1- لما كانت المادة 117 مكرراً من قانون العقوبات تنص على أن " كل موظف عام خرب أو أتلف أو ضع النار عمداً فى أموال ثابتة أو منقولة أو أوراق أو غيرها للجهة التى يعمل بها أو يتصل بها بحكم عمله أو للغير متى كان معهوداً به أى تلك الجهة يعاقب بالعقوبة المقيدة للحرية المشار إليها بهذا النص ، كما يحكم على الجاني فى جميع الأحوال بدفع قيمة الأموال التى خربها أو أتلفها أو أحرقها .
(الطعن رقم 61338 لسنة 59 جلسة 1991/02/11 س 42 ع 1 ص 284 ق 38)
2- لما كان الأصل أن العقوبة الأصلية المقررة لأشد الجرائم المرتبطة ببعضها إرتباطاً لا يقبل التجزئة تجب العقوبات الأصلية المقررة لما عداها من جرائم دون أن يمتد هذا الجب إلى العقوبات التكميلية التى تحمل فى طياتها فكرة رد الشئ إلى أصله أو التعويض المدنى للخزانة أو كانت ذات طبيعة وقائية كالمصادرة ومراقبة البوليس والتى هى فى واقع أمرها عقوبة نوعية يراعى فيها طبيعة الجريمة ولذلك يجب توقيعها مهما تكن العقوبة المقررة لما يرتبط بتلك الجريمة من جرائم أخرى والحكم بها مع عقوبة الجريمة الأشد . لما كان ذلك ، وكان مما يصدق عليه هذا النظر عقوبة دفع قيمة الأموال التى خربها الجاني أو أتلفها المنصوص عليها فى المادة 117 مكرراً من قانون العقوبات فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بإلزام المطعون ضده الأول بدفع قيمة الأموال التى أتلفها إعمالاً لنص المادة سالفة البيان يكون قد خالف القانون . وإذ كان يبين من مطالعة المفردات التى أمرت المحكمة بضمها أن قيمة الأموال التى أتلفها المطعون ضده الأول غير محددة فإن محكمة النقض لا تستطيع تصحيح هذا الخطأ مما يتعين معه أن يكون مع النقض الإحالة .
(الطعن رقم 61338 لسنة 59 جلسة 1991/02/11 س 42 ع 1 ص 284 ق 38)
3- إن القصد الجنائي فى جرائم التخريب والإتلاف العمدية، سواء ما اعتبره القانون منها جنايات، وما اعتبره جنحاً، كالجريمة المنصوص عنها فى المادة 361 من قانون العقوبات ينحصر فى ارتكاب الفعل المنهي عنه بأركانه التي حددها القانون، مع اتجاه إرادة الفاعل إلى إحداث الإتلاف أو التخريب، وعلمه بأنه يحدثه بغير حق، وعبارة "بقصد الإساءة" التي ذكرت فى المادة 361 لم تأت فى الواقع بزيادة على معنى القصد الجنائي المطلوب فى جرائم الإتلاف العمدية الذي تقدم بيانه، إذ نية الإضرار تتوفر قانوناً لدى المتهم متى كان يعلم أن عمله يضر أو يمكن أن يضر بغيره، فمن يتلف مالا لغيره عن قصد وبغير حق، يضر بهذا الغير، ويسيء إليه قصداً وعمداً. وإذن فمتى كان الحكم قد أثبت فى حق الطاعن، ومن كانوا معه، أنهم كانوا يقذفون عربة السكة الحديدية بالحجارة وأن الطاعن كان يحمل فى يده زقلة ويحطم زجاجها، فأحدثوا بالعربة الإتلاف الذي أثبتته المعاينة، والذي ترتب عليه ضرر مالي يزيد على عشرة جنيهات، ودانهم من أجل ذلك بجريمة التخريب بقصد الإساءة تطبيقاً للمادة 361 من قانون العقوبات، فإن الحكم يكون صحيحاً فى القانون .
(الطعن رقم 639 لسنة 23 جلسة 1953/05/25 س 4 ع 3 ص 876 ق 318)
(الطعن رقم 1078 لسنة 53 جلسة 1983/05/30 س 34 ص 700 ق 141)
2- انتحال الوظيفة دون القيام بعمل من أعمالها لا يعتبر تداخلاً فيها إلا إذا اقترن بعمل يعد افتئاتاً عليها وهو يتحقق بالاحتيال والمظاهر الخارجية التى يكون من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفة الجاني وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولو لم يقم بعمل من أعمالها . وكان من المقرر كذلك أن عناصر الركن المادى لجريمة الاتجار بالنفوذ المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات هى التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية إذ يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أنه يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجيب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانة رئاسية أم اجتماعية أم سياسية وهو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع . وأن تكون الغاية من هذا التذرع الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لإشرافها على مزية أياً كانت شريطة أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق ، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً متى توافرت أركانها . لما كان ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعن بجريمة التداخل فى وظيفة عمومية لمجرد انتحاله صفة رئيس نيابة دون أن يستظهر الأعمال الإيجابية التى صدرت من الطاعن والتى تعتبر افتئاتاً على الوظيفة أو يبين ما أتاه الطاعن من احتيال ومظاهر خارجية من شأنها تدعيم الاعتقاد فى صفته وكونه صاحب الوظيفة التى انتحلها ولم يستظهر كذلك عنصرى التذرع بالنفوذ والسبب لجريمة الاتجار بالنفوذ فإنه يكون مشوباً بالقصور الذى يعجز محكمة النقض عن إعمال رقابتها على تطبيق القانون تطبيقاً صحيحاً على الواقعة كما صار إثباتها فى الحكم. (الطعن رقم 30615 لسنة 72 جلسة 2003/07/21 س 54 ص 796 ق 105)
3- استهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة، وبذلك تتحقق المساءلة حتى ولو كان النفوذ مزعوماً. والزعم هنا هو مطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل احتيالية، فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات وإلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات. وذلك على اعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة وإنما ظرف مشدد للعقوبة.
(الطعن رقم 59 لسنة 38 جلسة 1968/02/19 س 19 ع 1 ص 238 ق 43)
4- متى كانت الجريمة التي رفعت بها الدعوى على المتهم وجرت المحاكمة على أساسها هي الجريمة المعاقب عليها بالمادة 106 مكرراً من قانون العقوبات، والخاصة باستغلال النفوذ وهي تختلف فى أركانها وعناصرها القانونية عن جريمة الرشوة - القائمة على الاتجار بالوظيفة - التي دانته المحكمة بها بمقتضى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وكان التغيير الذي أجرته المحكمة فى التهمة على النحو المتقدم ليس مجرد تغيير فى وصف الأفعال المسندة إلى المتهم فى أمر الإحالة مما تملك محكمة الجنايات إجراءه فى حكمها إسباغاً للوصف القانوني الصحيح لتلك الأفعال، وإنما هو فى حقيقته تعديل فى التهمة ذاتها يتضمن إسناد عنصر جديد إلى الواقعة التي وردت فى أمر الإحالة هو الاتجار بالوظيفة على النحو الوارد فى المادتين 103، 103 مكرراً من قانون العقوبات، وهو تغيير لا تملك المحكمة إجراءه إلا فى أثناء المحاكمة وقبل الحكم فى الدعوى ويشترط تنبيه المتهم إليه ومنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على التعديل الجديد إذا طلب ذلك عملاً بالمادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية.
(الطعن رقم 1606 لسنة 38 جلسة 1968/10/07 س 19 ع 3 ص 807 ق 158)
5- لا جدوى مما يثيره الطاعن من خلو التحقيقات من أى دليل على أنه زعم أن له إختصاصا بالعمل الذى طلب الرشوة من أجله ، ذلك بأن ما أورده الحكم بيانا لواقعة الدعوى تتوافر به عناصر الجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و لئن أخطأ الحكم فى تطبيقه المادتين 103 ، 103 مكرراً من قانون العقوبات على واقعة الدعوى ، إلا أن العقوبة التى قضى بها تدخل فى نطاق العقوبة المقررة للجريمة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً ومن ثم فلا مصلحة للطاعن فيما يثيره فى هذا الشأن .
(الطعن رقم 1704 لسنة 39 جلسة 1971/11/01 س 21 ع 1 ص 49 ق 11)
6- إستهدف الشارع بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات ، و على ما جرى به قضاء محكمة النقض ، التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعزم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أية سلطة عامة ، و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً ، و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية ، فإن كان موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات ، و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً من القانون المذكور ، و إذ كان ما تقدم و كان الحكم المطعون فيه قد إلتزم هذا النظر فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
(الطعن رقم 1131 لسنة 40 جلسة 1970/10/26 س 21 ع 3 ص 1020 ق 244)
7- إن الشارع قد إستهدف بما نص عليه فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التوسع فى مدلول الرشوة حتى تشمل حالة إستعمال النفوذ الحقيقى أو المزعوم للحصول أو محاولة الحصول فى مقابلها على مزية ما من أيه سلطة عامة - و بذلك تتحقق المساءلة حتى و لو كان النفوذ مزعوماً . و الزعم هنا هو مطلق القول دون إشتراط إقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية . فإن كان الجاني موظفاً عمومياً وجب توقيع عقوبة الجناية المنصوص عليها فى المادة 104 من قانون العقوبات و إلا وقعت عقوبة الجنحة المنصوص عليها فى عجز المادة 106 مكرراً عقوبات ، و ذلك على إعتبار أن الوظيفة العامة ليست ركناً فى الجريمة و إنما ظرف مشدد للعقوبة .
