loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- إن جريمة الرشوة قد أثمها القانون لكونها صورة من صور اتجار الموظف بوظيفته وإخلاله بواجب الأمانة التي عهد بها إليه. ولما كان الراشي هو أحد أطراف هذه الجريمة يساهم فيها بتقديم الرشوة إلى الموظف لكي يقوم أو يمتنع عن القيام بعمل من أعمال وظيفته فإنه لا يصح أن يترتب له حق فى المطالبة بتعويض عن جريمة ساهم هو فى ارتكابها. ولا يؤثر فى ذلك ما نص عليه القانون من إعفاء الراشي والمتوسط إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها. وإذن فالحكم للراشي الذي أعفاه القانون من العقاب بتعويض مدني وبمبلغ الرشوة الذي قدمه يكون مجانباً للصواب متعيناً نقضه.

(الطعن رقم 434 لسنة 21 جلسة 1951/12/25 س 3 ع 1 ص 324 ق 125)

2- إن القانون قد نص فى المادة 108 من قانون العقوبات على أن "من رشا موظفاً والموظف الذي يرتشي ومن يتوسط بين الراشي والمرتشي يعاقبون بالسجن ويحكم على كل منهم بغرامة تساوي قيمة ما أعطى أو وعد به". وإذن فالغرامة الواجب الحكم بها على مقتضى صريح النص هي غرامة نسبية تحدد حسب مقدار ما استولى عليه كل من المرتشين .

(الطعن رقم 434 لسنة 21 جلسة 1951/12/25 س 3 ع 1 ص 324 ق 125)

(الطعن رقم 1078 لسنة 53 جلسة 1983/05/30 س 34 ص 700 ق 141)

2- انتحال الوظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعتبر تداخلاً فيها إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها وهو يتحقق بالاحتيال والمظاهر الخارجية التى يكون من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفة الجاني وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولو لم يقم بعمل من أعمالها . وكان من المقرر كذلك أن عناصر الركن المادى لجريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات هى التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية إذ يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أنه يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجيب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانة رئاسية أم اجتماعية أم سياسية وهو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع . وأن تكون الغاية من هذا التذرع الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لإشرافها على مزية أياً كانت شريطة أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق ، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً متى توافرت أركانها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التداخل فى وظيفة عمومية لمجرد انتحاله صفة رئيس نيابة دون أن يستظهر الأعمال الإيجابية التى صدرت من الطاعن والتى تعتبر افتئاتاً على الوظيفة أو يبين ما أتاه الطاعن من احتيال ومظاهر خارجية من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفته وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولم يستظهر كذلك عنصرى التذرع بالنفوذ والسبب لجريمة الاتجار بالنفوذ فإنه يكون مشوباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم. (الطعن رقم 30615 لسنة 72 جلسة 2003/07/21 س 54 ص 796 ق 105)

3- استهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المساءلة حتى ولو كان النفوذ مزعوماً. والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات. وذلك على اعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة وإنما ظرف مشدد للعقوبة.

(الطعن رقم 59 لسنة 38 جلسة 1968/02/19 س 19 ع 1 ص 238 ق 43)

4- متى كانت الجريمة التي رفعت بها الدعوى على المتهم وجرت المحاكمة على أساسها هي الجريمة المعاقب عليها بالمادة 106 مكرراً من قانون العقوبات، والخاصة باستغلال النفوذ وهي تختلف فى أركانها وعناصرها القانونية عن جريمة الرشوة - القائمة على الاتجار بالوظيفة - التي دانته المحكمة بها بمقتضى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وكان التغيير الذي أجرته المحكمة فى التهمة على النحو المتقدم ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها إسباغاً للوصف القانوني الصحيح لتلك الأفعال، وإنما هو فى حقيقته تعديل فى التهمة ذاتها يتضمن إسناد عنصر جديد إلى الواقعة التي وردت فى أمر الإحالة هو الاتجار بالوظيفة على النحو الوارد فى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وهو تغيير لا تملك المحكمة إجراءه إلا فى أثناء المحاكمة وقبل الحكم فى الدعوى ويشترط تنبيه المتهم إليه ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية.

(الطعن رقم 1606 لسنة 38 جلسة 1968/10/07 س 19 ع 3 ص 807 ق 158)

5- لا جدوى مما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من أى دليل على أنه زعم أن له إختصاصا بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله ، ذلك بأن ما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى تتوافر به عناصر الجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و لئن أخطأ الحكم فى تطبيقه المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، إلا أن العقوبة التى قضى بها تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الشأن .

