1- مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها ليست من البيانات التي يجب أن تشتمل عليها ديباجة الحكم ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية لم توجب إلا أن يشار في الحكم إلى نص القانون الذي حكم بموجبه ، وكان الثابت أن الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين في ديباجته وصف الجريمة المسندة إلى الطاعن وحصل الواقعة المستوجبة للعقوبة ومؤدى أدلة الثبوت أشار إلى المواد التي آخذه بها وهما المادتان 103 ، 104 من قانون العقوبات ، فإن ما أورده الحكم في بيان مواد القانون الذي حكم بمقتضاه يكون كافياً ، ويكون النعي في هذا المقام غير سديد .
( الطعن رقم 7065 لسنة 5 ق - جلسة 21 / 4 / 2016 )
2- العقوبة الأصلية تستمد وصفها من أنها تكون العقاب الأصلى أو الأساس المباشر للجريمة والتى توقع منفردة بغير أن يكون القضاء بها معلقاً على الحكم بعقوبة أخرى ، وقد تكلم الشارع عن العقوبات الأصلية في القسم الأول من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون العقوبات بعد أن حدد أنواع الجرائم في الباب الثانى من الكتاب المذكور ، ويبين من مراجعة هذه النصوص أن الشارع أورد في المادة العاشرة العقوبات الأصلية للجنايات وقصرها على الإعدام والسجن المؤبد والسجن المشدد والسجن أما الغرامة إذا قضى بها في الجناية بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون العقوبة الأخيرة هى الأصلية وتعتبر الغرامة مكملة لها , وحاصل ذلك أن عقوبة الغرامة التى نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية باعتبارها مرصودة إلى جانب عقوبة أصلية مقيدة للحرية وهى من الغرامات النسبية التى أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألف جنيه وتضاعف في حالة تطبيق المادة 104 من ذات القانون .
( الطعن رقم 5116 لسنة 79 ق - جلسة 15 / 10 / 2012 )
3- لما كان الحكم المطعون فيه اقتصر في بيانه لواقعة الدعوى على تحصيل ما ورد بقرار الاتهام لجميع المتهمين ، ثم حصل مضمون الأدلة التي عول عليها في الإدانة ، وانتهى في مجال الإسناد إلى ارتكاب الطاعن الأول لجرائم الاختلاس والاشتراك فيه ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام ومحاولة الحصول لنفسه على ربح ، والحصول على ربح للغير، والتزوير واستعمال محررات مزورة وارتكاب الطاعن الثاني لجرائم الاستيلاء على المال العام والتربح والاشتراك فيه وأعمل في حقهما أحكام المادة 32 من قانون العقوبات وأوقع على الطاعن الأول عقوبة الجريمة الأشد ، إلا أنه أوقع على الطاعن الثاني عقوبتين عما أسند إليه من اتهام ، كما أسند للطاعن الثالث جريمة طلب والحصول على رشوة وأوقع عليه عقوبتها . لما كان ذلك ، وكان الشارع يوجب في المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل الحكم الصادر بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم ، وكان من المقرر أنه ينبغي ألا يكون الحكم مشوباً بإجمال أو إبهام مما يتعذر معه تبين مدى صحة الحكم من فساده في التطبيق القانوني على واقعة الدعوى ، وهو يكون كذلك كلما جاءت أسبابه مجملة أو غامضة فيما أثبتته أو نفته من وقائع سواء كانت متعلقة ببيان توافر أركان الجريمة أو ظروفها أو كانت بصدد الرد على أوجه الدفاع الهامة أو كانت متصلة بعناصر الإدانة على وجه العموم أو كانت أسبابه يشوبها الاضطراب الذي ينبئ عن اختلال فكرته من حيث تركيزها في موضوع الدعوى وعناصر الواقعة مما لا يمكن معه استخلاص مقوماته سواء ما تعلق منها بواقعة الدعوى أو بالتطبيق القانوني ويعجز بالتالي محكمة النقض عن إعمال رقابتها على الوجه الصحيح . لما كان ذلك ، وكانت الجريمة المنصوص عليها في المادة 112 من قانون العقوبات لا تتحقق إلا إذا كان تسلم المال المختلس من مقتضيات العمل ويدخل في اختصاص المتهم الوظيفي استناداً إلى نظام مقرر أو أمر إداري صادر ممن يملكه أو مستمداً من القوانين واللوائح ، وقد فرض الشارع العقاب في المادة المار ذكرها على عبث الموظف بما يؤتمن عليه مما يوجد بين يديه بمقتضى وظيفته بشرط انصراف نيته باعتباره حائزاً له إلى التصرف فيه على اعتبار أنه مملوك له وهو معنى مركب من فعل مادي هو التصرف في المال ومن عامل معنوي يقترن به هو نية إضاعة المال على ربه . كما أنه من المقرر أن جناية الاستيلاء أو ما في حكمها أو تسهيل ذلك للغير المنصوص عليها في المادة 113 من قانون العقوبات قد دلت في صريح عبارتها وواضح دلالتها ، على أن جناية الاستيلاء على مال الدولة بغير حق تقتضى وجود المال في ملك الدولة عنصراً من عناصر ذمتها المالية ثم قيام موظف عام أو من في حكمه أياً كان بانتزاعه منها خلسة أو حيلة أو عنوة . ولا يعتبر المال قد دخل في ملك الدولة إلا إذا كان قد آل إليها بسبب صحيح ناقل للملك ، وتسلمه من الغير موظف مختص بتسلمه على مقتضى وظيفته أو أن يكون الموظف المختص قد سهل لغيره ذلك ويشترط انصراف نية الجاني وقت الاستيلاء إلى تملكه أو تضييعه على ربه في تسهيل الاستيلاء وعليه يكون وجوباً على الحكم أن يبين صفة المتهم وكونه موظفاً وكون وظيفته قد طوعت له تسهيل استيلاء الغير على المال وكيفية الإجراءات التي اتخذت بما تتوافر به أركان تلك الجريمة ، كما أنه من المقرر أنه ولئن كان لا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن توافر القصد الجنائي في جريمة تسهيل الاستيلاء بغير حق على المال العام إلا أن شرط ذلك أن يكون فيما أورده الحكم من وقائع وظروف ما يدل على قيامه ، كما أنه من المقرر أن اختصاص الموظف بالعمل الذي حصل على الربح أو المنفعة من خلاله أياً كان نصيبه فيه سواء حصل التربح لنفسه أو تظفير الغير به ركن أساسي في جريمة التربح المنصوص عليها في المادة 115 من قانون العقوبات مما يتعين إثبات ذلك الاختصاص بما ينحسم به أمره ، كما أنه من المقرر أنه يجب للإدانة في جرائم تزوير المحررات أن يعرض الحكم لتعيين المحرر المقول بتزويره وما انطوى عليه من بيانات ليكشف عن ماهية تغيير الحقيقة فيه وإلا كان باطلاً ، ومن المقرر أيضاً أن اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب أداؤه أياً كان نصيبه فيه ، وسواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه ركناً في جريمة الارتشاء المنصوص عليها في المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات فإنه يتعين على الحكم إثباته بما ينحسم به أمره ، وخاصة عند المنازعة فيه . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه كما سبق البيان قد دان الطاعن الأول بجرائم الاختلاس والاشتراك فيه ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام ، ومحاولة الحصول لنفسه على ربح ، والحصول على ربح للغير ، والتزوير في محررات الجمعية واستعمال تلك المحررات، كما دان الطاعن الثاني بجرائم الاستيلاء على المال العام والتربح والاشتراك فيه ، دون أن يستظهر بالنسبة لجريمة الاختلاس ما إذا كان من عمل الطاعن الأول واختصاصه الوظيفي استلامه للسلع الواردة إلى الجمعية التي يعمل بها والتصرف فيها على نحو معين طبقاً للأنظمة الموضوعة لهذا الغرض أو أنها أودعت عهدته بسبب وظيفته كما لم يستظهر انصراف نيته إلى التصرف في هذه السلع والظهور عليها بمظهر المالك بقصد إضاعتها على الجمعية المالكة لها، كما أنه تناقض فيما أثبته في مدوناته من قيمة للسلع المختلسة وما قضى به من عقوبتي الرد والغرامة في منطوقه ولم يبين الأساس الذي احتسب بناءً عليه تلك المبالغ التي ألزم بها المتهمين متضامنين ، كما أنه لم يستظهر عناصر اشتراكه مع المتهم الأول في جريمة الاختلاس المنسوبة إليه وطريقته وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ، ويكشف عن قيامها وذلك من واقع الدعوى وظروفها . هذا إلى أن الحكم لم يبين كيف أن وظيفة كل من الطاعنين الأول والثاني قد طوعت للأول تسهيل استيلاء الغير واستيلاء الثاني على مال الدولة ، ولم يستظهر نية كل طاعن وأنها انصرفت إلى تضييعه على الجمعية المجني عليها لمصلحته ولمصلحة الغير وقت حصول تلك الجريمة فيكون الحكم قاصراً في التدليل على توافر أركان جرائم الاختلاس والاشتراك فيها ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام بالنسبة للطاعن الأول وجريمة الاستيلاء بالنسبة للطاعن الثاني ، وكذلك بالنسبة لجرائم محاولة حصول الطاعن الأول على ربح لنفسه وحصوله على ربح للغير ، وحصول الطاعن الثاني على ربح لنفسه والاشتراك في التربح إذ لم يستظهر الحكم اختصاص كل منهما بالعمل الذي حصل على التربح أو المنفعة من خلاله أو ظَفّر الغير بهذا الربح والدليل على توافر ركني الجريمة المادي والمعنوي ، وعناصر اشتراك الطاعن الثاني مع المتهمين الثلاثة الأول في جريمة التربح وطريقته وأن يبين الأدلة الدالة على ذلك بياناً يوضحها ، ويكشف عن قيامها ، فإنه يكون معيباً بالقصور الذي يبطله ، كما أنه بالنسبة لجريمة تزوير المحررات واستعمالها المسندة إلى الطاعن الأول فقد خلت مدونات الحكم من تفاصيل كل محرر من المحررات موضوع الجريمة وموطن التزوير فيها وقوفاً على دور الطاعن والمتهمين الأول والثاني والأفعال التي أتاها كل من زور ورقة بعينها أو بياناً أو توقيعاً وإيراد الدليل على أنه قام بشخصه بتزوير البيان المطعون فيه ، ولم يدلل على ثبوت العلم بالتزوير في حق كل متهم بالتزوير الذي قام به غيره من المتهمين ونسب إليه استعمال المحررات المزورة ، إذ اكتفى الحكم في ذلك كله بعبارات عامة مجملة ومجهلة لا يبين منها حقيقة مقصود الحكم في شأن الواقع المعروض لما نسب للطاعنين الأول والثاني من جرائم الذي هو مدار الأحكام ولا يحقق بها الغرض الذي قصده الشارع من إيجاب تسبيبها من الوضوح والبيان . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه لم يثبت - كذلك - في حق الطاعن الثالث والذي دانه بجريمة الرشوة اختصاصه بالعمل الذي دفع الجعل مقابلاً لأدائه ، سواء كان حقيقياً أو مزعوماً أو معتقداً فيه مع أنه ركن في جريمة الرشوة فإن الحكم يكون معيباً بالقصور الذي يبطله .
( الطعن رقم 10108 لسنة 78 ق - جلسة 21 / 3 / 2010 )
4- لما كان المستفاد من نص المادة 103 من قانون العقوبات ، أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال الوظيفة ولو كان حقاً ، وكان نص الشارع في المادة 104 من القانون سالف الذكر التي عددت صور الرشوة على الإخلال بواجبات الوظيفة كغرض من أغراض الرشوة وجعله بالنسبة إلى الموظف ومن في حكمه بامتناعه عن عمل من أعمال الوظيفة وقد جاء التعبير بالإخلال بواجبات الوظيفة مطلقاً من التقيد بحيث يتسع مدلوله لاستيعاب كل عيب يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف وسلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد من واجبات أدائها على الوجه السوى الذي يكفل لها دائماً أن تجرى على سند قويم وقد استهدف المشرع من النص على مخالفة واجبات الوظيفة كصورة من صور الرشوة مدلولاً عاماً أوسع من أعمال الوظيفة التي تنص عليها القوانين واللوائح والتعليمات بحيث يشمل أمانة الوظيفة ذاتها فكل انحراف عن واجب من تلك الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع في النص فإذا تقاضى الموظف جعلاً عن هذا الإخلال كان فعله ارتشاء وليس من الضروري في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفي أن يكون لها اتصال يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة وأن يكون الراشي قد اتجر معه على هذا الأساس ، كما لا يشترط في جريمة الرشوة أن يكون الموظف المرشو والذي عرضت عليه الرشوة هو وحده المختص بالقيام بجميع العمل المتصل بالرشوة بل يكفي أن يكون له نصيب من الاختصاص يسمح أيهما له بتنفيذ الغرض من الرشوة ، وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه " رئيس محكمة جنح مستأنف ....... و ....... " وأنه طلب وأخذ وقبل وعداً من سائر المتهمين بمبالغ مالية وعطايا مباشرة أو عن طريق وساطة بعضهم على سبيل الرشوة مقابل إصداره أحكاماً في القضايا الخاصة بهم أو ذويهم على النحو المتفق عليه بينه وبينهم وتأكد للمحكمة تقاضى الطاعن المقابل على سبيل الرشوة ودانه على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون علىواقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً، ويكون منعاه في هذا الشأن لا أساس له .
( الطعن رقم 6202 لسنة 79 ق - جلسة 21 / 2 / 2010 )
5- لا يشترط في جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التي يطلب من الموظف أداؤها داخلة في نطاق الوظيفة مباشرة ، بل يكفي أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون قد طلب رشوة للاتجار بأعمال وظيفته وليس من الضروري أن يتخذ الموظف من الاختصاص صورة اتخاذ القرار وإنما يكفي أن يكون دوره مجرد المشاركة في تحضير هذا القرار ، ولو كان في صورة رأي استشاري يحتمل أن يؤثر على من بيده اتخاذ القرار ، وكان المستفاد من نص المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات أن جريمة الرشوة تتحقق في جانب الموظف ومن في حكمه متى قبل أو طلب أو أخذ وعداً لأداء عمل من أعمال الوظيفة ، كما تتحقق الجريمة أيضاً ولو خرج العمل عن دائرة الوظيفة بشرط أن يعتقد الموظف خطأ أنه من أعمال الوظيفة أو يزعم ذلك كذباً بصرف النظر عن اعتقاد الراشي فيما زعم الموظف أو اعتقد ، وكان الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به إذ يكفي إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه ، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه ذلك الاختصاص ، وكانت جريمة الرشوة تقع تامة بمجرد طلب الموظف الجعل أو أخذه أو قبوله ولو كان العمل الذي يدفع الجعل لتنفيذه غير حق ولا يستطيعه الموظف أو لا ينتوي القيام به لمخالفته لأحكام القانون ، ما دام العمل المطلوب في ذاته وبصورة مجردة داخلاً في اختصاص الموظف ومادام أن زعم الاختصاص يكفي لتمام الجريمة ، لأن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة ولأن الشارع سوى في نطاق الرشوة بما استنته في نصوصه التي استحدثها بين ارتشاء الموظف وبين احتياله باستغلال الثقة التي تفرضها الوظيفة فيه ، وذلك عن طريق الاتجار فيها وأن الشارع قدر أن الموظف لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس أنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين اثنين هما الاحتيال والارتشاء . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد بين حدود اختصاص الموظف ونوع العمل المقصود في جريمة الرشوة كما استظهر الحكم المطعون فيه أنه صدر حكم في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... بتعيين الطاعن وكيلاً للدائنين - أمين التفليسة - في تلك الدعوى وأنه تقاضي رشوة من المتهم الثاني والثالث بواسطة المتهم الرابع والخامس لقاء سرعة الإجراءات وتقديم تقريراً لدى المحكمة المختصة يفيد عدم تقدم دائنين آخرين بخلاف الدائن طالب الإفلاس بهدف إنهاء إجراءات التفليسة في الدعوى رقم .... لسنة .... إفلاس .... والمعين فيها من المحكمة أيضاً للتفليسة ، فإن النعي على الحكم بالقصور في هذا الخصوص يكون في غير محله .
( الطعن رقم 10118 لسنة 78 ق - جلسة 21 / 11 / 2009 )
6- عقوبة الغرامة التى نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهى من الغرامات النسبية التى أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به ، وكان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامة النسبية على الطاعن بمبلغ عشرين ألف جنيه برغم أن ما أعطى للطاعن هو مبلغ عشرة آلاف جنيه , فإنه يتعين إنزالاً لحكم القانون على وجهه الصحيح نقض الحكم نقضاً جزئياً فيما قضى به من عقوبة الغرامة وتصحيحه بجعلها عشرة آلاف جنيه عملاً بالحق المخول لمحكمة النقض بالمادة 35 من قانون حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض الصادر بالمرسوم بقانون رقم 57 لسنة 1959 ونقض الحكم لمصلحة المتهم إذا تعلق الأمر بمخالفة القانون ولو لم يرد هذا الوجه في أسباب الطعن .
