loading

موسوعة قانون العقوبات​

الأحكام

1- لما كان الحكم المطعون فيه لم يحل إلى أسباب الحكم المستأنف واقتصر فى بيانه لواقعة الدعوى والتدليل على ثبوتها فى حق الطاعنة على ترديد وصف النيابة العامة للتهمة واستعراض المراحل التي مرت بها الدعوى أمام محكمة أول درجة ، ثم أضاف قوله :" وحيث إن الواقعة استقام الدليل على صحتها وثبوتها فى حق المتهم مما أسفرت عنه تحريات المباحث التي تأيدت بأقوال مجريها ومن أقوال ضابط الواقعة فقد قرر مجرى التحريات بالتحقيقات أن تحرياته السرية قد دلت على أن المتهمة تتستر على بعض المتهمين الصادر قرار بضبطهم فى عدة قضايا فقام باستصدار إذناً من النيابة العامة بتفتيش مسكنها كما شهد ضابط الواقعة بأنهم ونفاذاً لهذا الإذن انتقلوا لمسكن المتهمة حيث تمت عملية الضبط على النحو المبين بالتحقيقات ، وحيث إن لما كان ما تقدم فإنه يكون قد ثبت يقيناً للمحكمة أن المتهمة قد ارتكبت الجريمة المبينة بأمر الإحالة الأمر الذي يتعين معه والحال كذلك رفض استئنافها الماثل لعدم قيامه على سند صحيح من الواقع والقانون ، وحيث إنه فى مجال العقوبة فإن المحكمة وبما لها من سلطات فى هذا الشأن ترى تعديل العقوبة بالاكتفاء بحبس المتهمة ستة أشهر مع الشغل " . لما كان ذلك ، وكانت المادة 310 من قانون الإجراءات الجنائية قد أوجبت أن يشتمل كل حكم بالإدانة على بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة بياناً تتحقق به أركان الجريمة والظروف التي وقعت فيها والأدلة التي استخلصت منها المحكمة ثبوت وقوعها من المتهم وأن يورد مؤدى تلك الأدلة حتى يتضح وجه استدلاله بها وسلامة المأخذ وإلا كان قاصراً ، وأيضا يجب أن يشير إلى نص القانون الذي حكم بموجبه وهو بيان جوهري اقتضته قاعدة شرعية الجرائم والعقاب ، كما أن جريمة إخفاء المجرمين المؤثمة قانوناً بنصالمادة 144 من قانون العقوبات تتطلب لاكتمال أركانها أن يكون المتهم عالماً بأن الشخص الذي حوكم من أجل إخفائه ، فر بعد القبض عليه ، أو كان متهماً فى جناية أو جنحة أو صدر فى حقه أمر بالقبض عليه وهو ما يقتضي أن يتحدث الحكم عنه فى أسبابه ، وكان يبين من الحكم المطعون فيه – على السياق المتقدم – أنه لم يبين الواقعة بياناً كافياً ، بما يحدد عناصر التهمة التي دينت بها الطاعنة ، فإنه يكون معيباً بالقصور فى التسبيب ، فضلاً عن بطلانه لإغفاله ذكر نص القانون الذي أنزل بموجبه العقاب على الطاعنة . ولا يعصمه من هذا العيب أن يكون قد أشار فى ديباجته إلى مواد الاتهام التي طلبت النيابة العامة تطبيقها ، ما دام لم يفصح عن أخذه بها .

(الطعن رقم 350 لسنة 67 جلسة 2006/02/21 س 57 ص 296 ق 32)

2- لما كانت الفقرة الثانية من المادتين 144 ، 145 من قانون العقوبات قد نصت على أنه " ولا تسري هذه الأحكام على زوج أو زوجة من أُخفي أو سوعد على الاختفاء أو الفرار من وجه القضاء ولا على أبويه أو أجداده أو أولاده أو أحفاده " ، ومفاد هذا النص فى صريح لفظه أن الشارع قصر الإعفاء الوارد فى تلك الفقرة على الزوجات أو الأزواج وكذا على من تربطهم بالجاني قرابة نسب مباشرة ، أي الصلة بين الأصول والفروع ، فلا يكفي لتحقق هذه القرابة المباشرة أن يجمع بين الشخصين أصل مشترك ، وإنما يلزم أن يكون أحدهما أصلاً للآخر ويكون هذا الآخر فرعاً له ، والعكس ، وهذا هو الشأن فى قرابة الابن لأبيه وقرابة الحفيد لجده ، والعكس ، ولم يشأ النص أن يمده إلى من تجمعهم قرابة الحواشي مع الجاني ، وهي الرابطة بين أشخاص يجمعهم أصل مشترك دون أن يكون أحدهم فرعاً للآخر وهذا الآخر أصلٌ له ، وهذا هو الشأن فى قرابة الشخص لأخيه أو عمه ؛ إذ يجمعهما أصل واحد هو الأب أو الجد دون أن يكون أحدهما فرعاً للآخر . لما كان ذلك ، وكان من المقرر أنه متى كانت عبارة القانون واضحة لا لبس فيها فإنها يجب أن تعد تعبيراً صادقاً عن إرادة الشارع ، ولا يجوز الانحراف عنها عن طريق التفسير أو التأويل أياً كان الباعث على ذلك ، وأنه لا محل للاجتهاد إزاء صراحة النص الواجب تطبيقه ، كما أنه لا إعفاء من العقوبة بغير نص ، وكانت النصوص المتعلقة بالإعفاء تُفَسر على سبيل الحصر فلا يصح التوسع فى تفسيرها بطريق القياس ، ولا كذلك أسباب الإباحة التي ترتد كلها إلى مبدأ جامع هو ممارسة الحق أو القيام بالواجب ، فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون سديداً .

(الطعن رقم 11568 لسنة 85 جلسة 2016/04/14)

شرح خبراء القانون

ألغيت عقوبة الغرامة التي كان منصوصا عليها في الفقرة الرابعة وذلك بموجب القانون رقم 29 لسنة 1982 الصادر في 14/ 4/ 1982 والمنشور في 22/ 4/ 1982.

الحكمة من سريان الإعفاء الوارد في الفقرة الأخيرة من المادة 144 ع على الأجداد والأحفاد هي أن الأجداد في الفقه الآباء والأحفاد كالأولاد ولهذا كان من العدل إعفائهم.(موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثاني، الصفحة : 606)

تقوم الجريمة على ركن مادي وركن معنوي.

ويتألف الركن المادي من العناصر الآتية:

(1) سلوك مادي يضع به الفاعل مقبوضاً عليه فاراً أو متهماً بجناية أو جنحة أو شخصاً مأموراً بالقبض عليه، في النطاق المكاني المحوز منه شخصياً أو المحوز من آخر غيره، أو سلوك يعين به الفاعل على هذا الأخير بأية طريقة كانت على الفرار من وجه القضاء.

(2) علم الفاعل بأنه يسلك سلوكه هذا لصالح شخص تتوافر به صفة من الصفات المذكورة.

وأول ما يلاحظ على الركن المادي، أن الجريمة القائمة عليه يمكن وقوعها من أي إنسان، فهي جريمة فاعل مطلق. ويلزم لقيام هذه الجريمة، أن تتوافر في الشخص الذي يكون الموضوع المادي لسلوك الفاعل صفة أنه فار بعد القبض عليه أو أنه متهم بجناية أو جنحة أو أنه صادر أمر بالقبض عليه.

ويلزم كذلك عنصر نفسي في الركن المادي هو عنصر العلم لدى صاحب السلوك بتوافر صفة من هذه الصفات في الشخص الذي يرد عليه سلوكه.

فإذا انصب سلوك الفاعل على شخص يخشى إتهامه بجناية أو جنحة ولكن لم يتهم بها بعد، ولم يصدر أمر بالقبض عليه من أجلها، فلا يتوافر بهذا السلوك الركن المادي للجريمة التي نحن بصددها.

ومن جهة أخرى إذا ورد سلوك الفاعل على شخص تتوافر به صفة من الصفات السالف ذكرها غير أن الفاعل إستضافه دون أن يعلم بقيام هذه الصفة فيه لا يرتكب الفاعل الجريمة إذ أنه يعتبر مراعياً لصلة الصداقة التي تربطه بهذا الأخير ليس وإلا.

