1- إن العذر المعفي من عقوبة الرشوة المقررة بالمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات مقصور على حالة وقوع جريمة المرتشي بقبوله الرشوة المعروضة عليه دون حالة امتناع الموظف عن قبول الرشوة، ذلك أن الراشي أو الوسيط يؤدي فى الحالة الأولى خدمة للمصلحة العامة بالكشف عن جريمة الرشوة بعد وقوعها والتعريف عن الموظف الذي ارتكبها، وتسهيل إثبات الجريمة عليه، وهذه العلة التي أدت إلى الإعفاء من عقاب الراشي أو الوسيط منتفية فى حالة عدم قبول الموظف الرشوة.
(الطعن رقم 1924 لسنة 38 جلسة 1968/12/16 س 19 ع 3 ص 1099 ق 224)
2- أن المشرع فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات قد منح الإعفاء الوارد بها للراشى بإعتباره طرفاً فى الجريمة ، ولكل من يصح وصفه بأن وسيط فيها - سواء كان يعمل من جانب الراشى وهو الطالب ، أو يعمل من جانب المرتشى وهو ما يتصور وقوعه أحياناً - دون أن يمتد الإعفاء للمرتشى ، وإذ كان الحكم قد دلل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما إرتكبه الطاعن يوفر فى حقه جريمة الرشوة بإعتباره مرتشياً - وليس وسيطاً - فإن ما يثيره الطاعن من تعييب الحكم لعدم إعفائه من العقاب طبقاً للمادة 107 مكرراً عقوبات لا يكون له وجه .
(الطعن رقم 2029 لسنة 38 جلسة 1969/03/31 س 20 ع 1 ص 414 ق 88)
3- أطلق الشارع فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات عبارة النص ولم يقيدها، فمنح الإعفاء للراشي باعتباره طرفاً فى الجريمة ولكل من يصح وصفه بأنه وسيط سواء كان يعمل من جانب الراشي - وهو الغالب - أو يعمل من جانب المرتشي - وهو ما يتصور وقوعه أحياناً. وإذ كان الحكم قد ساءل المتهم بوصف كونه مرتشياً، فإن ما انتهى إليه من عدم تطبيق حكم المادة 107 مكرراً المذكورة عليه - وهي بصريح نصها إنما تقصر الإعفاء على الراشي والوسيط دون غيرهما من أطراف الجريمة - ما انتهى إليه الحكم من إخراج المتهم من نطاق الإعفاء يكون سليماً فى القانون .
(الطعن رقم 360 لسنة 31 جلسة 1961/05/29 س 12 ع 2 ص 628 ق 120)
4- متى كان ما أورده الحكم فى مدوناته خاصه بحالة الضرورة إنما كان تزيداً استطرد إليه بعد ما اعتنق الإعفاء من العقاب على أساس تطبيق المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات بما يكفي لحمله، فإن مثل هذا التزيد ليس من شأنه أن يعيب الحكم ولو انطوى على تقريرات قانونية خاطئة .
(الطعن رقم 150 لسنة 42 جلسة 1972/03/27 س 23 ع 1 ص 479 ق 106)
5- المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات تنص على أنه " يعاقب الراشى و الوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشى و مع ذلك يعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو إعترف بها " . أما نص المادة 108 مكرراً من ذات القانون فيجرى بأنه " كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به و وافق عليه المرتشى أو أخذ أو قبل شيئاً من ذلك مع علمه بسببه و يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة و بغرامة مساوية لقيمة ما أعطى أو وعد به و ذلك إذا لم يكن قد توسط فى الرشوة " . و يبين من هذين النصين أن المشرع عرض فى كل منهما لجريمة تختلف عن الواردة فى النص الآخر و أن جريمة الوساطة فى الرشوة تختلف عن جريمة تعيين شخص لأخذها . و لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن بأدلة سائغة أنه إرتكب الجريمة المنصوص عليها فى المادة 108 مكرراً آنفة الذكر فإنه لا موجب لأعمال الإعفاء المقرر فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات لكونه قاصراً على الراشى و الوسيط دون غيرهما و يكون منعى الطاعن فى هذا الشأن لا سند له .
(الطعن رقم 4482 لسنة 52 جلسة 1982/11/28 س 33 ص 930 ق 193)
6- الأصل فى قواعد التفسير أن الشارع إذا ما أورد مصطلحاً معيناً فى نص ما لمعنى معين وجب صرفه لهذا المعنى فى كل نص آخر يرد فيه. ويؤخذ من وضوح عبارة المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات وما كشفت عنه الأعمال التشريعية لهذه المادة، وإيرادها مع مثيلاتها فى باب بذاته من الكتاب الثاني - وهو الباب الثالث الخاص بالرشوة إنه وإن كانت الجريمة المستحدثة ذات كيان خاص، يغاير جريمة الوسيط فى الرشوة المنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات إلا أنه وقد قرن الشارع الأفعال المادية المكونة لها بجريمة الرشوة فإنه يلزم لقيام تلك الجريمة المستحدثة أن يأتي الجاني فعله فى المهد الأول للرشوة وهو عليم بوجود حقيقي لموظف عام أو من فى حكمه، وبوجود عمل حقيقي أو مزعوم أو مبني على اعتقاد خاطئ لهذا الموظف يراد منه أداؤه أو الامتناع عنه، وبوجود حقيقي لصاحب حاجة لهذا العمل، ويلزم فوق ذلك أن تكون إرادة الجاني على هذا الأساس قد اتجهت فى الحقيقة وليس بمجرد الزعم إلى إتيان فعل عرض الرشوة أو قبول الوساطة فيها، ذلك بأنه لو أراد الشارع مد التأثيم فى هذه الجريمة إلى مجرد الزعم، لعمد إلى الإفصاح عن ذلك فى صراحة - على غرار سنته فى المادة 104 مكرراً من تأثيم زعم الموظف أن العمل من أعمال وظيفته وليس يجوز القياس أو التوسع فى التفسير، لأنه فى مجال التأثيم محظور. لما كان ذلك، وكان الأمر المطعون فيه - الصادر من مستشار الإحالة بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قد أثبت بما أورده من أدلة سائغة أن قصد المطعون ضدهما لم يتصرف البتة إلى الاتصال بالطرف الآخر المزمع إرشائه وأنهما إنما قصدا الاستئثار بالمبلغ لنفسيهما، بما ينتفي معه - فى صورة الدعوى - الركن المعنوي للجريمة المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً ثانياً من قانون العقوبات، فإن الأمر المطعون فيه يكون قد أصاب صحيح القانون.
(الطعن رقم 247 لسنة 43 جلسة 1973/11/11 س 24 ع 3 ص 929 ق 192)
7- جريمة عرض الوساطة فى رشوة - المنصوص عليها فى المادة 109 مكرراً ثانيا من قانون العقوبات والتي تتحقق بتقدم الجاني إلى صاحب الحاجة عارضا عليه التوسط لمصلحته لدى الغير فى الارتشاء بمعنى أن عرض الوساطة يأتي من تلقاء نفس العارض وأن هذه الجريمة بهذا الحسبان ذات كيان خاص يغاير جريمة الوسيط فى الرشوة والمنصوص عليها فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات والتي تعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي فى جريمة الرشوة التي تنعقد بالاتفاق الذي يتم بين الراشي والمرتشي ولا يتبقى بعد ذلك إلا إقامة الدليل على هذا الاتفاق وتنفيذ مقتضاه بتسليم المبلغ ومن ثم يكون الوسيط فى الجريمة الأخيرة عاملا من جانب الراشي أو المرتشي وإزاء اختلاف طبيعة الفعل المكون لكل من الجريمتين المشار إليهما فلقد كان لزاما على محكمة الجنايات قبل تعديلها التهمة المسندة إلى الطاعن من جريمة التوسط بين المبلغ ومتهم آخر فى طلب الرشوة - إلى جريمة عرض الوساطة فيها على المبلغ وإدانته بالوصف الجديد - أن تلفت نظر الدفاع إلى هذا التعديل فى التهمة والذي يتضمن تغييرا فى كيانها المادي أما وهي لم تفعل فإن حكمها وفق الوصف الجديد يكون باطلا للإخلال بحق الدفاع.
(الطعن رقم 10554 لسنة 61 جلسة 2000/02/08 س 51 ص 139 ق 24)
8- إنه يشترط فى الاعتراف الذى يؤدى إلى إعفاء الراشى أو الوسيط من العقوبة وفقا لنص المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات ، أن يكون صادقا كاملا يغطى جميع وقائع الرشوة التى إرتكبها الراشى أو الوسيط ، دون نقص أو تحريف ، و أن يكون حاصلا لدى جهة الحكم حتى تتحقق فائدته ، فإذا حصل الاعتراف لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة ، فلا يمكن أن ينتج الإعفاء .
(الطعن رقم 1760 لسنة 39 جلسة 1970/02/01 س 21 ع 1 ص 200 ق 49)
9- جريمة الرشوة المنصوص عليها فى المادتين 104 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات قد تكاملت أركانها بالنسبة إلى المتهمين الستة على نحو ما سلف إيراده عند الرد على دفاع المتهمين فى هذا الصدد وذلك بقيام المتهم الأول وهو وزان بمصلحة دمغ المصوغات والموازين بالاتفاق مع زميليه المتهمين الثانى والثالث الموطفين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لحساب المتهمين من الرابع حتى الأخير والمتهم السابق الحكم بإدانته ، مقابل جُعل يتقاضونه من الأخيرين ، ومن ثم تكون الجريمة قد وقعت بمجرد تمام هذا الاتفاق وإخلال المتهمين الثلاثة الأول بواجبات وظائفهم فى عمل لهم نصيب فيه بحكم وظائفهم ، الأمر المؤثم والمعاقب عليه بالمواد 103، 104 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات ومن ثم يتعين معاقبة المتهمين الخمسة الأول طبقاً لهذه المواد عملاً بالمادة 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية بعقوبتى السجن والغرامة المبينتين بمنطوق هذا الحكم فضلاً عن عزلهم من وظائفهم عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول فى أى خدمة فى الحكومة ، ولم تورد لفظ العزل ، ذلك أن العزليندرج بحكم اللزوم العقلى فى مفهوم هذا النص ، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه فى الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثانى من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس ، يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه ، الأمر الذى لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته فى حالة معاملته بالرأفة فحسب ، والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذى يعامل بالرأفة فى وضع أسوأ من ذلك الذى لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه .
