loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث، الصفحة : 9

مذكرة المشروع التمهيدي :

1 - أخذ هذا النص عن المادة 111 من المشروع الفرنسي الإيطالي ، مع تعديل طفيف في الصياغة ، وهو يتناول بيان حكم التعليق بالشرط المستحيل والشرط غير المشروع ، ويراعى أن من مستلزمات التعليق أن یکون مدلول فعل الشرط و معدوماً على خطر الوجود ، لا يستطاع الجزم بما سيكون من أمره ، فمتى كان الشرط مستحيلاً ، وهو ما يمتنع تحققه بحكم الواقع ، أو كان غير مشروع - بسبب مخالفته للقانون أو النظام العام أو الآداب - وهو ما يمتنع تحققه بحكم القانون ، انتفت حقيقة التعليق ، وأدى ذلك إلى التأثير في حكم الالتزام المعلق ، فإذا كان الشرط موقفاً فالالتزام لن يوجد على وجه الإطلاق ، لامتناع تحقق الأمر الذي علق عليه وجوده ، ويكون الالتزام ، في هذه الحالة ، معدوماً لا باطلاً ، أما إذا كان الشرط فاسخاً فيمتنع زوال الالتزام المعلق به ، لأن الشرط نفسه ممتنع التحقيق، ولذلك يسقط أثر التعليق ويعتبر الشرط غير قائم.

2 - ومع ذلك فإذا كان الشرط الفاسخ غير مشروع فينبغي التفريق بين حالتين : أولاهما تعرض حيث لا يكون الشرط هو السبب الدافع إلى الالتزام ، وفي هذه الحالة يعتبر الشرط إن لم يكن أو غيرقائم ، والثانية تعرض حيث يكون الشرط هو السبب الدافع إلى التعاقد ، وفي هذه الحالة يكون الشرط عنصراً جوهرياً من عناصره ، و يستتبع ذلك عدم قيام الالتزام ابتداء ، شأنه من هذه الناحية ، شأن أي التزام يقوم على سبب غير مشروع.

الأحكام

1- تحقق الشرط الفاسخ - وهو أمر مستقبل غير محقق الوقوع - يترتب عليه وفقاً لحكم المادة 265 من القانون المدني زوال الإلتزام، الإلتزام المعلق على هذا الشرط يكون قائماً ونافذاً فى فترة التعليق ولكنه مهدد بخطر الزوال. إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى إعمالاً بما تقضي به المادة 266/1 من القانون المدني إلى بطلان الشرط الفاسخ لمخالفته للنظام العام وبقاء الإلتزام بالدين قائماً فإنه لا يكون قد خالف القانون.

(الطعن رقم 665 لسنة 44 جلسة 1978/04/25 س 29 ع 1 ص 1112 ق 218)

شرح خبراء القانون

ويتخلص من النصوص المتقدمة الذكر أن للشرط مقومات ثلاثة : (1) فهو أمر مستقبل (2) غير محقق الوقوع (3) وغير مخالف للنظام العام ولا للآداب ، وهناك مقوم رابع ، هو أن الشرط أمر عارض إضافي يمكن تصور الالتزام بدونه ، وهذه ظاهرة عامة في أوصاف الالتزام ، ولكنا أثرنا أن نذكرها في الشرط لأهميتها بالنسبة إليه ، إذ هي التي تميز بين الحق المشروط والحق الاحتمالي .

ونستعرض الآن هذه المقومات الأربعة .

أمر مستقبل

يجب أن يكون الشرط أمراً مستقبلاً : يجب أن يكون الشرط أمراً مستقبلاً ، فإذا وعد شخص آخر بجائزة إذا عثر على مال له مفقود ، أو وعد أب ولده بجائزة إذا نجح في الإمتحان ، أو وعد الأب ابنه بأن يهب له منزلاً إذا تزوج لهيئ له أمر سكناه ، فكل من العثور على المال المفقود والنجاح في الإمتحان والزواج أمر مستقبل ، ومن ثم كان كل من الالتزام بالجائزة أو الهبة التزاماً معلقاً على شرط ، إذ يتوقف وجوده على تحقق هذا الشرط .

وإذا أوصى زوج لزوجته بدار تسكنها على أن تتفرغ لتربية أولادها منه فلا تتزوج بعده وإلا فسخت الوصية ، أو باع شخص أحد متجريه واشترط على المشترى أن يكون البيع مفسوخاً إذا نافسه في المتجر الآخر الذي استبقاه ، فكل من الزواج في المثل الأول ومن المنافسة في المثل الثاني أمر مستقبل ، ومن ثم كانت الالتزامات المترتبة على كل من الوصية والبيع معلقة على شرط ، إذ يتوقف زوالها على تحقق هذا الشرط .

لا يجوز أن يكون الشرط أمراً ماضياً أو حاضراً : فلا بد إذن أن يكون الشرط أمراً مستقبلاً ، أما إذا كان أمراً ماضياً أو حاضراً فهو ليس بشرط ، حتى لو كان طرفاً الالتزام يجهلان وقت التعامل ما إذا كان الأمر الماضي قد وقع أو لم يقع ، أو ما إذا كان الأمر الحاضر واقعاً أو غير واقع ، فلو أن الواعد بالجائزة ، في المثل المتقدم ، وقت أن وعد بها كان الموعود له قد عثر على المال المفقود ولا يعلم الواعد ذلك ، فالتزام الواعد بالجائزة التزام منجز غير معلق على شرط ، وهو واجب الوفاء في الحال ، ولو أن الأب الذي وعد ابنه بجائزة إذا نجح في الامتحان كان وقت أن وعد بها لا يعلم أن نتيجة الامتحان قد ظهرت بالفعل وأن ابنه قد رسب ، فالتزام الأب بإعطاء ابنه الجائزة التزام لم يوجد ولن يوجد ، فهو التزام غير موجود أصلاً منذ البداية وليس التزاماً معلقاً على شرط ، ولو أن الأب وقت أن وعد ابنه بأن يهب له منزلاً إذا تزوج كان لا يعلم أن ابنه قد تزوج فعلاً ، فالتزام الأب بالهبة يكون التزاماً منجزاً غير معلق على شرط ، وهو واجب الوفاء في الحال .

واعتقاد الملتزم ، في الأمثلة المتقدمة ، أن التزامه معلق على شرط بينما هو التزام منجز ، بل اعتقاد الطرفين معاً ، المدين والدائن ، أن الشرط لم يتبين مآله بعد وأن الالتزام معلق على شرط ، لا يؤثر في أن الالتزام منجز لو كان هذا الأمر قد تحقق فعلاً قبل وجود الالتزام ، أو في أن الالتزام غير موجود أصلاً لو كان هذا الأمر لم يتحقق .

قد يكون الأمر المستقبل أمراً إيجابياً أو أمراً سلبياً – والأمر المستقبل الذي ينطوي عليه الشرط قد يكون أمراً إيجابياً أو أمراً سلبياً ، فالأب الذي التزم بان يهب ابنه داراً إذا تزوج قد علق التزامه على شرط هو زواج ابنه ، وهذا أمر إيجابي ، والزوج الذي يوصى لامرأته بدار على شرط إلا تتزوج بعده قد علق الوصية على شرط هو عدم زواج امرأته ، وهذا أمر سلبي .

ولا فرق في الحكم بين ما إذا كان الشرط أمراً إيجابياً أو أمراً سلبياً ، ولا يكاد يكون للتفرقة أهمية عملية إلا من ناحية تقدير الوقت الذي يعتبر فيه الشرط قد تحقق أو تخلف ، ففي الشرط الإيجابي تحدد عادة مدة قصيرة إذا لم يتحقق الشرط فيها اعتبر متخلفاً ، وفي الشرط السلبي تكون المدة عادة طويلة فالزوجة الموصى لها بالدار بشرط ألا تتزوج بعد موت زوجها عليها إلا تتزوج طول حياتها .

على أن الأمر الواحد – كما يقول بودري وبارد - قد تكون له ناحية ايجابية وناحية سلبية وهو لم يتغير ، فيستطاع وضعه في صورة شرط إيجابي أو في صورة شرط سلبي ، فإذا التزم شخص لآخر ، وعلق التزامه على شرط هو أن يعيش الملتزم له خارج مدينة القاهرة حتى يبعده عن ملاهيها ، فقد وضع الشرط في صورة أمر إيجابي ، ويستطيع أن يضع نفس الشرط في صورة أمر سلبي إذا اشترط على الملتزم له إلا يعيش في مدينة القاهرة .

غير محقق الوقوع

يجب أن يكون الشرط غير محقق الوقوع : تقول الفقرة الأولى من المادة 286 من التقنين المدني العراقي : " يشترط لصحة التعليق أن يكون مدلول فعل الشرط معدوماً على خطر الوجود ، لا محققاً ولا مستحيلاً " ، وهذا تعبير استعير من الفقه الإسلامي لهذا المقوم من مقومات الشرط ، فالشرط يجب أن يكون أمراً غير محق الوقوع ، وهذا الشك في وقوع الأمر هو لب الشرط والتصميم فيه .

فإذا كان الأمر محقق الوقوع ، فإنه لا يكون شرطاً ، وكذلك لا يكون شرطاً أمر مستحيل الوقوع ، وإنما يكون الشرط أمراً محتمل الوقوع ، لا محققاً ولا مستحيلاً .

لا يكون شرطاً الأمر محقق الوقوع : فإذا كان الأمر مستقبلاً ولكنه محقق الوقوع ، فإنه لا يكون شرطاً ، بل يكون أجلاً كما سبق القول ، فإذا أضاف الملتزم التزامه إلى موسم الحصاد ، كان الالتزام مقترناً بأجل لا معلقاً على شرط ، لأن موسم الحصاد في المألوف من شؤون الدنيا لابد آت ، فالأمر هنا محقق الوقوع ، فيكون أجلاً لا شرطاً .

ويكون الأمر محقق الوقوع أجلاً حتى لو لم يكن موعد وقوعه محققاًَ كالموت ، فإذا التزم المشتري بأن يدفع للبائع ثمناً هو إيراد مرتب طول حياته ، فقد جعل المشتري لالتزامه أجلاً فاسخاً هو موت البائع والموت أمر محقق وإن كان لا يعرف متى يقع ، والتزام شركة التأمين على الحياة بأن تدفع مبلغ التأمين إلى ورثة المؤمن عليه عند موته هو التزام مضاف إلى أجل واقف لا معلق على شرط واقف .

على أن الموت قد يكون شرطاً إذا اقترن بملابسات تجعله غير محقق الوقوع في نطاق هذه الملابسات ، فإذا وهب شخص داراً لاثنين على التعاقب بشرط إلا تنتقل الدار إلى الثاني إلا إذا عاش بعد موت الأول ، فإن الهبة الأولى تكون معلقة على شرط فاسخ هو أن يموت الموهوب له الأول قبل موت الموهوب له الثاني ، وتكون الهبة الثانية معلقة على شرط واقف هو أن يعيش الموهوب له الثاني بعد موت الموهوب له الأول ، فالموت في هاتين الهبتين شرط لأجل ، إذ اقترن بملابسات جعلته في كل منهما غير محقق الوقوع ، هو محقق الوقوع في ذاته ، ولكن أن يموت أحد الموهوب لهما قبل الآخر هذا هو الأمر غير محقق الوقوع ، فيصبح الموت في نطاق هذه الملابسات شرطاً لا أجلاً .

لا يكون شرطاً الأمر مستحيل الوقوع : كذلك لا يكون شرطاً الأمر مستحيل الوقوع ، فإذا علق الملتزم وجود التزامه على أمر مستحيل استحالة مطلقة ، فإن الالتزام لا يوجد أصلاً ، ويجب أن تكون الاستحالة مطلقة ، أي أن يستحيل تحقق الشرط بالوسائل المعروفة للإنسان ، فإذا وعد شخص آخر بإعطائه جائزة إذا وصل إلى القمر كانت هذه الاستحالة مطلقة ، لأن وسائل الطيران المعروفة حتى اليوم تعجز عجزاً مطلقاً عن الوصول إلى القمر ، وإن كان العلماء يتحدثون عن إمكان ذلك في المستقبل .

أما إذا كانت الاستحالة نسبية فإنها لا تعيب الالتزام ، بل يكون في هذه الحالة قائماً يتوقف وجوده أو زواله على تحقق الشرط ، وتعتبر الاستحالة نسبية إذا غلب على الظن أن تقدم المعارف البشرية تجعل الشرط غير مستحيل الوقوع ، وإن كان لم يقع حتى اليوم ،  فيجوز لشخص أو لهيئة أو تعد بمنح جائزة ، إذا استطاع الموعود له أن يجد علاجاً لبعض الأمراض المستعصية التي يوجد لها علاج حتى اليوم .

وكما تكون الاستحالة طبيعية كما رأينا في الأمثلة المتقدمة ، قد تكون أيضاً قانونية فالالتزام المعلق على شرط أن يبيع المشترط عليه تركة مستقبلة ، أو على شرط أن يتزوج محرماً ، أو على شرط أن يطلق زوجته إذا كان الطلاق غير جائز في شريعته ، لا يكون التزاماً قائماً ، لأنه علق على شرط مستحيل استحالة مطلقة ، والاستحالة هنا استحالة قانونية لا استحالة طبيعية ، إذ بيع التركة المستقبلة باطل ، وباطل كذلك الزواج من المحرم ، والطلاق محرم في شريعة المشترط عليه .

الشرط الإرادي : وهناك شرط ممكن الوقوع ، ولكن وقوعه يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام ، الدائن أو المدين ، ذلك أن الشرط - من حيث تعلقه بإرادة طرفي الالتزام - قد يكون شرطاً لا علاقة له بهذه الإرادة أصلاً ، فهو شرط متروك للصداقة ، مثل ذلك تعليق الالتزام على شرط وصول الطائرة سليمة إلى مطار الوصول ، وقد يكون شرطاً متعلقاً بإرادة أحد طرفي الالتزام ، كالزواج فهو متعلق بإرادة من يشترط عليه الزواج ، وقد يكون شرطاً مختلطاً يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام وبعامل خارجي معها كمجرد الصدفة أو إرادة الغير ، وذلك كالزوج من شخص معين فهذا شرط متعلق بإرادة من اشترط عليه الزواج وبارادة من اشترط الزواج منه .

وكل من الشرط المتروك للصدفة والشرط المختلط شرط صحيح ، لأنه أمر لا هو محقق الوقوع ولا هو مستحيل الوقوع ، إذ أن وقوعه لا يتعلق بمحض إرادة تحكمية ، وهو حتى إذا تعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام فإنه في الوقت ذاته يتعلق بأمر خارج عن هذه الإرادة يجعل وقوعه محتملاً ، لا محققاً ولا مستحيلاً .

أما الشرط الإرادي فهو إما أن يكون شرطاً إرادياً بسيطاً أو شرطاً إرادياً محضاً فالشرط الإرادي البسيط يتعلق بإرادة أحد طرفي الالتزام ، ولكن هذه الإرادة ليست مطلقة ، بل هي مقيدة بظروفها وملابساتها ، فالزواج شرط إرادي يتعلق بإرادة الدائن أو المدين ولكن إرادة المشترط عليه الزوج ليست مطلقة ، إذا الزواج أمر تحوط به الظروف والملابسات الاجتماعية والاقتصادية .

ويقال مثل ذلك عن شرط النجاح في الامتحان ، بل أن هذا الشرط يكاد يكون شرطاً مختلطاً فهو يتعلق بالإرادة وبظروف أخرى قد لا يكون للشخص سلطان عليها ، ومن ثم يكون الشرط الإرادي البسيط شرطاً صحيحاً ، سواء تعلق بإرادة الدائن أو بإرادة المدين .

بقى الشرط الإرادي المحض ، وهذا إما أن يتعلق بمحض إرادة الدائن أو بمحض إرادة المدين ، فإن تعلق بمحض إرادة الدائن كان شرطاً صحيحاً ، وكان الالتزام قائماً معلقاً على إرادة الدائن ، إن شاء تقاضى المدين الشيء الذي ألزمه به ، وإن شاء أحله من التزامه ، أما أن تعلق الشرط بمحض إرادة المدين ، فإن كان شرطاً فاسخاً ، كان يلتزم المدين حالاً ويجعل فسخ هذه الالتزام معلقاً على إدارته المحضة ، كان الشرط صحيحاً وكان الالتزام قائماً ، لأن الالتزام لم يعلق وجوده على محضر إرادة المدين ، فهو إذن قد وجد ، وإنما استبقى المدين زمامه في يده ، إن شاء أبقاه وإن شاء فسخه وإن كان الشرط المتعلق بمحض إرادة المدين شرطاً واقفاً ، كأن يلتزم المدين إذا أراد ، أو يلتزم إذا رأى ذلك معقولاً أو مناسباً  فهذا شرط يجعل عقدة الإلتزام منحلة منذ البداية ، إذ أن الإلتزام قد علق وجوده على محض إرادة المدين ، إن شاء حقق الشرط ومن هنا يكون الشرط محقق الوقوع بمشيئة المدين ، وإن شاء جعله يتخلف ومن هنا يكون الشرط مستحيل الوقوع بمشيئة المدين أيضاً ومن ثم يكون هذا الشرط باطلاً ،  ويسقط كل التزام معلق على شرط واقف هو محض إرادة المدين ، وهذا ما تقرره المادة 267 مدني ، إذا تقول كما رأينا : " لا يكون الالتزام قائماً إذا علق على شرط واقف يجعل وجود الالتزام متوقفاً على محض إرادة الملتزم.

