1- الشارع قد سوى فى نطاق جريمة الإتجار بالنفوذ المنصوص عليها فى المادة 106 مكرر من قانون العقوبات بين تذرع الجاني فى الطلب أو القبول أو الأخذ - بنفوذ حقيقى للحصول على مذية من سلطة عامة ، و بين تذرعه فى ذلك بنفوذ مزعوم فقد قدر الشارع أن الجاني حين يتجر بالنفوذ على أساس موهوم لا يقل إستحقاقاً للعقاب عنه حين يتجر به على أساس من الواقع ، إذ هو حينئذ يجمع بين الغش - أو الإحتيال - و الإضرار بالثقة الواجبة فى السلطات العامة و الجهات الخاضعة لإشرافها ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية و لم يفرق الشارع - فى صدد تلك الجريمة و سائر جرائم الرشوة - بين الفائدة التى يحصل عليها الجاني لنفسه و الفائدة التى يطلبها أو يقبلها لغيره ، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات .
(الطعن رقم 1078 لسنة 53 جلسة 1983/05/30 س 34 ص 700 ق 141)
2- انتحال الوظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعتبر تداخلاً فيها إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها وهو يتحقق بالاحتيال والمظاهر الخارجية التى يكون من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفة الجاني وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولو لم يقم بعمل من أعمالها . وكان من المقرر كذلك أن عناصر الركن المادى لجريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات هى التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية إذ يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أنه يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجيب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانة رئاسية أم اجتماعية أم سياسية وهو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع . وأن تكون الغاية من هذا التذرع الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لإشرافها على مزية أياً كانت شريطة أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق ، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً متى توافرت أركانها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التداخل فى وظيفة عمومية لمجرد انتحاله صفة رئيس نيابة دون أن يستظهر الأعمال الإيجابية التى صدرت من الطاعن والتى تعتبر افتئاتاً على الوظيفة أو يبين ما أتاه الطاعن من احتيال ومظاهر خارجية من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفته وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولم يستظهر كذلك عنصرى التذرع بالنفوذ والسبب لجريمة الاتجار بالنفوذ فإنه يكون مشوباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم. (الطعن رقم 30615 لسنة 72 جلسة 2003/07/21 س 54 ص 796 ق 105)
3- استهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المساءلة حتى ولو كان النفوذ مزعوماً. والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات. وذلك على اعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة وإنما ظرف مشدد للعقوبة.
(الطعن رقم 59 لسنة 38 جلسة 1968/02/19 س 19 ع 1 ص 238 ق 43)
4- متى كانت الجريمة التي رفعت بها الدعوى على المتهم وجرت المحاكمة على أساسها هي الجريمة المعاقب عليها بالمادة 106 مكرراً من قانون العقوبات، والخاصة باستغلال النفوذ وهي تختلف فى أركانها وعناصرها القانونية عن جريمة الرشوة - القائمة على الاتجار بالوظيفة - التي دانته المحكمة بها بمقتضى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وكان التغيير الذي أجرته المحكمة فى التهمة على النحو المتقدم ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها إسباغاً للوصف القانوني الصحيح لتلك الأفعال، وإنما هو فى حقيقته تعديل فى التهمة ذاتها يتضمن إسناد عنصر جديد إلى الواقعة التي وردت فى أمر الإحالة هو الاتجار بالوظيفة على النحو الوارد فى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وهو تغيير لا تملك المحكمة إجراءه إلا فى أثناء المحاكمة وقبل الحكم فى الدعوى ويشترط تنبيه المتهم إليه ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية.
(الطعن رقم 1606 لسنة 38 جلسة 1968/10/07 س 19 ع 3 ص 807 ق 158)
5- لا جدوى مما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من أى دليل على أنه زعم أن له إختصاصا بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله ، ذلك بأن ما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى تتوافر به عناصر الجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و لئن أخطأ الحكم فى تطبيقه المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، إلا أن العقوبة التى قضى بها تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الشأن .
(الطعن رقم 1704 لسنة 39 جلسة 1971/11/01 س 21 ع 1 ص 49 ق 11)
6- إستهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و على ما جرى به قضاء محكمة النقض ، التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعزم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة ، و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية ، فإن كان موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات ، و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً من القانون المذكور ، و إذ كان ما تقدم و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
(الطعن رقم 1131 لسنة 40 جلسة 1970/10/26 س 21 ع 3 ص 1020 ق 244)
7- إن الشارع قد إستهدف بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أيه سلطة عامة - و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً . و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية . فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، و ذلك على إعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة و إنما ظرف مشدد للعقوبة .
(الطعن رقم 209 لسنة 58 جلسة 1988/12/06 س 39 ع 1 ص 1227 ق 190)
8- عناصر الركن المادى للواقعة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات الخاصة بإستعمال نفوذ حقيقى أو مزعوم للحصول أو محاولة الحصول على حكم أو قرار ، هو التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أن يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانه رياسية أو إجتماعية أو سياسية و هو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع.
(الطعن رقم 3286 لسنة 54 جلسة 1985/11/21 س 36 ص 1035 ق 189)
مدلول الموظف العام
المدلول الإداري والمدلول الجنائي لتعبير الموظف العام : تعبیر « الموظف العام » له دلالة مستقرة في القانون الإداري ، فهو شخص يعهد إليه على وجه قانوني بأداء عمل في صورة من الاعتياد و الإنتظام في مرفق عام تديره الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة إدارة مباشرة.
ولم يتبن القانون الجنائي هذه الفكرة الإدارية للموظف العام : فمن الوجهة المنطقية قدر أنها قد قامت على إعتبارات يعيرها القانون الإداري أهمية ، وليست لها في القانون الجنائي ذات الأهمية ، ويعني ذلك أنها أغفلت الإعتبارات التي تمثل أهمية أساسية في التنظيم القانوني للرشوة، ومن الوجهة العملية قدر أنها - على اتساعها - أضيق مما ينبغي ، فالإعتماد عليها لا يفسح من نطاق التجريم بحيث يمتد إلى جميع الأشخاص الذين يؤدون أعمالاً ذات أهمية عامة على نحو تكون معه للمجتمع المصلحة في كفالة نزاهتها .
مدلول الموظف العام في نصوص الرشوة : عبر الشارع عن عدم تبنيه الفكرة الإدارية للموظف العام في المادة 111 من قانون العقوبات التي نصت على فئات عديدة من الأشخاص يعد أفرادها من الموظفين العامين في تطبيق نصوص الرشوة ، وإن لم يكونوا كذلك وفقاً للمفهوم الإداري لفكرة الموظف العام ، ويكشف ذلك عن اختلاف أساسي في مدلول الفكرة في القانونين ، و عندنا أن المادة 111 من قانون العقوبات لا تقتصر أهميتها على مجرد الإضافة إلى الفكرة الإدارية، وإنما هي تكشف عن فكرة جنائية للموظف العام تختلف عن الفكرة الإدارية، وإن كانت تستوعبها .
اعتمدت الفكرة الإدارية للموظف العام على إعتبارات ترتد أساساً إلى الصلة القانونية بين الموظف والدولة وتهدف إلى تحديد الحقوق والالتزامات التي تربط بينهما، والموظف وفق هذه الإعتبارات ينبغي أن تكون علاقته بالدولة ذات مصدر صحيح قانوناً كي تكون في ذاتها صلة قانونية ، وهو يخضع في الغالب للسلطة التأديبية للدولة، وتسأل عن أعماله، ويعني ذلك أن النظرية الإدارية نظرية عضوية تركز أغلب اهتمامها على الوضع القانوني للموظف في داخل الجهاز الإداري ولكن قانون العقوبات يقيم نظريته على أساس مختلف ، فهو يهدف بتجريم الرشوة إلى حماية نزاهة الوظيفة العامة، أي ثقة جمهور الناس في عدالة الدولة وحيادها وشرعية أعمالها، ومن ثم كانت العبرة لديه في كون الموظف يتصدى في مواجهة الناس للعمل بإسم الدولة ولحسابها ، أي أنه يمارس في مواجهتهم بعض اختصاصات الدولة ، بل واحدا فقط من هذه الإختصاصات بحيث لو انحرف في ممارسته اهتزت ثقة الناس في الدولة ، وقامت تبعاً لذلك الحاجة إلى تجريم هذا التصرف، والنتيجة الحتمية لذلك أن صفة الموظف العام لا تتأثر بالعيوب التي تشوب علاقته بالدولة ، طالما أنها لا تجرده في نظر جمهور الناس من صفته كعامل باسم الدولة ولحسابها ومن ناحية ثانية ، فإنه لا أهمية لكونه يمارس العمل الوظيفي على نحو عارض ومؤقت، ويعني ذلك أن النظرية الجنائية للموظف العام تهتم بالعلاقة بين الدولة وجمهور الناس وتجتهد في صيانة نقاء هذه العلاقة ، والضابط لديها في إعتبار الشخص موظفاً أنه وسيط في هذه العلاقة . وفي ضوء هذه الاعتبارات نرى تعريف الموظف العام في المدلول الجنائي بأنه «كل شخص يعمل في مواجهة الأفراد باسم الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة ويمارس إزاءهم في صورة طبيعية تستدعي ثقتهم أحد الإختصاصات التي خولها القانون المرفق عام تديره الدولة أو الشخص المعنوي العام إدارة مباشرة »، والنظرية الجنائية تشمل النظرية الإدارية دون أن تقف عندها : فكل من يعد موظفاً عاماً في المعنى الإداري هو حتما كذلك في المدلول الجنائي ، ولكن بعض من لا يعتبرون موظفين في المعنى الإدارى يعتبرون كذلك في المدلول الجنائي.
فئات الأشخاص الذي نصت عليه المادة 111 من قانون العقوبات : نصت هذه المادة على أنه يعد في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الفصل : المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معينين المحكمون أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون كل شخص مكلف بخدمة عامة أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم فى مالها بنصيب ما بأية صفة كانت وهذا النص ينبغي أن يكمل بالمادتين 222، 298 من قانون العقوبات اللتين جعلتا للأطباء وشهود الزور - إذا توافرت شروط معينة - حكم الموظفين في تطبيق نصوص الرشوة .
المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها : يريد الشارع بالمستخدمين في المصالح التابعة للحكومة أن يشير إلى صغار الموظفين العاملين في الدولة ، فقد جرى عرف الشارع فيما مضى على احتجاز تعبير « الموظف » لكبار العاملين في الدولة ولفظ « المستخدم » لصغارهم وقد زالت الآن هذه التفرقة وصار الجميع « عاملین مدنيين في الدولة » وحرص الشارع على الإشارة إلى المستخدمين إلى جانب نصه على الموظفين يستفاد منه أنه يخضع لنصوص الرشوة كل شخص ينطبق عليه تعريف الموظف العام في مدلوله الجنائي، أياً كان وضعه في التدرج الوظيفي ، فمن يشغلون أدنى الدرجات يخضعون لنصوص الرشوة، ولو كانوا سعاة أو حجاباً والأصل أن يخضع الموظف العام القانون العاملين المدنيين في الدولة ، ولكن خضوعه لنظام خاص بدلاً من هذا القانون كرجال الجيش والشرطة، أو بالإضافة إليه كالقضاة أو أعضاء هيئة التدريس في الجامعات لا ينفي عنه صفة الموظف العام .
ويريد الشارع بالمستخدمين في المصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة أن يشير إلى العاملين في الهيئات العامة اللامركزية بإعتبارها هيئات تخضع « للوصاية الإدارية »، وسواء في ذلك أن تكون من هيئات الإدارة المحلية كالمحافظات والمدن، أو أن تكون مؤسسات عامة متخصصة إدارية كانت أو تجارية أو صناعية .
أعضاء المجالس النيابية العامة والمحلية : يعنى الشارع بالمجالس النيابية الهيئات العامة ذات الصفة التمثيلية، أي التي تنوب عن مجموع المواطنين أو عن جماعة منهم في التعبير عن إرادتهم الجماعية في الشئون العامة ، وسواء في ذلك أن تكون هذه المجالس عامة، أي على مستوى الجمهورية كمجلس الشعب ومجلس الشورى، أو أن تكون محلية، أي على مستوى وحدات التقسيم الإداري للجمهورية ، كمجالس المحافظات والمدن، وسواء أن يكون العضو منتخباً أو معيناً، وعلة إعتبار أعضاء هذه المجالس في حكم الموظفين أنهم يمارسون الإختصاص التشريعي للدولة وجانباً من اختصاصها التنفيذي .