( الطعن رقم 33316 لسنة 72 ق - جلسة 21 / 3 / 2005 )
7- لما كانت العقوبة الأصلية تستمد وصفها من أنها تكون العقاب الأصلى أو الأساسى المباشر للجريمة والتى توقع منفردة بغير أن يكون القضاء بها معلقاً على الحكم بعقوبة أخرى . وقد تكلم الشارع عن العقوبات الأصلية في القسم الأول من الباب الثالث من الكتاب الأول من قانون العقوبات بعد أن حدد أنواع الجرائم في الباب الثانى من الكتاب المذكور ويبين من مراجعة هذه النصوص أن الشارع أورد في المادة العاشرة العقوبات الأصلية للجنايات وقصرها على الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة والمؤقتة والسجن أما الغرامة إذا قضى بها في الجنايات بالإضافة إلى عقوبة أخرى فعندئذ تكون العقوبة الأخيرة هى الأصلية وتعتبر الغرامة مكملة لها ، لما كان ذلك ، فإن عقوبة الغرامة التى نصت عليها المادة 103 من قانون العقوبات تعد عقوبة تكميلية وهى من الغرامات النسبية التى أشارت إليها المادة 44 منه وإن كان الشارع قد ربط لها حداً أدنى لا يقل عن ألف جنيه . ولما كانت المادة 44 المذكورة قد نصت على أنه :" إذا حكم على جملة متهمين بحكم واحد لجريمة واحدة فاعلين كانوا أو شركاء فالغرامات يحكم بها على كل متهم على انفراده ، خلافاً للغرامات النسبية فإنهم يكونون متضامنين في الإلزام بها ما لم ينص الحكم على خلاف ذلك ". وكان إعمال هذا النص يوجب الحكم على المتهمين معاً بهذه الغرامة متضامنين ولا يستطاع التنفيذ عليهم جميعاً بأكثر من مقدارها المحدود في الحكم سواء في ذلك أن يلزمهم الحكم بهذا المقدر متضامنين أو يخص كلاً منهم بنصيب منه ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد أنزل عقوبة الغرامة النسبية على كل من الطاعنين عن التهمة الثانية فإنه يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون .
( الطعن رقم 4184 لسنة 73 ق - جلسة 29 / 9 / 2003 )
8- الفرق بين نص المادة 103 من قانون العقوبات ونص المادة 105 منه أنه إذا وجد اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجُعل انطبقت المادة 103 من قانون العقوبات يستوى في ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه مادام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية ، أما إذا كان أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة غير مسبوق باتفاق بين الراشى والمرتشى فإن العطاء اللاحق في هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 من القانون المذكور . ولما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت واقعة الدعوى فيما سلف بيانه بما تتوافر به العناصر القانونية لجريمة الرشوة المنصوص عليها في المادة 103 آنفة الذكر التى دان الطاعن بها فإن الحكم يكون صحيحاً في القانون وخالياً من القصور في التسبيب ورد على دفاع الطاعن في هذا الشأن ويكون النعى عليه بأن المادة 105 من قانون العقوبات كانت الأولى بالتطبيق بعيداً عن محجة الصواب .
( الطعن رقم 4184 لسنة 73 ق - جلسة 29 / 9 / 2003 )
9- الدفع ببطلان إذن التفتيش وبطلان رفع الدعوى الجنائية قبل المتهمين لعدم وجود طلب جمركى أو ضريبى باعتبار أن الواقعة لا تعدو أن تكون جنحة تهرب من سداد الرسوم الجمركية والضريبية حسبما ورد بقرار الإحالة ، فإنه أيضاً مردود بأنه لما كانت المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية تقضى بأن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها في هذا الشأن مطلق لا يرد عليه قيد إلا في الأحوال الاستثنائية التى نص عليها القانون ، وكانت النيابة العامة قد أقامت الدعوى قبل المتهمين بعد أن باشرت إجراءات التحقيق فيها عن جرائم الرشوة والشروع في الاستيلاء بغير حق على مال عام والحصول بغير حق على أختام الدولة واستعمالها بالمخالفة لأحكام المواد 103 ، 104 ، 113 ، 207 من قانون العقوبات ، وكان هذا القانون قد خلا من أى قيد على حرية النيابة العامة في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها في تلك الجرائم وهى جرائم مستقلة ومتميزة بعناصرها القانونية عن جرائم التهريب الجمركى والضريبى مما لا يستلزم لتحريك الدعوى الجنائية بشأنها الحصول على إذن من مصلحتى الجمارك أو الضرائب ، وكان ما أورده الدفاع من أن أمر الإحالة قد أورد في وصف التهمة الأولى أن المشغولات الذهبية المضبوطة مهربة من الرسوم الجمركية والضريبية ، فإنه قول مردود بأنه لما كان الجدول المرافق للقانون رقم 68 لسنة 1976 بشأن الرقابة على المعادن الثمينة قد حدد رسوم دمغ المشغولات الذهبية المحلية ، وضاعف هذا الرسم على المشغولات الأجنبية الواردة من الخارج مما استلزم من سلطة الاتهام تحديد الرسوم المستحقة على المشغولات المضبوطةتحديداً لعناصر التهمة الثانية .
( الطعن رقم 30639 لسنة 72 ق - جلسة 23 / 4 / 2003 )
10- الدفع ببطلان إذن التفتيش لعدم جدية التحريات التى بنى عليها استناداً إلى القول بأنها جاءت قاصرة وخلت من الإشارة إلى وجود أى دور للمتهمين الخامس والسادس بالواقعة ، أو وجود صلة بين المتهمين الثانى والثالث وبين المتهمين من الرابع حتى الأخير ، وأنه صدر لضبط جريمة مستقبلة ، فهذا الدفع بشقيه مردود بأنه لما كان الأصل فى القانون أن الإذن بالتفتيش هو إجراء من إجراءات التحقيق لا يصح إصداره إلا لضبط جريمة جناية أو جنحة واقعة بالفعل وترجحت نسبتها إلى متهم معين وأن هناك من الدلائل ما يكفى للتصدى لحرمة مسكنه أو لحريته الشخصية . لما كان ذلك ، وكان مفاد نص المادتين 103، 104 من قانون العقوبات أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل ، فإن جريمة الرشوة تكون قد وقعت ، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه مادام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة من البداية . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أن تقدير جدية التحريات وكفايتها لتسويغ الأمر بالتفتيش هو من الموضوع الذى يستقل به قاضيه بغير معقب ، وكانت هذه المحكمة قد اقتنعت بتوافر مسوغات إصدار هذا الأمر بعد أن أوردت التحريات قيام المتهم الأول الموظف بمصلحة دمغ المصوغات والموازين بالاتفاق مع بعض تجار الذهب ومن بينهم المتهم الرابع والمتهم الذى سبق الحكم بإدانته على دمغ كمية من المشغولات الذهبية بطريقة غير مشروعة مقابل جُعل وأنه سيقوم بارتكاب هذا الفعل بمسكنه بمعاونة بعض زملائه من موظفى المصلحة ، ولا يقدح فى جدية هذه التحريات عدم تحديدها لأشخاص بعض المتهمين واكتشاف شخصياتهم فيما بعد ، إذ أنه من المقرر أن الأعمال الإجرائية محكومة من جهة الصحة والبطلان بمقدماتها لا بنتائجها ، ومن ثم تخلص المحكمة إلى جدية التحريات وأن الأمر بالتفتيش إنما صدر لضبط جريمة تحقق وقوعها من مقارفيها لا لضبط جريمة مستقبلة ، ذلك لأن نية الاتجار بالوظيفة فى واقعة الدعوى كانت قائمة من البداية حال تقدم رجل الضبط بهذه التحريات .
(الطعن رقم 30639 لسنة 72 ق - جلسة 2003/04/23 - س 54 ص 583 ق 74 )
11- ما أثاره المدافع عن المتهم الأول من عدم توافر جريمة الرشوة فى حقه استناداً إلى القول بأنه لا يختص بدمغ المشغولات وأن عمله مجرد وزان ، فإنه فى غير محله ، ذلك لأنه من المقرر أنه لا يشترط فى جريمة الرشوة أن تكون الأعمال التى يطلب من الموظف أداؤها داخله فى نطاق الوظيفة مباشرة بل يكفى أن يكون له نصيب فيها يسمح له بتنفيذ الغرض منها وأن يكون من طلب منه الرشوة قد اتجر معه على هذا الأساس ، وإذ كان المتهم الأول يعمل وزانا بمصلحة دمغ المصوغات والموازين وأن القسم الذى يعمل به يتلقى فى البدء المشغولات الذهبية المراد دمغها ويقوم بوزنها قبل عرضها على الأقسام الأخرى لاتخاذ بعض الإجراءات الفنية ثم ترسل أخيراً إلى قسم توقيع الدمغة لدمغها ،وكان الثابت مما سلف إيراده من أدلة فى الدعوى أن المتهم الأول قد اتفق مع المتهمين الثانى والثالث العاملين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة التى يعمل بها على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة بطريقة غير مشروعة لقاء جُعل متفق عليه مع المتهمين من الرابع حتى الأخير ، فإن ذلك يعقد له الاختصاص بما قبل الرشوة من أجله .
( الطعن رقم 30639 لسنة 72 ق - جلسة 2003/04/23 - س 54 ص 583 ق 74 )
12- توافر عنصر اختصاص الموظف بالعمل الذي طلب الرشوة من أجله من الأمور الموضوعية التي يشترط تقديرها إلى محكمة الموضوع بغير معقب عليها ما دام تقديرها سائغاً مستنداً إلى أصل ثابت فى الأوراق، وكان الحكم المطعون فيه قد استظهر اختصاص الطاعن بصفته مهندساً بالإدارة الهندسية لمجلس المدينة......باستخراج رخص المحلات العامة ورد على دفاعه بنفي اختصاصه فى هذا الشأن وفنده بقوله (وعن الدفع بانتفاء اختصاص المتهم بقالة عدم وجود دليل على ذلك فإنه دفع غير سديد ذلك أن الثابت من أوراق الدعوى وأقوال الشاهد رئيس الإدارة الهندسية بمجلس المدنية أن المتهم مختص باستخراج رخص المحلات العامة بالإضافة إلى الإشغالات والتنظيم فضلاً عن أن الاختصاص قد يتم تحديده شفوياً وليس كتابة كما أن أقوال المتهم بالتسجيلات تؤكد أنه مختص باستخراج رخص المحلات العامة، وأنه تعامل مع المبلغين على هذا الأساس المؤيد بواقع العمل فعلاً ومن ثم يكون ذلك النعي قد جانب صحيح الواقع والقانون) وكان ما أوده الحكم فى هذا الخصوص يتحقق به الاختصاص الذي يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة كما استظهر الحكم المطعون فيه إخلال الطاعن بواجبات الوظيفة أخذاً مما شهد به المبلغان وشهود الواقعة وتفريغ أشرطة التسجيلات والأوراق والمستندات التي ضبطت لديه ودانه على هذا الاعتبار، فإنه يكون قد طبق القانون على واقعة الدعوى تطبيقاً صحيحاً ويستقيم به الرد على دفاع الطاعن.
( الطعن رقم 20502 لسنة 69 ق - جلسة 2000/10/16 - س 51 ص 638 ق 126 )
13- لا يؤثر فى قيام جريمة الرشوة أن تقع نتيجة تدبير لضبط الجريمة وألا يكون الراشي جاداً فيما عرضه على المرتشي متى كان عرضه الرشوة جدياً فى ظاهره. وكان الموظف المتهم قد قبله على أنه جدي منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي أو غيره، وكان الثابت بمدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن هو الذي سعى بنفسه إلى المبلغ وطلب منه مبلغ الرشوة وقدمه إليه بناء على الاتفاق الذي جرى بينهما، فإن مفاد ذلك أن الطاعن هو الذي انزلق إلى مقارفة جريمة الرشوة، وكان ذلك منه عن إرادة حرة طليقه، وإذ كان ما أثبته الحكم فيما تقدم كافياً وسائغاً لإدانة الطاعن بجريمة الرشوة، فإن ما يثيره عن القول بان المبلغ هو الذي خلق الجريمة لا يكون صحيحاً .
( الطعن رقم 21459 لسنة 67 ق - جلسة 1999/11/09 - س 50 ص 559 ق 126 )
14- كانت المادة 103 من قانون العقوبات تنص على أن "كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ويعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به" كما تنص المادة 105 منه على أن: كل موظف عمومي قبل من شخص أدى له عملاً من أعمال وظيفته أو امتنع عن أداء عمل من أعمالها أو أخل بواجباتها هدية أو عطية بعد تمام ذلك العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات وظيفته بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تزيد عن خمسمائة جنيه" ومفاد هذين النصين أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على أداء العمل مقابل الجعل انطبقت المادة 103 من قانون العقوبات يستوي فى ذلك أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه ما دام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية، أما إذا كان أداء العمل - أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة - غير مسبوق باتفاق بين الراشي والمرتشي فإن العطاء اللاحق فى هذه الحالة تنطبق عليه المادة 105 من قانون العقوبات.
( الطعن رقم 6578 لسنة 53 ق - جلسة 1984/03/13 - س 35 ص 267 ق 55 )
15- القصد الجنائي فى الرشوة يتوافر بمجرد علم المرتشى عند طلب أو قبول الوعد أو العطية أو الفائدة أنه يفعل هذا لقاء القيام بعمل أو الإمتناع عن عمل من أعمال الوظيفة أو للإخلال بواجباته وأنه ثمن لإتجاره بوظيفته أو إستغلالها و يستنتج هذا الركن من الظروف والملابسات التى صاحبت العمل أو الإمتناع أو الإخلال بواجبات الوظيفة . ولما كان الحكم المطعون فيه قد دلل على أن العطية قدمت للطاعن تنفيذاً للإتفاق السابق الذى إنعقد بينه وبين المجنى عليه مما يتحقق معه معنى الإتجار بالوظيفة ويتوافر به القصد الجنائي كما هو معرف به فى القانون ، فإن ما يثيره الطاعن من أنه أخذ المبلغ " كوهبة " لا يكون مقبولاً ويضحى النعى على الحكم بقالة الخطأ فى تطبيق القانون فى غير محله .
( الطعن رقم 517 لسنة 41 ق - جلسة 1971/06/20 - س 22 ع 2 ص 487 ق 119 )
16- إن مفاد نصوص المواد 103 ، 104 ، 105 من قانون العقوبات ، أنه إذا توافر اتفاق بين الموظف وصاحب المصلحة على امتناع الموظف عن أداء عمل معين أو للإخلال بواجبات وظيفته ، انطبقت المادة 104 عقوبات ، يستوى فى ذلك أن يكون العطاء سابقا أو معاصرا للامتناع أو الإخلال أو أن يكون العطاء لاحقا عليه ، ما دام الامتناع أو الاخلال كان تنفيذا لاتفاق سابق ، إذ أن نية الاتجار بالوظيفة فى هذه الحالة تكون قائمة منذ بداية الأمر بدلالة تعمد الإخلال بواجب الوظيفة ، أما إذا أدى الموظف عمله أو امتنع عنه أو أخل بواجبات الوظيفة دون أن يسبقه اتفاق مع الراشى على أداء العمل أو الامتناع عنه أو الإخلال ، ثم طالب بمكافأته ، انطبقت المادة 105 من قانون العقوبات .
( الطعن رقم 199 لسنة 40 ق - جلسة 1970/03/16 - س 21 ع 1 ص 398 ق 98 )
تقوم جريمة الرشوة على ثلاثة أركان الأول يتعلق بالصفة الخاصة للمرتشي إذ يتعين أن يكون موظفاً عاماً أو ممن يعدون في حكمه، والثاني الركن المادي وهو الطلب أو القبول أو الأخذ، والثالث هو الركن المعنوي أو القصد الجنائي.