غير مخالف النظام العام أو الآداب

الشرط المخالف للنظام العام : وقد يكون الشرط مخالفاً للنظام العام ، فيكون في هذه الحالة باطلاً ولا يقوم الالتزام الذي علق وجوده عليه .

وأمثلة الشروط المخالفة للنظام العام كثيرة متنوعة ، فإذا علق الملتزم التزامه على إلا يتزوج الدائن إطلاقاً ، كان الشرط مخالفاً للنظام العام إذا لم يكن هناك غرض مشروع يرمي إليه المشترط من وراء هذا الشرط ، فإذا رمى مثلاً إلى منع زوجته بعد موته من الزواج غيرة منه وأثره ، فالشرط باطل لمخالفته للنظام العام ، أما إذا رمى إلى جعل زوجته بعد موته تتفرغ لتربية أولادها منه لا يشغلها زوج آخر ، فالشرط صحيح والالتزام قائم ،

كذلك الشرط القاضي بألا يحترف المشترط عليه مهنة معينة يكون باطلاً لمخالفته للنظام العام ، ما لم يكن هناك غرض مشروع يرمى إليه المشترط ، كأن تكون المهنة المحرمة مهنة وضعية ترزى بالكرامة ، أو أن يكون المشترط قد أراد أن يحمى نفسه حماية مشروعة من منافسة المشترط عليه .

وإذا اشترطت الزوجة غير المسلمة أن تكون أولادها من زوجها المسلم على دينها هي لا على دين زوجها وإلا كان لها حق الطلاق من زوجها ، فإن هذا الشرط باطل لمخالفته النظام العام .

وإذا اشترطت الزوجة المسلمة على زوجها إلا يطلقها ، فإن الشرط باطل لمخالفته للنظام العام ، وللزوج بالرغم من هذا الشرط أني طلق زوجته لسبب مشروع وفي غير تعنت ، ولكن يجوز للزوجة أن تشترط مبلغاً من المال تعويضاً لها عما يصيبها من الضرر إذا طلقها زوجها ، وفي هذه الحالة ينظر إن كان الطلاق لغير سبب مشروع فالشرط صحيح ويجب دفع التعويض ، وإلا فالشرط باطل والتعويض غير مستحق .

وشرط عدم تعدد الزوجات الذي قد تشترطه الزوجة على زوجها المسلم ، وإلا صارت مطلقة منه أو أعطاها تعويضاً ، شرط صحيح في نظرنا وليس مخالفاً للنظام العام ، ولكن لا يجوز أن تشترط الزوجة على زوجها المسلم إلا يتزوج غيرها وإلا كان الزواج الآخر باطلاً أو كانت الزوجة الأخرى هي الطالقة .

ويمكن التمييز بين شرط مخالف للنظام العام وشرط مستحيل استحالة قانونية ، وإن كان كل من الشرطين باطلاً ، فاشتراط عدم الزواج قد يكون شرطاً مخالفاً للنظام العام ولكنه شرط غير مستحيل ، أما اشتراط الزواج من محرم فشرط مستحيل استحالة قانونية وهو في الوقت ذاته مخالف للنظام العام لأن الإستحالة القانونية كثيراً ما ترجع إلى مخالفة النظام العام .

الشرط المخالف للآداب :

وقد يكون الشرط مخالفاً للآداب ، فيكون باطلاً أيضاً ، ويسقط الالتزام الذي علق عليه قيامه ، فإذا التزم شخص نحو آخر بمبلغ من النقود بشرط أن يقوم بارتكاب عمل غير مشروع ، فإن الشرط يكون مخالفاً للآداب ويكون باطلاً كما قدمنا ، وكذلك الحكم إذا اشترط على شخص إلا يرتكب جريمة ، أو أن يمحو آثار جريمة ارتكبت كأن يعيد مخطوفاً أو يرد مسروقاً ، أو اشترط عليه أن يقوم بعمل واجب عليه قانوناً على أن يتناول أجراً على القيام به كأن تدخل الزوجة في طاعة زوجها أو أن يمتنع الزوج عن معاشرة غير زوجته أو أن يكف شخص عن التشهير بشخص آخر ونحو ذلك ، فكل هذه شروط تعتبر مخالفة للآداب لأنها جزاء مادي على القيام بالواجب ، والواجب يتعين القيام به دون جزاء.

أمر عارض

الشرط أمر عارض : ويدخل في مقومات الشرط ، بحكم أنه وصف يلحق الحق بعد تكوينه ، أنه أمر عارض يلحق عنصراً جوهرياً من عناصر الحق .

ويترتب على أن الشرط يلحق عنصراً جوهرياً من عناصر الحق أن كلاً من الحق المضمون برهن والحق غير معين القيمة والحق التبعي لا يعتبر حقاً معلقاً على شرط ، لأن الوصف هنا لا يلحق عنصراً جوهرياً من عناصر الحق ، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك .

أما أن الشرط أمر عارض فمعناه أنه وصف يدخل على الحق بعد تمام هذا الحق وتكامل عناصره ، فيكون الشرط أمراً عارضاً لا يساهم في تكوين الحق ذاته ، بل يضاف إليه بعد تكوينه ويمكن تصور قيام الحق بدونه فالشرط إذن ، بإعتباره أمراً عارضاً ، قد يوجد وقد لا يوجد ، وهو إذا وجد فالحق يصبح موصوفاً ، وإذا لم يوجد فالحق يقوم بالرغم من ذلك لأنه استكمل عناصره ، ويكون حقاً غير موصوف أي حقاً بسيطاً منجزاً.

التمييز بين الحق المشروط والحق الاحتمالي : ومن هنا يجيء التمييز بين الحق المشروط والحق الاحتمالي ، فالوصف في الحق المشروط أمر عارض يلحق الحق بعد تكامل عناصره كما قدمنا أما الوصف في الحق الاحتمالي فأمر غير عارض ، ذلك أن الحق الاحتمالي هو حق ينقصه عنصر من عناصره الجوهرية ، والوصف في الحق الاحتمالي هو بالذات نقصان هذا العنصر الجوهري .

ومن الأمثلة على الحق الاحتمالي ما يأتي : (1) حق الشفيع قبل أن يعلن  إدارته في الأخذ بالشفعة ، إذ الشفيع قبل إعلان هذه الإرادة ليس له حق كامل ، بل مجرد حق إحتمالي ، ولا يصبح هذا الحق الاحتمالي حقاً كاملاً إلا إذا أعلن الشفيع إدارته في الأخذ بالشفعة ، فالحق الاحتمالي هنا قد نقصه عنصر من العناصر الجوهرية هو إعلان هذه الإرادة ، ولا يعتبر هذا الإعلان شرطاً ، بل هو عنصر من عناصر الحق كما قدمنا.

(2) حق الموصي له قبل أن يموت الموصى ، وهنا أيضاً لا يكون للموصي له إلا حق احتمالي قد ينقصه عنصر من العناصر الجوهرية للحق الكامل هو موت الموصى ، ولا يعتبر هذا الموت شرطاً ، بل هو عنصر من عناصر الحق.

(3) الحق المترتب على حساب جار قبل أن يدفع صاحب الحساب أو يقبض شيئاً ، فالحق هنا حق إحتمالي ينقصه عنصر من العناصر الجوهرية للحق الكامل هو الدفع أو القبض ، ليتكون رصيد دائن أو مدين للحساب الجاري ، فيصبح الحق كاملاً لا مجرد حق احتمالي ، ولا يعتبر الدفع أو القبض شرطاً ، بل هو عنصر من عناصر الحق .

ونرى من ذلك أن هناك فرقين أساسيين بين الحق المشروط والحق الاحتمالي :

(أولاً) يمكن تصور قيام الحق المشروط دون الشرط ، إذ الشرط أمر عارض كما قدمنا ، أما الحق الاحتمالي فحق ينقصه عنصر من العناصر الجوهرية حتى يكون حقاً كاملاً كما سبق القول ، ومن ثم لا يمكن تصور هذا الحق الكامل دون هذا العنصر الجوهري .

(ثانياً) إذا تحقق الشرط في الحق المشروط ، كان لتحققه أثر رجعي على الوجه الذي سنفصله فيما يلي ، أما إذا استكمل الحق الاحتمالي العنصر الجوهري الذي ينقصه فأصبح حقاً كاملاً ، فإنه يصبح حقاً كاملاً دون أثر رجعي ، ومن ثم يوجد الحق الكامل من وقت استكمال العنصر الجوهري ، لا من وقت وجود الحق الاحتمالي. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث ، المجلد : الأول ، الصفحة : 15)

الالتزام المعلق على شرط غير ممكن:

من مستلزمات فكرة التعليق بالشرط أن يكون وقوعه في حيز الإمكان وان كان غير محقق ، وبذلك يكون من أثر التعليق أن يجعل مصير الالتزام مجهولاً فإذا كانت الواقعة المشروطة مستحيلة الوقوع انتفت حقيقة التعليق إذ يكون من المحقق أنها لن تقع .

والاستحالة قد تكون مادية ترجع إلى طبيعة الأشياء ، أو قانونية ترجع إلى حكم القانون.

ومثال الإستحالة المادية أن يتعهد شخص لآخر بأن يمنحه جائزة إذا اكتشف دواء يديم الحياة أو لمن يعبر المحيط سباحة أو لمن يطير في الهواء.

ومثال الإستحالة القانونية أن يتعهد شخص لآخر بأن يهبه مالاً معيناً إذا حصل له على تنازل شخص ثالث عن نصيبه في تركة إنسان على قيد الحياة.

فإستحالة الواقعة المشروطة إذن تتنافى مع حقيقة التعليق، وذلك سواء كان الشرط واقعاً أو فاسقاً، ولكن يختلف تأثير هذه الاستحالة في الالتزام ذاته بإختلاف نوع الشرط.

وواضح أن المقصود بالإستحالة هنا في الاستحالة المطلقة لا الاستحالة النسبية .

فإذا كان الشرط المستحيل وافقاً ، وقع الالتزام الذي علق عليه باطلاً، لأن وجوده علق على شرط لن يتحقق، أولاً ينبغي قانونآ أن يتحقق، فلا يكون موجوداً وعلى هذا نصت الفقرة الأولى من المادة صراحة يقولها : " لا يكون الالتزام قانعاً إذا علق على شرط غير ممكن ... هذا إذا كان الشرط واقفاً ".

أما إذا كان الشرط المستحيل فاسخاً ، اقتصر البطلان على هذا الشرط وحده ، وقام الالتزام منذ البداية باتاً لا مهدداً بالزوال ، ذلك أن الالتزام في هذه الحالة يعتبر قائماً ، ونافذاً منذ نشوئه ، وإذا كان زواله معلقاً على شرط ، فإن هذا الشرط لن يتحقق أولاً ينبغي قانوناً أن يتحقق ، فيعتبر كأن لم يكن ، ويقوم الالتزام غير معلق على شرط ما لذلك نصت الفقرة الأولى من المادة على أن الشرط الفاسخ ، في هذه الحالة هو نفسه الذي يعتبر غير قائم.

الشرط المخالف للآداب أو النظام العام :

يجب أن يكون الشرط مشروعاً ، والشرط المشروع هو الذي لا يكون مخالفاً للآداب أو النظام العام.

وليس معنى علم مشروعية الشرط أن تكون الواقعة المشروطة غير مشروعة، فقد تكون الواقعة المشروطة مخالفة للآداب أو النظام العام ويكون الشرط مع ذلك مشروعاً صحيحاً ، فإرتكاب جريمة واقعة غير مشروعة ، ولكن يصح اشتراطها كشرط فاسخ للالتزام فتح الهبة مع اشتراط الفسخ إن ارتكب الموهوب له جريمة معينة إذ لا يقصد بالشرط في هذه الحالة تحقيق أمر غير مشروع ، بل المقصود متعة.

وبالعكس، قد تكون الواقعة لا مخالفة فيها للنظام العام أو الآداب ويعتبر اشتراطها غير مشروع، من ذلك أن يهب شخص لأخر مالاً معيناً على أن تفسخ الهبة إذا لم يقم الموهوب له بقتل شخص يعينه له الواهب، فعدم القتل أمر مشروع، ولكن اشتراطه شرطاً فاسخاً يكون شرطاً غير مشروع، إذ قد قصد به أمر غير مشروع هو حمل الموهوب له على ارتكاب القتل، ويتضح من ذلك أن العبرة في مشروعية الشرط هي بالغرض المقصود منه لا بالواقعة المشروطة .

ومن أمثلة الشروط المخالفة للنظام العام، تعليق الملتزم التزامه علي ألا يتزوج الدائن إطلاقاً، إذا لم يكن هنالك عرض مشروع يرمي إليه المشترط من وراء هذا الشرط، فإذا رمي مثلاً إلى منع زوجته بعد موته من الزواج غيرة منه وأثره، فالشرط باطل لمخالفته للنظام العام، أما إذا رمي إلى جعل زوجته بعد موته تتفرغ لتربية أولادها منه فلا يشغلها زوج آخر، فالشرط صحيح والالتزام قائم.

كذلك الشرط القاضي بألا يحترف المشترط عليه مهنة معينة، ما لم يكن هناك عرض مشروع يرمي إليه المشترط، كأن تكون المهنة المحرمة ميتة وضيعة تزری بالكرامة، أو أن يكون المشترط قد أراد أن يحمي نفسه حماية مشروع من منافسة المشترط عليه، وكذلك اشتراط الزوجة المسلمة على زوجها ألا يطلقها.

وإذا كان الشرط غير مشروع على هذا المعنى کان اشتراطه باطلاً، ولهذا أثره في الالتزام المعلق ذاته، وقد فرقت المادة في هذا الصدد بين الشرط الواقف والشرط الفاسخ.

فإذا كان الشرط غير المشروع واقفاً، فلا يقوم الالتزام ذلك أن الشرط الواقف وقد علق عليه وجود الالتزام يخلط بالباعث الدافع، والقاعدة في بطلان التصرف إن كان الباعث عليه غير مشروع ، ومادام التصرف باطلاً فلا ينشأ الالتزام.

أما إذا كان الشرط غير المشروع فاسخاً وكان هذا الشرط ثانوياً في أهميته فإن الشرط يبطل ويبقى الالتزام غير مهدد بالزوال.

أما إذا كان الشرط عنصراً جوهرياً بأن يكون هو السبب الدافع للالتزام فلا يقتصر الأمر على أن يعتبر هو لغواً وأن يبقى الالتزام قائماً ، بل يمتنع معه قیام الالتزام ذاته لعدم مشروعية بسببه ، ومثل ذلك هبة دار لإمرأة بشرط استمرار معاشرتها معاشرة غير مشروعة ، فلا يقتصر الأمر على إلغاء الشرط بل تقع الهبة ذاتها باطلة .

أو البائع الذي يشترط أن يتم الوفاء له ذهباً. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع ، الصفحة : 17)

يكون الشرط غير مشروع أن كان مخالفاً للنظام العام أو الآداب ، فان كان هذا الشرط واقفاً ، فلا يقوم الالتزام ، إذ يقوم هذا الشرط مقام الباعث الدافع إلى التعاقد ، فإن كان هذا الباعث باطلاً کان الالتزام بدوره باطلاً ، أما إن كان الشرط غير المشروع فاسخاً وكان هو الباعث الدافع إلى التعاقد ، كان عنصراً جوهرياً في كيان الالتزام فيؤدي إلى بطلانه ويصبح الالتزام كأن لم يكن مثله مثل كل التزام يستند إلى سبب غير مشروع ، أما إذا لم يكن الشرط الفاسخ هو الباعث الدافع إلى التعاقد ، كان هذا الشرط وحده باطلاً ويظل الالتزام صحيحاً منجزاً غير معلق على شرط ، ويسري ذات الحكم إذا كان الشرطة الفاسخ مستحيلاً سواء كان الشرط المستحيل هو الباعث الدافع إلى التعاقد أو لم يكن كذلك. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة ، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع ، الصفحة : 642)

والأمر الممكن هو ما كان في مقدور الإنسان ، وليس فيه مخالفة الأحكام القانون ، فيكون محتملاً تحققه أو تخلفه ويصلح بذلك لأن يكون شرطاً ، أما الأمر غير الممكن أو المستحيل فهو الذي لا يمكن تحققه لكونه مخالفاً قوانين الطبيعة أو أحكام القوانين ، فيكون محققاً عدم وقوعه ، وبالتالي لا يصلح أن يكون شرطاً.

والإستحالة إما أن تكون مادية أو قانونية ، فإذا اشترطت على شخص أن يلمس السماء ، أو أن يعبر المحيط سابحاً ، فقد اشترطت أمراً مستحيلاً مادياً ، وإذا اشترطت عليه أن يرفع استئنافاً صحيحاً بعد میعاده ، أو أن يجدد قيداً بعد سقوطه مع حفظ مرتبته الأولى ، أو إذا اشترطت على سمسار أن يبيع وقفاً ، فالإستحالة قانونية .