ويتعين على النيابة في الاتهام بجريمة الإخفاء التي نحن بصددها أن تقيم الدليل على علم المخفي بكون المخفي (بفتح الفاء) فاراً من قبض أو اتهام.

الركن المعنوي :

وهو القصد الجنائي، أي اتجاه إرادة الفاعل إلى إستضافة الفار من القبض أو الاتهام. فلو أن زيداً من الناس كان معتاداً على أن يرتاد منزل صديقه بكر، وصدر أمر بالقبض عليه أو اتهم بجناية أو جنحة أو فر من القبض عليه، فسارع بولوج باب منزل بكر الذي كان غائباً، وظل مقيماً في هذا المنزل حتى عاد بكر، لا تتوافر في حق بكر الجريمة لتخلف ركنها المعنوي وهو القصد الجنائي، وذلك إذا غادر زید منزل بكر بمجرد وصول الأخير، أو إذا علم بكر أن زيداً فار من قبض أو اتهام فكلفه بمغادرة المنزل.

عقوبة الجريمة :

تتوقف عقوبة الجريمة على وضع الشخص موضوع الإخفاء أو الإعانة.

فإذا كان هذا الشخص محكوماً عليه بالإعدام عوقب مخفيه أو معينه بالسجن من ثلاث سنين إلى سبع.

وإذا كان محكوماً عليه بالسجن المؤبد أو المشدد أو كان متهماً بجريمة عقوبتها الإعدام، عوقب مخفيه أو معينه بالحبس.

وأما إذا كان متهماً بجناية عقوبتها دون الإعدام أو كان محكوماً عليه بالسجن، أو كان متهماً بجنحة أو كان محكوماً عليه بالحبس، عوقب مخفيه أو معينه بالحبس مدة لا تزيد على سنتين.

ظرف معفي من العقاب :

نصت المادة التي نحن بصددها على ظرف يعفي من عقوبة الجريمة هو أن يكون بين المخفي أو المعين، وبين المخفي أو المعان رباط الزوجية، أو أن يكون الأول أباً أو أماً للثاني أو يكون الأول جداً أو جدة للثاني، أو أن يكون إبناً أو إبنة أو حفيداً أو حفيدة.

وأراد المشرع بهذا الإعفاء الحفاظ على تماسك الأسرة.(الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثاني، الصفحة: 725)

ويتضح من هذا النص أن الركن المادي للجريمة يقع بأحد فعلين:

(1) الإخفاء بنفسه أو بواسطة غيره لشخص فر بعد القبض عليه، أو متهم بجناية أو جنحة، أو شخصاً صادراً في حقه أمر بالقبض عليه.

(2) إعانة شخص من الأشخاص المشار إليهم عالية على الفرار من وجه القضاء مع علمه.

وبالنسبة إلى الفعل الأول فإنه يتحقق بإخفاء الشخص عن أنظار السلطة العامة التي فر من قبضتها بعد القبض عليه. ويستوي في ذلك أن يكون مقبوضاً عليه في مرحلة الاستدلالات أو التحقيق أو المحاكمة أو لتنفيذ الحكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية أو الإكراه البدني. كما يستوي أن يكون المقبوض عليه مودعاً في أحد السجون أو في أحد المستشفيات أو المصحات لعلاجه أو فحصه.

وبالنسبة إلى المتهم بجناية أو جنحة فإن إخفاءه يكون عن الإجراءات التي تتخذ ضده بعد هذا الأمام، وغالبا ما يكون ذلك بعد صدور أمر بالقبض عليه. ويستوي في هذا الإخفاء أن يقوم به الجاني بنفسه أو بواسطة غيره من معاونيه. وفي هذا الصدد أخذ المشرع بفكرة الفاعل المعنوي مع غيره من الحالات التي نص عليها على سبيل الحصر، دون إخلال بمسئولية الفاعل المادي للإخفاء.

أما إعانة شخص من هؤلاء على الفرار من وجه القضاء، فيكون بأي فعل يتمكن به الجاني من عدم تمكين القضاء في أي مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية من اتخاذ اللازم قانوناً ضده، سواء بالتحقيق معه أو محاكمته أو تنفيذ العقوبة عليه. ويشترط أن يكون الشخص الذي أخفي أو سوعد على الاختفاء أو الفرار من وجه القضاء محكوماً عليه بالفعل. ولهذا تدرج المشرع في العقاب بقدر هذا الحكم. ويكفي أن يكون هذا الحكم واجب النفاذ، فلا يسري إذا كان الحكم موقوفاً تنفيذه بأمر القضاء.

ويتطلب الركن المعنوي لهذه الجريمة توافر القصد الجنائي العام الذي يتطلب العلم بأن الشخص الذي تم إخفاؤه أو إعانته على الفرار من وجه القضاء كان مقبوضاً عليه، أو أنه متهم بجناية أو جنحة، أو أن أمراً صدر بالقبض عليه، أو أنه مطلوب للعدالة أمام إحدى الجهات المختصة.

ويتحقق هذا العلم بنشر خبر من هذا القبيل أو إشاعته بين الناس. ويمكن للظروف المادية للواقعة أن تشير إلى توافر هذا العلم، وهو مسألة موضوعية تبت فيها المحكمة في حدود سلطتها التقديرية.

وقد نصت الفقرة الأخيرة من المادة 144 عقوبات المشار إليها على أنه لا تسري أحكام هذه المادة على زوج أو زوجة من أخفي أو سوعد على الاختفاء أو الفرار من وجه القضاء ولا على أبويه أو أجداده أو أولاده أو أحفاده. ومؤدى هذا الاستثناء أن المشار إليهم غير مخاطبين بحكم هذه المادة مراعاة للواجبات الأسرية وتألفها، فإذا صدر من أحدهم فعل من ذلك قضي ببراءته، ويعد هذا الاستثناء سبباً للإباحة بنص القانون.(الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة  الكتاب الأول 2016،  الصفحة: 707)

الفقة الإسلامي

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة:215

(مادة 431)

 يعاقب بالحبس من غير - بقصد تضليل جهة التحقيق أو الحكم - حالة الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء المتصلة بالجريمة . 

المساس بسير التحقيق والعدالة 

المواد (422) : (438) :  

رأى المشروع - تقديراً منه لقداسة العدالة والقضاء ، وبعداً به عن أن يكون مجالاً لعبث عابث ، وحفاظاً على حرمة الهيئات والقائمين عليها ، وبإعتبار أن الحقيقة القضائية عنواناً للحقيقة الواقعية - أن يجمع في هذا الفصل شتات نصوص القانون القائم مع تعديلها على نحو يتفق والغرض المنشود ، وإضافة ما تقضي به المصلحة العامة من أحكام ، وقد قسم المشروع هذا الباب إلى فصلين: الأول: في الجرائم المتعلقة بالمساس بسير التحقيق والعدالة ، بمثابة أن التحقيق هو أول عمل ينير للحقيقة والعدالة الباحثة عنها الطريق . 

1- المادة (422) من المشروع وهي تعاقب الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة عهد إليه بالبحث عن الجرائم وضبطها ، إذا أهمل أو أرجأ الإخبار عن جريمة وصلت إلى علمه . 

2- المادة (423) من المشروع تعاقب على جريمة عدم إبلاغ الجهة المختصة بوجود ما يشير بمناسبة الكشف على مصاب إلى أن إصابته جنائية . 

٣- المادة (424) من المشروع تعاقب على جريمة البلاغ الكاذب - ولو كان البلاغ بطريق مباشر أو غير مباشر - بأمر يستوجب عقوبة من أسند إليه ، أو بمجازاته تأديبياً أو إدارياً ، فإذا كان الإبلاغ عن جناية عد ذلك ظرفاً مشدداً ، والنص يقابل في عمومه نص المادة (305) من القانون القائم مع النص على البلاغ بطريق غير مباشر ، وفق ما استقر عليه القضاء. وقد ترتب على ذلك أن أصبح النص المقترح في مكانه الصحيح ، وقد كان مع جرائم القذف والسب وإفشاء الأسرار التي يتضمنها الباب السابع من القانون الحالي . 