الركن المادي :
تنص المادة 103 من قانون العقوبات على أن " كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً... " ومفاد ذلك أن الركن المادي لجريمة الرشوة هو طلب أو قبول أو أخذ وعد أو عطية نظير عمل من أعمال وظيفته أو الإمتناع عنه ومن ثم فإن الفعل المادي ينحصر في صور ثلاث هي :
(أ) الطلب :
جعل المشرع من مجرد طلب الشخص فائدة معينة للإتجار بالوظيفة أو العمل جريمة تامة فيكون هو البادئ بعرض خدمة معينة لقاء مقابل يحصل عليه ومن ثم فإنه لا يشترط أن يلقي الطلب قبولاً من جانب صاحب المصلحة وإذا كانت عملية الرشوة تقتضي في طبيعتها وجود طرفين الراشي والمرتشي وقيام إيجاب وقبول والتقائهما حتى تعتبر الجريمة قد تمت فإنه يترتب على هذا أن مجرد الطلب من جانب المرتشي أو العرض من جانب الراشي يعتبر مشروعاً في رشوة إن لم يلقي أيهما قبولاً على أن المشرع رأى في تصرف المرتشي ما يمثل خطورة بذاته فجعله جريمة مستقلة لأنه كشف عن مدى عبثه بمهام وظيفته وإتخاذها موضوعاً للإتجار مما قد يترتب عليه إفقاد ثقة الناس في رعاية مصالحهم بوجه حق، وقد قيل في ذلك أن المشرع المصرى بمساواته الطالب بالقبول في جريمة الرشوة - قد اعتبر الرشوة جريمة شكلية طالما أنه يعاقب علي هذين الفعلين سواء بسواء بإعتبار أن القصد الجنائي للجاني قد ظهر بجلاء طلبه للرشوة شأنه في ذلك شأن قبولها وذلك دون النظر إلي النشاط الإجرامي للموظف، أي قبول صاحب الحاجة لطلب الموظف أو رفضه له، وهذا يدل على أنه لا مجال للشروع في جريمة الموظف لأن الجريمة تتم بمجرد الطلب حتى ولو لم ينتج أثراً أي بمجرد قيام مسعى من جانب واحد.
وقد ذهب رأي إلى أن الشروع متصور في حالة الطلب وهو يكفي وفقا للنصوص الحالية لقيام الجريمة في صورتها الحالية، لقيام الجريمة في صورتها التامة في كل فعل يعتبر بدءاً في تنفيذه فالموظف الذي يكتب ما يطلبه من عطية أو في رسالة نظير أداء عمل ما لصاحب المصلحة وقبل أن يفضها يعتبر شارعا في رشوة ولا يغير من ذلك القول بأن هذا الفعل كان يشكل مجرد عمل تحضيري قبل تجريم الطلب لأن الطلب نفسه كان يشكل شروعاً.
ولكن الراجح في نظر غالبية الشراح أن فعل "الطلب" في حقيقة أمره شروعاً في رشوة وقد خرج المشرع على هذا الأصل بإعتباره عملاً تنفيذياً تاماً بالنص فإن الشروع فيه وفقا للأصل عمل تحضيري للرشوة وبالتالي فلا يصح إدخاله في نطاق التجريم باعتباره بدءاً في تنفيذ الرشوة أو تنفيذاً على خلاف الأصل عملاً بنص ومن ثم فإن الرشوة بعد تجريم مجرد "الطلب" قد أصبحت جريمة شكلية ولا يتصور فيها الشروع، وفي ذلك قضت محكمة النقض بأن مجرد طلب الرشوة من الموظف جريمة تامة، الطعن رقم 905 لسنة 37 ق جلسة 6/ 11/ 1967.
و يتعين أن يكون الطلب الذي تتحقق به جريمة الرشوة جدياً وليس على سبيل العبث كما يتعين أن يتصل بذي الحاجة أو وسيطة وليس للطلب شكل خاص فقد يكون كتابة وقد يكون شفاهة كما قد يكون بأي فعل يستشف فيه طلب الموعد أو العطية ولقد سوى الشارع بين طلب الموظف المقابل لنفسه أو لغيره فالموظف الذي يطلب رشوة لموظف آخر يعد فاعلاً للرشوة وليس مجرد شريك فيها.
وخلاصة ذلك أن طلب الرشوة قد يكون بعبارات صريحة كما قد يكون ضمنيا والطلب الضمني يستفاد من تصرفات الموظف التي لا تدع شكاً في دلالتها على التعبير عن إرادته في تعلق أداء العمل الوظيفي أو الإمتناع عنه على دفع المقابل أو الوعد به ويكفي أن يكون الطلب جاداً في قبوله أو غير جاد - كما لا يشترط في الطلب أنه يكون محدداً فيما يتعلق بالعطية أو الوعد بها بل يكون الطلب منصباً على عطية قابلة للتحديد ذلك أن الموظف قد طلب ثمناً لأداء العمل الوظيفي ويترك تحديد ماهية هذا الثمن لفطنة وحسن تقدير صاحب المصلحة لكن يشترط في الطلب أن يكون محدداً بالنسبة للعمل الوظيفي الذي يتعهد الموظف بأدائه لقاء العطية أو الوعد بها فإن لم يكن كذلك فلا تقوم الجريمة بهذا الطلب.
(ب) القبول :
لا يلزم في جريمة الرشوة أن يحصل المرتشى من صاحب الحاجة على فائدة معجلة فالرشوة تتم من قبل المرتشي، وعدا بالحصول على الفائدة فيما بعد وذلك بدون توقف على تنفيذ الراشي بما وعد به، ولا يشترط في العرض والقبول شكل معين كأن يكون بالقول أو الكتابة ولكن يشترط أن يكون قبول الموظف جدياً أو حقيقياً فإذا تظاهر بقبول العرض ليسهل على أولى الأمر القبض على العارض متلبساً بجريمته فإن القبول الصحيح الذي تتم به الجريمة يكون منعدماً في هذه الحالة ولا يكون في المسألة أكثر من إيجاب لم يصادف قبولاً يعاقب عليه عرض الرشوة فقط وفقاً للمادة 109 مكرر، كما وأن القبول الحقيقي يقتضي عرضاً جديا ولو في الظاهر فإذا كان العرض ظاهر الهزل فلا يعد عرضاً ولا ينصرف إليه بالتالي قبول ولا تقع بذلك أية جريمة.
وخلاصة ذلك أن القبول هو تعبير عن إرادة متجهة إلى تلقي المقابل في المستقبل نظير العمل الوظيفي ويصدر القبول عن الموظف ويفترض عرضاً وإيجاباً من صاحب الحاجة وبالقبول الذي صادف العرض ينعقد الاتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الرشوة في هذه الصورة والقبول في جوهرة إرادة ينبغي أن تكون جادة وصحيحة وهو في مظهره تعبير وإفصاح بوسيلة ما عن هذه الإرادة.
وقد يكون التعبير بالقول أو الكتابة أو الإشارة بل يجوز أن يكون القبول ضمنياً ويعني القبول الضمني إرادة صحيحة قانوناً تضع في اعتبارها أن القبول نظير العمل الوظيفي. وأبرز صور القبول الضمني انصراف الموظف إلي أداء العمل الذي تقتضيه مصلحة صاحب الحاجة بعد علمه بالعرض كما يجوز أن يكون القبول معلقاً على شرط وتعد الرشوة تامة بالقبول فلا يتوقف تمامها على تنفيذ موضوع الإتفاق.
(ج) - الأخذ :
الأخذ هو التنازل المعجل أو الفوري للعطية أو الفائدة إذا العادة أن المرتشي يتضمن ثمن اتجاره بوظيفته عطية حاضرة وهذا ما يعنيه المشرع بقوله "أخذ" أي أن الأخذ تعبير بنوع العطية ولا الهيئة التي قدمت بها الغالبية في أفعال الإرشاء ولا عبرة بنوع العطية أو الهيئة التي قدمت بها، فقد تقدم إلى المرتشي في شكل هدية إخفاءاً لقصد الرشوة أو تأدباً معه ويكون المقابل من أعمال الوظيفة أمر مفهوم ضمنا وقد تقدم على أنها من العمل المطلوب صراحة وتعتبر هذه الصورة من أخطر صور الرشوة إذ فيها يكون الموظف قد قبض فعلاً ثمن التجارة بوظيفته أو استغلالها ولذلك أطلق اسم " الرشوة المعجلة " خلافاً لصورة القبول إذ يطلق عليها اسم " الرشوة المؤجلة " فإذا تسلم الموظف العطية فلا عبرة بنوع التسليم يستوي أن يكون حقيقياً أو رمزياً ويعتبر أخذ العطية انتفاع الجاني بالميزة أو الفائدة موضوع الرشوة.
ولا صعوبة في إثبات أخذ الموظف للعطية فيثبت هذا الأمر بطرق الإثبات کافه باعتبار الأخذ واقعة مادية وبصفة خاصة يجوز الإثبات بشهادة الشهود أياً كانت قيمة مقابل الرشوة و حيازة الموظف للمقابل تسهيل إثبات الرشوة عليه إلا إذا قدم سبباً مشروعاً برر هذه الحيازة أو ينفى إرتباط العطية بالعمل الوظيفي.
ويلاحظ أنه في هذه الصور الثلاثة تكون العبرة بفعل الموظف وبكونه جديا ولو كان صاحب المصلحة غير جاد في مسلكه بأن كان يتظاهر في الصورة الأولى بقبول طلب الموظف أو يتظاهر في الصورة الثانية بعرض الوعد أو العطية على الموظف أو يتظاهر في الصورة الثالثة بأنه جاد في العطية التي قدمها إلى الموظف ففي جميع هذه الأحوال تتوافر جريمة الرشوة في حق الموظف مادام جادا في مسلكه على إحدى هذه الصور الثلاث ولو كان الطرف الأخر غير جاد ولا يصعب إثبات جدية الموظف في مسلكه بالصورة الأولى أي حين بدر منه طلب الوعد أو العطية ولا بالصورة الثالثة حين يأخذ العطية بالفعل، وإنما قد تنشأ الصعوبة في الصورة الثانية حين يقبل الموظف وعدا بعطية من صاحب الحاجة، عندئذ يجب التثبت من كون الموظف قد قبل الوعد حقيقة ولا يكفي في اعتباره قابلاً مجرد سكوته أو مجرد إتيانه على أثر ذلك العمل المطلوب منه فهذا السكوت قد يدل على رفض أو عدم اكتراث أو تردد ولا يقطع بقبول الموظف ولو أدى الموظف منه إذ أمكن أن يعزى أداء هذا العمل إلى الواجب المفروض على الموظف القيام به بصرف النظر عن إرادة صاحب الحاجة، على أنه لا ينفي الجريمة كون الموظف بعد مفاوضات بينه وبين صاحب الحاجة رفض أن يقضي لهذا حاجته بحجة عدم كفاية الأجر المعروض كمقابل ذلك .
القصد الجنائي في جريمة الرشوة هو قصد عام يقوم على العلم والإرادة المنصرفين إلى أركان الجريمة، ولا شأن لنية الإتجار فهذه النية لا تدخل في النموذج القانوني لجريمة الرشوة التي تتحقق ولو لم يقصد الموظف الإتجار في أعمال الوظيفة والواقع أن النص على قيام الجريمة حتى ولو انتفى لدى الموظف قصد الإتجار بأعمال الوظيفة أي قصد القيام بالعمل أو الإمتناع أو الإخلال الذي تلقى الوعد أو العطية من أجله له ما يبرره فهذا النص كان ضروريا لسد كل سبيل يمكن أن يؤدي إلى استغلال الوظيفة من ناحية ولأن الأصل كان يقتضي القول بانعدام القصد الجنائي لدى الموظف في هذه الحالة من ناحية أخرى فالموظف لا يتجر في هذا الفرض بأعمال الوظيفة و إنما يقصد الحصول على الفائدة دون القيام بما يطلب منه، وهذا يتحقق إذا ما زعم الموظف اختصاصه بالعمل وأوهم صاحب المصلحة بذلك ليحصل منه علي العطية أو إذا كان مختصا بالفعل ولكنه لا ينتوي الإخلال بواجبات وظيفته وإنما يقصد فقط مجرد استغلالها للحصول من ورائها على فوائد غير مشروعة تتمثل في الإثراء غير المشروع على حساب الوظيفة العامة التي تفقد في كل الأحوال هيبتها وقدسيتها في نظر جمهور الناس.
ومن ناحية أخرى يتعين أن يلاحظ أنه لا يكفي أن يطلب الموظف أو يقبل أو يأخذ الوعد أو العطية بل يجب أن يتوافر كذلك علمه بأن المقصود بالوعد أو العطية أن يكونا مقابلاً لعمل أو امتناع يختص هو به أو يزعم أو يعتقد خطأ أنه من اختصاصه فإذا كان يعتقد وقت تقديم العطية له أنها لغرض برئ فلا تتوافر في حقه الجريمة.
إثبات القصد الجنائي :
يثبت القصد الجنائي بكافة طرق الإثبات فليس من الضروري أن يفصح عنه المرتشي أو شريكه أو عارض الرشوة بقول أو كتابة بل يكفي أن تدل ظروف الحال على المرتشي على توافر هذا القصد ذلك بأن الركن المعنوي لهذه الجناية شأنه شأن الركن المعنوي لأي جريمة أخرى قد يقوم في نفس الجان وغالباً ما يكتمه و لقاضي الموضوع إذا لم يفصح الجاني عن قصده بقول أو كتابة من يستدل على توافره بظروف الدعوى وملابساتها.
عقوبة الرشوة :
العقوبة الأصلية هي السجن المؤبد وهي عقوبة صارمة تتفق مع سياسة القانون رقم 69 لسنة 1953 في محاربة الرشوة وغني عن البيان أن للقاضي أن يخفض العقوبة إلى الحد المسموح به طبقاً للمادة 17 من قانون العقوبات إذا اقترنت الجريمة بأحد الظروف المخففة التي يرى فيها القاضي استعمال الرأفة المخولة له بمقتضى المادة سالفة الذكر.
العقوبة التكميلية :
فرض القانون عقوبتين هي الغرامة النسبية والمصادرة وبالنسبة إلى الغرامة النسبية فقد نصت المادة 103 على أن يعاقب المرتشي بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به، وطبقاً للمادة 44 عقوبات يلزم الجناة إذا تعددوا بهذه الغرامة متضامنين على أنه إذا تعدد المرتشون واختلف نصيب كل منهم في الرشوة فإن الغرامة الواجب الحكم بها في هذه الحالة تحدد حسب مقدار ما استولى عليه كل من المرتشون أو ما كان موضوعاً لطلبهم أو قبولهم الرشوة وإذا دعت رأفة القضاء إلى تخفيف العقوبة الأصلية وفقاً للمادة 17 فلا يجوز أن يمتد ذلك إلى الغرامة النسبية وذلك باعتبار أن المادة المذكور لا تشمل غیر العقوبات المقيدة للحرية. هذا إلى أن رد مبلغ الرشوة إلى الراشي لا يعفي المرتشي من هذه الغرامة، ذلك باعتبار أنها عقوبة - وأن خالطها عنصر التعويض- وليست تعويضاً بحتاً والحد الأدنى لهذه الغرامة هو ألف جنيه حتى ولو كانت قيمة الرشوة أقل أو تعذر تحديدها، والعقوبة التكميلية الثانية هي المصادرة التي تشمل مصادرة النقود أو غيرها من القيم التي كانت موضوعاً الجريمة الرشوة و يتعين لذلك القضاء بالمصادرة عندما يكون لها محلاً.
ويضاف إلى ذلك سريان العقوبات التبعية المنصوص عليها بالمادة 25 من قانون العقوبات وذلك دون حاجة للنص عليها بمنطوق الحكم القاضي بالإدانة.
تعريف الموظف العام :
الموظف العام كما استقرت محكمة النقض على تعريفه هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام في الدولة أو أحد أشخاص القانون العام عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق.
فئات الأشخاص التي نصت عليهم المادة 111 من قانون العقوبات :
نصت المادة 111 على فئات من الأشخاص اعتبرتهم في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الفصل وهم :
(1) المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها ويريد الشارع بالمستخدمين في المصالح التابعة للحكومة أن يشير إلى صغار الموظفين العاملين في الدولة فقد جرى عرف الشارع فيما مضى على احتجاز تعبير "الموظف" لكبار العاملين في الدولة ولفظ "مستخدم" لصغارهم وقد زالت الآن، هذه التفرقة وصار الجميع العاملين المدنيين في الدولة والإشارة إلى المستخدمين في النص يستفاد منه أن المشرع يخضع النصوص الرشوة كل شخص ينطبق عليه تعريف الموظف العام في مدلوله الجنائي أياً كان وضعه في التدرج الوظيفي فمن يشغلون أدنى الدرجات يخضعون لنصوص الرشوة ولو كانوا سعاه أو حجاباً وخضوع الموظف النظام خاص خلاف قانون العاملين المدنيين كرجال الجيش والشرطة، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والقضاة لا ينفي عنهم صفة الموظف العام، ويريد الشارع بالمستخدمين في المصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة أن يشير إلى العاملين في الهيئات العامة اللامركزية باعتبارها هيئات تخضع للوصاية الإدارية " وسواء في ذلك أن تكون من هيئات الإدارة المحلية كالمحافظات والمدن أو أن تكون مؤسسات عامة متخصصة إدارية كانت أو تجارية أو صناعية.
(2) أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معينين ولاشك أن هؤلاء الأشخاص يعتبرون موظفون عموميون إلا أن المشرع أشار إليهم صراحة منعا لكل خلاف، وهؤلاء يقومون بأعمال عامة وإن لم يكن لها صفة الدوام إذ هي مؤقتة بمدة النيابة.