ويجب الإعتبار الشرط مستحيلاً : 

(1) أن يكون أمراً يتعذر تحققه على أي شخص في الظروف المادية التي اشترط فيها : أي أن تكون الاستحالة مطلقة لا نسبية ، وتقدير ذلك متروك للقضاء ، فإذا قلت لمن لا يعرف الرسم : أعطيك 100 جنيه إذا رسمت صورتی ، فليس هذا الشرط مستحيلاً استحالة مطلقة ، ولو كان الموعود له لا يعرف الرسم ، اذ يحتمل أن يكون المقصود به حمل الأخير على تعلم الرسم ، ما لم يكن قد عين موعد محدد لتحقق الشرط لا يكفي بأي حال لأن يتعلم فيه أي شخص الرسم في الظروف العادية  .

(2) وأن تكون الاستحالة قائمة وقت اشتراط الأمر المستحيل ، إذ لو كان هذا الأمر ممكناً في ذلك الوقت ، ثم صار مستحيلاً بعد ذلك ، فيكون الشرط صحيحاً وتعتبر الإستحالة الطارئة تخلفاً للشرط ويترتب عليه نتائجه من حيث وجود الالتزام أو زواله ، واذا كان الأمر مستحيلاً استحالة قانونية وقت تعليق الالتزام على تحققه ، ثم زالت هذه الإستحالة بتشريع يصدر في أثناء فترة التعليق ، فإن ذلك لا يؤثر في اعتبار الشرط مستحيلاً.

ويعد تقرير الأمكان أو الاستحالة مسألة موضوعية لا يخضع فيها القاضي لرقابة محكمة النقض ، أما تحديد معنى الامكان وعدمه قبل تطبيقه على الواقع فيتعلق بفهم القانون ويخضع فيه القاضي لرقابة محكمة النقض .

أن يكون الأمر مشروعاً :

ولكي يعتبر الأمر مشروعاً يجب أن لا يخالف النظام العام أو الآداب العامة ، أي أنه لا يكفى ألا يخالف نصا من نصوص القانون الآمرة بل يجب أيضا أن لا يخالف أي مبدأ من المبادئ الأساسية التي يتكون منها النظام العام كإحترام الحرية الشخصية وحرية الرأي وحرية العمل وحرية الزواج ، وألا يخالف ما تقضى به الآداب العامة .

وقصارى القول أنه يجب أن لا يكون الأمر الذي يتخذ منه العاقدان شرطاً واقفاً أو فاسخاً للالتزام مستحيلاً ولا غير مشروع ولا مخالفاً للآداب .

ويقدر القاضي ما اذا كان الأمر المشروط يعتبر مخالفاً الآداب العامة أو لا يعتبر كذلك دون رقابة عليه من محكمة النقض : أما تقدير مخالفة الأمر المذكور للقانون أو للنظام العام أو عدمها فيعتبر مسألة قانونية يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض ، ويجب أن يراعى في تقديرها تصور المجتمع لفكرة النظام العام والآداب .

حكم الشرط المستحيل والشرط غير المشروع  :

تنص المادة 266 فقرة أولى مدني على أن « لا يكون الالتزام قائماً اذا علق على شرط غير ممكن ، أو على شرط مخالف للآداب أو النظام العام ، هذا إذا كان الشرط واقفاً ، أما إذا كان فاسخاً فهو نفسه الذي يعتبر غير قائم » - ومؤداها أن الشرط المستحيل أو غير المشروع ان كان واقفاً فإنه يمتنع معه نشوء الالتزام ، وإن كان فاسخاً فإنه يلغو ويعتبر الالتزام منجزاً غير معلق ، فإذا اتفقنا على أن أعطيك مائة جنيه إذا أنت لمست السماء أو إذا أنت قتلت فلاناً ، فلا التزام ، وإذا اتفقنا على أن أهبك داري على أن تنفسخ الهبة إذا عاد ولدى الميت إلى  الحياة أو إذا أنت تزوجت فإن الشرط يلغو وتعتبر الهبة منجزة غير مقترنة بشرط .

غير أن الشرط الفاسخ المخالف للآداب أو النظام العام اذا كان هو السبب الدافع للالتزام ، فحينئذ لا يقتصر الأمر على أن يعتبر هو لغواً وأن يبقى الالتزام قائماً ، بل يمتنع معه قيام الالتزام ذاته لعدم مشروعية سببه ( المادة 266 فقرة ثانية ) ، ومثل ذلك هبة دار لامرأة بشرط إستمرار معاشرتها معاشرة غير مشروعة ، فلا يقتصر الأمر على إلغاء الشرط بل تقع الهبة ذاتها باطلة ، وفي غير ذلك من الأحوال بلغو الشرط فقط ويصح العقد .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور / سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس الصفحة :507) 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس والعشرون ، الصفحة /   8

مَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّرْطُ الْجَعْلِيُّ بِقِسْمَيْهِ الْمُعَلَّقِ وَالْمُقَيَّدِ:

11 -يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّعْلِيقِ أُمُورٌ مِنْهَا: أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَمْرًا مَعْدُومًا عَلَى خَطَرِ الْوُجُودِ أَيْ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ وَأَنْ لاَ يَكُونَ، وَأَنْ يَكُونَ أَمْرًا يُرْجَى الْوُقُوفُ عَلَى وُجُودِهِ، وَأَنْ لاَ يُوجَدَ فَاصِلٌ أَجْنَبِيٌّ بَيْنَ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ . وَأَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ أَمْرًا مُسْتَقْبَلاً بِخِلاَفِ الْمَاضِي فَإِنَّهُ لاَ مَدْخَلَ لَهُ فِي التَّعْلِيقِ . وَأَنْ لاَ يَقْصِدَ بِالتَّعْلِيقِ الْمُجَازَاةَ فَلَوْ سَبَّتْهُ بِمَا يُؤْذِيهِ فَقَالَ إِنْ كُنْتُ كَمَا قُلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ تَنَجَّزَ الطَّلاَقُ سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَمَا قَالَتْ أَوْ لَمْ يَكُنْ لأِنَّ  الزَّوْجَ فِي الْغَالِبِ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ إِيذَاءَهَا بِالطَّلاَقِ، وَأَنْ يُوجَدَ رَابِطٌ حَيْثُ كَانَ الْجَزَاءُ مُؤَخَّرًا وَإِلاَّ تَنَجَّزَ، وَأَنْ يَكُونَ الَّذِي يَصْدُرُ مِنْهُ التَّعْلِيقُ مَالِكًا لِلتَّنْجِيزِ أَيْ قَادِرًا عَلَى التَّنْجِيزِ وَهَذَا الأْمْرُ  فِيهِ خِلاَفٌ .

يُنْظَرُ فِي (تَعْلِيقٌ ف 28 - 29 ج 12) .

مَا يَخْتَصُّ بِهِ الشَّرْطُ الْمُقَيَّدُ:

يَخْتَصُّ الشَّرْطُ الْمُقَيَّدُ بِأَمْرَيْنِ:

12 -الأْوَّلُ: كَوْنُهُ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى أَصْلِ التَّصَرُّفِ. فَقَدْ صَرَّحَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ بِأَنَّ الشَّرْطَ مَا جُزِمَ فِيهِ بِالأْصْلِ  - أَيْ أَصْلِ الْفِعْلِ - وَشَرَطَ فِيهِ أَمْرًا آخَرَ .

الثَّانِي: كَوْنُهُ أَمْرًا مُسْتَقْبَلاً وَيَظْهَرُ ذَلِكَ مِمَّا قَالَهُ الْحَمَوِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى ابْنِ نُجَيْمٍ: أَنَّ الشَّرْطَ الْتِزَامُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ .

هَذَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ شَرْطِ التَّعْلِيقِ وَشَرْطِ التَّقْيِيدِ كَمَا ذَكَرَ الزَّرْكَشِيُّ أَنَّ التَّعْلِيقَ مَا دَخَلَ عَلَى أَصْلِ الْفِعْلِ بِأَدَاتِهِ كَإِنْ وَإِذَا، وَالشَّرْطُ مَا جَزَمَ فِيهِ بِالأْصْلِ  وَشَرَطَ فِيهِ أَمْرًا آخَرَ .

وَقَالَ الْحَمَوِيُّ: وَإِنْ شِئْتَ فَقُلْ فِي الْفَرْقِ إِنَّ التَّعْلِيقَ تَرْتِيبُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ عَلَى أَمْرٍ يُوجَدُ بِإِنْ أَوْ إِحْدَى أَخَوَاتِهَا وَالشَّرْطُ الْتِزَامُ أَمْرٍ لَمْ يُوجَدْ فِي أَمْرٍ وُجِدَ بِصِيغَةٍ مَخْصُوصَةٍ .

 أَثَرُ الشَّرْطِ التَّقْيِيدِيِّ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ:

18 - إِذَا قُيِّدَ التَّصَرُّفُ بِشَرْطٍ فَلاَ يَخْلُو هَذَا الشَّرْطُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلاً.

فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ صَحِيحًا كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ فِي الْبَقَرَةِ كَوْنَهَا حَلُوبًا فَالْعَقْدُ جَائِزٌ لأِنَّ  الْمَشْرُوطَ صِفَةٌ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوِ الثَّمَنِ، وَهِيَ صِفَةٌ مَحْضَةٌ لاَ يُتَصَوَّرُ انْقِلاَبُهَا أَصْلاً وَلاَ يَكُونُ لَهَا حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ بِحَالٍ . وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلاً أَوْ فَاسِدًا كَمَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا بَعْدَ شَهْرَيْنِ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا.

قَالَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: وَجُمْلَةُ مَا لاَ يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَيَبْطُلُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ. الْبَيْعُ وَالْقِسْمَةُ وَالإْجَارَةُ  وَالرَّجْعَةُ وَالصُّلْحُ عَنْ مَالٍ وَالإْبْرَاءُ  عَنِ الدَّيْنِ وَالْحَجْرُ عَنِ الْمَأْذُونِ وَعَزْلُ الْوَكِيلِ فِي رِوَايَةِ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَتَعْلِيقُ إِيجَابِ الاِعْتِكَافِ بِالشُّرُوطِ وَالْمُزَارَعَةُ وَالْمُعَامَلَةُ وَالإْقْرَارُ  وَالْوَقْفُ فِي رِوَايَةٍ .

هَذَا وَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُمُ الَّذِينَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ إِلَى أَنَّ الشَّرْطَ التَّقْيِيدِيَّ ثَلاَثَةُ أَقْسَامٍ. صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ وَبَاطِلٌ.

وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الَّذِينَ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْفَسَادِ وَالْبُطْلاَنِ وَيَقُولُونَ: إِنَّهُمَا وَاحِدٌ إِلَى أَنَّهُ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ وَبَاطِلٌ أَوْ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ.

الشَّرْطُ الصَّحِيحُ:

أ - ضَابِطُهُ:

19- ضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ مَا يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِ اشْتِرَاطِهِ أَوِ اشْتِرَاطِ مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُلُ.

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُنَافِيهِ.

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةً مَشْرُوعَةً لِلْعَاقِدِ أَوِ اشْتِرَاطُ الْعِتْقِ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَيْهِ.

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَلِّ الْعَقْدِ وَقْتَ صُدُورِهِ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ أَوْ يُؤَكِّدُ مُقْتَضَاهُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا أَجَازَ الشَّارِعُ اشْتِرَاطَهُ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُحَقِّقُ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدِ، وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ:

ب - أَنْوَاعُهُ:

20 - النَّوْعُ الأْوَّلُ: اشْتِرَاطُ صِفَةٍ قَائِمَةٍ بِمَحَلِّ التَّصَرُّفِ وَقْتَ صُدُورِهِ وَهَذَا النَّوْعُ مُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ، فَإِنْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ لِفَوَاتِ وَصْفٍ مَرْغُوبٍ فِيهِ كَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْبَقَرَةِ الْمُشْتَرَاةِ حَلُوبًا  

النَّوْعُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَجَوَازُهُ أَيْضًا مَحَلُّ اتِّفَاقٍ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ لأِنَّهُ بِمَثَابَةِ تَأْكِيدٍ، وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ فِي الشِّرَاءِ التَّسْلِيمَ إِلَى الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ لأِنَّ  هَذَا الشَّرْطَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، وَمِنْهَا أَيْضًا اشْتِرَاطُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَرَدِّ الْعِوَضِ فَإِنَّهَا أُمُورٌ لاَزِمَةٌ لاَ تُنَافِي الْعَقْدَ بَلْ هِيَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ مَا يُلاَئِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهَذِهِ عِبَارَةُ الْحَنَفِيَّةِ.

قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ فَهَذَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلَكِنَّهُ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ فَهُوَ لاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَإِنَّمَا هُوَ مُقَرِّرٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُؤَكِّدٌ إِيَّاهُ فَيُلْحَقُ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ. وَعِبَارَةُ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ مَا يُلاَئِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلاَ يُنَافِيهِ. وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ إِطْلاَقُ الْعَقْدِ لَكِنَّهُ يُلاَئِمُهُ وَمُحَقِّقٌ مَصْلَحَةً لِلْعَاقِدِ وَمِثَالُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ رَهْنًا أَوْ كَفِيلاً وَالرَّهْنُ مَعْلُومٌ وَالْكَفِيلُ حَاضِرٌ جَازَ ذَلِكَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ أَيْضًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .

النَّوْعُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ مَا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِهِ.

النَّوْعُ الْخَامِسُ: اشْتِرَاطُ مَا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا النَّوْعَ الْحَنَفِيَّةُ سِوَى زُفَرَ، وَهُوَ مِمَّا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ لَكِنْ لِلنَّاسِ فِيهِ تَعَامُلٌ .

وَمِثَالُهُ إِذَا اشْتَرَى نَعْلاً عَلَى أَنْ يَحْذُوَهَا الْبَائِعُ أَوْ جِرَابًا عَلَى أَنْ يَخْرُزَهُ لَهُ خُفًّا فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ جَائِزٌ لأِنَّ  النَّاسَ تَعَامَلُوا بِهِ فِي الْبَيْعِ كَمَا تَعَامَلُوا بِالاِسْتِصْنَاعِ فَسَقَطَ الْقِيَاسُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ بِتَعَامُلِ النَّاسِ .

النَّوْعُ السَّادِسُ: اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ نَفْعًا مُبَاحًا مَعْلُومًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَسْكُنَهَا شَهْرًا .

الشَّرْطُ الْفَاسِدُ أَوِ الْبَاطِلُ:

21 -هُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيُبْطِلُهُ، وَثَانِيهِمَا: مَا يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا.

الضَّرْبُ الأْوَّلُ: مَا يُفْسِدُ الْعَقْدَ وَيُبْطِلُهُ.

أ - ضَابِطُهُ:

22 - ضَابِطُ هَذَا الضَّرْبِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ غَيْرِ يَسِيرٍ أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لأِحَدِ  الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ وَلاَ مِمَّا جَرَى عَلَيْهِ التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ وَلاَ مِمَّا وَرَدَ فِي الشَّرْعِ دَلِيلٌ بِجَوَازِهِ.

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ أَوْ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ.

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ لَمْ  يَرِدْ فِي الشَّرْعِ أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوِ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ.

وَضَابِطُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اشْتِرَاطُ عَقْدَيْنِ فِي عَقْدٍ أَوِ اشْتِرَاطُ شَرْطَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ أَوِ اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْعَقْدِ.

أَنْوَاعُهُ:

23 -لِهَذَا الضَّرْبِ سَبْعَةُ أَنْوَاعٍ تُؤْخَذُ مِنْ ضَوَابِطِهِ:

النَّوْعُ الأْوَّلُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ غَيْرِ يَسِيرٍ، وَهَذَا النَّوْعُ ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ. وَمِثَالُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مَا لَوِ اشْتَرَى نَاقَةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ لأِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ وَلاَ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ لِلْحَالِ فَكَانَ فِي وُجُودِهِ غَرَرٌ فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ.

وَمَثَّلَ لَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِعَسْبِ فَحْلٍ يُسْتَأْجَرُ عَلَى إِعْقَاقِ الأْنْثَى  حَتَّى تَحْمِلَ فَلاَ يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ  وَلأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى غَبْنِ صَاحِبِ الأْنْثَى  إِنْ تَعَجَّلَ حَمْلَهَا وَإِلَى غَبْنِ صَاحِبِ الْفَحْلِ إِنْ تَأَخَّرَ الْحَمْلُ .

النَّوْعُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ مَحْظُورٍ .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخَالِفُ الشَّرْعَ .

النَّوْعُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ أَوْ يُنَاقِضُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ أَوْ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَمِثَالُهُ مَا لَوْ بَاعَ دَارًا بِشَرْطِ أَنْ يَسْكُنَهَا مُدَّةً بَطَلَ الْبَيْعُ، أَوْ شَرَطَ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا. لَمْ يَصِحَّ، أَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ لاَ تَحِلَّ لَهُ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ لاِشْتِرَاطِ مَا يُنَافِيهِ .

النَّوْعُ الْخَامِسُ: اشْتِرَاطُ مَا يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ، وَمِنْ أَمْثِلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِثَمَنٍ إِلَى نِتَاجِ النِّتَاجِ فَهَذَا الْبَيْعُ لاَ يَصِحُّ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ فِي الأْجَلِ .

