loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- جريمة الرشوة تتحقق فى جانب الموظف ولو خرج العمل عن دائرة وظيفته بشرط أن يعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته أو يزعم ذلك كذباً، وبصرف النظر عن اعتقاد المجني عليه فيما اعتقد الموظف أو زعم إذ هو حينئذ يجمع بين إثمين هما الاحتيال والارتشاء، ويتوافر الزعم بالاختصاص ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به، إذ يكفي مجرد إبداء الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل فى نطاق اختصاصه لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه بذلك الاختصاص، وكان الحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً على صدور الزعم بالاختصاص من جانب الطاعن بما أثبته فى حقه من أنه ادعى للشاهد المبلغ أن بوسعه تخفيض الرسوم المستجدة المقررة على عقار والده لقاء مبلغ الرشوة وتناهى إلى مؤاخذته بجريمة الرشوة على أساس الزعم بالاختصاص، فإن ما يثيره الطاعن فى شأن قصور الحكم فى التدليل على السياق الذي أورده فى أسباب طعنه يكون غير مقترن بالصواب.

(الطعن رقم 14625 لسنة 59 جلسة 1990/01/18 س 41 ع 1 ص 191 ق 29)

2- إن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً فى الجريمة .

(الطعن رقم 2004 لسنة 38 جلسة 1969/01/06 س 20 ع 1 ص 33 ق 8)

3- تنعقد جريمة الرشوة بالاتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي ولا تبقى بعد ذلك إلا إقامة الدليل على هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسلم المبلغ.

(الطعن رقم 1140 لسنة 38 جلسة 1968/06/24 س 19 ع 2 ص 758 ق 152)

4- الزعم بالاختصاص يتوافر ولو لم يفصح عنه الموظف أو يصرح به. إذ يكفى مجرد إبداء الموظف إستعداده للقيام بالعمل الذى لا يدخل فى نطاق إختصاصه أو الامتناع عنه، لأن ذلك السلوك منه يفيد ضمناً زعمه بالإختصاص .

(الطعن رقم 17118 لسنة 64 جلسة 1997/01/15 س 48 ع 1 ص 93 ق 14)

5- لما كان ما أثاره المدافع عن الطاعن الأول من أنه كان على علم بخروج العمل عن دائرة اختصاص وظيفته وعدم اعتقاده خطأ اختصاصه به إنما هو من أوجه الدفاع الموضوعية التى لا تستلزم من المحكمة ردا صريحاً ما دام فيما أوردته فى حكمها من وقائع وظروف ما يكفى للرد عليها وإذ كان ما اورده الحكم المطعون فيه بيانا لواقعة الدعوى واضح الدلالة على ان الطاعن عندما طلب الرشوة كان يعتقد خطأ وقوع الأرض المقدم بشأنها الشكوى فى دوائره اختصاصه الوظيفى مما يسمح له بمباشرة واتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها والذى طلب الجعل مقابلا له وهو ما يكفى للرد على دفاع الطاعن فى هذا الخصوص فإن ما يثيره الطاعن نعيا على الحكم بشأنه يكون غير سديد .

(الطعن رقم 124 لسنة 61 جلسة 1992/10/04 س 43 ع 1 ص 766 ق 118)

6- متى كان الموظف مختصاً بالعمل فلا فرق بين أن يطلب منه أداؤه أو الامتناع عنه ، كما يؤاخذ القانون على الرشوة بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف حقاً أو غير حق - فإذا كان الثابت أن مفتش الأسعار وقت أن ضبط الأغلفة الناقصة الوزن فى مصنع المتهم إنما كان يقوم بعمل من أعمال وظيفته و لم يكن فى الاجراء الذى قام به أية مخالفة للقانون - و قد أسفرت الواقعة عن تقديم المتهم بالفعل للمحاكمة عن جريمة أنه طرح للبيع " شاياً " معبأ فى أغلفة ناقصة الوزن ، فإن قضاء المحكمة ببراءة المتهم عن هذه الواقعة إستناداً إلى أن عدم التعبئة يجعل الجريمة منعدمة لا يترتب عليه أن المتهم كان فى حالة إكراه معنوى أو حالة ضرورة عند عرض الرشوة - و إنما كان عرضها للتأثير فى مفتش الأسعار و حمله على الإخلال بواجبه بالامتناع عن ضبط الأغلفة الناقصة فى الوزن للتوجه بها إلى مراقبة الأسعار لوزنها هناك ، و من ثم كان سليماً ما ذكره الحكم من أن براءة المتهم من واقعة عرضه للبيع " شاياً " بأغلفة ناقصة الوزن لايؤثر فى قيام جريمة عرض الرشوة على الموظف .

(الطعن رقم 1265 لسنة 30 جلسة 1960/11/07 س 11 ع 3 ص 774 ق 148)

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

شروط الإعفاء من العقوبة :

يشترط للإعفاء من العقوبة عملاً بنص المادة 100 عقوبات :

1- أن يكون الشخص عضواً في إحدى العصابات المنصوص عليها في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات. ولم يكن له في العتبة رئاسة ولا وظيفة و المقصود بالوظيفة هنا هي الوظيفة القيادية في العصابة بحيث يكون له جزءاً من القيادة تحتم إصداره للأوامر والتزام الأعضاء بتنفيذها. ومن ثم فإنه يتعين الاستفادة الشخص من الإعفاء المقرر هو أن يكون عضواً عادياً في إحدى العصابات المشار إليها ينفصل عنها عند أول تنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

2- ويستفيد أيضاً الشخص الذي لا يمتثل للتنبيه الأول من السلطات المدنية أو العسكرية ولكن يقبض عليه بعيداً عن مكان الاجتماع الصوري بشرط أن يستسلم بلا مقاومة وأن لا يكون حاملاً سلاحاً وينصرف مدلول السلاح إلي كل سلاح يعاقب على حيازته أو إحرازه قانون الأسلحة والذخائر إلا أن ذلك لا يمنع من عقابه على ما يكون قد ارتكبه شخصيا من جنايات خاصة أخري قبل القبض عليه.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،  الصفحة:  132)

حددت المادة (100) مجال تطبيقها بأنه العصابات المنصوص عليها في أحكام الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ويراد بها جرائم الفاعل المتعدد السابق لنا التعرض لها.

وباستعراض هذه الجرائم، يتبين أنها:

(1) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة.

(2) جريمة العضوية في عصابة هاجمت طائفة من السكان أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين.

(3) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة إحتلال شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو لمرافق عامة أو المؤسسات ذات نفع عام.

(4) جريمة العضوية في عصابة حاملة للسلاح بقصد إغتصاب أو نهب الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس أو مقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجنايات.

(5) جريمة العضوية في اتفاق جنائي الغرض منه إرتكاب جريمة محاولة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة بعمل فردي أو بعصابة مسلحة أو جريمة تكوين عصابة تهاجم السكان أو تقاوم بالسلاح السلطة العامة، أو جريمة التخريب دون إستهداف الأضرار بالاقتصاد القومي، أو جريمة إحتلال أو محاولة إحتلال المباني العامة بالقوة، أو جريمة قيادة قوة عسكرية دون تكليف أو رغم الأمر الصادر بتسريحها، أو جريمة العمل على تعطيل أوامر الحكومة من جانب من يمثلها في القوات المسلحة أو البوليس، وجريمة رئاسة أو عضوية عصابة مسلحة للنهب أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة الناهبين، وجريمة إدارة حركة العصابة المذكورة أو التخابر معها أو معاونتها.

(6) جريمة العضوية في جماعة ترمي إلى سيطرة طبقة إجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة إجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم نظام من النظم الأساسية للهيئة الإجتماعية أو إلى تجنيد شيء من ذلك أو الترويج له حالة كون إستعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.

(7) جريمة العضوية في جماعة الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة أو الحض على كراهيتها أو الإزدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة أو التحريض على مقاومة السلطة العامة أو تحبيذ أو ترويج شيء من ذلك.

(8) جريمة العضوية في تشكيل ذي صفة دولية أنشيء بغير ترخيص من الحكومة.

المستفيد من الإعفاء: 

حدد القانون المستفيد من الإعفاء بأنه من دخل في زمرة العصابات المذكورة، والدخول في الزمرة معناه الدخول في العضوية أي كون الشخص صار عضواً في العصابة.

ويدخل في معنى العصابة قيام إتفاق جنائي بين أكثر من شخصين، لأن هذا الإتفاق صورة من صور العصابة تتميز بأن عدد الأعضاء فيها أقل نسبياً من عددهم في العصابة المتفق على تشكيلها.

وفي الوقت ذاته تطلب القانون في المستفيد بالاعفاء ألا يكون هو نفسه بالإضافة إلى العضوية في العصابة، ذا رئاسة أو وظيفة فيها، أي قطباً من أقطابها أو عاملاً فعالاً فيها. فيجب أن يكون مجرد عضو، الأمر الذي يعني أن من يساهم في توجيه العصابة أو تنفيذ عملياتها محروم من الاستفادة بالإعفاء.

شروط الإعفاء من العقاب: 

يجب الإعفاء عضو العصابة من العقوبة المستحقة على هذه العضوية، أن يتحقق فيه شرط من الشروط الآتية:

(1) أن ينفصل عن العصابة فور التنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

(2) أن يتواجد بعد التنبيه عليه من السلطات في مكان بعيد عن أماكن الاجتماع الثوري بغير أن يكون حاملاً سلاحاً، فلا يبدي أية مقاومة عند القبض عليه.

ومعنى ذلك أنه إذا تواجد رغم التنبيه عليه بالانفصال عن العصابة، في مكان من أماكن اجتماعها الثوري، سواء أكانت توجد في هذا المكان إضطرابات راجعة إلى نشاط العصابة أم لم توجد، فلا يعفى من العقاب.

كما لا يعني من العقاب إذا قبض عليه وهو يحمل سلاحاً في مكان بعيد عن تلك الأماكن، أو إذا أبدى مقاومة عند القبض عليه في ذلك المكان.