المحكمون والخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون : أراد الشارع أن يشير بهذه التعبيرات إلى أشخاص يعاونون القضاة في ممارسة اختصاصاتهم ، فهم يؤدون عملاً من جنس العمل القضائي کالمحكمين، أو يمهدون لعمل القاضي أو يتمونه، ومن ثم كان عملهم في حقيقته ممارسة لبعض اختصاصات السلطة القضائية ، وكانوا على هذا النحو موظفين في المدلول الجنائي لهذا التعبير، وارتشاؤهم لا يقل – في تقدير الشارع - خطورة عن ارتشاء القضاة أنفسهم .
المكلف بخدمة عمومية : يعني الشارع بكل «شخص مكلف بخدمة عمومية » من عهدت إليه سلطة مختصة بأداء عمل مؤقت وعارض الحساب الدولة أو شخص معنوي عام، وعلى هذا النحو فإن ما يميز بينه وبين الموظف في المدلول الإداري أنه لا يؤدي عمله الرسمي في صورة من الاعتياد و الإنتظام، ولا يعد مكلفاً بخدمة عامة إلا من عهد إليه بذلك ممن يملكه قانوناً، أما إذا كان متطوعاً أو كان من عهد إليه بذلك غير مختص فهو أدنى إلى « الموظف الفعلى »، وغنى عن البيان أنه لا أهمية لكون هذا التكليف نظير مكافأة أو بدون مقابل، فيعد مكلفاً بخدمة عامة المترجم الذي تندبه المحكمة للترجمة في دعوى ، والمرشد الذي تستعين به الشرطة في الكشف عن جريمة .
العاملون في القطاع العام : يعد في حكم الموظفين « أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم من مالها بنصيب ما بأية صفة كانت »، ويعني الشارع بذلك جميع الأشخاص الذين يقومون - على وجه من الإنتظام والاعتياد - يعمل في الشركات والمشروعات التي أممتها الدولة تأميماً كلياً أو جزئياً، وهذه الهيئات يعبر عنها اصطلاحاً « بالقطاع العام » ، تميزا لها عن المصالح التابعة للدولة مباشرة أو الخاضعة لوصايتها الإدارية من ناحية ، وتميزاً لها من ناحية ثانية عن هيئات القطاع الخاص، وقد كانت هذه الهيئات في الأصل مشروعات خاصة ، ولكن تأميمها أضفى عليها طابعاً عاماً وأتاح لها أن تؤدي في المجتمع دوراً بالغ الأهمية ، فاقتضى ذلك أن يحرص الشارع على نزاهة العاملين فيها حرصه على نزاهة العاملين في المرافق التابعة مباشرة للدولة، والضابط في اعتبار المشروع مؤمماً هو أيلولة ملكية رأس ماله كلياً أو جزئياً إلى الدولة أو إلى شخص معنوي عام، وهو ما عبر عنه الشارع بقوله « تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت »، ويعني ذلك أن مجرد إسهام الدولة في إدارة المشروع، أو وضعها إياه تحت حراستها لا يكفي لإعتباره مؤمماً ويتسع نص القانون لجميع العاملين في هيئات القطاع العام ، أياً كانت مراتبهم في التدرج الوظيفي ، فيشمل المدير وأعضاء مجالس الإدارة والموظفين فنيين كانوا أو إداريين أو كتابين. (شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، دار النهضة العربية، الصفحة: 19)
تطلب الشارع المصري لوقوع جريمة الرشوة أن يكون المرتشي موظفاً عاماً أو أن يدخل في طائفة معينة أعتبرها في حكم الموظفين العموميين، وقد توسع المشرع في تحديد مدلول الموظف العام في باب الرشوة، فلم يقف عند التعريف الضيق للموظف العام طبقاً للقانون الإداري، بل تبني تعريفاً أوسع يتفق مع ما يتمتع به قانون العقوبات من ذاتية واستقلال عن سائر القوانين، ويتفق هذا المنهج مع المنهج الذي نصت عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، إذ نصت المادة الثانية منها على تعريف واسع للموظف العام لأغراض هذه الاتفاقية.
على أن هذا التعريف ليس من العمومية والشمول بحيث ينصرف إلى معنى الموظف العام في سائر جرائم قانون العقوبات، إذ بينما نجد أن المشرع يتجه إلى التوسع في مدلول الموظف في جريمة الرشوة وجريمة الإختلاس وغيرها من جرائم الإخلال بواجبات الوظيفة - نجده يتجه إلى التضييق من نطاق هذا التعريف الواسع في جرائم التزوير واستعمال القسوة والتعدي على الموظفين العموميين وغيرها من الجرائم التي يتطلب القانون في مرتكبها أو في المجني عليه فيها أن يكون موظفاً عاماً ومن أمثلة ذلك أيضا أن المادة 111 من قانون العقوبات قد توسعت في تحديد هذا المعنى بالنسبة إلى جريمة الرشوة، ولكن هذا التوسع لا يعني مطلقاً میریان أحكام الموظف في هذه الجريمة على غيرها من الجرائم ما لم يرد نص خاص بتوسع معين في تعريف الموظف العام كما جاء في المادة 119 مكرراً عقوبات الذي يسري على الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثاني ولذا، فإنه يمكن القول بأنه لا يوجد تعريف موحد للموظف العام في قانون العقوبات يقابل تعریفه المتفق عليه في القانون الإداري، وواقع الأمر أنه لتحقيق أكبر قسط من الأمن القانوني في قواعد قانون العقوبات يتعين أن تتميز تعريفاته ومنها تعريف الموظف العام بالثبات واليقين، مما يحسن معه أن يضع المشرع تعريفا موحداً للموظف العام في هذا القانون، على أن يضيف ما يراه ضرورياً لوقوع الجريمة.
ولا يسري التوسع في تعريف الموظف العام في قانون العقوبات في مجال تحديد نطاق الحماية المقرر في الفقرة الثالثة من المادة 63 من قانون الإجراءات الجنائية في شأن عدم جواز رفع الدعوى الجنائية إلا من النائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة إلا بالنسبة إلى الموظفين أو المستخدمين العامين دون غيرهم لما يرتكبون من جرائم أثناء تأدية الوظيفة أو بسببها، وكذلك الحال بالنسبة إلى الموظف العام الذي يجوز للأفراد رفع الدعوى المباشرة عليه لإرتكابه الجريمة المنصوص عليها في المادة 123 من قانون العقوبات.
أولاً - الموظف العام بالمعنى الدقيق
عرفت المحكمة الإدارية الموظف العام بأنه الشخص الذي يعين بصفة مستمرة غير عارضة للمساهمة في عمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الحكومة المركزية أو السلطات الإدارية المركزية بالطريق المباشر، ويقصد بالسلطات الإدارية اللامركزية في هذا الصدد الأشخاص العامة الإقليمية والهيئات والمؤسسات العامة.
وقد كان الفقه والقضاء قديماً يلجأ إلى معيار السلطة العامة لتعريف الموظف العام، ثم اتجه بعد ذلك إلى معيار المرفق العام، فيعد موظفاً عاماً من يخدم في هذا المرفق وفقاً للتعريف السالف بيانه.
وقد عرفت محكمة النقض معنى الموظف العام بأنه هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام تديره الدولة أو أحد أشخاص القانون العام عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق.
ويتحدد العمل الدائم بالنظر إلى طبيعة الوظيفة ويحدد القانون مدة التعيين فقد تكون حتى بلوغ سن معينة، أو تكون لمدة معينة، ونقيض العمل الدائم هو العمل المؤقت بالنظر إلى طبيعة العمل لا بالنظر إلى مدة القيام به، فالوزير رغم أنه ليس دائما في وزارته، والعاملون في الدولة - رغم أن عملهم ينتهي بالإحالة إلى سن المعاش - موظفون عموميون، فهم يقومون بعمل دائم بالنظر إلى طبيعة وظائفهم، فالعمل لا يكون دائماً إذا كانت الوظيفة ذاتها مؤقتة.
ولا يشترط لإعتبار الشخص موظفاً عاماً أن يكون مثبتاً أو أن يتقاضى مرتباً عن عمله، وقد اتجه الفقه الجنائي الفرنسي بادئ الأمر إلى قصر معنى الموظف العمومي في جريمة الرشوة على كبار موظفي الإدارة ومن يملكون قسطاً من السلطة العامة، إلا أن القضاء سرعان ما نبذ هذا التعريف الضيق وجمع داخل فكرة الموظف العام كل من يعمل في السلم الإداري ابتداءً من الوزير وحتى أقل الموظفين درجة.
ويلاحظ أنه لا عبرة بالنظام القانوني الذي يحكم طائفة معينة من الموظفين، فلا يشترط خضوعهم للقانون الخاص بنظام العاملين المدنيين بالدولة، لأن هناك طوائف من الموظفين يخضعون لأنظمة، كهيئة التدريس بالجامعات وأعضاء الهيئات القضائية والقوات المسلحة والشرطة.
ويلاحظ أن تحديد المركز القانون للموظف العام يكون وفقاً للوظيفة التي يشغلها فعلا، فلا يحول دون توافر هذه الصفة أن يكون الموظف في إجازة أو موقوفاً عن العمل، مادام أنه ما زال يشغل بصفة فعلية وظيفته العامة، ومع ذلك لا تقع الجريمة إذا لم يكن يشغل وظيفته بصفة فعلية وقت ارتكاب الجريمة، كما إذا كان معاراً طوال الوقت لجهة أجنبية أو منتدباً طول الوقت في شركة خاصة، في هذه الحالة يتحدد المركز القانوني لأعمال الموظف العام في ضوء الجهة التي ألحق بها بناءً على الإعارة أو الإنتداب طول الوقت، فإذا كان هذا الإلحاق لجهة مما يعد موظفوها موظفين عموميين - استمرت صفته کموظف عام، ولكن أعمال وظيفته تتحدد وفقاً للجهة التي ألحق بها.
ولا يثار جدل أو خلاف في اعتبار أعضاء الهيئات القضائية أو أعضاء هيئة التدريس بالجامعة وأفراد القوات المسلحة والشرطة من الموظفين العموميين.
وقد توسع المشرع في المادة 111 عقوبات في تحديد الموظف العام في صدد الرشوة والاختلاس ونحوهما، فنص في هذه المادة على ما يسمى بالموظف العام الحكمي في صدد هذه الجرائم، ولكنه خلط بين الموظف العام الحقيقي والموظف العام الحكمي، فجاءت المادة 111 المذكورة خليطا بين النوعين، وهو ما سنوضحه عند بيان كل حالة على حدة دون تقيد بالترتيب الذي جاء في المادة 111 عقوبات المذكورة، وفيما يأتي نورد الحالات التي أوردتها المادة 111 عقوبات والتي تندرج تحت مدلول الموظف العام الحقيقي.
المستخدمون في المصالح الحكومية :
يراد هؤلاء الموظفون الذين يشغلون أدنى درجات السلم الإداري في الحكومة المركزية، وقد أراد المشرع النص عليهم تأكيداً لشمول النص للموظفين العموميين كافة، أياً كان مركزهم الوظيفي، وقد كانت العلة في هذه التسمية قديماً هي الإعتقاد السائد بأن الوظيفة العامة تتميز بقدر من السلطة العامة، مما دفع المشرع إلى النص صراحة على طائفة المستخدمين منعاً لكل لبس أو خلاف.
المستخدمون في المصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة :
يدور البحث حول المقصود بالمصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة. وقد استوحي المشرع هذه العبارة مما كانت تنص عليه المادة 177/ 1 عقوبات فرنسي المعدلة بقانون 16 مارس سنة 1943 فقد ذهب الفقه الفرنسي إلى أن هذه العبارة تنصرف إلى الهيئات ذات الشخصية المعنوية المستقلة عن الدولة، كالمؤسسات العامة والوحدات الإقليمية والمشروعات المؤممة أياً كانت طبيعتها.
والواقع من الأمر أن المشرع قد استهدف بتعبير «الرقابة» معنى الوصاية الإدارية أو «الرقابة الإدارية» كما سماها البعض.
فالهيئات الخاضعة لهذه الرقابة هي الهيئات اللامركزية الإدارية، وهي نوعان : هیئات لامركزية إقليمية، كما هو الشأن بالنسبة إلى المحافظات والمدن والقرى. ولا مركزية مصلحية أو مرفقية، كما هو الشأن في الهيئات العامة، وقد أراد المشرع بعبارة «المصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة تحقيق تقابل تام بينها وبين عبارة «المصالح التابعة للحكومة».