(الطعن رقم 1704 لسنة 39 جلسة 1971/11/01 س 21 ع 1 ص 49 ق 11)

6- إستهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و على ما جرى به قضاء محكمة النقض ، التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعزم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة ، و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية ، فإن كان موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات ، و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً من القانون المذكور ، و إذ كان ما تقدم و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .

(الطعن رقم 1131 لسنة 40 جلسة 1970/10/26 س 21 ع 3 ص 1020 ق 244)

7- إن الشارع قد إستهدف بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أيه سلطة عامة - و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً . و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية . فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، و ذلك على إعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة و إنما ظرف مشدد للعقوبة .

(الطعن رقم 209 لسنة 58 جلسة 1988/12/06 س 39 ع 1 ص 1227 ق 190)

8- عناصر الركن المادى للواقعة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات الخاصة بإستعمال نفوذ حقيقى أو مزعوم للحصول أو محاولة الحصول على حكم أو قرار ، هو التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أن يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانه رياسية أو إجتماعية أو سياسية و هو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع.

(الطعن رقم 3286 لسنة 54 جلسة 1985/11/21 س 36 ص 1035 ق 189)

شرح خبراء القانون

إعمالاً لهذا النص يعفي الراشي والوسيط من العقوبة في حالتين :

الأولى: أن يبادر بأخبار الحكومة بوجود الاتفاق الجنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع الجريمة المتفق عليها وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة فلا يكفي مجرد الأخبار عن الاتفاق بل يجب الإخبار عمن يعرفهم المبلغ ممن ساهموا فيه.

والثانية: أن يخبر الحكومة بالاتفاق قبل وقوع الجريمة المتفق عليها ولكن بعد البحث والتفتيش عن الجناة فيكون الإعفاء مقابل لخدمة جدية يؤديها الراشي أو الوسيط بأن يعين الحكومة ويد لها على الوسائل التي توصل فعلاً إلى ضبط من يعرفهم من الجناة .

ويلاحظ هنا أنه لا يشترط لتوقيع العقوبة الأشد الخاصة بالجريمة المتعلقة بها الرشوة أن تقع هذه الجريمة بالفعل فالموظف الذي طلب أن يقبل أو يأخذ وعداً أو عطية نظير إفشاء أسرار عسكرية إلى دولة أجنبية أو التوصل للحصول عليها بقصد إفشائها وهذا الإفشاء لها أو التوصل إلى الحصول عليها جناية يعاقب عليها بالإعدام طبقاً للمادة 80 عقوبات يعاقب بالإعدام ولو لم يحدث منه الإنشاء أو التوصل بالفعل وقد تكون هذه النتيجة مستساغة إذا كان تنفيذ الجريمة المتفق عليها قد امتنع لسبب لا دخل لإرادة المرتشي فيه ولم يصدر منه ولا من الراشي أو الوسيط دلائل قوية تبرر أخذهم بالرأفة غير أن تلك النتيجة لا تخلو من مغالاة ظاهره إذ الغرض الذي يمتنع فيه تنفيذ الجريمة المتفق عليها بإرادة المرتشي نفسه وقد يكون امتناعه من تنفيذها برد العطية التي أخذها توبة منه عن الرشوة وتلبية لنداء ضميره وهو رد لا يمحو الرشوة وقد تحققت بتوافر أركانها فتطبيق العقوبة الأشد المقررة للجريمة التي لم تقع ربما يكون في هذا الغرض مستساغا بالنسبة للراشي أو الوسيط ولكنه لا يبدو بحال ما سائغا بالنسبة للمرتشي التائب.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 249)

يتضح من هذا النص أن المشرع ينص على صورة خاصة لجريمة الرشوة، وخصوصية هذه الصورة تظهرها الأحكام التي تخضع لها، وهي أحكام خرج بها المشرع على القواعد العامة في القانون الجنائي، وعلى القواعد التي قررها لجريمة الرشوة ذاتها.