وإذا استحق الإعفاء من عقوبة العضوية في العصابة تبعاً للقبض عليه دون أن يكون حاملاً سلاحاً ودون أن يقاوم وذلك في مكان بعيد عن مكان اجتماع أفراد العصابة فإنه في هذه الحالة لا يعفي من عقوبة أية جريمة أخرى يكون قد ثبت عليه شخصية أنه إرتكبها قبل القبض عليه. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة : 237)

شرح خبراء القانون

لا يجعل الشارع من أركان الرشوة أداء العمل الوظيفي الذي وعد به فالرشوة تتوافر أركانها ولو أخل الموظف بوعده فلم يحقق لصاحب الحاجة مصلحة بل وتصرف على نقيضها وتتوافر أركان الرشوة كذلك إذا كان الموظف يخدع صاحب الحاجة فكان منتوياً منذ البداية عدم القيام بالعمل الذي يبتغيه ذلك أنه طالما عرض عمله الوظيفي نظير المقابل الذي يطلبه - أو يتقاضاه أو يقبل الوعد به - فقد جعله سلعة وشوه سمعة الدولة وأخل بالثقة في نزاهة أعمالها تحقق بذلك كل ما تقتضيه فكرة الرشوة ومن ثم فإن تنفيذ الغرض من الرشوة بالفعل ليس ركناً في الجريمة. ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 209 )

تقوم جريمة الرشوة والتي نحن بصددها ولو كان الموظف يقصد عدم القيام بالعمل أو عدم الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة. فإذا كان الموظف ينتوي منذ البداية خداع صاحب الحاجة وعدم تنفيذ ما اتفق عليه، فإن ذلك لا يحول دون قيام الجريمة ما دام جاداً في اقتضاء المقابل. ومن باب أولى تقوم الجريمة لو علق الموظف تنفيذه للعمل أو امتناعه عنه أو إخلاله بواجبات الوظيفة على تحقيق الراشي لوعده بإعطائه المقابل. ففي هذه الحالات تتوافر الحكمة التي من أجلها جرمت الرشوة، فقد قصد من تجريمها حماية الثقة في نزاهة الوظيفة العامة، وطالما أن الموظف عرض عمله نظير مقابل فقد جعله بمثابة السلعة وأخل بهذه الثقة .

الركن المعنوي :

هذه الجريمة عمدية يلزم لتوافرها القصد الجنائي بشقيه العلم والإرادة العلم بماهية أركان الجريمة، وإرادة تحقيق ركنها المادي المتمثل في الطلب أو القبول أو  الأخذ.

العقوبة:

يعاقب الجاني بالعقوبة المنصوص عليها في المواد (103، 103 مكرراً، 104) من قانون العقوبات حسب الأحوال.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة : 312)

لا تقع جريمة الرشوة إلا إذا أريد من المرتشي تحقيق أحد الأغراض الآتية :

(1) أداء عمل من أعمال وظيفته أو ما يزعم أنه كذلك.

(2) الامتناع عن أداء عمل من أعمال وظيفته أو ما يزعم أنه كذلك.

(3) الإخلال بواجبات وظيفته.

أداء العامل:

يتحقق ذلك إذا تمثل مقابل الرشوة في صورة أداء عمل معين من أعمال الوظيفة أو عمل يزعم الموظف أنه كذلك. والفرض أن يكون العمل المذكور محدداً دون عبرة بما إذا كان عملاً واحداً أو مجموعة من الأعمال وذلك باعتبار أن هذا العمل يمثل المحل في الاتفاق غير المشروع أو في الإيجاب (في حالة الطلب). وهو ما يجب معه أن يكون محدداً أو قابلاً للتحديد. و يتعين في هذا العمل أن يكون ذا صلة باختصاص الموظف الحقيقي أو المزعوم.

ولا يشترط في العمل المراد من الموظف أداؤه أن يكون نهائياً، فتقع الجريمة ولو كان خاضعاً للمراجعة والتمحيص.

الامتناع عن العمل :

قد يتحقق مقابل الرشوة في صورة الامتناع عن أحد أعمال الوظيفة أو التي يزعم الموظف أنها كذلك.

ولا يشترط في الامتناع أن يكون تاماً، بل يكفي مجرد التأخير في القيام بالعمل، أي الامتناع عن أدائه في الوقت المحدد له. ويستوي أن يكون الامتناع أو التأثير داخلاً في حدود سلطته التقديرية أو مخالفا للقانون. كما يستوي أن يكون العمل محل الامتناع متمثلاً في صورة كتابة أو قول شفهي أو فعل تنفيذي.

الإخلال بواجبات الوظيفة :

قد تقع الرشوة مقابل الإخلال بواجبات الوظيفة (أو الخدمة العامة) ومتى كان الموظف مخلاً بواجبات وظيفته أمتنع البحث في اختصاصه أو عدم اختصاصه، لأنه لا محل للتحدث عن الاختصاص في مقام مخالفة القانون. ولهذا لم يفرق القانون في صدد الإخلال بواجبات الوظيفة بين الاختصاص والزعم به. كل هذا بشرط ألا يكون الموظف قد انتحل صفة وظيفية أخرى مما يخرج عن إطار النموذج القانوني لجريمة الرشوة.

وواقع الأمر أن محاولة الموظف القيام بعمل معين لا يدخل في حدود وظيفته مدعياً أنه يختص به، ليس إلا ضرباً من ضروب الإخلال بواجبات الوظيفة. وقد اتجه الفقه والقضاء في إيطاليا إلى اعتبار أداء الموظف لعمل أو الامتناع خارج اختصاصه نوعاً من الإخلال بواجبات وظيفته.

ويتحقق الإخلال بواجبات الوظيفة في عدة صور، هي:

(أ) مباشرة العمل على نحو مخالف للقانون، دون عبرة بما إذا كانت هذه المخالفة قد انصبت على شكل جوهري، بحيث تؤدي إلى بطلان العمل، أو على شكل تنظيمي غير جوهري لتفويت مصلحة معينة دون أن تؤدي إلى البطلان، أو وقعت المخالفة لنص موضوعي، كما إذا تجاوز حدود السلطة المقيدة المكلف بها.

(ب) الانحراف في استعمال السلطة التقديرية المخولة للموظف : مثال ذلك أن يرتشي رئيس المصلحة مقابل تعيين أحد المرشحين للوظيفة.

(ج) مخالفة الاختصاص: لا شك في أن الموظف الذي ينحرف عن نطاق اختصاصه يخالف ما تمليه عليه وظيفته من واجب أداء أعماله في حدود الاختصاص المرسوم له قانوناً. وواقع الأمر أن جميع ضروب مخالفة الاختصاص تعد إخلالاً بواجبات الوظيفة، بشرط ألا تصل إلى حد انتحال صفة وظيفية أخرى، الأمر الذي يعد نصباً.

(د) مخالفة أمانة الوظيفة أو الخدمة العامة: استهدف المشرع مدلولاً أوسع من أعمال الوظيفة أو الخدمة العامة التي تنص عليها القوانين واللوائح أو التعليمات، بحيث تشمل أمانة الوظيفة ذاتها، فكل انحراف عن واجب من واجبات تلك الوظيفة أو امتناع عن القيام به يجري عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه القانون. مثال ذلك، أن الموظف ملزم بحكم وظيفته بالمحافظة على المعلومات التي تنتهي إليه بسبب تأدية وظيفته وبحكم أنه يشغل الوظيفة.

ويستوي أن تقع مخالفة واجبات الوظيفة بالنسبة إلى واجب عام يقع على عاتق  الموظف كأمانة الوظيفة، أو واجب خاص يتعلق ببعض الأعمال المكلف بها. كما يستوي أن تعد هذه المخالفة في حد ذاتها جريمة جنائية أو مخالفة تأديبية.

ويعد من قبيل الإخلال بواجبات الوظيفة أن يفتعل الموظف العام واقعة تبرر اختصاصه بالعمل أو الامتناع من أجل الحصول على الرشوة. مثال ذلك أن يوهم مأمور الضرائب أحد الممولين أنه مدين بمبلغ معين لمصلحة الضرائب ويطلب رشوة منه مقابل إعفائه من هذا المبلغ، أو أن يوهم مأمور الضبط القضائي أحد المواطنين بأنه متهم في جريمة ويطلب منه رشوة مقابل التغاضي عن تحقيقها، أو أن يوهم أحد كتبة المحاكم شخصاً بأن حكما قد صدر ضده ويطلب منه رشوة مقابل إلغاء هذا الحكم أو تخليصه منه .

وعلى وجه العموم، فإن تعبير الإخلال بواجبات الوظيفة جاء في المادة 104 مطلقاً من التفسير بحيث يتسع ليشمل كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف.

ونلاحظ أن المشرع في المادة 104 من قانون العقوبات قد ساوى بين الإخلال بواجبات الوظيفة وبين الامتناع عن عمل من أعمالها. وقد ورد تعبير الإخلال بواجبات الوظيفة في النص مطلقاً، بحيث يتسع مدلولة لاستيعاب كل عبث يمس الأعمال التي يأتيها الموظف وتعد من واجبات وظيفته . (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016، الصفحة: 343)

 يستوي أن يكون العمل إيجابياً أو مجرد إمتناع : يغلب أن يكون العمل الوظيفي، إيجابياً، إذ تقتضي مصالح صاحب الحاجة إتيان الموظف هذا العمل، كإصدار القاضي حكماً نظير مقابل الرشوة، أو إعطاء الموظف الإداري ترخيصاً نظير ذلك، وقد يتخذ صورة مجرد الإسراع في إنجاز مصلحة صاحب الحاجة وقد يكون العمل الوظيفي امتناعاً، وفي هذه الحالة تكون جريمة الرشوة أظهر وأسهل إثباتاً، باعتبار أن الموظف قد أهمل بذلك في أداء واجبات وظيفته  ويتحقق الإمتناع ولو كان العمل في نطاق السلطة التقديرية للموظف طالما أن امتناعه كان نظير مقابل الرشوة، وليس استهدافاً للمصلحة العامة التي اقتضت تخويله هذه السلطة وقد يكون الإمتناع جزئياً، متخذاً صورة مجرد الإرجاء حين تقتضي مصلحة صاحب الحاجة ذلك الإرجاء وأمثلة الرشوة نظير الإمتناع أن يتلقى ضابط الشرطة عطية لكي لا يحرر محضراً من أجل جريمة، أو يتلقى موظف الضرائب هدية نظير ألا يرسل إشعار المطالبة بضريبة مستحقة وفي أغلب الحالات يجتمع الإمتناع والإخلال بواجبات الوظيفة، باعتبار أن امتناع الموظف عن عمل تفرضه عليه واجبات وظيفته هو إخلال واضح بها.