(الطعن رقم 209 لسنة 58 جلسة 1988/12/06 س 39 ع 1 ص 1227 ق 190)
8- عناصر الركن المادى للواقعة المنصوص عليها فى المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات الخاصة بإستعمال نفوذ حقيقى أو مزعوم للحصول أو محاولة الحصول على حكم أو قرار ، هو التذرع بالنفوذ الحقيقى أو المزعوم الذى يمثل السند الذى يعتمد عليه الجاني فى أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة فى أن يستعمل ذلك النفوذ . كما أن المقصود بلفظ النفوذ هو ما يعبر عن كل إمكانية لها التأثير لدى السلطة العامة مما يجعلها تستجب لما هو مطلوب سواء أكان مرجعها مكانه رياسية أو إجتماعية أو سياسية و هو أمر يرجع إلى وقائع كل دعوى حسبما يقدره قاضى الموضوع.
(الطعن رقم 3286 لسنة 54 جلسة 1985/11/21 س 36 ص 1035 ق 189)
جريمة استغلال النفوذ:
الجريمة المنصوص عليها بالمادة 106 مكرراً عقوبات تسمى جريمة استغلال النفوذ واستغلال النفوذ جناية إذا وقع من موظف عمومي أو من في حكمه وجنحة إذا وقع من فرد عادي.
والفعل المادي المكون الاستغلال النفوذ هو كالفعل المادي المكون للرشوة ينحصر في أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يقبل أو يأخذ وعدًا أو عطية فمجرد طلب العطية أو مجرد قبولها يحقق الركن المادي ولو لم تؤخذ العطية بالفعل، وإنما يختلف الركن المادي في استغلال النفوذ عنه في الرشوة من ناحية أن الفاعل في طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية لا يلزم أن تتوافر فيه صفة الموظف أو المستخدم بل يجوز أن يكون فرداً عادياً، كما أنه في حالة کونه موظفًا لا يكون طلب أو قبول أو أخذ الوعد أو العطية ملحوظًا فيه أن يقوم الموظف بعمل أو امتناع داخلين في حدود وظيفته بل يستخدم نفوذًا له حقيقيًا أو مزعومًا لدى السلطة العامة.
ويجب لتحقق الجريمة أن يستند الفاعل في طلب أو أخذ الوعد أو العطية على نفوذ له حقيقي أو مزعوم، والزعم بالنفوذ يتحقق بمطلق القول دون اشتراط اقترانه بعناصر أخرى أو وسائل إحتيالية.
وتتم الجريمة بحصول الفعل المادي في إحدى صوره الأخذ والقبول أو الطلب للعطية أو الوعد بها مقابل الحصول أو محاولة الحصول من أية سلطة عامة على مزية من أي نوع للراشي حتى ولو لم يستعمل الجاني النفوذ فعلاً في تنفيذ الغرض الذي تناول العطية من أجله وتتم مساهمة الراشي بتقديمه العطاء أو الوعد يقبل منه أو بقبوله تقديمه بناء على طلب الطرف الآخر.
وجريمة استعمال النفوذ من الجرائم العمدية و يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد وعناصره هي العلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الإدعاء بالنفوذ الموهوم والعلم بنوع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك وبأن الاختصاص بمنحها هو لسلطة عامة وطنية ويتطلب القصد بعد ذلك اتجاه الإرادة إلى فعل الأخذ أو القبول أو الطلب، وليس من عناصر القصد أن تتجه ارادة إلى بذل الجهود من أجل الحصول على المزية التي وعد بها فتقول الجريمة ولو كانت إرادة الجاني متجهة منذ البداية إلى عدم بذل جهد في هذا الشأن والاستيلاء مع ذلك على مال من يعد باستغلال نفوذ لمصلحته.
عقوبة الجريمة :
يعاقب المستغل لنفوذه - إذا كان من أحاد الناس بالحبس وغرامة لاتقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى العقوبتين فإذا كان موظفًا أو ممن يعتبرون في حكمه وفقًا للمادة 111 عقوبات فإنه يعاقب بعقوبة المرتشي المنصوص عليها بالمادة 104 والمصادرة وجوباً للعطية والعزل بقوة القانون کجزاء تبعي والحرمان من الحقوق المنصوص عليها في المادة 25 عقوبات ويعاقب الراشي والوسيط بالعقوبة المقررة للمتجر بنفوذه ويعفى كل منهما من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها (المادة 107 مكرر عقوبات) أما إذا رفض صاحب النفوذ ما عرض عليه صاحب الحاجة فإنه تطبق على كل من عارض الفائدة والوسيط أحكام المادة 106 مكررًا عقوبات.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 226)
كان العقاب على استغلال النفوذ في القانون المصري قاصراً على الاتجار بالنفوذ الحاصل من ذي الصفة النيابية دون ما عداه حتى صدر القانون رقم 96 لسنة 1953 فجعل عامة كل من يستغل نفوذه سواء كان من ذوي الصفة النيابية أو موظفاً عاماً أو من آحاد الناس. المتميز بين استغلال النفوذ والرشوة.
التمييز بين استغلال النفوذ والرشوة:
يلاحظ أن هذه الجريمة تختلف عن جريمة الرشوة في وجهين:
الأول: لا يشترط القانون صفة معينة في الجاني، فيجوز أن يرتكب إستغلال النفوذ أي فرد من آحاد الناس، غير أنه جعل من صفة الموظف العام أو ما في حكمه ظرفاً مشدداً للعقاب في جريمة الرشوة.
الثاني: لا يرمي مستغل النفوذ إلى القيام بنفسه بالعمل أو الامتناع المتعلق بالرشوة و إنما يرمي إلى مجرد استعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم لحمل الموظف على القيام بعمل معين، فالجاني هنا غير مختص ولا يزعم الاختصاص ولا يعتقد خطأ به كما يشترط في الرشوة ولكنه يسلم لعدم اختصاصه ويتذرع بنفوذه لدى السلطة العامة لتنفيذ العمل المطلوب.
الركن المادي :
يتحقق الركن المادي في جريمة استغلال النفوذ بطلب الجاني أو أخذ عطية أو قبوله وعدا بها سواء كان ذلك لنفسه أو لغيره، لاستعمال نفوذه في الحصول أو محاولة الحصول على ميزة أو فائدة من المنصوص عليها في نص المادة التي نحن بصددها وعلى هذا فالركن المادي في جريمة استغلال النفوذ متعدد العناصر، وأول هذه العناصر الصورة التي يتحقق بها، وهي الطلب أو القبول أو الأخذ ولا يختلف مدلول هذه الصور في جريمة استغلال النفوذ عن مدلولها في جريمة الرشوة العادية، فلا فرق بين الجريمتين فيما يتعلق بصور الركن المادي في كل منها، كذلك لا يوجد فارق بين الجريمتين فيما يتعلق بموضوع الطلب أو القبول أو الأخذ إذ يجب أن ينصب هذا السلوك على عطية أو وعد بها على النحو السابق بيانه عند التعرض لجريمة الرشوة العادية ويستوي أن يكون الطلب أو القبول أو الأخذ قد تم من الجاني ذاته أو تم بواسطة الغير، كما يستوي أن يكون الطلب أو الأخذ للجاني نفسه أو لغيره، ويتحقق الركن المادي بالطلب أو القبول أو الأخذ، فلا يشترط إجتماع هذه الصور، والطلب يحقق الجريمة تامة ولو رفضه صاحب المصلحة، فالطلب الذي لم يصادف قبولاً لا يعد شروعاً في الجريمة بل يكفي لتمامها.
وينبغي أن ينزع الجاني بنفوذه كسند يعتمد عليه بطلب أو أخذ العطية أو قبول الوعد بها، لكن يستوي أن يكون للجاني نفوذ حقيقي أو لا يكون له نفوذ على الإطلاق وإنما أوهم صاحب المصلحة بأن له هذا النفوذ، فقد سوى المشرع بين حالة وجود النفوذ فعلاً وحالة الزعم بوجوده وليس بلازم أن يكون زعيم النفوذ بادعائه صراحة، وإنما يكفي أن يكون ضمنياً مستفاداً من الظروف، أي أن يكون سلوك الجاني منطوياً ضمنياً على زعم منه بهذا النفوذ.
كما لا يشترط أن يكون زعم النفوذ مدعماً بمظاهر خارجية تحمل صاحب المصلحة على الاعتقاد فيه، وإنما يكفي مجرد الادعاء بوجود النفوذ حقيقيًا أو مزعومًا.
ولا يتطلب القانون أن يكون مستغل النفوذ موظفًا عامًا، ومن ثم فمن الجائز أن يكون المتهم صاحب النفوذ الحقيقي غير موظف على الإطلاق، وقد يزعم غير الموظف أن له نفوذا على خلاف الحقيقة.