النَّوْعُ السَّادِسُ: اشْتِرَاطُ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ أَوِ اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ شَرْطًا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ وَمِثَالُهُ كَمَا فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ سَلَفًا أَيْ سَلَمًا أَوْ قَرْضًا بَيْعًا أَوْ إِجَارَةً أَوْ شَرِكَةً أَوْ صَرْفَ الثَّمَنِ أَوْ صَرْفَ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرَ الثَّمَنِ فَاشْتِرَاطُ هَذَا الشَّرْطِ يُبْطِلُ الْبَيْعَ كَمَا صَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ لِكَوْنِهِ مِنْ قَبِيلِ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ وَكَقَوْلِهِ بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا أَوْ بِعْتُكَ إِنْ رَضِيَ فُلاَنٌ فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ لأِنَّ  مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْلُ الْمِلْكِ حَالَ التَّبَايُعِ وَالشَّرْطُ هُنَا يَمْنَعُهُ .

النَّوْعُ السَّابِعُ: اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَلَيْسَ مِمَّا جَرَى بِهِ التَّعَامُلُ بَيْنَ النَّاسِ نَحْوُ مَا إِذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي قَرْضًا أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَ لَهُ هِبَةً أَوْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ مِنْهُ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ كَذَا وَنَحْوُ ذَلِكَ أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ قَمِيصًا أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا وَنَحْوُ ذَلِكَ.

فَالْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَاسِدٌ كَمَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ لأِنَّ  زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ رِبًا لأِنَّ هَا زِيَادَةٌ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ وَهُوَ تَفْسِيرُ الرِّبَا وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا أَوِ الَّذِي فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا فَاسِدٌ .

الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ ضَرْبَيِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ:

24 - هُوَ مَا يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا

إِمَّا لأِنَّ  الْمُشْتَرِطَ أَسْقَطَهُ أَوْ يَبْقَى التَّصَرُّفُ مَعَهُ صَحِيحًا سَوَاءٌ أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ أَوْ لَمْ يُسْقِطْهُ.

وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا الضَّرْبَ قِسْمَانِ.

25 - أَحَدُهُمَا: مَا يُحْكَمُ مَعَهُ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ إِذَا أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ فِي أَقْسَامِ الشَّرْطِ الْبَاطِلِ. وَضَابِطُهُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ أَوْ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ فِيهِ أَوْ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ فِي الْهِبَةِ، فَأَنْوَاعُهُ عَلَى هَذَا ثَلاَثَةٌ.

النَّوْعُ الأْوَّلُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ كَأَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ أَوْ لاَ يَهَبَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ إِذَا أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَصِحُّ .

النَّوْعُ الثَّانِي: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُخِلُّ بِالثَّمَنِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى جَهَالَةٍ فِيهِ بِزِيَادَةٍ إِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ مِنَ الْمُشْتَرِي أَوْ نَقْصٍ إِنْ كَانَ مِنَ الْبَائِعِ كَبَيْعٍ وَشَرْطِ سَلَفٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لأِنَّ  الاِنْتِفَاعَ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَهَذَا الشَّرْطُ إِنْ حَذَفَهُ الْمُشْتَرِطُ صَحَّ الْعَقْدُ .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى غَرَرٍ وَمِثَالُهُ فِي الْهِبَةِ مَا لَوْ دَفَعَ إِلَى آخَرَ فَرَسًا لِيَغْزُوَ عَلَيْهِ سِنِينَ وَشَرَطَ الْوَاهِبُ أَنْ يُنْفِقَ الْمَوْهُوبُ لَهُ عَلَيْهِ أَيِ الْفَرَسِ فِي تِلْكَ السِّنِينَ ثُمَّ تَكُونَ الْفَرَسُ مِلْكًا لِلْمَدْفُوعِ لَهُ فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْغَرَرِ .

26 - الْقِسْمُ الثَّانِي: مَا يُحْكَمُ مَعَهُ بِصِحَّةِ التَّصَرُّفِ سَوَاءٌ أَسْقَطَهُ الْمُشْتَرِطُ أَوْ لَمْ يُسْقِطْهُ. وَهَذَا الْقِسْمُ يَتَنَاوَلُ الشُّرُوطَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي تَسْقُطُ وَيَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشُّرُوطَ الْبَاطِلَةَ الَّتِي يَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشُّرُوطَ الْفَاسِدَةَ الَّتِي يَصِحُّ مَعَهَا التَّصَرُّفُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ سَبَقَتْ ضَوَابِطُ ذَلِكَ.

وَأَنْوَاعُهُ مَا يَأْتِي:

27 - النَّوْعُ الأْوَّلُ: ذَكَرَهُ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَلاَ يُلاَئِمُ مُقْتَضَاهُ وَلَمْ يَرِدْ شَرْعٌ وَلاَ عُرْفٌ بِجَوَازِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لأِحَدِ  الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الاِسْتِحْقَاقِ.

وَمِثَالُهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ شَرَطَ أَحَدُ الْمُزَارِعَيْنِ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَ الآْخَرُ نَصِيبَهُ وَلاَ يَهَبَهُ فَالْمُزَارَعَةُ جَائِزَةٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ.

لأِنَّ  هَذَا الشَّرْطَ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ  فَلاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ وَهَذَا لأِنَّ  فَسَادَ الْبَيْعِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ لِتَضَمُّنِهَا الرِّبَا وَذَلِكَ بِزِيَادَةِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْعَقْدِ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الشَّرْطِ لأِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ  إِلاَّ أَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ  فَالْعَقْدُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .

النَّوْعُ الثَّانِي. ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ أَوْ مِنَ الاِسْتِحْقَاقِ، فَإِذَا بَاعَ عَرْضًا أَوْ حَيَوَانًا عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ قَدِيمٍ فِيهِ كَانَ لَهُ رَدُّهُ وَلاَ عِبْرَةَ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ .

النَّوْعُ الثَّالِثُ: اشْتِرَاطُ مَا يُخَالِفُ أَوْ يُنَافِي مُقْتَضَى الْعَقْدِ دُونَ الإْخْلاَلِ  بِمَقْصُودِهِ وَهَذَا النَّوْعُ ذَكَرَهُ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ رَبُّ الْوَدِيعَةِ عَلَى الْمُودَعِ ضَمَانَهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا تَلِفَتْ فِي مَحَلٍّ لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لأِنَّ  يَدَ الْمُودَعِ يَدُ أَمَانَةٍ فَلاَ يَضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي الْوَدِيعَةُ مِنَ الأْمَانَاتِ فَلاَ يَضْمَنُ إِذَا تَلِفَتْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَيُلْغَى الشَّرْطُ وَتَصِحُّ الْوَدِيعَةُ.

وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مَا لَوْ قَالَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ سَنَةً فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ قَالَ مَعَ قَوْلِهِ: أَعْمَرْتُكَهَا فَإِذَا مِتُّ عَادَتْ إِلَيَّ أَوْ إِلَى وَارِثِي فَكَذَا هِيَ هِبَةٌ وَإِعْمَارٌ صَحِيحٌ فِي الأْصَحِّ  وَبِهِ قَطَعَ الأْكْثَرُونَ  كَمَا فِي الرَّوْضَةِ فَيَلْغُو ذِكْرُ الشَّرْطِ. وَمِنْ أَمْثِلَتِهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَا لَوِ اشْتَرَطَ أَنْ لاَ خَسَارَةَ عَلَيْهِ أَوْ شَرَطَ أَنَّهُ مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلاَّ رَدَّهُ فَهَذَا الشَّرْطُ لاَ يُبْطِلُ الْبَيْعَ .

النَّوْعُ الرَّابِعُ: اشْتِرَاطُ أَمْرٍ يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةٍ أَوْ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ كَمَا لَوْ بَاعَ بَقَرَةً وَشَرَطَ أَنْ تُدِرَّ كُلَّ يَوْمٍ صَاعًا فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ لِعَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَلِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع، الصفحة / 243

بَيْعٌ وَشَرْطٌ

1 - وَرَدَتْ فِي الشَّرِيعَةِ الإْسْلاَمِيَّةِ نُصُوصٌ شَرْعِيَّةٌ تُقَرِّرُ لِلْعُقُودِ آثَارَهَا، وَوَرَدَتْ فِيهَا نُصُوصٌ أُخْرَى، بَعْضُهَا عَامٌّ، وَبَعْضُهَا خَاصٌّ، فِيمَا يَتَّصِلُ بِمَبْلَغِ حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي تَعْدِيلِ آثَارِ الْعُقُودِ، بِالإْضَافَةِ  عَلَيْهَا، أَوِ النَّقْصِ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ يَشْتَرِطَانِهَا فِي عُقُودِهِمَا.

فَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَرَدَ قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قوله تعالي(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)  .

وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَرَدَ حَدِيثُ: «... الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً» وَفِي رِوَايَةٍ: «عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».

وَحَدِيثُ: «مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ»، وَحَدِيثُ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ» أَيْ لَيْسَ فِيمَا كَتَبَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَهُ فِي شَرِيعَتِهِ الَّتِي شَرَعَهَا. وَحَدِيثُ: عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، «عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ: نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ».

فَهَذِهِ النُّصُوصُ - فِي مَجْمُوعِهَا - تُشِيرُ إِلَى أَنَّ هُنَاكَ: شُرُوطًا مُبَاحَةً لِلْمُتَعَاقِدِينَ، يَتَخَيَّرُونَ مِنْهَا مَا يَشَاءُونَ لِلاِلْتِزَامِ بِهَا فِي عُقُودِهِمَا، وَشُرُوطًا مَحْظُورَةً، لاَ حَقَّ لأِحَدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي عُقُودِهِمَا، لِمَا أَنَّهَا تُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ، أَوْ تُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ الْعَامَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، أَوْ تُصَادِمُ مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.

وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، كُلُّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ لِلاِخْتِلاَفِ الشَّدِيدِ بَيْنَهَا فِي ذَلِكَ.

أَوَّلاً: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:

2 - وَضَعَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الضَّابِطَ لِلشَّرْطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، الَّذِي يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَهُوَ: كُلُّ شَرْطٍ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلاَ يُلاَئِمُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا، أَوْ لأِجْنَبِيٍّ، أَوْ لِمَبِيعٍ هُوَ مِنْ أَهْلِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِهِ. وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ  .

3 - أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَيْ يَجِبُ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَقَعُ صَحِيحًا، وَلاَ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ  . كَمَا إِذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمَبِيعَ، أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ، أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، أَوِ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَبِيعُ، أَوِ اشْتَرَى دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ، أَوْ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا وَشَرَطَ الْحَصَادَ عَلَى الْبَائِعِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لأِنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَكَانَ ذِكْرُهَا فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ تَقْرِيرًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلاَ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ  .

 

4 - وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مُلاَئِمًا لِلْعَقْدِ، بِأَنْ يُؤَكِّدَ مُوجَبَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَلَوْ كَانَ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، لأِنَّهُ يُقَرِّرُ حُكْمَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَيُؤَكِّدُهُ، فَيُلْتَحَقُ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، كَشَرْطِ رَهْنٍ مَعْلُومٍ بِالإْشَارَةِ أَوِ التَّسْمِيَةِ، وَشَرْطِ كَفِيلٍ حَاضِرٍ قَبْلَ الْكَفَالَةِ، أَوْ غَائِبٍ فَحَضَرَ وَقَبِلَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ  .

وَاشْتِرَاطُ الْحَوَالَةِ كَالْكَفَالَةِ، فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالثَّمَنِ، قَالُوا: فَسَدَ قِيَاسًا، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا  .

لَكِنَّ الْكَاسَانِيَّ اعْتَبَرَ شَرْطَ الْحَوَالَةِ مُفْسِدًا، لأِنَّهُ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلاَ يُقَرِّرُ مُوجَبَهُ؛ لأِنَّ الْحَوَالَةَ إِبْرَاءٌ عَنِ الثَّمَنِ وَإِسْقَاطٌ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مُلاَئِمًا لِلْعَقْدِ، بِخِلاَفِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ  .

5 - وَيَشْمَلُ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَهُمْ مَا يَأْتِي:

أ - أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: كَمَا إِذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا، ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي قَرْضًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ هِبَةً، أَوْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ كَذَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ قَمِيصًا، أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا، أَوْ ثَمَرَةً عَلَى أَنْ يَجُذَّهَا، أَوْ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ الْبَائِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَالْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ رِبًا، لأِنَّهَا زِيَادَةٌ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الرِّبَا، وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا فَاسِدٌ، أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا، وَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ، كَحَقِيقَةِ الرِّبَا  .

ب - وَيَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لأِجْنَبِيٍّ، كَمَا إِذَا بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَسْجِدًا، أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنْ يَكُنْ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلاَنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لأِجْنَبِيٍّ.

ج - وَيَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يُوصِيَ الْمُشْتَرِي بِعِتْقِهَا، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لأِنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمَبِيعِ، وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا أَوْ لاَ يَهَبَهَا، لأِنَّ الْمَمْلُوكَ يَسُرُّهُ أَنْ لاَ تَتَدَاوَلَهُ الأْيْدِي  . وَرَوَى الْحَسَنُ عَنِ الإْمَامِ  أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ اشْتِرَاطِ الإْعْتَاقِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

أَمَّا مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ فَلاَ يَتَنَاوَلُهُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَلاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهُ، أَوْ لاَ يَهَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ دَابَّةً عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَهَا، أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَأْكُلَهُ وَلاَ يَبِيعَهُ، فَهَذَا شَرْطٌ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، فَلاَ يُوجِبُ فِي الصَّحِيحِ الْفَسَادَ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ - كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ - لِتَضَمُّنِهَا الرِّبَا بِزِيَادَةِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الشَّرْطِ، لأِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، وَلاَ مَطَالِبَ لَهُ بِهِ، فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا، وَلاَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ  .

6 - أَمَّا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ لأِحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّوْبَ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرِقَهُ الْمُشْتَرِي، أَوِ الدَّارَ عَلَى أَنْ يُخَرِّبَهَا، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ شَرْطَ الْمَضَرَّةِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ. وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ فَسَادُ الْبَيْعِ  .

وَمَا لاَ مَضَرَّةَ وَلاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، فَهُوَ جَائِزٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى طَعَامًا بِشَرْطِ أَكْلِهِ، أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ لُبْسِهِ.

7 - وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ الْمُفْسِدِ، مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، وَتَعَامَلَ بِهِ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِشِرَاءِ حِذَاءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ الْبَائِعُ نَعْلاً (أَوْ كَعْبًا) أَوِ الْقَبْقَابَ بِشَرْطِ أَنْ يُسَمِّرَ لَهُ الْبَائِعُ سَيْرًا، أَوْ صُوفًا مَنْسُوجًا لِيَجْعَلَهُ لَهُ الْبَائِعُ قَلَنْسُوَةً (أَوْ مِعْطَفًا) أَوِ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا الْبَائِعُ بِطَانَةً مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ خُفًّا أَوْ ثَوْبًا خَلَقًا عَلَى أَنْ يُرَقِّعَهُ أَوْ يَرْفُوَهُ لَهُ الْبَائِعُ.

فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَا، وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ اسْتِحْسَانًا، لِلتَّعَامُلِ الَّذِي جَرَى بِهِ عُرْفُ النَّاسِ.

وَالْقِيَاسُ فَسَادُهُ - كَمَا يَقُولُ زُفَرُ - لأِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لاَ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ، وَفِيهَا نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي هُنَا، لَكِنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهَا، وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ  .

8 - وَنَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله  - عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْحَادِثِ. فَلَوْ حَدَثَ عُرْفٌ فِي غَيْرِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي بَيْعِ الثَّوْبِ بِشَرْطِ رَفْوِهِ، وَالنَّعْلِ بِشَرْطِ حَذْوِهِ، يَكُونُ مُعْتَبَرًا، إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله  - عَنِ الْمِنَحِ، أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنَ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا عَلَى حَدِيثِ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» لأِنَّ الْحَدِيثَ مُعَلَّلٌ بِوُقُوعِ النِّزَاعِ الْمُخْرِجِ لِلْعَقْدِ عَنِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَالْعُرْفُ يَنْفِي النِّزَاعَ، فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَعْنَى الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْمَوَانِعِ إِلاَّ الْقِيَاسُ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَيْهِ  .

9 - كَمَا يُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ مُخَالَفَةِ اقْتِضَاءِ الْعَقْدِ، مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَهَذَا كَشَرْطِ الأْجَلِ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ، لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى النِّزَاعِ  . وَكَذَا شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ رضي الله عنه الْمَعْرُوفِ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ».

وَقَدْ عَدَّدَ الْحَنَفِيَّةُ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ مَوْضِعًا لاَ يَفْسُدُ فِيهَا الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ  .

10 - وَهَلْ يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِالْعَقْدِ؟ وَمَا حُكْمُ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَا حُكْمُ ابْتِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؟

أ - أَمَّا الْتِحَاقُهُ بِالْعَقْدِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَنِ الْمَجْلِسِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مُصَحَّحَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ: إِحْدَاهُمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَالأْخْرَى عَنِ الصَّاحِبِينَ - وَهِيَ الأْصَحُّ  - أَنَّهُ لاَ يُلْتَحَقُ.

وَأُيِّدَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ: بِمَا لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّأْجِيلُ، لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَبِمَا لَوْ بَاعَا بِلاَ شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْوَعْدِ، جَازَ الْبَيْعُ، وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، إِذِ الْمَوَاعِيدُ قَدْ تَكُونُ لاَزِمَةً، فَيُجْعَلُ لاَزِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ. وَبِمَا لَوْ تَبَايَعَا بِلاَ ذِكْرِ شَرْطِ (الْوَفَاءِ) ثُمَّ شَرَطَاهُ، يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الْوَفَاءِ، إِذِ الشَّرْطُ اللاَّحِقُ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لاِلْتِحَاقِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ.

ب - وَأَمَّا ابْتِنَاءُ الْعَقْدِ عَلَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، كَمَا لَوْ شَرَطَا شَرْطًا فَاسِدًا قَبْلَ الْعَقْدِ، ثُمَّ عَقَدَا الْعَقْدَ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَدَمَ فَسَادِ الْعَقْدِ، لَكِنَّهُ حَقَّقَ ابْتِنَاءَ الْفَسَادِ لَوِ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ: بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَيْعِ الْهَزْلِ.

وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ - نَقْلاً عَنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ - فِي رَجُلَيْنِ تَوَاضَعَا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ قَبْلَ عَقْدِهِ، وَعَقَدَا الْبَيْعَ خَالِيًا عَنِ الشَّرْطِ: بِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ  .

ثَانِيًا: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:

11 - فَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الشَّرْطِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ حُصُولُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ إِمَّا أَنْ لاَ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ وَيُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ. وَإِمَّا أَنْ يُخِلَّ بِالثَّمَنِ.

وَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ، وَإِمَّا أَنْ لاَ يَقْتَضِيَهُ وَلاَ يُنَافِيَهُ.

فَالَّذِي يَضُرُّ بِالْعَقْدِ وَيُبْطِلُهُ هُوَ الشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ مُنَاقَضَةُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْبَيْعِ، أَوْ إِخْلاَلٌ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَحْمَلُ حَدِيثِ «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»، دُونَ الأْخِيرَيْنِ  .

فَمِثَالُ الأْوَّلِ  ، وَهُوَ الَّذِي لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَيُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنْهُ - وَوَصَفَهُ ابْنُ جُزَيٍّ: بِاَلَّذِي يَقْتَضِي التَّحْجِيرَ عَلَى الْمُشْتَرِي - أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ السِّلْعَةَ لأِحَدٍ أَصْلاً، أَوْ إِلاَّ مِنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ، أَوْ لاَ يَهَبَهَا، أَوْ لاَ يَرْكَبَهَا، أَوْ لاَ يَلْبَسَهَا، أَوْ لاَ يَسْكُنَهَا، أَوْ لاَ يُؤَاجِرَهَا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ بَاعَهَا مِنْ أَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ. أَوْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ إِلَى أَمَدٍ بَعِيدٍ.

فَفِي هَذِهِ الأْحْوَلِ كُلِّهَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ.

12 - وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ مُنَافَاةِ الشَّرْطِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بَعْضَ الصُّوَرِ:

الأْولَى: أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ مِنَ الْمُشْتَرِي الإْقَالَةَ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: عَلَى شَرْطٍ إِنْ بِعْتَهَا غَيْرِي فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ. فَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ الْبَيْعِ مِنْ أَحَدٍ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمْ، لأِنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الإْقَالَةِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَقِفَ الْمَبِيعَ، أَوْ أَنْ يَهَبَهُ، أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذِهِ مِنَ الْجَائِزَاتِ، لأِنَّهَا مِنْ أَلْوَانِ الْبِرِّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّرْعُ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبِيعَ أَمَةً بِشَرْطِ تَنْجِيزِ عِتْقِهَا، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهَذَا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ، بِخِلاَفِ اشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَاتِّخَاذِ الأْمَةِ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

13 - أَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي، وَهُوَ الإْخْلاَلُ بِالثَّمَنِ، فَهُوَ مُصَوَّرٌ بِأَمْرَيْنِ:

الأْوَّلُ: الْجَهْلُ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا يَتَمَثَّلُ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ السَّلَفِ، أَيِ الْقَرْضِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلآْخَرِ.

فَإِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْمُشْتَرِي، أَخَلَّ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهْلٍ فِي الثَّمَنِ، بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَإِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْبَائِعِ، أَخَلَّ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهْلٍ فِي الثَّمَنِ، بِسَبَبِ النَّقْصِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُثَمَّنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ  .

الآْخَرُ: شُبْهَةُ الرِّبَا؛ لأِنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ السَّلَفِ، يُعْتَبَرُ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا:

فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُقْتَرِضَ، صَارَ الْمُقْرِضُ لَهُ هُوَ الْبَائِعَ، فَيَنْتَفِعُ الْبَائِعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ - وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُقْتَرِضَ، صَارَ الْمُقْرِضُ لَهُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ، فَيَنْتَفِعُ الْمُشْتَرِي بِنَقْصِ الثَّمَنِ.

وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي هَذَا الصَّدَدِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّلَفِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لاَ يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ  .

14 - أَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَهُوَ كَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَالْقِيَامِ بِالْعَيْبِ، وَرَدِّ الْعِوَضِ عِنْدَ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ، فَهَذِهِ الأْمُورُ لاَزِمَةٌ دُونَ شَرْطٍ، لاِقْتِضَاءِ الْعَقْدِ إِيَّاهَا، فَشَرْطُهَا تَأْكِيدٌ - كَمَا يَقُولُ الدُّسُوقِيُّ  .

15 - وَأَمَّا الرَّابِعُ مِنَ الشُّرُوطِ، فَهُوَ كَشَرْطِ الأْجَلِ الْمَعْلُومِ، وَالرَّهْنِ، وَالْخِيَارِ، وَالْحَمِيلِ (أَيِ الْكَفِيلِ) فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لاَ تُنَافِي الْعَقْدَ، وَلاَ يَقْتَضِيهَا، بَلْ هِيَ مِمَّا تَعُودُ عَلَيْهِ بِمَصْلَحَةٍ، فَإِنْ شُرِطَتْ عُمِلَ بِهَا، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَصَحَّحُوا اشْتِرَاطَ الرَّهْنِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، وَتَوَقُّفَ السِّلْعَةِ حَتَّى يُقْبَضَ الرَّهْنُ الْغَائِبُ.

أَمَّا اشْتِرَاطُ الْكَفِيلِ الْغَائِبِ فَجَائِزٌ إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ، لاَ إِنْ بَعُدَتْ، لأِنَّهُ قَدْ يَرْضَى وَقَدْ يَأْبَى، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْقُرْبُ.

16 - وَقَدْ عَرَضَ ابْنُ جُزَيٍّ لِصُوَرٍ مِنَ الشَّرْطِ، تُعْتَبَرُ اسْتِثْنَاءً، أَوْ ذَاتَ حُكْمٍ خَاصٍّ، مِنْهَا هَذِهِ الصُّورَةُ، وَهِيَ: مَا إِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ، كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطَ صَحِيحٌ  .

فَيَبْدُو أَنَّ هَذَا كَالاِسْتِثْنَاءِ مِنَ التَّفْصِيلِ الرُّبَاعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ  . وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ

الْمَعْرُوفُ وَهُوَ: «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: وَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فَقَالَ: بِعْنِيهِ، فَقُلْتُ: لاَ. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَشَرَطْتُ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ».

وَيَبْدُو أَنَّ هَذَا شَرْطٌ جَائِزٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ، فَقَدْ عَلَّقَ الشَّوْكَانِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ قَرِيبَةً، وَحَدَّهَا بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَقَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَمْ كَثُرَتْ  .

وَالْحَدِيثُ - وَإِنْ كَانَ فِي الاِنْتِفَاعِ الْيَسِيرِ بِالْمَبِيعِ إِذَا كَانَ مِمَّا يُرْكَبُ مِنَ الْحَيَوَانِ - لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَاسُوا عَلَيْهِ الاِنْتِفَاعَ الْيَسِيرَ بِكُلِّ مَبِيعٍ بَعْدَ بَيْعِهِ، عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِمْرَارِ، تَيْسِيرًا، نَظَرًا لِحَاجَةِ الْبَائِعِينَ.

17 - وَالْجَدِيرُ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، هُوَ أَنَّهُ: إِنْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ الْمُخِلُّ بِالْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ بَيْعِ الْمَبِيعِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ كَاشْتِرَاطِ السَّلَفِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالِ سِوَى أَنْ يَكُونَ الإْسْقَاطُ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ.

فَقَدْ عَلَّلَ الْخَرَشِيُّ صِحَّةَ الْبَيْعِ هُنَا، بِحَذْفِ شَرْطِ السَّلَفِ، بِقَوْلِهِ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ  .

18 - وَهَلْ يَسْتَوِي الْحُكْمُ فِي الإْسْقَاطِ، فِي مِثْلِ شَرْطِ الْقَرْضِ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ؟ قَوْلاَنِ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ:

أ - فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ: إِذَا رُدَّ الْقَرْضُ عَلَى الْمُقْرِضِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمُقْتَرِضِ عَلَى الْقَرْضِ غَيْبَةً يُمْكِنُهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ.

ب - وَقَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، هُوَ: أَنَّ الْبَيْعَ يُنْقَضُ مَعَ الْغَيْبَةِ عَلَى الْقَرْضِ، وَلَوْ أُسْقِطَ شَرْطُ الْقَرْضِ، لِوُجُودِ مُوجِبِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، أَوْ لِتَمَامِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا - كَمَا عَبَّرَ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ - فَلاَ يَنْفَعُ الإْسْقَاطُ.

وَالْمُعْتَمَدُ الأْوَّلُ عِنْدَ الدَّرْدِيرِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَمَالَ الدُّسُوقِيُّ إِلَى الآْخَرِ، كَمَا يَبْدُو مِنْ كَلاَمِهِ وَنَقَلَهُ الآْخَرُ، فَقَدْ حَكَى تَشْهِيرَهُ، وَكَذَا الَّذِي يَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْعَدَوِيِّ  .

وَهُنَا سُؤَالاَنِ يُطْرَحَانِ:

19 - السُّؤَالُ الأْوَّلُ: مَا الَّذِي يَلْزَمُ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُخِلُّ بِالثَّمَنِ، وَفَاتَتِ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (كَمَا لَوْ هَلَكَتْ) سَوَاءٌ أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ الشَّرْطِ شَرْطَهُ، أَمْ لَمْ يُسْقِطْهُ؟ وَفِي الْجَوَابِ أَقْوَالٌ:

الأْوَّلُ: وَهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ أَوِ الْبَائِعَ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْبَائِعَ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الأْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَمِنَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ. فَإِذَا اشْتَرَاهَا بِعِشْرِينَ وَالْقِيمَةُ ثَلاَثُونَ، لَزِمَهُ ثَلاَثُونَ.

ب - وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْمُشْتَرِيَ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الأْقَلُّ مِنَ الثَّمَنِ وَمِنَ الْقِيمَةِ، فَيَلْزَمُهُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عِشْرُونَ، لأِنَّهُ أَقْرَضَ لِيَزْدَادَ، فَعُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.

الثَّانِي: يُقَابِلُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ لُزُومُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَلِّفُ هُوَ الْبَائِعَ أَمِ الْمُشْتَرِيَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ تَغْرِيمَ الْمُشْتَرِي الأْقَلَّ، إِذَا اقْتَرَضَ مِنَ الْبَائِعِ مَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَغِبْ عَلَى مَا اقْتَرَضَهُ، وَإِلاَّ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ  .

وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ، لأِنَّهُ كَعَيْنِهِ، فَلاَ كَلاَمَ لِوَاحِدٍ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ كَانَ قَائِمًا، وَرُدَّ. بِعَيْنِهِ  .

السُّؤَالُ الثَّانِي:

20 - مَا الَّذِي يَلْزَمُ، لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ مُنَاقِضٍ لِلْمَقْصُودِ، وَفَاتَتِ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ أَأُسْقِطَ ذَلِكَ الشَّرْطُ، أَمْ لَمْ يُسْقَطْ؟

قَالُوا: الْحُكْمُ هُوَ: أَنَّ لِلْبَائِعِ الأْكْثَرَ  مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَمِنَ الثَّمَنِ، لِوُقُوعِ الْبَيْعِ بِأَنْقَصَ مِنَ الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ، لأِجْلِ  الشَّرْطِ  .

ثَالِثًا: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:

21 - الْتَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ نَهْيَ الشَّارِعِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْتَزَمُوا حَدِيثَ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» وَلَمْ يَسْتَثْنُوا إِلاَّ مَا ثَبَتَ اسْتِثْنَاؤُهُ بِالشَّرْعِ، وَقَلِيلاً مِمَّا رَأَوْا أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَوْ مَصَالِحِهِ، فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ بِذَلِكَ أَضْيَقَ الْمَذَاهِبِ الثَّلاَثَةِ.

وَمَعَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُهُمُ الشَّرْطَ، فَقَالَ:

الشَّرْطُ إِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَالْقَبْضِ وَالاِنْتِفَاعِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، أَوْ لاَ.

فَالأْوَّلُ: لاَ يَضُرُّ بِالْعَقْدِ.

وَالثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ - إِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، كَشَرْطِ الرَّهْنِ، وَالإْشْهَادِ وَالأْوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ - مِنَ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - أَوْ لاَ.

فَالأْوَّلُ: لاَ يُفْسِدُهُ، وَيَصِحُّ الشَّرْطُ نَفْسُهُ.

وَالثَّانِي: - وَهُوَ الَّذِي لاَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ - إِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، كَشَرْطِ أَنْ لاَ تَأْكُلَ الدَّابَّةُ الْمَبِيعَةُ إِلاَّ كَذَا، فَهُوَ لاَغٍ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، فَهَذَا هُوَ الْفَاسِدُ الْمُفْسِدُ، كَالأْمُورِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَاهُ، نَحْوِ عَدَمِ الْقَبْضِ، وَعَدَمِ التَّصَرُّفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ  .

وَخُلاَصَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ:

(1أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَتِهِ أَوْ بِصِحَّتِهِ، صَحِيحٌ.

(2وَأَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لاَ غَرَضَ فِيهِ لاَغٍ، وَلاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ.

(3وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مَا فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، فَهُوَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ، وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ  .

22 - وَمِنْ أَهَمِّ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ تَطْبِيقًا لِلْحَدِيثَيْنِ وَلِهَذَا التَّقْسِيمِ:

(1الْبَيْعُ بِشَرْطِ بَيْعٍ، كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الأْرْضَ بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي دَارِي بِكَذَا، فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ، لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.

(2الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ، كَأَنْ يَبِيعَهُ أَرْضَهُ بِأَلْفٍ، بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً، وَمِثْلُ الْقَرْضِ الإْجَارَةُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالإْعَارَةُ  .

(3شِرَاءُ زَرْعٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ، أَوْ ثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ، وَمِنْهُ كَمَا يَقُولُ عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: شِرَاءُ حَطَبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى بَيْتِهِ، فَالْمَذْهَبُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بُطْلاَنُ الشِّرَاءِ، لاِشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ عَمَلٍ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ، وَلأِنَّهُ - كَمَا قَالَ الإْسْنَوِيُّ  - شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فِي الأْصَحِّ . وَإِنْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ قَوْلاَنِ آخَرَانِ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ.

وَثَانِيهِمَا: يَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِمَا يُقَابِلُ الْمَبِيعَ مِنَ الْمُسَمَّى.

23 - وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَسَائِلَ مَعْدُودَةً مِنَ النَّهْيِ صَحَّحُوهَا مَعَ الشَّرْطِ وَهِيَ:

أ - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الأْجَلِ الْمُعَيَّنِ، لقوله تعالي(إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)

ب - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الرَّهْنِ، وَقَيَّدُوهُ بِالْمَعْلُومِيَّةِ.

ج - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْكَفِيلِ الْمَعْلُومِ أَيْضًا، لِعِوَضٍ مَا، مِنْ مَبِيعٍ أَوْ ثَمَنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ لاَ يَرْضَى إِلاَّ بِهِمَا.

د - الإْشْهَادُ عَلَى جَرَيَانِ الْبَيْعِ، لِلأْمْرِ بِهِ فِي الآْيَةِ قَالَ تَعَالَى(وَأُشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)  .

هـ - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، لِثُبُوتِهِ بِحَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ، الْمَعْرُوفِ  .

24 - الْبَيْعُ بِشَرْطِ عِتْقِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ عِنْدَ

هُمْ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: وَهُوَ أَصَحُّهَا، أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ، وَالْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، فَاشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم أَنَّ شَرْطَ الْوَلاَءِ لَهُمْ، إِذْ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»

وَلأِنَّ اسْتِعْقَابَ الْبَيْعِ الْعِتْقَ عَهْدٌ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ، فَاحْتُمِلَ شَرْطُهُ. وَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ.

عَلَى أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمُشْتَرِي، دُنْيَا بِالْوَلاَءِ، وَأُخْرَى بِالثَّوَابِ، وَلِلْبَائِعِ بِالتَّسَبُّبِ فِيهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْبَيْعَ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ أَوْ هِبَتَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ  .