يستوي أن يكون العمل حقاً أو غير حق، إذا ثبت أن العمل الوظيفي من اختصاص الموظف، فلا أهمية لكون القيام به أو الإمتناع عنه مطابقاً لواجبات الوظيفة أو مخالفاً لها، أي لا أهمية لكونه حقاً أو غير حق، مطابقاً للقوانين واللوائح والتعليمات الإدارية أو مخالفاً لها وتطبيقاً لذلك، فإن الموظف يرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کي يقوم بعمل يلزمه به القانون، كما يرتكبها إذا تلقاه نظير عمل يحظره القانون عليه؛ ويرتكب الرشوة إذا تلقى المقابل کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالإمتناع عنه، كما يرتكبها إذا تلقاه کی يمتنع عن عمل يلزمه القانون بالقيام به : فالقاضي يرتكب الرشوة إذا اقتضى مالاً ليبرىء متهماً ثبتت براءته طبقاً للقانون، كما يرتكبها إذا اقتضى المال ليبرىء متهما ثبتت وفقا للقانون إدانته؛ ورجل الشرطة يرتكب الرشوة إذا طلب مالاً کی يمتنع عن تحرير محضر سواء أكان ثمة موجب لذلك أم لم يكن لذلك موجب.

نص الشارع على الإخلال بواجبات, الوظيفة إلى جانب نصه على « أداء عمل من أعمال الوظيفة أو الإمتناع وعنه » كصورة ثالثة لما يتعهد الموظف المرتشي بالقيام به (المواد 104، و 104 مكرراً، 105، 105 مكرراً من قانون العقوبات). والمتبادر إلى الأذهان أن الشارع يعني بالإخلال بواجبات الوظيفة أداء الموظف عملاً  وظيفياً أو إمتناعه عنه مخالفاً بذلك القواعد القانونية أو التنظيمية التي تحكمه النشاط، ولكن هذا التفسير يجعل التعبير السابق مجرد تكرار لأداء العمل والامتناع عنه، فقد قدمنا أن القانون لا يميز بين كون ذلك حقاً أو غير حق؛ لذلك يتعين تنزيها - للشارع عن التكرار - أن تكون لهذا التعبير دلالته الخاصة : لا يشير الشارع بتعبير « الإخلال بواجبات الوظيفية » إلى عمل وظيفي محدد في ذاته أو في جنسه، وإنما يشير به إلى « أمانة الوظيفة » بصفة عامة، أي الواجبات العامة التي ينبغي أن يلتزم بها الموظف في أدائه أعماله، وهي واجبات تستلهم من روح القواعد القانونية والتنظيمية التي تحكمها لا من النصوص التي أفرغت فيها، وتستلهم كذلك من المصلحة العامة التي ينبغي أن تكون الهدف الوحيد الذي تتجه إليه أعمال الوظيفة وتطبيقاً لذلك، فإن الرشوة تقوم، بل ويغلظ عقابها إذا ما تقاضى الموظف المقابل أو طلبه أو قبل الوعد به کی يجري في تصرفه على الوجه المخالف لهذه الواجبات، وإن لم يكن متعلقاً بتصرف معین.

2- تنفيذ العمل الوظيفي : لا يجعل الشارع من أركان الرشوة أداء - الموظف العمل الوظيفي الذي وعد به . فالرشوة تتوافر أركانها، ولو أخل المرة الموظف بوعده، فلم يحقق لصاحب الحاجة مصلحته، بل وتصرف على نقيضها  وتتوافر أركان الرشوة كذلك إذا كان الموظف يخادع صاحب الحاجة، فكان منتوياً منذ البداية عدم القيام بالعمل الذي يبتغيه : ذلك أنه طالما عرض الموظف عمله الوظيفي نظير المقابل الذي يطلبه - أو يتقاضاه أو يقبل الوعد به – فقد جعله سلعة، وشوه سمعة الدولة وأخل بالثقة في نزاهة أعمالها، فحقق بذلك كل ما تقتضيه فكرة الرشوة، وإذا كان بالإضافة إلى ذلك مخادعاً، فإن إجرامه لا يقل بذلك، بل إنه ليزيد، وقد صرح الشارع بذلك في المادة 104 مكرراً من قانون العقوبات، فبعد أن قرر مبدأ عقاب الموظف على الرشوة، أردف ذلك بأن هذا العقاب يوقع « حتى ولو كان يقصد عدم القيام بذلك العمل أو عدم الإمتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة».

والقاعدة السابقة تحدد موضع العمل الوظيفي بين أركان الرشوة : فهو يعد مختصاً أو غير مختص بالنظر إلى هذا العمل؛ ومن ناحية ثانية، لا يتطلب اتجاه إرادة المرتشي إلى تنفيذ ذلك العمل، وإنما يحتل هذا العمل موضعين : فهو من ناحية الضابط في تحديد إختصاص الموظف، فهو يعد مختصاً أو غير مختص بالنظر إلى هذا العمل؛ ومن ناحية ثانية، فإن القصد يتطلب أن تكون الصلة بين مقابل الرشوة والعمل الوظيفي واضحة في نفسية كل من المرتشي والراشي والمتوسط بينهما فالمقابل يطلب أو يؤخذ أو يقبل الوعد به نظير هذا العمل، فثمة صلة سببية نفسية بينهما، ويعني ذلك أنه إذا كان ذلك العمل لا يحتل مكانه كموضوع للإرادة (باعتبارها أحد عنصري القصد)، فهو يحتل مكانه كموضوع للعلم الذي يعد بدوره عنصراً للقصد.

النشاط الإجرامي في الرشوة :

صور هذا النشاط كما قدمنا هي الأخذ والقبول والطلب، وهذه الصور منصوص عليها على سبيل الحصر، وقد عبر الشارع عن هذه الصور في قوله « كل موظف عمومي طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية ... » (المواد 103، 103 مكرراً، 104، 104 مكرراً) .

الأخذه إذا كان مقابل الرشوة ذا طبيعة مادية فإن الأخذ يعني التسليم، فهو فعل يحصل به المرتشي على الحيازة بنية ممارسة السلطات التي تنطوي عليها وليس بشرط أن يصدر التسليم عن الراشي، فقد يصدر عن وسيط حسن النية، أو يرسل المقابل عن طريق البريد، وفي هذه الحالات يعد الأخذ متحققاً حين يعلم الموظف بالغرض من التسليم أو الإرسال، فيقرر الإحتفاظ بهذا المقابل : ويجوز أن يكون التسليم رمزياً. وإذا تجرد مقابل الرشوة من الطبيعة المادية فكان مجرد منفعة، فإن الأخذ يعتبر متحققاً حين يحصل المرتشي على المنفعة، كما لو باشر الصلة الجنسية التي اعتبرت مقابل الرشوة .

ويطلق على الرشوة حين تقوم بالأخذ تعبير « الرشوة المعجلة »، وهي أسهل حالات الرشوة إثباتاً، إذا المرتشي يحوز المقابل، ويصعب عليه تقديم سبب مشروع يبرر هذه الحيازة . وغني عن البيان أنه يجوز إثبات الحيازة - باعتبارها واقعة مادية - بجميع طرق الإثبات، أياً كانت قيمة مقابل الرشوة.

القبول : القبول هو تعبير عن إرادة متجهة إلى تلقي المقابل في المستقبل نظير القيام بالعمل الوظيفي ويصدر القبول عن الموظف، ويفترض عرضاً أو إيجاباً من صاحب الحاجة، وبالقبول الذي صادف العرض ينعقد الإتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الرشوة في هذه الصورة . والقبول في جوهره إرادة ينبغي أن تكون جادة وصحيحة  وهو في مظهره تعبير وإفصاح بوسيلة ما عن وجود هذه الإرادة .

فإذا لم تتوافر لدى المرتشي إرادة جادة وصحيحة تلتقي مع عرض صاحب الحاجة، وإنما كان متجهاً بما صدر عنه من تعبير إلى الإيقاع بصاحب الحاجة، والعمل على ضبطه متلبساً، فلا يتوافر بذلك القبول ولا تقوم الرشوة، وإنما يرتكب صاحب الحاجة جريمة عرض الرشوة، ولا يتصور القبول كما قدمنا إلا إذا انصرف إلى عرض، ويتعين أن يكون هذا العرض جدياً حتى يكون بدوره تعبيراً عن إرادة يمكن أن تلتقي بها إرادة المرتشي ولكن يكفي أن يكون العرض جدياً في ظاهره وإن كان غير جدی في حقيقته أما إذا كان العرض غير جدي في ظاهره، كما لو وعد شخص الموظف بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فمثل هذا العرض لا يمكن أن ينصرف إليه قبول، وإذا صدر بالفعل قبول من الموظف فلا تقوم بذلك الرشوة : ذلك أن صاحب الحاجة لم يعرض شيئاً معيناً على الموظف « بل عرضه هز أشبه بالهزل منه بالجد » ولكن إذا كان العرض جدياً في ظاهره، فقبله الموظف على هذا الأساس منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته المصلحة الراشي، فإن القبول الذي تقوم به الرشوة يعد متحققاً بذلك، ولا يحول دون ذلك ثبوت أن العرض لم يكن جدياً في حقيقته . وأن قصد العارض كان متجهاً إلى ضبط المرتشي متلبساً، وأن العرض كان بناء على تدبير سابق رتبته السلطات العامة : ذلك أن قبول الموظف في هذه الظروف قد حقق معنى الإتجار في الوظيفة، فقد عرضها بالفعل كسلعة نظير الثمن الذي اعتقد أنه معروض عليه .