(3) المحكمون أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون وهؤلاء هم الذين يعاونون القضاة في ممارسة اختصاصاتهم.
(4) كل شخص مكلف بخدمة عمومية ويقصد بالمكلف بخدمة عامة كل من يلزمه القانون بالقيام بإحدى الخدمات العامة أو بمباشرة مهمة تتعلق بالنظام العام بغض النظر عن كونه لا يشغل مركزاً وظيفياً في الدولة ولا تثبت هذه الصفة إلا في حدود العمل المكلف به ويشترط لصحة التكليف الصادر من موظف عام أن يصدر ممن يملكه فلا يستعاض عن ذلك بالأمر الواقع الذي تفرضه الإدارة خروجاً على حكم القانون ويستوي أن يكون العمل المكلف به دائماً أو مؤقتاً بمقابل أو بغير مقابل سواء سعی إلى التكليف بإرادته أو كان بناء على أمر من السلطة العامة ويلاحظ أن أحكام الرشوة لا تسرى على من يتطوع لعمل من الأعمال العامة.
(5) العاملون في الوحدات الاقتصادية التي تساهم الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية العامة في مالها بنصيب إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة للمادة 111 من قانون العقوبات فإنه يعتبر في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الفصل الخاص بالرشوة أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بأية صفة كانت ويلاحظ أنه يتعين أن تتوافر تلك الصفة وقت ارتكاب الرشوة. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة: 157)
تنطوي هذه الجريمة على اتجار الموظف العام بوظيفته وإستغلالها لفائدته الخاصة، فالموظف بحكم القانون مكلف بأداء أعمال وظيفته تنفيذا للرابطة القانونية التي تربطه بالدولة وليس له أن يتقاضى من الأفراد ما يقابل العمل أو المهمة التي يقوم بها، أو أن يمتنع عن أدائها أو يخل بواجبات وظيفته لقاء أجر ما.
ولا شك أن حاجة الأفراد للخدمات العامة التي يؤديها الموظف العام قد تحملهم على الإذعان لشهواته إذا ما أراد الإتجار بوظيفته أو إستغلالها لمآربه الخاصة وهو أمر يؤدي بهيبة الوظيفة العامة ويضعف شعور الأفراد بالهيبة، والإحترام نحو الدولة، كما يؤدي إلى اختلال ميزان العدل والتشكيك في أعمال موظفي الدولة وحيادهم ونزاهتهم، وكل ذلك يؤثر على مصلحة الدولة وفي حسن الأداء، ويضعف من الإحساس بنزاهة الحكم، ومن ثم فانه يبدو واضحاً أن الرشوة هي أخطر الآفات التي تصيب الوظيفة العامة، وقد وعي المشرع هذه الحقيقة في القانون رقم 69 لسنة 1953 فتوسع في تجريم الرشوة و غلظ العقوبة المقررة لها.
خطة المشرع في تجريم الرشوة:
نص قانون العقوبات المصري الصادر سنة 1937 في الباب الثالث من الكتاب الثاني المواد من (103) إلى (111) على جريمة الرشوة، وقد جاء القانون رقم 69 لسنة 1953 فألغى نصوص المواد من (103) إلى (111) سالفة الذكر واستعاض عنها بنصوص أخرى جديدة، وقد ترتب على هذا التعديل التوسع في نطاق التجريم إذ امتد العقاب على جريمة الرشوة إلى أفعال لم تندرج تحتها من قبل، وإلى أفعال أخرى ألحقت بجريمة الرشوة وبالإضافة إلى ذلك شدد التعديل المذكور العقاب على جريمة الرشوة حتى وصل على السجن المؤبد في بعض الحالات، وقد جاء القانون 120 لسنة 1961 بتعديلات عامة في مواد الرشوة لتلافي بعض عيوبها ومجابهة ما يقتضيه تطور النظام الإجتماعي في بعض الأحوال سواء بالتجريم أو بتشديد العقاب.
وقد جاء مشروع قانون العقوبات بخطة جديدة في تنظيم جريمة الرشوة مستهدفاً في ذلك تبسيط أحكامها وقصرها على المعنى الضيق للإتجار بالوظيفة مع الاعتدال في العقوبات المقررة لها.
طرفا الرشوة :
تقتضي فكرة الرشوة توافر طرفين المرتشي وهو الموظف العام ومن في حكمه، والراشي وهو صاحب المصلحة الذي يعرض الوعد أو العطية على الموظف ثمناً لاتجاره بوظيفته أو استغلالها، على أن قانون الرشوة لا يتطلب مساهمة الاثنين معاً في ارتكابها، ذلك أن مجرد طلب الموظف العام الرشوة من صاحب المصلحة يعد وحده كافياً لوقوع جريمة الرشوة ولو لم يستجب الأخير إلى طلبه، وواقع الأمر أن الموظف العام ومن في حكمه هو سيد المشروع الإجرامي في جريمة الرشوة، إذ هي في جوهرها وأساسها جريمة موظف عام.
وقد يتدخل في الرشوة ما يسمى بالوسيط (أو الرائش) ممثلاً لأحد طرفي الرشوة أو كليهما في تحقيق مآربهم ، وهو في حقيقته ليس إلا شريكاً في جريمة الرشوة.
وقد يتوافر في الرشوة ما يسمى بالمستفيد، وهو شخص يعينه المرتشي أو يوافق على تعيينه للحصول على الفائدة أو العطية موضوع الرشوة، وقد يساهم هذا المستفيد في جريمة الرشوة بفعل من أفعال الإشتراك فيعتبر شريكاً فيها، وإلا فإنه يتعين مساءلته عن جريمة خاصة نصت عليها المادة (108) مكرراً عقوبات.
الرشوة بمعناها الدقيق :
ولقد نصت المادة (103) عقوبات على جريمة الرشوة بمعناها الدقيق وهي اتجار الموظف أو استغلاله لوظيفته على النحو المبين في القانون.
وتستلزم هذه الجريمة لقيامها توافر شرط مفترض يمثل الصفة الواجب توافرها في الجاني، وركنين هما :
1) ركن مادي هو النشاط الإجرامي الذي يتحقق به في نظر القانون معنی الإتجار بالوظيفة أو استغلالها.
2) ركن معنوي وهو القصد الجنائي.
الشرط المفترض: صفة الجاني الموظف العام :
ذاتية مدلول الموظف العام .
افترض المشرع المصري لوقوع جريمة الرشوة أن يكون المرتشي موظفاً عاماً أو أن يدخل في طائفة معينة اعتبرها في حكم الموظفين العموميين، هكذا يتبين أن المشرع قد توسع في تحديد مدلول الموظف العام في باب الرشوة فلم يقف عند التعريف الضيق لبعض فقهاء القانون الإداري للموظف العام بل استأثر بتعريف واسع يتفق مع ما يتمتع به قانون العقوبات من ذاتية واستقلال عن سائر القوانين، على أن هذا التعريف ليس من العمومية والشمول بحيث ينصرف إلى معنى الموظف العام في سائر جرائم قانون العقوبات، إذ بينما نجد أن المشرع يتجه إلى التوسع في مدلول الموظف في جريمة الرشوة وجريمة الإختلاس وغيرهما من جرائم الإخلال بواجبات الوظيفة نجده يتجه إلى التضييق في نطاق هذا التعريف الواسع في جرائم التزوير واستعمال القسوة والتعدي على الموظفين العموميين وغيرها من الجرائم التي يتطلب القانون في مرتكبها أو في المجني عليه فيها أن يكون موظفاً عاماً لذا فإنه يمكن القول بأنه لا يوجد تعريف موحد للموظف العام في قانون العقوبات يقابل تعريفه المتفق عليه في القانون الإداري.
تعريف الموظف العام في القانون الإداري :
عرفت المحكمة الإدارية الموظف العام بأنه الشخص الذي يعين بصفة مستمرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الحكومة المركزية أو السلطات الإدارية المركزية بالطريق المباشر.
وقد توسع المشرع في المادة (111) من قانون العقوبات في تحديد الموظف العام في صدد الرشوة والإختلاس ونحوهما فنص في هذه المادة على ما يسمى بالموظف العام الحكمي في صدد هذه الجرائم، ولكنه خلط بين الموظف العام الحقيقي والموظف العام الحكمي، فجاءت المادة (111) من قانون العقوبات خليطاً بين النوعين .
وسوف نتعرض لصفة الجاني بالبحث والتمحيص عند شرح المادة 111 من قانون العقوبات.
الركن المادي للجريمة :
ويتمثل في الطلب أو القبول أو الأخذ :
الطلب:
يكفي لتوافر النشاط الإجرامي في الرشوة أن يصدر عن الموظف بإرادته المنفردة إيجاب بالرشوة ولو لم يعقبه قبول لها ممن توقع الموظف أن يكون راشياً فتقع الجريمة كاملة ولو رفض الراشي الإستجابة إلى هذا الطلب كما يستوي الوقوع الجريمة أن يطلب الموظف الرشوة لنفسه أو لغيره، أو أن يرد الطلب على العطية أو ينصرف إلى مجرد الوعد بها وهذا التوسع في التجريم يرجع إلى أن مجرد طلب الرشوة ولو لم يعقبه قبول أو أخذ ينطوي على معنى عرض الوظيفة اللإتجار بها أو استغلالها مما يحقق الخطر المراد تفاديه بتجريم الرشوة.
القبول :
يكفي لوقوع جريمة الرشوة أن يقبل الموظف الوعد بالعطية الذي صدر من الراشي دون عبرة بما إذا كان الراشي قد نفذ هذا الوعد أو نكل عن تنفيذه، إذ يكفي مجرد صدور القبول من المرتشي لوقوع جريمة الرشوة تامة كاملة.
وللمحكمة أن تتحقق من توافر القبول من جميع ظروف الواقعة وفقاً لما تستبينه من أدلة الإثبات المطروحة عليها، ولا يشترط فيه أن يكون في صورة معينة، فيستوي أن يصدر شفاهة أو كتابة، صراحة أو ضمناً وقد تستبين المحكمة القبول الضمني من سكوت الموظف في ظروف معينة تفيد معنى القبول ويشترط في القبول أن يكون جدياً أي صادراً عن إرادة حرة واعية، فلا تقع الجريمة إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة ليسهل على رجال الشرطة القبض على الراشي، وعلى العكس من ذلك لا يشترط أن يرد القبول على إيجاب صحيح، فتقع الجريمة ولو كان عرض الرشوة عليه غير جدي، وعلة ذلك أن الرشوة ليست عقدا حتى يتطلب فيه تبادل الإرادتين.
الأخذ :
يقع هذا الفعل باستلام الموظف أو انتفاعه بالعطية موضوع الرشوة، وتتميز هذه الصورة من الركن المادي بأنها ترد مباشرة على العطية سواء س بقها وعد بالرشوة أو لم يسبقها هذا الوعد، وتعتبر أخطر صور الرشوة، إذ فيه يكون الموظف قد قبض فعلا ثمن التجاره بوظيفته أو استغلالها، ولهذا يطلق عليها تعبير "الرشوة المعجلة" خلافاً لصورة القبول إذ يطلق عليها "الرشوة المؤجلة"، وإذا تسلم الموظف العطية فلا عبرة بنوع التسليم فيستوي أن يكون حقيقياً أو رمزياً ويعتبر أخذاً للعطية انتفاع الجاني بالميزة أو الفائدة موضوع الرشوة.
ويستوي أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه مادام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق إذ أن نية الإتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية.
الفائدة موضوع الرشوة :
يتعين في الطلب أو القبول أو الأخذ أن يرد على وعد أو عطية حسب الأحوال، ولا يشترط في الفائدة أن تكون محددة طالما كانت قابلة للتحديد، ويجب أن يثبت أن المقابل قد طلبه الموظف أو قبله أو أخذه كثمن لأداء عمله.
سبب الرشوة :
وسبب الرشوة الذي يتعين اتجاه إرادة الجاني إليه هو أداء عمل من أعمال وظيفته.
وجريمة الرشوة تقع وتتم بمجرد الطلب أو القبول أو الأخذ، دون أن يعلق تمامها على تنفيذ المقابل.
القصد الجنائي :
الرشوة جريمة عمدية يتطلب فيها القانون توافر القصد الجنائي لدى المرتشي، ويتوافر هذا القصد باتجاه إرادة الجاني إلى طلب الرشوة أو قبولها أو أخذها عالماً بأنها مقابل الاتجار بوظيفته، وبالتالي فإن القصد يتطلب توافر عنصرين هما الإرادة والعلم.
أ) يجب أن تتجه إرادة الموظف إلى الطلب أو القبول أو الأخذ، فلا يتوافر القصد الجنائي إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة للإيقاع بالراشي أو إذا دس الراشي المبلغ في جيب المرتشي دون أن تتجه إرادة الأخير إلى أخذه، وإذا اتجهت إرادة الجاني إلى أخذ الرشوة وجب أن تتجه نيته إلى الإستيلاء على العطية سواء بقصد التملك أو الإنتفاع.
ب) يجب أن يعلم الموظف بأن الرشوة التي طلبها أو قبلها أو أخذها ليست إلا مقابل الاتجار بوظيفته أو استغلالها، فلا يتوافر القصد الجنائي إذا تسلم الموظف مبلغا من المال سداد الدين على "الراشي" غير عالم بنية هذا الأخير في إرشائه، أو إذا أعطى الراشي العطية لزوجة الموظف بنية إرشائه دون أن يعلم الموظف بذلك.
وهناك رأي في الفقه يذهب إلى اشتراط توافر قصد خاص في جريمة الرشوة وهو نية الإتجار بالوظيفة واتخاذ الوظيفة وسيلة للحصول على العطايا الملوثة.
إلا أننا نذهب إلى أن الركن المادي للرشوة يكفي لإظهار نية الجاني في الاتجار بأعمال وظيفته.
العقوبة:
عقوبة أصلية وهي السجن المؤبد، إلا أنه يمكن للقاضي أن يخفض العقوبة إلى الحد المسموح به طبقا لنص المادة (17) عقوبات إذا اقترنت الجريمة بأحد الظروف المخففة، وعقوبة أخرى تكميلية وجوبية وهي الغرامة النسبية التي لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به . (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 269)
الرشوة هي اتجار الموظف العام في أعمال وظيفته ، وذلك بتقاضيه أو قبوله أو طلبه مقابلا نظير قيامه بعمل من أعمال وظيفته أو امتناعه عنه، وقد وضع الشارع تعريفا مجملا للموظف المرتشي ضمنه المادة 103 من قانون العقوبات التي نصت على أن « كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء عمل من أعمال وظيفته يعد مرتشياً ولتوضيح هذا التعريف نلاحظ أن القوانين واللوائح المنظمة لأعمال الوظيفة العامة تفرض على شاغلها أداء هذه الأعمال غير منتظر مكافأة سوى المرتب الذي تقرره له ، فإن تطلع إلى ما وراء ذلك فتلقی مقابلاً من صاحب المصلحة في أداء هذه الأعمال أو الإمتناع عنها فقد ارتكب الرشوة ، بل أنه يرتكب هذه الجريمة إذا اقتصر نشاطه على مجرد قبول الوعد بهذا المقابل ، أو على مجرد طلبه ولو رفض صاحب الحاجة الإستجابة إليه .
علة الجريمة الحق المعتدى عليه بارتكاب الرشوة هو نزاهة الوظيفة العام، وهو حق أساسي لكل مجتمع منظم : فالإتجار في أعمال الوظيفة العامة يهبط بها إلى مستوى السلع ويجردها من سموها بإعتبارها خدمات تؤديها الدولة لأفراد الشعب، ويسلب الدولة وعمالها الإحترام الذي يجب أن يحظوا به في نظر المواطنين، وتعني الرشوة التفرقة الظالمة بين المواطنين : فمن يدفع المقابل تؤدي لمصلحته الأعمال الوظيفية ، ومن لا يستطيع أو لا يريد ذلك تهدر مصالحه ، وهذا السلوك من جانب الموظف المرتشي يضعف من ثقة الناس في نزاهة الدولة وموضوعيتها وبالإضافة إلى ذلك ، فالرشوة تهدر أحكام القانون حين تضع الشروط الإنتفاع الأفراد بالخدمات العامة أو تقرر مجانيتها ، إذ تعني الإلزام بأداء مقابل لا يفرضه القانون وفي النهاية ، تعني الرشوة إثراء الموظف العام دون سبب مشروع على حساب أفراد يحتاجون إلى الخدمات العامة التي عهد إليه بتقديمها إليهم دون إلزام بأداء مقابل إليه فالرشوة تشوه العلاقة التي تربط ما بين الدولة والمواطنين والتي ينبغي أن تخضع للقانون وتبتغي المصلحة العامة ، وذلك عن طریق تصرف يستهدف المصلحة الخاصة لموظف منحرف .