25 - وَمِمَّا اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا مِنَ النَّهْيِ: شَرْطُ الْوَلاَءِ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي مَعَ الْعِتْقِ، فِي أَضْعَفِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ بَرِيرَةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ، «وَقَوْلُهُ - عليه الصلاة والسلام - لِعَائِشَةَ رضي الله عنهاوَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ».

لَكِنَّ الأْصَحَّ  بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وَالْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ، مِنْ أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.

فَأَجَابَ هَؤُلاَءِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ» بِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَقَعْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَبِأَنَّهُ خَاصٌّ بِقَضِيَّةِ عَائِشَةَ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: «لَهُمْ» بِمَعْنَى: عَلَيْهِمْ

26 - وَمِمَّا اسْتَثْنَوْهُ أَيْضًا: شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ، لأِنَّهُ يَحْتَاجُ الْبَائِعُ فِيهِ إِلَى شَرْطِ الْبَرَاءَةِ، لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لاَ يَعْلَمُهُ مِنَ الْخَفِيِّ، دُونَ مَا يَعْلَمُهُ، مُطْلَقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْبَيْعُ مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَصَحَّ الشَّرْطُ أَمْ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّهُ شَرْطٌ يُؤَكِّدُ الْعَقْدَ، وَيُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ، وَهُوَ السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ.

وَتَأَيَّدَ هَذَا بِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهمابَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي. فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ: لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.

قَالُوا: فَدَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَصَارَ مِنَ الإْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.

27 - وَمِمَّا اسْتَثْنَوْهُ أَيْضًا:

أ - شَرْطُ نَقْلِ الْمَبِيعِ مِنْ مَكَانِ الْبَائِعِ، قَالُوا:

لأِنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ  .

ب - شَرْطُ قَطْعِ الثِّمَارِ أَوْ تَبْقِيَتِهَا بَعْدَ صَلاَحِهَا وَنُضْجِهَا، فَهُوَ جَائِزٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، كَمَا أَنَّهُ جَائِزٌ بَيْعُهَا بَعْدَ النُّضْجِ مُطْلَقًا مِنَ الشَّرْطِ. لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا»  . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم لاَ تَتَبَايَعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا»

فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بَدْوِ صَلاَحِهِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلِّ الأْحْوَالِ  الثَّلاَثَةِ: بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إِبْقَائِهِ  .

ج - شَرْطُ أَنْ يَعْمَلَ الْبَائِعُ عَمَلاً مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ، فِي أَضْعَفِ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.

د - اشْتِرَاطُ وَصْفٍ مَقْصُودٍ فِي الْمَبِيعِ عُرْفًا، كَكَوْنِ الدَّابَّةِ حَامِلاً أَوْ ذَاتَ لَبَنٍ، فَالشَّرْطُ صَحِيحٌ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِنْ تَخَلَّفَ الشَّرْطُ. قَالُوا: وَوَجْهُ الصِّحَّةِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ.

وَلأِنَّهُ الْتِزَامٌ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلاَ يَتَوَقَّفُ الْتِزَامُهُ عَلَى إِنْشَاءِ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، ذَاكَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ، فَلَمْ يَشْمَلْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ.

هـ - اشْتِرَاطُ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ.

و - شَرْطُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، لأِنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ  .

ز - خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا إِذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ، عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ، لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ  .

رَابِعًا: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:

28 - قَسَّمَ الْحَنَابِلَةُ الشُّرُوطَ فِي الْبَيْعِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الأْوَّلُ: صَحِيحٌ لاَزِمٌ، لَيْسَ لِمَنِ اشْتُرِطَ عَلَيْهِ فَكُّهُ.

الآْخَرُ: فَاسِدٌ يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ.

(1فَالأْوَّلُ: وَهُوَ الشَّرْطُ الصَّحِيحُ اللاَّزِمُ، ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: مَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، كَالتَّقَابُضِ، وَحُلُولِ الثَّمَنِ، وَتَصَرُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ، وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ.

فَهَذَا الشَّرْطُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، لاَ يُفِيدُ حُكْمًا، وَلاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ، لأِنَّهُ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.

الثَّانِي: شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، أَيْ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِطِ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: الْخِيَارُ، وَالشَّهَادَةُ، أَوِ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ فِي الثَّمَنِ، كَتَأْجِيلِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ رَهْنِ مُعَيَّنٍ بِهِ، أَوْ كَفِيلٍ مُعَيَّنٍ بِهِ، أَوِ اشْتِرَاطِ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ فِي الْمَبِيعِ، كَالصِّنَاعَةِ وَالْكِتَابَةِ، أَوِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الدَّابَّةِ ذَاتَ لَبَنٍ، أَوْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ، أَوِ الْفَهْدِ صَيُودًا، أَوِ الطَّيْرِ مُصَوِّتًا، أَوْ يَبِيضُ، أَوْ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ كَوْنِ خَرَاجِ الأْرْضِ كَذَا.. فَيَصِحُّ الشَّرْطُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ، وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً»، وَلأِنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لَفَاتَتِ الْحِكْمَةُ الَّتِي لأِجْلِ هَا شُرِعَ الْبَيْعُ.

فَهَذَا الشَّرْطُ إِنْ وَفَّى بِهِ لَزِمَ، وَإِلاَّ فَلِلْمُشْتَرَطِ لَهُ الْفَسْخُ لِفَوَاتِهِ، أَوْ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ تَعَيَّنَ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ، كَالْمَعِيبِ إِذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي  .

الثَّالِثُ: شَرْطٌ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلاَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلاَ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، لَكِنْ فِيهِ نَفْعًا مَعْلُومًا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي.

أ - كَمَا لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ سُكْنَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ شَهْرًا، أَوْ أَنْ تَحْمِلَهُ الدَّابَّةُ (أَوِ السَّيَّارَةُ) إِلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِحَدِيثِ «جَابِرٍ رضي الله عنه، حِينَ بَاعَ جَمَلَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم إِذْ قَالَ فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي»

وَحَدِيثِ: جَابِرٍ أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَالثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ» وَالْمُرَادُ بِالثُّنْيَا الاِسْتِثْنَاءُ.

وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ دَارًا مُؤَجَّرَةً.

وَمِثْلُ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا: اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ، وَكَذَا اشْتِرَاطُهُ الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَلَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُشْتَرَطِ اسْتِثْنَاءُ نَفْعِهَا، قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْبَائِعِ النَّفْعَ:

فَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَتَفْرِيطِهِ، لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، لِتَفْوِيتِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا. وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ  .

ب - وَكَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ حَمْلَ الْحَطَبِ، أَوْ تَكْسِيرَهُ، أَوْ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، أَوْ تَفْصِيلَهُ، أَوْ حَصَادَ زَرْعٍ، أَوْ جَزَّ رُطَبِهِ، فَيَصِحُّ إِنْ كَانَ النَّفْعُ مَعْلُومًا، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ فِعْلُهُ. وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مَتَاعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَالْبَائِعُ لاَ يَعْرِفُهُ، فَلَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ  .

ثُمَّ إِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ الْمَشْرُوطُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ، أَوِ اسْتَحَقَّ النَّفْعَ بِالإْجَارَةِ  الْخَاصَّةِ، أَوْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِ الْبَائِعِ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِعِوَضِ ذَلِكَ النَّفْعِ، كَمَا لَوِ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ بَعْدَ قَبْضِ عِوَضِهَا، رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِعِوَضِ الْمَنْفَعَةِ.

وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَرَضٍ، أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالأْجْرَةُ  عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا فِي الإْجَارَةِ .

29 - اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ جَوَازِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ الْمَعْلُومِ، مَا لَوْ جَمَعَ فِي الاِسْتِثْنَاءِ بَيْنَ شَرْطَيْنِ، وَكَانَا صَحِيحَيْنِ: كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ، لِحَدِيثِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»  .

أَمَّا إِنْ كَانَ الشَّرْطَانِ الْمَجْمُوعَانِ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ حُلُولِ الثَّمَنِ مَعَ تَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلاَ خِلاَفٍ. أَوْ يَكُونَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ مُعَيَّنَيْنِ بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ مُقْتَضَاهُ.

(2وَالآْخَرُ: وَهُوَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ الْمُحَرَّمُ، تَحْتَهُ أَيْضًا ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

النَّوْعُ الأْوَّلُ:

30 - أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ: كَعَقْدِ سَلَمٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ شَرِكَةٍ، فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ أَمِ الْمُشْتَرِي.

وَهَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ احْتِمَالاً عِنْدَهُمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ  أَحْمَدَ.

وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ:

أ - أَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، «وَأَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»  . وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.

ب - وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهصَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا.

ج - وَلأِنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي آخَرَ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَنِكَاحِ الشِّغَارِ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ دَارِي بِكَذَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، أَوْ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى دَابَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِي مِنْ ذَلِكَ، قَرْضًا أَوْ مَجَّانًا  .

النَّوْعُ الثَّانِي:

31 - أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ. مِثْلُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ الْمَبِيعَ، وَلاَ يَهَبَهُ، وَلاَ يُعْتِقَهُ، أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يَقِفَهُ، أَوْ أَنَّهُ مَتَى نَفَقَ (هَلَكَ) الْمَبِيعُ فَبِهَا، وَإِلاَّ رَدَّهُ، أَوْ إِنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالْوَلاَءُ لَهُ، فَهَذِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ.

وَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ بِهَا رِوَايَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَلاَ يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ، بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ فَقَطْ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يُبْطِلِ الْعَقْدَ.

32 - وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ الْعِتْقَ، فَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمَذْكُورِ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ إِنْ أَبَاهُ، لأِنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالنَّذْرِ، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ عِتْقِهِ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهَا، كَالنَّذْرِ.

33 - وَبِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَبِفَسَادِ الشَّرْطِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلَّذِي فَاتَ غَرَضُهُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِفَسَادِ الشَّرْطِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ - مَا يَلِي:

أ - فَسْخُ الْبَيْعِ، لأِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرْطِ.

ب - لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ مِنَ الثَّمَنِ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا بَاعَ بِنَقْصٍ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالنَّقْصِ.

ج - وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَى بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي سَمَحَ بِهَا، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا.

فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ النَّقْصِ.

وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ مَا زَادَهُ عَلَى الثَّمَنِ  .

وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا احْتِمَالَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، بِدُونِ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ: قِيَاسًا عَلَى مَنْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا، فَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ وَالضَّمِينُ. وَلأِنَّهُ مَا يَنْقُصُهُ الشَّرْطُ مِنَ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولاً. وَلأِنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَحْكُمْ لأَِرْبَابِ بَرِيرَةَ بِشَيْءٍ»، مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ، وَصِحَّةِ الْبَيْعِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ:

34 - أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي شَرْطًا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، كَقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ إِنْ رَضِيَ فُلاَنٌ، وَكَقَوْلِ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ إِنْ جَاءَ زَيْدٌ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ لأِنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْلُ الْمِلْكِ حَالَ التَّبَايُعِ، وَالشَّرْطُ هُنَا يَمْنَعُهُ. وَلأِنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ إِذَا جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ قَوْلَ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَوْلَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَيْعَ الْعُرْبُونِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، لأِنَّ نَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلاَّ لَهُ كَذَا وَكَذَا  . (ر: مُصْطَلَحُ عُرْبُون)

بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ:

35 - وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»  .

وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهقَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ».

وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: جَمْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ  .

وَأَشَارَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى تَوَهُّمِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ حَدِيثُ الْبَيْعَتَيْنِ أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الصَّفْقَتَيْنِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ خُصُوصُ صَفْقَةٍ مِنَ الصَّفَقَاتِ، وَهِيَ الْبَيْعُ، وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّفْقَتَيْنِ فَهُوَ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ، كَالإْجَارَةِ . وَاخْتَلَفَتِ الصُّوَرُ الَّتِي أَلْقَاهَا الْفُقَهَاءُ لِتَصَوُّرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 77

خِيَارُ الشَّرْطِ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْخِيَارُ فِي اللُّغَةِ: اسْمُ مَصْدَرٍ مِنَ الاِخْتِيَارِ، وَمَعْنَاهُ طَلَبُ خَيْرِ الأْمْرَيْنِ، أَوِ الأْمُورِ .

أَمَّا (الشَّرْطُ) - بِسُكُونِ الرَّاءِ - فَمَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ: إِلْزَامُ الشَّيْءِ وَالْتِزَامُهُ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَالْجَمْعُ شُرُوطٌ، وَبِفَتْحِهَا: الْعَلاَمَةُ، وَالْجَمْعُ أَشْرَاطٌ، وَالاِشْتِرَاطُ: الْعَلاَمَةُ يَجْعَلُهَا النَّاسُ بَيْنَهُمْ .

2 - أَمَّا فِي الاِصْطِلاَحِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: «إِنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ مُرَكَّبٌ إِضَافِيٌّ صَارَ عَلَمًا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ عَلَى: مَا يَثْبُتُ (بِالاِشْتِرَاطِ) لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنَ الاِخْتِيَارِ بَيْنَ الإْمْضَاءِ  وَالْفَسْخِ» .

وَقَدْ عَرَّفَهُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (ابْنُ عَرَفَةَ) - بِمُلاَحَظَةِ الْكَلاَمِ عَنْ (بَيْعِ الْخِيَارِ) - بِقَوْلِهِ: (بَيْعٌ وُقِفَ بَتُّهُ أَوَّلاً عَلَى إِمْضَاءٍ يُتَوَقَّعُ). وَاحْتَرَزَ بِعِبَارَةِ وُقِفَ بَتُّهُ عَنْ بَيْعِ الْبَتِّ، وَهُوَ مَا لَيْسَ فِيهِ خِيَارٌ.

كَمَا ذَكَرُوا أَنَّ قَيْدَ (أَوَّلاً) لإِخْرَاجِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَنَحْوِهِ (خِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ) لأِنَّ  أَمْثَالَ هَذَا الْخِيَارِ لَمْ تَتَوَقَّفْ أَوَّلاً، بَلْ آلَ أَمْرُهَا إِلَى الْخِيَارِ، أَيْ لأِنَّ  التَّخْيِيرَ فِيهَا يَثْبُتُ فِيمَا بَعْدُ، حِينَ ظُهُورِ الْعَيْبِ .

3 - وَلِخِيَارِ الشَّرْطِ أَسْمَاءٌ أُخْرَى دَعَاهُ بِهَا بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ، مِنْهَا:

أ - الْخِيَارُ الشَّرْطِيُّ (بِالْوَصْفِيَّةِ لاَ بِالإْضَافَةِ) وَالسَّبَبُ فِي هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ، وَالْغَرَضُ مِنْ وَصْفِهِ بِالشَّرْطِيِّ تَمْيِيزُهُ عَنِ الْخِيَارِ (الْحُكْمِيِّ) الَّذِي يَثْبُتُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ دُونَ الْحَاجَةِ إِلَى اشْتِرَاطٍ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ.

وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ مُتَدَاوَلَةٌ كَثِيرًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ .

ب - خِيَارُ التَّرَوِّي، لأِنَّهُ شُرِعَ لِلتَّرَوِّي وَهُوَ النَّظَرُ وَالتَّفَكُّرُ فِي الأْمْرِ وَالتَّبَصُّرُ فِيهِ قَبْلَ إِبْرَامِهِ.

وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ يَسْتَعْمِلُهَا الشَّافِعِيَّةُ أَكْثَرَ مِنْ غَيْرِهِمْ .

ج - بَيْعُ الْخِيَارِ، وَهَذَا الاِسْمُ وَاقِعٌ عَلَى الْعَقْدِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَيُعَبِّرُ بِهِ أَصْحَابُ الْمَذَاهِبِ كُلُّهُمْ وَبِخَاصَّةِ الْمَالِكِيَّةُ .

مَشْرُوعِيَّتُهُ:

4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى الأْخْذِ  بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَاعْتِبَارَهُ مَشْرُوعًا لاَ يُنَافِي الْعَقْدَ.

وَاسْتَدَلُّوا بِالسُّنَّةِ وَالإْجْمَاعِ.

فَأَمَّا السُّنَّةُ: فَاسْتَدَلُّوا بِمَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا نَافِعٌ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ «رَجُلاً مِنَ الأْنْصَارِ كَانَ بِلِسَانِهِ لَوْثَةٌ، وَكَانَ لاَ يَزَالُ يُغْبَنُ فِي الْبُيُوعِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِذَا بِعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، مَرَّتَيْنِ».