هذا وقد بين النص أن الكشف عن الكذب قبل إتخاذ أي إجراء من إجراءات الإستدلال ، أو التحقيق ، أو المحاكمة - لیس بمانع عن توقيع العقوبة . 

کا استحدث في الفقرة الأخيرة ظرفاً مشدداً يجعل الجريمة جناية إذا ترتب على الإبلاغ الحكم بعقوبة جناية ، على ألا يحكم بالإعدام إلا إذا نفذت عقوبة الإعدام في المحكوم عليه نتيجة الإبلاغ الكاذب. 

4 المادة (425) من المشروع تعاقب على شهادة الزور أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بعد حلف اليمين ، فإن لم يحدث حلف فلا جريمة . وجعلت من أداء الشهادة الزور مقابل الحصول على منفعة ، أو ميزة من أي نوع ، أو وعد بذلك ، جناية عقوبتها السجن الذي لا يزيد على خمس سنوات . 

كما بينت المادة الظرف المشدد الموجب لتغليظ العقوبة ، ورفعها إلى عقوبة الجناية التي قد تصل إلى الحكم بالإعدام ، وأخيراً أجاز المشروع للمحكمة إعفاء الشاهد من العقاب أو تخفيفه ، إذا عاد إلى قول الحق قبل الحكم النهائي في موضوع الدعوى التي شهد فيها ، ومن المعلوم أن هذا النص لا يسري في فقرته تلك أمام محكمة النقض ، إلا إذا كانت تنظر موضوع الدعوى الجنائية عند الطعن لثاني مرة ، إذا نقضت الحكم وحددت جلسة لنظر الموضوع . أن هذه هي الحالة الوحيدة التي تنظر فيها هذه المحكمة الدعوى الجنائية كما لو كانت قضاء الموضوع . 

5- المادة (426) من المشروع تقضي بسريان المادة السابقة على كل من كلف من قبل جهة قضائية في دعوى بعمل من أعمال الخبرة أو الترجمة، فغير الحقيقة بأية حقيقة والجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال مهما بلغ مرتبة العمد . 

6- المادة (427) من المشروع تعاقب الطبيب أو القابلة ، إذا طلب أيها لنفسه أو لغيره عطية أو منفعة أو ميزة أيا كان نوعها ، أو وعدا بشيء من ذلك ، في مقابل تحریر بیان غير صحيح ، أو مقابل أداء الشهادة زوراً أمام محكمة قضائية أو إدارية ، وذلك بشأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة ، أو غير ذلك مما يتصل بمهنة الجاني ، ولو كان قيامه بذلك نتيجة رجاء أو توجيه ، على أنه في حالة أداء الشهادة فعلاً يطبق حكم الظرف المشدد المنصوص عليه في المادة (425) من المشروع ، كما يطبق حكم الإعفاء المشار إليه في الفقرة الأخيرة منها . 

7- المادة (428) من المشروع تعالج إستخدام الإكراه أو التهديد أو تقديم عطية أو منفعة أو ميزة أيا كانت ، أو وعد بشيء من ذلك ، لحمل الغير على الشهادة زوراً أمام المحاكم ، أو الإمتناع عن آدائها ، ولم يبلغ مقصده . 

8- المادة (429) من المشروع تعاقب من ألزم بحلف اليمين في دعوى ردت عليه فحلفها كذباً ، مع إجازة إعفائه من العقوبة إذا رجع إلى الحق قبل الحكم النهائي في الدعوى . 

9- المادة (430) من المشروع تعاقب بعقوبة الجنحة من يمتنع عن الشهادة بعد تكليفه بها - أمام جهة التحقيق أو الحكم - بغير عذر مقبول بعد تكليفه بالحضور قانوناً أمامها . 

10- المادة (431) من المشروع تعاقب من يغير - بقصد تضليل جهة التحقيق أو الحكم - حالة الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء المتصلة بالجريمة . 

11- مادة (432) من المشروع تعاقب على إخفاء جثة شخص مات نتيجة حادث جنائي ، أو قام بدفنها دون إخطار الجهة المختصة وقبل الكشف عليها وتحقيق أسباب الوفاة . 

12 - المادة (433) من المشروع تعاقب على مجرد التوسط لدى قاض بأي وسيلة لصالح أحد الخصوم ، أو للإضرار به . 

13 - المادة (435) من المشروع تجرم النشر بإحدى طرق العلانية أمراً من شأنه التأثير فيمن يتولى التحقيق أو القضاء أو القيام بأعمال الخبرة ، أو يدعى للشهادة في دعوى مطروحة أمام جهة التحقيق أو الحكم ، أو نشر أموراً من شأنها منع الشخص من الإفضاء بمعلومات للجهة المختصة بذلك ، أو التأثير في الرأي العام لمصلحة طرف في الدعوى أو ضده . فإذا كان النشر بقصد إحداث التأثير المذكور ، أو كانت الأمور المنشورة كاذبة -ضوعفت العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة . 

14- المادة (436) من المشروع تعاقب كل من أذاع ، أو نشر بإحدى طرق العلانية أمرا من الأمور الواردة في البنود من (أ) – (ز) من المادة . 

15 - المادة (437) من المشروع تعاقب من افتتح إكتتاباً ، أو أعلن عنه بإحدى طرق العلانية ، قاصداً من ذلك التعويض عن الغرامات أو المصاريف أو التعويضات المحكوم بها في جريمة ، أو أعلن بإحدى هذه الطرق عن قيامه أو غيره بالتعويض المشار إليه أو جزء منه ، أو عزمه على ذلك. 

 

16 - المادة (438) من المشروع تعرض لجريمة إنكار العدالة ، وهي لا تقع إلا من قاض امتنع بغير مبرر عن الحكم في دعوى دخلت في حوزته قانوناً ، ويجوز أن يكون مع العقوبة الأصلية ، وبالإضافة إليها عقوبة العزل ، وهي في هذه الحال عقوبة تكميلية لا تقع إلا بحكم من المحكمة . 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 283

هَرَبُ الْمَحْبُوسِينَ وَإِخْفَاءُ الْجُنَاةِ :

مِنْ ذَلِكَ مَنْ يُؤْوِي مُحَارِبًا، أَوْ سَارِقًا، أَوْ نَحْوَهُمَا، مِمَّنْ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لآِدَمِيٍّ، وَيُمْنَعُ مِنْ أَنْ يُسْتَوْفَى هَذَا الْحَقُّ. فَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ شَرِيكٌ فِي جُرْمِهِ وَيُعَزَّرُ، وَيُطْلَبُ إِحْضَارُهُ، أَوِ الإْعْلاَمُ عَنْ مَكَانِهِ، فَإِنِ امْتَنَعَ يُحْبَسُ، وَيُضْرَبُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، حَتَّى يَسْتَجِيبَ .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحة: 220

(مادة 445) 

يعاقب بالحبس كل من أخفى بنفسه أو بواسطة غيره شخصاً صدر أمر بالقبض عليه ، أو فر بعد القبض عليه أو حبسه . 

وتكون العقوبة السجن المؤقت إذا كان المختفي محكوماً عليه بالإعدام . 

وتكون العقوبة السجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، إذا كان المختفي متهماً، أو محكوماً عليه في جناية .

 ولا يجوز أن تتعدى العقوبة في أية حال الحد الأقصى المقرر لجريمة المختفي ذاتها . 

ولا يسري حكم هذه المادة على زوج المختفي ولا على أصوله، أو فروعه، أو أقاربه وأصهاره حتى الدرجة الرابعة . 

المساس بنفاذ الأحكام والقرارات القضائية 

المواد من (439) : (446) : 

تشمل مواد هذا الفصل جرائم : إستعمال سلطة الوظيفة في وقت تنفيذ حكم ، أو أمر صادر من محكمة ، أو جهة قضائية ، كذلك الموظف الذي يمتنع عمداً عن تنفيذ حكم أو أمر مما ذكر ، متى كان تنفيذه يدخل في إختصاصه، وإنقضت عشرة أيام على إنذاره قانوناً بالتنفيذ . (المادة (439) من المشروع) . 