ولا شك في أن الموظفين في هذين النوعين من المصالح هم موظفون عموميون في فقه القانون الإداري، إلا أن النص عليهم على حدة جاء في قانون العقوبات منعاً لكل لبس أو شك.
أعضاء المجالس النيابية أو المحلية
نصت المادة 111/ 2 عقوبات على أنه يعد في حكم الموظفين العموميين أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية، سواء أكانوا منتخبين أم معينين، ولا شك في أن هؤلاء الأشخاص يعدون موظفين عموميين، إلا أن المشرع أشار إليهم صراحة منعاً لكل خلاف.
وقد استقر القضاء الفرنسي على أنهم يعدون في حكم الموظفين العموميين قبل أن ينص عليه صراحة القانون الفرنسي بمقتضى الأمر الصادر في 8 فبراير سنة 1945، كما اعتبرتهم أحكام النقض المصرية من طائفة الموظفين العموميين الذين تنطبق عليهم أحكام الرشوة.
ثانياً - الموظف الفعلي
يثور البحث حول مدى إمكان وقوع الرشوة من موظف لم يصدر قرار بتعيينه أو صدر قرار التعيين باطلاً، وهو ما يسمى بالموظف الفعلي أو الواقعي، ومن المقرر في القانون الإداري أن الموظف يعد فعلياً إذا كان قرار تعيينه الباطل معقولاً، أي يرجع إلى الظاهر، فيعد صحيحاً إذا لم يفطن الجمهور إلى سبب بطلانه دون عبرة بما إذا كان الموظف حسن النية أم لا، أما إذا عين في الأوقات الاستثنائية، كحالتي الحرب والثورة، فقد قيل بأنه ليس من الضروري أن يكون الفرد قد عين تعييناً معقولاً، بل يعد موظفا فعليا ولو لم يصدر قرار بتعيينه إذا، فإن أساس نظرية الموظف الفعلي هو إما الظاهر أو الضرورة .
ثالثاً - الموظف العام الحكمي
يكون الموظف العام الحكمي في الأحوال الآتية :
المكلفون بخدمة عامة
ويقصد بهم كل من يلزمه القانون القيام بإحدى الخدمات العامة أو مباشرة مهمة تتعلق بالنظام العام، بغض النظر عن كونه لا يشغل مركزاً وظيفياً في الدولة ولا تثبت هذه الصفة إلا في حدود العمل المكلف به ويشترط لصحة التكليف الصادر من موظف عام أن يصدر ممن يملكه، فلا يستعاض عن ذلك بالأمر الواقع الذي تفرضه الإدارة خروجاً على حكم القانون ويستوي أن يكون العمل المكلف دائماً أو مؤقتاً، مقابل أو بغير مقابل، سواء سعى إلى التكليف بإرادته أو كان بناءً على أمر من السلطة العامة ومن أمثلة قضاء محكمة النقض: أمين شونة بنك التسليف عند تكليفه باستلام القمح من الأهالي لحساب الحكومة ووزنه وتحديد درجة نظافته، وشيخ الحارة بالنسبة إلى واجب استحضار الأشخاص المطلوبين لأقسام الشرطة خدمة للأمن العام، ونائب الحارس على إحدى الشركات وقد يكون المكلف بخدمة عامة موظفاً عاماً ثم ندبته الدولة الأداء خدمة عامة خارج أعمال وظيفته وبهذا المعنى نصت صراحة المادة (358/ 1) من قانون العقوبات الإيطالي .
ولا يجوز الخلط بين التكليف والترخيص، فالأول ينطوي على عنصر الإلزام، بخلاف الترخيص الذي يقوم على مجرد السماح والإذن، ولذا حكم بأن البنوك المرخص لها بمزاولة عمليات النقد الأجنبي لا تمارس هذه العمليات بوصفها مكلفة بخدمة عامة .
كما لا يجوز الخلط بين التكليف والتعاقد على أداء عمل معين، فلا هذا تكليفاً بمهمة تدخل في نطاق الخدمة العامة .
المحكمون والخبراء ونحوهم :
نصت المادة 111/ 3 عقوبات على أنه يعتبر في حكم الموظفين العموميين المحكمون والخبراء ووكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون، ولا شك في أن هؤلاء يعدون مكلفين بخدمة تدخل في نطاق الخدمة العامة، ونظراً إلى خطورة الأعمال التي يؤديها هؤلاء فقد نبه المشرع صراحة إلى خضوعهم لأحكام رشوة الموظفين، فالمحكم أشبه بالقاضي في مهمته، والخبير يمهد للحكم بالرأي الذي ينتهي إليه في تقديره، وكذلك فإن أعمال وكيل الديانة والمصفي والحارس القضائي لا تقل خطورة وحساسية عن أعمال هؤلاء.
ويشترط في الخبراء أن يكونوا معينين من قبل المحكمة، فلا يكفي أن يكونوا مختارين من قبل الخصوم، ويستوي في المحكمين أن يكونوا معينين من قبل المحكمة أو من قبل أحد مراكز التحكيم أو مختارين من أطراف التحكيم، ويعد هؤلاء من الموظفين العموميين (حكماً) في صدد تطبيق أحكام جرائم الرشوة والإختلاس وما نحوها (المادة 119 عقوبات).
العاملون في القطاع العام
أضاف القانون رقم 120 لسنة 1962 (المادة 8) فقرة جديدة إلى المادة 111 من قانون العقوبات تقضي بأن يعتبر في حكم الموظفين العمومين: أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب بأية صفة كانت.
وقد جاء هذا التعديل حسبما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون رقم 120 لسنة 1962 لتأمين الحماية الكافية للأهداف الإشتراكية التي توختها قوانين يوليو سنة 1961 بتأميم بعض الشركات والمنشآت وبأسهم الحكومة في بعضها الآخر.
وكان قد أثير الخلاف حول صفة موظفي المشروعات التي تسهم فيها الدولة أو إحدى الهيئات العامة، فجاء هذا النص وحسم كل خلاف بشأن موظفي هذه المشروعات، إذ اعتبرهم في حكم الموظفين العموميين في صدد جرائم الرشوة والإختلاس ونحوها (المادة 119 عقوبات)، ويستوي أن تكون هذه المشروعات من شركات القطاع العام أو قطاع الأعمال العام، لأنه في الحالتين تسهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما، مما يجعلها تندرج تحت البند 6 من المادة 111 من قانون العقوبات.
ويستوي أن تسهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة مباشرة في رأس مال الشركة أو أن يكون إسهامها فيها بطريق غير مباشر، كما هي الحال بالنسبة إلى الشركات التابعة للشركات القابضة التي تسهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في رأس مالها.
ويلاحظ أن العبرة هي بالإسهام في رأس مال هذه المشروعات لا مجرد الإسهام في الإدارة، ويكفي أن يكون هذا الإسهام على سبيل الإستثمار المؤقت لبعض الأموال، كإسهام هيئة التأمينات الاجتماعية أو مؤسسة التأمين والمعاشات في بعض الشركات عن طريق شراء بعض الأسهم من البورصة، وبالنسبة إلى أعضاء مجالس الإدارة، فلا محل للتمييز بين من يتقاضى مرتباً دورياً أو من ينال مجرد مكافأة عن الحضور، ويتعين في المستخدمين أن تربطهم علاقة تبعية بالشركة أو بالمؤسسة أو نحوهما، فلا يعد كذلك من يقوم بمهمة عارضة، كانتداب خبير لفحص حالة معينة أو توكيل محام للمرافعة في قضية معينة. (الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة:300)
لتحديد من هو الموظف العام في جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة يتعين أن نأخذ في الإعتبار المعيار الموضوعي. بمعنى أن من يباشر الوظيفة العامة يعتبر موظفا عموميا في غرف المشرع الجنائي بغض النظر عن العلاقة القانونية التي تربط الشخص بالجهة العامة، فالنشاط الذي يباشر هو الذي يضفي على صاحبه صفة الموظف العام طالما أنه يباشر لصالح وباسم جهة عامة، فهناك إذا شرطان لكي يعتبر الشخص موظفاً عاماً في نظر المشرع الجنائي الأول مباشرة نشاط عام هو من اختصاص جهة عامة والثاني أن يكون النشاط ، منسوبا لتلك الجهة، ولا يهم بعد ذلك أن تكون علاقة الشخص بالجهة العامة يحكمها قانون موظفي الدولة أو القوانين واللوائح الخاصة التي بها تتحدد علاقة الفرد بالجهة العامة ، ويستوي أيضاً نوع النشاط فقد يكون نشاطاً إدارياً بحتاً كما قد يكون نشاطاً تشريعياً أو قضائياً.
وعليه فيندرج تحت مفهوم الموظف العام في جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة الموظف العام بالمعنى الضيق وجميع المستخدمين والموظفين في المصالح الحكومية والمؤسسات والهيئات العامة وكذلك جميع رجال القضاء والنيابة ورجال الشرطة والجيش حتى المجندين منهم باعتبارهم مكلفين بخدمة عامة وكذلك أعضاء مجلس الشعب.
وبتأمل هذا التعداد للأشخاص الذين يعتبرون موظفين عموميين في نظر المشرع الجنائي بالنسبة لتلك الطائفة من الجرائم ، وإذا أضفنا إليهم الموظف العمومي الدقيق والموظف الفعلى لوجدنا أن المشرع الجنائي قسد استعان في تحديد الموظف العام بمعايير أربعة.
الأول: شکلی ، وجود التعيين في وظيفة عمومية وفقاً للقوانين واللوائح التي تحكم التوظف، ووفقاً لهذا المعيار يعتبر موظفاً عاماً الموظفون العموميون بالمعنى الدقيق والمستخدمون بالمصالح الحكومية أو الموضوعة تحت رقابتها وكذلك موظفو ومستخدمو الجهات التي تساهم فيها الدولة في مالها بنصيب ما.
الثاني: هو وجود قرار أو أمر عام و خاص صادر من جهة الإدارة العامة بحيث يستند مباشرة النشاط العام الوظيفي إلى هذا القرار أو الأمر، ووفقاً لهذا المعيار اعتبر المشرع موظفاً عاماً المحكمون والخبراء ووكلاء الدائنين والمصفون والحراس القضائيون، كما اعتبر أيضاً موظفاً عاماً كل شخص مكلف بخدمة عامة.
الثالث: هو أن تكون مباشرة النشاط الوظيفي العام يستند إلى قاعدة قانونية تشريعية كانت أم عرفية وبالتطبيق لهذا المعيار اعتبر المشرع موظفاً عاماً الأطباء والجراحين والقابلات بالنسبة إلى ما يعطونه من بيانات أو شهادات حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة وذلك بخصوص جريمة الرشوة.
الرابع: هو أن يكون الشخص قد باشر النشاط الوظيفي العام استناداً إلى موافقة ضمنية أو تساهل من قبل الإدارة العامة ويدخل في طائفة الموظفين العموميين في نظر المشرع الجنائي بالتطبيق لهذا المعيار ما اصطلح على تسميته بالموظف الفعلي.
يقصد بالموظف العام بالمعنى الدقيق كل من يباشر وظيفة عامة ويكون خاضعة لأحكامها، وقد سبق أن رأينا كيف أن القضاء الإداري اشترط لكي يعتبر الشخص موظفاً عاماً شرطين : الأول هو القيام بعمل له صفة الدوام والإستقرار والثاني أن يكون هذا العمل الدائم في خدمة مرفق عام أو مصلحة عامة تديره الدولة بالطريق المباشر.