وكل صور التعبير عن إرادة القبول سواء . فلا فرق بين تعبير عن طريق القول أو الكتابة أو الإشارة، بل يجوز أن يكون القبول ضمنياً ويعني القبول الضمني إرادة صحيحة قانوناً تضع في اعتبارها أن القبول ضير العمل الوظيفي، وأبرز صور القبول الضمنى أن ينصرف الموظف الى أداء العمل الذي تقتضيه مصلحة صاحب الحاجة بعد علمه بالعرض . ويجوز أن يكون القبول معلقاً على شرط . وتعد الرشوة تامة بالقبول، فلا يتوقف تمامها على تنفيذ موضوع الإتفاق  فإذا رفض صاحب الحاجة أن يسم للموظف ما وعده به فلا يؤثر ذلك في أركان الرشوة التي توافرت بالقبول، ولا يتغير الحكم كذلك إذا رفض الموظف أداء العمل کرد من جانبه على نكول صاحب الحاجة عن وعده ولا يحول دون تمام الرشوة أن الموظف قد قبل العرض ولكنه رفض أسلوب تنفيذه، كما لو قبل أداء العمل الوظيفي، ولكنه رفض أن يكون ذلك عن طريق شيك وأصر أن يكون نقداً.

الطلبة الطلب هو تعبير عن إرادة منفردة من جانب الموظف ومتجهة إلى الحصول على مقابل نظير أداء العمل الوظيفي وتتم الرشوة بمجرد الطلب ولو لم يستجب له صاحب الحاجة، بل ولو رفضه وسارع إلى إبلاغ السلطات العامة، فالرشوة في هذه الصورة هي سلوك الموظف دون اعتبار لسلوك صاحب الحاجة وعلة اعتبار الطلب المجرد كافياً لتمام الرشوة أن الموظف قد عرض بذلك العمل الوظيفي للإتجار، فأخل بنزاهة وظيفته والثقة في الدولة، ولم ير الشارع فرقاً بين عرض للإتجار واتجار فعلی وإذا لم يكن القبول شرطاً لتمام الرشوة، فإن حصول الموظف على ما طلبه ليس من باب أولى شرطاً لذلك.

وقد سوى الشارع بين طلب الموظف المقابل لنفسه وطلبه لغيره، فالموظف الذي يطلب الرشوة لموظف آخر يعد فاعلاً للرشوة، وليس مجرد شريك فيها .

الشروع في الرشوة، حين كان الشارع لا يعتبر الطلب المجرد صورة قائمة بذاتها من النشاط الإجرامي للرشوة، كان الطلب هو الحالة الواضحة للشروع في الرشوة، ذلك أنه بدء في التنفيذ بالنسبة للأخذ أو القبول، فلما صار الطلب مجرداً كافياً لتمام الرشوة، ساد في الفقه القول باستحالة تصور الشروع في هذه الجريمة : ذلك أن كل نشاط يصدر عن الموظف يعبر عن إرادة جدية متجهة إلى الإتجار في أعمال وظيفته يجعله مرتكباً جريمة تامة .

ولكننا نعتقد أنه إذا استحال تصور الشروع في الرشوة في حالتي « الأخذ والقبول » باعتبار أن فيهما « ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته »، فإن الرشوة يتصور الشروع فيها في حالة « الطلب » فالطلب لا يعد متحققاً - في مدلوله القانوني - إلا بوصوله إلى علم صاحب الحاجة، فإن صدر عن الموظف وحالت أسباب (لا دخل لإرادته فيها) دون وصوله إلى علم صاحب الحاجة، كما لو بعث إليه برسالة وضمنها طلبه، ولكن السلطات العامة ضبطت الرسالة وحالت دون وصولها؛ أو كلف رسولا إبلاغ طلبه، ولكن هذا الرسول لم يفعل (فأخبر السلطات مثلاً) فإن جريمة الرشوة تقف بذلك عند مرحلة الشروع. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة: 36) .

تتحقق الرشوة كاملة في أركانها بمجرد وقوع الطلب من الموظف غير المتبوع بأثر أو بالأخذ أو القبول للوعد أو العطية، ولما كان وقت تمام الجريمة هو الوقت الذي تكتمل فيه العناصر المكونة، فإن الرشوة تتم بتحقق السلوك الإجرامي سواء أكان مفردا كما هو الشأن في الطلب، أم كان ثنائياً كما هو الشأن في الأخذ أو القبول. ولذلك فإن الرشوة هي من جرائم السلوك الإجرامي.

ولما كان المقابل للعطية أو الوعد وهو أداء العمل أو الانتفاع منه أو الإخلال بواجباته الوظيفية لا يدخل تحقيقه ضمن العناصر المكونة الجريمة فإن تنفيذ ما وعد به الموظف أو عدم تنفيذه لا قيمة له قانونا وبالتالي لا يعتد به في تحديد وقت تمام الجريمة (39). بل إن الجريمة تقوم على ارتكانها بمجرد الطلب أو الأخذ أو القبول حتى ولو كان الموظف يقصد عدم القيام بذلك العمل أو عدم الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة: 179)

صفة الجاني:

- اشتراط صفة الموظف العامة:

تطلب المشرع لوقوع جريمة الرشوة أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه مختصاً بالعمل أو الامتناع المطلوب منه أو معتقداً خطأ أو زاعماً الاختصاص به. ويقتضي ذلك تحديد المقصود بالموظف العام، وتحديد الأشخاص الذين جعلهم المشرع في حكمه، ثم بيان اختصاص الموظف بالعمل أو الامتناع.

تحديد مدلول الموظف العام في جريمة الرشوة:

لا يقتصر المشرع الجنائي، في تحديده لمدلول الموظف العام في نطاق جريمة الرشوة، على المعنى الذي استقر عليه في فقه القانون الإداري، وإنما يمد نطاق هذا المدلول إلى أشخاص آخرين، حرصا منه على تحقيق ما يستهدفه بتجريم الرشوة من حماية النزاهة الوظيفة العامة، وإبقاء على ثقة الناس في حيدة الدولة وعدالتها، وصيانة لنقاء العلاقة بين الدولة والأفراد من خلال ما تؤديه لهم بواسطة عمالها من خدمات.

وعلى ذلك يمتد معنى الموظف العام في جريمة الرشوة ليشمل الموظف العام الحقيقي في المدلول الإداري، ثم من اعتبرتهم المادة 111 عقوبات في حكم الموظف العام، بالإضافة إلى فئة ثالثة يثور التساؤل بصددها وهي فئة الموظف العام الفعلي.

الموظف العام في المدلول الإداري:

هو الشخص الذي يقوم بصفة قانونية بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر ويعني هذا التعريف ضرورة توافر شروط ثلاثة لتحقق صفة الموظف العام :

1- أن يكون قد التحق بخدمة المرفق العام بصفة قانونية، أي عن طريق التعيين، فإذا لم يتوافر هذا الشرط لا تتحقق صفة الموظف العام، ولو كان المرشح للوظيفة قد استوفي شروط التعيين فيها، أو كان تعيينه باطلاً.

2- ويجب أن يقوم الشخص المعين بأداء عمل يتصف بالدوام والاستمرار، فيخرج من نطاق الموظف العام من عهد إليه بعمل عارض كمن يكلف بخدمة عامة.

3- وأخيراً يجب أن يقوم بالعمل في مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة عن طريق الاستغلال المباشر، فيخرج من نطاق الموظف العام من يعمل في مرفق عام يدار عن طريق آخر غير طريق الاستغلال المباشر كطريق الإلتزام، ومن يعمل في مشروع خاص أياً كانت درجة اتصاله بالدولة.

إذا توافرت هذه الشروط تحققت صفة الموظف العام، يستوي بعد ذلك أن يكون مثبتاً أو غير مثبت، وأن يتقاضى عن عمله راتباً أو مكافأة أو أن يقوم به بغير مقابل، إذ لا يعتبر الراتب شرطاً من شروط الوظيفة العامة، وعلى ذلك يعتبر العمد، ومشايخ البلد، ومشايخ الحارة ومشايخ القسم من الموظفين العموميين.

ويستوي أن يكون خاضعاً للنظام القانوني العام لموظفي الدولة أو أن يكون خاضعاً لنظام قانوني خاص بفئة معينة، كالنظام الخاص بأعضاء هيئة التدريس بالجامعات، وأعضاء الهيئات القضائية، أو بأفراد القوات المسلحة أو الشرطة كما يستوي أن يكون التعيين برضائه أو أن يكون مكلفا بذلك وأن يكون متفرغاً للقيام بأعمال وظيفته أو أن يجمع بينها وبين عمل آخر .

الموظف الفعلي :

هو الشخص الذي يباشر عملاً وظيفياً دون أن تكون له صفة الموظف الحقيقي، إما لأنه لم يصدر قرار بتعيينه أو صدر بتعيينه قرار باطل، أو لأن إجراءات ممارسته للعمل الوظيفي لم تستوف بعد، أو لأنه وهو موظف حقیقی، فوض بمباشرة عمل لا يجيز القانون تفويضه في القيام به. ويثير وضع الموظف الفعلى التساؤل عما إذا كان يعتبر کالموظف الحقيقي فتسري عليه نصوص الرشوة؟ لما كان الهدف من تجريم الرشوة هو حماية نزاهة الوظيفة العامة، وصيانة ثقة الناس في الأعمال التي تقوم بها الدولة، فإنه يجب التمييز بين وضعين: إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي يسيراً يصعب اكتشافه، كما هو الشأن بالنسبة لكاتب المحكمة الذي يباشر عمله دون حلف اليمين القانونية، أو كان العيب - على الرغم من أهميته - قد حجبته عن الناس مظاهر السلطة التي يباشرها الموظف الفعلى فأصبحوا يعتقدون أنه الممثل الحقيقي للدولة، في هاتين الحالتين تسري عليه نصوص الرشوة إذا توافرت أركان الجريمة.

أما إذا كان العيب الذي يشوب مباشرة الشخص للعمل الوظيفي من الوضوح بحيث يتبينه الناس فيدركون أنه لا يمثل سلطة الدولة وأنه لا يستطيع القيام بأعمال الوظيفة، فحينئذ لا يعتبر هذا الشخص موظفاً فعلياً، فإذا طلب أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية للقيام بعمل من أعمال هذه الوظيفة لا تطبق عليه نصوص الرشوة، لأن بعده عن الوظيفة واستقلاله الواضح عنها يجعل فعله غير ماس بنزاهتها  وإن أمكن أن يسأل عن جريمة نصب إذا توافرت أركانها.