ونص المادة التي نحن بصددها واضح في دلالته على هذا المعنى، فهو لم يستعمل - على خلاف النصوص الأخرى - تعبير كل موظف عمومي ....، وإنما أطلق عبارته بنصه على كل من طلب ......... ومن ثم قد يكون مستغل النفوذ الحقيقي أو المزعوم غير موظف، يدعي أن له نفوذا على الموظف المختص بالعمل، مثال ذلك الأب الذي يمكن أن يمارس على أبنه الموظف نفوذاً حقيقياً.
وينبغي لقيام الركن المادي لجريمة استغلال النفوذ أن يكون أخذ العطية أو طلبها أو قبول الوعد بها، لاستعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم للجاني، من أجل الحصول على ميزة أو فائدة أو محاولة الحصول عليها لصاحب المصلحة في ذلك.
وقد تطلب القانون أن تكون الميزة أو الفائدة الموعود بها مطلوبة من أي سلطة عامة، بشرط أن تكون سلطة وطنية لا سلطة أجنبية أو جهة خاصة.
وفيما يتعلق بالمزايا التي يحاول المستغل لنفوذه أن يحصل عليها من السلطة العامة، يلاحظ أنها غير محصورة، وما ورد منها في نص المادة التي نحن بصددها لم يرد على سبيل الحصر، وإنما على سبيل المثال، بدليل أن هذا النص قد أردف بيان المزايا أو الفوائد التي ذكرها بعبارة "أو أية ميزة من أي نوع ............
وليس بلازم لقيام الجريمة أن يحقق الجاني المستغل لنفوذه وما وعد به ويحصل على الميزة أو الفائدة التي أوهم صاحب المصلحة بقدرته على تحقيقها له، بل تقوم الجريمة تامة ولو لم يوفي الموظف بما وعد به بسبب إخفاقه في تحقيق الوعد لأي سبب من الأسباب، من أجل هذا سوى المشرع بين الحصول ومحاولة الحصول على الميزة، ولو لم تنجح المحاولة، ويعني ذلك أن المشرع قد سوى في العقاب بين الجريمة التامة والشروع فيها خروجاً على القواعد العامة في عقاب الشروع في الجنابية .
لكن يلاحظ أن عدم نجاح مستغل النفوذ في مسعاه لا ينبغي أن يرجع إلى استحالة تحقيق الميزة المطلوبة إستحالة مطلقة، إذ في هذه الحالة لا يكون هناك وجود الميزة المطلوبة.
ويعني ذلك اشتراط إمكان تحقيق الميزة التي هي غاية الزعم بالنفوذ، فإن كانت مستحيلة التحقيق عملاً، امتنع قيام هذه الجريمة، مثال ذلك: أن يوهم شخص شخصًا آخر بأنه سيعينه في وظيفة رئيس الجمهورية أو يوهمه بأنه سيعينه في وظيفة في محافظة ليس لها وجود بين محافظات الجمهورية، ومن الممكن أن تشكل هذه الوقائع جريمة النصب إذا توافرت أركانها.
الركن المعنوي :
الجريمة التي نحن بصددها جريمة عمدية يتعين لوقوعها توافر القصد الجنائي العام ولا يشترط فيها أن تتجه نية الجاني إلى استعمال النفوذ الذي تذرع به.
العقوبة:
يعاقب الجاني في هذه الجريمة بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين هذا فضلاً عن المصادرة وفقاً المادة (10) وتشدد العقوبة إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه وفقاً للمادة (111) عقوبات لتصبح العقوبة المنصوص عليها في المادة (104) عقوبات وهي الأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على ما أعطى أو وعد به .(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة : 326 )
الركن المادي:
يشترط التطبيق هذه الجريمة أن يطلب الفاعل لنفسه أو لغيره أو يأخذ وعداً أو عطية من أجل استعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم بغرض الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة. وقد بحثنا في جريمة الرشوة المقصود بالطلب أو القبول أو الأخذ، وحددنا معنى الوعد أو العملية، فيرجع إلى ما سبق أن بيناه في هذا الصدد.
و نقتصر في هذا المجال على إيضاح ما تتميز به هذه الجريمة من عناصر، وهي:
(1) التذرع بالنفوذ.
(2) الغرض من الفعل، وهو ما عبرنا عنه بالسبب .
وهما عنصران في الركن المادي لجريمة استغلال النفوذ.
التذرع بالنفوذ:
لا يشترط للتذرع بالنفوذ أن يكون الجاني موظفاً عاماً أو في حكمه، فهذه الصفة - كما سبق أن بينا - لیست شرطاً مفترضاً في الجريمة، وإنما مجرد ظرف مشدد للعقاب، ويشترط لتوافر هذه الجريمة أن يتذرع الجاني بنفوذ معين كمقابل لطلب الرشوة أو أخذها، يستطيع باستعماله الحصول أو محاولة الحصول على ميزة من سلطة عامة.
وقد يكون النفوذ حقيقياً مثل طلب الرشوة لاستعمال نفوذ حقيقي للحصول على ترخيص من سلطة عامة التسجيل المبيدات دون اتباع الإجراءات القانونية، بل يكفي أن يكون مزعوماً سواء كان يعلم الجاني بعدم توافره أو يعتقد به خطا، فقد قدر الشارع أن الجاني حين يتجه بالنفوذ الموهوم يجمع بين الغش والإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة والجهات الخاضعة لاشرافها.
ولا يشترط أن يزعم الجاني النفوذ صراحة، فإذا توجه إليه صاحب الحاجة متوهما أن لديه نفوذ معين لدى إحدى السلطات العامة وعرض عليه عطية مقابل استعمال هذا النفوذ الوهمي، فأخذ الجاني العطية واعدا إياه باستعمال هذا النفوذ، فإن ذلك الفعل ينطوي ضمناً على زعم منه بهذا النفوذ وأن تقاضية الرشوة لم يكن إلا بناء على هذا النفوذ المزعوم. والواقع من الأمر أن إثبات الزعم متروك لمحكمة الموضوع وفقا لوقائع كل دعوى.
ولا يشترط كذلك للتذرع بالنفوذ أن يكون قد استعمل الوسائل الاحتيالية الإيهام صاحب الحاجة، فمجرد الكذب يتوافر به الزعم المطلوب. على أنه يشترط للتذرع بالنفوذ أن يقوم الجاني بعمل إيجابي لإدخال التأثير في روع من يتعامل معه من أية سلطة عامة، فلا تقع الجريمة إذا لم يتوافر هذا العمل على الإطلاق أو لم يثبت توافره، ولو كان ممثل السلطة العامة قد أعطى للجانية مزية من أي نوع.
الغرض من الفعل :
يشترط أن يكون تذرع الجاني بالنفوذ بغرض الحصول أو محاولة الحصول من أية سلطة عامة أو أية جهة خاضعة لاشرافها على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية من أي نوع أياً كانت. ومثال ذلك في القضاء المصري التذرع بالنفوذ للحصول على ترخيص بقيادة السيارة أو الحصول على حكم معين أو مد الأجل المحدد لإحدى عمليات المقاولات.
ويجب أن يكون الهدف من استغلال النفوذ القيام بعمل حقيقي ممكن، فإذا كان العمل المقصود وهمياً أو غير ممكن التحقق فلا تقع الجريمة، وإنما نكون بصدد جريمة النصب متى توافرت أركانها. مثال ذلك أن يوهم الشرطي أحد الأشخاص - خلافاً للحقيقة - بأنه متهم بجريمة معينة وأن ثمة تحقيقاً يدور بشأنه وأنه سوف يستغل نفوذه لدى المحقق لحفظ التحقيق. في هذا المثال يكون العمل وهميا ولا تقع جريمة استغلال النفوذ.
ويشترط أن يكون السعي المطلوب لدى سلطة عامة، فلا تقع جريمة استغلال النفوذ إذا كان السعي لدى جهة خاصة. ويعد في حكم السلطة العامة كل جهة خاضعة لاشرافها (المادة 106 مكرراً) ويراد بالسلطة العامة في هذا الصدد السلطة الوطنية، فلا مجال لتطبيق نص المادة 106 مكرراً على السعي لدى سلطة أجنبية وهذا هو ما قضي به في فرنسا وأيده الفقه الفرنسي. كما أنه لا محل لتطبيق هذه المادة إذا كان النفوذ الذي يتذرع به الجاني لدى منظمة دولية. ومع ذلك تقع الجريمة إذا كان الجاني يتذرع بنفوذه لدى سلطة عامة مصرية تمثل مصر لدى المنظمة الدولية أو السلطة الأجنبية.
والفرض أن يكون لهذه السلطة العامة وجود قانوني، فإذا استغل الجاني جهل المجني عليه وأوهمه أنه بإمكانه استغلال نفوذه لدى سلطة عامة وهمية - اعتبرت الواقعة نصباً إذا توافرت سائر أركان هذه الجريمة. ولا تقوم الجريمة إذا تذرع الجاني بنفوذه الحقيقي أو المزعوم فأخذ عطية اعتماداً على هذا النفوذ إذا لم يقصد بذلك الحصول على مزية للغير من أية سلطة عامة. كما تعد الواقعة نصباً إذا كانت الغاية من التذرع بالنفوذ الحصول أو محاولة الحصول من السلطة العامة أو أية جهة خاضعة لاشرافها على مزية أياً كانت بشرط أن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق، فإن كانت غير ممكنة عدت الواقعة نصباً.