فمن ناحية نجد أن الصورة المشددة لجريمة الرشوة تخرج على الأحكام العامة في جريمة الرشوة من حيث نوع القصد المتطلب لقيامها، فالصورة المشددة لا تتحقق إلا إذا كان هدف الجناة يتمثل في تحقيق غرض إجرامي معين غير العمل الوظيفي الذي تقوم به الرشوة البسيطة، هذا الغرض الإجرامي يتمثل في ارتكاب فعل من الأفعال التي يعاقب عليها القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة ويعني ذلك ضرورة أن تتجه إرادة أطراف الرشوة إلى تحقيق هذا الغرض، الذي لا يدخل في ماديات الرشوة وهو ما يجعل الرشوة في هذه الصورة المشددة من جرائم القصد الخاص على خلاف الرشوة في صورتها البسيطة .

لكن القانون لا يتطلب لتشديد العقوبة أن ينفذ الفعل المستهدف من الرشوة، بل يكفي أن يكون الفعل هو الغرض الذي يهدف إليه الجناة، ولو لم يتحقق لهم هذا الغرض بمجرد إتجاه الإرادة إلى هذا الغرض يكفي لتشديد العقوبة، سواء تم إرتكاب الفعل أم لا، وأياً كان سبب عدم التنفيذ .

ومن ناحية أخرى، ترتكب الرشوة المشددة تامة بمجرد طلب المقابل أو أخذه أو قبول الوعد به، طالما كان الغرض من ذلك هو ارتكاب الفعل الذي يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد، وترتيباً على ذلك لا يؤثر الدول الاختياري عن تحقيق الغرض المستهدف من الرشوة في قيام جريمة الرشوة في صورتها المشددة لأن العدول في هذه الحالة يكون عدولاً لاحقاً على تمام الجريمة، ومن ثم يحول دون تمامها واستحقاق العقاب المشدد المقرر لها.

وننوه إلى أن المشرع قرر تطبيق قواعد الإعفاء الذي قررته المادة (48) من قانون العقوبات في فقرتها الأخيرة والخاصة بالاتفاق الجنائي ونرى عدم التعرض لهذا الإعفاء حيث أنه قد حكم بعدم دستورية نص المادة (48) من قانون العقوبات بموجب الحكم الصادر من محكمتنا الدستورية العليا المنشور بالجريدة الرسمية العدد 24 بتاريخ 2001/6/14 .

 والحقيقة أن المشرع قد تشدد بصدد هذه الصورة الخاصة من الرشوة، وهو تشدد له ما يبرره بالنظر إلى خطورة الجريمة في هذا الغرض، فالأمر لا يقتصر على مجرد تلقي مقابل للقيام بعمل وظيفي أو للإخلال بواجبات الوظيفة أو لارتكاب جريمة أياً كانت، بل إن الغرض من الرشوة هو ارتكاب جريمة بالغة الخطورة، بدليل أن العقوبة المقررة لها أشد من عقوبة الرشوة البسيطة التي هي "الأشغال الشاقة المؤبدة".

ويعني ذلك أن الجريمة المستهدفة من الرشوة هي جريمة يقرر لها القانون عقوبة الإعدام، ويمكن أن نتصور مثالاً للرشوة المشددة عندما يكون طلب المقابل أو أخذه أو قبول الوعد به بغرض ارتكاب جريمة من جرائم الاعتداء على أمن الدولة من جهة الخارج، مثل جريمة ارتكاب فعل يؤدي إلى المساس باستقلال البلاد أو وحدته أو سلامة أراضيها (مادة 77 عقوبات) أو جريمة التخابر مع دولة أجنبية أو مع أحد مما يعملون لمصلحتها للقيام بأعمال عدائية ضد مصر (مادة 77 "ب" عقوبات). ففي هذه الأحوال تكون عقوبة الجريمة التي هي الغرض من الرشوة الإعدام، فتوقع هذه العقوبة كعقوبة أصلية على الراشي والمرتشي والوسيط، ولو لم تقع الجريمة المستهدفة التي تم الاتفاق عليها، هذا بالإضافة إلى عقوبة الغرامة المقررة للرشوة باعتبارها عقوبة تكميلية وجوبية. ويحكم كذلك بالمصادرة وجوباً، لأن المادة (110) عقوبات تقرر مصادرة ما يدفع على سبيل الرشوة في جميع الأحوال ومنها الحالة التي قررتها المادة التي نحن بصددها.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 348)

نصت على هذا السبب للتشديد المادة 108 من قانون العقوبات في قولها « إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة فيعاقب الراشي والمرتشي والوسيط بالعقوبة المقررة لذلك الفعل مع الغرامة المقررة للرشوة . ويعفى الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من هذا القانون .

