقصد بها الحقائق التي توصل إليها المسئولون أو الإحصائيون فيما يتعلق بالدفاع عن البلاد، مثال ذلك اختراع سلاح سري، وزيادة عدد القوات المسلحة إلى حد معين، وإعتزام الحكومة قطع العلاقات السياسية بدولة معينة، وإعتزامها تأميم بعض المشروعات الخاصة.

ويقصد بالأخبار ما يروى من أنباء أو روایات تتعلق بالدفاع عن البلاد، کإنسحاب الجيش أو حصول كارثة في مصنع حربي أو طائرة حربية.

أما الوثائق فهي المحررات أو المكاتبات التي تتضمن معلومات أو أخباراً تتعلق بالدفاع عن البلاد، فهي لا تخرج عن الوعاء المادي الذي أفرغت فيه هذه الأسرار، ويستوي أن تكون في صورتها النهائية أو في شكل مسودة، ومثالها الخرائط والتصميمات والصور ومحاضر الجلسات والمذكرات.

ويقصد بالأشياء الأسرار التي لها كيان مادي، كالأسلحة والذخائر أو بعض أجزائها والطائرات والمعادن والمواد الخام التي تستعمل في صنع الأسلحة أو إستخدام الطاقة الذرية .

ونبين الآن الأحوال التي يتعلق فيها السر بالدفاع، وهي كما يلي :

(أ) المعلومات الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية والصناعية:

المعلومات الحربية: يقصد بها الحقائق التي تتعلق بإستعداد البلاد العسكري وكفايتها الحربية ووسائل الدفاع عنها وعملياتها الحربية في البر والبحر والجو، سواء في وقت السلم أو وقت الحرب، مثال ذلك: المعلومات المتعلقة بسلاح سري أو طريق الوقاية منه والخطط العسكرية وتاريخ ومكان إجراء التجارب العسكرية والتعليمات الصادرة من القيادات العسكرية لضباطها وجنودها.

المعلومات السياسية: وهي التي تتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية المتبعة أو التي تنوي الحكومة السير عليها، متى كانت مرتبطة بشئون الدفاع عن البلاد ولو بطريق غير مباشر، فلا عبرة بالمعلومات المتعلقة بسياسة الحكومة في الماضي، مثال ذلك : موقف الحكومة إزاء بعض الأحداث التي تجري في الدول الأخرى، أو التدابير التي تنوي اتخاذها رداً على موقف حكومة أجنبية منها، ويجب عدم الخلط بين المعلومات الإدارية التي لا تمس سياسة الدولة وبين المعلومات السياسية البحتة، فالأولى لا يعاقب على إفشائها إلا طبقاً للمادة 310 عقوبات.

المعلومات الدبلوماسية: ويقصد بها الحقائق التي تتعلق بعلاقات الدولة الدبلوماسية بأشخاص القانون الدولي العام، مثال ذلك: إعتزام الحكومة قطع علاقاتها السياسية بدولة معينة أو الإعتراف بهيئة ثورية تناهض الحكومة و الإتصالات الدبلوماسية بين الحكومة وحكومة دولة أجنبية للتوسط في حل نزاع دولي يمس أمن الدولة.

المعلومات الاقتصادية: ويراد بها كل ما يتعلق بالنشاط الاقتصادي القومي الذي يمس الدفاع عنها، مثال ذلك: كل ما يتعلق بنشاط الدولة الاقتصادي في وجه حصار أو ضغط اقتصادي عليها، ومقدرة الدولة على الإنتاج أو خطتها في إنتاج صناعات معينة أو مقدرة البلاد التموينية في وقت الحرب، وإعتزام الدولة تثبيت سعر النقد المحلي على نحو معين، أو إلغاء التعامل ببعض الأوراق أو تعديل شروط أحد القروض أو إتفاقية جمركية.

المعلومات الصناعية: وهي ليست إلا نوعاً من المعلومات الاقتصادية التي ترتبط بالمجهود الصناعي للدولة، ولا يقتصر الأمر على الإنتاج الصناعي للدولة، بل يمتد إلى الشركات الخاصة التي تفيد الدولة من إنتاجها في الدفاع عن البلاد، مثال ذلك: مدى ما تورده إحدى الشركات من إنتاجها للقوات المسلحة لإستعمالها الخاص في العتاد الحربي.