(الطعن رقم 30639 لسنة 72 جلسة 2003/04/23 س 54 ص 583 ق 74)
10- لما كانت جريمة الوسيط المعاقب عليها بالمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات تتحقق بتدخل الوسيط بين الراشى والمرتشى لعرض الرشوة أو لطلبها أو لقبولها أو لأخذها متى وقعت الرشوة بناء على هذا التدخل ، وكان مؤدى ما حصله الحكم المطعون فيه فى معرض بيانه للواقعة ولأدلة الثبوت أن المتهم الخامس ( الطاعن الثانى ) سعى لدى موظف عمومى هو المتهم الأول ( الطاعن الأول ) واتفق معه على أن يسهل للمتهم الثانى الاستيلاء من موقع عمل الأول على معدات مملوكة لجهة عمله فى مقابل رشوة يحصل عليها المتهم الأول مقدارها خمسمائة جنيه عن كل حمولة سيارة من تلك الأدوات وأن يحصل الطاعن فى مقابل سعيه هذا على مبلغ خمسين ومائتى جنيه عن كل حمولة ، وأن جريمتى الرشوة والتسهيل وقعتا نتيجة لهذا الاتفاق وذلك السعى فإن ما أورده الحكم من ذلك تتحقق به العناصر القانونية لهاتين الجريمتين ويكون منعى الطاعن على الحكم بالقصور فى هذا الصدد غير سديد .
(الطعن رقم 14869 لسنة 65 جلسة 1998/05/11 س 49 ص 688 ق 88)
11- ومن حيث إنه بالنسبة للمتهم السادس ...... فإنه لما كان قد تقدم بجلسة المحاكمة الأخيرة باعتراف مفصل عن ارتكابه جريمة الرشوة بالاتفاق مع المتهم الأول الذى استلم منه نحو سبعة كيلو جرامات من المشغولات الذهبية الأجنبية لدمغها بختم المصلحة مقابل وعده بأن يدفع له مبلغ جنيهين ونصف عن كل جرام وهو اعتراف يطابق الحقيقة فى الدعوى التى خلصت إليها المحكمة فإنه يتعين إعمال موجب نص الفقرة الثانية من المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات بشأنه والقضاء بإعفائه من العقاب .
(الطعن رقم 30639 لسنة 72 جلسة 2003/04/23 س 54 ص 583 ق 74)
12- مناط الارتباط فى حكم المادة (32/2 ) من قانونالعقوبات رهن بكون الجرائم المرتبطة قائمة لم يقض بالبراءة فى إحداها أوبسقوطها أو انقضائها أو الحكم على إحداها بحكم من الأحكام المعفية من المسئولية أو العقاب لأن تماسك الجريمة المرتبطة وانضمامها بقوة الارتباط القانونى إلى الجريمة المقرر لها أشد العقاب لا يفقدها كيانها ولا يحول دون تصدى المحكمة لها والتدليل على نسبتها للمتهم ثبوتاً ونفياً ولازم ذلك ومقتضاه أن شرط انطباق إعمال المادة (32) من قانون العقوبات القضاء بعقوبة بمفهومها القانونىفى الجريمة الأشد فإذا قضى الحكم بغيرالعقوبة فى الجريمة الأشد ينفك الارتباط الذى هو رهن بالقضاء بالعقوبة فى الجريمة الأشد ومن ثم فإنه لا محل لإعمال المادة (32) من قانون العقوبات عند القضاء بالإعفاء من العقاب فى خصوص الجريمة الأشد (الرشوة ) وبالتالى لا محل للقول بالإعفاء منالعقاب بالنسبة لجريمة حيازة الطاعن لمخدرالحشيش المرتبطة بها حيث ينفك الارتباط بمامؤداه وجوب الفصل فيها ثبوتاً أو نفياً .
(الطعن رقم 43276 لسنة 77 جلسة 2009/04/14 س 54 ص 12 ق 2)
13 ـ تفسير النصوص المتعلقة بالإعفاء على سبيل الحصر ، فلا يصح التوسع فى تفسيرها بطريق القياس ، ولا كذلك أسباب الإباحة التى ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب . وعلى ذلك فلا يجوز للقاضى أن يعفى من العقوبة إلا إذا انطبقت شروط الإعفاء فى النص التشريعى على الواقعة المؤثمة انطباقا تاما سواء من ناحية كنهها أو ظروفها أو الحكمة التى تغياها المشرع من تقرير الإعفاء .
(الطعن رقم 1572 لسنة 39 جلسة 1969/11/17 س 20 ع 3 ص 1307 ق 265)
14- المشرع قد منح الأعفاء الوارد فى المادة107 مكرراً من قانون العقوبات للراشى باعتباره طرفا فى الجريمة،ولكل من يصح وصفه بأنه وسيط فيها-سواء كان يعمل من جانب الراشى وهو الطالب أو يعمل من جانب المرتشى وهو ما يتصور وقوعه ما يتصور وقوعه أحيانا-دون أن يمتد الأعفاء للمرتشى،وإذ كان الحكم قد دلل بما أورده من أدلة سائغة على أن ما ارتكبه الطاعن يوفر فى حقه جريمة الرشوة بأعتباره مرتشا-وليس وسيطا-فأنه لا موجب لأعمال الأعفاء المقرر فى المادة 107مكررا المشار إليها.
(الطعن رقم 10560 لسنة 61 جلسة 1993/02/21 س 44 ع 1 ص 221 ق 28)
15- جريمة الوسيط المعاقب عليها بالمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات تتحقق بتدخل الوسيط بين الراشي والمرتشي لعرض الرشوة أو لطلبها أو لقبولها أو لأخذها متى وقعت الرشوة بناء على هذا التدخل ، وكان مؤدى ما حصله الحكم فى معرض بيانه لواقعة الدعوى ولأدلة الثبوت أن المتهم الثالث - الطاعن الأول - والمتهم الرابع - مستخدم المتهم الثاني - سعيا لدى موظف عمومي هو المتهم الأول - الطاعن الثاني - واتفقا معه على أن يرفع اسم المتهم الثاني من قوائم الممنوعين من السفر فى مقابل رشوة يحصل عليها مقدارها خمسين ألف جنيه نصفها معجل والآخر مؤجل إلى ما بعد عودة المتهم الثاني من سفره وأن يحصل الطاعن الأول فى مقابل سعيه هذا على ثلاثة آلاف جنيه من المتهم الرابع وخمسة آلاف جنيه من الطاعن الثاني وإن جريمة الرشوة وقعت نتيجة لهذا الاتفاق وذلك السعي فإن ما أورده الحكم من ذلك يتحقق به العناصر القانونية لجريمة الوساطة فى الرشوة ودور الطاعن الأول فيها ويكون منعاه على الحكم بالقصور فى هذا الصدد غير سديد.
(الطعن رقم 37030 لسنة 72 جلسة 2010/01/21 س 61 ص 60 ق 9)
16- لما كان الحكم المطعون فيه فى الوقت الذى عول فيه على اعتراف الطاعن الأول بجلسة المحاكمة بتقديمه رشوة للمتهم " ... " واستند إلى هذا الاعتراف فى إدانة الأخير ، فإن الحكم لم يعمل المادة 107 من قانون العقوبات التى تعفى الراشى " الطاعن الأول " من العقوبة إذا اعترف بها وما ذهب الحكم المطعون فيه بخصوص تبرير ذلك من أن اعتراف الطاعن الأول بتقديمه الرشوة للمتهم العشرين جاء ناقصاً لم يُغط وقائع الرشوة ينطوى بذاته على تناقض الحكم فى تعويله على الاعتراف فى الإدانة وعدم تعويله عليه فى إعفاء المعترف من العقاب .
(الطعن رقم 42630 لسنة 74 جلسة 2005/06/07 س 56 ص 350 ق 57)
17- المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات تنص على أنه " يعاقب الراشى و الوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشى و مع ذلك يعفى الراشى أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو إعترف بها " . أما نص المادة 108 مكرراً من ذات القانون فيجرى بأنه " كل شخص عين لأخذ العطية أو الفائدة أو علم به و وافق عليه المرتشى أو أخذ أو قبل شيئاً من ذلك مع علمه بسببه و يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة و بغرامة مساوية لقيمة ما أعطى أو وعد به و ذلك إذا لم يكن قد توسط فى الرشوة " . و يبين من هذين النصين أن المشرع عرض فى كل منهما لجريمة تختلف عن الواردة فى النص الآخر و أن جريمة الوساطة فى الرشوة تختلف عن جريمة تعيين شخص لأخذها . و لما كان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن بأدلة سائغة أنه إرتكب الجريمة المنصوص عليها فى المادة 108 مكرراً آنفة الذكر فإنه لا موجب لأعمال الإعفاء المقرر فى المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات لكونه قاصراً على الراشى و الوسيط دون غيرهما و يكون منعى الطاعن فى هذا الشأن لا سند له .