هذا السبب للتشديد ذو طبيعة نفسية ، إذ يقوم بمجرد إستهداف غرض إجرامي معين من الرشوة فمجرد اتجاه الإرادة إلى هذا الغرض كاف للتشديد، ولا يشترط تنفيذه فعلاً، بل إن استحالة ذلك التنفيذ، سواء الأسباب كانت قائمة وقت الرشوة ولكن مجهولة من أطرافها كلهم أو بعضهم، أو لأسباب طرأت بعد الرشوة لا يحول دون توافر هذا الظرف المشدد. ويمكن بذلك القول بأن هذه الرشوة المشددة تفترض قصداً خاصاً بإعتبار أنها تتطلب إتجاه الإرادة إلى فعل إجرامي ليس في ذاته من ماديات الرشوة .

وعلة التشديد الخطورة البالغة لهذه الرشوة : فهي ليست مجرد هدية تلقاها الموظف أو مجرد عزم على الإخلال بواجبات الوظيفة أو ارتكاب جريمة أيا كانت ، وإنما ثمة عزم على ارتكاب جريمة بالغة الخطورة والمجال المتصور لهذه الرشوة المشددة هو أن يكون الغرض منها ارتكاب جريمة يعاقب عليها بالإعدام ، فتكون هذه العقوبة هي التي يقررها القانون للرشوة ذاتها وتوقع عقوبة الغرامة بالإضافة إلى ذلك ، باعتبارها العقوبة التكميلية للرشوة .

وترتكب الرشوة المشددة بمجرد أخذ المقابل أو قبول الوعد به أو طلبه . ولا يحول دون توقيع العقوبة المشددة عدول الجناة باختيارهم عن الغرض الإجرامي الذي استهدفوه بالرشوة ، ذلك أنه عدول لاحق على تمام الجريمة ، ومجرد تبعا لذلك من الأثر وحين تتخذ الرشوة صورة الأخذ والقبول فهي تقترن باتفاق جنائی موضوعه ذلك الفعل الإجرامي المستهدف بالرشوة، أما إذا اتخذت الرشوة المشددة صورة طلب الموظف الذي رفض طلبه، فهي تقوم متجردة عن الإتفاق الجنائي .

والقواعد التي أخضع لها القانون هذه الرشوة المشددة تشذ علی القواعد العامة ، بل إنها تشذ على قواعد الرشوة ، وخاصة من حيث أحكام امتناع العقاب : فالجناة توقع عليهم عقوبة جريمة لم يرتكبوها لمجرد عقدهم العزم عليها أو اتجاه نية شخص واحد إليها . وتمثل هذه القواعد شذوذا على أحكام تعدد الجرائم ، فتوقيع عقوبة الجريمة الأشد من بين الجرائم المرتبطة وحدة الغرض منوط بتنفيذها تنفيذاً كاملاً، والفرض في هذه الحالة أنها لم تنفذ. وحين تجتمع الرشوة والإتفاق الجنائي على الجريمة ذات العقوبة الأشد، فإن القواعد العامة تقضي بتوقيع العقوبة الأشد من بين عقوبتي الرشوة والاتفاق، ولكن الشارع يستبعدهما معا ويقرر توقيع عقوبة الجريمة التي استهدفتها الرشوة . وقد خرج الشارع في هذه الرشوة على أحكام الإعفاء الخاصة بالرشوة كما حددتها المادة 107 مكرراً من قانون العقوبات ، تستبعدها وأحل محلها قواعد الإعفاء الخاصة بالاتفاق الجنائي كما حددتها الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات، ويقضي هذا النص بأن « يعفى من العقوبات المقررة في هذه المادة كل من بادر من الجناة بأخبار الحكومة بوجود اتفاق جنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع أية جناية أو جنحة وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة . فإذا حصل الإخبار بعد البحث والتفتيش تعين أن يوصل الإخبار فعلاً إلى ضبط الجناة الآخرين .