ثمة نظامان تشريعيان يتنازعان الأحكام القانونية للرشوة : نظام يميز بين جريمتين من الرشوة ، الرشوة السلبية التي يرتكبها الموظف العام حين يأخذ المقابل أو يقبل الوعد به أو يطلبه ، والرشوة الإيجابية التي يرتكبها صاحب الحاجة حين يعطي الموظف العام المقابل أو يعده به أو يعرضه عليه وجريمتا الرشوة في هذا النظام التشريعي مستقلتان فيما بينهما ، فيمكن أن تقوم إحداهما دون الأخرى ، ويعنى ذلك في عبارة أخرى أنه يمكن أن تتوافر أركان إحداهما دون أركان الأخرى؛ وحين تتوافر أركانهما معاً، فمن المتصور أن يلاحق مرتكب إحداهما دون مرتكب الأخرى ، ويتصور أن يدان أحدهما ويبرأ الآخر وتطبيقاً لهذا النظام فإن الموظف يسأل عن الرشوة السلبية إذا طلب المقابل ولو رفض صاحب الحاجة الإستجابة إلى طلبه، فتقوم بذلك الرشوة السلبية دون الرشوة الإيجابية؛ ويسأل صاحب الحاجة عن الرشوة الإيجابية إذا عرض المقابل على الموظف العام فرفض عرضه ، فتقوم بذلك الرشوة الإيجابية دون الرشوة السلبية وبالنظر إلى استقلال إجرام المرتشي عن إجرام الراشي، فمن المتصور أن يكون لكل منهما شركائه على حدة .
أما النظام الثاني فلا يتصور الرشوة إلا جريمة واحدة يرتكبها الموظف العام ، وهو وحده الذي يعد فاعلا لها ، أما الراشي فهو مجرد شريك في الرشوة ، وكذلك يعد شريكا الوسيط بين المرتشي والراشي (الرائش) إذا توافرت بالنسبة لهما أركان الإشتراك فهذا النظام يقوم على مبدأ « وحدة الرشوة » ، فهي جريمة واحدة ، ولا وجه للتفرقة بين رشوة سلبية ورشوة إيجابية ، ويقرر هذا النظام أن صفة « الموظف العام » ركن في الرشوة : فلا يعد فاعلاً لهذه الجريمة غير من كان موظفاً عاماً ، أما غير الموظف فهو مجرد شريك أياً كان مدى النشاط الذي ساهم به في الجريمة وقد تبنى الشارع المصرى هذا النظام .
الرشوة هي إحدى جرائم الوظيفة العامة ، وجوهرها الإخلال ببعض الواجبات التي يلتزم بها من يشغل هذه الوظيفة، ومن ثم كان في مقدمة أركانها إنصاف مرتكبها بصفة الموظف العام والرشوة على هذا النحو تنتمي إلى فئة جرائم ذوى الصفة.
ولكن الشارع لا يكتفي بتحديد مجرد لصفة الموظف العام ، وإنما يتطلب أن يكون المرتشي موظفاً بالنسبة للعمل أو الإمتناع الذي تلقى المقابل من أجله ، أي أن يكون « مختصاً » به ، ومن ثم كان الإختصاص عنصراً في صفة الموظف العام كما تتطلبها جريمة الرشوة .
الموظف الفعلي للموظف الفعلى حالتان : الحالة الأولى ، حالة الموظف الذي شاب تعيينه سبب للبطلان ، سواء أكان شكلياً أم موضوعياً أو لم تستوف الإجراءات اللازمة لإمكان ممارسته اختصاصه ؛ ويدخل في هذه الحالة كذلك الموظف الحقيقي الذي عهد إليه خلافاً للقانون بممارسة اختصاصات موظف آخر ، كما لو فرض وزير بعض اختصاصاته إلى مرؤوس له وكانت هذه الاختصاصات مما لا يجوز تفويضه أو كان هذا المرؤوس ممن لا يجوز أن تفوض إليهم مثل هذه الاختصاصات أما الحالة الثانية للموظف الفعلى فهي حالة الشخص الذي يتصدى لإدارة الشئون العامة حينما تعجز السلطات الشرعية عن ذلك أو تختفي ، كما لو احتل العدو جزءاً من الإقليم ، فتصدى أحد السكان لرعاية مصالح مواطنيه في مواجهة سلطات العدو ومارس في سبيل ذلك بعض الأعمال الوظيفية.
والسؤال الذي يثيره وضع الموظف الفعلي هو تحديد مدى خضوعه النصوص الرشوة، لقد حددنا المدلول الجنائي للموظف العام بأنه «كل شخص يمارس في مواجهة الأفراد باسم الدولة أو شخص معنوي عام في صورة طبيعية تستدعي ثقتهم أحد الإختصاصات التي خولها القانون المرفق عام تديره الدولة أو الشخص المعنوي العام إدارة مباشرة » وهذا التعريف يصدق على الموظف الفعلى إجمالاً ، فلا تخرج عن نطاقه إلا بعض حالاته فحسب : فإذا كان العيب الذي شاب تعيينه بسيطاً بحيث لا يستطيع جمهور الناس تبينه، أو كان جسيماً ولكن مظاهر المنصب الذي يشغله قد حجبته عنهم ، فإن مؤدى ذلك أنه محل لثقتهم ، وأنه في نظرهم يمثل سلطات الدولة ويعمل بإسمها ، ومن ثم فإن تصرفه الماس بالنزاهة يخل بثقتهم في الدولة ، ويقتضى ذلك أن تطبق عليه نصوص الرشوة، مثال ذلك موظف تلقی تفويضا معيباً ، أو عين تعييناً صحيحاً ولكن لم تستوف بعد الإجراءات المتطلبة لممارسته أعمال وظيفته ، كقاض لم يحلف اليمين بعد ، أو من يتصدى لإدارة الشئون العامة عند غياب السلطات الشرعية أما إذا كان العيب الذي يشوب وضع الموظف الفعلى واضحاً بحيث كانت نظرة جمهور الناس إليه أنه مغتصب للسلطة ، وان ثمة انفصالا بينه وبين السلطات الشرعية ، فإن نصوص الرشوة لا تطبق عليه ، ذلك أن ما يمس نزاهته لا ينعكس على نزاهة الدولة مثال ذلك شخص لم يعين قط في وظيفة ويعلم الناس عنه ذلك ، ولكنه أقحم نفسه في ممارسة الشئون العامة مستعيناً في ذلك بالحيلة أو بالإكراه.
تفترض الرشوة أن المرتشي موظفاً في خصوص العمل الوظيفي الذي تلقى المقابل نظيره ، ويعني ذلك أنه مختص به، وبالإضافة إلى ذلك فإن فكرة الإتجار في العمل الوظيفي ، وهي جوهر الرشوة ، تفترض استطاعة القيام به ، ويقتضي ذلك أن يكون المرتشي مختصاً به ، وفي النهاية فإن العمل الذي لا يختص به الموظف لا يحمل في شأنه واجباً أو أمانة إزاء الدولة ، ومن ثم لا يمكن القول بأنه أخل بالنزاهة في شأنه .
ودراسة هذا العنصر يقتضي توضيح أمرين :
مدلول الإختصاص ، والعمل الوظيفي الذي يعد موضوع الإختصاص .
مدلول الإختصاص :
توسع الشارع في تحديد مدلول الإختصاص : الإختصاص یعنی الصلاحية للقيام بالعمل . ومناط هذه الصلاحية هو إعتراف الشارع بصحة هذا العمل ويعد الموظف مختصا بالعمل في حالتين : إذا ألزمه القانون بالقيام به ، وإذا خوله السلطة التقديرية في القيام به أو الإمتناع عنه ويعد غير مختص به في حالتين : إذا حظر القانون عليه القيام به ، وإذا حصر الإختصاص به في موظف أو موظفين آخرين والمرجع في تحديد الإختصاص إلى القانون ، سواء في صورة مباشرة إذا وضع الشارع نصاً صريحاً يقرر فيه الإختصاص بالعمل للموظف ، أو في صورة غير مباشرة إذا فوض صراحة أو ضمناً إلى السلطات الإدارية تحديد الموظف المختص بنوع معين من الأعمال .
وقد توسع الشارع في تحديد مدلول الإختصاص، ويتضح هذا التوسع من أوجه متعددة : فلم يشترط أن يكون الموظف مختصاً بكل العمل ، وإنما أكتفي بأن يكون مختصاً بجزء منه فقط ، بل إنه اكتفي بمجرد العلاقة بين الإختصاصات المعتادة للموظف والعمل الذي ارتشي من أجل القيام به أو الإمتناع عنه ؛ وفي النهاية فقد عدل الشارع بالإختصاص الحقيقي حالتی « الزعم به والإعتقاد خطأ به».
الإختصاص الجزئي بالعمل، لم يتطلب الشارع اختصاص الموظف المرتشي وحده بكل العمل ، إذ لو فعل ذلك لضاق نطاق الرشوة على نحو لا يتفق مع علة تجريمها ، ذلك أنه يندر أن يختص موظف واحد بعمل رسمي في جميع مراحله ، فقد اقتضى التعقد وتطبيق الأساليب الفنية أن يجزأ العمل الواحد بين عدد من الموظفين ، فيعد كل واحد منهم مختصاً بالعمل في مجموعة ، ويرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل لأداء أي جزء منه أو الإمتناع عنه ، ولو كان هذا الجزء واقعاً في سلطة زميل له وأي قدر من الاختصاص يكفي لاعتبار الموظف مختصاً بالعمل في مجموعة ، ولو كان قدراً محدوداً جداً ؛ أي أنه « يكفي أن يكون له في العمل نصيب من الاختصاص يسمح له بتنفيذ الغرض من الرشوة » ولا يشترط أن يتخذ نصيب الموظف من الإختصاص صورة اتخاذ قرار ، بل يكفي أن يكون دوره مجرد المشاركة في تحضير هذا القرار ، ولو كان ذلك في صورة إبداء رأي استشاري يحتمل أن يؤثر على من بيده اتخاذ القرار بل أنه لا يشترط دخول جزء من العمل في نطاق السلطة المخولة للموظف ، وإنما يكفي قيام العلاقة بين النشاط المعتاد للموظف والعمل إذا كان من شأن هذه العلاقة أن تجعل له تأثيرا عليه ، وتطبيقاً لذلك فإن تقديم المال إلى كاتب محكمة کي يسعى إلى تأجيل النظر في دعوى معروضة عليها بعد رشوة على الرغم من أن التأجيل من إختصاص القاضى دون الكاتب ، وذلك لأن علاقة الكاتب بالقاضی تجعل في وسعه أن يؤثر عليه بما يقدمه من أسباب تبرر التأجيل ، أي « بما يفهمه إياه من الإجراءات التي اتخذت أو تتخذ » ويلاحظ أن كون الموظف قد أنهى الدور المنوط به في العمل الذي لم يزل - في مراحله التالية - معروضاً على موظف آخر ، وقد يكون الرئيس المختص للبت فيه ، لا ينفي إختصاص الموظف به ، إذ مازالت له علاقة وثيقة تتيح له التأثير على زميله أو رئیسه فيما يتخذه في شأنه من قرار ولا يقتصر إختصاص الموظف على أعمال وظيفية محددة بذواتها ، وإنما هو يختص كذلك بالمحافظة على أمانة الوظيفة بصفة عامة، بإعتبار أن القانون يلزمه بذلك فيكون مصدر إختصاصه به ، وتطبيقاً لذلك فإن الموظف الذي يتلقى مالا لإفشاء سر من أسرار وظيفته يخضع لنصوص الرشوة.
مصدر الاختصاص :
الأصل أن يحدد الاختصاص بقانون أو بناءً على قانون فالمناصب الكبرى في الدولة يحدد القانون إختصاص شاغليها مباشرة وقد يحدد الإختصاص في المناصب الأخرى بنصوص لائحية تصدر بناءً على تفويض صريح أو ضمني من القانون، ولكن الشارع يتوسع في تحديد مصادر الإختصاص ، فيكتفي بقرار رئيس مختص يحدد به إختصاصات مرءوسيه وليس بشرط أن يكون قراراً مكتوبا ، فقد يتخذ صورة التكليف الشفوي بل من الجائز أن يحدد الإختصاص بناء على العرف : فممارسة الموظف عملاً معيناً خلال وقت طويل و إقرار رؤسائه له ذلك وتنظيم العمل في الإدارة على هذا الأساس يعد مصدرا لاختصاصه بهذا العمل.
يستوي أن يكون العمل إيجابياً أو مجرد إمتناع : يغلب أن يكون العمل الوظيفي، إيجابيا، إذ تقتضي مصالح صاحب الحاجة إتيان الموظف هذا ما العمل، كإصدار القاضي حكماً نظير مقابل الرشوة، أو إعطاء الموظف الإداري ترخيصاً نظير ذلك، وقد يتخذ صورة مجرد الإسراع في إنجاز مصلحة صاحب الحاجة وقد يكون العمل الوظيفي امتناعاً، وفي هذه الحالة تكون جريمة الرشوة أظهر وأسهل إثباتا ، بإعتبار أن الموظف قد أهمل بذلك في أداء واجبات وظيفته ويتحقق الإمتناع ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف طالما أن امتناعه كان نظير مقابل الرشوة، وليس استهدافاً للمصلحة العامة التي اقتضت تحويله هذه السلطة وقد يكون الإمتناع جزئياً ، متخذاً صورة مجرد الإرجاء حين تقتضي مصلحة صاحب الحاجة ذلك الإرجاء وأمثلة الرشوة نظير الإمتناع أن يتلقى ضابط الشرطة عطية لكي لا يحرر محضراً من أجل جريمة ، أو يتلقى موظف الضرائب هدية نظير ألا يرسل إشعار المطالبة بضريبة مستحقة وفي أغلب الحالات يجتمع الإمتناع والإخلال بواجبات الوظيفة ، بإعتبار أن امتناع الموظف عن عمل تفرضه عليه واجبات وظيفته هو إخلال واضح بها .
يستوي أن يكون العمل حقاً أو غير حق، إذا ثبت أن العمل الوظيفي من إختصاص الموظف ، فلا أهمية لكون القيام به أو الإمتناع عنه مطابقاً لواجبات الوظيفة أو مخالفاً لها ، أي لا أهمية لكونه حقاً أو غير حق، مطابقاً للقوانين واللوائح والتعليمات الإدارية أو مخالفاً لها وتطبيقاً لذلك ، فإن الموظف يرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کي يقوم بعمل يلزمه به القانون ، كما يرتكبها إذا تلقاه نظير عمل يحظره القانون عليه ؛ ويرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالإمتناع عنه ، كما يرتكبها إذا تلقاه کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالقيام به : فالقاضي يرتكب الرشوة إذا اقتضى مالا ليبرىء متهما ثبتت براءته طبقاً للقانون ، كما يرتكبها إذا اقتضى المال ليبرىء متهما ثبتت وفقاً للقانون إدانته؛ ورجل الشرطة يرتكب الرشوة إذا طلب مالاً کی يمتنع عن تحرير محضر سواء أكان ثمة موجب لذلك أم لم يكن لذلك موجب.
النشاط الإجرامي في الرشوة :
تمهيد: صور هذا النشاط كما قدمنا هي الأخذ والقبول والطلب من ، وهذه الصور منصوص عليها على سبيل الحصر ، وقد عبر الشارع عن هذه الصور في قوله « كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية ... » (المواد 103، 103 مکرراً ، 104 ، 104 مکرراً) .
الأخذه إذا كان مقابل الرشوة ذا طبيعة مادية فإن الأخذ يعني التسليم، فهو فعل يحصل به المرتشي على الحيازة بنية ممارسة السلطات التي تنطوي عليها وليس بشرط أن يصدر التسليم عن الراشي، فقد يصدر عن وسيط حسن النية، أو يرسل المقابل عن طريق البريد ، وفي هذه الحالات يعد الأخذ متحققاً حين يعلم الموظف بالغرض من التسليم أو الإرسال، فيقرر الإحتفاظ بهذا المقابل ويجوز أن يكون التسليم رمزياً وإذا تجرد مقابل الرشوة من الطبيعة المادية فكان مجرد منفعة، فإن الأخذ يعتبر متحققا حين يحصل المرتشي على المنفعة ، كما لو باشر الصلة الجنسية التي اعتبرت مقابل الرشوة .
ويطلق على الرشوة حين تقوم بالأخذ تعبير « الرشوة المعجلة »، وهي أسهل حالات الرشوة إثباتا ، إذا المرتشي يحوز المقابل ، ويصعب عليه تقديم سبب مشروع يبرر هذه الحيازة وغني عن البيان أنه يجوز إثبات الحيازة - باعتبارها واقعة مادية - بجميع طرق الإثبات ، أيا كانت قيمة مقابل الرشوة.