الركن المعنوي:
هذه جريمة عمدية يتعين لوقوعها توافر القصد الجنائي العام، ولا يشترط فيها أن تتجه نية الحالي إلى استعمال النفوذ الذي تذرع به. وآية ذلك أن المشرع قد ساوى بين النفوذ الحقيقي والنفوذ المزعوم، مما يفيد ضمناً أنه يستوي لديه أن تتجه نية المانية الحقيقية إلى استعمال نفوذه الحقيقي أو ألا يتجه إلى ذلك، كما في حالة التذرع بالنفوذ المزعوم. يضاف إلى ذلك أن الاستعمال الفعلي للنفوذ ليس عنصراً في الركن المادي للجريمة.
العقوبة:
يعاقب الجاني في هذه الجريمة بالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، هذا فضلاً عن المصادرة وفقاً للمادة 110، وشدد العقوبة في حالتين:
(1) إذا كان الجاني موظفاً عاماً أو من في حكمه وفقاً للمادة 111 عقوبات، وفي هذه الحالة يعاقب الجاني بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 عقوبات، وهي السجن المؤبد وغرامة لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد على ما أعطي أو وعد به.
(2) إذا كان الغرض من استغلال النفوذ ارتكاب فعل يعاقب عليه القانون بعقوبة أشد، كالتزوير في محرر رسمي، فيتعين الحكم بالعقوبة المقررة لهذا الفعل ولو لم تكن الجريمة ذات العقوبة الأشد قد وقعت فعلاً (المادة 108 عقوبات). وعلة ذلك أن القانون قد اعتبر جريمة استغلال النفوذ في حكم جريمة الرشوة، كما نص عليه قبل أن يورد نص المادة 109 المذكورة مما يتعين انسحابه على الجرائم السابقة عليه والتي تعد في حكم الرشوة.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة: 406).
علة تجريم رشوة المستخدمين في المشروعات الخاصة هي الأهمية الإقتصادية والإجتماعية التي بلغتها المشروعات الخاصة - أو مع بعضها على الأقل – في المجتمع الحديث وهذه الأهمية فرضت على الشارع الحرص على نزاهة أعمالها تمكينا لها من أداء دورها الإجتماعي وتشترك هذه الرشوة مع الرشوة العادية في أغلب أركانها، وأهم موضع للإختلاف بينهما أن صفة المرتشي كموظف عام غير متطلبة في رشوة المستخدمين في المشروعات الخاصة .
جريمة استغلال النفوذ :
تمهيد : نص الشارع على تجريم استغلال النفوذ في المادة 106 مكرراً من قانون العقوبات التي قضت بأن « كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أو عطية لاستعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية من أي نوع يعد في حكم المرتشي ويعاقب بالعقوبة المنصوص عليها في المادة 104 من هذا القانون إن كان موظفاً عمومياً، وبالحبس وبغرامة لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط في الأحوال الأخرى ويعتبر في حكم السلطة العامة كل جهة خاضعة لاشرافها .
الفرق بين الرشوة واستغلال النفوذ و الفرق بين الجريمتين أن الرشوة اتجار في عمل وظيفي في حين أن استغلال النفوذ هو إتجار في سلطة حقيقية أو موهومة للجاني على المختص بالعمل الوظيفي ونتيجة لهذا الفارق، فقد كان من أهم أركان الرشوة إختصاص المرتشي بالعمل الوظيفي (أو ما يعدل الإختصاص الفعلى من زعم به أو اعتقاد خاطىء به، في حين أن استغلال النفوذ يفترض انتفاء الإختصاص (وما يعدله من زعم أو اعتقاد خاطيء)، بل أن مستغل النفوذ قد لا يكون على الإطلاق موظفًا عامًا.
علة تجريم استغلال النفوذ :
علة هذا التجريم أن الفعل يتضمن إساءة إلى الثقة في الوظيفة العامة : فالجاني يوحي إلى صاحب الحاجة أن السلطات العامة لا تتصرف وفقاً للقانون وبروح من الحيدة والموضوعية، وإنما تتصرف تحت سطوة ما له من نفوذ عليها، وحين يكون النفوذ حقيقياً فالجاني يسيء استغلال السلطة التي خولها له القانون، فبدلاً من استعمالها من أجل الهدف الذي خوله القانون إياها، يستعملها وسيلة إلى الإثراء غير المشروع؛ وحين يكون النفوذ موهوما فهو «حينئذ يجمع بين الغش أو الاحتيال والإضرار بالثقة الواجبة في السلطات العامة والجهات الخاضعة لاشرافها».
أركان جريمة استغلال النفوذ و تقوم جريمة استغلال النفوذ على رکنین : رکن مادی و رکن معنوی .
فالركن المادي مركب العناصر ومتنوعها، إذ يقوم بفعل الأخذ أو القبول أو الطلب، ولهذا الفعل موضوعه وهو الوعد أو العطية، وله سنده من النفوذ الحقيقي أو المزعوم، وله هدفه وهو الإيهام بإمكان الحصول على إحدى المزايا التي أشار الشارع إلى أمثلة لها أما الركن المعنوي فصورته القصد .
الأخذ أو القبول أو الطلب النصب على وعد أو عطية: تحدد هذه الصور للفعل الإجرامي والموضوع الذي تنصب عليه وفق ذات القواعد التي يحدد بها الركن المادي في الرشوة، فلا فرق بين الجريمتين في شأن هذه الماديات . وتطبيقا لذلك، فإن مجرد طلب المتهم وعداً أو عطية لاستغلال نفوذه ورفض صاحب الحاجة طلبه تقوم به جريمة تامة، لا مجرد شروع فحسب.
التبرع بالنفوذ الحقيقي أو المزعوم : هذا التذرع يمثل السند الذي يعتمد عليه المتهم في أخذه أو قبوله أو طلبه الوعد أو العطية، فهو يفعل ذلك نظير وعده لصاحب الحاجة في أن يستعمل لمصلحته ذلك النفوذ . وفي حالة التذرع بالنفوذ الحقيقي، فالفرض الغالب أن المتهم موظف عام غير مختص بالعمل الذي يطلبه صاحب الحاجة، ولكن له سلطة رئاسية على الموظف المختص، وله تبعاً لذلك سلطة الأمر والتوجيه عليه، ومن مجموعة ذلك يتكون النفوذ الذي يعد بتسخيره لمصلحة صاحب الحاجة ومن الجائز أن يكون المتهم صاحب النفوذ الحقيقي غير موظف على الإطلاق : ذلك أنه لا محل - إزاء إطلاق نص القانون - الإشتراط أن يكون للنفوذ طابع رسمی، فكل أنواع النفوذ سواء، ومن الممكن في هذا الصدد القول بأن للأب على ابنه الموظف، ولأحد الزوجين على زوجة الموظف نفوذا حقيقيا . أما في حالة النفوذ المزعوم، فالفرض أنه ليس للمتهم نفوذ على الموظف المختص، ولكنه يوهم صاحب الحاجة بأن له هذا النفوذ، ويدخل في نطاق هذه الحالة أن يكون له عليه نفوذ محدود، فيوهم صاحب الحاجة بأن نفوذه عليه كبير، إذ يعد القدر الزائد من النفوذ نفوذاً مزعوماً ولا يشترط تدعيم النفوذ بمظاهر خارجية، فمجرد الإدعاء الشفوي أو الكتابي به كاف والأصل في التذرع بالنفوذ ادعاؤه صراحة، ولكن ذلك ليس شرطاً، « بل يكفي أن يكون سلوك الجاني منطوياً ضمناً على زعم منه بهذا النفوذ.»
الحصول أو محاولة الحصول على مزية من أية سلطة عامة: يعد الحصول أو محاولة الحصول على مزية من أية سلطة عامة غاية التذرع بالنفوذ الحقيقي أو المزعوم . فالجاني يحاول إيهام المجنى عليه بأنه سيحقق له - عن طريق نفوذه الحقيقي أو المزعوم - مثل هذه المزية . وقد ذكر الشارع أمثلة لهذه المزايا، فأشار إلى «الحصول على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة ». وقد جاء هذا البيان من الإتساع بحيث يشمل كل مزية يمكن الحصول عليها من السلطات العامة، وهذا البيان قد ورد مع ذلك على سبيل المثال بدليل إرداف الشارع له بعبارة « أو أية مزية من أي نوع »، ويمكن - على سبيل التأصيل - تعريف المزية بأنها « كل قرار صادر عن سلطة عامة في مصلحة صاحب الحاجة ومن الأمثلة القضائية لفكرة المزية : العمل على حفظ تحقيق قضائي أو إداري أو سیاسی، والعمل على نقل موظف، والإعفاء من الخدمة العسكرية، وإلغاء قرار بالإبعاد، ومنح الجنسية الوطنية، والحصول على قرار بالعفو عن عقوبة كلها أو بعضها، والحصول على أمر بالإفراج الشرطي.