والإستفادة من هذا الإعفاء مقتصرة على الراشي والوسيط ، فلا يستفيد منه المرتشي وترى أن مجال تطبيقه هو حيث تقترن الرشوة المشددة بالإتفاق الجنائي، وموضع ذلك أن تتخذ الرشوة صورة الأخذ أو القبول، أما إذا تجردت من الإتفاق الجنائي فاتخذت صورة الطلب الذي أعقبه الرفض فلا مجال في الأصل للإعفاء باعتبار أن لدينا مجرما واحدا هو المرتشي، وهو مستبعد من نطاق الإعفاء من العقاب؛ ولكن من المتصور وجود وسيط من قبل المرتشي (فرد يطلب الرشوة لحساب الموظف بغرض إرتكاب الجريمة ذات العقوبة الأشد)، ونعتقد أن هذا الوسيط يمكن أن يستفيد من الإعفاء بالإخبار أو الإعتراف تطبيقاً للمادة 107 مكرراً من قانون العقوبات . والإعفاء الذي تقرره الفقرة الأخيرة من المادة 48 من قانون العقوبات يقوم في إحدى حالتين : الإخبار قبل البحث والتفتيش من قبل السلطات العامة ، والإخبار بعد البحث والتفتيش من قبل هذه السلطات . في الحالة الأولى يتعين أن يكون الإخبار قبل ارتكاب أية جناية أو جنحة وأن يكون كذلك سابقاً على بحث السلطات العامة عن أطراف الاتفاق، ويتعين أن يكون إخباراً صادقاً مفصلاً. أما الحالة الثانية فتفترض أن أمر الإتفاق لم يعد مجهولاً للسلطات التي اتخذت بالفعل إجراءات البحث والتفتيش ، ولذلك لا يستفيد المتهم من الإعفاء إلا إذا أوصل إخباره فعلاً إلى ضبط الجناة الآخرين، وتفترض هذه الحالة كذلك سبق الإخبار على إرتكاب أية جناية أو جنحة. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية،  الصفحة:   58)

ولذلك قرر المشرع لهذه الجريمة المركبة عقوبة أشد من الرشوة وأشد من الاتفاق الجنائي إذا كانت عقوبة الجريمة موضوع الاتفاق أشد من عقوبة الرشوة. وعليه ف إن عقوبة الرشوة في مثل تلك الفروض تكون هي عقوبة الجريمة موضوع الاتفاق ولا يلزم ارتكاب الجريمة أو الشروع في ارتكابها، بل يكفي التطبيق عقوبتها ، أن كانت أشد من الرشوة، أن يمثل ارتكابها الغرض من الرشوة.

ونظراً لأن التشديد يتعلق بفروض الجريمة المركبة فهو لا يسرى إلا بالنسبة لجريمة الرشوة التي تقوم على تلاقي الإرادات بين الراشي والمرتشي والوسيط أن وجد ، ولذلك فالتشديد لا يسري في حالة الطلب غير المتبوع بأثر ، كما لا يسري في حالة عرض رشوة دون قبولها كما سنرى. "

وإلى جانب الحكم بالعقوبة المشددة ، فإنه يحكم أيضاً بالغرامة النسبية المضاعفة ، باعتبار أن الرشوة بغرض ارتكاب جريمة هى للإخلال بواجبات الوظيفة ، كما يحكم أيضاً بالمصادرة الوجوبية.

وغني عن البيان أن التشديد المنصوص عليه بالمادة 108 يسرى أيضاً في حالات الرشوة اللاحقة للاتفاق على الامتناع أو على الإخلال بواجبات الوظيفة والمعاقب عليها تطبيقاً للمادة 104 عقوبات.

هل إذا كان الغرض من العرض ارتكاب فعلى يعاقب عليه بعقوبة أشد من الرشوة فهل تشديد العقوبة ونطبق على العارض العقوبة المقررة لذلك الفعل ؟

نعتقد انه لا مجال للتطبيق هذا التشديد الوارد بالمادة 108 ذلك أن الظاهر من النص أن التشديد مقصود به المرتشي وتطبيقه على الراشي والوسيط إنما هو تطبيق القواعد العامة في الاشتراك والدليل على ذلك أن المشرع نص بذات المادة على إعفاء الراشي والوسيط أيضاً إذا ما اعترفاً أو أخبرا السلطات ، هذا فضلاً عن أن المادة المذكورة تفترض أن جريمة الرشوة قد وقعت تامة أما بالطلب أو القبول أو الأخذ، أما جريمة العرض فهي مجرد تحريض على رشوة وبالتالي ليس لها خطورة الرشوة التامة التي من أجلها نص المشرع على التشديد.

وفي جميع الأحوال يحكم بالمصادر كعقوبة تكميلية وجوبية طبقاً للمادة 110 عقوبات.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول،  الصفحة:  190)

الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:

العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً. وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة. ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.

وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.