(الطعن رقم 4482 لسنة 52 جلسة 1982/11/28 س 33 ص 930 ق 193)
18- جريمة الرشوة المنصوص عليها فى المادتين 104 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات قد تكاملت أركانها بالنسبة إلى المتهمين الستة على نحو ما سلف إيراده عند الرد على دفاع المتهمين فى هذا الصدد وذلك بقيام المتهم الأول وهو وزان بمصلحة دمغ المصوغات والموازين بالاتفاق مع زميليه المتهمين الثانى والثالث الموطفين بقسم توقيع الدمغة بذات المصلحة على دمغ المشغولات الذهبية المضبوطة لحساب المتهمين من الرابع حتى الأخير والمتهم السابق الحكم بإدانته ، مقابل جُعل يتقاضونه من الأخيرين ، ومن ثم تكون الجريمة قد وقعت بمجرد تمام هذا الاتفاق وإخلال المتهمين الثلاثة الأول بواجبات وظائفهم فى عمل لهم نصيب فيه بحكم وظائفهم ، الأمر المؤثم والمعاقب عليه بالمواد 103، 104 ، 107 مكرراً من قانون العقوبات ومن ثم يتعين معاقبة المتهمين الخمسة الأول طبقاً لهذه المواد عملاً بالمادة 304/2 من قانون الإجراءات الجنائية بعقوبتى السجن والغرامة المبينتين بمنطوق هذا الحكم فضلاً عن عزلهم من وظائفهم عملاً بحكم المادة 25 من قانون العقوبات ولا ينال من ذلك أن هذه المادة قد أوردت عبارة حرمان المحكوم عليه من القبول فى أى خدمة فى الحكومة ، ولم تورد لفظ العزل ، ذلك أن العزليندرج بحكم اللزوم العقلى فى مفهوم هذا النص ، يؤكد ذلك أن المادة 27 من قانون العقوبات قد نصت على أن " كل موظف ارتكب جناية مما نص عليه فى الباب الثالث والرابع والسادس والسادس عشر من الكتاب الثانى من هذا القانون عومل بالرأفة فحكم عليه بالحبس ، يحكم عليه أيضاً بالعزل مدة لا تنقص عن ضعف مدة الحبس المحكوم بها عليه ، الأمر الذى لا يتصور معه أن يكون الشارع قد قصد عزل الموظف من وظيفته فى حالة معاملته بالرأفة فحسب ، والقول بغير ذلك مؤداه أن يكون المتهم الذى يعامل بالرأفة فى وضع أسوأ من ذلك الذى لم تر المحكمة معاملته بالرأفة ، وهو ما يتأبى على حكم المنطق والعقل ولا يتصور أن تكون إرادة الشارع قد اتجهت إليه .
(الطعن رقم 30639 لسنة 72 جلسة 2003/04/23 س 54 ص 583 ق 74)
(الطعن رقم 1078 لسنة 53 جلسة 1983/05/30 س 34 ص 700 ق 141)
2- انتحال الوظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعتبر تداخلاً فيها إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها وهو يتحقق بالاحتيال والمظاهر الخارجية التى يكون من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفة الجاني وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولو لم يقم بعمل من أعمالها . وكان من المقرر كذلك أن عناصر الركن المادى لجريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات هى التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية إذ يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أنه يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجيب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانة رئاسية أم اجتماعية أم سياسية وهو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع . وأن تكون الغاية من هذا التذرع الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لإشرافها على مزية أياً كانت شريطة أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق ، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً متى توافرت أركانها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التداخل فى وظيفة عمومية لمجرد انتحاله صفة رئيس نيابة دون أن يستظهر الأعمال الإيجابية التى صدرت من الطاعن والتى تعتبر افتئاتاً على الوظيفة أو يبين ما أتاه الطاعن من احتيال ومظاهر خارجية من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفته وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولم يستظهر كذلك عنصرى التذرع بالنفوذ والسبب لجريمة الاتجار بالنفوذ فإنه يكون مشوباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم. (الطعن رقم 30615 لسنة 72 جلسة 2003/07/21 س 54 ص 796 ق 105)
3- استهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المساءلة حتى ولو كان النفوذ مزعوماً. والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات. وذلك على اعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة وإنما ظرف مشدد للعقوبة.
(الطعن رقم 59 لسنة 38 جلسة 1968/02/19 س 19 ع 1 ص 238 ق 43)
4- متى كانت الجريمة التي رفعت بها الدعوى على المتهم وجرت المحاكمة على أساسها هي الجريمة المعاقب عليها بالمادة 106 مكرراً من قانون العقوبات، والخاصة باستغلال النفوذ وهي تختلف فى أركانها وعناصرها القانونية عن جريمة الرشوة - القائمة على الاتجار بالوظيفة - التي دانته المحكمة بها بمقتضى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وكان التغيير الذي أجرته المحكمة فى التهمة على النحو المتقدم ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها إسباغاً للوصف القانوني الصحيح لتلك الأفعال، وإنما هو فى حقيقته تعديل فى التهمة ذاتها يتضمن إسناد عنصر جديد إلى الواقعة التي وردت فى أمر الإحالة هو الاتجار بالوظيفة على النحو الوارد فى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وهو تغيير لا تملك المحكمة إجراءه إلا فى أثناء المحاكمة وقبل الحكم فى الدعوى ويشترط تنبيه المتهم إليه ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية.
(الطعن رقم 1606 لسنة 38 جلسة 1968/10/07 س 19 ع 3 ص 807 ق 158)
5- لا جدوى مما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من أى دليل على أنه زعم أن له إختصاصا بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله ، ذلك بأن ما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى تتوافر به عناصر الجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و لئن أخطأ الحكم فى تطبيقه المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، إلا أن العقوبة التى قضى بها تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الشأن .
(الطعن رقم 1704 لسنة 39 جلسة 1971/11/01 س 21 ع 1 ص 49 ق 11)
6- إستهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و على ما جرى به قضاء محكمة النقض ، التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعزم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة ، و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية ، فإن كان موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات ، و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً من القانون المذكور ، و إذ كان ما تقدم و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
(الطعن رقم 1131 لسنة 40 جلسة 1970/10/26 س 21 ع 3 ص 1020 ق 244)
7- إن الشارع قد إستهدف بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أيه سلطة عامة - و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً . و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية . فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، و ذلك على إعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة و إنما ظرف مشدد للعقوبة .
(الطعن رقم 209 لسنة 58 جلسة 1988/12/06 س 39 ع 1 ص 1227 ق 190)
8- عناصر الركن المادى للواقعة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات الخاصة بإستعمال نفوذ حقيقى أو مزعوم للحصول أو محاولة الحصول على حكم أو قرار ، هو التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أن يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانه رياسية أو إجتماعية أو سياسية و هو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع.
(الطعن رقم 3286 لسنة 54 جلسة 1985/11/21 س 36 ص 1035 ق 189)
نصت المادة 107 مكرر عقوبات على معاقبة الراشي والوسيط بذات العقوبة المقررة للمرتشي. ولإنطباق النص على الراشي يتعين أن تتحقق الواقعة الإجرامية في الرشوة بأن يحصل موظف عمومي أو من في حكمه على جعل أو وعد به لقاء عمل أو امتناع عن عمل من اختصاصه أو مما زعم هو أو يعتقد أنه مختص به وأن يساهم الراشي في بالجريمة بفعل مادی يقابل المرتشي في صورتي الأخذ والقبول كما يشترط توافر القصد الجنائي لدى الراشي وذلك بأن يكون عالماً بأنه يقدم العطية أو الوعد بها إلى موظف بيده قضاء خاصة ويثبت بكافة طرق الإثبات ومنها البينة والقرائن ولا يشترط أن يفصح عنه صراحة بالقول أو بالكتابة وإنما قد يستنتج من ظروف الحال (الدكتور عبد المهيمن بكر المرجع السابق ص 315 وما بعدها).
والمراد بالوسيط كل شخص يتدخل بين الراشي والمرتشي ممثلاً أحدهما لدى الآخر في القيام بدوره لإتمام جريمة الرشوة ولا شك أن مهمة الوسيط المذكورة تقتضي منه أن يكون على اتفاق مع من يمثله راشياً أو مرتشياً أو مع الاثنین معاً ومن ثم فهو لا يعدو أن يكون شريكاً في جريمة الرشوة إذا تمت بناء على هذا الإشتراك يؤيد ذلك مفهوم المخالفة من نص المادة 109 مكرراً ثانياً التي نصت على جريمة خاصة تتعلق بعرض الوساطة وقبولها دون أن يتجاوز عمله أو القبول.
ويجب عدم الخلط بين الوسيط عن المرتشي والمرتشي ذاته الذي يطلب الرشوة لغيره الأول لا يعدو وأن يكون مجرد وسيلة تنقل رغبة المرتشي دون حاجة إلى أن يكون مختصاً أو زاعماً الاختصاص بالعمل المراد أداؤه مقابلاً للرشوة هذا بخلاف المرتشي الذي يطلب الرشوة لغيره مقابل عمل يخل في اختصاصه الحقيقي أو المزعوم فضلاً عن أن الوسيط لا يشترط فيه أن يكون موظفاً بخلاف المرتشي الذي تفترض فيه صفة الموظف العام ومن ثم فإذا كان الوسط موظفاً عاماً وأريد منه مساعدة المرتشي في عمل داخل في اختصاصه الحقيقي أو المزعوم فإنه يعتبر مرتشياً لا مجرد وسيط.
الإعفاء من العقاب :
نص الشارع على سببين للإعفاء من العقاب في المادة 107 مكرراً عقوبات وسبب الإعفاء هما الإخبار والاعتراف والاستفادة منهما مقتصرة على الراشي والوسيط دون المرتشي والإخبار يعني الإبلاغ ويفترض جهل السلطات أمر الجريمة والاعتراف يعني الإقرار على نحو تستمد به الأدلة على وقوع الجريمة و مسئولية مرتكبيها و يتعين أن يتوافر في الإبلاغ أو الاعتراف شرطان الإخلاص بالتفصيل ويقتضى ذلك أن يكون صادراً مطابقاً للحقيقة. ونطاق الاستفادة من الاعتراف مقتصر على الراشي والوسيط. ويقتصر تأثير الإعفاء علي العقوبة السالبة للحرية والغرامة فلا يمتد إلى المصادرة ذلك أن حيازة مقابل الرشوة مخالفة النظام العام.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 243)
الراشي والوسيط يعتبر كلاهما شريكاً للموظف العام أو من في حكمه في جريمة الرشوة لذلك نص المشرع صراحة على تطبيق أحكام الاشتراك عليهما، فقررت المادة التي نحن بصددها أن يعاقب الراشي أو الوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي، هذه المادة ليست سوى تطبيق للقواعد العامة في عقاب الشريك في الجريمة بالعقوبة ذاتها المقررة للفاعل الأصلي، ما لم ينص على غير ذلك.
ومع ذلك قررت المادة التي نحن بصددها إعفاء الراشي أو الوسيط من عقوبات الرشوة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها، ويعني ذلك أن الإخبار بالجريمة قبل إكتشافها، أو الاعتراف بها بعد أن علمت بها السلطات، سببان لإعفاء الراشي أو الوسيط من العقوبة المقررة.