غير أنه يلاحظ أن القضاء الإداري في تعريفه للموظف العام إنما تقييد بالموظف الدائم كما جاء بقانون العاملين المدنيين، إلا أن مدلول الموظف العام لا يقتصر فقط على هؤلاء المحكومين بمقتضى القانون سابق الذكر، بل يعتبر أيضاً موظفين عموميين الأشخاص الذين تحكم وظائفهم قوانين ولوائح أخرى وعليه فيعتبر كذلك رجال القضاء والنيابة وضباط الجيش ورجال الشرطة كما يعتبر موظفاً عاماً الموظفون المؤقتون فذات القانون سالف الذكر ينف في صراحة على أن الوظائف الداخلة في الهيئة أما دائمة وأما مؤقتة على حسب وصفها الوارد في الميزانية ومعنى ذلك أن الموظف على وظيفة مؤقتة هو أيضاً موظف عام بالإستناد إلى المعيار الموضوعي وهو مباشرة نشاط وظيفي عام بأسم هيئة عامة أما الوصف الوارد بالميزانية فهذه مسألة مالية تنظيمية لا تتعلق بالمضمون وعليه فاشتراط صفة الدوام التي لا تزول إلا بالوفاة أو العزل أو الاستقالة، هذا الشرط يلزم لإعتبار الشخص موظفاً عاماً في نظر القانون الجنائي ذلك أن الموظفين العموميين تحكمهم لوائح وقوانين مختلفة ينقسمون تبعاً لها إلى طوائف شتی محل دراستها القانون الإداري وهي تقسيمات كلها تنظيمية تتعلق بالحقوق والواجبات المتعلقة بجهة الإدارة حيالهم وكذلك تأديبهم وعزلهم أما الجوهر وهو مباشرة النشاط الوظيفي العام فهو واحد بالنسبة لهم وهو المعيار الذي يهمنا في دراسة جرائم الموظفين العموميين ضد الإدارة العامة وعليه فمفهوم الموظف العام بمعناه الضيق في نظر المشرع الجنائي هو كل من يباشر وظيفة عامة في مرفق عام ويكون خاضعاً لأحكامها وقد أراد المشرع الجنائي إزالة كل ليس فنص في المادة 119 مکرر على أن يقصد بالموظف العام في حكم جرائم المال العام القائمون بأعباء السلطة العامة والعاملون في الدولة ووحدات الإدارة المحلية ، وذلك حتى لا يقتصر مفهوم الموظف العام على الخاضعين لقانون العاملين المدنيين بالدولة كما نص أيضاً في ذات المادة على اعتبار أفراد القوات المسلحة موظفين عموميين بالنسبة لتلك الجرائم في حين أن أفراد القوات المسلحة أما أن يكونوا موظفين عموميين طبقاً للتعريف الذي أوردناه وإما أن يكونوا من المكلفين بالخدمة العامة.
ولا يشترط أن يكون الشخص يتقاضى راتباً أو أجراً على عمله م ن الدولة كالمأذون كما قد يكون معيناً أو منتخباً ، ومثال ذلك العمد والمشايخ .
ولما كان أعضاء المجالس النيابية إنما يباشرون وظيفة عامة للدولة وهي الوظيفة التشريعية كأنهم يعتبرون أيضا موظفين عموميين.
وقد أورد المشرع إزالة أي لبس فنص بالمادة 119 على اعتبار أموال الاتحاد الإشتراكي والمؤسسات التابعة له أموالاً عامة ، واعتبر رؤساء وأعضاء المجالس والوحدات والتنظيمات الشعبية موظفين عموميين وفقاً للفقرة (ب) من المادة 119 مکرراً.
وجدير بالذكر أن المفهوم السابق للموظف العام يشمل عدداً غير يسير من الأشخاص الذين اعتبرهم المشرع في حكم الموظف العام في تطبيق جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة والمنصوص عليهم بالمادتين 111، 119 مکرراً من قانون العقوبات فقد نصتا على القائمين بأعباء السلطة العامة والعاملين ومستخدمي الحكومة والجهات الخاضعة لرقابتها كما نصنا أيضاً على أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية المنتخبين والمعنيين ، وكذلك الأشخاص المكلفين بخدمة عمومية.
والمشرع إذا فعل ذلك، كان متأثراً بتعريف الموظف العام في المفهوم الإداري الذي يقتصر فقط على الموظفين داخل الهيئة والخاضعين للقوانين واللوائح الخاصة بالوظائف العامة، ومن أجل ذلك لا يدخل في هذا المفهوم مستخدمو الحكومة والهيئات التابعة لها المكلفون بخدمة عامة، وكثير من الطوائف الأخرى التي لا تحكمها قوانين التوظف بالحكومة، والحقيقة هي أن القضاء الإداري في تفسيره وتعريفه للموظف العام إنما يراعى دائماً الغاية أو الهدف الذي يقصده المشرع بصدد كل قانون يتعرض له في الواقعة المعروضة عليه، ولما كان القانون الجنائي برمی إلى غاية أخرى مغايرة لتلك التي يقصدها المشرع حينما يريد تنظيم علاقة العاملين في النشاط الإداري بالحكومة ، فلا مفر من أن يكون للموظف العام مدلول مغاير لما استقر عليه القضاء الإداري.
ثانياً : المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها :
والمقصود بذلك الموظفون بالمصالح الحكومية خارج الهيئة والعمال الذين يعملون بالمصالح الحكومية والمؤسسات العامة التابعة لها ويخضعون في الوقت ذاته للقوانين واللوائح التي تنظم علاقتهم بالجهة الإدارية ويستوي بعد ذلك أن يكونوا مثبتين أم باليومية أم عمالاً موسميين ويخرج عن نطاق تلك الطائفة العمال الذين تحكم صلتهم بالإدارة علاقات تعاقدية فهؤلاء لا يعتبرون في حكم الموظفين العموميين لأن علاقتهم بالجهة الإدارية ليست تنظيمية وإنما تعاقدية يحكمها قانون عقد العمل وليست القوانين واللوائح التنظيمية.
ويلاحظ أن المقصود بالمصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة هي المصالح والمؤسسات العامة ذات الشخصية المعنوية المستقلة والتي تتمتع بميزانية مستقلة وهي التي يطلق عليها المؤسسات شبه الحكومية ومثالها مؤسسة النقل العام وهيئة قناة السويس والمؤسسة العامة الاقتصادية ، كما يدخل فيها أيضاً الهيئات اللامركزية الإقليمية، أما المصالح التابعة للحكومة فالمقصود بها الجهات الحكومية التي تكون جزءاً من الشخصية المعنوية لجهة الإدارة التابعة لها وتخضع في ميزانيتها لها .
وغني عن البيان أن موظفي المؤسسات والمصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة والذين يدخلون في التنظيم الإداري لها يعتبرون موظفين عموميين و يندرجون بالتالي تحت الطائفة الأولى سابق الكلام عنها .
ثالثاً : أعضاء المجالس النيابية :
وقد نص عليهم المشرع بالمادة 2/ 111 (أ)، والمادة 119 مکرراً (ب) وقد سوي بين المجالس النيابية والمحلية واعتبر أعضائها في حكم الموظفين العموميين سواء أكانوا منتخبين أو معينين والواقع أن هؤلاء يعتبرون موظفين عموميين دون حاجة إلى نص بإعتبار أنهم يباشرون وظيفة عامة من وظائف الدولة وهي الوظيفة التشريعية والرقابة والإشراف على أجهزة الإدارة.
ويلاحظ أن الموظفين الذي يعملون بالمجالس النيابية العامة أو المحلية يدخلون في الطائفة الخاصة بالموظف العام بالمعنى الدقيق.
رابعاً : المحكمون والخبراء ووكلاء الدائنين والمصفون والحراس القضائيون :
وهؤلاء الأشخاص يعتبرون موظفين عموميين فقط بالنسبة للأعمال التي يقومون بها بناء على قرارات من الجهات القضائية أو من إحدى السلطات العامة وعموماً كل من فوضته إحدى السلطات العامة القيام بعمل معين.
ويلاحظ أن المحكمين الذين يعتبرون في حكم الموظفين العموميين هم فقط الذين يمارسون القضاء الخاص وفقاً للقواعد المقررة قانوناً أما التحكيم الذي يقوم به أحد الأشخاص بناءً على اختيار الأطراف المتنازعة فلا يعتبر من يباشره موظفاً عمومياً ولا مكلفاً بخدمة عامة .
أما الخبراء فلا تثبت له صفة الموظف العمومي حكمها إلا بإخطاره من المحكمة لمزاولة الخبرة ولا يلزم أن يكون قد سبق له تأدية اليمين ويلاحظ أن الخبراء الاستشاريين لا يعتبرون في حكم الموظف العمومي نظراً لأن أعمالهم ليست بالضرورة لجهات القضاء.
وقد اعتبر المشرع في حكم الموظف العام أيضاً وكلاء الدائنين والمصفين والحراس القضائيين نظراً لاتصال أعمالهم المباشر بالنشاط القضائي للدولة.
وقد نص المشرع بالمادة 179 مکرراً على اعتبار كل من فوضته إحدى السلطات العامة في القيام بعمل معين موظفاً عاماً في حكم جرائم المال العام وذلك في حدود العمل المفوض فيه ويلاحظ أن المحكمين والخبراء ووكلاء الدائنين والحراس القضائيين أن كانت نصت عليهم المادة 111 عقوبات بخصوص جرائم الرشوة إلا أنه يسري عليهم أيضاً القواعد الخاصة بجرائم المال العام كما سنرى.
خامساً : المكلفون بخدمة عمومية :
والمقصود بذلك الأشخاص الذين يمارسون النشاط الإداري للدولة بإسمها و لحسابها بغض النظر عما إذا كانت تربطه بها علاقة تنظيمية من عدمه ويشترط لكي يعتبر الشخص مكلفاً بخدمة عمومية أن يكون هناك قرار صحيح صادر من الجهة الإدارية بإلزامه بالقيام بالعمل ، ويستوي أن يكون هناك مقابل العمل أم أنه دون مقابل ، كما يستوي أن يكون التكليف قد صدر بناءً على طلب من المكلف أم بمبادرة من الجهة العامة ومثال ذلك المجندون وأعضاء لجان فض المنازعات.
وجدير بالذكر أن المكلف بخدمة عامة يدخل تحت مضمون الموظف العام وفقاً للمعيار الموضوعي كما سبق بيانه بمعنى أنه حتى ولو لم يرد نص صريح باعتبارهم في حكم الموظفين العموميين لاعتبروا كذلك نظراً المباشرتهم نشاطاً إدارياً خاصاً بالدولة بغض النظر عن العلاقة التنظيمية التي تحكمه بجهة الإدارة .
وقد يكون المكلف بخدمة عامة فردا عاديا كما قد يكون موظفاً نيطت به مهمة معينة ومثال ذلك انتدابات الموظفين العموميين بصدد الحراسة العامة.
ويلاحظ أن مباشرة الخدمة وحدها لا تكفي لكي يعتبر الشخص ضمن الطائفة التي نحن بصددها فيلزم لذلك أن يكون هنا تكليف، على عكس كثير من التشريعات التي تكتفي بمباشرة الحقوق العامة حتى يعتبر الشخص في حكم الموظفين العموميين ومن أجل ذلك فإن مباشرة الخدمة العامة بمعرفة أشخاص معنوية خاصة أو أفراد بناءً على عقد إداري يحكم علاقتهم بجهة الإدارة أو بترخيص منها لا يكفي لكي يعتبر الشخص مكلفاً بخدمة عامة وبالتالي في حكم الموظف العمومي ولذلك فقد نصت المادة 119 مکرراً صراحة على ضرورة التكليف بالعمل بمقتضی القوانين أو النظم المقررة.
سادساً : رؤساء أعضاء مجالس الإدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة أو إحدى الجهات المعتبرة أموالها من الأموال العامة طبقاً للمادة 119 تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت ، وأيضاً المؤسسات والجمعيات الخاصة ذات النفع العام ، والجمعيات التعاونية والوحدات الاقتصادية.
والمقصود بذلك موظفو ومستخدمو الوحدات الاقتصادية التابعة للمؤسسة العامة الاقتصادية أي الوحدات الداخلة في القطاع العام أما موظفو ومستخدمو المؤسسة العامة ذاتها فهؤلاء موظفون عموميون بالمعنى الدقيق بإعتبار أنهم ينتظمون في التنظيم الإداري لمؤسسة عامة وبالتالي يدخلون في الطائفة الثانية سابق الحديث عنها، أما مستخدمو وموظفو القطاع العام وهي الجهات التي تساهم الدولة في مالها بأية صفة وبای نصيب فهؤلاء ما كانوا يعتبرون موظفين عموميين لولا النص صراحة وقد راعى المشرع ما لتلك الجهات من أهمية تتعلق بالنشاط الاقتصادي للدولة ولذلك فقد نص صراحة بالفقرة السادسة من المادة 111 عقوبات على اعتبارهم في حكم الموظفين العموميين بإعتبار أنهم يمارسون نشاطاً وظيفياً يتصل اتصالاً مباشراً بالنشاط الوظيفي للدولة.
وسنرى عند دراسة الجرائم المختلفة مدى مفهوم مساهمة الدولة أو احدى الهيئات العامة في أموال تلك الجهات.
وهؤلاء يعتبرون في حكم الموظفين العموميين فقط بالنسبة للرشوة المتعلقة بالشهادة الزور، أما باقي جرائم الموظفين ضد الإدارة العامة فلا يعتبرون كذلك.