ويدخل في نطاق الموظف الفعلى فتطبق عليه نصوص الرشوة الشخص الذي يتصدى للقيام بأعمال السلطة العامة إذا اختفت هذه السلطة أو عجزت عن القيام بمهامها. مثال ذلك أن يحتل العدو أحد أقاليم الدولة ويختفي ممثلو الدولة من هذا الإقليم أو يعجزون عن أداء مهامهم فيضطلع أحد المواطنين بأعمالهم الوظيفية .

الاختصاص بالعمل :

يقصد باختصاص الموظف بالعمل أن يكون له سلطة القيام به قانوناً، ويتحقق ذلك إذا كان القانون يفرض عليه القيام به، أو كان يترك له تقرير ملاءمة القيام به أو الامتناع عن ذلك. والأعمال التي تدخل في اختصاص الموظف العام أو من في حكمه قد يحددها القانون مباشرة، وقد تحددها اللوائح بناء على تفويض القانون، كما قد يحددها قرار أو تكليف صحيح صادر من الرئيس المختص، سواء كان كتابياً أو شفهياً. وقد قضي تطبيقاً لذلك بأنه: «يدخل في أعمال الوظيفة كل عمل يرد عليه تكليف صحيح صادر من الرؤساء، كما يكفي في صحة التكليف أن يصدر بأوامر شفهية، فإذا كان الحكم قد دلل تدليلاً سائغاً على أن عمل الساعي يقتضي التردد على المكان الذي تحفظ فيه ملفات الممولين للمعاونة في تصنيفها وأن يقوم بنقل الملفات بناء على طلب موظفي مأمورية الضرائب - وهم من رؤسائه - فإن التحدي بانعدام أحد أركان جريمة الرشوة يكون على غير أساس».

ولا يقدح في ذلك أن يكون هناك قرار وزاري ينظم توزيع العمل بين الموظفين، لأن ذلك إجراء تنظيمي لا يهدر حق رئيس الإدارة في تكليف موظف بعمل خاص في إدارة أخرى».كذلك قد يرجع تحديد الاختصاص إلى العرف.

نقض 20 يناير سنة 1959 مجموعة أحكام محكمة النقض س 10 رقم 15 ص 55 .

نقض 9 يونية سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 173 ص 826 .

نقض 7 أكتوبر سنة 1958 مجموعة أحكام محكمة النقض س 5 رقم 189 ص 779.

واختصاص الموظف بالعمل الوظيفي يعني أن يختص به نوعياً ومكانياً، فلا يكفي أن يكون الموظف مختصاً بعمل من نوع معين إذا كان نظام تعيينه لا يسمح له بمباشرته إلا في جهة معينة، إذ أن مباشرته لعمل من نفس نوع العمل الداخل في أعمال وظيفته خارج نطاق اختصاصه المكاني يعني أنه ليست لديه سلطة القيام بهذا العمل وبالتالي يكون غير مختص به. فإذا تلقى عطية مقابل القيام بعمل لا يدخل في اختصاصه المكاني لا تقع منه جريمة الرشوة طالما أنه لم يزعم اختصاصه به أو يعتقد ذلك وتطبيقاً لذلك قضت محكمة النقض بأنه «إذا كان الموظف غير مختص بإجراء عمل من الأعمال سواء أكان ذلك بسبب أن هذا العمل لا يدخل أصلاً في وظيفته أم بسبب أنه هو، بمقتضى نظام تعيينه، ليس له أن يقوم به في الجهة التي يباشر فيها، فإن حصوله على المال أو تقديم المال إليه للقيام به أو للامتناع عنه لا يمكن أن يعد رشوة».

وإذ تحدد الاختصاص بالعمل الوظيفي على هذا النحو فإنه يستوي بعد ذلك أن يكون الموظف هو المختص بالعمل كله أو أن يقتصر اختصاصه على جزء من العمل المطلوب يسمح بتنفيذ الغرض من الرشوة إذ القول بوجوب اختصاص الموظف بكل العمل دون أن يساهم فيه أحد غيره يجر - على حد تعبير محكمة النقض - «إلى إباحة الرشوة إذ المعلوم أن إدارة الأعمال تتطلب . الحسن سيرها توزیع كل مسألة على عدة عمال فيختص كل منهم بأداء جزء معين منها، وقد لا توجد مسألة واحدة بذاتها يتمها كلها موظف واحد، ولم يشترط القانون سوى أن يكون العمل من أعمال الوظيفة، وما دامت كلمة عمل جاعت مطلقة فهي لا تتقيد بقدر معين من العمل ولا بنوع خاص منه».

كذلك يعتبر الموظف مختصاً بالعمل ولو كان اختصاصه منحصراً في مجرد إبداء الرأي وقد قضى تطبيقاً لذلك بأن العمدة الذي يبدي رأياً بشأن تعيين شيخ بلد بناء على طلب اللجنة المختصة يعتبر قائما بعمل من أعمال وظيفته، فإذا قبل عطية لإبداء رأيه لمصلحة شخص معين عد مرتكباً لجريمة الرشوة.

بل إن الموظف يعتبر مختصاً بالعمل ولو لم يكن داخلاً مباشرة في أعمال وظيفته، إذا كان العمل المطلوب أداؤه مقابل الرشوة له علاقة أو اتصال بأعمال الوظيفة يسمح بتنفيذ الغرض المقصود من الرشوة.

نقض 3 مارس سنة 1917 المجموعة الرسمية س 18 رقم 51 ص 89.

الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:

العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً. وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة. ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.

وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.

الزعم بالاختصاص :

سوى المشرع بين الاختصاص الحقيقي بالعمل والزعم بالاختصاص به، ويقصد بالزعم بالاختصاص الادعاء الكاذب بأن العمل الذي يتلقى الموظف المقابل للقيام به أو الامتناع عنه يدخل في نطاق اختصاصه  وقد يعترض على ذلك بأن هذا الادعاء لا يتضمن اتجاراً بأعمال الوظيفة وبالتالي لا يجوز أن يستند إليه التجريم، ولكن الواقع أن هذا الإدعاء، وإن لم يعتبر اتجاراً بأعمال الوظيفة، إلا أنه يعتبر اتجاراً بالوظيفة ذاتها، إذ يستغل الموظف الثقة المنبعثة من شغله لهذه الوظيفة ليوهم الناس باختصاص ليس اله. ولذلك فإنه - على حد تعبير محكمة النقض - لا يقل استحقاقاً للعقاب حين يتجر في أعمال الوظيفة على أساس موهوم عنه حين يتجر فيها على أساس من الواقع إذ هو يجمع بين إثمين: الاحتيال والارتشاء.

نقض 6 يناير سنة 1969 مجموعة أحكام محكمة النقض س 20 رقم 8 ص 33؛ ونقض 18 يناير سنة 1990 س 41 رقم 29 ص 191؛ ونقض 8 ديسمبر سنة 1994 س 45 رقم 175 ص 1108.

والزعم بالاختصاص قد يكون صريحاً في صورة قول أو كتابة، وقد يكون ضمنياً إذا أبدى الموظف استعداده للقيام بالعمل الذي لا يدخل في نطاق اختصاصه، ومن باب أولى إذا اختلق واقعة واستغلها للإيهام باختصاصه.

مثال ذلك أن ينسب شرطي إلى أحد الأشخاص أنه ارتكب جريمة ويطلب اقتياده إلى مركز الشرطة فيعطيه هذا الشخص بعض المال ليتركه.

كذلك قد يكون الزعم بالاختصاص مصحوباً بوسائل احتيالية، كتلك التي يتطلبها المشرع في جريمة النصب، وهنا – إذا توافرت باقي أركان جريمة النصب - نكون بصدد فعل واحد يكون جريمتين هما النصب والرشوة، فتطبق في شأنه قواعد التعدد المعنوي للجرائم وتوقع أشد العقوبتين وهي عقوبة جريمة الرشوة.

على أنه يجب أن نلاحظ أن الزعم بالاختصاص بالعمل - المطلوب أداؤه أو الامتناع عنه لقاء الجعل - يجب أن يكون صادراً على أساس أن هذا العمل يدخل في نطاق أعمال وظيفته الحقيقية، إذ يتحقق بهذا المعنى استغلال الموظف لوظيفته والاتجار بها، كأن يدعى طبيب في إحدى المستشفيات أنه مختص بعمل أطباء القومسيون الطبي. أما إذا زعم الموظف الاختصاص بأعمال منقطعة الصلة بوظيفته الحقيقية، وداخله في نطاق وظيفة أخرى، فإن ذلك يعتبر انتحالاً لصفة غير صحيحة لا تقوم به جريمة الرشوة وإنما تتحقق به جريمة النصب إذا توافر باقي أركانها، مثال ذلك أن يدعى مدرس أن له اختصاصات عضو النيابة العامة.

أولاً يتطلب المشرع لتوافر الزعم بالاختصاص أن يكون مصحوباً بوسائل احتيالية، وإنما يتحقق هذا الزعم ولو كان كذباً مجرداً إذ يتحقق بذلك معنی استغلال الوظيفة العامة، ولذلك تقع جريمة الرشوة في هذه الحالة بصرف النظر عن اعتقاد صاحب الحاجة فيما زعم الموظف، فيستوي أن يكون قد انخدع بالزعم فاعتقد صحته، أو أن يكون مدركاً لحقيقة الأمر فرفض دفع الجعل، وحينئذ تقع جريمة الرشوة من الموظف بمجرد الطلب .

ويتحقق الزعم بالاختصاص ولو صدر عن شخص آخر غير الموظف إذا أيده الموظف وكان هو الذي دفعه إلى ذلك.

فإذا انتفى الزعم بالاختصاص لا يسأل الموظف عن جريمة الرشوة ولو حصل على العطاء من صاحب الحاجة الذي اعتقد أن الموظف مختص بالعمل، سواء تولد لديه هذا الاعتقاد تلقائياً أو بناء على بعض المظاهر الخارجية، طالما أن الموظف لم يكن له دور في تكوين هذا الاعتقاد.

- الاعتقاد الخاطئ بالاختصاص:

وإذا كان الموظف يعتقد خطأ باختصاصه بالعمل، فإن ذلك يكفي فلا عبرة لما إذا كان صاحب الحاجة قد اعتقد بدوره اختصاص الموظف العام بالعمل وهو الوضع الغالب، أو لم يعتقد.