علة الإعفاء من العقاب :
علة تقرير هذا الإعفاء واضحة، وتتمثل في تشجيع الراشي أو الوسط على الكشف عن الجريمة التي تمت، ذلك أن الرشوة من الجرائم التي تتصف بالسرية، ويحاط ارتكابها بالكتمان، وقلما يترك مرتكبوها آثاراً تدل عليها، بل إنهم يجتهدون في طمس معالمها وإخفاء آثارها، وفي مواجهة ذلك تقف السلطات العامة عاجزة عن كشف هذه الجرائم الخطيرة وإذا إكتشفت فمن العسير في أغلب الأحوال إقامة الدليل على مرتكبيها، إلا إذا إعترف أحدهم بالجريمة، وهو لن يفعل ذلك لأنه مساهم فيها يستحق العقوبات المقررة لها، من أجل ذلك وجب تشجيع بعض المساهمات على كشف أمر الجريمة للسلطات أو مساعدتها على إقامة الدليل على ارتكابها وأقل صورة التشجيع لبعض المساهمين في الجريمة هو الإعفاء من العقوبات المقررة لتلك الجريمة في حالة كشف النقاب عنها. فمن يخبر السلطات بالجريمة أو يعترف بها يقدم خدمة للمجتمع يستحق أن يكافأ عليها بالإعفاء من العقاب.
وإذا كان المشرع في مجال إختيار من يستحق الإعفاء إذا أخبر بالجريمة أو اعتراف بها، وجب على الفور إستبعاد الموظف المرتشي، لأن الجرم الأساسي يقع منه، فهو الخائن الثقة الدولة فيما يقتضي التشدد معه بعدم إعفائه من العقاب بعد أن توافر أركان جريمته. وبالفعل فإن الإعفاء من العقاب يقتصر الإستفادة منه على الشركاء في الجريمة دون الفاعل الأصلي لها. لذلك نص المشرع صراحة على قصر مانع العقاب على الراشي أو الوسيط إذا أخبر أحدهما بالجريمة أو إعترف بها.
شروط الإعفاء من العقاب :
لا يستحق الإعفاء من العقاب طبقاً لنص المادة التي نحن بصددها إلا إذا أخبر الجاني بالجريمة أو إعتراف بها، والأخبار يعني الإبلاغ، أي إعلان السلطات بالجريمة، وهو ما يفترض جهل السلطات بأمر جريمة الرشوة التي تحققت بالفعل، حتى يمكن القول بأن الراشي أو الوسيط قد أدى خدمة للمجتمع يستحق أن يكافأ عليها، فالخدمة هنا تتمثل في تمكين السلطات العامة من العلم بالجريمة وإتخاذ الإجراءات في شأنها . أما الإعتراف بالجريمة فهو الإقرار بها بعد اكتشافها، ولما كان الإعتراف من أدلة الإثبات. فإن الراشي أو الوسيط بإعترافه يقدم خدمة كبيرة للسلطات، لأنه يساعد على إثبات الجريمة على الموظف المرتشي.
ويشترط في الإخبار أو الإعتراف أن يكون منفصلاً ومطابقاً للحقيقة، حتى يمكن السلطات من الكشف عن الجريمة أو إقامة الدليل عليها. فالإخبار أو الاعتراف المجمل الذي لا يتضمن تفصيلات الجريمة وبيان ظروف ارتكابها لا يفيد السلطات، بل قد يؤدي إلى تضليلها، وبالتالي لا يصلح أن يكون سببا للإعفاء من العقاب لانتفاء علته وهي تقديم خدمة للمجتمع.
كذلك فإن الأخبار أو الاعتراف يجب أن يكون صادقة مطابقة للحقيقة، وهو ما يعني أن يكون صادراً بنية معاونة السلطات في الكشف عن الجريمة، لا بنية تضليلها وإعاقة جهودها تمكيناً لمرتكب الجريمة من إخفاء معالمها أو الهرب من السلطات.
نطاق الإعفاء من العقاب:
من حيث الأشخاص:
لا يستفيد من الإعفاء إلا الراشي أو الوسيط دون المرتشي لعدم تحقق علة الإعفاء بالنسبة له. لكن يستوي الاستفادة الوسيط من الإعفاء أن يكون من جانب الراشي أو من جانب المرتشي.
من حيث العقوبات
أما عن نطاق الإعفاء من حيث العقوبات التي يرد عليها، فإنه يقتصر على العقوبة والغرامة، فلا يمتد إلى عقوبة المصادرة.
حكم الإعفاء من العقوبة:
الإعفاء من عقوبات الرشوة الذي تقرره المادة التي نحن بصددها وجوبي، ينبغي الحكم به إذا توافرت شروطه، فلا يجوز للمحكمة إذا تحققت من توافر شروط الإعفاء أن تحكم على الراشي أو الوسيط بالعقوبة المقررة للرشوة وإلا عد ذلك خطأ في تطبيق القانون يعيب حكم الإدانة. (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 342)
اقتصر المشرع في المادة 107 مكرراً على بيان عقوبة الراشي دون التعريف بجريمته، وهو موقف يوضح اتجاه القانون إلى اعتباره شريكاً في جريمة الرشوة. كما يوضح هذا الاتجاه أن تدخل الراشي في الجريمة يقتضي أن يكون الموظف قد قبل الرشوة أو أخذها فعلاً، الأمر الذي يستلزم حصول اتفاق سابق بين الراشي والمرتشي، وهو أمر يؤدي إلى اعتبار الراشي مجرد شریك للمرتشي في جريمة الرشوة وليس فاعلاً أصلياً في جريمة إرشاء مستقلة. ويختلف الأمر في قانون العقوبات الفرنسي حيث يعد الإرشاء جريمة مستقلة بذاتها تسمى بالرشوة الإيجابية. إلا أن القانون قد عاقب الراشي بوصفه فاعلاً أصلياً في جريمة مستقلة هي جريمة عرض الرشوة دون قبولها، وهي جريمة متميزة عن جريمة الرشوة بمعناها الدقيق؛ لأن الموظف لا يساهم فيها بأي قسط، بل إنه يتعين عدم قبول الرشوة حتى تقع الجريمة.
الركن المادي الإرشاء:
لا يتحقق الإرشاء كوسيلة للاشتراك في الرشوة إلا باتفاق الراشي على تقديم الرشوة إلى المرتشي مقابل أداء عمل أو امتناع عن أعمال وظيفته أو الزعم بذلك أو الإخلال بواجبات وظيفته. ولا أهمية أن يكون الراشي هو الذي بادر بعرض الرشوة أو أن يكون الموظف هو الذي بادره بالطلب. فمتى تم الاتفاق بين الاثنين تعين مساءلة الراشي جنائياً بوصفه شريكاً ولو لم يكن بعد قد قام بتنفيذ ما وعد به وذلك باعتبار أن مجرد قبول الموظف المرتشي للوعد أو العطية (ولو لم يكن قد أخذ الرشوة بعد) يعد وحده كافياً لوقوع جريمة الرشوة قانوناً. ويستوي أن ينعقد الاتفاق المذكور بين الراشي نفسه والموظف مباشرة أو بطريق غير مباشر بواسطة من يمثل هذا أو الغير، أي الوسيط، كما يستوي في الإرشاء أن يكون من خلال الوعد أو الإعطاء الفعلي سواء كان ذلك في صورة منحة أو هدية أو ميزة أياً كان نوعها.
ويلاحظ أنه في جريمة الرشوة اللاحقة في صورتيها المنصوص عليهما في المادتين 104 و 105 عقوبات يتعين مساءلة مقدم المكافأة اللاحقة بوصفه راشياً، في حالتي قبول الموظف أو أخذه للمكافأة اللاحقة لأن هذا الفعل لا يتحقق إلا بناء على اتفاق الراشي والمرتشي الذي تم بعد قيام الموظف بالعمل أو الامتناع أو الإخلال - على حسب الأحوال - وهو بذاته وسيلة الاشتراك في الجريمة.
القصد الجنائي للراشي
يجب أن يحيط الراشي علماً بصفة المرتشي أو أن الرشوة التي عرضها أو قدمها إليه في مقابل انتحار هذا الأخير بوظيفته أو استغلاله إياها وفقاً لأي من الصور السالف بيانها. فإذا كان من عرض العطية يعتقد أنها إبراء لدين في ذمته ولا يقصد من ورائها شراء ذمة الموظف - فإن جريمته لا تقع لو قبلها الموظف قاصداً الانتحار بوظيفته أو استغلالها.
اقتصر قانون العقوبات في المادة 107 مكرراً على بيان عقوبة الوسيط دون تعريفه، كما فعل بالنسبة إلى الراشي. ويراد بالوسيط كل شخص يتدخل بين الراشي و المرتشي ممثلاً أحدهما لدى الآخر في القيام بدوره لإتمام جريمة الرشوة. ولا شك في أن مهمة الوسيط المذكورة تقتضي منه أن يكون على اتفاق مع من يمثله راشياً كان أو مرتشياً أو مع الاثنين معاً، ومن ثم فهو لا يعدو أن يكون شريكاً في جريمة الرشوة إذا ما تمت بناء على هذا الاشتراك. ويؤيد ذلك مفهوم المخالفة من نص المادة 109 مكرراً ثانياً التي نصت على جريئة خاصة تتعلق بعرض الوساطة أو قبولها دون أن يتجاوز عمله العرض أو القبول.
ويجب عدم الخلط بين الوسيط والمرتشي ذاته الذي يطلب الرشوة لغيره، في أول لا يعدو أن يكون مجرد أداة تنقل رغبة المرتشي دون حاجة إلى أن يكون مختصا أو زاعما الاختصاص بالعمل المراد أداؤه مقابلاً للرشوة. وما يفعله هذا توسيط لا يسأل عنه المرتشي تطبيقاً لمبدأ المسئولية الشخصية، فلا يسأل المرتشي لا عما يصدر منه شخصياً. هذا بخلاف المرتشي الذي يطلب الرشوة لغيره مقابل عمل أو امتناع يدخل في اختصاصه الحقيقي أو المزعوم، فضلاً عن أن الوسيط لا يشترط فيه أن يكون موظفاً بخلاف المرتشي الذي تفترض فيه صفة الموظف العام.