والأطباء والجراحون والقابلات نصت عليهم المادة 298 عقوبات فى باب الشهادة الزور واعتبرهم المشرع في حكم الموظفين العموميين بالنسبة إلى ما يدلون به من بيانات أو شهادات حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أمام المحاكم ، ومعنى ذلك أن صفة الموظف العمومي في نظر المشرع الجنائي لا تثبت لهم إلا بصدد أعمال معينة يقومون بها بحكم صفتهم وهي الإدلاء بالشهادة الخاصة بالحمل و المرض والعاهة والوفاة ، وذلك نظراً لإتصال تلك الأعمال بالنشاط القضائي للدولة ، ومن أجل ذلك نصت المادة 298 عقوبات والخاصة بالشهادة الزور على أنه إذا كان الشاهد طبيباً أو جراحاً أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لأداء الشهادة زوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب الشهادة الزور أيهما أشد ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضاً.
ويلاحظ على هذا النص أن المشرع قد طبق على الواقعة المجرمة به القواعد الخاصة بالتعدد الحقيقي المتعلقة بالجرائم المرتبطة ارتباطاً لا يقبل التجزئة حيث يطبق بشأنها العقوبة المقررة للجريمة الأشد، فالواقعة هنا تتضمن جريمتين : الأولى هي الرشوة والثانية هي الشهادة الزور، ولا يمكن اعتبار الحالة التي نحن بصددها صورة من صور التعدد المعنوي للجرائم نظراً لوجود فعلين كل منهما يكون جريمة مستقلة، فإن طلب الرشوة بشأن بيان أو شهادة زور خاصة بالحمل أو الوفاة أو المرض أو العاهة يعتبر جريمة رشوة مستقلة على أساس أن الطبيب أو الجراح أو القابلة يعتبرون في حكم الموظفين العموميين في بياناتهم وشهادتهم أمام المحاكم بخصوص المرض والعمل والوفاة والعاهة ولذلك فمجرد الطلب الأداء الشهود زوراً تتوافر به أركان جريمة الرشوة وإن كان الإدلاء بالشهادة الزور يعتبر شرطا للعقاب عليها يكون في حد ذاته جريمة مستقلة بفعل مستقل وكون الإدلاء بالشهادة الزور هو شرط العقاب على الرشوة في هذه الحالة ، فمعنى ذلك أن صفة الموظف العام قد ثبتت سلفا للطبيب أو الجراح أو القابلة منذ اللحظة التي استدعى فيها للإدلاء بشهادته.
ثامناً : الشهود:
لم تنص المادة 111 عقوبات على اعتبار الشهود في حكم الموظفين العموميين بالنسبة لما يدلون به من بيانات ووقائع أمام المحكمة إلا أنه يستفاد من نصوص أخرى أن المشرع قد اعتبرهم كذلك نظراً لأهمية الشهادة بالنسبة للنشاط القضائي للدولة فالمادة 298 فقرة أولى عقوبات تنص في باب الشهادة الزور على أنه إذا قبل من شهد زوراً في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعدا بشيء ما يحكم عليه هو والمعطى أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو الشهادة الزور كانت هذه أشد من عقوبات الرشوة ونظراً لأن الرشوة لا تقع إلا من موظف عمومي أو من في حكمه بسبب عمل من أعمال الوظيفة فمفاد ذلك أن المشرع اعتبر الإدلاء الشهادة يضفي على الشخص صفة الموظف العمومي بالنسبة للرشوة وغنى عن البيان أن تلك الصفة تثبت للشهود بمجرد صدور قرار المحكمة بإستدعائهم وتنتهي بانتهاء الشهادة. (قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 95 )
ثانياً : الأشخاص الذين اعتبرتهم المادة 111 في حكم الموظفين:
نصت المادة 111 من قانون العقوبات على عدة فئات اعتبرت أفرادها في حكم الموظفين.
(أ) المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها :
يقصد بالمستخدمين صغار العاملين في الدولة الذين يشاركون بنصيب ضئيل في إدارة أعمال الحكومة وقد كان لوجود هذا النص ما يبرره في الماضي حيث كانت طائفة المستخدمين تتميز عن طائفة الموظفين إذ كان يقصد بالموظف العمومي كل شخص من رجال الحكومة بيده نصيب من السلطة العامة، فلا يدخل في هذا المعنى سوى رجال السلطة القضائية وكبار رجال السلطة التنفيذية والإدارية أما المستخدم فهو من كان يعين في إحدى الوظائف الخارجة عن الهيئة وقد كانت هذه التفرقة مقررة في القانون الخاص بموظفي الدولة رقم 210 لسنة 1951 الذي كان قائماً وقت صدور نص المادة 111ع، ولكن هذه التفرقة قد زالت بمقتضى قانون العاملين المدنيين الصادر سنة 1964 والذي استبدل بلفظي الموظف والمستخدم، لفظ العامل ليصدق على الاثنين معاً وقد سار على نفس الدرب قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم 58 لسنة 1971 وقانون نظام العاملين المدنيين بالدولة الحالي رقم 47 لسنة 1978 وعلى ذلك لا يكون النص المشرع في المادة 111 على اعتبار المستخدمين في حكم الموظفين ما يبرره إلا من حيث استهدافه تأكيد خضوع المستخدمين لأحكام الرشوة تجنباً الكل خلاف في هذا الصدد.
ويستوي في خضوع المستخدم لأحكام الرشوة أن يكون مستخدماً في مصلحة تابعة للحكومة أو في مصلحة موضوعة تحت رقابتها وإن لم تكن تابعة لها، والمقصود بالمصالح التابعة للحكومة تلك التي تخضع للحكومة المركزية، أما المصالح الموضوعة تحت رقابتها فيقصد بها الهيئات العامة ذات الشخصية المعنوية المستقلة التي تخضع للوصاية أو الرقابة الإدارية للدولة، مثال ذلك الوحدات الإقليمية، كالمحافظات والمدن، والمؤسسات العامة، والشركات المؤممة.
(ب) أعضاء المجالس النيابية أو المحلية :
ويقصد بالمجالس النيابية والمحلية الهيئات التي تمثل الشعب أو جانباً منه في التعبير عن إرادته فيما تعلق بالمشاكل العامة ويسرى النص على أعضاء هذه المجالس سواء كانوا منتخبين أو معينين، ويرجع ذلك إلى أنهم - خلال مدة نيابتهم - يباشرون بعض الأعمال العامة المتعلقة بالاختصاصين التشريعي والتنفيذي للدولة وقد طبق القضاء هذا المعنى على أعضاء لجان الاتحاد الاشتراكي العربی استنادا إلى أن لهذه اللجان الصفة التمثيلية التي تجعل منها مجالس نيابية.
قضى باعتبار موظفي ومستخدمي المؤسسة العامة التعاونية والاستهلاكية والجمعية التعاونية الاستهلاكية المركزية موظفين عامين : نقض 14 فبراير سنة 1967 مجموعة أحكام محكمة النقض س 18 رقم 14 ص 209.
(ج) المحكمون والخبراء ووكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون :
والحكمة من اعتبار أفراد هذه الفئات في حكم الموظفين العامين أنهم يقومون بأعمال مساعدة للعمل القضائي تسهم في تحقيق العدالة مما اقتضى إلزامهم بواجب الأمانة والنزاهة أثناء تأدية هذه الأعمال.
(د) المكلفون بخدمة عامة
يجعل المشرع في حكم الموظف العام كل شخص مکلف بخدمة عامة، ويقصد بذلك كل من تكلفة الدولة أو أي شخص معنوي عام بالقيام لحسابها بعمل عارض من الأعمال العامة كالمترجم الذي تعهد إليه المحكمة بالترجمة في دعوى مطروحة أمامها، وقد قضى تطبيقاً لذلك بإعتبار من نصب نائباً للحارس على شركة موضوعة تحت الحراسة الإدارية، وذلك بتكليف ممن يملكه، للسهر على نشاط الشركة وإخضاعها لرقابة الدولة المباشرة مكلفا بخدمة عامة، فيعتبر کالموظفين في حكم الرشوة .
وبأن أمين شونة بنك التسليف يعد مكلفاً بخدمة عامة عند تكليفه بإستلام القمح من الأهالي لحساب الحكومة ووزنه وتحديد درجة نظافته، فإذا قبل مبلغاً من المال نظير إهمال مقتضيات التكليف حق عقابه بمقتضى نصوص الرشوة.
نقض 16 مايو سنة 1961 مجموعة أحكام محكمة النقض س 11 رقم 109 ص 570 .
(هـ) العاملون في القطاع العام :
نص المشرع أخيراً على أن يعد في حكم الموظفين أعضاء مجالس الإدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم فى مالها بنصيب ما بأية صفة كانت وواضح من عبارة النص أن المشرع يكتفي لإعتبار العاملين في هذه الهيئات في حكم الموظفين العامين بأن تكون الدولة أو أحد الأشخاص المعنوية العامة مساهمة في رأسمالها بأي نصيب وبأية صفة ولا أهمية بعد ذلك لكون الدولة تساهم في إدارتها أو تباشر الرقابة عليها أم تقتصر على المساهمة في رأس المال فحسب، ويستوي نوع النشاط الذي تباشره هذه الهيئات فقد يكون اقتصادياً أو اجتماعياً، كما يستوي أن يتخذ المقابل الذي يحصل عليه عضو مجلس الإدارة صورة مرتب شهري أو سنوي أو صورة مكافأة عن كل جلسة.
وإذا كان اتفاق الفقه منعقداً على سريان النص على كل من تربطه بهذه الهيئات علاقة تبعية بحيث يقوم بعمله فيها على وجه الإعتياد والإنتظام، فإن الخلاف يثور بعد ذلك حول من يعهد إليه بالقيام بعمل عارض لحساب إحدى الهيئات، كخبير ينتدب للقيام ببحث فني، أو محام يوكل للدفاع عنها في قضية، أو محاسب يتولى القيام بعملية معينة فيذهب رأى إلى إخراج هذه الطائفة من الخضوع للنص، إذ يرون أنه لا يعد عاملاً في هذه الهيئات إلا من يقوم بعمله فيها على وجه الدوام ويذهب رأي آخر إلى اعتبار هؤلاء ممن يشملهم النص، حيث يعتبرون العامل في هذه الهيئات هو من يؤدي لها عملاً لقاء أجر، سواء أكانت علاقته بها مستمرة أم مؤقتة، وسواء استندت إلى عقد العمل أو إلى الوكالة أو الندب ونحن نؤيد الوجهة الثانية إذ هي التي تحقق هدف المشرع في حماية أنشطة هذه الهيئات من عبث القائمين بها، سواء أكان قيامهم بها على سبيل الإستمرار أو التأقيت، لا سيما وأن مساهمة الدولة في رأسمال هذه الهيئات إنما يعني تقديرها للدور الهام الذي تؤديه في المجتمع، مما يفرض نزاهة جميع العاملين فيها.
ويطلق على الهيئات المذكورة في النص القطاع العام، وذلك تمييزاً لها عن هيئات الدولة أي المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها من ناحية، وعن هيئات القطاع الخاص التي لا تسهم الدولة في رأسمالها من ناحية أخرى.
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص :
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشياً وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بإنتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الإستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 19)
تعريف الموظف العام :
الموظف العام كما استقرت محكمة النقض على تعريفه هو الذي يعهد إليه بعمل دائم في خدمة مرفق عام في الدولة أو أحد أشخاص القانون العام عن طريق شغله منصباً يدخل في التنظيم الإداري لذلك المرفق.
فئات الأشخاص التي نصت عليهم المادة 111 من قانون العقوبات :
نصت المادة 111 على فئات من الأشخاص اعتبرتهم في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الفصل وهم :
(1) المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها ويريد الشارع بالمستخدمين في المصالح التابعة للحكومة أن يشير إلى صغار الموظفين العاملين في الدولة فقد جرى عرف الشارع فيما مضى على احتجاز تعبير "الموظف" لكبار العاملين في الدولة ولفظ "مستخدم" لصغارهم وقد زالت الآن هذه التفرقة وصار الجميع العاملين المدنيين في الدولة والإشارة إلى المستخدمين في النص يستفاد منه أن المشرع يخضع النصوص الرشوة كل شخص ينطبق عليه تعريف الموظف العام في مدلوله الجنائي أياً كان وضعه في التدرج الوظيفي فمن يشغلون أدنى الدرجات يخضعون لنصوص الرشوة ولو كانوا سعاه أو حجاباً وخضوع الموظف النظام خاص خلاف قانون العاملين المدنيين كرجال الجيش والشرطة وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والقضاة لا ينفي عنهم صفة الموظف العام ويريد الشارع بالمستخدمين في المصالح الموضوعة تحت رقابة الحكومة أن يشير إلى العاملين في الهيئات العامة اللامركزية باعتبارها هيئات تخضع للوصاية الإدارية وسواء في ذلك أن تكون من هيئات الإدارة المحلية كالمحافظات والمدن أو أن تكون مؤسسات عامة متخصصة إدارية كانت أو تجارية أو صناعية.