کما تشمل عقاب كل من هرب بعد القبض عليه قانوناً ، مع توضيح الظروف المشددة للعقوبة قبل الهارب (المادة (440) من المشروع) . 

کما تشمل عقاب الموظف العام أو المكلف بخدمة عامة ، إذا عهد إليه بحراسة مقبوض عليه أو محبوس أو تنفيذ أمر بالقبض عليه ، تعمد تمكينه ولو بطريق التغافل من الهرب ، وحدد النص في فقراته من (أ) – (ج) العقوبة لكل حالة على حدة ، وأخيراً عرضت الفقرة الأخيرة من النص للعقوبة إذا وقعت بإهمال الحارس . المادة ((441) من المشروع) . 

كما تشمل مواد الفصل جريمة مساعدة محكوم عليه بالهرب ، أو متهم مقبوض عليه بناء على أمر من جهة مختصة ، وحددت المادتان (442) ، (443) من المشروع العقوبة لكل جريمة والظروف المشددة لها. 

کا جرمت المادة (444) من المشروع من أمد مقبوضاً عليه أو محكوماً عليه بأسلحة أو آلات أو أدوات ليستعين بها على الهرب ، وهي تعالج حالة من يمد المحكوم عليه بعقوبة مقيدة للحرية أو حالة المقبوض عليه ، متى أمده فعلاً بشيء من الآلات لمساعدته على الإفلات والهرب . 

وتعاقب المادة (445) بعقوبة الجنحة أو الجناية على حسب الأحوال ، كل من أخفى بنفسه أو بالوساطة شخصا صدر أمر بالقبض عليه ، أو فر بعد القبض عليه أو بعد حبسه ، على ألا يسري حكم التجريم على زوج المختفي ولا على أصوله أو فروعه أو أقاربه وأصهاره إلى الدرجة الرابعة . 

 

والمادة (446) تعاقب من علم بوقوع جناية أو جنحة ، أو كان لديه ما يحمله على الإعتقاد بوقوعها ، وأعان المتهم فيها على الفرار من وجه القضاء ، وذلك بإخفاء دليل من أدلة الاتهام،  أو بتقديم معلومات تتعلق بها وهو يعلم عدم صحتها ، أو كان لديه ما يحمله على الإعتقاد بعدم صحتها ، أو أعانه بأية وسيلة أخرى ، بعقوبة الجناية أو الجنحة على حسب الأحوال ، مع مراعاة سريان حكم الإعفاء المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة (445) على الجريمة ، بالنسبة لمن ورد ذكرهم في هذه الفقرة . 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / السادس عشر ، الصفحة / 299

ز - حَبْسُ الْمُتَسَتِّرِ عَلَى الْقَاتِلِ وَنَحْوِهِ :

- ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مَنْ آوَى قَاتِلاً وَنَحْوَهُ مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ أَوْ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لآِدَمِيٍّ، وَمَنَعَهُ مِمَّنْ يَسْتَوْفِي مِنْهُ الْوَاجِبَ بِلاَ عُدْوَانٍ فَهُوَ شَرِيكُهُ فِي الْجُرْمِ، وَقَدْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيُعَاقَبُ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ حَتَّى يُمَكِّنَ مِنْهُ أَوْ يَدُلَّ عَلَيْهِ؛ لِتَرْكِهِ وَاجِبَ التَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى.

ح - الْحَبْسُ لِحَالاَتٍ تَتَّصِلُ بِالْقَسَامَةِ :

- مِمَّا يَتَّصِلُ بِالْحَبْسِ فِي الْقَسَامَةِ: أَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ يُحْبَسُ إِذَا امْتَنَعَ مِنَ الْحَلِفِ حَتَّى يَحْلِفَ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّ أَشْهَبَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ حَدَّدَ مُدَّةَ الْحَبْسِ فِي ذَلِكَ بِسَنَةٍ، فَإِنْ حَلَفَ وَإِلاَّ أُطْلِقَ وَكَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ مِنْ مَالِهِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَهُوَ الْقَوْلُ الآْخَرُ لِلْحَنَابِلَةِ: لاَ يُحْبَسُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ لِنُكُولِهِ، وَلَكِنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ.

ط - حَبْسُ مَنْ يُمَارِسُ الطِّبَّ مِنْ غَيْرِ الْمُخْتَصِّينَ :

- نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ الطَّبِيبَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَأَخْطَأَ فِي فِعْلِهِ يُضْرَبُ وَيُحْبَسُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: يُحْجَرُ عَلَى الطَّبِيبِ الْجَاهِلِ، وَذَلِكَ بِمَنْعِهِ مِنْ عَمَلِهِ حِسًّا مَخَافَةَ إِفْسَادِ أَبْدَانِ النَّاسِ.

حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الدِّينِ وَشَعَائِرِهِ :

أ - الْحَبْسُ لِلرِّدَّةِ :

- إِذَا ثَبَتَتْ رِدَّةُ الْمُسْلِمِ حُبِسَ حَتَّى تُكْشَفَ شُبْهَتُهُ وَيُسْتَتَابَ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْحَبْسِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: أَنَّ حَبْسَ الْمُرْتَدِّ لاِسْتِتَابَتِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ أُخْبِرَ عَنْ قَتْلِ رَجُلٍ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمٍ فَقَالَ لِقَاتِلِيهِ: أَفَلاَ حَبَسْتُمُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ وَقَدَّمْتُمْ لَهُ خُبْزًا، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قَتَلْتُمُوهُ.. اللَّهُمَّ إِنِّي لَمْ أَحْضُرْ وَلَمْ آمُرْ وَلَمْ أَرْضَ إِذْ بَلَغَنِي. فَلَوْ كَانَ حَبْسُهُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَمَا أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ، وَلَمَا تَبَرَّأَ مِنْ عَمَلِهِمْ، وَقَدْ سَكَتَ الصَّحَابَةُ عَلَى قَوْلِ عُمَرَ فَكَانَ إِجْمَاعًا سُكُوتِيًّا. ثُمَّ إِنَّ اسْتِصْلاَحَ الْمُرْتَدِّ مُمْكِنٌ بِحَبْسِهِ وَاسْتِتَابَتِهِ فَلاَ يَجُوزُ إِتْلاَفُهُ قَبْلَ ذَلِكَ. وَبِنَحْوِ هَذَا فَعَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ حَبْسَ الْمُرْتَدِّ لاِسْتِتَابَتِهِ قَبْلَ قَتْلِهِ مُسْتَحَبٌّ لاَ وَاجِبٌ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَطَاوُسٍ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ لِحَدِيثِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» وَلأِنَّهُ يَعْرِفُ أَحْكَامَ الإْسْلاَمِ، وَقَدْ جَاءَتْ رِدَّتُهُ عَنْ تَصْمِيمٍ وَقَصْدٍ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجِبُ حَبْسُهُ لاِسْتِتَابَتِهِ بَلْ يُسْتَحَبُّ طَمَعًا فِي رُجُوعِهِ الْمَوْهُومِ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا أَنَّ أَبَا مُوسَى الأْشْعَرِيَّ بَعَثَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يُخْبِرُهُ بِفَتْحِ تُسْتَرَ، فَسَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ قَوْمٍ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ: مَا أَخْبَارُهُمْ؟ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّهُمُ ارْتَدُّوا عَنِ الإْسْلاَمِ وَلَحِقُوا بِالْمُشْرِكِينَ مَا سَبِيلُهُمْ إِلاَّ الْقَتْلُ. فَقَالَ عُمَرُ: لأَنْ آخُذَهُمْ سِلْمًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. فَقَالَ أَنَسٌ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِمْ؟ قَالَ عُمَرُ: أَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى الإْسْلاَمِ فَإِنْ فَعَلُوا وَإِلاَّ اسْتَوْدَعْتُهُمُ السِّجْنَ. وَيُرْوَى فِي هَذَا أَيْضًا أَنَّ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ قَدِمَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْيَمَنَ فَوَجَدَ عِنْدَهُ رَجُلاً مُوثَقًا فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ: رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إِسْلاَمٍ، ثُمَّ دَعَاهُ إِلَى الْجُلُوسِ فَقَالَ مُعَاذٌ: لاَ أَجْلِسُ حَتَّى يُقْتَلَ هَذَا - ثَلاَثَ مَرَّاتٍ - قَضَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ.