ويلاحظ أن إجرام الوسيط يتوقف على وقوع جريمة الرشوة عن طريق الطلب أو القبول أو الأخذ. وتقع الجريمة المذكورة إذا تاب الوسيط عن المرتشي الذي يمثله في أحد هذه الأفعال المذكورة، لا إذا تاب الوسيط عن الراشي الذي يمثله في عرض الرشوة، فإن بحرد هذا العرض وحده وفقاً للقانون الحالي لا تقع به جريمة الرشوة ما لم يصادفه عدم القبول، ومن ثم فلا مسئولية للوسيط عن جريمة لم تقع. ولكن ذلك لا يحول دون مساءلته عن جريمة عرض رشوة دون قبولها وفقاً للمادة 109 مكرراً بوصفه شريكاً فيها بطريق الاتفاق، متى توافرت أركانها.
الركن المادي (الوساطة):
تتحقق الوساطة قانوناً بتدخل الوسيط لدى الطرف الأخر لعرض الرشوة عليه أو لطلبها أو لقبولها أو لأخذها منه، ومتى وقعت جريمة الرشوة بناء على هذه الوساطة، وهي متحققة بالفعل بمجرد تقدم الوسيط نيابة عن المرتشي طالباً الرشوة أو قابلاً أو آخذاً إياها. هذا بعكس حالة الوسيط عن الراشي إذ لا تقع الرشوة كما بينا آنفاً بمجرد عرضها على المرتشي إلا إذا صادف العرض المذكور قبولا لدى المرتشي. أما بمجرد عرض الوساطة على صاحب الشأن أو قبولها منه، فلا يكفي الإخضاع الجماني لحكم المادة 107 مكرراً، وإنما يسأل عن جريمة خاصة ملحقة بجريمة الرشوة نصت عليها المادة 109 مكرراً ثانياً.
القصد الجنائي :
يتعين لمساءلة الوسيط عن الرشوة التي ساهم فيها أن يعلم أركان الجريمة التي يريد المساهمة فيها، فيجب أن يحيط علماً بصفة الموظف وأن الجعل الذي سيتقاضاه هذا الأخير إنما هو مقابل أداء عمل أو امتناع عن عمل من أعمال وظيفته، فمثلاً إذا اعتقد الوسيط أن العطية التي أخذها نيابة عن موكله أنها هدية أو دين فإن مسئوليته عن الاشتراك في الجريمة لا تتحقق قانوناً. ويشترط أن تتجه نية الوسيط عن الراشي إلى تقديم العطية إلى المرتشي، فلا تقوم الجريمة إذا أخذها بنية الاستيلاء عليها لنفسه. كما لا تقوم الجريمة إذا زعم الجاني أنه وسيط عن المرتشي وحصل على الرشوة بنية الاحتفاظ بها لنفسه، فهنا لا يخضع الوسيط لأحكام الرشوة لعدم وقوعها قانوناً، بل يخضع لحكم جريمة النصب.
نصت المادة 107 مكرراً على حالتين يمتنع فيهما العقاب على جريمة الرشوة نظراً لما يؤديه الجاني من خدمة تساعد على كشف هذه الجريمة الخطيرة والتعريف بفاعلها أو إثباتها ضده. ويقتصر نطاق الأشخاص الذين يتمتعون بالإعفاء من العقاب على الراشي والوسيط سواء كان ممثلاً للراشي أو للمرتشي دون غيرهما من أطراف الجريمة، فلا يستفيد المرتشي من هذا الإعفاء من العقاب. ويلاحظ أن العذر المانع من العقاب مقصور على حالة وقوع الرشوة عدا جريمة عرض الرشوة دون قبولها، وذلك لانتفاء العلة التي أدت إلى الإعفاء من العقاب في حالة عدم قبول الموظف للرشوة، وهي إثبات التهمة على هذا الموظف . هذا مع مراعاة أن حكم مقدم الرشوة في جريمة الرشوة اللاحقة (بصورتيها المنصوص عليهما في المادتين 104 و 105) هو بذاته حكم الراشي في جريمة الرشوة في صورها الأصلية من حيث التمتع بالإعفاء من العقاب.
حالتا الإعفاء من العقاب
ويتعين الإعفاء من العقاب في الحالتين الآتيتين :
أولاً – إخبار السلطات بالجريمة: يتمتع الراشي والوسيط بالإعفاء من العقوبة إذا أبلغ السلطات بالجريمة. والفرض في هذه الحالة أن الجريمة قد وقعت، إلا أنها ما زالت في طي الكتمان، فيكون لهذا التبليغ فضل تمكين السلطات من کشف الجريمة. أما إذا كانت الجريمة قد وصلت إلى علم السلطات، فإن مجرد التبليغ في هذه الحالة لا ينتج أثره المطلوب، وهو الإعفاء من العقاب، بل يتعين أن تكون السلسلة التي تلقت التبليغ بالجريمة مختصة بذلك. ونظراً لعموم النص، يستوي أن تكون هذه السلطة إدارية يتبعها الموظف أو تختص بمجمع الاستدلالات أو قضائية تختص بالتحقيق أو بالمحاكمة.
ويلاحظ أنه إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من الرشوة (أي الإعدام) فيجوز إعفاء الراشي أو الوسيط من العقاب متى توافرت إحدى حالتي الإعفاء من العقاب في جريمة الاتفاق الجنائي المنصوص عليها في المادة 48 عقوبات، وهي:
(1) الإخبار بوجود الاتفاق بين من اشتركوا فيه قبل وقوع الجريمة المتفق عليها وقبل البحث والتفتيش عن الجناة.
الإخبار بعد البحث والتفتيش إذا أدي فعلاً إلى ضبط الجناة.
ثانياً - الاعتراف بالجريمة: يتمتع الراشي والوسيط - سواء كان يعمل من جانب الراشي أو يعمل من جانب المرتشي - بالإعفاء من العقوبة إذا اعترف بالجريمة. والفرض في هذه الحالة أن السلطات قد علمت بالجريمة، فيكون لهذا الاعتراف فضل في إمداد السلطات بالأدلة اللازمة لإثبات التهمة وتسهيل مهمتها في إدانة المتهم. ولذا يجب أن يكون الاعتراف صادقاً كاملاً يعطي جميع وقائع الرشوة التي ارتكبها الراشي أو الوسيط دون نقص أو تحريف، فلا إعفاء من العقاب إذا أنكر أو حرف في إحدى الوقائع اللازمة في إثبات الجريمة والتي كان يعلم بها.
لم يحدد القانون الجهة التي يتعين الاعتراف أمامها، وقد ذهبت محكمة النقض إلى أنه لما كان الاعتراف لا تتحقق فائدته إلا إذا كان حاصلاً لدى جهة الحكم - فإنه إذا حصل لدى جهة التحقيق ثم عدل عنه لدى المحكمة فلا يمكن أن ينتج الإعفاء. وعلة هذا القضاء أن الاعتراف المعفي من العقاب يجب أن يدل على نية المعترف في مساعدة العدالة، وأن عدول المتهم أمام المحكمة عن اعترافه لا يظهر هذه النية ولا يتفق مع علة الإعفاء من العقاب بسبب اعتراف المتهم، وهو تسهيل مهمة السلطات في إثبات التهمة على المرتشي. وكذلك الشأن إذا تخلف الراشي أو الوسيط بعد اعترافه في التحقيق عن الحضور بجلسة المحاكمة.
ولا يوهن من هذا التعليل ما استقر عليه قضاء محكمة النقض من أن لمحكمة الموضوع أن تأخذ باعتراف متهم على متهم في التحقيقات الأولية ولو عدل عنه في الجلسة، ذلك أنه لا تطابق بين شروط الاعتراف الموجب للإعفاء وشروط الاعتراف كدليل إثبات، فبينما يكفي في الأخير - مثلاً - أن يكون جزئياً، يتعين في الأول أن يكون شاملاً.
وننبه إلى أن إنكار الراشي أو الوسيط في التحقيقات الأولية لا يسلبه فرصة التمتع بالإعفاء من العقاب، إذ له أن يعترف بذلك إلى ما قبل انتهاء المحاكمة أمام قاضي الموضوع، فلا يجوز له التمسك بهذا الاعتراف بعد قفل باب المرافعة إلا إذا رأت المحكمة فتح باب المرافعة للاستماع إليه. كما لا يجوز التمسك به لأول مرة أمام محكمة النقض، ما لم تكن تنظر الموضوع بعد نقض الحكم.
ويتمتع المعترف بالإعفاء من العقاب سواء كان الاعتراف تلقائياً أو بعد تضييق الخناق عليه بالأسئلة، وذلك لأن الإعفاء لا يتقرر إلا إذا كان هذا صادقاً كاملاً، وهو ما يفيد نية المعترف في مساعدة العدالة والتوبة.
وقد يحدث أن يعترف الراشي أو الوسيط أمام المحكمة ثم يقضي بالبراءة رغم هذا الاعتراف لسبب قانوني أو موضوعي، وفي هذه الحالة يقضي ببراءة الراشي والوسيط ولا يقضي بإعفائه من العقاب، لأن البراءة من الجريمة سابقة على الإعفاء من العقاب عليها. وقد يحدث أيضاً أن يقضي بإدانة المرتشي بحكم حضوري وإدانة الراشي أو الوسيط بحكم غيابي، فهل يتمتع بميزة الإعفاء من العقاب إذا ما اعترف عند حضوره أو القبض عليه وإعادة محاكمته؟ هذا ما لا يحظره القانون، ولو كان الحكم بإدانة المرتشي قد أصبح باتاً، لأنه لا يشترط أن يؤدي اعتراف الراشي أو الوسيط إلى إدانة المرتشي.
وإذا لم تطمئن المحكمة لاعتراف الراشي فأطرحته في مجال طلب الراشي إعفاءه من عقوبة الرشوة، فيعد حكمها متناقضاً إذا عولت في الإدانة على هذا الاعتراف.