القبول :
القبول هو تعبير عن إرادة متجهة إلى تلقي المقابل في المستقبل نظير القيام بالعمل الوظيفي ويصدر القبول عن الموظف ، ويفترض عرضاً أو إيجاباً من صاحب الحاجة ، وبالقبول الذي صادف العرض ينعقد الإتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الرشوة في هذه الصورة والقبول في جوهره إرادة ينبغي أن تكون جادة وصحيحة وهو في مظهره تعبير وإفصاح بوسيلة ما عن وجود هذه الإرادة .
فإذا لم تتوافر لدى المرتشي إرادة جادة وصحيحة تلتقي مع عرض صاحب الحاجة ، وإنما كان متجهاً بما صدر عنه من تعبير إلى الإيقاع بصاحب الحاجة، والعمل على ضبطه متلبساً، فلا يتوافر بذلك القبول ولا تقوم الرشوة ، وإنما يرتكب صاحب الحاجة جريمة عرض الرشوة، ولا يتصور القبول كما قدمنا إلا إذا انصرف إلى عرض ، و يتعين أن يكون هذا العرض جدياً حتى يكون بدوره تعبيرا عن إرادة يمكن أن تلتقي بها إرادة المرتشي ولكن يكفي أن يكون العرض جديا في ظاهره وإن كان غير جدی في حقيقته أما إذا كان العرض غير جدي في ظاهره، كما لو وعد شخص الموظف بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فمثل هذا العرض لا يمكن أن ينصرف إليه قبول ، وإذا صدر بالفعل قبول من الموظف فلا تقوم بذلك الرشوة : ذلك أن صاحب الحاجة لم يعرض شيئاً معيناً على الموظف « بل عرضه هز أشبه بالهزل منه بالجد » ولكن إذا كان العرض جدياً في ظاهره، فقبله الموظف على هذا الأساس منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته المصلحة الراشي، فإن القبول الذي تقوم به الرشوة يعد متحققاً بذلك ، ولا يحول دون ذلك ثبوت أن العرض لم يكن جدياً في حقيقته وأن قصد العارض كان متجها إلى ضبط المرتشي متلبساً، وأن العرض كان بناء على تدبير سابق رتبته السلطات العامة : ذلك أن قبول الموظف في هذه الظروف قد حقق معنى الإتجار في الوظيفة، فقد عرضها بالفعل كسلعة نظير الثمن الذي اعتقد أنه معروض عليه.
وكل صور التعبير عن إرادة القبول سواء. فلا فرق بين تعبير عن طريق القول أو الكتابة أو الإشارة ، بل يجوز أن يكون القبول ضمنيا ويعني القبول الضمنى إرادة صحيحة قانونا تضع في اعتبارها أن القبول ضير العمل الوظيفي ، وأبرز صور القبول الضمنى أن ينصرف الموظف الى أداء العمل الذي تقتضيه مصلحة صاحب الحاجة بعد علمه بالعرض،ويجوز أن يكون القبول معلقاً على شرط، وتعد الرشوة تامة بالقبول ، فلا يتوقف تمامها على تنفيذ موضوع الإتفاق فإذا رفض صاحب الحاجة أن يسم للموظف ما وعده به فلا يؤثر ذلك في أركان الرشوة التي توافرت بالقبول، ولا يتغير الحكم كذلك إذا رفض الموظف أداء العمل کرد من جانبه على نكول صاحب الحاجة عن وعده ولا يحول دون تمام الرشوة أن الموظف قد قبل العرض ولكنه رفض أسلوب تنفيذه ، كما لو قبل أداء العمل الوظيفي ، ولكنه رفض أن يكون ذلك عن طريق شيك وأصر أن يكون نقداً.
الطلبة الطلب هو تعبير عن إرادة منفردة من جانب الموظف ومتجهة إلى الحصول على مقابل نظير أداء العمل الوظيفي وتتم الرشوة بمجرد الطلب ولو لم يستجب له صاحب الحاجة ، بل ولو رفضه وسارع إلى إبلاغ السلطات العامة، فالرشوة في هذه الصورة هي سلوك الموظف دون اعتبار لسلوك صاحب الحاجة وعلى اعتبار الطلب المجرد كافياً لتمام الرشوة أن الموظف قد عرض بذلك العمل الوظيفي للإتجار ، فأخل بنزاهة وظيفته والثقة في الدولة ، ولم ير الشارع فرقا بين عرض للإتجار واتجار فعلی وإذا لم يكن القبول شرطاً لتمام الرشوة ، فإن حصول الموظف على ما طلبه ليس من باب أولى شرطاً لذلك.
وقد سوى الشارع بين طلب الموظف المقابل لنفسه وطلبه لغيره، فالموظف الذي يطلب الرشوة لموظف آخر يعد فاعلاً للرشوة، وليس مجرد شريك فيها.
الشروع في الرشوة، حين كان الشارع لا يعتبر الطلب المجرد صورة قائمة بذاتها من النشاط الإجرامي للرشوة، كان الطلب هو الحالة الواضحة للشروع في الرشوة، ذلك أنه بدء في التنفيذ بالنسبة للأخذ أو القبول ، فلما صار الطلب مجرداً كافياً لتمام الرشوة، ساد في الفقه القول باستحالة تصور الشروع في هذه الجريمة ذلك أن كل نشاط يصدر عن الموظف يعبر عن إرادة جدية متجهة إلى الإتجار في أعمال وظيفته يجعله مرتكباً جريمة تامة .
ولكننا نعتقد أنه إذا استحال تصور الشروع في الرشوة في حالتي « الأخذ والقبول » بإعتبار أن فيهما « ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته »، فإن الرشوة يتصور الشروع فيها في حالة « الطلب » . فالطلب لا يعد متحققاً - في مدلوله القانوني - إلا بوصوله إلى علم صاحب الحاجة، فإن صدر عن الموظف وحالت أسباب (لا دخل لإرادته فيها) دون وصوله إلى علم صاحب الحاجة ، كما لو بعث إليه برسالة وضمنها طلبه ، ولكن السلطات العامة ضبطت الرسالة وحالت دون وصولها ؛ أو كلف رسولاً إبلاغ طلبه ، ولكن هذا الرسول لم يفعل (فأخبر السلطات مثلاً) فإن جريمة الرشوة تقف بذلك عند مرحلة الشروع.
القصد الجنائي في الرشوة :
الرشوة جريمة عمدية ، ولذلك يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد، وحينما نتكلم عن القصد الجنائي في الرشوة ، فإننا نعني به قصد المرتشي بإعتباره فاعل الرشوة؛ أما قصد الراشي والرائش فهو قصد اشتراك في الجريمة فحسب .
عناصر القصد الجنائي في الرشوة: يقوم هذا القصد على عنصري العلم والإرادة فيجب أن يعلم المرتشي بتوافر أركان الجريمة جميعاً، فيعلم أنه موظف عام أو من في حكمه؛ ويعلم أنه مختص بالعمل المطلوب منه، ويفترض ذلك علمه في صورة مجملة بطبيعة هذا العمل ، ويجب أن يعلم بالمقابل الذي يقدم إليه، وأنه نظير العمل الوظيفي، أي أن تكون واضحة في نفسيته الصلة بين المقابل والعمل.
فإذا انتفى العلم بأحد العناصر السابقة انتفى القصد، ولا فارق بين كون انتفاء هذا العلم راجعاً إلى غلط في الواقع أو غلط في القانون طالما أن موضوع هذا الغلط ليس نص التجريم ذاته، وتطبيقا لذلك، فإذا انتفى علم المتهم بأنه موظف كما لو كان لم يبلغ بعد بقرار تعيينه، أو لم يبلغ بقرار تكليفه بمهمة الخبرة أو الوكالة عن دائني المفلس، أو اعتقد أنه عزل من وظيفته بناء على كتاب مزور ابلغ إليه، فإن القصد لا يعد متوافراً لديه، وإذا اعتقد أنه غير مختص بالعمل انتفى القصد بدوره، وسواء في ذلك أن يجهل طبيعة العمل، فيعتقد بناءً على ذلك أنه من إختصاص موظف آخر، أو أن يخطئ في تفسير القواعد القانونية أو التنظيمية التي ترسم حدود اختصاصه، وإذا انتفى علمه بالغرض من تقديم المقابل إليه، فلم تقم في ذهنه الصلة بينه وبين العمل الذي تتحقق به مصلحة صاحب الحاجة، فكان معتقداً أنها تقدم إليه لغرض بریء تبرره صلة القربى أو الصداقة ، أو تقبله على أنه مكافأة لعمل كان قد قام به كفرد عادي أو صاحب مهنة حرة المصلحة صاحب الحاجة، فإن القصد لا يعد متوافراً لديه.
ويتطلب القصد إتجاه إرادة المرتشي إلى الأخذ أو القبول أو الطلب في المدلول الذي سلف تحديده لكل صورة من هذه الصور للركن المادي، وهذه الإرادة تنتفي في حالتين : حيث يدس المقابل في يد الموظف أو ملابسه أو درج مكتبه فيسارع على الفور أو بعد تردد قليل إلى رفضه فيرد المقابل أو يبلغ السلطات، والحالة الثانية ، موضعها أن يتظاهر الموظف بتوافر هذه الإرادة لديه منتوياً في الحقيقة الإيقاع بعارض الرشوة والعمل على ضبطه متلبساً ، ولا فرق في هذه الحالة بين أن يكون تدبير الموظف من تلقاء نفسه، أو بناءً على ترتيب أوحت به أو شاركت فيه السلطات العامة.
معاصرة القصد للركن المادي : من المبادئ الأساسية وجوب أن يعاصر القصد لحظة إرتكاب الفعل الذي يقوم به الركن المادي للجريمة ، فإن لم يكن متوافراً في هذه اللحظة ولكن توافر بعد ذلك، فهو قصد لاحق ولا عبرة به ولا تشذ الرشوة على هذا المبدأ : فالقصد بعناصره السابقة جميعاً يجب أن يتوافر لحظة الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا يكفي أن يتوافر في لحظة لاحقة وتطبيقاً لذلك ، فإنه إذا تسلم الموظف الهدية معتقدا أنها تقدم إليه لغرض بریء (كهدية عيد ميلاد من قريب مثلاً) ثم علم بعد ذلك بأنها قد قدمت إليه كثمن لعمل وظيفي فاحتفظ بها مع ذلك فإن القصد الذي توافر لديه بهذا العلم هو قصد لاحق، ولا عبرة به : ذلك أن الفعل الذي تقوم به الرشوة هو فعل الأخذ (وهو تسلم الهدية في هذا المثال) ، وحينذاك لم يكن القصد متوافراً ، ولا أهمية لتوفره حينما قرر الإحتفاظ بحيازة الهدية ، فليست الحيازة هي الماديات التي تقوم بها الرشوة .
ولكن يجب التفرقة بين هذا الوضع ووضع آخر محله أن يدخل المال في حيازة الموظف بغير علمه وإرادته كما لو أرسل إليه في بيته دون إخطاره، ثم علم بذلك فقرر الإستيلاء عليه ، في هذا الوضع يتوافر القصد المطلوب في الرشوة : ذلك أنه قبل علمه بالغرض من إرسال المال إليه لم يكن قد ارتكب أياً من الأفعال التي تقوم بها الرشوة ، وقد ارتكب هذا الفعل حينما قرر الإستيلاء على ذلك المال ، وفي هذه اللحظة ذاتها توافر لديه القصد .
هل القصد في الرشوة قصد عام أم هو قصد خاص : يقوم القصد العام بالعلم والإرادة المنصرفين إلى أركان الجريمة، أما القصد الخاص فيفترض إنصراف العلم والإرادة إلى واقعة لا تدخل في عداد ماديات الجريمة، وقد أسلفنا أن القصد في الرشوة يعد متوافراً بانصراف عنصرية إلى أركان الجريمة فحسب ، ومن ثم كان قصداً عاماً ويؤكد ذلك أن قيام الموظف فعلاً بالعمل الوظيفي الذي يبتغيه صاحب الحاجة ليس من ماديات الرشوة، وتبعاً لذلك فإن إتجاه إرادة الموظف إلى القيام بهذا العمل واتجاهها إلى الإحجام عنه يستويان، ولو كان الشارع يتطلب إتجاه إرادة الموظف إلى تنفيذ العمل الوظيفي (وهو ليس كما قدمنا من ماديات الرشوة) لكان القصد خاصاً، ولكن الشارع لم يفعل ذلك، مما يؤكد أن القصد عام.
القصد لدى الراشي والمرتشي : القصد لديهما هو قصد إشتراك في جريمة الرشوة ، ومن ثم تتحدد عناصره طبقاً للقواعد العامة في «قصد الشريك »، والعلاقة بين عناصر هذا القصد وعناصر قصد المرتشي وثيقة : فيتعين أن يعلم الراشي والرائش بصفة المرتشي كموظف عام أو من فى حكمه ، ويتعين أن يعلما باختصاصه بالعمل المطلوب ويتعين أن يعلما بأن الغرض من تقديم المقابل أنه ثمن لذلك العمل ويتعين أن تتجه الإرادة لديهما إلى حمل الموظف على القيام بالعمل الوظيفي وتطبيقاً لذلك فإن هذا القصد ينتفي إذا اعتقد الراشي أو الرائش أنه يتجه بخطابه إلى غير موظف أو إلى غير مختص وأنه يريد بذلك حمله – نظير مقابل - على التوسط لدى الموظف المختص أو على إستعمال نفوذه لديه، وينتفي القصد كذلك إذا كانا يهدفان بالهدية إلى غرض بريء . كما لو كانت في تقديرهما هدية تبررها صلة القربى أو الصداقة ولم يكن في ذهنهما أنها ثمن العمل وظيفي ولا يغير من هذا الحكم أن يأملوا أداء الموظف هذا العمل على الوجه الذي يحقق لصاحب الحاجة مصلحتة دون أن يربطا ذلك بالهدية.
عقوبة الرشوة :
تقسيم: حدد الشارع عقوبة الرشوة في صورتها البسيطة المادة 103 من قانون العقوبات وتوقع هذه العقوبة على الراشي والوسيط كذلك المادة 107 مکرراً من قانون العقوبات؛ ونص بعد ذلك على حالتين شدد فيهما عقوبة الرشوة (المادتان 108 ، 104 من قانون العقوبات) .
عقوبة الرشوة البسيطة :
نص الشارع على عقوبة أصلية للرشوة ثم أضاف إليها عقوبتين تكميلتين ، وثمة عقوبات تبعية أو تكميلية تقضي بها القواعد العامة ، وقد أعقب ذلك بالنص على سببين للإعفاء من العقوبة .
العقوبة الأصلية للرشوة: العقوبة الأصلية للرشوة هي السجن المؤبد (المادة 103 من قانون العقوبات)، وعلى الرغم من أن الشارع قد نص على هذه العقوبة بالنسبة للمرتشي ، فإنها توقع كذلك على الراشي والمتوسط بينهما بإعتبارهما شريكين في الرشوة ، والقاعدة أن « من اشترك في جريمة فعليه عقوبتها » (المادة 41 من قانون العقوبات) . وقد أكد الشارع هذه القاعدة في المادة 107 مکرراً التي نصت على أن « يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي »، ومن المتصور أن يتعدد الراشون والمتوسطون ، ولا يغير ذلك من حكم القاعدة السابقة ، فهم جميعا شركاء فتوقع عليهم عقوبة الجريمة، وتعدد الفاعلين متصور في الرشوة ، ومحل ذلك أن يتعدد الموظفون المختصون بالعمل ويقدم إليهم المقابل بالإشتراك ، وتوقع على كل فاعل عقوبة المرتشي ، إذ لم يجعل الشارع من ذلك التعدد ظرفاً مشدداً للرشوة .
الغرامة مقوية تكميلية للرشوة : قرر الشارع للرشوة عقوبة الغرامة التي لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى الموظف أو وعد به والغرامة على هذا النحو نسبية ، إذ هي محددة بقدر مقابل الرشوة ، ولكنها نسبية ناقصة بإعتبار أن تناسبها مقيد بحد أدنى هو ألف جنيه وهي عقوبة وجوبية، فليست للقاضي سلطة الإعفاء منها وتخضع هذه الغرامة الجميع أحكام الغرامات النسبية، ومن أهم هذه الأحكام أنها لا تتعدد بتعدد المحكوم عليهم بل يحكم عليهم بغرامة واحدة، ويلتزمون بها قبل الدولة بالتضامن (المادة 44 من قانون العقوبات) وإذا تعذر تحديد قيمة مقابل الرشوة كما لو كان فائدة ذات طبيعة معنوية، قضى بالغرامة في حدها الأدنى، وهو ألف جنيه. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 14)
الطلب:
يكفي لتوافر النشاط الإجرامي في الرشوة أن يصدر عن الموظف بإرادته المنفردة إيجاب بالرشوة ولو لم يعقبه قبول ها ممن توقع الموظف أن يكون راشيا. فتقع الجريمة كاملة ولو رفض الراشي الاستجابة لهذا الطلب، كما يستوي وقوع الجريمة أن يطلب الموظف الرشوة لنفسه أو لغيره، أو أن يرد الطلب على العطية أو ينصرف إلى مجرد الوعد بها، وهذا التوسع في التجريم يرجع إلى أن مجرد طلب الرشوة ولو لم يعقبه قبول أو أخذ ينطوي على معنی عرض الوظيفة الإتجار بها أو استغلالها، مما يحقق الخطر المراد تفاديه بتجريم الرشوة.