ويجدر التنبيه إلى أنه يشترط في هذه المعلومات - حربية كانت أو سياسية أو دبلوماسية أو صناعية - أن تتعلق بالدفاع عن البلاد، سواء كان ذلك بطريق مباشر أو غير مباشر، ولا يقتصر معنى الدفاع عن البلاد على المدلول العسكري وحده، بل يتسع لكل ما يتعلق بأمن الدولة الخارجي من النواحي الحربية والسياسية والدبلوماسية والاقتصادية في زمن الحرب.

(ب) الأشياء التي يجب لمصلحة الدفاع عن البلاد قصر العلم بها على من يناط بهم حفظها أو إستعمالها :

يراد بهذا النوع من الأسرار كل ما يتعلق بأسرار الدفاع التي من شأن كشفها الوقوف على معلومات حربية أو سياسية أو دبلوماسية أو اقتصادية أو صناعية مما يتعلق بشئون الدفاع مثال ذلك: الأسرار العلمية التي تتعلق بالنواحي الحربية أو . الاقتصادية المتعلقة بالدفاع.

وقد ساوى القانون بين الأسرار التي يجب حفظها وتلك التي يجري استعمالها، ففرض لحظر في الحالتين، ومقتضى هذا أن إستعمال السر لدى عدد كبير من الأشخاص، کإستعمال ماكينة معينة بأحد المصانع الحربية مثال، لا يحول دون الإبقاء على الطبيعة السرية لهذا الأمر، لأنه مهما تعدد الأشخاص الذين يستعملون السر فإن القانون قد فرض واجباً بألا يعلم به غير هؤلاء وحدهم دون غيرهم .

(ج) الأخبار والمعلومات المتعلقة بالشئون العسكرية والإستراتيجية حظر القانون کشف كل ما يمس الشئون العسكرية والإستراتيجية، سواء ما تعلق بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها وتموينها وأفرادها، أو غير ذلك مما يتعلق بهذه الشئون، والأصل هو حظر إذاعة هذه الأخبار، إلا إذا صدر تصریح کتابي بنشرها أو إذاعتها، ويستوي في الإذن أن يكون عاماً أو خاصاً ولما كان الأصل هو الحظر، فإنه على المتهم عبء إثبات صدور التصريح بنشر هذه الأخبار أو إذاعتها.

(د) الأخبار والمعلومات المتعلقة بكيفية كشف جرائم الإعتداء على أمن الدولة الخارجي أو تحقيقها أو محاكمة مرتكبيها :

استهدف المشرع من تقرير سرية هذه الأخبار والمعلومات عدم تمكين الجناة من الإفلات من العقاب، إذ يكون لديهم عادة من الوسائل ما يمكنهم من کشف أسرار الإستدلال أو التحقيق أو المحاكمة، مما قد يعوق العدالة عن تحقيق رسالتها، ويشمل هذا الحظر جميع الأخبار والمعلومات التي تبدأ من مرحلة التحري عن الجرائم وكشفها حتى إنتهاء المحاكمة، ويقتضي هذا النص بحكم الضرورة التزام المحكمة بتقرير سرية الجلسة، ما لم تأذن بإذاعة ما تراه من مجرياتها، ولا يمتد النص إلى نشر منطوق الحكم الذي يصدر في الدعوى، وللمحكمة أن تأذن بإذاعة ما ترى إذاعته مما دار في المحاكمة، ولها أن تقصر هذه الإذاعة في حدود معينة وفقاً لما تراه محققاً للصالح العام.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016،  الصفحة : 67)

الفقة الإسلامي

  قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة 167.

  

 (مادة 314) 

يعد سرا من أسرار الدفاع عن الوطن :

(أ) المعلومات الحربية والسياسية والاقتصادية والصناعية التي لا يعلمها - بحکم طبيعتها - إلا الأشخاص الذين لهم صفة في العلم بها، والتي تقتضي مصلحة الدفاع عن الوطن أن تبقى سيراً على من عداهم. 

(ب) المكاتبات والمحررات والوثائق والرسوم والخرائط والتصميمات والصور، وما إلى ذلك من الأشياء التي قد يؤدي كشفها إلى إفشاء معلومات مما أشير إليه في الفقرة السابقة، والتي تقتضي مصلحة الدفاع عن الوطن أن تبقى سيراً على غير من يناط به حفظها أو استعمالها. 