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ حِبَّانَ قَالَ: هُوَ جَدِّي مُنْقِذُ بْنُ عَمْرٍو، وَكَانَ رَجُلاً قَدْ أَصَابَتْهُ آمَّةٌ فِي رَأْسِهِ، فَكَسَرَتْ لِسَانَهُ وَنَازَعَتْهُ عَقْلَهُ، وَكَانَ لاَ يَدَعُ التِّجَارَةَ وَلاَ يَزَالُ يُغْبَنُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: «إِذَا بِعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، ثُمَّ أَنْتَ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ تَبْتَاعُهَا بِالْخِيَارِ ثَلاَثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْهَا عَلَى صَاحِبِهَا». وَقَدْ كَانَ عُمِّرَ طَوِيلاً، عَاشَ ثَلاَثِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ، وَكَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه  حِينَ فَشَا النَّاسُ وَكَثُرُوا، يَتَبَايَعُ

 

الْبَيْعَ فِي السُّوقِ وَيَرْجِعُ بِهِ إِلَى أَهْلِهِ وَقَدْ غُبِنَ غَبْنًا قَبِيحًا، فَيَلُومُونَهُ وَيَقُولُونَ: لِمَ تَبْتَاعُ؟ فَيَقُولُ: أَنَا بِالْخِيَارِ إِنْ رَضِيتُ أَخَذْتُ، وَإِنْ سَخِطْتُ رَدَدْتُ، قَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا، فَيَرُدُّ السِّلْعَةَ عَلَى صَاحِبِهَا مِنَ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ فَيَقُولُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْبَلُهَا، قَدْ أَخَذْتُ سِلْعَتِي وَأَعْطَيْتنِي دَرَاهِمَ، قَالَ يَقُولُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَدْ جَعَلَنِي بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا. فَكَانَ يَمُرُّ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فَيَقُولُ لِلتَّاجِرِ: وَيْحَكَ إِنَّهُ قَدْ صَدَقَ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَدْ كَانَ جَعَلَهُ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا .

وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِإِحْدَى رِوَايَاتِ حَدِيثِ «الْمُتَبَايِعَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ عَلَى صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» الَّتِي فِيهَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام : «إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ» وَفِي رِوَايَةٍ: «إِلاَّ صَفْقَةَ خِيَارٍ» . فَحَمَلَ هَؤُلاَءِ ذَلِكَ الاِسْتِثْنَاءَ عَلَى حَالَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ، وَقَالُوا فِي مَعْنَاهُ: هُوَ خِيَارُ كُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي الإْقْدَامِ عَلَى الْعَقْدِ، أَوِ الإْحْجَامِ عَنْهُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَمْتَدَّ فَيَكُونَ لَهُ الْخِيَارُ أَطْوَلَ مِنْ تِلْكَ الْفَتْرَةِ إِذَا كَانَ الْبَيْعُ مُشْتَرَطًا فِيهِ خِيَارٌ .

وَأَمَّا الإْجْمَاعُ: فَاسْتَدَلَّ بِهِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ كَثِيرُونَ، قَالَ النَّوَوِيُّ: «وَقَدْ نَقَلُوا فِيهِ الإْجْمَاعَ» وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: «وَهُوَ جَائِزٌ بِالإْجْمَاعِ». لَكِنَّهُ أَشَارَ فِي مَوْضِعٍ ثَالِثٍ إِلَى أَنَّ صِحَّتَهُ الْمُجْمَعَ عَلَيْهَا هِيَ فِيمَا «إِذَا كَانَتْ مُدَّتُهُ مَعْلُومَةً»

وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: «وَشَرْطُ الْخِيَارِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ ».

صِيغَةُ الْخِيَارِ:

5 - لاَ يَتَطَلَّبُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ التَّعْبِيرَ بِصِيغَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَكَمَا يَحْصُلُ بِلَفْظِ اشْتِرَاطِ (الْخِيَارِ) يَحْصُلُ بِكُلِّ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْمُرَادِ، مِثْلُ لَفْظِ (الرِّضَا) أَوِ (الْمَشِيئَةِ) بَلْ يَثْبُتُ وَلَوْ لَمْ يَتَضَمَّنُ الْكَلاَمُ لَفْظَ الْخِيَارِ أَوْ مَا هُوَ بِمَعْنَاهُ، فِيمَا إِذَا وَرَدَ عِنْدَ التَّعَاقُدِ أَوْ بَعْدَهُ مَا هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْخِيَارِ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنَ الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ حَيْثُ جَاءَ فِيهَا: «إِذَا بَاعَ مِنْ آخَرَ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، ثُمَّ إِنَّ الْبَائِعَ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: لِي عَلَيْكَ الثَّوْبُ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ (وَقَبِلَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ) قَالَ مُحَمَّدٌ: هَذَا عِنْدَنَا خِيَارٌ، كَذَا فِي الْمُحِيطِ». وَذَكَرَ ابْنُ نُجَيْمٍ نَقْلاً عَنِ الْمِعْرَاجِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: خُذْهُ وَانْظُرْ إِلَيْهِ الْيَوْمَ فَإِنْ رَضِيتَهُ أَخَذْتَهُ بِكَذَا، فَهُوَ خِيَارٌ. وَنُقِلَ عَنِ الذَّخِيرَةِ مِثْلُ هَذَا الاِعْتِبَارِ فِيمَا لَوْ قَالَ: هُوَ بَيْعٌ لَكَ إِنْ شِئْتَ الْيَوْمَ.

وَمِنْ ذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الثَّمَنِ، أَوِ الْمَبِيعِ بَدَلاً عَنِ اشْتِرَاطِهِ فِي الْعَقْدِ، فَيَكُونُ بِمَثَابَةِ اشْتِرَاطِهِ فِيهِ، فَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ فِي الثَّمَنِ أَوْ فِي الْمَبِيعِ. فَهُوَ كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ (فِي الْعَقْدِ).

وَمِنْ ذَلِكَ: التَّوَاطُؤُ عَلَى أَلْفَاظٍ أَوْ تَعَابِيرَ بِأَنَّهَا يَتَوَلَّدُ عَنْهَا الْخِيَارُ، سَوَاءٌ كَانَ ارْتِبَاطُ هَذِهِ التَّعَابِيرِ بِنُشُوءِ الْخِيَارِ مُنْبَعِثًا عَنِ الاِسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ مُبَاشَرَةً أَوِ الْعُرْفِ. فَمِمَّا اعْتُبِرَ مِنَ الأْلْفَاظِ الْمُتَوَاطَأِ عَلَى أَنَّهَا يُرَادُ بِهَا الْخِيَارُ، تَبَعًا لِلاِسْتِعْمَالِ الشَّرْعِيِّ، عِبَارَةُ «لاَ خِلاَبَةَ» شَرِيطَةَ عِلْمِ الْعَاقِدَيْنِ بِمَعْنَاهَا .

قَالَ النَّوَوِيُّ: اشْتُهِرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّ قَوْلَهُ: «لاَ خِلاَبَةَ» عِبَارَةٌ عَنِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِذَا أَطْلَقَ الْمُتَعَاقِدَانِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ، وَهُمَا عَالِمَانِ بِمَعْنَاهَا كَانَ كَالتَّصْرِيحِ بِالاِشْتِرَاطِ، وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ لَمْ يَثْبُتِ الْخِيَارُ قَطْعًا، فَإِنْ عَلِمَهُ الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ، حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَابْنُ الْقَطَّانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لاَ يَثْبُتُ، (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَثْبُتُ، وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ، بَلْ غَلَطٌ، لأِنَّ  مُعْظَمَ النَّاسِ لاَ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَالْمُشْتَرِي غَيْرُ عَارِفٍ بِهِ .

وَمِنْ ذَلِكَ الْعَقْدُ مَعَ شَرْطِ الاِسْتِئْمَارِ خِلاَلَ وَقْتٍ مُحَدَّدٍ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ عَلَى أَنْ أَسْتَأْمِرَ فُلاَنًا، وَحَدَّدَ لِذَلِكَ وَقْتًا مَعْلُومًا، فَهُوَ خِيَارٌ صَحِيحٌ لَدَى الْحَنَابِلَةِ. وَقَالُوا: إِنَّ لَهُ الْفَسْخَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِرَهُ «لأِنَّ ا جَعَلْنَا ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الْخِيَارِ» وَاخْتَلَفَ الشَّافِعِيَّةُ فِي جَوَازِ الْفَسْخِ قَبْلَ الاِسْتِئْمَارِ، وَالأْصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَسْتَأْمِرَهُ .

هَذَا إِذَا ضُبِطَ شَرْطُ الاِسْتِئْمَارِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ، أَمَّا إِذَا لَمْ يُضْبَطْ، فَالشَّافِعِيَّةُ يَرَوْنَ فِي الأْصَحِّ أَنَّهُ غَيْرُ سَائِغٍ. أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَحُكْمُهُ عِنْدَهُمْ حُكْمُ الْخِيَارِ الْمَجْهُولِ، لاَ يَصِحُّ عَلَى الرَّاجِحِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْعَادَةَ تَقُومُ مَقَامَ التَّصْرِيحِ بِالْخِيَارِ. قَالَ الزَّرْقَانِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: «لَوْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِاشْتِرَاطِهِ (أَيْ خِيَارِ الشَّرْطِ) كَانَ خِيَارًا، لأِنَّ هَا - أَيِ الْعَادَةَ - كَالشَّرْطِ صَرَاحَةً».

فَإِذَا تَعَارَفَ النَّاسُ عَلَى ثُبُوتِ الْخِيَارِ فِي بَيْعِ سِلْعَةٍ مِنَ السِّلَعِ ثَبَتَ الْخِيَارُ فِيهَا بِلاَ شَرْطٍ .

وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ الأْخْرَسَ تَقُومُ إِشَارَتُهُ مَقَامَ الصِّيغَةِ، فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إِشَارَتُهُ أَوْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، قَامَ وَلِيُّهُ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ مَقَامَهُ .

شَرَائِطُ قِيَامِ الْخِيَارِ:

6 - لاَ يَقُومُ خِيَارُ الشَّرْطِ بِمُجَرَّدِ حُدُوثِ الاِشْتِرَاطِ فِي الْعَقْدِ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ وُجُودِ الشَّرَائِطِ الشَّرْعِيَّةِ لَهُ، فَإِذَا اكْتَمَلَتْ تِلْكَ الشَّرَائِطُ غَدَا خِيَارُ الشَّرْطِ قَائِمًا مَرْعِيَّ الاِعْتِبَارِ، وَإِذَا اخْتَلَّ شَيْءٌ مِنْهَا اعْتُبِرَ الْعَقْدُ لاَزِمًا بِالرَّغْمِ مِنِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْعَقْدِ. غَيْرَ أَنَّ تِلْكَ الشَّرَائِطَ لَيْسَتْ مَوْضِعَ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ، فَهِيَ مُتَفَاوِتَةُ الْعَدَدِ بَيْنَ مَذْهَبٍ وَآخَرَ، وَفِيمَا يَأْتِي بَيَانُهَا:

أَوَّلاً: شَرِيطَةُ الْمُقَارَنَةِ لِلْعَقْدِ:

7 - الْمُرَادُ مِنَ الْمُقَارَنَةِ لِلْعَقْدِ أَنْ يَحْصُلَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ مَعَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ أَوْ لاَحِقًا بِهِ، لاَ أَنْ يَسْبِقَ الاِشْتِرَاطُ الْعَقْدَ. فَلاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ قَبْلَ إِجْرَاءِ الْعَقْدِ، إِذِ الْخِيَارُ كَالصِّفَةِ لِلْعَقْدِ فَلاَ يُذْكَرُ قَبْلَ الْمَوْصُوفِ. وَبَيَانُ الصُّورَةِ الْمُحْتَرَزِ مِنْهَا مَا جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ  عَنِ الْعَتَّابِيَّةِ أَنَّهُ «لَوْ قَالَ: جَعَلْتُكَ بِالْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ الَّذِي نَعْقِدُهُ، ثُمَّ اشْتَرَاهُ مُطْلَقًا لَمْ يَثْبُتِ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ».

وَيُعْتَبَرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُقَارَنَةِ لِلْعَقْدِ مَا لَوْ أُلْحِقَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ بِالْعَقْدِ بَعْدَئِذٍ، بِتَرَاضِي الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَذَلِكَ فِي حُكْمِ حُصُولِهِ فِي أَثْنَاءِ الْعَقْدِ أَوْ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ عِنْدَ الْمُلْتَزَمَيْنِ بِمَجْلِسِ الْعَقْدِ .

ذَهَبَ إِلَى تِلْكَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُقَارَنَةِ وَاللَّحَاقِ الْحَنَفِيَّةُ. وَمِنْ مُسْتَنَدِهِمُ الْقِيَاسُ لِهَذَا عَلَى مَا فِي النِّكَاحِ مِنْ جَوَازِ الاِتِّفَاقِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى مَا يَتَّصِلُ بِهِ، كَالزِّيَادَةِ فِي الْمَهْرِ أَوِ الْحَطِّ مِنْهُ، وَدَلِيلُ هَذَا الْحُكْمِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) . قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ  يَجُوزُ إِلْحَاقُ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالْبَيْعِ، لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْبَيْعِ وَلَوْ بِأَيَّامٍ: جَعَلْتُكَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ صَحَّ بِالإْجْمَاعِ - أَيْ إِجْمَاعِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ - ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ إِلْحَاقَ الْخِيَارِ بَعْدَ الْعَقْدِ جَارٍ مَجْرَى إِدْخَالِهِ فِي الْعَقْدِ تَمَامًا مِنْ حَيْثُ نَوْعُ الْخِيَارِ الْمَشْرُوطِ وَمُدَّتُهُ وَبَقِيَّةُ أَحْكَامِهِ .

 

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَلْحَقُ خِيَارُ الشَّرْطِ بِالْعَقْدِ بَعْدَهُ، بَلْ لاَ بُدَّ مِنْ وُقُوعِهِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، أَوْ فِي مَجْلِسِهِ. وَاسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ لِمَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ الْمَانِعِ مِنْ تَأَخُّرِ الْخِيَارِ عَنِ الْعَقْدِ بِأَنَّ الْعَقْدَ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْمَجْلِسِ أَصْبَحَ لاَزِمًا، فَلَمْ يَصِرْ جَائِزًا بِقَوْلِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ . وَذَكَرَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ أَنَّ إِلْحَاقَ الزِّيَادَةِ (فِي الأْجْرَةِ) وَالشُّرُوطِ بِالْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ لاَ يَصِحُّ.

وَبَيْن هَذَيْنِ الاِتِّجَاهَيْنِ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ اشْتَرَكَ مَعَ الْمَذْهَبِ الأْوَّلِ  فِي النَّتِيجَةِ وَاخْتَلَفَ عَنْهُ فِي تَحْدِيدِ طَبِيعَةِ هَذَا التَّصَرُّفِ، فَقَدْ أَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ إِلْحَاقَ الْخِيَارِ بِالْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ وَقَعَ عَلَى النِّيَّاتِ، سَوَاءٌ كَانَ إِلْحَاقُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا، فَيَصِحُّ الاِشْتِرَاطُ اللاَّحِقُ، وَيَلْزَمُ مَنِ الْتَزَمَهُ بَعْدَ صُدُورِ الْعَقْدِ خَالِيًا مِنْهُ، لَكِنَّهُ - وَهَذَا هُوَ الْفَارِقُ عَنِ الْمَذْهَبِ الأْوَّلِ  - بِمَثَابَةِ بَيْعٍ مُؤْتَنَفٍ، بِمَنْزِلَةِ بَيْعِ الْمُشْتَرِي لَهَا مِنْ غَيْرِ الْبَائِعِ.. صَارَ فِيهِ الْمُشْتَرِي بَائِعًا.. كَمَا ذَكَرَ الْمَالِكِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ مِنْ أَنَّ اللاَّحِقَ لِلْعُقُودِ لَيْسَ كَالْوَاقِعِ فِيهَا، فَمَا أَصَابَ السِّلْعَةَ فِي أَيَّامِ الْخِيَارِ فَهُوَ مِنَ الْمُشْتَرِي.

وَأَشَارَ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُهُ إِلَى أَنَّ الْقَوْلَ بِجَوَازِ إِلْحَاقِ الْخِيَارِ إِنَّمَا هُوَ بَعْدَ انْتِقَادِ الْبَائِعِ الثَّمَنَ، أَمَّا إِلْحَاقُهُ قَبْلَ انْتِقَادِهِ فَلاَ يُسَاوِيهِ فِي الْجَوَازِ لِمَا فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ (فَسْخِ دَيْنٍ فِي دَيْنٍ) وَأَصْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَنْعُهُ.

وَقَدْ ذَكَرُوا فِي خِلاَلِ مُنَاقَشَةِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَجْهًا مُتَّفَقًا عَلَيْهِ هُوَ أَنَّ «جَعْلَ الْخِيَارِ لأِحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لَيْسَ عَقْدًا حَقِيقَةً، إِذِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ تَطْيِيبُ نَفْسِ مَنْ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ لاَ حَقِيقَةُ الْبَيْعِ». قَالَ الْخَرَشِيُّ وَالدُّسُوقِيُّ: لَكِنَّ الْمُرَجَّحَ الأْوَّلُ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، أَيِ اقْتِصَارُ الْجَوَازِ عَلَى مَا لَوْ نَقَدَ الثَّمَنَ، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا .

ثَانِيًا: شَرِيطَةُ التَّوْقِيتِ أَوْ مَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّةِ:

8 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ تَقْيِيدِ الْخِيَارِ بِمُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَضْبُوطَةٍ مِنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، فَلاَ يَصِحُّ اشْتِرَاطُ خِيَارٍ غَيْرِ مُؤَقَّتٍ أَصْلاً، وَهُوَ مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَسَيَأْتِي الْكَلاَمُ فِيهِ بِالتَّفْصِيلِ.