القبول :
يكفي لوقوع جريمة الرشوة أن يقبل الموظف الوعد بالعطية الذي صدر من الراشي، دون عبرة بما إذا كان الراشي قد نفذ هذا الوعد أو نكل عن تنفيذه، إذ يكفي مجرد صدور القبول من المرتشي لوقوع جريمة الرشوة تامة كاملة). وللمحكمة أن تتحقق من توافر القبول من جميع ظروف الواقعة وفقاً لما تستبينه من أدلة الإثبات المطروحة عليها. ولا يشترط فيه أن يكون في صورة معنية، فيستوي أن يصدر شفاهة أو كتابة، صراحة أو ضمناً وقد تستبين المحكمة القبول الضمني من سكوت الموظف في ظروف معينة تفيد معنى القبول.
ويشترط في القبول أن يكون جديا، أي صادراً عن إرادة حرة واعية، فلا تقع الجريمة إذا تظاهر الموظف بقبول الرشوة ليسهل على رجال الشرطة القبض على الراشي وعلى العكس من ذلك، لا يشترط أن يرد القبول على إيجاب صحيح فتقع الجريمة ولو كان عرض الرشوة عليه غير جدي وعلة ذلك أن الرشوة ليست عقداً يتطلب فيه تبادل الإرادتين.
الأخذ:
يقع هذا الفعل باستلام الموظف أو انتفاعه بالعملية موضوع الرشوة وتتميز هذه الصورة من الركن المادي بأنها ترد مباشرة على العطية، سواء سبقها وعد بالرشوة أو لم يسبقها هذا الوعد وهذه الصورة تعد أخطر صور الرشوة، إذ فيها يكون الموظف قد قبض فعلا ثمن اتجاره بوظيفته أو استغلالها، ولهذا يطلق عليها تعبير «الرشوة المعجلة» خلافا لصورة القبول، إذ يطلق عليها «الرشوة المؤجلة» وإذا تسلم الموظف العطية فلا عبرة بنوع التسليم، فيستوي أن يكون حقيقياً أو رمزياً ويعد أخذاً للعطية انتفاع الجاني بالميزة أو الفائدة موضوع الرشوة.
ويستوي أن يكون العطاء سابقاً أو معاصراً لأداء العمل أو لاحقاً عليه، ما دام أداء العمل كان تنفيذاً لاتفاق سابق؛ إذ إن نية الاتجار بالوظيفة في هذه الحالة تكون قائمة منذ البداية .
التحريض الصوري على الرشوة :
قد يتفق أحد طرفي الرشوة مع الشرطة على أن يتجه إلى الطرف الآخر بطلب الرشوة أو عرضها - على حسب الأحوال - بقصد إيقاعه في جرمه إذا ما استجاب له، وتمكين الشرطة تبعا لذلك من القبض عليه، ويتعين بيان الحد الفاصل بين إجراءات الإستدلال التي يجوز للشرطة مباشرتها للتوصل إلى كشف الجريمة وضبط الجاني، وبين التحريض على ارتكاب الجريمة، وهو أمر غير مشروع.
وقد حكم بأنه إذا ثبت أن الشرطة قد حرضت على ارتكاب الجريمة فلا يجوز اتهام الجاني بإرتكابها، طالما أن الدولة - ممثلة في شرطتها - قد ارتضت بوقوعها، فيكون شأنها في ذلك شأن صاحب المال الذي يأذن للغير بالإستيلاء عليه على أن هذا الرأي مردود بأن الشرطة لا تملك سلطة الإذن بارتكاب الجرائم أو إباحتها. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة: 322)
صفة الجاني:
- اشتراط صفة الموظف العامة :
تطلب المشرع لوقوع جريمة الرشوة أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه مختصاً بالعمل أو الإمتناع المطلوب منه أو معتقداً خطأً أو زاعماً الاختصاص به ويقتضي ذلك تحديد المقصود بالموظف العام، وتحديد الأشخاص الذين جعلهم المشرع في حكمه، ثم بيان اختصاص الموظف بالعمل أو الإمتناع.
- تحديد مدلول الموظف العام في جريمة الرشوة :
لا يقتصر المشرع الجنائي، في تحديده لمدلول الموظف العام في نطاق جريمة الرشوة، على المعنى الذي استقر عليه في فقه القانون الإداري، وإنما يمد نطاق هذا المدلول إلى أشخاص آخرين، حرصاً منه على تحقيق ما يستهدفه بتجريم الرشوة من حماية النزاهة الوظيفة العامة، وإبقاء على ثقة الناس في حيدة الدولة وعدالتها، وصيانة لنقاء العلاقة بين الدولة والأفراد من خلال ما تؤديه لهم بواسطة عمالها من خدمات .
وعلى ذلك يمتد معنى الموظف العام في جريمة الرشوة ليشمل الموظف العام الحقيقي في المدلول الإداري، ثم من اعتبرتهم المادة 111 عقوبات في حكم الموظف العام، بالإضافة إلى فئة ثالثة يثور التساؤل بصددها وهي فئة الموظف العام الفعلي.
أولاً : الموظف العام في المدلول الإداري:
هو الشخص الذي يقوم بصفة قانونية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الإستغلال المباشر ويعني هذا التعريف ضرورة توافر شروط ثلاثة لتحقق صفة الموظف العام :
1- أن يكون قد التحق بخدمة المرفق العام بصفة قانونية، أي عن طريق التعيين، فإذا لم يتوافر هذا الشرط لا تتحقق صفة الموظف العام، ولو كان المرشح للوظيفة قد استوفي شروط التعيين فيها، أو كان تعيينه باطلاً .
2- ويجب أن يقوم الشخص المعين بأداء عمل يتصف بالدوام والإستمرار، فيخرج من نطاق الموظف العام من عهد إليه بعمل عارض كمن يكلف بخدمة عامة.
3- وأخيراً يجب أن يقوم بالعمل في مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر، فيخرج من نطاق الموظف العام من يعمل في مرفق عام يدار عن طريق آخر غير طريق الاستغلال المباشر كطريق الإلتزام، ومن يعمل في مشروع خاص أياً كانت درجة اتصاله بالدولة.
إذا توافرت هذه الشروط تحققت صفة الموظف العام، يستوي بعد ذلك أن يكون مثبتا أو غير مثبت، وأن يتقاضى عن عمله راتباً أو مكافأة أو أن يقوم به بغير مقابل، إذ لا يعتبر الراتب شرطاً من شروط الوظيفة العامة، وعلى ذلك يعتبر العمد، ومشايخ البلاد ، ومشايخ الحارة ومشايخ القسم من الموظفين العموميين.
ويستوي أن يكون خاضعاً للنظام القانوني العام لموظفي الدولة أو أن يكون خاضعا لنظام قانوني خاص بفئة معينة، كالنظام الخاص بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأعضاء الهيئات القضائية، أو بأفراد القوات المسلحة أو الشرطة كما يستوي أن يكون التعيين برضائه أو أن يكون مكلفاً بذلك وأن يكون متفرغاً للقيام بأعمال وظيفته أو أن يجمع بينها وبين عمل آخر.
- ثالثاً : الموظف الفعلي :
هو الشخص الذي يباشر عملاً وظيفياً دون أن تكون له صفة الموظف الحقيقي، إما لأنه لم يصدر قرار بتعيينه أو صدر بتعيينه قرار باطل، أو لأن إجراءات ممارسته للعمل الوظيفي لم تستوف بعد، أو لأنه وهو موظف حقیقی، فوض بمباشرة عمل لا يجيز القانون تفويضه في القيام به، ويثير وضع الموظف الفعلى التساؤل عما إذا كان يعتبر کالموظف الحقيقي فتسري عليه نصوص الرشوة لما كان الهدف من تجريم الرشوة هو حماية نزاهة الوظيفة العامة، وصيانة ثقة الناس في الأعمال التي تقوم بها الدولة، فإنه يجب التمييز بين وضعين: إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي يسيراً يصعب اكتشافه، كما هو الشأن بالنسبة لكاتب المحكمة الذي يباشر عمله دون حلف اليمين القانونية ، أو كان العيب - على الرغم من أهميته - قد حجبته عن الناس مظاهر السلطة التي يباشرها الموظف الفعلى فأصبحوا يعتقدون أنه الممثل الحقيقي للدولة، في هاتين الحالتين تسري عليه نصوص الرشوة إذا توافرت أركان الجريمة.
أما إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي من الوضوح بحيث يتبينه الناس فيدركون أنه لا يمثل سلطة الدولة وأنه لا يستطيع القيام بأعمال الوظيفة، فحينئذ لا يعتبر هذا الشخص موظفا فعليا، فإذا طلب أو قبل أو أخذ وعدا أو عطية للقيام بعمل من أعمال هذه الوظيفة لا تطبق عليه نصوص الرشوة، لأن بعده عن الوظيفة واستقلاله الواضح عنها يجعل فعله غير ماس بنزاهتها وإن أمكن أن يسأل عن جريمة نصب إذا توافرت أركانها.
ويدخل في نطاق الموظف الفعلى فتطبق عليه نصوص الرشوة الشخص الذي يتصدى للقيام بأعمال السلطة العامة إذا اختفت هذه السلطة أو عجزت عن القيام بمهامها. مثال ذلك أن يحتل العدو أحد أقاليم الدولة ويختفي ممثلو الدولة من هذا الإقليم أو يعجزون عن أداء مهامهم فيضطلع أحد المواطنين بأعمالهم الوظيفية.
الإختصاص بالعمل :
يقصد بإختصاص الموظف بالعمل أن يكون له سلطة القيام به قانوناً، ويتحقق ذلك إذا كان القانون يفرض عليه القيام به، أو كان يترك له تقرير ملاءمة القيام به أو الامتناع عن ذلك، والأعمال التي تدخل في اختصاص الموظف العام أو من في حكمه قد يحددها القانون مباشرة، وقد تحددها اللوائح بناءً على تفويض القانون، كما قد يحددها قرار أو تكليف صحيح صادر من الرئيس المختص، سواء كان كتابياً أو شفهياً وقد قضي تطبيقاً لذلك بأنه : «يدخل في أعمال الوظيفة كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من الرؤساء، كما يكفي في صحة التكليف أن يصدر بأوامر شفهية، فإذا كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على أن عمل الساعي يقتضي التردد على المكان الذي تحفظ فيه ملفات الممولين للمعاونة في تصنيفها وأن يقوم بنقل الملفات بناء على طلب موظفي مأمورية الضرائب - وهم من رؤسائه - فإن التحدي بإنعدام أحد أركان جريمة الرشوة يكون على غير أساس».
ولا يقدح في ذلك أن يكون هناك قرار وزاري ينظم توزيع العمل بين الموظفين، لأن ذلك إجراء تنظيمي لا يهدر حق رئيس الإدارة في تكليف موظف بعمل خاص في إدارة أخرى» كذلك قد يرجع تحديد الإختصاص إلى العرف.
نقض 20 يناير سنة 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س 10 رقم 15 ص 55 .
نقض 9 يونية سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 173 ص 826 .
نقض 7 أكتوبر سنة 1958 مجموعة أحكام محكمة النقض س 5 رقم 189 ص 779 .
واختصاص الموظف بالعمل الوظيفي يعني أن يختص به نوعياً ومكانياً، فلا يكفي أن يكون الموظف مختصاً بعمل من نوع معين إذا كان نظام تعيينه لا يسمح له بمباشرته إلا في جهة معينة، إذ أن مباشرته لعمل من نفس نوع العمل الداخل في أعمال وظيفته خارج نطاق اختصاصه المكاني يعني أنه ليست لديه سلطة القيام بهذا العمل وبالتالي يكون غير مختص به فإذا تلقى عطية مقابل القيام بعمل لا يدخل في اختصاصه المكاني لا تقع منه جريمة الرشوة طالما أنه لم يزعم اختصاصه به أو يعتقد ذلك.
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض بأنه «إذا كان الموظف غير مختص بإجراء عمل من الأعمال سواء أكان ذلك بسبب أن هذا العمل لا يدخل أصلاً في وظيفته أم بسبب أنه هو، بمقتضى نظام تعيينه، ليس له أن يقوم به في الجهة التي يباشر فيها، فإن حصوله على المال أو تقديم المال إليه للقيام به أو للإمتناع عنه لا يمكن أن يعد رشوة».
وإذ تحدد الإختصاص بالعمل الوظيفي على هذا النحو فإنه يستوي بعد ذلك أن يكون الموظف هو المختص بالعمل كله أو أن يقتصر اختصاصه على جزء من العمل المطلوب يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة إذ القول بوجوب اختصاص الموظف بكل العمل دون أن يساهم فيه أحد غيره يجر - على حد تعبير محكمة النقض - «إلى إباحة الرشوة إذ المعلوم أن إدارة الأعمال تتطلب الحسن سيرها توزیع كل مسألة على عدة عمال فيختص كل منهم بأداء جزء معين منها، وقد لا توجد مسألة واحدة بذاتها يتمها كلها موظف واحد، ولم يشترط القانون سوى أن يكون العمل من أعمال الوظيفة، وما دامت كلمة عمل جاءت مطلقة فهي لا تتقيد بقدر معين من العمل ولا بنوع خاص منه».
كذلك يعتبر الموظف مختصاً بالعمل ولو كان اختصاصه منحصراً في مجرد إبداء الرأي وقد قضى تطبيقاً لذلك بأن العمدة الذي يبدي رأياً بشأن تعيين شيخ بلد بناءً على طلب اللجنة المختصة يعتبر قائماً بعمل من أعمال وظيفته، فإذا قبل عطية لإبداء رأيه لمصلحة شخص معين عد مرتكباً لجريمة الرشوة.
بل إن الموظف يعتبر مختصاً بالعمل ولو لم يكن داخلاً مباشرة في أعمال وظيفته، إذا كان العمل المطلوب أداؤه مقابل الرشوة له علاقة أو اتصال بأعمال الوظيفة يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة .
نقض 3 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية س 18 رقم 51 ص 89 .
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص :
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها، فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً، وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة، ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام، كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الإختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة، والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل، ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الإستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والإختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.
عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة :
- السلوك الإجرامي في الرشوة:
يتخذ السلوك الإجرامي في جريمة الرشوة إحدى صور ثلاثة هي الأخذ أو القبول أو الطلب، وقد نص المشرع على هذه الصور على سبيل الحصر، ولذلك ينبغي أن يعين الحكم الصادر بالإدانة صورة النشاط الإجرامي للمرتشي حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على الواقعة ويجمع بين هذه الصور ما تنطوي عليه من اتجار في الوظيفة العامة واعتداء على نزاهتها.
أخذ العطية :
الأخذ هو تسلم الموظف العطية إذا كانت شيئاً مادياً أو الحصول على المنفعة إذا كانت العطية مجرد منفعة ويعتبر الأخذ أكثر صور النشاط الإجرامي في الرشوة شيوعاً ويطلق عليه تعبير «الرشوة المعجلة» تمييزاً له عن صورتی القبول والطلب حيث تكون «الرشوة مؤجلة».
ويتحقق الفعل الإجرامي بالأخذ، ويستوي بعد ذلك أن يكون الموظف قد تسلم العطية أو حصل على المنفعة من الراشي نفسه أو من شخص آخر كلفه الراشي بذلك ولو كان الوسيط حسن النية كذلك تستوي الصورة التي تتخذها العطية فقد تكون مبلغاً من النقود أو أوراقاً مالية أو شيئاً ذا قيمة كما تستوي الكيفية التي تقدم بها، فقد تقدم على أنها هدية إخفاء لقصد الرشوة بينما يكون الغرض من الرشوة مفهوما ضمناً، وقد تقدم على أنها ثمن العمل المطلوب من الموظف أداؤه صراحة.
وتعتبر الرشوة عن طريق أخذ العطية أسهل حالات الرشوة إثباتاً حيث يكون الموظف المرتشي حائزا للعطية، والحيازة واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات أياً كانت قيمة العطية، ويكون من العسير على الموظف أن يثبت مشروعية هذه الحيازة.