(جـ) الأخبار والمعلومات المتعلقة بالقوات المسلحة وتشكيلاتها وتحركاتها وعتادها 

| وتموينها وأفرادها، وبصفة عامة كل ما له مساس بالشئون العسكرية والخطط الحربية ما لم يكن قد صدر إذن كتابي من القيادة العامة للقوات المسلحة بنشره أو إذاعته. 

(د) الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتدابير والإجراءات، التي تتخذ لكشف الجنايات المنصوص عليها في هذا الفصل، وضبط الجناة فيها. 
وكذلك الأخبار والمعلومات المتعلقة بسير التحقيق والمحاكمة، إذا حظرت جهة التحقيق أو المحكمة المختصة إذاعتها. 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الخامس  ، الصفحة / 292

إِفْشَاءُ السِّرِّ

التَّعْرِيفُ:

الإْفْشَاءُ لُغَةً: الإْظْهَارُ، يُقَالُ: أَفَشَا السِّرَّ: إِذَا أَظْهَرَهُ، فَفَشَا فَشْوًا وَفُشُوًّا، وَالسِّرُّ هُوَ مَا يُكْتَمُ، وَالإْسْرَارُ خِلاَفُ الإْعْلاَنِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإْشَاعَةُ:

2 - إِشَاعَةُ الْخَبَرِ: إِظْهَارُهُ وَنَشْرُهُ، وَالشُّيُوعُ: الظُّهُورُ.

ب - الْكِتْمَانُ:

الْكِتْمَانُ. الإْخْفَاءُ: يُقَالُ: كَتَمْتُ زَيْدًا الْحَدِيثَ: أَيْ أَخْفَيْتُهُ عَنْهُ، فَهُوَ ضِدُّ الإْفْشَاءِ.

ج - التَّجَسُّسُ:

هُوَ تَتَبُّعُ الأْخْبَارِ، وَمِنْهُ الْجَاسُوسُ، لأِنَّهُ يَتَتَبَّعُ الأْخْبَارَ، وَيَفْحَصُ عَنْ بَوَاطِنِ الأْمُورِ، وَهُوَ يُسْتَعْمَلُ غَالِبًا فِي الشَّرِّ فَالتَّجَسُّسُ: السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى السِّرِّ.

د - التَّحَسُّسُ:

هُوَ الاِسْتِمَاعُ إِلَى حَدِيثِ الْغَيْرِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : «وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» وَالتَّحَسُّسُ إِنْ كَانَ لإِذَاعَةِ أَخْبَارِ النَّاسِ السَّيِّئَةِ فَهُوَ كَإِفْشَاءِ السِّرِّ فِي الْحُرْمَةِ، وَقَدْ يَكُونُ التَّحَسُّسُ لإِشَاعَةِ الْخَيْرِ، كَمَا فِي قوله تعالي : ( يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ ).

حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ:

أَنْوَاعُ السِّرِّ:

يَتَنَوَّعُ السِّرُّ إِلَى ثَلاَثَةِ أَنْوَاعٍ:

أ - مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ.

ب - مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ.

ج - مَا مِنْ شَأْنِهِ الْكِتْمَانُ وَاطُّلِعَ عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْخُلْطَةِ أَوِ الْمَهْنَةِ.

النَّوْعُ الأْوَّلُ: مَا أَمَرَ الشَّرْعُ بِكِتْمَانِهِ:

مِنَ الأْمُورِ مَا يَحْظُرُ الشَّرْعُ إِفْشَاءَهُ لِمَصْلَحَةٍ دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ حَسَبَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِفْشَائِهِ مِنْ ضَرَرٍ. فَمِمَّا لاَ يَجُوزُ إِفْشَاؤُهُ:

مَا يَجْرِي بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ حَالَ الْوِقَاعِ، فَإِنَّ إِفْشَاءَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَزَوْجَتِهِ حَالَ الْجِمَاعِ أَوْ مَا يَتَّصِلُ بِذَلِكَ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  «إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» وَالْمُرَادُ مِنْ نَشْرِ السِّرِّ، ذِكْرُ مَا يَقَعُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَامْرَأَتِهِ مِنْ أُمُورِ الْوَقَاعِ وَوَصْفِ تَفَاصِيلِ ذَلِكَ، وَمَا يَجْرِي مِنَ الْمَرْأَةِ مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

أَمَّا مُجَرَّدُ ذِكْرِ الْوِقَاعِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِحَاجَةٍ، فَذِكْرُهُ مَكْرُوهٌ، لأِنَّهُ يُنَافِي الْمُرُوءَةَ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآْخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ».