 وتقضى المادة 108 بأنه إذا كان الغرض من الرشوة ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد من العقوبة المقررة للرشوة يعفي الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة طبقاً لنص الفقرة الأخيرة من المادة 48 من هذا القانون والمادة 48 المتعلقة بالاتفاق الجنائي تقضي في فقرتها الأخيرة بإعفاء الجاني - الراشي أو الوسيط دون الموظف المرتشي -- من العقوبة في حالتين:

الأولى: إذا بادر بإخبار الحكومة بالاتفاق الجنائي وبمن اشتركوا فيه قبل وقوع الجريمة موضوع الاتفاق وقبل بحث وتفتيش الحكومة عن أولئك الجناة. فالمشرع هنا لا يكتفي بالإبلاغ عن الاتفاق وإنما يتطلب فضلاً عن ذلك الإخبار عمن يعرفهم الجاني ممن اشتركوا فيه، على أن يكون ذلك قبل أن تتولى الحكومة البحث والتفتيش عن الجناة.

الثانية: إذا أخبر الجاني الحكومة بالاتفاق الجنائي قبل وقوع الجريمة موضوع الاتفاق، ولكن بعد البحث والتفتيش بشرط أن يؤدي الإخبار إلى ضبط الجناة الآخرين.

ثانياً- الاعتراف، الاعتراف هو الإقرار بالإشتراك في الجريمة، والفرض في حالة الاعتراف أن الجريمة قد وصل أمرها إلى علم السلطات، فتكون فائدة الاعتراف تسهيل وضع يد السلطات على أدلة الجريمة. ولا يحقق الاعتراف، أثره إلا إذا كان مفصلاً ومتفقاً مع الحقيقة بحيث يكون صادراً عن نية مساعدة السلطات، ومن هنا كانت جدارة صاحبه بالإعفاء، أما إذا كان الاعتراف موجزاً أو مخالفاً للحقيقة ولو في بعض الجزئيات، بحيث كان صادراً عن نية تضليل السلطات لا معاونتها فإنه لا يترتب عليه الإعفاء. على أن المقصود بذلك أن يكون الاعتراف مطابقاً للحقيقة في الحدود التي يحيط بها علم الجاني، فلا يحول دون التمتع بالإعفاء أن يغفل المعترف بعض الحقائق التي يجهلها إذ لا إلزام إلا بمستطاع. ولا يتحقق أثر الاعتراف إلا إذا تم أمام محكمة الموضوع وقبل إقفال باب المرافعة، يستوى في ذلك أن يكون الجاني قد اعترف بالجريمة أمام سلطة التحقيق أم أنكرها، طالما أنه أصر على الاعتراف أمام المحكمة أو عدل عن الإنكار واعترف بالجريمة. أما إذا كان قد اعترف أمام سلطة التحقيق ثم أنكر أمام المحكمة فإنه لا يستفيد من الإعفاء، حيث يضعف هذا الإنكار من قوة الدليل مما لا يتفق مع حكمة الاعفاء وقد مالت بعض أحكام القضاء إلى هذا  الرأي.

أما الاتجاه القضائي الآخر فيعتد بالاعتراف ولو كان قد تم أمام سلطة التحقيق، بل ولو عدل عنه الجاني بعد ذلك أمام المحكمة ، بل إنه يعتد بإقرار الجاني أمام سلطة جمع الاستدلالات ولو عدل عنه بعد ذلك 

الركن المعنوي في جريمة الرشوة

قصد المرتشي:

جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري: العلم والإرادة.

العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالماً بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقداً أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .

الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.

هل يشترط قصد خاص في الرشوة

ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.

  معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:

من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك.

موضوع الاتفاق، ولكن بعد البحث والتفتيش بشرط أن يؤدي الإخبار إلى ضبط الجناة الآخرين.