وَفِي الْمُرْتَدِّ الَّذِي يُحْبَسُ، وَمُدَّةِ حَبْسِهِ وَمَسَائِلَ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِالْمُرْتَدِّ تَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (رِدَّةٌ).

ب - الْحَبْسُ لِلزَّنْدَقَةِ :

- يُطْلَقُ لَفْظُ الزِّنْدِيقِ عَلَى كُلِّ مَنْ أَسَرَّ الْكُفْرَ وَأَظْهَرَ الإْيمَانَ حَتَّى بَدَرَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى خَبِيئَةِ نَفْسِهِ. وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلاَنِ فِي حُكْمِ الزِّنْدِيقِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: إِذَا عُثِرَ عَلَى الزِّنْدِيقِ يُقْتَلُ وَلاَ يُسْتَتَابُ، وَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي دَعْوَى التَّوْبَةِ إِلاَّ إِذَا جَاءَ تَائِبًا قَبْلَ أَنْ يُظْهَرَ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَوْلُ اللَّيْثِ وَإِسْحَاقَ.

وَعِلَّةُ ذَلِكَ: أَنَّهُ لاَ تَظْهَرُ مِنْهُ عَلاَمَةٌ تُبَيِّنُ رُجُوعَهُ وَتَوْبَتَهُ؛ لأِنَّهُ كَانَ مُظْهِرًا لِلإْسْلاَمِ مُسِرًّا لِلْكُفْرِ، فَإِذَا أَظْهَرَ الإْسْلاَمَ لَمْ يَزِدْ جَدِيدًا.

الْقَوْلُ الثَّانِي: الزِّنْدِيقُ يُحْبَسُ لِلاِسْتِتَابَةِ كَالْمُرْتَدِّ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الأْخْرَى عَنِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَابْنِ لُبَابَةَ. اسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يَكُنْ يَقْتُلُ الْمُنَافِقِينَ مَعَ مَعْرِفَتِهِ بِهِمْ، فَهُوَ الأْسْوَةُ فِي إِبْقَائِهِمْ عَلَى الْحَيَاةِ وَاسْتِتَابَتِهِمْ كَالْمُرْتَدِّينَ.

ج - حَبْسُ الْمُسِيءِ إِلَى بَيْتِ النُّبُوَّةِ :

- مَنْ سَبَّ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ يُضْرَبُ وَيُشَهَّرُ وَيُحْبَسُ طَوِيلاً؛ لاِسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّ الرَّسُولِ صلي الله عليه وسلم . وَمَنْ شَتَمَ الْعَرَبَ أَوْ لَعَنَهُمْ أَوْ بَنِي هَاشِمٍ سُجِنَ وَضُرِبَ. وَمَنِ انْتَسَبَ كَذِبًا إِلَى النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  ضُرِبَ وَسُجِنَ وَشُهِّرَ بِهِ لاِسْتِخْفَافِهِ بِحَقِّهِ عليه الصلاة والسلام، وَلاَ يُخَلَّى عَنْهُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ. وَمَنْ شَتَمَ عَائِشَةَ رضي الله عنها  بِمَا بَرَّأَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ يُسْجَنُ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ لِرِدَّتِهِ وَكُفْرِهِ. وَمَنِ اسْتَخَفَّ بِهَا فَعَلَيْهِ الضَّرْبُ الشَّدِيدُ وَالسَّجْنُ الطَّوِيلُ. وَمَنْ سَبَّ الصَّحَابَةَ أَوِ انْتَقَصَهُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ يُحْبَسُ وَيُشَدَّدُ عَلَيْهِ فِي السِّجْنِ.

د - الْحَبْسُ لِتَرْكِ الصَّلاَةِ :

- لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ جُحُودًا وَاسْتِخْفَافًا كَافِرٌ مُرْتَدٌّ، يُحْبَسُ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ يُقْتَلْ. وَقَدْ ذَكَرُوا: أَنَّ تَرْكَ الصَّلاَةِ يَحْصُلُ بِتَرْكِ صَلاَةٍ وَاحِدَةٍ يَخْرُجُ وَقْتُهَا دُونَ أَدَائِهَا مَعَ الإْصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ.

وَمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ كَسَلاً وَتَهَاوُنًا مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا يُدْعَى إِلَيْهَا، فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى تَرْكِهَا فَفِي عُقُوبَتِهِ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ حَدًّا لاَ كُفْرًا، وَهَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَوَكِيعٍ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ كُفْرًا وَرِدَّةً، حُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ مَنْ جَحَدَهَا وَأَنْكَرَهَا لِعُمُومِ حَدِيثِ: «بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاَةِ» وَهَذَا قَوْلُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالأْوْزَاعِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يُحْبَسُ تَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً وَلاَ يُقْتَلُ بَلْ يُضْرَبُ فِي حَبْسِهِ حَتَّى يُصَلِّيَ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ. وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: النَّفْسِ بِالنَّفْسِ، وَالثَّيِّبِ الزَّانِي، وَالْمَارِقِ مِنَ الدِّينِ التَّارِكِ الْجَمَاعَةَ» وَتَارِكُ الصَّلاَةِ كَسَلاً لَيْسَ أَحَدَ الثَّلاَثَةِ، فَلاَ يَحِلُّ دَمُهُ بَلْ يُحْبَسُ لاِمْتِنَاعِهِ مِنْهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهَا.

هـ - الْحَبْسُ لاِنْتِهَاكِ حُرْمَةِ شَهْرِ رَمَضَانَ:

مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ جُحُودًا وَاسْتِهْزَاءً حُبِسَ لِلاِسْتِتَابَةِ وَإِلاَّ قُتِلَ؛ لأِنَّهُ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ.

وَمَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ كَسَلاً وَتَهَاوُنًا لَمْ يَزُلْ عَنْهُ وَصْفُ الإْسْلاَمِ وَلاَ يُقْتَلُ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ بَلْ يُعَاقَبُ بِالْحَبْسِ، وَيُمْنَعُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ نَهَارًا لِيَحْصُلَ لَهُ صُورَةُ الصِّيَامِ، وَرُبَّمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى أَنْ يَنْوِيَهُ فَيَحْصُلُ لَهُ حِينَئِذٍ حَقِيقَتُهُ. وَنَصَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَلَى أَنَّهُ يُحْبَسُ مُدَّةَ صِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ.

وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي رَمَضَانَ يُضْرَبُ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، ثُمَّ يُحْبَسُ وَيُضْرَبُ عِشْرِينَ جَلْدَةً تَعْزِيرًا لِحَقِّ رَمَضَانَ. وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه.

و - الْحَبْسُ بِسَبَبِ الْعَمَلِ بِالْبِدْعَةِ وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهَا :

حَبْسُ الْبِدْعِيِّ الدَّاعِيَةِ :

- ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الْبِدْعِيَّ الدَّاعِيَةَ يُمْنَعُ مِنْ نَشْرِ بِدْعَتِهِ، وَيُضْرَبُ وَيُحْبَسُ بِالتَّدَرُّجِ، فَإِذَا لَمْ يَكُفَّ عَنْ ذَلِكَ جَازَ قَتْلُهُ سِيَاسَةً وَزَجْرًا؛ لأِنَّ  فَسَادَهُ أَعْظَمُ وَأَعَمُّ، إِذْ يُؤَثِّرُ فِي الدِّينِ وَيُلَبِّسُ أَمْرَهُ عَلَى الْعَامَّةِ. وَنُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُحْبَسُ وَلَوْ مُؤَبَّدًا حَتَّى يَكُفَّ عَنِ الدَّعْوَةِ إِلَى بِدْعَتِهِ وَلاَ يُقْتَلُ، وَبِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ.