عناصر الركن المادي لجريمة الرشوة :

- السلوك الإجرامي في الرشوة:

يتخذ السلوك الإجرامي في جريمة الرشوة إحدى صور ثلاثة هي الأخذ أو القبول أو الطلب، وقد نص المشرع على هذه الصور على سبيل الحصر، ولذلك ينبغي أن يعين الحكم الصادر بالإدانة صورة النشاط الإجرامي للمرتشي حتى يتسنى لمحكمة النقض أن تراقب صحة تطبيق القانون على الواقعة. ويجمع بين هذه الصور ما تنطوي عليه من اتجار في الوظيفة العامة واعتداء على نزاهتها.

أخذ العطية :

الأخذ هو تسلم الموظف العطية إذا كانت شيئاً مادياً. أو الحصول على المنفعة إذا كانت العطية مجرد منفعة. ويعتبر الأخذ أكثر صور النشاط الإجرامي في الرشوة شيوعاً ويطلق عليه تعبير «الرشوة المعجلة» تمييزاً له عن صورتی القبول والطلب حيث تكون «الرشوة مؤجلة».

ويتحقق الفعل الإجرامي بالأخذ، ويستوي بعد ذلك أن يكون الموظف قد تسلم العطية أو حصل على المنفعة من الراشي نفسه أو من شخص آخر كلفه الراشي بذلك ولو كان الوسيط حسن النية  كذلك تستوي الصورة التي تتخذها العطية فقد تكون مبلغاً من النقود أو أوراقاً مالية أو شيئاً ذا قيمة. كما تستوي الكيفية التي تقدم بها، فقد تقدم على أنها هدية إخفاء لقصد الرشوة بينما يكون الغرض من الرشوة مفهوماً ضمناً، وقد تقدم على أنها ثمن العمل المطلوب من الموظف أداؤه صراحة.

وتعتبر الرشوة عن طريق أخذ العطية أسهل حالات الرشوة إثباتاً حيث يكون الموظف المرتشي حائزا للعطية، والحيازة واقعة مادية يجوز إثباتها بجميع طرق الإثبات أياً كانت قيمة العطية، ويكون من العسير على الموظف أن يثبت مشروعية هذه الحيازة.

- قبول الوعد بالعطية:

لم يقصر المشرع جريمة الرشوة على صورة حصول الموظف المرتشي على العطية المعجلة، وإنما مد نطاقها إلى حالة اقتصار الموظف على قبول الوعد بالعطية، وهو يعني الموافقة على وعد صاحب الحاجة بتقديم العطية في المستقبل. فهذه الصورة من صور الرشوة تفترض عرضاً أي - إيجاباً من صاحب الحاجة للموظف أن يقدم له عطية في المستقبل في مقابل أداء الموظف العمل أو الامتناع عنه، وموافقة أو قبولاً من الموظف لهذا الوعد. وبهذا الاتفاق الذي تتمثل فيه ماديات الجريمة في هذه الصورة تقع جريمة الرشوة، ولا يؤثر في ذلك ألا يقدم صاحب الحاجة العطية فيما بعد، كما لا يؤثر فيه عدم قيام الموظف بما طلب منه، ذلك أن مجرد القبول من الموظف للوعد بالعطية يحمل في ذاته معنى الاتجار في وظيفته «وتكون مصلحة الجماعة قد هیئت فعلاً بالضرر الناشئ عن العبث بالوظيفة التي ائتمنت عليها الموظف ليؤدي أعمالها بناء على وحی ذمته وضميره ليس إلا».

ولا يشترط في القبول شكلاً معيناً فقد يكون صريحاً بقول أو كتابة أو إيماء، وقد يكون ضمنياً كأن يبدأ الموظف في أداء العمل الذي يطلبه صاحب الحاجة، مع ملاحظة أن إثبات القبول في هذه الحالة أمر عسير. فقد يكون انصرافه إلى أداء العمل أثراً لقبول ضمني للوعد بالعطية، كما قد يكون أداؤه للعمل تنفيذاً لواجبه الوظيفي، ولا يجوز الاستناد إلى سكوت الموظف وعدم تبليغه عن عرض الرشوة لاستخلاص الدليل على قبوله للوعد بالعطية، والأمر متروك لتقدير المحكمة، فإذا ثار لديها الشك حول قبول الموظف يجب تبرئته من جريمة الرشوة إذ الشك يفسر لصالح المتهم.

ويشترط في القبول أن يكون جدياً، فإذا كان الموظف غير جاد فی قبوله، وإنما تظاهر بذلك لتمكين السلطات من ضبط صاحب الحاجة متلبساً، فإن هذا القبول الظاهري يعتبر منعدماً، فلا تقوم به جريمة الرشوة، ويقتصر الأمر في هذا الفرض على وقوع جريمة عرض الرشوة من جانب صاحب الحاجة.

والقبول الجدى يجب أن يلتقي مع عرض جدي. فإذا كان العرض ظاهر الهزل لا تقع بقبوله جريمة الرشوة. «فإذا وعد شخص موظفاً بإعطائه كل ما يملك في نظير قيامه بعمل له، فإن هذا القول لا يفيد أن هناك شروعاً منه جدياً في إعطاء رشوة إذ هو لم يعرض فيه شيئاً معيناً على الموظف بل عرضه هو أشبه بالهزل منه بالجد».

ولكن يكفي لجدية العرض أن يكون جدياً في ظاهره، فإذا قبله الموظف على أنه جدی منتوياً العبث بمقتضيات وظيفته لمصلحة الراشي تقع بقبوله جريمة الرشوة إذ تتحقق بذلك علة العقاب وهي الاتجار في الوظيفة. ويتحقق هذا الفرض إذا كان صاحب الحاجة في حقيقة الأمر غير جاد فيما عرض على الموظف، وإنما كان العرض بقصد تمكين السلطة المختصة من ضبطه متلبساً بجريمة الرشوة.

- طلب الوعد أو العطية:

لم يقتصر المشرع لتحقيق النشاط الإجرامي في جريمة الرشوة على الأخذ أو القبول، وإنما أضاف إلى ذلك بالقانون رقم 69 لسنة 1953 مجرد طلب الموظف العطية «الاستعطاء» أو طلب الوعد بها «الاستیعاد».

مقابل أداء العمل الوظيفي. ذلك أن الموظف الذي يتقدم بالطلب إلى صاحب الحاجة إنما يعرض أعمال وظيفته للبيع - شأنها شأن السلع - مما يعتبر عبثاً بالوظيفة العامة وإهداراً لنزاهتها وللثقة الواجبة فيها. بل لعل الموظف الذي يقوم بطلب الوعد أو العطية يكون أمعن إجراماً ممن يأخذ العطية أو يقبل الوعد بها إذ لا يتعرض لإغراء تقديم العطية أو الوعد بها.

وإذا كانت الرشوة هي جريمة الموظف فإنها تتحقق بمجرد الطلب، ولا يؤثر في قيامها تسليم العطية بعد ذلك أو عدم تسليمها. وقد سوى المشرع بين طلب الموظف العطية أو الوعد لنفسه أو لغيره، ولذلك قضى بأنه «لا مصلحة للمتهم في التحدى بأنه لم يطلب الرشوة لنفسه».

- تمام الرشوة والشروع فيها:

تقع الجريمة تامة بمجرد وقوع النشاط الإجرامي - إذا توافر باقی أركانها - فتتم بمجرد أخذ الموظف العطية أو قبول الوعد بها أو طلبه وعداً أو عطية لنفسه أو لغيره، وذلك دون توقف على تنفيذ الموظف للعمل المطلوب، بل ودون توقف على توافر نية القيام بالعمل المطلوب لديه. فجريمة الرشوة تتم بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب ولو كان الموظف يقصد وقت ارتكاب هذا السلوك عدم القيام بالعمل المطلوب (المادة 104 مكرراً ع)، ففي هذا السلوك ينحصر مبدأ التنفيذ ونهايته  وإذا وقعت الجريمة على هذا النحو، فإنه لا يؤثر في قيامها أن يساور الموظف الندم بعد ذلك فيرد العطية للراشي.

ويثير وقوع الجريمة بمجرد الأخذ أو القبول أو الطلب التساؤل عما إذا كان الشروع متصوراً فيها؟ ذهب جانب من الفقه إلى اعتبار الشروع غير متصور في هذه الجريمة بينما يذهب رأي آخر – بحق - إلى أن الشروع متصور في حالة الطلب إذا أوفد الموظف وسيطاً إلی صاحب الحاجة لطلب الرشوة ووقف النشاط عند هذا الحد إذا أبلغ الوسيط السلطات بذلك. فالجريمة هنا لم تتم، إذ لا اعتداد بالطلب إلا إذا وصل إلى علم صاحب الحاجة، وإن كان لا يشترط قبوله، ويكون فعل الموظف قد وقف عند حد البدء في التنفيذ المكون للشروع.

(أ) أداء عمل من أعمال الوظيفة يجب القيام به:

تقوم جريمة الرشوة إذا كان الموظف قد حصل على الفائدة للقيام بعمل يوجب عليه القانون القيام به، فلا يشترط المشرع لوقوع جريمة الرشوة أن يكون العمل المطلوب أداؤه مما يتنافى مع الذمة وواجبات الوظيفة أو يتعارض مع حقيقة الواقع، وقد قضى تطبيقاً لذلك بتحقق الجريمة إذا حصل عامل بمعامل الصحة على مبلغ من النقود لتجيء نتيجة تحليل عينة من اللبن في صالح صاحب الحاجة ولو كانت عينات اللبن المقدمة للتحليل ليس فيها غش كذلك تتحقق إذا طلب موظف بحسابات الجامعة فائدة للقيام بما يجب عليه من الإجراءات لصرف مكافأة لموظف يستحقها.