ثانياً- الاعتراف، الاعتراف هو الإقرار بالإشتراك في الجريمة، والفرض في حالة الاعتراف أن الجريمة قد وصل أمرها إلى علم السلطات، فتكون فائدة الاعتراف تسهيل وضع يد السلطات على أدلة الجريمة. ولا يحقق الاعتراف، أثره إلا إذا كان مفصلاً ومتفقاً مع الحقيقة بحيث يكون صادراً عن نية مساعدة السلطات، ومن هنا كانت جدارة صاحبه بالإعفاء، أما إذا كان الاعتراف موجزاً أو مخالفاً للحقيقة ولو في بعض الجزئيات، بحيث كان صادراً عن نية تضليل السلطات لا معاونتها فإنه لا يترتب عليه الإعفاء. على أن المقصود بذلك أن يكون الاعتراف مطابقاً للحقيقة في الحدود التي يحيط بها علم الجاني، فلا يحول دون التمتع بالإعفاء أن يغفل المعترف بعض الحقائق التي يجهلها إذ لا إلزام إلا بمستطاع. ولا يتحقق أثر الاعتراف إلا إذا تم أمام محكمة الموضوع وقبل إقفال باب المرافعة، يستوى في ذلك أن يكون الجاني قد اعترف بالجريمة أمام سلطة التحقيق أم أنكرها، طالما أنه أصر على الاعتراف أمام المحكمة أو عدل عن الإنكار واعترف بالجريمة. أما إذا كان قد اعترف أمام سلطة التحقيق ثم أنكر أمام المحكمة فإنه لا يستفيد من الإعفاء، حيث يضعف هذا الإنكار من قوة الدليل مما لا يتفق مع حكمة الاعفاء وقد مالت بعض أحكام القضاء إلى هذا  الرأي .

أما الاتجاه القضائي الآخر فيعتد بالاعتراف ولو كان قد تم أمام سلطة التحقيق، بل ولو عدل عنه الجاني بعد ذلك أمام المحكمة، بل إنه يعتد بإقرار الجاني أمام سلطة جمع الاستدلالات ولو عدل عنه بعد ذلك.

نطاق الإعفاء:

يلاحظ أن الإعفاء مقصور على الراشي والوسيط دون الموظف المرتشي ويعتبر ذلك مظهراً لتشدد المشرع قبل الموظف باعتباره – وقد خان أمانة الوظيفة - أشد إجراماً من الراشي والوسيط .

كذلك يقتصر نطاق الإعفاء على العقوبة السالبة للحرية والغرامة فلا يمتد إلى المصادرة، إذ أن حيازة مقابل الرشوة يخالف النظام العام .(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية،  الصفحة:   37)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282

الرِّشْوَةُ :

هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)  وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 189 ، 190   

(مادة 370) 

إذا كان الغرض من الرشوة إرتكاب جريمة يعاقب عليها القانون بعقوبة أشد من المقررة للرشوة - فيعاقب المرتشي والراشي والوسيط بالعقوبات المقررة لهذه الجريمة، فضلاً عن رد ما تقاضاه من رشوة أو قيمتها إن لم توجد .

 

ويعفى الراشي والوسيط من العقوبة، إذا أخبر السلطة العامة بالجريمة قبل علمها بها. 

(مادة 374) 

يحكم على الجاني في جميع الأحوال المبينة في المواد السابقة بغرامة تساوي قيمة ما طلب أو قبل أو وعد به أو عرض، على ألا تقل عن مائتي جنيه. 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني والعشرون ، الصفحة /  219

رِشْوَةٌ

التَّعْرِيفُ:

الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.

قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.

وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.

- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.

- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.

- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ

- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً

- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.

- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ

- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.

وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.

قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.

وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.

وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.

وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.

الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الْمُصَانَعَةُ:

الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.

ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:

أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.

وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.

لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.

ج - الْهَدِيَّةُ:

مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -

يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).

قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.

وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.

وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.

د - الْهِبَةُ:

الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.

قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.

وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.

وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.

و - الصَّدَقَةُ:

مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.

قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.

أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:

الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.

وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).

وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».

وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.

قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.

وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.

فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.

وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه  أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.

وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.

أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:

قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:

أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.

ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.

ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.

د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:

أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:

قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.

 وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.

يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).

ب - الْعُمَّالُ:

وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.

ج - الْقَاضِي:

وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.

قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.

قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.

وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).

د - الْمُفْتِي:

يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.

قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.

هـ - الْمُدَرِّسُ:

إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.

و - الشَّاهِدُ:

وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.

وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).

حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:

أ - الْحَاجُّ:

لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.

ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:

يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.

ج - الْقَاضِي:

مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ

 

الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.

وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.

وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.

حُكْمُ الْقَاضِي:

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.

وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.

قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:

فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.

وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.

 وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.

انْعِزَالُ الْقَاضِي:

ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.

أَثَرُ الرِّشْوَةِ:

أ - فِي التَّعْزِيرِ:

هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.

انْظُرْ: تَعْزِير.

ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:

لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.

ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:

صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.

د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:

إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.