أثر الإعفاء من العقاب :
ليس الإعفاء من العقاب إباحة للفعل ولا مانعاً للمسئولية الجنائية، بل يتقرر لمصلحة الجاني الذي تحققت في فعله وفي شخصه عناصر المسئولية الجنائية واستحقاق العقاب، وكل ما للعذر المعفي من العقاب من أثر هو حظر العقوبة عن الجاني بعد استقرار إدانته دون أن يمس ذلك قيام الجريمة في ذاتها، ودون أن يعد هذا الأثر براءة للمتهم، مما مقتضاه أن يكون حكم المحكمة بالإعفاء من العقاب لا بالبراءة.
وغني عن البيان أن العقوبات التي يسري عليها الإعفاء لا تمتد إلى عقوبة المصادرة التي يتعين الحكم بما في جميع الأحوال طبقاً للمادة 30/ 1.
وفي حالة الارتباط الذي لا يقبل التجزئة - وفقاً لقضاء محكمة النقض - فإن العقوبة الأصلية المقررة للجريمة الأشد (الرشوة) تحب العقوبات الأصلية المقررة للأخف دون العقوبات التكميلية التي تحمل في طياتها فكرة رد الشيء إلى أصله أو التعويض المدني للخزانة أو ذات طبيعة وقائية كالمصادرة ومراقبة الشرطة.
أوجب القانون مصادرة العطية المقدمة من الراشي إلى المرتشي، ومن ثم لا يجوز بداهة أن يطالب باسترداد الرشوة. أما الشخص حسن النية الذي تعلق حقه بهذه العطية فيجوز له المطالبة باستردادها، وذلك تطبيقاً لقاعدة أن المصادرة لا تخل بحقوق حسن النية.
عرض الرشوة لدرء عمل ظالم :
أثار التطبيق العملي لهذه الجريمة مشكلة قانونية، وهي مدى مسئولية المتهم بعرض الرشوة لدرء عمل ظالم قام به الموظف. فمثلاً، إذا هم أحد رجال البوليس بالقبض دون وجه حق على إنسان زعما منه أنه ارتكب جريمة، فعرض عليه هذا الأخير مبلغاً من المال للإفراج عنه أو للحيلولة دون القبض عليه. هنا يثور التساؤل عما إذا كان يجوز للمتهم بعرض الرشوة أن يدفع التهمة المسندة إليه بامتناع مسئوليته الجنائية أم لا؟
ذهب رأي في الفقه إلى اعتبار الجاني في حالة ضرورة متى توافرت شروطها القانونية، وذهب رأي آخر إلى اعتبار الجاني في حالة إكراه أدبي يعفيه من المسئولية الجنائية متى توافرت شروط هذا الإكراه، وذهب رأي ثالث إلى أن الجاني في هذه الحالة لا يبتغي جر مغنم أو شراء ذمة موظف وإنما يريد الخلاص من شر محيق ودفع مضرة لا يبررها القانون، ومن ثم فإن قصده الجنائي لا يعد متوافراً وذهب رأي آخر إلى تقرير مسئولية الجاني في هذه الحالة.
وقد انعكست آراء الفقه سالفة الذكر في أحكام القضاء، فاعتنقت المحكمة العسكرية العليا قديما في بعض أحكامها نظرية الإكراه، ولم تفصح محكمة النقض صراحة عن اتجاهها في الموضوع اكتفاء بقولها إن الجاني يؤاخذ على الرشوة بغض النظر عما إذا كان العمل أو الامتناع المطلوب من الموظف حقا أو غير حق، وهو ما لا يكفي وحده للقول بأن المحكمة العليا لا تحيز الرشوة لدرء عمل ظالم يصل إلى حد الجريمة أو الخطر الجسيم على النفس أو الإكراه. والواقع من الأمر أنه لا يهون من وقوع جريمة عرض الرشوة دون قبولها من حيث المبدأ أن يكون الموظف معروضة عليه الرشوة قد أتى أمراً غير حق، ذلك أن هذا الموظف إما أن يزعم نفسه الاختصاص أو يعتقد خطأ به أو يخل بواجبات وظيفته.
وقد جرم القانون - كما قدمنا - عرض الرشوة عليه للامتناع عن عمل زعم أو اعتقد خطأ أنه من أعمال وظيفته أو للإخلال بواجبات وظيفته. على أنه قد تتوافر شروط الضرورة أو الإكراه الأدبي في الواقعة حسب الأحوال. وقد تتوافر أيضاً حالة الدفاع الشرعي إذا كان ما صدر من الموظف العام يكون جريمة ضد أحد الأفراد، وكان عرض الرشوة عليه هو الوسيلة الوحيدة لرد هذا الاعتداء، مع ملاحظة أنه لا يجوز عرض الرشوة استعمالاً لحق الدفاع الشرعي ضد رجال الضبط إلا طبقاً للمادة 248 عقوبات، وهي أن يكون رجل الضبط قائماً بأمر بناء على واجبات وظيفته مع حسن النية ولو تخطي هذه الحدود، إذا خيف أن ينشأ عن ذلك موت أو جروح بالغة وكان لهذا الخوف سبب معقول. مثال ذلك أن يهم رجل الضبط بإجراء قبض غير مشروع على شخص أثناء توجهه لاستحضار طبيب لحقن ابنه المريض لإنقاذه من خطر الوفاة.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 360 )
نص الشارع على سببين للإعفاء من العقاب في المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات في قوله « ... ومع ذلك يعفي الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها » وسبباً الإعفاء هما الإخبار والإعتراف، والاستفادة منهما مقتصرة على الراشي والوسيط، فالشارع قد استبعد المرتشي من نطاق الإعفاء .
وعلة الإعفاء من العقاب أن الرشوة جريمة تتصف بالسرية ويحاط ارتكابها بالكتمان، ويجتهد مرتكبوها في إخفاء أمرها، ويندر أن تترك آثاراً تدل عليها، ومن ثم كان جهد السلطات العامة في تحقيقها وتعقب مرتكبيها ومحاكمتهم وإقامة الدليل عليهم أمراً عسيراً، ولذلك فإن المخبر أو المعترف يقدم للمجتمع خدمة يستحق أن يكافأ عليها بالإعفاء من العقاب أما استبعاد المرتشي من نطاق الإعفاء، فهو مظهر لتشدد الشارع إزاءه، وهو تشدد يبرره كونه - باعتباره موظفاً خائناً للثقة التي أودعت فيه - أمعن إجراماً من الراشي و الوسيط .
والأخبار يعني الإبلاغ، ويفترض جهل السلطات أمر الجريمة، وتتمثل الخدمة المقدمة إلى المجتمع في صورة تمكين السلطات من العلم بالجريمة کی تتخذ فيما بعد إجراءاتها في شأنها، والاعتراف يعني الإقرار على نحو تستمد به الأدلة على وقوع الجريمة ومسئولية مرتكبيها، والخدمة التي يؤديها المعترف تتمثل في تقديمه إلى السلطات أدلة الإدانة.
ويتعين أن يتوافر في الإبلاغ أو الإعتراف شرطان : الإخلاص والتفصيل . فيجب أن يكون صادراً بنية إعانة السلطات في الكشف عن الجريمة وإدانة مرتكبها، ويقتضي ذلك أن يكون صادقاً مطابقاً للحقيقة وتطبيقاً لذلك، فإن الإبلاغ أو الإعتراف الذي ينطوي على ما يخالف الحقيقة ولو في إحدى جزئياته، مما يعني أنه قد صدر عن نية تضليل السلطات لا معاونتها، لا يستحق صاحبه إعفاء وينبغي كذلك أن يكون الإبلاغ أو الإعتراف مفصلاً متضمناً جميع عناصر الجريمة وظروفها والأدلة عليها طالما كان المتهم عالماً بها، ويعني ذلك أن الإخبار أو الإعتراف المجمل الذي لا يفيد السلطات في شيء لا يصلح أن يكون سببا للإعفاء من العقوبة.
ونطاق الإستفادة من الإعتراف مقتصر كما قدمنا على الراشى والوسيط، ويستوي أن يكون الوسيط عاملا من جانب الراشي - وهو الغالب - أو عاملا من جانب المرتشي، وهو ما يتصور أحياناً وقوعه ويقتصر تأثير الإعفاء على العقوبة السالبة للحرية والغرامة، فلا يمتد إلى المصادرة، ذلك أن حيازة مقابل الرشوة مخالفة للنظام العام.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 55)
والإعفاء ينصرف إلى الراشي بوصفة مساهماً ضرورياً في الجريمة كما ينصرف إلى كل من يمكن وصفه بأنه وسيط فيها سواء كان يعمل من جانب الراشي أو من جانبا المرتشي ولا يمتد الإعفاء إلى من يصح وصفه بالمرتشي. ولذلك إذا كان ما ارتكبه الموظف يوفر في حقه جريمة الرشوة باعتباره مرتشياً وليس وسيطاً فلا يستفيد من الإعفاء. والوسيط قد يكون بذلك موظفاً عمومياً وقد يكون غير ذلك.
ويستفاد من ذلك أن امتناع العقاب يتوافر في حالتين : الأولى حالة أخبار السلطات بالجريمة، والثانية : حالة الاعتراف.
أولاً : أخبار السلطات :
اعتبر المشرع أخبار السلطات بالجريمة مانعاً من العقاب في كثير من الجرائم التي تقوم على تعدد من السلوك يكون أحدها هو السلوك الأصلي والسلوك الأخر هو تابع، كما هو الشأن في الاتفاقات الجنائية ولكني يشجع الجناة على عدم إتمام الغاية من الاتفاق وبالتالي تحقيق الإضرار بالمصلحة المحمية جنائياً، فإنه يقرر الإعفاء من العقاب لمن يبادر من الجناة بإخبار السلطات بالجريمة. وقد قرر المشرع هذا المانع من العقاب بالنسبة لجريمة الرشوة التي تقوم على أكثر من سلوك يكون أحدها هو سلوك الموظف المرتشي، وحتى يمكن كشف الجريمة بعد وقوعها بأدلة تثبت وقوعها ونسبتها إلى الموظف المرتشي الممثل لجهة الإدارة والذي استغل وظيفته واتجر بها إضراراً بالجهة التي يعمل لديها، فقد قرر المشرع هذا المانع لكل من الراشي والوسيط دون الفاعل الأصلي في الجريمة أو أي مساهم أخر.