حَبْسُ الْمُبْتَدِعِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ :

- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَبْسِ الْمُبْتَدِعِ غَيْرِ الدَّاعِيَةِ وَضَرْبِهِ إِذَا لَمْ يَنْفَعْ مَعَهُ الْبَيَانُ وَالنُّصْحُ، وَقَالَ آخَرُونَ: يُعَزَّرُ.

وَاتَّجَهَ بَعْضُهُمْ إِلَى جَوَازِ قَتْلِهِ إِذَا لَمْ يَتُبْ. وَقَدْ حَبَسَ عُمَرُ رضي الله عنه صَبِيغَ بْنَ عِسْلٍ وَضَرَبَهُ مِرَارًا لِتَتَبُّعِهِ مُشْكِلَ الْقُرْآنِ وَمُتَشَابِهَهُ بِقَصْدِ إِرْسَاءِ مَبْدَأِ الاِبْتِدَاعِ وَالْكَيْدِ فِي الدِّينِ مُخَالِفًا بِذَلِكَ قَوَاعِدَ التَّسْلِيمِ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا كَانَ يَفْعَلُ الصَّحَابَةُ.

ز - الْحَبْسُ لِلتَّسَاهُلِ فِي الْفَتْوَى وَنَحْوِهِ :

حَبْسُ الْمُفْتِي الْمَاجِنِ :

- نَصَّ فُقَهَاءُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ حَبْسِ وَتَأْدِيبِ الْمُتَجَرِّئِ عَلَى الْفَتْوَى إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلاً لَهَا. وَنَقَلَ مَالِكٌ عَنْ شَيْخِهِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: بَعْضُ مَنْ يُفْتِي هَاهُنَا أَحَقُّ بِالسِّجْنِ مِنَ السُّرَّاقِ. وَسُئِلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَنْ رَجُلٍ يَقُولُ: إِنَّ الاِسْتِمْرَارَ فِي شُرْبِ الدُّخَانِ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَى فَمَاذَا يَلْزَمُهُ؟ فَأَجَابَ: يَلْزَمُهُ التَّأْدِيبُ اللاَّئِقُ بِحَالِهِ كَالضَّرْبِ أَوِ السِّجْنِ لِتَجَرُّئِهِ عَلَى الأْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَتَغْيِيرِهِ لَهَا؛ لأِنَّ  حُرْمَةَ الزِّنَى قَطْعِيَّةٌ إِجْمَاعِيَّةٌ، وَفِي حُرْمَةِ الدُّخَانِ خِلاَفٌ.

ح - الْحَبْسُ لِلاِمْتِنَاعِ مِنْ أَدَاءِ الْكَفَّارَاتِ :

- ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ مَرْجُوحٍ أَنَّ الْمُمْتَنِعَ مِنْ أَدَاءِ الْكَفَّارَاتِ يُحْبَسُ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: لاَ يُحْبَسُ بَلْ يُؤَدَّبُ. وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الظِّهَارِ: إِنَّ الْمَرْأَةَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا إِذَا خَافَتْ أَنْ يَسْتَمْتِعَ بِهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الْكَفَّارَةِ وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى مَنْعِهِ رَفَعَتْ أَمْرَهَا لِلْحَاكِمِ لِيَمْنَعَهُ مِنْهَا، وَيُؤَدِّبُهُ إِنْ رَأَى ذَلِكَ. فَإِنْ أَصَرَّ الْمُظَاهِرُ عَلَى امْتِنَاعِهِ مِنَ الْكَفَّارَةِ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي بِهَا بِحَبْسِهِ وَضَرْبِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنِ الزَّوْجَةِ إِلَى أَنْ يُكَفِّرَ أَوْ يُطَلِّقَ؛ لأِنَّ  حَقَّ الْمُعَاشَرَةِ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ لاَ إِلَى خَلَفٍ، فَاسْتَحَقَّ الْحَبْسَ لاِمْتِنَاعِهِ.

حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الأْخْلاَقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ :

أ - حَبْسُ الْبِكْرِ الزَّانِي بَعْدَ جَلْدِهِ :

 اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ حَدَّ الْبِكْرِ الزَّانِي مِائَةُ جَلْدَةٍ لِلآْيَةِ: ) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ). وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْيِهِ الْوَارِدِ فِي «قَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم  لِرَجُلٍ زَنَى ابْنُهُ: وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ».

وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: أَنَّ التَّغْرِيبَ جُزْءٌ مِنْ حَدِّ الزِّنَى، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَيُبْعَدَانِ عَنْ بَلَدِ الْجَرِيمَةِ إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ: أَنَّهُ إِذَا خِيفَ إِفْسَادُ الْمُغَرَّبِ غَيْرَهُ قُيِّدَ وَحُبِسَ فِي مَنْفَاهُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّ التَّغْرِيبَ جُزْءٌ مِنْ حَدِّ الزِّنَى أَيْضًا، وَهُوَ وَاجِبٌ فِي الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ فَلاَ تُغَرَّبُ خَشْيَةً عَلَيْهَا. وَيَنْبَغِي حَبْسُ الرَّجُلِ وُجُوبًا فِي مَنْفَاهُ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالأْوْزَاعِيِّ لِلْمَنْقُولِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. وَقَالَ اللَّخْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ: إِذَا تَعَذَّرَ تَغْرِيبُ الْمَرْأَةِ سُجِنَتْ بِمَوْضِعِهَا عَامًا، لَكِنِ الْمُعْتَمَدُ الأْوَّلُ.

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّ التَّغْرِيبَ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ حَدِّ الزِّنَى، بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ السِّيَاسَةِ وَالتَّعْزِيرِ، وَذَلِكَ مُفَوَّضٌ إِلَى الْحَاكِمِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.

وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه بَعْدَ أَنْ نَفَى رَجُلاً وَلَحِقَ بِالرُّومِ: لاَ أَنْفِي بَعْدَهَا أَبَدًا. وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه : كَفَى بِالنَّفْيِ فِتْنَةً. وَقَالُوا: إِنَّ الْمُغَرَّبَ يَفْقِدُ حَيَاءَهُ بِابْتِعَادِهِ عَنْ بَلَدِهِ وَمَعَارِفِهِ فَيَقَعُ فِي الْمَحْظُورِ. لَكِنْ إِذَا رَأَى الْحَاكِمُ حَبْسَهُ فِي بَلَدِهِ مَخَافَةَ فَسَادِهِ فَعَلَ.

ب - حَبْسُ مَنْ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ :

- لِلْفُقَهَاءِ عِدَّةُ أَقْوَالٍ فِي عُقُوبَةِ اللِّوَاطِ مِنْهَا قَوْلٌ بِحَبْسِهِمَا. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (زِنًى، وَلِوَاطٌ).

ج - حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالْقَذْفِ :

- مَنْ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا عَلَى قَذْفِهِ حُبِسَ قَاذِفُهُ لاِسْتِكْمَالِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ. وَمَنِ ادَّعَى عَلَى آخَرَ قَذْفَهُ وَبَيِّنَتُهُ فِي الْمِصْرِ يُحْبَسُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِيُحْضِرَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ حَتَّى قِيَامِ الْحَاكِمِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَإِلاَّ خُلِّيَ سَبِيلُهُ بِغَيْرِ كَفِيلٍ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ بِخِلاَفِ الشَّافِعِيَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي الَّذِي يَقُومُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ بِالْقَذْفِ: لاَ يُجْلَدُ بَلْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا أَرَادَ الْقَذْفَ بَلِ الشَّتْمَ وَالسَّبَّ وَالْفُحْشَ فِي الْكَلاَمِ. وَقِيلَ: يُسْجَنُ سَنَةً لِيَحْلِفَ، وَقِيلَ: يُحَدُّ.