وعلى الرغم من هذا التوسع في تحديد معنى المزية، فثمة قيدان يردان عليها فيشترط أن يكون الحصول على المزية من سلطة وطنية، فيخرج من نطاق النص استغلال النفوذ للحصول على مزية من سلطة أجنبية ولكن ليس بشرط أن تكون السلطة جزءاً من الحكومة المركزية، وإنما يجوز أن تكون « جهة خاضعة لإشرافها »، فيدخل في نطاق ذلك الهيئات اللامركزية باعتبارها خاضعة لوصاية الدولة، ويتعين من ناحية ثانية أن تكون المزية التي يستهدفها الزعم بالنفوذ ممكنة التحقيق، وأن يكون للسلطة التي يفترض فيها أن تخول هذه المزية وجود حقیقی فيخرج من نطاق النص من يوهم آخر بأنه سيعينه في وظيفة في محافظة ليس لها وجود بين التقسيمات الإدارية للجمهورية.
الركن المعنوي في جريمة استغلال النفوذ :
يتخذ هذا الركن صورة القصد، وعناصره هي العلم بوجود النفوذ الحقيقي أو كذب الإدعاء بالنفوذ الموهوم، والعلم بنوع المزية التي يعد بالحصول عليها أو محاولة ذلك، وبأن الإختصاص بمنحها هو لسلطة عامة وطنية ويتطلب القصد بعد ذلك إتجاه الإرادة إلى فعل الأخذ أو القبول أو الطلب وليس من عناصر القصد ان تتجه إرادة الجاني إلى بذل الجهود من أجل الحصول على المزية التي وعد بها، فتقوم الجريمة ولو كانت إرادة الجاني متجهة منذ البداية إلى عدم بذل جهد في هذا الشأن والاستيلاء مع ذلك على مال من يعد باستغلال نفوذه صحته.
عقوبة جريمة استغلال النفوذ :
إذا كان الجاني موظفاً عاماً وقعت عليه العقوبة التي تنص عليها المادة 104 من قانون العقوبات، أي السجن المؤبد وضعف الغرامة المقررة للرشوة . أما إذا كان غير موظف، تقويته الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط، وعلة هذه التفرقة في العقاب أن الموظف العام يحمل أمانة السهر على ثقة جمهور الناس في الوظيفة العامة، تین صدر الإخلال عنه كان وزره أشد.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة: 62)
والمصلحة المراد حمايتها بالنص السابق تتمثل في المحافظة على حسن سير العمل بجهة الإدارة وعدم استغلال الوظيفة العامة وما تمنحه من نفوذ في عرقلة النشاط الوظيفي، وذلك إذا كان الجاني موظفًا عموميًا، واحترام جهة الإدارة ودعم الثقة بأنشطتها المختلفة أن كان النفوذ مزعوماً أو كأن الجاني من غير الموظفين العموميين.
العناصر المكونة للجريمة .
الركن المادي :
إن هذه الجريمة لا تتطلب في فاعلها صفة خاصة، وإنما جعل المشرع من توافر صفة الموظف العام في الفاعل ظرفاً مشدداً للعقوبة ولذلك لا تدخل صفة الجاني كعنصر من عناصر التكوين القانوني للجريمة. والركن المادي للجريمة يقوم على سلوك الطلب أو الأخذ أو القبول لعطية أو وعد بها، وأن يكونا لمقابل للعطية أو الوعد بها ليس أداء عمل أو الامتناع عن عمل من أعمال الوظيفة وإنما قيام الجاني باستعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم لدى الموظف المختص للحصول على خدمة أو مزية من سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها.
على ذلك فالركن المادي المكون للواقعة على التجريم يقوم على العناصر الآتية :
أولاً : سلوك من الجاني يتمثل في طلب أو أخذ أو قبول.
ثانياً : أن ينصب هذا السلوك على عطية أو وعد بها.
ثالثاً : أن تكون العطية مقابلاً لاستعمال الجاني لنفوذه الحقيقي أو المزعوم.
رابعاً : أن يكون استعمال النفوذ هو للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها على مزية من أي نوع كان.
ويلاحظ أنه بالنسبة للعنصرين الأول والثاني فإن ما سبق بيانه في خصوص الرشوة صالح للجريمة التي نحن بصددها. ولذلك سنقتصر على دراسة العنصرين الثالث والرابع.
استعمال النفوذ كمقابل للعطية أو الوعد بها :
تقوم جريمة استعمال النفوذ إذا كان المقابل للوعد أو العطية ليس القيام بعمل من أعمال الوظيفة أو الامتناع عنه أو الإخلال بواجبات الوظيفة كما هو الشأن في الرشوة. وإنما يكون في الأحوال التي يكون فيها المقابل هو استغلال نفوذ الجاني. وفي هذا تفترق الرشوة عن استغلالها النفوذ من حيث الواقعة المكونة للجريمة. حقا انه في حالة ما إذا كان الجاني موظفاً عمومياً فإن استغلال يشكل إخلالا بواجبات الوظيفة، إلا أن هذه الجريمة تختلف عن الرشوة في أن الإخلال بواجبات الوظيفة يشكل في الرشوة الغاية من السلوك بينما استغلال النفوذ أن شكل إخلالاً بواجبات الوظيفة إلا أنه يعتبر وسيلة لتحقيق غرض آخر أخذه المشرع بعين الاعتبار في التكوين القانوني للجريمة، وهذا الفرض هو الحصول على مزية من سلطة عامة لا يحققها مجرد الإخلال المتمثل في استغلال النفوذ. ولذلك فإن جريمة استغلال النفوذ حيث يكون الجاني موظفاً عاماً، يتضمن واقعة الرشوة المنصوص عليها في المادة 104ويضاف إليها عناصر أخرى تخصصها وهي أن يكون الإخلال لمصلحة الراشي أو من يعينه على مزيد من أي نوع كان. ولذلك أيضاً يعتبر نص استغلال النفوذ هو نص خاص بالنسبة لنص الرشوة. وترتيبا على ذلك فلا يمكن أن تتعدد جريمة الرشوة المنصوص عليها بالمادة 104 مع جريمة استغلال النفوذ المنصوص عليها بالمادة 106 مكرراً إنما يطبق الأخير إعمالاً لقواعد حل التنازع بين النصوص وليس إعمالاً لقواعد التعدد المعنوي.
ويقصد بالنفوذ التأثير الذي يمكن أن يمارسه الجاني على الموظف المختص بالعمل الذي يحقق مزية أو خدمة من أي نوع كان أو على الجهاز المنوط به ذلك. وسواء أكان هذا التأثير مستمد من وظيفة يشغلها الجاني أو من صلات شخصية تربطه بالقائمين على الجهاز.
ويستوي بالنسبة للجريمة أن يكون النفوذ السابق حقيقية أو أن يكون مزعومة أي لا يتفق والواقع إنما يقوم فقط في ذهن الجاني أو في ذهن الراشي. فالجريمة تقوم حتى ولو كان الجاني يعلم بعدم تمتعه بأي نفوذ إلا أنه زعم توافر هذا النفوذ أو ترك الغير يعتقد بذلك.
كما يستوي أن يتم استغلال النفوذ بسلوك إيجابي من الجاني أم بسلوك سلبي يتمثل في ترك الغير لاستغلال اسمه لدى السلطة العامة أو الجهات الخاضعة لإشرافها، مع علمه بذلك.
(ب) أن يكون استعمال النفوذ هو للحصول أو لمحاولة الحصول من سلطة عامة على مزية من أي نوع :
إن جريمة استغلال النفوذ تتطلب نية خاصة بالسلوك الإجرامي وهي أن يكون المقابل للعطية أو الوعد بها هو استعمال النفوذ، الحقيقي أو المزعوم، للحصول أو لمحاولة الحصول من أية سلطة عامة على أعمال أو أوامر أو أحكام أو قرارات أو نياشين أو التزام أو ترخيص أو اتفاق توريد أو مقاولة أو على وظيفة أو خدمة أو أية مزية من أي نوع. ويستوي أن تكون المزية مادية أو معنوية، ولكن يلزم أن تكون المزية محددة أو قابلة للتحديد.
وقد ساوى المشرع بين أستغلال النفوذ للحصول أو لمحاولة الحصول على أية مزية كانت. فالجريمة تقع كاملة حتى ولو كان الجاني قد وعد باستغلال نفوذه لمحاولة الحصول على المزية أو الخدمة، كما يستوي أن تكون المزية للراشي أو لشخص آخر يعينه .
ويلزم أن يكون استغلال النفوذ لدى سلطة عامة. ويقصد بذلك أجهزة الدولة المختلفة وهيئاتها العامة، كما يعتبر في حكم السلطة العامة جميع الجهات الخاضعة لإشراف الدولة أو إحدى هيئاتها العامة، ولذلك يدخل في هذا المجال الجهات التي تساهم الدولة في أموالها بأي نصيب کان، وكذلك الجمعيات التعاونية والنقابات المنشأة طبقاً للقواعد المقررة قانونا والمؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام.
وقت تمام الجريمة :
تقع الجريمة كاملة في ركنها المادي بمجرد تمام فعل الطلب أو الأخذ او القبول للعطية أو الوعد بها مع توافر النية الخاصة بالسلوك وهی استغلال النفوذ الحقيقي أو المزعوم، لدى سلطة عامة للحصول أو لمحاولة الحصول على المزية المطلوبة.
ولا يشترط قيام الجاني باستغلال نفوذه فعلاً أو محاولته ذلك، بل تقع الجريمة كاملة حتى ولو كان الجاني يقصد عدم القيام باستغلال نفوذه. ولذلك فإن هذه الجريمة يمكن أن تشكل عناصر جريمة النصب إلا أننا لا نكون بصدد تعدد معنوي و إنما بصدد تنازع ظاهري بين النصوص يتم حله عن طريق تطبيق النص الخاص وهو في هذه الحالة النص المتعلق باستغلال النفوذ.