وأخبار السلطات كمانع للعقاب يتطلب الإبلاغ بالجريمة كاملة في ظروف ارتكابها ومرتكبيها قبل أن يصل علم تلك السلطات بها، حتی يكون الاخبار محققاً الغرض منه ومنتجاً في الإعفاء من العقاب. والمقصود بالسلطات جميع الجهات التي يمكنها إجراء الضبط أو التحقيق ورفع الدعوى، أو تكون ملزمة بالإبلاغ عن الجرائم التي تصل إلى علمها. ولذلك يتحقق المانع سواء تم الإخطار لأجهزة الشرطة المختلفة أو للنيابة العامة أو حتى لنفس جهة الإدارة العامة.
"ولا يكفي مجرد الإبلاغ عن وقوع الجريمة بل يلزم أيضاً الإبلاغ عن مرتكبي الجريمة والمشتركين فيها وذلك قبل وقوع الفعل الإجرامي إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة، وقبل بحث وتفتيش السلطات عن أولئك الجناة. فإذا حصل الأخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الأخبار فعلاً إلى ضبط الجناة وهذا الحكم خاص فقط بالرشوة المشددة المنصوص عليها بالمادة 108 عقوبات أما صور الرشوة الأخرى فيكفي فيها الإبلاغ عن الواقعة ومرتكبيها قبل أن يصل علم السلطات بوقوع الجريمة ومرتكبيها، ونرى أن أخبار السلطات يعفى من العقاب ولو تم بعد علمها بوقوع الجريمة ما دام الاخبار منتجاً في معرفة الجناة، ذلك أن الأخبار بالجريمة لا يشمل فقط الوقائع المادية المكونة لها وإنما أيضاً جميع من ساهم في ارتكابها ولذلك فإن الأخبار بالجريمة الذي ينطوي على إخفاء لبعض وقائعها أو لبعض مرتكبيها، مع العلم بذلك من قبل الراشي أو الوسيط الذي أبلغ السلطات، لا يتحقق معه مانع العقاب الذي نحن بصدده.
ثانياً: الاعتراف بالجريمة :
اعتبر المشرع الاعتراف بالجريمة مانعاً للعقاب بالنسبة للراشي أو الوسيط. وحكمة ذلك هو توفير الدليل على ثبوت الجريمة ونسبتها إلى الموظف المرتشي حتى يتسنى حماية جهة الإدارة من موظفيها الذين يتجرون بالوظيفة العامة. ويتحقق الاعتراف بإقرار الراشي أو الوسيط على نفسه بارتكاب فعل الإرشاد أو الوساطة، يلزم في الاعتراف أن يكون كاملاً. فلا يكفي الاعتراف الجزئي للتمتع بمانع العقاب. كما يلزم في الاعتراف أن يكون أمام الجهة المختصة بجمع الأدلة وتحقيقها وهی سلطة التحقيق أو أن يكون أمام المحكمة أثناء نظر الدعوى. فإذا أنكر الراشي أو الوسيط أمام سلطة التحقيق وأنكر أمام المحكمة فلا يجدي الاعتراف أمام سلطة التحقيق في إعفائه من العقاب، ومعنى ذلك أن الاعتراف أمام سلطة التحقيق لكى ينتج أثره في الإعفاء يجب أن يستمر حتى إقفال باب المرافعة أمام المحكمة المنظورة أمامها الدعوى. فإذا كانت النيابة العامة قد أصدرت أمراً بأن لا وجه لإقامة الدعوى للراشي أو الوسيط الذي اعترف وأحالت الدعوى إلى المحكمة بالنسبة للموظف المرتشي ثم دعي الراشي أو الوسيط للشهادة وأنكر ما سبق وأن أدلى به في اعترافه، فإنه يجوز إلغاء الأمر ورفع الدعوى على الراشي أو الوسيط وعقابه بالعقوبة المقررة لجريمة المرتشي، وذلك متى توافرت شروط الإعفاء.
واعتراف الراشي أو الوسيط يتحقق به مانع العقاب بغض النظر عن قوته كدليل في الإثبات، بمعنى أن امتناع العقاب يتوافر حتى ولو لم تأخذ المحكمة باعتراف الراشي أو الوسيط وأدانت المرتشي استناداً إلى أدلة أخرى، فالاعتراف كمانع للعقاب يؤخذ في الاعتبار كواقعة مادية وليس كدليل للإثبات في واقعة الدعوى.
فهل يمكن أن يستفيد العارض من الإعفاء المقرر للراشي والوسيط إذ ما أخبرا السلطات أو اعترافاً بالجريمة، بمعنى أنه إذا اعترف العارض بالجريمة هل يستفيد من الإعفاء ؟ واضح أن الإجابة بالنفي في القاطعة . فالإعفاء الوارد بالمادة 107 مكرراً هو خاص بالشركاء وليس خاصاً بالفاعل الأصلي . ولما كان العارض في الجريمة التي نحن بصددها هو الفاعل الأصلي فيها فمن العبث التقرير باستفادته من الإعفاء وإلا طبق النص إطلاقاً. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 192)
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً. وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة. ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالا لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.
تكييف فعل كل من الراشي والوسيط
اقتصر المشرع فيما يتعلق بفعل كل من الراشي والوسيط في الرشوة على ما نص عليه في المادة 107 مكرراً من أن : «يعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي... إلخ» والراشي هو صاحب الحاجة الذي يقدم للموظف العام عطية فيأخذها أو يعده بها فيقبل الوعد. فصاحب الحاجة لا يعد راشياً إلا إذا تمت جريمة الموظف العام وهي الرشوة. أما إذا اقتصر الأمر على مجرد عرض الرشوة دون قبولها أو أخذها من الموظف فإن هذا الفعل يكون في ذاته جريمة هي جريمة عرض الرشوة، فاعلها هو عارض الرشوة الذي يعاقب عنها بعقوبة أخف من عقوبة الراشي (المادة 109 مكرراً ع). أما الوسيط في الرشوة فهو الذي يتدخل بين صاحب الحاجة والموظف ممثلاً أحدهما لدى الآخر لإتمام الرشوة فيعاقب بعقوبة جريمة الرشوة إذا تمت بناء على هذه الوساطة المادة 107 مكرراً ع)، أما إذا اقتصر دوره على مجرد عرض أو قبول الوساطة في رشوة ولم يتعد عمله العرض أوالقبول اعتبر العرض أو القبول في ذاته جريمة مستقلة يعاقب عليها بعقوبة أخف من عقوبة الرشوة، هي الجريمة التي نصت عليها المادة 109 مكرراً ثانياً.
ويذهب الرأى الغالب في الفقه إلى اعتبار الراشي والوسيط شريكين في جريمة الرشوة التي يرتكبها الموظف أو من في حكمه إذا تمت، سواء في ذلك أن يتخذ النشاط الإجرامي للموظف صورة الأخذ أو القبول أو الطلب. ويذهب رأي آخر إلى التمييز بين الوسيط والراشي، فالأول يعتبر شريكاً في جريمة الرشوة إذا تمت، أما الراشي فيعتبر فاعلاً مع غيره فيها تطبق عليه أحكام الجريمة المتعددة الفاعل».
وإذا كان الرأي الثاني - في تقديرنا - غير مقبول، فإن الرأي الأول بدوره يتسم بعدم الدقة:
رفض اعتبار الراشي فاعلاً مع غيره :
يقضي التطبيق السليم للقواعد العامة باعتبار الراشي مجرد شريك في جريمة الرشوة ولو ساهم بفعله في جزء من الفعل المكون للركن المادي في الجريمة، ذلك أن المشرع يشترط لتحقق الاعتداء على نزاهة الوظيفة العامة أن يقع فعل الاعتداء من شخص تتوافر فيه صفة معينة هي صفة الموظف العام، إذ لا يتحقق معنى الاعتداء على نزاهة الوظيفة إلا ممن اؤتمن على المحافظة على هذه النزاهة وهو الموظف العام، فإذا ساهم مع الموظف شخص آخر تتخلف لديه هذه الصفة فإنه لا يكون مرتكباً فعلاً تقوم به هذه الجريمة وإنما يعتبر مجرد شريك يستمد إجرامه من إجرام الفاعل الأصلي وبذلك تنتهي إلى رفض الرأي القائل باعتبار الراشي فاعلاً مع الموظف العام في الرشوة.
تحديد حالات الاشتراك في الرشوة :
يعتبر كل من الراشي والوسيط شريكاً في جريمة الموظف العام إذا تمت، ولا صعوبة في الأمر فيما يتعلق بالوسيط، إذ أنه إذا وقعت الجريمة بناء على وساطته يعتبر شريكاً وفقاً للقواعد العامة في الاشتراك في الجريمة حيث يكون نشاطه سابقاً أو معاصراً لارتكاب الرشوة. أما فيما يتعلق بالراشي فالأمر يفتقر إلى بعض الدقة، إذ أن موقف الراشي يتحدد في ضوء الصور الثلاثة التي حددها المشرع للسلوك الإجرامي في جريمة الرشوة: وهي أخذ الموظف العطية التي قدمها إليه الراشي، وقبول الوعد بالعطية الذي وعده به الراشي، وأخيراً طلب الموظف العطية أو الوعد بها الذي تتم به جريمة الرشوة دون توقف على قبول صاحب الحاجة لهذا الطلب. في الصورتين الأولى والثانية يعتبر فعل الراشي اشتراك في جريمة الرشوة لأنه يكون سابقاً أو معاصراً للفعل المكون لهذه الجريمة. أما في الصورة الثالثة فإن جريمة الرشوة تقع من الموظف العام بمجرد طلبة الرشوة من صاحب الحاجة ودون توقف على قبوله أو عدم قبوله، فإذا قبل الطلب فقدم العطية أو الوعد بها للموظف، كان هذا الفعل الصادر من صاحب الحاجة لاحقا على تمام الجريمة فتأبي القواعد العامة اعتباره اشتراكاً فيها. هذا التحديد الوضع صاحب الحاجة يفرض علينا القول بأن لفظ الراشي كشريك في جريمة الرشوة لا يصدق إلا على صاحب الحاجة في حالتي أخذ الموظف العطية وقبوله الوعد بها، حيث يكون نشاط الراشي معاصراً أو سابقاً علی وقوع الفعل المادي المكون للجريمة، ولكنه لا يصدق عليه في حالة طلب الموظف العطية أو الوعد بها، لأن نشاطه حينئذ - فيما لو قبل الطلب - يعتبر لاحقاً على تمام الجريمة فلا يعد اشتراكاً فيها، وبالتالي لا توقع عليه العقوبة. ومن البديهي أنه إذا لم يقبل الطلب فإنه لا مسئولية عليه بغير جدال.