د - حَبْسُ الْمُدْمِنِ عَلَى السُّكْرِ تَعْزِيرًا بَعْدَ حَدِّهِ :

- رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ اسْتَحَبَّ أَنْ يَلْزَمَ مُدْمِنُ الْخَمْرِ السِّجْنَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جَلَدَ أَبَا مِحْجَنٍ الثَّقَفِيَّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ، وَأَمَرَ بِحَبْسِهِ، فَأُوثِقَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ، ثُمَّ أُطْلِقَ بَعْدَ تَوْبَتِهِ.

هـ - الْحَبْسُ لِلدِّعَارَةِ وَالْفَسَادِ الْخُلُقِيِّ :

- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ تَتَبُّعِ أَهْلِ الْفَسَادِ، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُعَاقَبُونَ بِالسَّجْنِ حَتَّى يَتُوبُوا. فَمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوْ عَانَقَهَا أَوْ مَسَّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بَاشَرَهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ يُحْبَسُ إِلَى ظُهُورِ تَوْبَتِهِ. وَمَنْ خَدَعَ الْبَنَاتِ وَأَخْرَجَهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ  وَأَفْسَدَهُنَّ عَلَى آبَائِهِنَّ حُبِسَ.

وَتُحْبَسُ الْمَرْأَةُ الدَّاعِرَةُ وَالْقَوَّادَةُ وَتُضْرَبُ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهَا.

و - الْحَبْسُ لِلتَّخَنُّثِ :

- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَبْسِ الْمُخَنَّثِ تَعْزِيرًا لَهُ حَتَّى يَتُوبَ، وَنُقِلَ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ يُحْبَسُ إِذَا خِيفَ بِهِ فَسَادُ النَّاسِ. وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِذَا نُفِيَ الْمُخَنَّثُ وَخِيفَ فَسَادُهُ يُحْبَسُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ.

ز - الْحَبْسُ لِلتَّرَجُّلِ :

- ذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله أَنَّ الْمَرْأَةَ الْمُتَشَبِّهَةَ بِالرِّجَالِ تُحْبَسُ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؛ لأِنَّ جِنْسَ هَذَا الْحَبْسِ مَشْرُوعٌ فِي جِنْسِ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ الزِّنَى. وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ حَبْسُهَا عَنْ جَمِيعِ النَّاسِ فَتُحْبَسُ عَنْ بَعْضِهِمْ فِي دَارٍ وَتُمْنَعُ مِنَ الْخُرُوجِ.

ح - الْحَبْسُ لِكَشْفِ الْعَوْرَاتِ فِي الْحَمَّامَاتِ :

- نَصَّ يَحْيَى بْنُ عُمَرَ الْقَاضِي الأْنْدَلُسِيُّ عَلَى سَجْنِ صَاحِبِ الْحَمَّامِ وَغَلْقِ حَمَّامِهِ إِذَا سَهَّلَ لِلنَّاسِ كَشْفَ عَوْرَاتِهِمْ وَرَضِيَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ مِنَ الدُّخُولِ مَكْشُوفِي الْعَوْرَاتِ.

ط - الْحَبْسُ لاِتِّخَاذِ الْغِنَاءِ صَنْعَةً :

- نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى حَبْسِ الْمُغَنِّي حَتَّى يُحْدِثَ تَوْبَةً لِتَسَبُّبِهِ فِي الْفِتْنَةِ وَالْفَسَادِ غَالِبًا.

حَالاَتُ الْحَبْسِ بِسَبَبِ الاِعْتِدَاءِ عَلَى الْمَالِ :

أ - حَبْسُ الْعَائِدِ إِلَى السَّرِقَةِ بَعْدَ قَطْعِهِ :

- إِذَا قُطِعَ السَّارِقُ ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّرِقَةِ يُحْبَسُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِمَنْعِ ضَرَرِهِ عَنِ النَّاسِ، عَلَى خِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي تَحْدِيدِ عَدَدِ الْمَرَّاتِ الَّتِي يُقْطَعُ أَوْ يُحْبَسُ بَعْدَهَا. (ر: سَرِقَةٌ).

ب - حَبْسُ السَّارِقِ تَعْزِيرًا لِتَخَلُّفِ مُوجِبِ الْقَطْعِ :

- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حَالاَتٍ يُحْبَسُ فِيهَا السَّارِقُ لِتَخَلُّفِ مُوجِبَاتِ الْقَطْعِ وَمِنْ ذَلِكَ: حَبْسُ مَنِ اعْتَادَ سَرِقَةَ أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ، وَحَبْسُ مَنِ اعْتَادَ سَرِقَةَ بَزَابِيزِ الْمِيَضِ (صَنَابِيرِ الْمَاءِ) وَنِعَالِ الْمُصَلِّينَ. وَنَصُّوا عَلَى حَبْسِ الطَّرَّارِ وَالْقَفَّافِ وَالْمُخْتَلِسِ، وَمَنْ يَدْخُلُ الدَّارَ فَيَجْمَعُ الْمَتَاعَ فَيُمْسَكُ وَلَمَّا يُخْرِجْهُ. وَكُلُّ سَارِقٍ انْتَفَى عَنْهُ الْقَطْعُ لِشُبْهَةٍ وَنَحْوِهَا يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ.

ج - حَبْسُ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ :

- نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى حَبْسِ الْمُتَّهَمِ بِالسَّرِقَةِ لِوُجُودِ قَرِينَةٍ مُعْتَبَرَةٍ فِي ذَلِكَ كَتَجَوُّلِهِ فِي مَوْضِعِ السَّرِقَةِ وَمُعَالَجَتِهِ أُمُورًا تُعْتَبَرُ مُقَدِّمَاتٍ لِذَلِكَ.

د - الْحَبْسُ لِحَالاَتٍ تَتَّصِلُ بِالْغَصْبِ :

- يَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ رَدُّ عَيْنِ الْمَغْصُوبِ، فَإِنْ  أَبَى حُبِسَ حَتَّى يَرُدَّهُ، فَإِنِ ادَّعَى هَلاَكَهُ حَبَسَهُ الْحَاكِمُ مُدَّةً يُعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لأَظْهَرَهُ، ثُمَّ يَقْضِي عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ. وَقِيلَ: بَلْ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَيَضْمَنُ قِيمَتَهُ وَلاَ يُحْبَسُ. وَمَنْ بَلَعَ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ لُؤْلُؤَةً حُبِسَ حَتَّى يَرْمِيَهُ لِصَاحِبِهِ.

هـ - الْحَبْسُ لِلاِخْتِلاَسِ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ :

- ذَهَبَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ إِلَى حَبْسِ مَنِ اخْتَلَسَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَحُكِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَعَ مَعْنِ بْنِ زَائِدَةَ.

و - حَبْسُ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ :

78 - نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى حَبْسِ الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا.

ز - الْحَبْسُ لِلدَّيْنِ :

مَشْرُوعِيَّةُ حَبْسِ الْمَدِينِ :

- الْمَدِينُ أَحَدُ رَجُلَيْنِ: إِمَّا مُعْسِرٌ، وَإِمَّا مُوسِرٌ:

فَالْمَدِينُ الَّذِي ثَبَتَ إِعْسَارُهُ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ لِلآْيَةِ: ) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).

وَالْمَدِينُ الْمُوسِرُ يُعَاقَبُ إِذَا امْتَنَعَ مِنْ وَفَاءِ الدَّيْنِ الْحَالِّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».

وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلاَنِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: يُقْصَدُ بِالْعُقُوبَةِ فِي الْحَدِيثِ الْحَبْسُ، وَهَذَا قَوْلُ شُرَيْحٍ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَسَوَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالْمَالِكِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ.

وَاخْتَارَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ وَابْنُ الْقَيِّمِ وَغَيْرُهُمَا؛ لأِنَّ  الْحُقُوقَ لاَ تُخَلَّصُ فِي هَذِهِ الأْزْمِنَةِ غَالِبًا إِلاَّ بِهِ وَبِمَا هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: الْعُقُوبَةُ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْمُلاَزَمَةُ، حَيْثُ يَذْهَبُ الدَّائِنُ مَعَ الْمَدِينِ أَنَّى ذَهَبَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ. وَذَكَرُوا أَنَّ الْمَدِينَ لاَ يُحْبَسُ، لأِنَّ  النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم  لَمْ يَحْبِسْ بِالدَّيْنِ، وَلَمْ يَحْبِسْ بَعْدَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ، بَلْ كَانُوا يَبِيعُونَ عَلَى الْمَدِينِ مَالَهُ.