الركن المعنوي للجريمة :
يقوم الركن المعنوي لجريمة استغلال النفوذ على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة، والعلم يجب أن ينصرف إلى العناصر المكونة للواقعة الإجرامية فيلزم أن ينصرف علم الجاني إلى أن العطية أو الوعد بها هي مقابل لاستغلال نفوذه للحصول أو لمحاولة الحصول على مزية من أي نوع. كما يلزم أن يحيط علم الجاني بأن الجهة التي يسعى للحصول على المزية منها هي سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، ويجب أن تتجه إرادة الجاني إلى الطلب أو الأخذ أو القبول، ولكن لا يلزم اتجاه إرادته إلى تحقيق ما وعد به الجاني من استغلال نفوذه للحصول أو لمحاولة الحصول على المزية المطلوبة.
أما نية المرافقة للطلب أو الأخذ أو القبول والمتمثلة في استغلال النفوذ للحصول أو لمحاولة الحصول على المزية فهي ليست قصداً خاصاً وإنما تشكل عنصراً نفسيا للسلوك الإجرامي لتمييزه عن غيره من أنماط السلوك الأخرى المتماثلة معه في مكوناتها المادية.
المساهمة الجنائية في الجريمة والتعدد مع غيرها من الجرائم :
أن جريمة استغلال النفوذ هي جريمة ثنائية في غير أحوال الطلب، ولذلك فإن الراشي يعتبر مساهماً ضرورياً فيها . كذلك أيضاً يعاقب وصف المساهمة كل من توافرت لديه نية التداخل في الجريمة
وحقق سلوكا يندرج تحت وصف التحريض أو الاتفاق أو المساعدة سواء للراشي أو المرتشي. وإذا كانت المزية قد اشترطت لشخص ثالث خلاف الراشي فإنه يكون مساهما في الجريمة إذا باشر تحريضاً أو اتفاقاً أو مساعدة وذلك بالتطبيق للقواعد العامة في المساهمة، ومن ناحية أخرى قد تتعدد هذه الجريمة مع جريمة الرشوة المرتكبة من الغير أو مع جريمة الاستجابة لرجاء أو توصية أو وساطة، إذا قام الجاني برشوة الموظف المختص بمنح المزية أو توسط لديه، غير أنه يلاحظ في حالة قيام الجاني برشوة الموظف المختص بمنح المزية أو توسط لديه، غير أنه يلاحظ في حالة قيام الجاني بتنفيذ ما وعد به من استغلال النفوذ لدى الجهة المختصة فإن مرتكب جريمة استغلال النفوذ هو فقط الذي يكون مساهمة في جريمة الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة دون غيره من المساهمين الآخرين. وذلك لأن واقعة المساهمة في الجريمة الثانية وهي الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة، وكل ما هنالك من خلاف ينحصر في أن المشرع يجرم المساهمة في استغلال النفوذ بغض النظر عن تحقق النتيجة والتي تمثلها الجريمة الثانية وهي الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة ولذلك فإن تحققها لا يؤثر على مركز المساهم باعتبارها متضمنة بالضرورة في فعل المساهمة. ومعنى ذلك أننا لا نكون بصدد تعدد معنوي بين الجرائم وإنما بصدد تنازع ظاهرى بین النصوص. ويلاحظ أنه في حالة المكافأة اللاحقة لاستغلال النفوذ وبدون اتفاق سابق لا نكون إلا بصدد جريمة واحدة وهي الخاصة بالمكافأة اللاحقة والمنصوص عليها بالمادة 105 عقوبات.
عقوبة الجريمة :
فرق المشرع في المادة 106 مكرراً بین ما إذا كان الجاني موظفاً عمومياً وبين الأحوال الأخرى التي لا يتمتع الجاني فيها بتلك الصفة.
أولاً: إذا كان الجاني موظفاً عمومياً، أي يندرج تحت طائفة من الطوائف التي عددتها المادة 111 عقوبات، فإن المشرع يعتبره في حكم المرتشي ويعاقب بالعقوبة المقررة في المادة 104 عقوبات، وذلك باعتبار أن مقابلة العطية أو الوعد بها والمتمثل في استغلال النفوذ هو في جوهره يعتبر إخلالاً بواجبات الوظيفة، وعليه فإن العقوبة في هذا الفرض تكون هي السجن المؤبد بوصفها عقوبة أصلية بالإضافة إلى عقوبة الغرامة النسبية والتي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد عن ضعف ما أعطى أو وعد به، وذلك كعقوبة تكميلية وجوبية.
ثانياً : إذا كان الجاني لا يتمتع بصفة الموظف العام، وفقاً للمادة 111 عقوبات، فإن العقوبة المقررة للجريمة تكون هي الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين. ومعنى ذلك أن الواقعة تعتبر جنحة يعاقب عليها بالحبس والغرامة على سبيل الجمع أو التخيير حسبما ترى المحكمة في ظروف الواقعة. والغرامة هنا هي عقوبة أصلية يمكن التحكم بها منفردة.
ويطبق على الراشي والوسيط ذات العقوبة المقررة قانوناً للجريمة بحسب الأحوال، كما يتمتع كلاهما بمانع العقاب في حالة أخبار السلطات أو الاعتراف بالجريمة، على التفصيل السابق بيانه بصدد جريمة الرشوة. وفي جميع الأحوال يحكم أيضاً بالمصادرة كعقوبة تكميلية وجوبية طبقاً للمادة 110 عقوبات.(قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة: 203)
الوقت الذي يجب أن تتوافر فيه الصفة والاختصاص:
العبرة في توافر صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل هي بالوقت الذي يقع فيه الركن المادي لجريمة الرشوة، وهو وقت طلب العطية أو أخذها أو قبول الوعد بها. فإذا انتفت الصفة وقت وقوع الفعل لا يعتبر الفاعل مرتشيًا، وإن أمكن أن تقع منه جريمة النصب بانتحال صفة غير صحيحة إذا ادعى أن له صفة الموظف وتوافرت باقی أركان هذه الجريمة، ويترتب على هذا التحديد أن الرشوة لا تقع من شخص ليست له صفة الموظف، إذا تقاضى مبلغاً لقاء القيام بعمل وظيفي ولو تحققت فيه هذه الصفة بعد ذلك إذ لا يتحقق حينئذ التعاصر المطلوب بين الركن المادي للرشوة وبين صفة الموظف العام. كذلك لا تقع الجريمة إذا قدم العطاء إلى موظف عام ليقوم بعمل لا يدخل في نطاق اختصاصه ولم يزعم الاختصاص به ولم يعتقد خطأ الاختصاص به، وإنما أخذ العطية استغلالاً لسذاجة صاحب الحاجة. والجريمة لا تقع في هذا الفرض ولو دخل العمل في اختصاصه بعد وقوع الفعل. ولا تقع جريمة الرشوة إذا وقع الفعل المادي المكون لها بعد أن زالت عن الموظف صفته بالعزل أو الاستقالة، أو إذا كانت الصفة قائمة ولكن كان العمل قد خرج عن نطاق اختصاصه ولم يزعم أنه لا يزال مختصاً به، أو يعتقد خطأ بذلك.
وإذا توافرت صفة الموظف العام واختصاصه بالعمل وقت ارتكاب الفعل فإن جريمة الرشوة تقع، ولا يؤثر في ذلك أن تزول عن المرتشي صفة الموظف والاختصاص الذي كان له، ولو كان من نتيجة ذلك استحالة تحقيق غرض الرشوة.
الركن المعنوي في جريمة الرشوة
قصد المرتشي:
جريمة الرشوة جريمة عمدية يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، وهو يتحقق بتوافر عنصري : العلم والإرادة.
العلم: يجب أن ينصرف علم الموظف إلى أركان الجريمة، فيجب أن يكون عالماً بأنه موظف وأن العمل المطلوب منه يدخل في نطاق اختصاصه حقيقة أو زعماً أو اعتقاداً مخالفاً للحقيقة، فإذا كان يجهل وقت قيامه بالنشاط الإجرامي أنه قد يصدر قرار بتعيينه، أو كان يجهل أن العمل المطلوب منه قد أصبح داخلاً في نطاق اختصاصه، ينتفي لديه القصد. كذلك يجب أن ينصرف علم الجاني إلى الفعل المكون الركن المادي للجريمة، فلا يكفى لقيام القصد الجنائي لديه أن يدخل العطية في حيازته دون علمه كما لو دسها صاحب الحاجة في جيبه أو في درج مكتبه دون أن يشعر. ويجب أن يكون الجاني عالماً بأن العطية التي تقدم إليه هي مقابل العمل المطلوب، فإن جهل ذلك بأن كان معتقدا أنها قدمت لغرض بریء کسداد الدين على صاحب الحاجة لا يتوافر القصد الجنائي، ويظل غير متوافر ولو علم فيما بعد بالغرض الحقيقي العطية فقام بالعمل المطلوب .