(ب) الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة يجب الامتناع عنه:

تقع الجريمة إذا حصل الموظف على الفائدة مقابل الامتناع عن عمل يفرض واجبه الوظيفي الامتناع عنه. كما إذا أخذ عضو النيابة العامة العطية ليمتنع عن إصدار أمر بحبس المتهم احتياطياً، وكانت شروط الحبس الاحتياطي غير متوافرة مما يفرض على عضو النيابة عدم إصدار هذا الأمر، وقد قضى تطبيقاً لذلك بأنه إذا كان الغرض الذي من أجله قدم المال إلى الموظف (مفتش بوزارة التموين) هو عدم تحرير محضر لمن قدمه، وكان تحرير المحضر يدخل في اختصاص هذا الموظف، فإن جريمة الرشوة تكون متحققة ولو لم يكن هناك موجب لتحرير المحضر الذي دفع المال للامتناع عنه.

(ج) الإخلال بواجبات الوظيفة:

يقصد بالإخلال بواجبات الوظيفة - كما حددته محكمة النقض – كل عبث يمس الأعمال التي يقوم بها الموظف وكل تصرف أو سلوك ينتسب إلى هذه الأعمال ويعد واجباً من واجبات أدائها على الوجه السوي الذي يكفل لها دائماً أن تجري على سنن قويم، فكل انحراف عن واجب من هذه الواجبات أو امتناع عن القيام به يجرى عليه وصف الإخلال بواجبات الوظيفة الذي عناه الشارع في النص. نقض 3 أكتوبر سنة 1990 مجموعة أحكام محكمة النقض س 41 رقم 150 ص 863 .

ووفقاً لهذا التحديد يدخل في نطاق الإخلال بواجبات الوظيفة:

أولاً : أداء عمل غير حق أي مخالف للقانون : كإعطاء شرطی - وهو أحد أفراد سلطة الضبط - عطية في سبيل حمله على إبداء أقوال جديدة غير ما سبق أن أبداه في شأن كيفية ضبط المتهمة وظروف هذا الضبط والميل به إلى أن يستهدف مصلحتها لتنجو من المسئولية.

ثانياً : الامتناع عن أداء عمل حق أي يفرضه القانون، مثال ذلك أن يأخذ مأمور الضبط عطية ليمتنع عن تحرير محضر بجريمة ارتكبت. أو يأخذ الطبيب الشرعي عطية مقابل الامتناع عن تشريح جثة مات صاحبها موتاً غیر طبیعی. ولا يشترط أن يكون الامتناع كلياً، فقد يكون جزئياً في صورة تأخير القيام بالعمل عن الموعد المحدد له.

ثالثاً: إساءة استعمال الموظف لسلطته التقديرية، كأن يحصل رئيس إحدى المصالح على مبلغ مقابل ترقية أحد الموظفين من مرؤوسيه بالاختيار بينما يوجد من هو خير منه، أو كتابة تقرير لصالحه لا يستحقه.

رابعاً : الإخلال بأمانة الوظيفة: يتسع مضمون الإخلال بواجبات الوظيفة ليشمل، فضلاً عن الإخلال بالأعمال التي تدخل في نطاقها، الإخلال بأمانة هذه الوظيفة والانحراف بها عن أهدافها، ولو اتخذ ذلك صورة الجريمة. وبناء على ذلك فقد قضى بإدانة سائق بإحدى الوزارات قبل وعدا بمنحه مبلغاً من المال لنقل كمية من القصب بالسيارة الحكومية المخصص لقيادتها، لأن أمانة وظيفته تفرض عليه ألا يستعمل السيارة إلا في الغرض المخصصة له لقضاء مصالح الجهة التابع لها وأن ينأى عن السعي لاستغلالها لمصلحته الشخصية، فيكون ما وقع من السائق إخلالاً بواجبات الوظيفة ويتوافر الإخلال بالأمانة إذا كان ما وقع من الموظف يكون مخالفة تأديبية، مثال ذلك مخالفة واجب التبليغ عن الجرائم التي يعلم بها الموظفون أثناء تأدية عملهم أو بسبب تأديته ويتحقق الإخلال بأمانة الوظيفة من باب أولى إذا كان ما وقع من الموظف يكون جريمة جنائية. ولذلك قضى بأن يعد مرتشياً الخفير النظامي الذي اختلس بلاغاً مسلماً إليه من نائب العمدة لتوصيله للنقطة مقابل كمبيالة بمبلغ عشرة جنيهات حررها له صاحب المصلحة في الاختلاس.

تحديد غرض الرشوة :

يجب أن يكون العمل المطلوب أداؤه من الموظف عملاً محدداً، أو على الأقل يكون قابلاً للتحديد من حيث نوعه. وإن كان لا يحول دون هذا التحديد أن يترك للموظف تحديد الكيفية التي يتم بها العمل ليحقق مصلحة صاحب الحاجة. فإذا لم يتحقق التحديد على هذا النحو، انتفت جريمة الرشوة، مثال ذلك أن يقدم شخص إلى الموظف عطية لمجرد الحصول على رضائه أو لتجنب سخطه فيأخذها.

- تنفيذ غرض الرشوة :

لا يتطلب المشرع لتحقق أركان جريمة الرشوة أن ينفذ الغرض منها، فتقع الجريمة ولو لم ينفذ الموظف العمل المطلوب منه، بل ولو كان ينوى وقت وقوع النشاط الإجرامي عدم القيام به، إذ يكفي لوقوع الجريمة أن يأخذ العطية وهو يعلم أنها قدمت إليه كمقابل لقيامه بالعمل الوظيفي أو الامتناع عنه أو للإخلال بواجبات وظيفته، فهذا القدر يكفي لاعتباره متجراً في أعمال وظيفته.

الركن المعنوي في جريمة الرشوة :

- قصد المرتشي :

جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري : العلم والإرادة.

العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالما بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقداً أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .

الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.

- هل يشترط قصد خاص في الرشوة

ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.

- معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:

من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة: 16 )

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

شروط الإعفاء من العقوبة :

يشترط للإعفاء من العقوبة عملاً بنص المادة 100 عقوبات :

1- أن يكون الشخص عضواً في إحدى العصابات المنصوص عليها في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات. ولم يكن له في العتبة رئاسة ولا وظيفة و المقصود بالوظيفة هنا هي الوظيفة القيادية في العصابة بحيث يكون له جزءاً من القيادة تحتم إصداره للأوامر والتزام الأعضاء بتنفيذها. ومن ثم فإنه يتعين الاستفادة الشخص من الإعفاء المقرر هو أن يكون عضواً عادياً في إحدى العصابات المشار إليها ينفصل عنها عند أول تنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

2- ويستفيد أيضاً الشخص الذي لا يمتثل للتنبيه الأول من السلطات المدنية أو العسكرية ولكن يقبض عليه بعيداً عن مكان الاجتماع الصوري بشرط أن يستسلم بلا مقاومة وأن لا يكون حاملاً سلاحاً وينصرف مدلول السلاح إلي كل سلاح يعاقب على حيازته أو إحرازه قانون الأسلحة والذخائر إلا أن ذلك لا يمنع من عقابه على ما يكون قد ارتكبه شخصيا من جنايات خاصة أخري قبل القبض عليه.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،  الصفحة:  132)

حددت المادة (100) مجال تطبيقها بأنه العصابات المنصوص عليها في أحكام الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ويراد بها جرائم الفاعل المتعدد السابق لنا التعرض لها.

وباستعراض هذه الجرائم، يتبين أنها:

(1) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة.

(2) جريمة العضوية في عصابة هاجمت طائفة من السكان أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين.

(3) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة إحتلال شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو لمرافق عامة أو المؤسسات ذات نفع عام.

(4) جريمة العضوية في عصابة حاملة للسلاح بقصد إغتصاب أو نهب الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس أو مقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجنايات.

(5) جريمة العضوية في اتفاق جنائي الغرض منه إرتكاب جريمة محاولة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة بعمل فردي أو بعصابة مسلحة أو جريمة تكوين عصابة تهاجم السكان أو تقاوم بالسلاح السلطة العامة، أو جريمة التخريب دون إستهداف الأضرار بالاقتصاد القومي، أو جريمة إحتلال أو محاولة إحتلال المباني العامة بالقوة، أو جريمة قيادة قوة عسكرية دون تكليف أو رغم الأمر الصادر بتسريحها، أو جريمة العمل على تعطيل أوامر الحكومة من جانب من يمثلها في القوات المسلحة أو البوليس، وجريمة رئاسة أو عضوية عصابة مسلحة للنهب أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة الناهبين، وجريمة إدارة حركة العصابة المذكورة أو التخابر معها أو معاونتها.

(6) جريمة العضوية في جماعة ترمي إلى سيطرة طبقة إجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة إجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم نظام من النظم الأساسية للهيئة الإجتماعية أو إلى تجنيد شيء من ذلك أو الترويج له حالة كون إستعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.

(7) جريمة العضوية في جماعة الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة أو الحض على كراهيتها أو الإزدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة أو التحريض على مقاومة السلطة العامة أو تحبيذ أو ترويج شيء من ذلك.

(8) جريمة العضوية في تشكيل ذي صفة دولية أنشيء بغير ترخيص من الحكومة.

المستفيد من الإعفاء: 

حدد القانون المستفيد من الإعفاء بأنه من دخل في زمرة العصابات المذكورة، والدخول في الزمرة معناه الدخول في العضوية أي كون الشخص صار عضواً في العصابة.

ويدخل في معنى العصابة قيام إتفاق جنائي بين أكثر من شخصين، لأن هذا الإتفاق صورة من صور العصابة تتميز بأن عدد الأعضاء فيها أقل نسبياً من عددهم في العصابة المتفق على تشكيلها.

وفي الوقت ذاته تطلب القانون في المستفيد بالاعفاء ألا يكون هو نفسه بالإضافة إلى العضوية في العصابة، ذا رئاسة أو وظيفة فيها، أي قطباً من أقطابها أو عاملاً فعالاً فيها. فيجب أن يكون مجرد عضو، الأمر الذي يعني أن من يساهم في توجيه العصابة أو تنفيذ عملياتها محروم من الاستفادة بالإعفاء.

شروط الإعفاء من العقاب: 

يجب الإعفاء عضو العصابة من العقوبة المستحقة على هذه العضوية، أن يتحقق فيه شرط من الشروط الآتية:

(1) أن ينفصل عن العصابة فور التنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

(2) أن يتواجد بعد التنبيه عليه من السلطات في مكان بعيد عن أماكن الاجتماع الثوري بغير أن يكون حاملاً سلاحاً، فلا يبدي أية مقاومة عند القبض عليه.