فَإِنْ دَعَتْ إِلَى ذِكْرِهِ حَاجَةٌ، وَتَرَتَّبَتْ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ فَهُوَ مُبَاحٌ. كَمَا لَوِ ادَّعَتِ الزَّوْجَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ عِنِّينٌ، أَوْ مُعْرِضٌ عَنْهَا، أَوْ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْعَجْزَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَتْهُ صَحِيحًا فَلاَ كَرَاهَةَ فِي الذِّكْرِ، فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِنِّي لأَفْعَلُ ذَلِكَ، أَنَا وَهَذِهِ، ثُمَّ نَغْتَسِلُ» وَقَالَ لأِبِي طَلْحَةَ: «أَعَرَّسْتُمُ اللَّيْلَةَ» ؟ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي عَدَمِ جَوَازِ إِفْشَاءِ مَا يَجْرِي مِنَ الرِّجَالِ حَالَ الْوَقَاعِ.

وَإِفْشَاءُ السِّرِّ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الإْيذَاءِ وَالتَّهَاوُنِ بِحَقِّ أَصْحَابِ السِّرِّ مِنَ الْجِيرَانِ وَالأْصْدِقَاءِ وَنَحْوِهِمْ. فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم : «إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الْحَدِيثَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ».

 وَقَالَ: «الْحَدِيثُ بَيْنَكُمْ أَمَانَةٌ». وَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ».

النَّوْعُ الثَّانِي: مَا طَلَبَ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ:

مَا اسْتَكْتَمَكَ إِيَّاهُ الْغَيْرُ وَائْتَمَنَكَ عَلَيْهِ، فَلاَ يَجُوزُ بَثُّهُ وَإِفْشَاؤُهُ لِلْغَيْرِ، حَتَّى أَخَصَّ أَصْدِقَاءِ صَاحِبِ السِّرِّ، فَلاَ يَكْشِفُ شَيْئًا مِنْهُ وَلَوْ بَعْدَ الْقَطِيعَةِ بَيْنَ مَنْ أَسَرَّ وَمَنْ أَسَرَّ إِلَيْهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ لُؤْمِ الطَّبْعِ وَخُبْثِ الْبَاطِنِ.

وَهَذَا إِذَا الْتَزَمْتَ بِالْكِتْمَانِ، أَمَّا إِذَا لَمْ تَلْتَزِمْ، فَلاَ يَجِبُ الْكِتْمَانُ، وَيَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَنَصُّهُ: عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَتْ: «كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ، فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  فَقَالَ: تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ». «وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حِجْرِهَا. فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ: سَلْ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم : أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامِي فِي حِجْرِي مِنَ الصَّدَقَةِ ؟ فَقَالَ: سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم . فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنَ الأْنْصَارِ عَلَى الْبَابِ، حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي، فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلاَلٌ فَقُلْنَا: سَلِ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  أَيُجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حِجْرِي. وَقُلْنَا: لاَ تُخْبِرْ بِنَا. فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: مَنْ هُمَا ؟ قَالَ: زَيْنَبُ. قَالَ: أَيُّ الزَّيَانِبِ ؟ قَالَ: امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ. قَالَ: نَعَمْ، وَلَهَا أَجْرَانِ: أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ». قَالَ الْقُرْطُبِيُّ - فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي -: «لَيْسَ إِخْبَارُ بِلاَلٍ بِاسْمِ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ أَنِ اسْتَكْتَمَتَاهُ بِإِذَاعَةِ سِرٍّ وَلاَ كَشْفِ أَمَانَةٍ، لِوَجْهَيْنِ:

(أَحَدُهُمَا) أَنَّهُمَا لَمْ تُلْزِمَاهُ بِذَلِكَ، وَإِنَّمَا عَلِمَ أَنَّهُمَا رَأَتَا أَنْ لاَ ضَرُورَةَ تُحْوِجُ إِلَى كِتْمَانِهِمَا.