مَا يُحْبَسُ بِهِ الْمَدِين:

 - قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الدَّيْنَ إِلَى أَقْسَامٍ: مَا كَانَ بِالْتِزَامٍ بِعَقْدٍ كَالْكَفَالَةِ وَالْمَهْرِ الْمُعَجَّلِ، وَمَا كَانَ بِغَيْرِ الْتِزَامٍ إِلاَّ أَنَّهُ لاَزِمٌ، كَنَفَقَةِ الأْقَارِبِ وَبَدَلِ الْمُتْلَفِ، وَمَا كَانَ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ كَثَمَنِ الْمَبِيعِ. وَلَهُمْ أَقْوَالٌ مُخْتَلِفَةٌ فِيمَا يُحْبَسُ بِهِ الْمَدِينُ وَمَا لاَ يُحْبَسُ بِهِ.

وَذَكَرُوا أَنَّ أَقَلَّ مِقْدَارٍ يُحْبَسُ بِهِ الْمَدِينُ الْمُمَاطِلُ فِي دَيْنِ آدَمِيٍّ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. أَمَّا الدُّيُونُ الَّتِي لِلَّهِ تَعَالَى كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَةِ فَلاَ حَبْسَ فِيهَا عِنْدَ طَائِفَةٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ.

الْمَدِينُ الَّذِي يُحْبَس:

- تُحْبَسُ الْمَرْأَةُ بِالدَّيْنِ إِنْ طَلَبَ غَرِيمُهَا ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ زَوْجَةً أَمْ أَجْنَبِيَّةً. وَاتَّجَهَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُخَدَّرَةَ (الَّتِي تَلْزَمُ بَيْتَهَا وَلاَ تَبْرُزُ لِلرِّجَالِ) لاَ تُحْبَسُ فِي الدَّيْنِ، بَلْ يُسْتَوْثَقُ عَلَيْهَا وَيُوَكَّلُ بِهَا.

وَيُحْبَسُ الزَّوْجُ بِدَيْنِ زَوْجَتِهِ أَوْ غَيْرِهَا.

وَيُحْبَسُ الْقَرِيبُ بِدَيْنِ أَقْرِبَائِهِ، حَتَّى الْوَلَدُ يُحْبَسُ بِدَيْنِ وَالِدَيْهِ لاَ الْعَكْسُ. وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ؛ لأِنَّ  مُوجِبَ الْحَبْسِ لاَ يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالأْنُوثَةِ.

وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الصَّبِيَّ لاَ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ بَلْ يُؤَدَّبُ. وَفِي الْقَوْلِ الآْخَرِ لِلْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ إِذَا أَذِنَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَظَلَمَ.

وَيُحْبَسُ الْمُسْلِمُ بِدَيْنِ الْكَافِرِ وَلَوْ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا؛ لأِنَّ  مَعْنَى الظُّلْمِ مُتَحَقِّقٌ فِي مُمَاطَلَتِهِ.

مُدَّةُ حَبْسِ الْمَدِينِ :

اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ حَبْسِ الْمَدِينِ، وَالصَّحِيحُ تَفْوِيضُ ذَلِكَ لِلْقَاضِي؛ لأِنَّ  النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي احْتِمَالِ الْحَبْسِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ: هِيَ شَهْرٌ.

وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ شَهْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ. وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ مَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إِلَى سِتَّةٍ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُؤَبَّدُ حَبْسُهُ حَتَّى يَقْضِيَ دَيْنَهُ إِذَا عَلِمَ يُسْرَهُ. وَلَمْ نَجِدْ نَصًّا لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.

ح - الْحَبْسُ لِلتَّفْلِيسِ :

- يَشْتَرِكُ الْمُفْلِسُ مَعَ الْمَدِينِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأْحْكَامِ الَّتِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا، وَيَفْتَرِقُ عَنْهُ - بِحَسَبِ مَا ذَكَرُوهُ - فِي أَنَّ الْحَاكِمَ يَتَدَخَّلُ لِشَهْرِ الْمُفْلِسِ بَيْنَ النَّاسِ وَإِعْلاَنِ عَجْزِهِ عَنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ وَجَعْلِ مَالِهِ الْمُتَبَقِّي لِغُرَمَائِهِ.

وَلاَ يُحْبَسُ الْمُعْسِرُ وَلَوْ طَلَبَ غُرَمَاؤُهُ ذَلِكَ لقوله تعالي  : ) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).

وَإِذَا كَانَ الْمُفْلِسُ مَجْهُولَ الْحَالِ لاَ يُعْرَفُ غِنَاهُ أَوْ فَقْرُهُ حُبِسَ بِطَلَبٍ مِنَ الْغُرَمَاءِ حَتَّى يَسْتَبِينَ أَمْرُهُ. وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ كَفَالَتِهِ بِوَجْهٍ أَوْ بِمَالٍ حَتَّى تَزُولَ الْجَهَالَةُ. وَقَالُوا: إِذَا أَخْبَرَ بِإِعْسَارِهِ وَاحِدٌ مِنَ الثِّقَاتِ أُخْرِجَ مِنْ حَبْسِهِ.

وَإِذَا حُبِسَ الْمُفْلِسُ الْمَجْهُولُ الْحَالِ وَظَهَرَ أَنَّ لَهُ مَالاً، أَوْ عُرِفَ مَكَانُهُ أُمِرَ بِالْوَفَاءِ. فَإِنْ أَبَى أُبْقِيَ فِي الْحَبْسِ - بِطَلَبِ غَرِيمِهِ - حَتَّى يَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ. فَإِنْ أَصَرَّ عَلَى عَدَمِ بَيْعِ مَالِهِ لِقَضَاءِ دَيْنِهِ بَاعَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَقَضَاهُ، وَأَخْرَجَهُ مِنَ الْحَبْسِ فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ. وَقِيلَ: يُخَيَّرُ الْحَاكِمُ بَيْنَ حَبْسِهِ لإِجْبَارِهِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ بَيْعِهِ عَلَيْهِ لِوَفَاءِ دَيْنِهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّ الْحَاكِمَ لاَ يُجِيبُ الْغُرَمَاءَ إِلَى بَيْعِ مَالِ الْمُفْلِسِ وَعُرُوضِهِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ تَخْسَرَ عَلَيْهِ وَيَتَضَرَّرَ. بَلْ يَقْضِي دَيْنَهُ بِجِنْسِ مَا عِنْدَهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَيُؤَبِّدُ حَبْسَهُ لِحَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ».

وَإِذَا قَامَتِ الْقَرَائِنُ أَوِ الْبَيِّنَةُ عَلَى وُجُودِ مَالٍ لِلْمَدِينِ الْمُفْلِسِ، وَلَمْ يُعْلَمْ مَكَانُهُ حُبِسَ حَتَّى يُظْهِرَهُ إِنْ طَلَبَ غَرِيمُهُ ذَلِكَ. وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ لِلْحَدِيثِ الآْنِفِ ذِكْرُهُ.

حَبْسُ الْمُفْلِسِ بِطَلَبِ بَعْضِ الْغُرَمَاءِ :

إِنْ طَلَبَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ حَبْسَ الْمُفْلِسِ الَّذِي لَمْ يَثْبُتْ إِعْسَارُهُ وَأَبَى بَعْضُهُمْ حُبِسَ وَلَوْ لِوَاحِدٍ، فَإِنْ أَرَادَ الَّذِينَ لَمْ يَحْبِسُوا مُحَاصَّةَ الْحَابِسِ فِي مَالِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ فَلَهُمْ ذَلِكَ. وَلَهُمْ أَيْضًا إِبْقَاءُ حِصَصِهِمْ فِي يَدِ الْمُفْلِسِ الْمَحْبُوسِ. وَلَيْسَ لِلْغَرِيمِ الْحَابِسِ إِلاَّ حِصَّتُهُ.