قد يقال - درءاً لهذه النتيجة - بأن فعل صاحب الحاجة في هذا الفرض يعتبر جريمة خاصة فيدخل في نطاق النص ويخضع لعقوبة الرشوة بهذه الصفة، إذ أن النص قد قرر معاقبة الراشي والوسيط بعقوبة الرشوة، دون أن يكيف فعلهما بأنه اشتراك في الجريمة. وهذا الحل بدوره غير مقبول إذ يتعارض مع المنطق القانوني وروح التشريع، ذلك أن العقوبة التي توقع على الراشي، إذا أخذنا بهذا الحل، هي السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به، وهي عقوبة أشد من العقوبة التي توقع عليه لو كان قد عرض الرشوة على الموظف العام فلم تقبل منه إذ يقرر المشرع الجريمة عرض الرشوة عقوبة السجن والغرامة التي لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه (المادة 109 مكرراً ع). ويأبى المنطق القانوني أن تكون عقوبة من يتخذ المبادرة بعرض الرشوة ابتداء أخف من عقوبة من يستجيب لطلب من الموظف العام، إذ أن نشاط الفاعل في الحالة الأولى، بما فيه من إغراء العرض، يمثل خطورة أكبر من خطورة الاستجابة للطلب. يؤيد ذلك النهج الذي سار عليه المشرع نفسه فی ذات باب الرشوة، حيث عاقب الموظف في حالة قبوله مكافأة لاحقة على أدائه عملاً من أعمال وظيفته أو امتناعه عن أداء عمل من أعمالها أو إخلاله بواجباتها، وبغير اتفاق سابق، بعقوبة أخف (المادة 105 ع) منها في حالة طلب ذلك (المادة 104 ع)، إذ يعتبر ذلك تسليماً من المشرع يكون القبول أقل خطورة من العرض أو الطلب أي من اتخاذ المبادرة.
نخلص من هذا التحليل إلى القول بأن فعل صاحب الحاجة الذي يستجيب لطلب الرشوة من الموظف العام فيقدم له العطية أو يعده بذلك بعد الطلب أي بعد تمام جريمة الرشوة لا يجوز اعتباره اشتراكاً، كما لا يعتبر جريمة خاصة، وبالتالي لا يدخل في نطاق التجريم، وإذا كان من الملائم أن يعاقب على هذا الفعل فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا بتدخل تشريعي يقرر له عقوبة أقل شدة من عقوبة الرشوة، سواء بنص خاص أو بإضافة هذا الفعل إلى نص المادة 109 مكرراً الذي يعاقب عن جريمة عرض الرشوة ليصبح في الصورة الآتية: «من عرض رشوة ولم تقبل منه «أو قبل تقديم رشوة طلبت منه» يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد عن ألف جنيه وذلك إذا كان العرض حاصلاً للموظف العام أو كان الطلب مقدماً منه... إلخ».
قصد الاشتراك في الرشوة:
يتحقق القصد الجنائي لدى الشريك في جريمة الرشوة، سواء أكان راشياً أو وسيطا، إذا توافر لديه العلم بصفة الموظف العام، والاعتقاد باختصاصه بالعمل المطلوب منه، واتجهت إرادته إلى حمل الموظف العام على القيام بما طلب منه كثمن للعطية أو الوعد. وبناء على ذلك ينتفي القصد الجنائي لدى الشريك إذا كان يجهل صفة الموظف، أو كان يجهل أن الموظف مختص بالعمل، ولكن قدم له العطية بنية حمله على التوسط لدى المختص. كما ينتفى القصد إذا كان قد قدم العطية على سبيل الهدية البريئة أو سداداً لدين عليه للموظف، دون أن يكون ذلك لحمله على القيام بالعمل المطلوب.
على أن انتفاء القصد لدى الشريك لا يؤثر في مسئولية الموظف أو الشريك الآخر إذ يسأل كل منهما وفقاً للقصد الذي توافر لديه.
إعفاء الراشي والوسيط من العقوبة:
نصت المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات على سببين لامتناع عقاب كل من الراشي والوسيط عن جريمة الرشوة كوسيلة لمعاونة السلطات على إثبات الجريمة. هذان السببان هما إخبار السلطات بالجريمة، والاعتراف بها.
أولاً : اخبار السلطات بالجريمة الإخبار يعني الإبلاغ عن الجريمة، ويفترض الإخبار أن الجريمة لم تكشف بعد فيكون للتبليغ عنها فضل كشفها للسلطات، فإذا ساهم في الجريمة شخصان وأبلغا عن الجريمة في وقت واحد تحقق لكل منهما سبب الاعفاء أما إذا أبلغ أحد المساهمين عن الجريمة فإنه يستفيد. وحده من الإعفاء، فإذا أبلغ مساهم آخر بعد ذلك كان إخباره غير ذي قيمة لأنه تم بعد اكتشاف الجريمة فلا يستفيد من الإعفاء إلا إذا تحقق السبب الثاني وهو الاعتراف بالجريمة.
ثانياً- الاعتراف، الاعتراف هو الإقرار بالإشتراك في الجريمة، والفرض في حالة الاعتراف أن الجريمة قد وصل أمرها إلى علم السلطات، فتكون فائدة الاعتراف تسهيل وضع يد السلطات على أدلة الجريمة. ولا يحقق الاعتراف، أثره إلا إذا كان مفصلاً ومتفقاً مع الحقيقة بحيث يكون صادراً عن نية مساعدة السلطات، ومن هنا كانت جدارة صاحبه بالإعفاء، أما إذا كان الاعتراف موجزاً أو مخالفا للحقيقة ولو في بعض الجزئيات، بحيث كان صادراً عن نية تضليل السلطات لا معاونتها فإنه لا يترتب عليه الإعفاء. على أن المقصود بذلك أن يكون الاعتراف مطابقاً للحقيقة في الحدود التي يحيط بها علم الجاني، فلا يحول دون التمتع بالإعفاء أن يغفل المعترف بعض الحقائق التي يجهلها إذ لا إلزام إلا بمستطاع. ولا يتحقق أثر الاعتراف إلا إذا تم أمام محكمة الموضوع وقبل إقفال باب المرافعة، يستوى في ذلك أن يكون الجاني قد اعترف بالجريمة أمام سلطة التحقيق أم أنكرها، طالما أنه أصر على الاعتراف أمام المحكمة أو عدل عن الإنكار واعترف بالجريمة أما إذا كان قد اعترف أمام سلطة التحقيق ثم أنكر أمام المحكمة فإنه لا يستفيد من الإعفاء، حيث يضعف هذا الإنكار من قوة الدليل مما لا يتفق مع حكمة الاعفاء وقد مالت بعض أحكام القضاء إلى هذا الرأي.
أما الاتجاه القضائي الآخر فيعتد بالاعتراف ولو كان قد تم أمام سلطة التحقيق، بل ولو عدل عنه الجاني بعد ذلك أمام المحكمة، بل إنه يعتد بإقرار الجاني أمام سلطة جمع الاستدلالات ولو عدل عنه بعد ذلك.
نطاق الإعفاء:
يلاحظ أن الإعفاء مقصور على الراشي والوسيط دون الموظف المرتشي ويعتبر ذلك مظهراً لتشدد المشرع قبل الموظف باعتباره – وقد خان أمانة الوظيفة - أشد إجراماً من الراشي والوسيط .
كذلك يقتصر نطاق الإعفاء على العقوبة السالبة للحرية والغرامة فلا يمتد إلى المصادرة، إذ أن حيازة مقابل الرشوة يخالف النظام العام
الركن المعنوي في جريمة الرشوة
قصد المرتشي:
جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري: العلم والإرادة.
العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالما بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقداً أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .
الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.
هل يشترط قصد خاص في الرشوة :
ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.
معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:
من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك.
نطاق الإعفاء:
يلاحظ أن الإعفاء مقصور على الراشي والوسيط دون الموظف المرتشي ويعتبر ذلك مظهراً لتشدد المشرع قبل الموظف باعتباره – وقد خان أمانة الوظيفة - أشد إجراماً من الراشي والوسيط .
كذلك يقتصر نطاق الإعفاء على العقوبة السالبة للحرية والغرامة فلا يمتد إلى المصادرة، إذ أن حيازة مقابل الرشوة يخالف النظام العام .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 37)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282
الرِّشْوَةُ :
هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 188 ، 189 ، 190
(مادة 369)
يعاقب الراشي والوسيط بعقوبة المرتشي، ويعفى كل منهما من العقوبة، إذا أخبر السلطة العامة بالجريمة قبل علمها بها.
(مادة 374)
يحكم على الجاني في جميع الأحوال المبينة في المواد السابقة بغرامة تساوي قيمة ما طلب أو قبل أو وعد به أو عرض، على ألا تقل عن مائتي جنيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 219
رِشْوَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.
- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.
- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.
- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ
- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً
- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.
- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ
- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.
وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.
قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.
وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.
وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُصَانَعَةُ:
الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:
أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.
وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.
لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.
ج - الْهَدِيَّةُ:
مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -
يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.
وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.
د - الْهِبَةُ:
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.
قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.
وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.
وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.
و - الصَّدَقَةُ:
مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.
أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:
الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.
ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.
د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:
أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.
يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).
ب - الْعُمَّالُ:
وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ج - الْقَاضِي:
وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.
قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.
وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).
د - الْمُفْتِي:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.
هـ - الْمُدَرِّسُ:
إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.
و - الشَّاهِدُ:
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:
أ - الْحَاجُّ:
لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:
يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.
ج - الْقَاضِي:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ
الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.
حُكْمُ الْقَاضِي:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.
وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.
قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.
وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.
انْعِزَالُ الْقَاضِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَثَرُ الرِّشْوَةِ:
أ - فِي التَّعْزِيرِ:
هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.
انْظُرْ: تَعْزِير.
ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.
ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:
صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.
د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:
إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.