(ثَانِيهِمَا) أَنَّهُ أَخْبَرَ بِذَلِكَ جَوَابًا لِسُؤَالِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم  لِكَوْنِ إِجَابَتِهِ أَوْجَبَ مِنَ التَّمَسُّكِ بِمَا أَمَرَتَاهُ بِهِ مِنَ الْكِتْمَانِ.

وَهَذَا كُلُّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ الْتَزَمَ لَهُمَا بِذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَا سَأَلَتَاهُ (أَيْ وَلَمْ يَلْتَزِمْ لَهُمَا بِالْكِتْمَانِ) وَلاَ يَجِبُ إِسْعَافُ كُلِّ سَائِلٍ.

وَقَدْ تَتَضَمَّنُ الْغِيبَةُ إِفْشَاءً لِلسِّرِّ فِيمَا إِذَا كَانَ الأْمْرُ الْمَكْرُوهُ الَّذِي يَذْكُرُ بِهِ الْغَيْرَ فِي غِيَابِهِ مِنَ الأْمُورِ الْخَفِيَّةِ، أَوْ مِمَّا يَطْلُبُ صَاحِبُهُ كِتْمَانَهُ، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنِ الْغِيبَةِ فِي قوله تعالي : ( وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ )

وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّه صلي الله عليه وسلم : «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قَالَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ. قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ» وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (غِيبَةٌ).

النَّوْعُ الثَّالِثُ.

- مَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ بِمُقْتَضَى الْمَهْنَةِ، كَالطَّبِيبِ وَالْمُفْتِي وَأَمِينِ السِّرِّ وَغَيْرِهِمْ.

- وَمِمَّا يَكُونُ أَحْيَانًا مِنَ الإْفْشَاءِ الْمُحَرَّمِ لِلسِّرِّ النَّمِيمَةُ: وَهِيَ لُغَةً تَبْلِيغُ الْخَبَرِ عَلَى وَجْهِ الإْفْسَادِ، وَهِيَ كَذَلِكَ فِي اصْطِلاَحِ الْعُلَمَاءِ، وَأَكْثَرُ إِطْلاَقِهَا عَلَى مَنْ يَنِمُّ قَوْلَ الْغَيْرِ إِلَى الْمَقُولِ فِيهِ، أَيْ يَنْقُلُهُ إِلَيْهِ إِذَا كَانَ سِرًّا قَدِ اسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهُ، كَأَنْ يَقُولَ فُلاَنٌ يَقُولُ فِيكَ: كَذَا وَكَذَا.

وَالنَّمِيمَةُ حَرَامٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، لِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» أَيِ النَّمَّامُ، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الإْفْسَادِ بَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ تَجِبُ النَّمِيمَةُ كَمَا إِذَا سَمِعَ إِنْسَانٌ شَخْصًا يَتَحَدَّثُ بِإِرَادَةِ إِيذَاءِ إِنْسَانٍ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا، فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ أَنْ يُحَذِّرَ الْمَقْصُودَ بِالإْيذَاءِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْذِيرُهُ بِغَيْرِ ذِكْرِ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْذِيرِ، وَإِلاَّ ذَكَرَهُ بِاسْمِهِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (نَمِيمَةٌ).

مَا يَجُوزُ فِيهِ السَّتْرُ وَالإْفْشَاءُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ:

نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْحُدُودِ الشَّهَادَةُ وَالسَّتْرُ، لَكِنَّ السَّتْرَ أَفْضَلُ فِيمَا كَانَ حَقًّا لِلَّهِ وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ النَّبِيّ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ  وَالسَّلاَمُ «لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ».

وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْمُتَهَتِّكَ الَّذِي لاَ يُبَالِي بِإِتْيَانِ الْمَحْظُورَاتِ وَلاَ يَتَأَلَّمُ لِذِكْرِهِ بِالْمَعَاصِي. وَقَالَ الْفُقَهَاءُ: يَقُولُ الشَّاهِدُ عَلَى السَّرِقَةِ: أَخَذَ، لاَ سَرَقَ، إِحْيَاءً لِلْحَقِّ وَرِعَايَةً لِلسَّتْرِ. وَإِذَا طَعَنَ فِي الشُّهُودِ يَجُوزُ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُمُ الْقَاضِيَ جَهْرًا أَوْ سِرًّا عَلَى الْمُفْتَى بِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الشَّاهِدَ مُخَيَّرٌ فِي الرَّفْعِ إِلَى الْقَاضِي أَوِ التَّرْكِ، إِلاَّ فِي الْحُدُودِ فَالتَّرْكُ فِيهَا أَوْلَى، لِمَا فِيهِ مِنَ السَّتْرِ الْمَطْلُوبِ فِي غَيْرِ الْمُتَجَاهِرِ بِفِسْقِهِ، وَأَمَّا الْمُجَاهِرُ فَيُرْفَعُ أَمْرُهُ. وَكَوْنُ التَّرْكِ مَنْدُوبًا هُوَ قَوْلٌ لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ، وَفِي الْمَوَّاقِ: سَتْرُ الإْنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَاجِبٌ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَرْكُ الرَّفْعِ وَاجِبًا.

وَقَالَ صَاحِبُ الطَّرِيقَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: مَا وَقَعَ فِي مَجْلِسٍ مِمَّا يُكْرَهُ إِفْشَاؤُهُ إِنْ لَمْ يُخَالِفِ الشَّرْعَ يَجِبُ كِتْمَانُهُ. وَإِنْ خَالَفَ الشَّرْعَ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، كَالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَلَكَ الْخِيَارُ، وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ. وَإِنْ كَانَ حَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ ضَرَرٌ لأِحَدٍ مَالِيٌّ لاَ بَدَنِيٌّ، أَوْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَالْقِصَاصِ وَالتَّضْمِينِ، فَعَلَيْكَ الإِْعْلاَمُ إِنْ جَهِلَ، وَالشَّهَادَةُ إِنْ طَلَبَ، وَإِلاَّ فَالْكَتْمُ.

 اسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ:

- الْمَعَارِيضُ فِي الْكَلاَمِ هِيَ التَّوْرِيَةُ بِالشَّيْءِ عَنِ الشَّيْءِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «إِنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنِ الْكَذِبِ».

وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يَكْفِي الرَّجُلَ عَنِ الْكَذِبِ ؟ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ. وَهَذَا إِذَا اضْطُرَّ الإْنْسَانُ إِلَى الْكَذِبِ لِتَجَنُّبِ إِفْشَاءِ السِّرِّ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (تَوْرِيَةٌ) (وَتَعْرِيضٌ).

وَقَالَ إِمَامُ زَادَهْ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: وَيُعَدُّ الْحَدِيثُ الَّذِي حَدَّثَهُ بِهِ أَخُوهُ أَمَانَةً، وَلاَ يُفْشِيهَا لِغَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَإِذَا حَدَّثَ بِهِ أَحَدًا أَدَّاهُ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، وَاخْتَارَ أَجْوَدَ مَا سَمِعَ.

تَجَنُّبُ الإْفْشَاءِ فِي الْحَرْبِ:

كِتْمَانُ أَسْرَارِ جَيْشِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْعَدُوِّ مَطْلُوبٌ، لأِنَّ  السِّرَّ قَدْ يَصِلُ إِلَى الْعَدُوِّ فَيَسْتَفِيدُ مِنْ ذَلِكَ. 

وَلِذَلِكَ جَازَ الْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ تَجَنُّبًا لإِفْشَاءِ أَسْرَارِ الْمُسْلِمِينَ لِلْعَدُوِّ.

وَمِنَ الْكِتْمَانِ أَلاَّ يَذْكُرَ قَائِدُ الْجَيْشِ لِجُنُودِهِ الْوَجْهَ الَّذِي يُرِيدُونَ، فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّه صلي الله عليه وسلم  إِذَا أَرَادَ غَزْوَةً وَرَى بِغَيْرِهَا .

أَمَّا السَّعْيُ لِلْحُصُولِ عَلَى أَسْرَارِ الْعَدُوِّ فَهُوَ مَطْلُوبٌ، لاِتِّقَاءِ شَرِّهِ، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم  يَسْتَطْلِعُ أَخْبَارَ الْعَدُوِّ.