ومعنى ذلك أنه إذا تواجد رغم التنبيه عليه بالانفصال عن العصابة، في مكان من أماكن اجتماعها الثوري، سواء أكانت توجد في هذا المكان إضطرابات راجعة إلى نشاط العصابة أم لم توجد، فلا يعفى من العقاب.

كما لا يعني من العقاب إذا قبض عليه وهو يحمل سلاحاً في مكان بعيد عن تلك الأماكن، أو إذا أبدى مقاومة عند القبض عليه في ذلك المكان.

وإذا استحق الإعفاء من عقوبة العضوية في العصابة تبعاً للقبض عليه دون أن يكون حاملاً سلاحاً ودون أن يقاوم وذلك في مكان بعيد عن مكان اجتماع أفراد العصابة فإنه في هذه الحالة لا يعفي من عقوبة أية جريمة أخرى يكون قد ثبت عليه شخصية أنه إرتكبها قبل القبض عليه. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة : 237)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282

الرِّشْوَةُ :

هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)  وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 187 ، 189 ، 190  

(مادة 364)

 يعاقب بالسجن مدة لا تجاوز عشر سنوات كل موظف عام طلب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة من أي نوع، أو وعداً بشيء من ذلك ؛ لأداء عمل أو للامتناع عن عمل لا يدخل في أعمال وظيفته، متى زعم أو اعتقد خطأ أن العمل أو الامتناع يدخل في أعمال وظيفته. 

(مادة 374) 

يحكم على الجاني في جميع الأحوال المبينة في المواد السابقة بغرامة تساوي قيمة ما طلب أو قبل أو وعد به أو عرض، على ألا تقل عن مائتي جنيه. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة /  219

رِشْوَةٌ

التَّعْرِيفُ:

الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.

قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.

وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.

- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.

- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.

- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ

- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً

- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.

- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ

- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.

وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.

قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.

وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.

وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.

وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْمُصَانَعَةُ:

الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.

ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:

أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.

وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.

لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.

ج - الْهَدِيَّةُ:

مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -

يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).

قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.

وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.

د - الْهِبَةُ:

الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.

قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.

وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.

وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.

و - الصَّدَقَةُ:

مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.

أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:

الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.

وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».

وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.

وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.

فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه  أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.

وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.

أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:

قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:

أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.

ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.

ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.

د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:

أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.

 وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.

يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).

ب - الْعُمَّالُ:

وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.

ج - الْقَاضِي:

وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.

قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.

وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).

د - الْمُفْتِي:

يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.

هـ - الْمُدَرِّسُ:

إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.

و - الشَّاهِدُ:

وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:

أ - الْحَاجُّ:

لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.

ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:

يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.

ج - الْقَاضِي:

مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ

 

الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.

حُكْمُ الْقَاضِي:

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.

وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.

قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.

وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.

 وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.

انْعِزَالُ الْقَاضِي:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.

أَثَرُ الرِّشْوَةِ:

أ - فِي التَّعْزِيرِ:

هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.

انْظُرْ: تَعْزِير.

ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:

لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.

ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:

صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.

د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:

إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.

ملحوظة 2 : انتهت حالة الطوارئ بانتهاء المدة المنصوص عليها في قرار رئيس الجمهورية رقم 290 لسنة 2021 المشار إليه أعلاه، دون تمديد، وعليه يعود الاختصاص بنظر الجريمة موضوع هذه المادة إلى المحاكم العادية والقاضي الطبيعي، طالما لم تتم إحالة المتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ قبل انتهاء الفترة المشار إليها.

(مركز الراية للدراسات القانونية)

شروط الإعفاء من العقوبة :

يشترط للإعفاء من العقوبة عملاً بنص المادة 100 عقوبات :

1- أن يكون الشخص عضواً في إحدى العصابات المنصوص عليها في الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات. ولم يكن له في العتبة رئاسة ولا وظيفة و المقصود بالوظيفة هنا هي الوظيفة القيادية في العصابة بحيث يكون له جزءاً من القيادة تحتم إصداره للأوامر والتزام الأعضاء بتنفيذها. ومن ثم فإنه يتعين الاستفادة الشخص من الإعفاء المقرر هو أن يكون عضواً عادياً في إحدى العصابات المشار إليها ينفصل عنها عند أول تنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

2- ويستفيد أيضاً الشخص الذي لا يمتثل للتنبيه الأول من السلطات المدنية أو العسكرية ولكن يقبض عليه بعيداً عن مكان الاجتماع الصوري بشرط أن يستسلم بلا مقاومة وأن لا يكون حاملاً سلاحاً وينصرف مدلول السلاح إلي كل سلاح يعاقب على حيازته أو إحرازه قانون الأسلحة والذخائر إلا أن ذلك لا يمنع من عقابه على ما يكون قد ارتكبه شخصيا من جنايات خاصة أخري قبل القبض عليه.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني،  الصفحة:  132)

حددت المادة (100) مجال تطبيقها بأنه العصابات المنصوص عليها في أحكام الباب الثاني من الكتاب الثاني من قانون العقوبات، ويراد بها جرائم الفاعل المتعدد السابق لنا التعرض لها.

وباستعراض هذه الجرائم، يتبين أنها:

(1) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة.

(2) جريمة العضوية في عصابة هاجمت طائفة من السكان أو قاومت بالسلاح رجال السلطة العامة في تنفيذ القوانين.

(3) جريمة العضوية في عصابة مسلحة حاولت بالقوة إحتلال شيء من المباني العامة أو المخصصة لمصالح حكومية أو لمرافق عامة أو المؤسسات ذات نفع عام.

(4) جريمة العضوية في عصابة حاملة للسلاح بقصد إغتصاب أو نهب الأراضي أو الأموال المملوكة للحكومة أو لجماعة من الناس أو مقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة مرتكبي هذه الجنايات.

(5) جريمة العضوية في اتفاق جنائي الغرض منه إرتكاب جريمة محاولة قلب أو تغيير دستور الدولة أو نظامها الجمهوري أو شكل الحكومة بعمل فردي أو بعصابة مسلحة أو جريمة تكوين عصابة تهاجم السكان أو تقاوم بالسلاح السلطة العامة، أو جريمة التخريب دون إستهداف الأضرار بالاقتصاد القومي، أو جريمة إحتلال أو محاولة إحتلال المباني العامة بالقوة، أو جريمة قيادة قوة عسكرية دون تكليف أو رغم الأمر الصادر بتسريحها، أو جريمة العمل على تعطيل أوامر الحكومة من جانب من يمثلها في القوات المسلحة أو البوليس، وجريمة رئاسة أو عضوية عصابة مسلحة للنهب أو لمقاومة القوة العسكرية المكلفة بمطاردة الناهبين، وجريمة إدارة حركة العصابة المذكورة أو التخابر معها أو معاونتها.

(6) جريمة العضوية في جماعة ترمي إلى سيطرة طبقة إجتماعية على غيرها من الطبقات أو إلى القضاء على طبقة إجتماعية أو إلى قلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو إلى هدم نظام من النظم الأساسية للهيئة الإجتماعية أو إلى تجنيد شيء من ذلك أو الترويج له حالة كون إستعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك.

(7) جريمة العضوية في جماعة الغرض منها الدعوة بأية وسيلة إلى مناهضة المبادئ الأساسية التي يقوم عليها نظام الحكم الاشتراكي في الدولة أو الحض على كراهيتها أو الإزدراء بها أو الدعوة ضد تحالف قوى الشعب العاملة أو التحريض على مقاومة السلطة العامة أو تحبيذ أو ترويج شيء من ذلك.

(8) جريمة العضوية في تشكيل ذي صفة دولية أنشيء بغير ترخيص من الحكومة.

المستفيد من الإعفاء: 

حدد القانون المستفيد من الإعفاء بأنه من دخل في زمرة العصابات المذكورة، والدخول في الزمرة معناه الدخول في العضوية أي كون الشخص صار عضواً في العصابة.

ويدخل في معنى العصابة قيام إتفاق جنائي بين أكثر من شخصين، لأن هذا الإتفاق صورة من صور العصابة تتميز بأن عدد الأعضاء فيها أقل نسبياً من عددهم في العصابة المتفق على تشكيلها.

وفي الوقت ذاته تطلب القانون في المستفيد بالاعفاء ألا يكون هو نفسه بالإضافة إلى العضوية في العصابة، ذا رئاسة أو وظيفة فيها، أي قطباً من أقطابها أو عاملاً فعالاً فيها. فيجب أن يكون مجرد عضو، الأمر الذي يعني أن من يساهم في توجيه العصابة أو تنفيذ عملياتها محروم من الاستفادة بالإعفاء.

شروط الإعفاء من العقاب: 

يجب الإعفاء عضو العصابة من العقوبة المستحقة على هذه العضوية، أن يتحقق فيه شرط من الشروط الآتية:

(1) أن ينفصل عن العصابة فور التنبيه عليه من السلطات المدنية أو العسكرية.

(2) أن يتواجد بعد التنبيه عليه من السلطات في مكان بعيد عن أماكن الاجتماع الثوري بغير أن يكون حاملاً سلاحاً، فلا يبدي أية مقاومة عند القبض عليه.

ومعنى ذلك أنه إذا تواجد رغم التنبيه عليه بالانفصال عن العصابة، في مكان من أماكن اجتماعها الثوري، سواء أكانت توجد في هذا المكان إضطرابات راجعة إلى نشاط العصابة أم لم توجد، فلا يعفى من العقاب.

كما لا يعني من العقاب إذا قبض عليه وهو يحمل سلاحاً في مكان بعيد عن تلك الأماكن، أو إذا أبدى مقاومة عند القبض عليه في ذلك المكان.

وإذا استحق الإعفاء من عقوبة العضوية في العصابة تبعاً للقبض عليه دون أن يكون حاملاً سلاحاً ودون أن يقاوم وذلك في مكان بعيد عن مكان اجتماع أفراد العصابة فإنه في هذه الحالة لا يعفي من عقوبة أية جريمة أخرى يكون قد ثبت عليه شخصية أنه إرتكبها قبل القبض عليه. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني،  الصفحة : 237)

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