الإرادة: يجب أن تتجه إرادة المرتشي إلى ارتكاب الفعل المكون الركن المادي للجريمة بأن يريد أخذ العطية أو قبول الوعد بها أو طلب الوعد أو العطية، وتنتفي هذه الإرادة إذا كان الراشي قد قدم العطية فتسلمها الموظف ثم ردها في الحال، كما تنتفي إذا كان الموظف قد تظاهر بتوافرها لديه بغية إتاحة السبيل للقبض على الراشي متلبساً بالجريمة.
هل يشترط قصد خاص في الرشوة :
ذهب بعض الفقهاء إلى تطلب قصد خاص في جريمة الرشوة يتمثل في نية الاتجار بالوظيفة أو استغلالها، ونحن نرفض هذه الوجهة فالمشرع يكتفي لتحقق القصد بتوافر العلم لدى الموظف بأن العطية تقدم كثمن للاتجار بالوظيفة، يؤيد ذلك حرص المشرع على أن يؤكد هذا المعنى بتقريره معاقبة الموظف بعقوبة الرشوة حتى ولو كان يقصد عدم القيام بالعمل أو الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات الوظيفة، أي أن الجريمة تقع سواء توافرت أو لم تتوافر نية الاتجار في أعمال الوظيفة.
معاصرة القصد الجنائي للركن المادي:
من المقرر أن القصد لا يعتد به في القول بتوافر الجريمة إلا إذا كان معاصراً للنشاط الإجرامي المكون للركن المادي للجريمة، فتنتفى الجريمة إذا لم يكن القصد متوافراً بعنصريه وقت الأخذ أو القبول أو الطلب، ولا عبرة بتوافره في وقت لاحق على ذلك.
أركان الجريمة :
يتطلب المشرع لقيام هذه الجريمة أركاناً ثلاثة، صفة الجاني، والركن المادي، والركن المعنوي.
صفة الجاني :
الفرض في الجاني أنه مستخدم في هيئة خاصة، فكان الأصل أن يخضع ارتشاؤه لنص المادة 106 ع، ومع ذلك فقد ارتأى المشرع أن لبعض الهيئات الخاصة دورا هاما في نطاق الاقتصاد القومي مما يقتضي أن يحيطها المشرع بحماية أكبر، وكان من مظاهر هذه الحماية أن شدد العقوبة عن جريمة الرشوة التي تقع من المستخدم في هذه الهيئات عن عقوبة رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت (المادة 106) بحيث أصبحت جناية. ولم يقتصر تمييز المشرع جريمة المادة 106 مكرراً (أ) عن رشوة المستخدم في المشروع الخاص على شدة العقوبة، وإنما امتد التمييز إلى عدة مجالات ابتعدت بهذه الجريمة عن رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت بقدر ما اقتربت بها من جريمة رشوة الموظف العام. وهذا التمييز بين الجريمتين يلقي الضوء على أهمية تحديد الهيئات التي يخضع المستخدم فيها لهذا التشديد، فالجناية التي نصت عليها المادة 106 مكرراً (أ) لا تقع إلا من شخص توافرت فيه صفة معينة، هي أن يكون مستخدما في إحدى الشركات المساهمة أو إحدى الجمعيات التعاونية أو النقابات المنشأة طبقاً للأوضاع المقررة قانوناً، أو بإحدى المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام. وتحديد صفة الجاني يقتضي البحث في أمرين: ما المقصود بالمستخدم؟ ثم ما المقصود بالهيئات التي حددها النص؟ فيما يتعلق بتحديد معنى المستخدم نحيل إلى ما سبق ذكره فيما يتعلق بصفة الجاني في رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت أما الهيئات التي حددها المشرع فهی:
أولاً: الشركات المساهمة، ويعني ذلك ألا يخضع لهذا النص المستخدم في شركة أخرى كشركة تضامن أو شركة توصية بالأسهم، وإنما يسرى عليه نص المادة 106 السابق بيانه، كما يخرج من نطاقها الشركات التي تساهم الدولة أو إحدى الهيئات العامة في مالها بنصيب ما، فهذه يعتبر مستخدموها في حكم الموظفين العامين (م 111 ع).
ثانياً: الجمعيات التعاونية، ويقصد بها الجمعيات التعاونية المملوكة للأفراد وتخضع لإشراف الدولة. ويعني ذلك استبعاد الجمعيات التعاونية التي تنشئها الدولة، كالجمعيات التعاونية التابعة للمؤسسة العامة الاستهلاكية، فهذه يعتبر مستخدموها في حكم الموظفين العامين طبقاً للفقرة الأخيرة من المادة 111 ع.
ثالثاً: النقابات المنشأة طبقًا للقواعد المقررة قانونًا، وهذا التحديد قصد به المشرع أن يميز بين نوعين من النقابات: الأول النقابات التي تنشئها الدولة وتخولها قدرًا من السلطة العامة وتهدف بها إلى تحقيق مصلحة عامة، وهذه تعتبر مؤسسات عامة ويعتبر العاملون فيها موظفين عموميين، ولذلك يخرج هذا النوع من نطاق النص محل البحث، والنوع الثاني من النقابات هو النقابات التي ينشئها الأفراد ولا يكون لها قبل أعضائها سلطات القانون العام، ومثالها نقابات العمال. وهذا النوع هو الذي يخضع مستخدموه لنص المادة 106 مكرراً (أ) من قانون العقوبات، يؤيد ذلك أن المادة المذكورة قد عبرت عن النقابات بقولها «المنشأة طبقاً للقواعد المقررة قانوناً» ولا يثور البحث فيما إذا كانت النقابة منشأة للقواعد المقررة قانوناً أم لا إلا إذا كانت من النقابات التي ينشئها الأفراد دون الدولة.
رابعاً: المؤسسات أو الجمعيات المعتبرة قانونًا ذات نفع عام، وهی تعتبر ذات نفع عام إذا استهدفت تحقيق مصلحة عامة، وأسبغ عليها القانون صفة النفع العام، على أن يستبعد من هذا النطاق مستخدمو المؤسسات والجمعيات التي تساهم الدولة في مالها بنصيب، إذ يعتبر هؤلاء في حكم الموظفين العموميين طبقًا للمادة 111 ع.
ويلاحظ أنه قد يكون من بين المستخدمين السابق بيانهم من يعتبر في ذات الوقت مكلفًا بخدمة عامة، فيعتبر حينئذ في حكم الموظف العام طبقًا للمادة 111 ع وتوقع عليه، إذا ارتكب الرشوة، العقوبة المقررة لرشوة الموظف العام .
وقد سوى المشرع بالنسبة لرشوة المستخدم في الشركات المساهمة وما إليها - كما هو الشأن في رشوة الموظف العام - بين أن يكون المستخدم مختصاً بالعمل المطلوب منه أو أن يكون زاعما اختصاصه به أو معتقداً خطأ اختصاصه به. وفي ذلك تختلف جناية رشوة المستخدم في الشركات المساهمة وما يلحق بها عن جنحة المستخدم في المشروع الخاص البحت المادة 106)، حيث يشترط المشرع أن يكون مختصاً بالعمل المطلوب منه أداؤه أو الامتناع عنه.
الركن المادي:
قوام الركن المادي في هذه الجريمة هو ذات العناصر التي سبق تحديدها بصدد رشوة الموظف العام، فيتمثل الفعل في الطلب أو الأخذ أو القبول الذي يكون موضوعه العطية أو الوعد بها. ويتحقق الركن المادي بهذا العمل دون توقف على رضاء الهيئة الخاصة التي يعمل بها المستخدم، وتختلف هذه الجريمة في هذا الصدد عن جريمة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
كذلك تقع الجريمة ولو لم ينفذ المستخدم العمل أو الامتناع أو الإخلال المطلوب منه، بل ولو كان يقصد وقت الفعل عدم القيام بالعمل أو عدم الامتناع عنه أو عدم الإخلال بواجبات وظيفته، وذلك على غرار ما سبق بيانه متعلقاً برشوة الموظف العام، بينما توافر قصد عدم القيام بالعمل يمنع قيام رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
كذلك يعاقب المشرع على الرشوة أو المكافأة اللاحقة حيث يكون الطلب أو الأخذ أو القبول لاحقًا لأداء العمل أو للامتناع عنه أو للإخلال بواجبات الوظيفة إذا كان بقصد المكافأة على ذلك وبغير اتفاق سابق، بينما هذا الفعل لا يشمله تجريم رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
الركن المعنوي:
يتخذ الركن المعنوي في هذه الجريمة صورة القصد الجنائي العام وفقاً للتحديد الذي سلف بيانه فيما يتعلق برشوة الموظف العام. ويكتفي به المشرع فلا يتطلب قصداً خاصاً كذلك الذي يتطلبه في جريمة رشوة المستخدم في المشروع الخاص البحت.
العقوبة :
يعاقب المشرع على هذه الجريمة بالسجن مدة لا تزيد على سبع سنين وغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تزيد على ما أعطى للجاني أو وعد به. هذا بالإضافة إلى وجوب الحكم بمصادرة ما يدفعه الراشي أو الوسيط على سبيل الرشوة وفقاً للمادة 110 عقوبات.
ويعاقب بذات العقوبة كل من الراشي والوسيط باعتبارهما شريكين في الجريمة (المادتان 41، 107 مكرراً من قانون العقوبات)، كما يستفيد الراشي أو الوسيط من مانع العقاب إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها (م 107 مكرراً).