(2) أعضاء المجالس النيابية العامة أو المحلية سواء أكانوا منتخبين أو معينين ولاشك أن هؤلاء الأشخاص يعتبرون موظفون عموميون إلا أن المشرع أشار إليهم صراحة منعا لكل خلاف وهؤلاء يقومون بأعمال عامة وإن لم يكن لها صفة الدوام إذ هي مؤقتة بمدة النيابة.
(3) المحكمون أو الخبراء ووكلاء الديانة والمصفون والحراس القضائيون وهؤلاء هم الذين يعاونون القضاة في ممارسة اختصاصاتهم.
(4) كل شخص مكلف بخدمة عمومية ويقصد بالمكلف بخدمة عامة كل من يلزمه القانون بالقيام بإحدى الخدمات العامة أو بمباشرة مهمة تتعلق بالنظام العام بغض النظر عن كونه لا يشغل مركزاً وظيفياً في الدولة ولا تثبت هذه الصفة إلا في حدود العمل المكلف به ويشترط لصحة التكليف الصادر من موظف عام أن يصدر ممن يملكه فلا يستعاض عن ذلك بالأمر الواقع الذي تفرضه الإدارة خروجا على حكم القانون ويستوي أن يكون العمل المكلف به دائماً أو مؤقتاً بمقابل أو بغير مقابل سواء سعی إلى التكليف بإرادته أو كان بناءً على أمر من السلطة العامة ويلاحظ أن أحكام الرشوة لا تسرى على من يتطوع لعمل من الأعمال العامة.
(5) العاملون في الوحدات الاقتصادية التي تساهم الدولة أو أحد الأشخاص الإدارية العامة في مالها بنصيب إعمالاً لنص الفقرة الأخيرة للمادة 111 من قانون العقوبات فإنه يعتبر في حكم الموظفين في تطبيق نصوص هذا الفصل الخاص بالرشوة أعضاء مجالس إدارة مديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بأية صفة كانت ويلاحظ أنه يتعين أن تتوافر تلك الصفة وقت ارتكاب الرشوة.
يضاف إلى الأشخاص الوارد ذكرهم في المادة 111 من قانون العقوبات بعض الأشخاص ليسوا من الموظفين أو من في حكمهم وتسري مع ذلك أحكام الرشوة عليهم وهم :
(أ) كل طبيب أو جراح أو قابلة أعطى بطريق المجاملة شهادة أو بياناً مزوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة مع علمه بتزويره ذلك يعاقب بالحبس أو بغرامة خمسمائة جنيه مصرى فإذا طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو خذ وعداً أو عطية للقيام بشئ من ذلك أو وقع الفعل نتيجة لرجاء أو توصية أو سلطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشي أيضاً.
المادة 222 عقوبات المعدلة بالقانون رقم 122 لسنة 1957 الصادر في 19 مايو سنة 1957.
(ب) إذا قبل من شهد زوراً في دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعدا بشيء ما يحكم عليه هو والمعطى أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو للشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبات الرشوة.
(ج) وإذا كان الشاهد طبيباً أو جراحاً أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو بل أو أخذ وعدا أو عطية لأداء الشهادة زوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة في باب الرشوة أو في باب شهادة الزور أيهما أشد ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبات المقررة للمرتشي أيضاً.
المادة 289/ 2 من قانون العقوبات المضافة بالقانون رقم 112 لسنة 1957 الصادر في 19 مايو سنة 1957. (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة: 266)
حددت المادة التي نحن بصددها فئات معينة من العاملين واعتبرتهم موظفين عموميين في تطبيق نصوص الرشوة وهذه الفئات هي :
أ) المستخدمون في المصالح التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها :
والمستخدم الشخص الذي يعين في إحدى الوظائف الخارجة عن التنظيم الإداري للمرفق العام، وفي مصر جرى العرف على إطلاق لفظ "المستخدمين" على صغار الموظفين الحكوميين، حيث كان تعبير "الموظف" يقتصر على كبار الموظفين في الدولة، أما في الوقت الحاضر فلم يعد لهذه التفرقة وجود، حيث أصبح هؤلاء وأولئك من "العاملين المدنيين في الدولة"، وينظم علاقاتهم بالدولة قانون واحد.
ولا يقتصر النص على المستخدم في المصالح الحكومية، وإنما يشمل المستخدم في المصالح والأجهزة الموضوعة تحت رقابة الحكومة من الوحدات اللامركزية، سواء كانت من وحدات الحكم المحلي مثل المحافظات والمدن، أو من الهيئات والمؤسسات العامة المتخصصة التي لها موازنة خاصة، وبصفة عامة يمكن القول بأن هذه الفئة تغطى كل شخص له نصيب في القيام بعمل من وزارات الحكومة ومصالحها والهيئات والمؤسسات العامة التابعة لها ووحدات الحكم المحلي، سواء أكان معيناً بصفة دائمة أم مؤقتة وأياً كان وضعه في التدرج الوظيفي، ولو كان يشغل أدنى درجات السلم الوظيفي.
ب) أعضاء المجالس النيابية :
المجالس النيابية هي الهيئات العامة ذات الصفة التمثيلية، أي التي تنوب عن كافة المواطنين أو عن جماعة منهم في التعبير عن إرادتهم الجماعية في الشئون العامة هذه المجالس قد تكون عامة على مستوى الجمهورية، مثل مجلس الشعب ومجلس الشورى، وقد تكون محلية على مستوى وحدات التقسيم الإداري للجمهورية، مثل المجالس الشعبية المحلية أو مجالس المحافظات أو المدن أو القري.
ويعد أعضاء هذه المجالس من الموظفين العموميين بالمفهوم الإداري إلا أن المشرع أشار إليهم صراحة منعاً لكل خلاف يمكن أن يثور حول إمكان تطبيق نصوص الرشوة عليهم ولا أهمية المصدر إخفاء الصفة التمثيلية على عضو المجلس النيابي فقد يكون منتخباً أو معيناً، كما أن الحكم ببطلان إنتخاب العضو لا يحول دون تطبيق أحكام الرشوة عليه، متى كان قد ارتكب الجريمة قبل أن يتقرر البطلان نهائياً.
ج) المحكمون والخبراء ونحوهم :
نصت المادة (111) عقوبات والتي نحن بصددها على طائفة من معاوني القضاة الذين يعتبرون في حكمهم الموظفين العموميين وهم : المحكمون والخبراء ووكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون، وهؤلاء يكلفون بخدمة عامة لها من الأهمية والخطورة ما دفع المشرع إلى تخصيصهم بالنص عليهم صراحة، رغم أنه نص بعد ذلك على المكلفين بخدمة عامة وأخضعها لأحكام جريمة الرشوة، فالمحكم يؤدي عملاً من جنس العمل القضائي والخبير يقدم رأيه الفني القاضي فيمهد للحكم الذي يصدره الأخير.
أما وكلاء النيابة والمصفون والحراس القضائيون فإنهم يساعدون القاضي في إتمام مهمته وأعمالهم لهذا السبب لا تقل أهمية عن عمل المحكم والخبير.
د) المكلفون بخدمة عامة :
المكلف بخدمة عامة هو كل شخص يعهد إليه من سلطة مختصة بأداء عمل مؤقت وعارض لحساب الدولة أو لحساب أحد الأشخاص المعنوية العامة، والمكلف بخدمة عامة يختلف عن الموظف العام في أنه لا يؤدي مهمته على سبيل الإعتبار والإنتظام بل على وجه عارض ومؤقت.
لكن يشترط أن يكون التكليف بالخدمة العامة صادراً ممن يملكه قانوناً وإلا كان غير صحيح ويستوي أن يكون العمل المكلف به الشخص بمقابل أو بغير مقابل، كما لا أهمية لكون الشخص قد سعى إلى هذا التكليف بإرادته أو أن التكليف قد فرض عليه بناءاً على أمر من السلطة العامة.
ويختلف التكليف بالخدمة العادية عن الترخيص بها، فالتكليف ينطوي وعني الإلزام بخلاف الترخيص الذي يقوم على السماح والإذن، لذلك لا يقوم الترخيص بأداء الخدمة العامة مقابل التكليف بها والمكلف بخدمة عامة قد يكون من الأشخاص العاديين كما قد يكون موظفاً عاماً ندبته الدولة لأداء خدمة عامة خارج أعمال وظيفته.
هـ) العاملون في القطاع العام :
ألحق المشرع هذه الطائفة من العاملين بالموظفين العموميين فيما يتعلق بتطبيق أحكام الرشوة وقد أضيفت هذه الطائفة بالقانون 120 لسنة 1962 الذي أضاف إلى المادة التي نحن بصددها فقرة جديدة تقضي بأن يعتبر في حكم الموظفين العموميين في تطبيق نصوص الرشوة : أعضاء مجالس إدارة ومديرو ومستخدمو المؤسسات والشركات والجمعيات والمنظمات والمنشآت إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تساهم في مالها بنصيب ما بأية صفة كانت، وقد أعتبر أفراد هذه الطائفة في حكم الموظفين العموميين بنص خاص حاسماً للخلاف الذي ثار حول صفة موظفي المشروعات التي تساهم فيها الدولة أو إحدى الهيئات العامة بالنسبة لجرائم الرشوة والإختلاس وما يلحق بها أي تلك الجرائم التي تفترض توافر صفة الموظف العام لقيامها . (الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 376 )
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 282
الرِّشْوَةُ :
هِيَ جَرِيمَةٌ مُحَرَّمَةٌ بِالْقُرْآنِ لقوله تعالي : (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) وَهِيَ فِي الْيَهُودِ وَكَانُوا يَأْكُلُونَ السُّحْتَ مِنَ الرِّشْوَةِ. وَهِيَ كَذَلِكَ مُحَرَّمَةٌ بِالسُّنَّةِ لِحَدِيثِ: «لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ» . وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَتْ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَفِيهَا التَّعْزِيرُ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 190
(مادة 376)
يعد في حكم الموظف العام في أحكام هذا الفصل:
1- المستخدم في الجهات التابعة للحكومة أو الموضوعة تحت رقابتها أو إشرافها.
2- عضو المجلس النيابي العام أو المحلي منتخباً كان أو معيناً.
3- المحكم والخبير ووكيل الدائنين والمصفي والحارس القضائي.
4- المكلف بخدمة عامة.
5- عضو مجلس إدارة المؤسسة، أو الشركة، أو الجمعية، أو المنظمة، أو المنشأة إذا كانت الدولة أو إحدى الهيئات العامة تسهم في مالها بنصيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 219
رِشْوَةٌ
التَّعْرِيفُ:
الرِّشْوَةُ فِي اللُّغَةِ: مُثَلَّثَةُ الرَّاءِ: الْجُعْلُ، وَمَا يُعْطَى لِقَضَاءِ مَصْلَحَةٍ، وَجَمْعُهَا رُشًا وَرِشًا.
قَالَ الْفَيُّومِيُّ: الرِّشْوَةُ - بِالْكَسْرِ -: مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ لِلْحَاكِمِ أَوْ غَيْرِهِ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَقَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الرِّشْوَةُ: الْوُصْلَةُ إِلَى الْحَاجَةِ بِالْمُصَانَعَةِ، وَأَصْلُهُ مِنَ الرِّشَاءِ الَّذِي يُتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى الْمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: الرِّشْوَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ رَشَا الْفَرْخُ إِذَا مَدَّ رَأْسَهُ إِلَى أُمِّهِ لِتَزُقَّهُ.
- وَرَاشَاهُ: حَابَاهُ، وَصَانَعَهُ، وَظَاهَرَهُ.
- وَارْتَشَى: أَخَذَ رِشْوَةً، وَيُقَالُ: ارْتَشَى مِنْهُ رِشْوَةً: أَيْ أَخَذَهَا.