- قبول الوعد بالعطية:
لم يقصر المشرع جريمة الرشوة على صورة حصول الموظف المرتشي على العطية المعجلة، وإنما مد نطاقها إلى حالة اقتصار الموظف على قبول الوعد بالعطية، وهو يعني الموافقة على وعد صاحب الحاجة بتقديم العطية في المستقبل فهذه الصورة من صور الرشوة تفترض عرضاً أي - إيجاباً من صاحب الحاجة للموظف أن يقدم له عطية في المستقبل في مقابل أداء الموظف العمل أو الإمتناع عنه، وموافقة أو قبولا من الموظف لهذا الوعد وبهذا الإتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الجريمة في هذه الصورة تقع جريمة الرشوة، ولا يؤثر في ذلك ألا يقدم صاحب الحاجة العطية فيما بعد، كما لا يؤثر فيه عدم قيام الموظف بما طلب منه، ذلك أن مجرد القبول من الموظف للوعد بالعطية يحمل في ذاته معنى الإتجار في وظيفته، وتكون مصلحة الجماعة قد هیئت فعلاً بالضرر الناشئ عن العبث بالوظيفة التي ائتمنت عليها الموظف ليؤدي أعمالها بناء على وحی ذمته وضميره ليس إلا.
ولا يشترط في القبول شكلاً معيناً فقد يكون صريحاً بقول أو كتابة أو إيماء، وقد يكون ضمنياً كأن يبدأ الموظف في أداء العمل الذي يطلبه صاحب الحاجة، مع ملاحظة أن إثبات القبول في هذه الحالة أمر عسير فقد يكون انصرافه إلى أداء العمل أثراً لقبول ضمني للوعد بالعطية، كما قد يكون أداؤه للعمل تنفيذاً لواجبه الوظيفي، ولا يجوز الإستناد إلى سكوت الموظف وعدم تبليغه عن عرض الرشوة لاستخلاص الدليل على قبوله للوعد بالعطية، والأمر متروك لتقدير المحكمة، فإذا ثار لديها الشك حول قبول الموظف يجب تبرئته من جريمة الرشوة إذ الشك يفسر لصالح المتهم.
ويشترط في القبول أن يكون جديا، فإذا كان الموظف غير جاد فی قبوله، وإنما تظاهر بذلك لتمكين السلطات من ضبط صاحب الحاجة متلبساً، فإن هذا القبول الظاهري يعتبر منعدماً، فلا تقوم به جريمة الرشوة، ويقتصر الأمر في هذا الفرض على وقوع جريمة عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة.
والقبول الجدى يجب أن يلتقي مع عرض جدي. فإذا كان العرض ظاهر الهزل لا تقع بقبوله جريمة الرشوة «فإذا وعد شخص موظفاً بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فإن هذا القول لا يفيد أن هناك شروعاً منه جدياً في إعطاء رشوة إذ هو لم يعرض فيه شيئاً معيناً على الموظف بل عرضه هو أشبه بالهزل منه بالجد».
ولكن يكفي لجدية العرض أن يكون جديا في ظاهره، فإذا قبله الموظف على أنه جدی منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي تقع بقبوله جريمة الرشوة إذ تتحقق بذلك علة العقاب وهي الاتجار في الوظيفة ويتحقق هذا الفرض إذا كان صاحب الحاجة في حقيقة الأمر غير جاد فيما عرض على الموظف، وإنما كان العرض بقصد تمكين السلطة المختصة من ضبطه متلبساً بجريمة الرشوة .
- طلب الوعد أو العطية:
الم يقتصر المشرع لتحقق النشاط الإجرامي في جريمة الرشوة على الأخذ أو القبول، وإنما أضاف إلى ذلك بالقانون رقم 69 لسنة 1953 مجرد طلب الموظف العطية «الاستعطاء» أو طلب الوعد بها «الاستیعاد».
مقابل أداء العمل الوظيفي. ذلك أن الموظف الذي يتقدم بالطلب إلى صاحب الحاجة إنما يعرض أعمال وظيفته للبيع - شأنها شأن السلع - مما يعتبر عبثاً بالوظيفة العامة وإهداراً لنزاهتها وللثقة الواجبة فيها بل لعل الموظف الذي يقوم بطلب الوعد أو العطية يكون أمعن إجراما ممن يأخذ العطية أو يقبل الوعد بها إذ لا يتعرض لإغراء تقديم العطية أو الوعد بها.
وإذا كانت الرشوة هي جريمة الموظف فإنها تتحقق بمجرد الطلب، ولا يؤثر في قيامها تسليم العطية بعد ذلك أو عدم تسليمها وقد سوى المشرع بين طلب الموظف العطية أو الوعد لنفسه أو لغيره، ولذلك قضى بأنه «لا مصلحة للمتهم في التحدى بأنه لم يطلب الرشوة لنفسه».
- تمام الرشوة والشروع فيها :
تقع الجريمة تامة بمجرد وقوع النشاط الإجرامي - إذا توافر باقی أركانها - فتتم بمجرد أخذ الموظف العطية أو قبول الوعد بها أو طلبه وعدا أو عطية لنفسه أو لغيره، وذلك دون توقف على تنفيذ الموظف للعمل المطلوب، بل ودون توقف على توافر نية القيام بالعمل المطلوب لديه في جريمة الرشوة تتم بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب ولو كان الموظف يقصد وقت ارتكاب هذا السلوك عدم القيام بالعمل المطلوب (المادة 104 مکرراً)، ففي هذا السلوك ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته وإذا وقعت الجريمة على هذا النحو، فإنه لا يؤثر في قيامها أن يساور الموظف الندم بعد ذلك فيرد العطية للراشي.
ويثير وقوع الجريمة بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب التساؤل عما إذا كان الشروع متصوراً فيها؟ ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الشروع غير متصور في هذه الجريمة بينما يذهب رأي آخر – بحق - إلى أن الشروع متصور في حالة الطلب إذا أوفد الموظف وسيطا إلی صاحب الحاجة لطلب الرشوة ووقف النشاط عند هذا الحد إذا أبلغ الوسيط السلطات بذلك، فالجريمة هنا لم تتم، إذ لا اعتداد بالطلب إلا إذا وصل إلى علم صاحب الحاجة، وإن كان لا يشترط قبوله، ويكون فعل الموظف قد وقف عند حد البدء في التنفيذ المكون للشروع .
الركن المعنوي في جريمة الرشوة :
- قصد المرتشي :
جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصرين : العلم والإرادة.
العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد، كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر، ويجب أن يكون الجاني عالما بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقدا أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .
الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.
- هل يشترط قصد خاص في الرشوة :
ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الإتجار بالوظيفة أو إستغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للإتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الإمتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.
- معاصرة القصد الجنائي للركن المادي :
من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 16)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس ، الصفحة / 231
هَدَايَا الإْمَامِ لِغَيْرِهِ:
هَدَايَا الإْمَامِ لِغَيْرِهِ إِنْ كَانَتْ مِنْ مَالِهِ الْخَاصِّ فَلاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ عَنْ غَيْرِهِ مِنَ الأْفْرَادِ، وَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (هَدِيَّة).
أَمَّا إِنْ كَانَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِذَا كَانَ مُقَابِلاً لِعَمَلٍ عَامٍّ فَهُوَ رِزْقٌ، وَإِنْ كَانَ عَطَاءً شَامِلاً لِلنَّاسِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَهُوَ عَطَاءٌ، وَإِنْ كَانَتِ الْهَدِيَّةُ بِمُبَادَرَةٍ مِنَ الإْمَامِ مَيَّزَ بِهَا فَرْدًا عَنْ غَيْرِهِ فَهِيَ الَّتِي تُسَمَّى (جَائِزَةَ السُّلْطَانِ) وَقَدِ اخْتُلِفَ فِيهَا، فَكَرِهَهَا أَحْمَدُ تَوَرُّعًا لِمَا فِي بَعْضِ مَوَارِدِ بَيْتِ الْمَالِ مِنَ الشُّبْهَةِ، لَكِنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَرَامٍ عَلَى آخِذِهَا، لِغَلَبَةِ الْحَلاَلِ عَلَى مَوَارِدِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَرِهَهَا ابْنُ سِيرِينَ لِعَدَمِ شُمُولِهَا لِلرَّعِيَّةِ، وَمِمَّنْ تَنَزَّهَ عَنِ الأْخْذِ مِنْهَا حُذَيْفَةُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَمُعَاذٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عُمَرَ. هَذَا مِنْ حَيْثُ أَخْذُ الْجَوَائِزِ.
أَمَّا مِنْ حَيْثُ تَصَرُّفُ الإْمَامِ بِالإْعْطَاءِ فَيَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ الْعَامَّةُ لِلْمُسْلِمِينَ دُونَ اتِّبَاعِ الْهَوَى وَالتَّشَهِّي، لأِنَّ تَصَرُّفَ الإْمَامِ فِي الأْمْوَالِ الْعَامَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ مَنُوطٌ بِالْمَصْلَحَةِ.
قَبُولُ الإْمَامِ الْهَدَايَا:
لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى الأْمَرَاءِ.
ذَكَرَ ابْنُ عَابِدِينَ فِي حَاشِيَتِهِ. أَنَّ الإْمَامَ (بِمَعْنَى الْوَالِي) لاَ تَحِلُّ لَهُ الْهَدِيَّةُ، لِلأْدِلَّةِ - الْوَارِدَةِ فِي هَدَايَا الْعُمَّالِ وَلأِنَّهُ رَأْسُ الْعُمَّالِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ. وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا « رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ، لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا ».
هَدَايَا الْكُفَّارِ لِلإْمَامِ.
لاَ يَجُوزُ لِلإْمَامِ قَبُولُ هَدِيَّةٍ مِنْ كُفَّارٍ أَشْرَفَتْ حُصُونُهُمْ عَلَى السُّقُوطِ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَوْهِينِ الْمُسْلِمِينَ وَتَثْبِيطِ هِمَّتِهِمْ. أَمَّا إِذَا كَانُوا بِقُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ جَازَ لَهُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِمْ. وَهِيَ لِلإْمَامِ إِنْ كَانَتْ مِنْ قَرِيبٍ لَهُ، أَوْ كَانَتْ مُكَافَأَةً، أَوْ رَجَاءَ ثَوَابٍ (أَيْ مُقَابِلٍ). وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَرِيبٍ، وَأَهْدَى بَعْدَ دُخُولِ الإْمَامِ بَلَدَهُمْ فَهِيَ غَنِيمَةٌ. وَهُمْ فَيْءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي بَلَدِهِمْ.
هَذَا إِذَا كَانَتْ مِنَ الأْفْرَادِ، أَمَّا إِذَا كَانَتْ مِنَ الطَّاغِيَةِ أَيْ رَئِيسِهِمْ، فَإِنَّهَا فَيْءٌ إِنْ أُهْدِيَ قَبْلَ دُخُولِ الْمُسْلِمِينَ فِي بَلَدِهِمْ، وَغَنِيمَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهِ، وَهَذَا التَّفْصِيلُ لِلْمَالِكِيَّةِ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ: يَجُوزُ لِلإْمَامِ قَبُولُ الْهَدِيَّةِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ، لأِنَّ « النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ صَاحِبِ مِصْرَ »، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَالِ الْغَزْوِ فَمَا أَهْدَاهُ الْكُفَّارُ لأِمِيرِ الْجَيْشِ أَوْ لِبَعْضِ قُوَّادِهِ فَهُوَ غَنِيمَةٌ، لأِنَّهُ لاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلاَّ خَوْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَخَذَهُ قَهْرًا.
وَأَمَّا إِنْ أَهْدَى مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، فَهُوَ لِمَنْ أَهْدَى إِلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ الإْمَامَ أَوْ غَيْرَهُ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِلَ الْهَدِيَّةَ مِنْهُمْ، فَكَانَتْ لَهُ دُونَ غَيْرِهِ.وَعَزَا ابْنُ قُدَامَةَ هَذَا إِلَى الشَّافِعِيِّ أَيْضًا، وَنَقَلَ عَنِ الإْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا لِلْمُهْدَى لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، لأِنَّهُ خَصَّهُ بِهَا، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أُهْدِيَ لَهُ مِنْ دَارِ الإْسْلاَمِ، وَحَكَى فِي ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَوْ أَهْدَى مُشْرِكٌ إِلَى الأْمِيرِ أَوْ إِلَى الإْمَامِ هَدِيَّةً، وَالْحَرْبُ قَائِمَةٌ فَهِيَ غَنِيمَةٌ، بِخِلاَفِ مَا لَوْ أَهْدَى قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلُوا عَنْ دَارِ الإْسْلاَمِ، فَإِنَّهُ لِلْمُهْدَى إِلَيْهِ.
وَقَالَ عَبْدُ الْغَنِيِّ النَّابْلُسِيُّ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَنَزَاهَتُهُ عَنْهَا أَوْلَى مِنْ قَبُولِهَا، فَإِنْ قَبِلَهَا جَازَ وَلَمْ يُمْنَعْ، وَهَذَا حُكْمُ الْهَدَايَا لِلْقُضَاةِ، أَمَّا الْهَدَايَا لِلأْئِمَّةِ فَقَدْ قَالَ فِي الْحَاوِي: إِنَّهَا إِنْ كَانَتْ مِنْ هَدَايَا دَارِ الإْسْلاَمِ فَهِيَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى حَقٍّ يَسْتَوْفِيهِ، أَوْ عَلَى ظُلْمٍ يَدْفَعُهُ عَنْهُ، أَوْ عَلَى بَاطِلٍ يُعِينُهُ عَلَيْهِ، فَهَذِهِ الرِّشْوَةُ الْمُحَرَّمَةُ.
الثَّانِي: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ كَانَ يُهَادِيهِ قَبْلَ الْوِلاَيَةِ، فَإِنْ كَانَ بِقَدْرِ مَا كَانَ قَبْلَ الْوِلاَيَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَرَضَتْ فَيَجُوزُ لَهُ قَبُولُهَا، وَإِنِ اقْتَرَنَ بِهَا حَاجَةٌ عَرَضَتْ إِلَيْهِ فَيُمْنَعُ مِنَ الْقَبُولِ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهَا بَعْدَ الْحَاجَةِ. وَإِنْ زَادَ فِي هَدِيَّتِهِ
عَلَى قَدْرِ الْعَادَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَإِنْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ مِنْ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ جَازَ قَبُولُهَا لِدُخُولِهَا فِي الْمَأْلُوفِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْهَدِيَّةِ مُنِعَ مِنَ الْقَبُولِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يُهْدِيَ إِلَيْهِ مَنْ لَمْ يَكُنْ يُهَادِيهِ قَبْلَ الْوِلاَيَةِ، فَإِنْ (كَانَ) لأِجْلِ وِلاَيَتِهِ فَهِيَ رِشْوَةٌ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَخْذُهَا، وَإِنْ كَانَ لأِجْلِ جَمِيلٍ صَدَرَ (لَهُ) مِنْهُ إِمَّا وَاجِبًا أَوْ تَبَرُّعًا فَلاَ يَجُوزُ قَبُولُهَا أَيْضًا.
وَإِنْ كَانَ لاَ لأِجْلِ وِلاَيَةٍ، بَلْ لِمُكَافَأَةٍ عَلَى جَمِيلٍ، فَهَذِهِ هَدِيَّةٌ بَعَثَ عَلَيْهَا جَاهٌ، فَإِنْ كَافَأَهُ عَلَيْهَا جَازَ لَهُ قَبُولُهَا، وَإِنْ لَمْ يُكَافِئْ عَلَيْهَا فَلاَ يَقْبَلُهَا لِنَفْسِهِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ هَدَايَا دَارِ الْحَرْبِ جَازَ لَهُ قَبُولُ هَدَايَاهُمْ، وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الأْحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ قَالَ: وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهَدِيَّةِ أَنَّ الرِّشْوَةَ مَا أُخِذَتْ طَلَبًا، وَالْهَدِيَّةُ مَا بُذِلَتْ عَفْوًا.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282
الرِّشْوَةُ :
هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 219
رِشْوَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.
- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.
- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.
- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ
- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً
- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.
- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ
- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.
وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.
قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.
وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.
وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُصَانَعَةُ:
الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:
أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.
وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.
لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.
ج - الْهَدِيَّةُ:
مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -
يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.
وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.
د - الْهِبَةُ:
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.
قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.
وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.
وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.
و - الصَّدَقَةُ:
مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.
أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:
الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.
ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.
د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:
أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.
يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).
ب - الْعُمَّالُ:
وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ج - الْقَاضِي:
وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.
قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.
وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).
د - الْمُفْتِي:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.
هـ - الْمُدَرِّسُ:
إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.
و - الشَّاهِدُ:
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:
أ - الْحَاجُّ:
لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:
يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.
ج - الْقَاضِي:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ
الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.
حُكْمُ الْقَاضِي:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.
وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.
قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.
وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.
انْعِزَالُ الْقَاضِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَثَرُ الرِّشْوَةِ:
أ - فِي التَّعْزِيرِ:
هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.
انْظُرْ: تَعْزِير.
ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.
ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:
صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.
د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:
إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.