ويعاقب على الشروع في هذه الجريمة بغير نص لأنها جناية.
التمييز بين استعمال النفوذ والرشوة:
تتميز جريمة استعمال النفوذ عن جريمة الرشوة من ناحيتين: الناحية الأولى: أنه لا يشترط في مرتكبها - كما هو الشأن في الرشوة- أن يكون موظفاً عاماً، ولا أن يكون مستخدماً في أحد المشروعات الخاصة، وإنما تقع جريمة استعمال النفوذ من أي فرد، وليس لصفة الجاني أي تأثير إلا من حيث العقاب حيث يشدده المشرع إذا كان الجاني موظفاً عاماً.
الناحية الثانية، أن الغرض من جريمة استعمال النفوذ يختلف عن الغرض من جريمة الرشوة، فبينما يكون في الرشوة أداء الموظف عملاً أو امتناعه عن عمل، سواء أكان ذلك داخلاً في اختصاصه أو كان يزعم أو يعتقد الاختصاص به، نجد الغرض من جريمة استعمال النفوذ هو مجرد استعمال ما له من نفوذ حقيقي أو ما يزعم من نفوذ للحصول أو لمحاولة الحصول على مزية من أي نوع لدى سلطة عامة أو من جهة خاضعة الإشرافها، فالجاني هنا لا يدعى القيام بالعمل المطلوب بنفسه؛ كما لا يكون مختصاً به ولا زاعماً أو معتقداً الاختصاص به، وإنما يستعمل نفوذه الحقيقي أو المزعوم لحمل موظف على القيام بالعمل المطلوب .
أركان الجريمة :
تقوم جريمة استعمال النفوذ على ركنين: مادی و معنوی:
الركن المادي :
يتمثل الركن المادي لجريمة استعمال النفوذ في طلب أو أخذ أو قبول عطية أو وعد، بهدف استعمال نفوذ حقيقي أو مزعوم ابتغاء الحصول أو محاولة الحصول على مزية ما من سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، يتبين من هذا التحديد أن الركن المادي يتكون من عدة عناصر:
1- الفعل الإجرامي، وهو يتخذ صورة الطلب أو الأخذ أو القبول الذي ينصب على عطية أو وعد بها، ويخضع الفعل وموضوعه لنفس التحديد الذي سبق تفصيله بصدد جريمة الرشوة.
2- التذرع بالنفوذ الحقيقي أو المزعوم: فالجاني يستند في طلبه أو أخذه أو قبوله للوعد أو العطية إلى ما له من نفوذ على الموظف الذي بيده تحقيق مصلحة صاحب الحاجة. سواء أكان هذا النفوذ حقيقياً أم مزعوماً. ولما كان المشرع لم يشترط وقوع الجريمة من موظف عام، فإن النفوذ الذي يتمتع به الجاني قد يكون رسمياً كما إذا كان الجاني موظفاً عاماً فيستمد النفوذ من صفته. وقد يكون غير رسمي إذا كان الجاني غير موظف ومع ذلك كان وضعه الاجتماعي، أو علاقته الشخصية، يجعل له نفوذاً على بعض الموظفين. وأما إذا كان الجاني لا يتمتع بنفوذ حقيقي وإنما يزعم ذلك فإن مجرد الادعاء الكاذب بوجود النفوذ يكفي لتحقق الركن المادي، ولا يشترط أن يدعمه الجاني بمظاهر خارجية، بحيث يرقى إلى مرتبة الطرق الاحتيالية، أما إذا دعم الكذب بمظاهر خارجية بحيث يكون فعل الاحتيال فإن فعله تقوم به جريمتا النصب واستعمال النفوذ، فتوقع عليه عقوبة الجريمة الأشد وفقاً للمادة 32/ 1 من قانون العقوبات، وهي عقوبة استعمال النفوذ. كذلك يتحقق الزعم بالنفوذ سواء كان الجاني يعلم بعدم توافره أو كان يعتقد خطأ بتوافره.
وليس بشرط أن يكون الاستناد إلى النفوذ عن طريق ادعائه صراحة، بل يكفي أن يكون سلوك الجاني منطوياً ضمناً على زعم منه بهذا النفوذ مثال ذلك أن يتوهم صاحب الحاجة أن للجاني نفوذاً لدى إحدى السلطات العامة فيعرض عليه عطية مقابل أن يستعمل نفوذه لدى هذه السلطة فيأخذها الجاني واعداً بتنفيذ هذه الرغبة.
3- الغرض من الفعل: يجب أن يكون الغرض من الفعل هو استعمال النفوذ للحصول أو محاولة الحصول على مزية من أي نوع من أية سلطة عامة أو من أية جهة خاضعة لإشراف السلطة العامة، مثال ذلك الحصول على ترخيص بقيادة السيارات، أو التوصل إلى إصدار حكم لصالح شخص معین، أو لنقل صاحب الحاجة إلى جهة أخرى فيشترط لتحقق هذا العنصر أن يكون التعهد بالحصول أو محاولة الحصول على المزية عن طريق استعمال النفوذ الحقيقي أو المزعوم، فلا تقوم الجريمة إذا كان التعهد بغرض السعي للحصول على المزية دون استعمال ما له أو ما يدعيه من نفوذ. كذلك يشترط لتوافر هذا العنصر أن يكون استعمال النفوذ لدى سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، وهذا الشرط يبرره أن المشرع أراد بتجريم استعمال النفوذ حماية الثقة في أعمال السلطة العامة والجهات الخاضعة لها. وبناء على ذلك فإن الجريمة لا تقوم إذا كان استعمال النفوذ لدى هيئة خاصة غير خاضعة لإشراف السلطة العامة. ومن البديهي أن المقصود بالسلطة العامة السلطة الوطنية، وعلى ذلك فلا قيام للجريمة إذا استعمل المتهم نفوذه لدى سلطة غير وطنية كالسفارات الأجنبية.
ويشترط أخيراً أن تكون السلطة التي يراد الحصول منها على المزية لها وجود فعلي، وأن تكون المزية المستهدفة ممكنة التحقيق، فإن كانت السلطة وهمية، أو كانت المزية غير ممكنة، أمكن أن تقوم بهذا الفعل جريمة النصب إذا توافر سائر أركانها.
وقد ذكر المشرع بياناً لما يستهدف الحصول عليه باستغلال النفوذ، ومع ذلك فإن ما ورد في هذا البيان لم يرد على سبيل الحصر، وإنما يعتبر مجرد أمثلة للمزايا، يدل على ذلك ما ذكره المشرع في نهاية هذا البيان من قوله «أو أية مزية من أي نوع».
ويكتفي المشرع لتحقق الجريمة يكون الغرض من التذرع بالنفوذ هو الحصول أو محاولة الحصول على المزية، فلا يشترط أن يستعمل النفوذ فعلاً، ومن باب أولى لا يشترط الحصول على المزية.
الركن المعنوي:
يتخذ الركن المعنوي لجريمة استغلال النفوذ صورة القصد الجنائي الذي يلزم لتوافره أن تتجه إرادة الجاني إلى أخذ العطية أو طلبها أو قبول الوعد بها، وأن يكون عالما بأن الغرض منها الحصول على مزية ما من سلطة عامة أو جهة خاضعة لاشرافها، وذلك عن طريق استعمال نفوذه الحقيقي أو المزعوم. ولا يشترط أن تكون نية الجاني قد اتجهت إلى استعمال نفوذه ومحاولة الحصول على المزية، بل تقوم الجريمة ولو كانت إرادة الجاني قد اتجهت وقت الفعل إلى عدم استعمال نفوذه لمصلحة صاحب الحاجة. يؤيد ذلك أن المشرع قد سوى بين النفوذ الحقيقي والمزعوم، ولا شك أن الجاني الذي يزعم نفوذاً ليس له لا يتصور أن تتجه نيته إلى استعمال نفوذ غير موجود في الحقيقة.
العقوبة :
ميز المشرع في تحديد العقوبة بين الموظف العام وغيره، فإذا كان الجاني موظفاً عاماً وقعت عليه عقوبة الرشوة المشددة المنصوص عليها في المادة 104 ع وهي السجن المؤبد والغرامة التي لا تقل عن ألفي جنيه ولا تزيد عن ضعف ما أعطى للجاني أو وعد به. بالإضافة إلى مصادرة المال موضوع العطية طبقا للمادة 110 ع. ويلاحظ أن الفرض عند تشديد العقوبة أن يكون الموظف قد تذرع بنفوذ مستمد من صفته كموظف عام، فإذا كان النفوذ المتذرع به مستمداً من علاقة صداقة أو قرابة لا شأن لها بصفة الموظف اعتبر فرداً عادياً فلا توقع عليه العقوبة المشددة .
وإذا كان الجاني فرداً عادياً، اقتصر عقابه على الحبس والغرامة التي لا تقل عن مائتي جنيه ولا تزيد على خمسمائة جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين، فضلاً عن مصادرة العطية.
ويرجع تشديد العقوبة على الموظف العام إلى أنه أمين على حماية الثقة في وظيفته، فإذا استغل النفوذ المستمد منها لقاء عطية أو وعد كان إثمه أكبر من إثم الفرد العادي.(شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة: 37)