- وَتَرَشَّاهُ: لاَيَنَهُ، كَمَا يُصَانَعُ الْحَاكِمُ بِالرِّشْوَةِ
- وَاسْتَرْشَى: طَلَبَ رِشْوَةً
- وَالرَّاشِي: مَنْ يُعْطِي الَّذِي يُعِينُهُ عَلَى الْبَاطِلِ.
- وَالْمُرْتَشِي: الآْخِذُ
- وَالرَّائِشُ: الَّذِي يَسْعَى بَيْنَهُمَا يَسْتَزِيدُ لِهَذَا، وَيَسْتَنْقِصُ لِهَذَا.
وَقَدْ تُسَمَّى الرِّشْوَةُ الْبِرْطِيلَ وَجَمْعُهُ بَرَاطِيلُ.
قَالَ الْمُرْتَضَى الزَّبِيدِيُّ: وَاخْتَلَفُوا فِي الْبِرْطِيلِ بِمَعْنَى الرِّشْوَةِ، هَلْ هُوَ عَرَبِيٌّ أَوْ لاَ؟.
وَفِي الْمَثَلِ: الْبَرَاطِيلُ تَنْصُرُ الأْبَاطِيلَ،.
وَالرِّشْوَةُ فِي الاِصْطِلاَحِ: مَا يُعْطَى لإِبْطَالِ حَقٍّ، أَوْ لإِحْقَاقِ بَاطِلٍ،.
وَهُوَ أَخَصُّ مِنَ التَّعْرِيفِ اللُّغَوِيِّ، حَيْثُ قُيِّدَ بِمَا أُعْطِيَ لإِحْقَاقِ الْبَاطِلِ، أَوْ إِبْطَالِ الْحَقِّ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمُصَانَعَةُ:
الْمُصَانَعَةُ: أَنْ تَصْنَعَ لِغَيْرِكَ شَيْئًا لِيَصْنَعَ لَكَ آخَرَ مُقَابِلَهُ، وَكِنَايَةٌ عَنِ الرِّشْوَةِ، وَفِي الْمَثَلِ: مَنْ صَانَعَ بِالْمَالِ لَمْ يَحْتَشِمْ مِنْ طَلَبِ الْحَاجَةِ.
ب - السُّحْتُ - بِضَمِّ السِّينِ:
أَصْلُهُ مِنَ السَّحْتِ - بِفَتْحِ السِّينِ - وَهُوَ الإْهْلاَكُ وَالاِسْتِئْصَالُ، وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ؛ لأِنَّهُ يَسْحَتُ الْبَرَكَةَ أَيْ: يُذْهِبُهَا.
وَسُمِّيَتِ الرِّشْوَةُ سُحْتًا،. وَقَدْ سَارَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ،.
لَكِنَّ السُّحْتَ أَعَمُّ مِنَ الرِّشْوَةِ، لأِنَّ السُّحْتَ كُلُّ حَرَامٍ لاَ يَحِلُّ كَسْبُهُ.
ج - الْهَدِيَّةُ:
مَا أَتْحَفْتَ بِهِ غَيْرَكَ، أَوْ مَا بَعَثْتَ بِهِ لِلرَّجُلِ عَلَى سَبِيلِ الإْكْرَامِ، وَالْجَمْعُ هَدَايَا وَهَدَاوَى - وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -
يُقَالُ: أَهْدَيْتُ لَهُ وَإِلَيْهِ، وَفِي التَّنْزِيلِ (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ).
قَالَ الرَّاغِبُ: وَالْهَدِيَّةُ مُخْتَصَّةٌ بِاللُّطْفِ، الَّذِي يُهْدِي بَعْضُنَا إِلَى بَعْضٍ، وَالْمِهْدَى: الطَّبَقُ الَّذِي يُهْدَى عَلَيْهِ.
وَالْمِهْدَاءُ: مَنْ يُكْثِرُ إِهْدَاءَ الْهَدِيَّةِ.
وَفِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ الرِّشْوَةُ هِيَ: مَا يُعْطَى بَعْدَ الطَّلَبِ، وَالْهَدِيَّةُ قَبْلَهُ.
د - الْهِبَةُ:
الْهِبَةُ فِي اللُّغَةِ الْعَطِيَّةُ بِلاَ عِوَضٍ.
قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: الْهِبَةُ: الْعَطِيَّةُ الْخَالِيَةُ عَنِ الأْعْوَاضِ وَالأْغْرَاضِ، فَإِذَا كَثُرَتْ سُمِّيَ صَاحِبُهَا وَهَّابًا.
وَاتَّهَبْتُ الْهِبَةَ: قَبِلْتُهَا، وَاسْتَوْهَبْتُهَا: سَأَلْتُهَا، وَتَوَاهَبُوا: وَهَبَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ.
وَاصْطِلاَحًا: إِذَا أُطْلِقَتْ هِيَ التَّبَرُّعُ بِمَالِهِ حَالَ الْحَيَاةِ بِلاَ عِوَضٍ. وَقَدْ تَكُونُ بِعِوَضٍ فَتُسَمَّى هِبَةَ الثَّوَابِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالْهِبَةِ، أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا إِيصَالاً لِلنَّفْعِ إِلَى الْغَيْرِ، وَإِنْ كَانَ عَدَمُ الْعِوَضِ ظَاهِرًا فِي الْهِبَةِ، إِلاَّ أَنَّهُ فِي الرِّشْوَةِ يَنْتَظِرُ النَّفْعَ، وَهُوَ عِوَضٌ.
و - الصَّدَقَةُ:
مَا يُخْرِجُهُ الإْنْسَانُ مِنْ مَالِهِ عَلَى وَجْهِ الْقُرْبَةِ كَالزَّكَاةِ، لَكِنِ الصَّدَقَةُ فِي الأْصْلِ تُقَالُ لِلْمُتَطَوَّعِ بِهِ، وَالزَّكَاةُ لِلْوَاجِبِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْوَاجِبُ صَدَقَةً، إِذَا تَحَرَّى صَاحِبُهَا الصِّدْقَ فِي فِعْلِهِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: الْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْهَدِيَّةُ وَالْعَطِيَّةُ مَعَانِيهَا مُتَقَارِبَةٌ، وَكُلُّهَا تَمْلِيكٌ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَاسْمُ الْعَطِيَّةِ شَامِلٌ لِجَمِيعِهَا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الرِّشْوَةِ وَالصَّدَقَةِ: أَنَّ الصَّدَقَةَ تُدْفَعُ طَلَبًا لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى، فِي حِينِ أَنَّ الرِّشْوَةَ تُدْفَعُ لِنَيْلِ غَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ عَاجِلٍ.
أَحْكَامُ الرِّشْوَةِ:
الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَرِشْوَةُ الْمَسْئُولِ عَنْ عَمَلٍ حَرَامٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)، قَالَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرِّشْوَةُ.
وَقَالَ تَعَالَى: (وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإْثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ» وَفِي رِوَايَةٍ زِيَادَةُ «وَالرَّائِشَ».
وَيَحْرُمُ طَلَبُ الرِّشْوَةِ، وَبَذْلُهَا، وَقَبُولُهَا، كَمَا يَحْرُمُ عَمَلُ الْوَسِيطِ بَيْنَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
غَيْرَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإْنْسَانِ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ - أَنْ يَدْفَعَ رِشْوَةً لِلْحُصُولِ عَلَى حَقٍّ، أَوْ لِدَفْعِ ظُلْمٍ أَوْ ضَرَرٍ، وَيَكُونُ الإْثْمُ عَلَى الْمُرْتَشِي دُونَ الرَّاشِي.
قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ.
وَفِي حَاشِيَةِ الرَّهُونِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْعُلَمَاءِ قَالَ: إِذَا عَجَزْتَ عَنْ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ، فَاسْتَعَنْتَ عَلَى ذَلِكَ بِوَالٍ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحُجَّةِ الشَّرْعِيَّةِ أَثِمَ دُونَكَ إِنْ كَانَ ذَلِكَ زَوْجَةً يُسْتَبَاحُ فَرْجُهَا، بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ عَلَيْكَ؛ لأِنَّ مَفْسَدَةَ الْوَالِي أَخَفُّ مِنْ مَفْسَدَةِ الزِّنَا وَالْغَصْبِ، وَكَذَلِكَ اسْتِعَانَتُكَ بِالأْجْنَادِ يَأْثَمُونَ وَلاَ تَأْثَمُ، وَكَذَلِكَ فِي غَصْبِ الدَّابَّةِ وَغَيْرِهَا، وَحُجَّةُ ذَلِكَ أَنَّ الصَّادِرَ مِنَ الْمُعِينِ عِصْيَانٌ لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ، وَالْجَحْدَ وَالْغَصْبَ عِصْيَانٌ وَمَفْسَدَةٌ، وَقَدْ جَوَّزَ الشَّارِعُ الاِسْتِعَانَةَ بِالْمَفْسَدَةِ - لاَ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا مَفْسَدَةٌ - عَلَى دَرْءِ مَفْسَدَةٍ أَعْظَمَ مِنْهَا، كَفِدَاءِ الأْسِيرِ، فَإِنَّ أَخْذَ الْكُفَّارِ لِمَالِنَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ، وَفِيهِ مَفْسَدَةُ إِضَاعَةِ الْمَالِ، فَمَا لاَ مَفْسَدَةَ فِيهِ أَوْلَى أَنْ يُجَوَّزَ.
فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَسِيرًا نَحْوَ كِسْرَةٍ وَتَمْرَةٍ، حُرِّمَتْ الاِسْتِعَانَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِغَيْرِ حُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ؛ لأِنَّ الْحُكْمَ بِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَمْرٌ عَظِيمٌ لاَ يُبَاحُ بِالْيَسِيرِ.
وَاسْتَدَلُّوا مِنَ الأْثَرِ بِمَا وَرَدَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا بِدِينَارَيْنِ، حَتَّى خُلِّيَ سَبِيلُهُ. وَقَالَ: إِنَّ الإْثْمَ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ.
وَعَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يُصَانِعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ إِذَا خَافَ الظُّلْمَ.
أَقْسَامُ الرِّشْوَةِ:
قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الرِّشْوَةَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ مِنْهَا:
أ - الرِّشْوَةُ عَلَى تَقْلِيدِ الْقَضَاءِ وَالإْمَارَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي.
ب - ارْتِشَاءُ الْقَاضِي لِيَحْكُمَ، وَهُوَ كَذَلِكَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ وَالْمُعْطِي، وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ.
ج - أَخْذُ الْمَالِ لِيُسَوِّيَ أَمْرَهُ عِنْدَ السُّلْطَانِ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ أَوْ جَلْبًا لِلنَّفْعِ، وَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الآْخِذِ فَقَطْ.
د - إِعْطَاءُ إِنْسَانٍ غَيْرِ مُوَظَّفٍ عِنْدَ الْقَاضِي أَوِ الْحَاكِمِ مَالاً لِيَقُومَ بِتَحْصِيلِ حَقِّهِ لَهُ، فَإِنَّهُ يَحِلُّ دَفْعُ ذَلِكَ وَأَخْذُهُ؛ لأِنَّهُ وَإِنْ كَانَتْ مُعَاوَنَةُ الإْنْسَانِ لِلآْخَرِ بِدُونِ مَالٍ وَاجِبَةً، فَأَخْذُ الْمَالِ مُقَابِلَ الْمُعَاوَنَةِ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ بِمَثَابَةِ أُجْرَةٍ.
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُرْتَشِي:
أ - الإْمَامُ وَالْوُلاَةُ:
قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَمْ يَخْتَلِفِ الْعُلَمَاءُ فِي كَرَاهِيَةِ الْهَدِيَّةِ إِلَى السُّلْطَانِ الأْكْبَرِ، وَإِلَى الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَجُبَاةِ الأْمْوَالِ - وَيُقْصَدُ بِالْكَرَاهِيَةِ الْحُرْمَةُ.
وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالسُّنَّةِ.
وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ، وَهَذَا مِنْ خَوَاصِّهِ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُومٌ مِمَّا يُتَّقَى عَلَى غَيْرِهِ مِنْهَا، وَلَمَّا رَدَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْهَدِيَّةَ، قِيلَ لَهُ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْبَلُهَا، فَقَالَ: كَانَتْ لَهُ هَدِيَّةً، وَهِيَ لَنَا رِشْوَةٌ؛ لأِنَّهُ كَانَ يُتَقَرَّبُ إِلَيْهِ لِنُبُوَّتِهِ لاَ لِوِلاَيَتِهِ، وَنَحْنُ يُتَقَرَّبُ بِهَا إِلَيْنَا لِوِلاَيَتِنَا.
يُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (إِمَامَة فِقْرَة 28، 29).
ب - الْعُمَّالُ:
وَحُكْمُ الرِّشْوَةِ إِلَى الْعُمَّالِ (الْوُلاَةِ) كَحُكْمِ الرِّشْوَةِ إِلَى الإْمَامِ - كَمَا مَرَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ حَبِيبٍ لِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «هَدَايَا الأْمَرَاءِ غُلُولٌ»،. وَلِحَدِيثِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ: وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ تَعَزُّزَ الأْمِيرِ وَمَنَعَتَهُ بِالْجُنْدِ وَبِالْمُسْلِمِينَ لاَ بِنَفْسِهِ، فَكَانَتِ الْهَدِيَّةُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنِيمَةِ، فَإِذَا اسْتَبَدَّ بِهِ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ خِيَانَةً، بِخِلاَفِ هَدَايَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّ تَعَزُّزَهُ وَمَنَعَتَهُ كَانَتْ بِنَفْسِهِ لاَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَصَارَتِ الْهَدِيَّةُ لَهُ لاَ لِلْمُسْلِمِينَ.
ج - الْقَاضِي:
وَالرِّشْوَةُ إِلَى الْقَاضِي حَرَامٌ بِالإْجْمَاعِ.
قَالَ الْجَصَّاصُ: وَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِ الرِّشَا عَلَى الأْحْكَامِ؛ لأِنَّهُ مِنَ السُّحْتِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ، وَاتَّفَقَتِ الأْمَّةُ عَلَيْهِ، وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي.
قَالَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ، وَيَحْرُمُ قَبُولُهُ هَدِيَّةً، وَاسْتِعَارَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ كَالْهَدِيَّةِ لأِنَّ الْمَنَافِعَ كَالأْعْيَانِ، وَمِثْلُهُ مَا لَوْ خَتَنَ وَلَدَهُ وَنَحْوُهُ فَأُهْدِيَ لَهُ، وَلَوْ قُلْنَا إِنَّهَا لِلْوَلَدِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ وَسِيلَةٌ إِلَى الرِّشْوَةِ، فَإِنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَالأْوْلَى أَنَّهُ كَالْهَدِيَّةِ، وَفِي الْفُنُونِ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ.
وَهَدِيَّةُ الْقَاضِي فِيهَا تَفْصِيلٌ تُنْظَرُ فِي (هَدِيَّة، قَضَاء).
د - الْمُفْتِي:
يَحْرُمُ عَلَى الْمُفْتِي قَبُولُ رِشْوَةٍ مِنْ أَحَدٍ لِيُفْتِيَهُ بِمَا يُرِيدُ، وَلَهُ قَبُولُ هَدِيَّةٍ.
قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: مَا أُهْدِيَ لِلْمُفْتِي، إِنْ كَانَ يَنْشَطُ لِلْفُتْيَا أُهْدِيَ لَهُ أَمْ لاَ، فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إِنَّمَا يَنْشَطُ إِذَا أُهْدِيَ لَهُ فَلاَ يَأْخُذُهَا، وَهَذَا مَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةٌ، وَالأْحْسَنُ أَنْ لاَ يَقْبَلَ الْهَدِيَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْفُتْيَا، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَيْشُونٍ وَكَانَ يَجْعَلُ ذَلِكَ رِشْوَةً.
هـ - الْمُدَرِّسُ:
إِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ تَحَبُّبًا وَتَوَدُّدًا لِعِلْمِهِ وَصَلاَحِهِ فَلاَ بَأْسَ بِقَبُولِهِ، وَإِنْ أُهْدِيَ إِلَيْهِ لِيَقُومَ بِوَاجِبِهِ فَالأْوْلَى عَدَمُ الأْخْذِ.
و - الشَّاهِدُ:
وَيَحْرُمُ عَلَى الشَّاهِدِ أَخْذُ الرِّشْوَةِ. وَإِذَا أَخَذَهَا سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ.
وَانْظُرْ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فِي (شَهَادَة).
حُكْمُ الرِّشْوَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّاشِي:
أ - الْحَاجُّ:
لاَ يَلْزَمُ الْحَجُّ مَعَ الْخَفَارَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً؛ لأِنَّهَا رِشْوَةٌ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَابِلَةِ، وَقَالَ مَجْدُ الدِّينِ بْنُ تَيْمِيَّةَ وَحَفِيدُهُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ قُدَامَةَ: يَلْزَمُهُ الْحَجُّ وَلَوْ كَانَ يَدْفَعُ خَفَارَةً إِنْ كَانَتْ يَسِيرَةً.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي الْمَسْأَلَةِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَيُكْرَهُ بَذْلُ الْمَالِ لِلرَّصْدِيِّينَ؛ لأَنَّهُمْ يَحْرِصُونَ عَلَى التَّعَرُّضِ لِلنَّاسِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَلَوْ وَجَدُوا مَنْ يَخْفِرُهُمْ بِأُجْرَةٍ، وَيَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَمْنُهُمْ بِهِ، فَفِي لُزُومِ اسْتِئْجَارِهِ وَجْهَانِ. قَالَ الإْمَامُ: أَصَحُّهُمَا لُزُومُهُ؛ لأِنَّهُ مِنْ أُهَبِ الطَّرِيقِ كَالرَّاحِلَةِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ قَرِيبٌ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ.
ب - صَاحِبُ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ:
يَجُوزُ لِصَاحِبِ الأْرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ أَنْ يَرْشُوَ الْعَامِلَ الْقَابِضَ لِخَرَاجِهِ، وَيُهْدِيَ لَهُ لِدَفْعِ ظُلْمٍ فِي خَرَاجِهِ؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِذَلِكَ إِلَى كَفِّ الْيَدِ الْعَادِيَةِ عَنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْشُوَهُ أَوْ يُهْدِيَهُ لِيَدَعَ عَنْهُ خَرَاجًا؛ لأِنَّهُ يَتَوَصَّلُ بِهِ إِلَى إِبْطَالِ حَقٍّ.
ج - الْقَاضِي:
مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْقَاضِي أَنْ يَرْشُوَ لِتَحْصِيلِ الْقَضَاءِ، وَمَنْ تَقَبَّلَ
الْقَضَاءَ بِقِبَالَةٍ (عِوَضٍ)، وَأَعْطَى عَلَيْهِ الرِّشْوَةَ فَوِلاَيَتُهُ بَاطِلَةٌ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ – رحمه الله: لَوْ بَذَلَ مَالاً لِيَتَوَلَّى الْقَضَاءَ، فَقَدْ أَطْلَقَ ابْنُ الْقَاصِّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَضَاؤُهُ مَرْدُودٌ.
وَقَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ: وَلَمْ أَرَ حُكْمَ مَا إِذَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَلَمْ يُوَلَّ إِلاَّ بِمَالٍ هَلْ يَحِلُّ بَذْلُهُ؟ وَيَنْبَغِي أَنْ يَحِلَّ بَذْلُهُ لِلْمَالِ كَمَا يَحِلُّ طَلَبُ الْقَضَاءِ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: إِذَا تَعَيَّنَ عَلَى شَخْصٍ تَوَلِّي الْقَضَاءِ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ بِسُؤَالِهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، فَإِذَا مَنَعَهُ السُّلْطَانُ أَثِمَ بِالْمَنْعِ؛ لأِنَّهُ مَنَعَ الأْوْلَى وَوَلَّى غَيْرَهُ، فَيَكُونُ قَدْ خَانَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَجَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا مَنَعَهُ لَمْ يَبْقَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَلاَ يَحِلُّ لَهُ دَفْعُ الرِّشْوَةِ.
وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: يَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا، وَيَحْرُمُ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ،.
حُكْمُ الْقَاضِي:
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي صِحَّةِ حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي، فَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ، وَكَذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ قَضَاؤُهُ إِذَا تَوَلَّى الْقَضَاءَ بِرِشْوَةٍ.
وَلَكِنْ لِبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي.
قَالَ مُنْلاَ خُسْرَوْ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ: إِذَا حَكَمَ الْقَاضِي بِالرِّشْوَةِ سَوَاءٌ كَانَ حُكْمُهُ قَبْلَ أَخْذِهِ الرِّشْوَةَ أَوْ بَعْدَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ فَفِي ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ:
فَعَلَى قَوْلٍ: أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي صَحِيحٌ إِذَا كَانَ مُوَافِقًا لِلْمَسْأَلَةِ الشَّرْعِيَّةِ، سَوَاءٌ فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا أَوِ الَّتِي لَمْ يَرْتَشِ فِيهَا، وَبِأَخْذِ الرِّشْوَةِ لاَ يَبْطُلُ الْحُكْمُ؛ لأِنَّ حَاصِلَ أَخْذِ الرِّشْوَةِ هُوَ فِسْقُ الْقَاضِي، وَبِمَا أَنَّ فِسْقَ الْقَاضِي لاَ يُوجِبُ انْعِزَالَهُ فَوِلاَيَةُ الْقَاضِي بَاقِيَةٌ، وَإِذَا كَانَ قَضَاؤُهُ بِحَقٍّ يَلْزَمُ نَفَاذُ قَضَائِهِ.
وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ: لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الدَّعْوَى الَّتِي ارْتَشَى فِيهَا، قَالَ قَاضِيخَانْ: إِنَّ الْقَاضِيَ لَوْ أَخَذَ رِشْوَةً وَحَكَمَ فَحُكْمُهُ غَيْرُ نَافِذٍ، وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ بِحَقٍّ؛ لأِنَّ الْقَاضِيَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَكُونُ قَدِ اسْتُؤْجِرَ لِلْحُكْمِ، وَالاِسْتِئْجَارُ لِلْحُكْمِ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ الْقَضَاءَ وَاجِبٌ عَلَى الْقَاضِي.
وَعَلَى قَوْلٍ ثَالِثٍ: أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُ الْقَاضِي الْمُرْتَشِي فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى الَّتِي حَكَمَ فِيهَا. وَهَذَا قَوْلُ الْخَصَّافِ وَالطَّحَاوِيِّ.
انْعِزَالُ الْقَاضِي:
ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ - فِي الْمُعْتَمَدِ - وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالْخَصَّافُ، وَالطَّحَاوِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَابْنُ الْقَصَّارِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَنْعَزِلُ بِفِسْقِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَبُولُهُ الرِّشْوَةَ.
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَمَذْهَبُ الآْخَرِينَ أَنَّهُ لاَ يَنْعَزِلُ بِذَلِكَ، بَلْ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِ الَّذِي وَلاَّهُ.
أَثَرُ الرِّشْوَةِ:
أ - فِي التَّعْزِيرِ:
هَذِهِ الْجَرِيمَةُ لَيْسَ فِيهَا عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ فَيَكُونُ فِيهَا التَّعْزِيرُ.
انْظُرْ: تَعْزِير.
ب - دَعْوَى الرِّشْوَةِ عَلَى الْقَاضِي:
لِلْقَاضِي أَنْ يُؤَدِّبَ خَصْمًا افْتَاتَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ حَكَمْتَ عَلَيَّ بِغَيْرِ حَقٍّ، أَوِ ارْتَشَيْتَ وَنَحْوِهِ بِضَرْبٍ لاَ يَزِيدُ عَلَى عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ وَحَبْسٍ، وَأَنْ يَعْفُوَ عَنْهُ، وَلَوْ لَمْ يَثْبُتِ افْتِيَاتُهُ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ.
ج - فِي الْحُكْمِ بِالرُّشْدِ:
صَرْفُ الْمَالِ فِي مُحَرَّمٍ كَرِشْوَةٍ عَدَمُ صَلاَحٍ لِلدِّينِ وَلِلْمَالِ، مِمَّا يُؤَثِّرُ فِي الْحُكْمِ بِرُشْدِ الصَّبِيِّ.
د - الْمَالُ الْمَأْخُوذُ:
إِنْ قَبِلَ الرِّشْوَةَ أَوِ الْهَدِيَّةَ حَيْثُ حَرُمَ الْقَبُولُ وَجَبَ رَدُّهَا إِلَى صَاحِبِهَا، كَمَقْبُوضٍ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ، وَقِيلَ تُؤْخَذُ لِبَيْتِ الْمَالِ لِخَبَرِ ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ.
وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ فِيمَنْ تَابَ عَنْ أَخْذِ مَالٍ بِغَيْرِ حَقٍّ: إِنْ عَلِمَ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَإِلاَّ دَفَعَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.