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: وَالأْصْلُ فِيهِ أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ، فَكَانَ شَرْطًا مُغَيِّرًا مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فِي الأْصْلِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ، إِلاَّ أَنَّا عَرَفْنَا جَوَازَهُ اسْتِحْسَانًا (بِخِلاَفِ الْقِيَاسِ) بِالنَّصِّ، فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ .

وَالْحِكْمَةُ فِي تَوْقِيتِ الْمُدَّةِ أَنْ لاَ يَكُونَ الْخِيَارُ سَبَبًا مِنْ أَسْبَابِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ الَّتِي تُؤَدِّي إِلَى التَّنَازُعِ، وَهُوَ مِمَّا تَتَحَامَاهُ الشَّرِيعَةُ فِي أَحْكَامِهَا.

9 - وَلِلْمُدَّةِ الْجَائِزِ ذِكْرُهَا حَدَّانِ: حَدٌّ أَدْنَى، وَحَدٌّ أَقْصَى.

أَمَّا الْحَدُّ الأْدْنَى فَلاَ تَوْقِيتَ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ قَدْرٌ مَحْدُودٌ بِحَيْثُ لاَ يَقِلُّ عَنْهُ فَيَجُوزُ مَهْمَا قَلَّ، لأِنَّ  جَوَازَ الأْكْثَرِ يَدُلُّ بِالأْوْلَوِيَّةِ عَلَى جَوَازِ الأْقَلِّ، وَمِنْ هُنَا نَصَّ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ «وَلَوْ لَحْظَةً» .

قَالَ الْكَاسَانِيُّ: (أَقَلُّ مُدَّةِ الْخِيَارِ لَيْسَ بِمُقَدَّرٍ). وَنَحْوُهُ نُصُوصُ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ غَيْرِ خِلاَفٍ يُعْرَفُ .

وَأَمَّا الْحَدُّ الأْقْصَى لِلْمُدَّةِ الْجَائِزَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا، يُمْكِنُ حَصْرُهُ فِي الاِتِّجَاهَاتِ الْفِقْهِيَّةِ التَّالِيَةِ: التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مُطْلَقًا - التَّفْوِيضُ لَهُمَا فِي حُدُودِ الْمُعْتَادِ - التَّحْدِيدُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ.

 

الاِتِّجَاهُ الأْوَّلُ - التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مُطْلَقًا:

10 - مُقْتَضَى هَذَا الاِتِّجَاهِ جَوَازُ اتِّفَاقِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ عَلَى أَيِّ مُدَّةٍ مَهْمَا طَالَتْ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي يُوسُفَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ، لَكِنَّهُ قَالَ: لاَ يُعْجِبُنِي الطَّوِيلُ .

فَعِنْدَ هَؤُلاَءِ الْفُقَهَاءِ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، لِمَا فِي النُّصُوصِ الْمُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ مِنَ الإْطْلاَقِ وَعَدَمِ التَّفْصِيلِ،  وَلأِنَّ  الْخِيَارَ حَقٌّ يَعْتَمِدُ الشَّرْطَ مِنَ الْعَاقِدِ فَرَجَعَ إِلَيْهِ فِي تَقْدِيرِهِ. أَوْ يُقَالُ: هُوَ مُدَّةٌ مُلْحَقَةٌ بِالْعَقْدِ فَتَقْدِيرُهَا إِلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ.

وَهُنَاكَ صُورَةٌ نَادِرَةٌ تُشْبِهُ مَا سَبَقَ فِي الْحَدِّ الأْدْنَى لِلْمُدَّةِ لَكِنَّهَا تَسْتَحِقُّ الإْشَارَةَ إِلَيْهَا، لِمَا فِي بَحْثِهَا مِنْ تَقْيِيدِ الْخِيَارِ بِأَنْ لاَ يُنَافِيَ الْعَقْدَ وَيُفْقِدَهُ غَايَتَهُ. تِلْكَ الصُّورَةُ مَا لَوْ شَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ مُدَّةً طَوِيلَةً خَارِجَةً عَنِ الْعَادَةِ «كَأَلْفِ سَنَةٍ، وَمِائَةِ سَنَةٍ» فَقَدِ اسْتَوْجَهَ صَاحِبُ غَايَةِ الْمُنْتَهَى أَنْ لاَ يَصِحَّ لإِفْضَائِهِ - عَلَى هَذِهِ الصِّيغَةِ وَنَحْوِهَا - إِلَى الْمَنْعِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ، وَهَذَا الْمَنْعُ مُنَافٍ لِلْعَقْدِ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّارِعُ إِرْفَاقًا لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَقَدْ وَافَقَهُ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ .

الاِتِّجَاهُ الثَّانِي - التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي حُدُودِ الْمُعْتَادِ:

11 - وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَحْدَهُ. فَيَتَحَدَّدُ أَقْصَى مُدَّةِ الْخِيَارِ الْجَائِزَةِ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ الْمَبِيعَاتِ، فَلِلْعَاقِدِ تَعْيِينُ الْمُدَّةِ الَّتِي يَشَاءُ عَلَى أَنْ لاَ يُجَاوِزَ الْحَدَّ الْمُعْتَادَ فِي كُلِّ نَوْعٍ .

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَأَمَّا عُمْدَةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ فَهُوَ أَنَّ الْمَفْهُومَ مِنَ الْخِيَارِ هُوَ اخْتِبَارُ الْمَبِيعِ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْدُودًا بِزَمَانِ إِمْكَانِ اخْتِبَارِ الْمَبِيعِ، وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ كُلِّ مَبِيعٍ .

وَبِمَا أَنَّ لِهَذَا الاِتِّجَاهِ الْفِقْهِيِّ تَقْدِيرَاتٍ مُحَدَّدَةً بِحَسَبِ الْحَاجَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا فَقَدْ جَرَى تَصْنِيفُهَا لَدَى الْمَالِكِيَّةِ إِلَى زُمَرٍ:

 الْعَقَارُ:

12 - وَأَقْصَى مُدَّتِهِ شَهْرٌ، وَمَا أُلْحِقَ بِهِ هُوَ سِتَّةُ أَيَّامٍ، فَأَقْصَى الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ مَدُّ الْخِيَارِ إِلَيْهَا فِي الْعَقَارِ (36) يَوْمًا. وَهُنَاكَ الْيَوْمَانِ الْمُلْحَقَانِ بِزَمَنِ الْخِيَارِ وَهُمَا لِلتَّمْكِينِ مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ حِينَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ (الشَّهْرِ وَالأْيَّامِ السِّتَّةِ) بِيَدِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ يُرِيدُ الْفَسْخَ، وَالْحُكْمُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنْ يَلْزَمَ الْمَبِيعُ عَلَى مَنْ هُوَ بِيَدِهِ عِنْدَ انْتِهَاءِ الْمُدَّةِ دُونَ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لَهُ أَوْ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ. فَالْيَوْمَانِ الْمُلْحَقَانِ هُمَا لِهَذَا الْغَرَضِ (دَفْعِ اللُّزُومِ عَنِ الْمُشْتَرِي دُونَ إِرَادَتِهِ). أَمَّا زَمَنُ الْخِيَارِ لِلْعَقَارِ فَهُوَ شَهْرٌ وَسِتَّةُ أَيَّامٍ.

الدَّوَابُّ:

13 - وَتَخْتَلِفُ الْمُدَّةُ فِيهَا بِحَسَبِ الْمَقْصُودِ مِنَ الْخِيَارِ فِيهَا ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِمَعْرِفَةِ قُوَّتِهَا وَأَكْلِهَا وَسِعْرِهَا فَأَقْصَى مُدَّتِهِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ. وَإِنْ كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ مُتَضَمِّنًا أَنَّهَا لِلاِخْتِبَارِ فِي الْبَلَدِ نَفْسِهِ فَالْمُدَّةُ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَشَبَهُهُ، أَمَّا إِنْ كَانَ خَارِجَهُ فَأَقْصَى الْمُدَّةِ بَرِيدٌ  عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَبَرِيدَانِ عِنْدَ أَشْهَبَ. وَقَدْ أُلْحِقَ بِالثَّلاَثَةِ الأْيَّامِ يَوْمٌ وَاحِدٌ لِتَمْكِينِ الْمُشْتَرِي مِنْ رَدِّ الْمَبِيعِ، كَمَا سَلَفَ .

بَقِيَّةُ الأْشْيَاءِ:

14 - وَتَشْمَلُ: الثِّيَابَ، وَالْعُرُوضَ، وَالْمِثْلِيَّاتِ.

 وَأَقْصَى الْمُدَّةِ لَهَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ وَيَلْحَقُ بِهَا يَوْمٌ. وَقَدْ أَطْلَقَ الْخَرَشِيُّ لَفْظَ (الْمِثْلِيَّاتِ) عَلَى كُلِّ مَا عَدَا (الرَّقِيقِ وَالْعَقَارِ وَالدَّوَابِّ) وَبِالرَّغْمِ مِنْ شُمُولِ الْمِثْلِيَّاتِ لِلْخُضَرِ وَالْفَوَاكِهِ إِلاَّ أَنَّ لِهَذَيْنِ الصِّنْفَيْنِ حُكْمًا خَاصًّا بِهِمَا مِنْ حَيْثُ الْمُدَّةُ نَظَرًا لِطَبِيعَتِهِمَا الْخَاصَّةِ مِنْ تَسَارُعِ التَّلَفِ إِلَيْهِمَا، فَالْخُضَرُ وَالْفَوَاكِهُ بِخَاصَّةٍ أَمَدُ الْخِيَارِ فِيهِمَا بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى الْمُدَّةُ الَّتِي لاَ تَتَغَيَّرُ فِيهَا .

الاِتِّجَاهُ الثَّالِثُ - التَّحْدِيدُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ:

15 - وَهَذَا التَّحْدِيدُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا مَهْمَا كَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ، مَعَ الْمَنْعِ مِنْ مُجَاوَزَتِهَا. وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِهِ زُفَرَ، وَالشَّافِعِيِّ فِي الْوَجْهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ .

وَقَدِ احْتَجَّ لِهَذَا التَّحْدِيدِ بِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ السَّابِقِ ذِكْرُهُ لإِثْبَاتِ الْخِيَارِ فِيهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ .

وَالْبَيَانُ الدَّقِيقُ لِمُسْتَنَدِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَحْدِيدِ الثَّلاَثَةِ الأْيَّامِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُهُ أَبُو يُوسُفَ، فَقَدْ قَالَ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الإْمَامِ: لاَ يَكُونُ الْخِيَارُ فَوْقَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً  فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ: إِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ» . فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الْخِيَارَ كُلَّهُ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم .

وَكَانَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: (الْخِيَارُ جَائِزٌ شَهْرًا كَانَ أَوْ سَنَةً وَبِهِ نَأْخُذُ  ). وَنَحْوُهُ مُسْتَنَدُ الشَّافِعِيِّ، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: الأْصْلُ فِي الْبَيْعِ بِالْخِيَارِ أَنْ يَكُونَ فَاسِدًا، وَلَكِنْ لَمَّا شَرَطَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  فِي الْمُصَرَّاةِ خِيَارَ ثَلاَثٍ فِي الْبَيْعِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ جَعَلَ لَحِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ خِيَارَ ثَلاَثٍ فِيمَا ابْتَاعَ، انْتَهَيْنَا إِلَى مَا قَالَ صلي الله عليه وسلم  .

كَمَا احْتَجُّوا لَهُ مِنَ الْمَعْقُولِ بِأَنَّ الْخِيَارَ مُنَافٍ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَقَدْ جَازَ لِلْحَاجَةِ، فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْقَلِيلِ مِنْهُ، وَآخِرُ الْقِلَّةِ ثَلاَثٌ، وَاحْتَجَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ النَّوَوِيُّ بَعْدَمَا أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ حِبَّانَ .

الزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلاَثِ:

16 - إِذَا زَادَتْ مُدَّةُ خِيَارِ الشَّرْطَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا لَدَى هَذَا الْفَرِيقِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الْقَائِلِ بِالتَّحْدِيدِ بِهَا، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ، وَبَاطِلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، ذَهَابًا مِنْهُ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ الزِّيَادَةِ لاَ يُصَحِّحُ الْعَقْدَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ فَقَطْ، بَلْ فِي الْمَجْلِسِ أَيْضًا عَلَى الْمَشْهُورِ، لأِنَّ  الْمَجْلِسَ ثَبَتَ لِعَقْدٍ صَحِيحٍ، لاَ لِفَاسِدٍ، لِوُقُوعِهِ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَثْبُتُ دَائِمًا.

غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَحْدَهُ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ شَرْطِ الْخِيَارِ الزَّائِدِ عَنِ الثَّلاَثِ - أَوْ إِسْقَاطَ الزِّيَادَةِ - يُصَحِّحُ الْعَقْدَ، وَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ الإْسْقَاطُ بَعْدَ مُفَارَقَةِ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَذَلِكَ مَا لَمْ تَمْضِ الأْيَّامُ الثَّلاَثَةُ. وَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ زُفَرُ فَذَهَبَ إِلَى أَنَّ إِسْقَاطَ الزَّائِدِ لاَ يُصَحِّحُ الْعَقْدَ لأِنَّ  الْبَقَاءَ عَلَى حَسَبِ الثُّبُوتِ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ مِنَ الصُّوَرِ الْمُفْسِدَةِ: - اشْتِرَاطَ مُشَاوَرَةِ مَنْ لاَ يَعْلَمُ مَا عِنْدَهُ إِلاَّ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُدَّةِ بِأَمَدٍ، كَمَا لَوِ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ فِي الْعَقَارِ لِمُدَّةِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَعَ أَنَّ الْمُدَّةَ الْمُحَدَّدَةَ لِلْعَقَارِ أَقْصَاهَا ثَمَانِيَةٌ وَثَلاَثُونَ يَوْمًا.

- اشْتِرَاطَ مُدَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى مُدَّةِ تِلْكَ السِّلْعَةِ بِكَثِيرٍ، أَمَّا لَوْ بِزِيَادَةِ يَوْمٍ أَوْ بَعْضِهِ فَلاَ يَضُرُّ.

الْخِيَارُ الْمُطْلَقُ:

17 - فِي الْخِيَارِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْمُدَّةِ تَتَّجِهُ الْمَذَاهِبُ إِلَى أَرْبَعَةِ اتِّجَاهَاتٍ: بُطْلاَنِ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادِهِ - بُطْلاَنِ الشَّرْطِ دُونَ الْعَقْدِ - صِحَّةِ الْعَقْدِ وَتَعْدِيلِ الشَّرْطِ - صِحَّةِ الْعَقْدِ وَبَقَاءِ الشَّرْطِ بِحَالِهِ.

أ - بُطْلاَنُ الْعَقْدِ أَوْ فَسَادُهُ، فَالْبُطْلاَنُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْفُقَهَاءِ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ - وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى فَسَادِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا هُنَا بَيْنَ الْجَهَالَةِ الْمُتَفَاحِشَةِ أَوِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْحَصَادِ مَثَلاً، كَمَا ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْخِيَارِ الْمُفْسِدِ لَوْ أَبْطَلَ خِيَارَهُ، أَوْ بَيَّنَهُ، أَوْ سَقَطَ بِسَبَبٍ مَا وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي الأْيَّامِ الثَّلاَثَةِ التَّالِيَةِ لِلْعَقْدِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ (خِلاَفًا لأِبِي حَنِيفَةَ الْمُشْتَرِطِ حُصُولَ ذَلِكَ قَبْلَ مُضِيِّ الأْيَّامِ الثَّلاَثَةِ) انْقَلَبَ الْعَقْدُ صَحِيحًا عِنْدَ الْجَمِيعِ - بَلْ لَوْ بَعْدَ الثَّلاَثَةِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ - لِحَذْفِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ اتِّصَالِهِ بِالْعَقْدِ لأِنَّهُمَا يُجِيزَانِ الزِّيَادَةَ عَنِ الثَّلاَثَةِ .

ب - بُطْلاَنُ الشَّرْطِ دُونَ الْعَقْدِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ لأِحْمَدَ وَمَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى

ج - صِحَّةُ الْعَقْدِ وَتَعْدِيلُ الشَّرْطِ، فَالْخِيَارُ الْمُطْلَقُ أَوِ الْمُؤَبَّدُ هُنَا يُخَوِّلُ الْقَاضِي تَحْدِيدَ الْمُدَّةِ الْمَأْلُوفَةِ فِي الْعَادَةِ لاِخْتِبَارِ مِثْلِ السِّلْعَةِ الَّتِي هِيَ مَحَلُّ الْعَقْدِ؛ لأِنَّ  الْخِيَارَ مُقَيَّدٌ فِي الْعَادَةِ، فَإِذَا أَطْلَقَا حُمِلَ عَلَيْهِ. وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ .

وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ أَنَّ الْعَاقِدَيْنِ إِنْ أَطْلَقَا الْخِيَارَ وَلَمْ يُوَقِّتَاهُ بِمُدَّةٍ تَوَجَّهَ أَنْ يَثْبُتَ ثَلاَثًا، لِخَبَرِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ .

د - صِحَّةُ الْعَقْدِ وَبَقَاءُ الشَّرْطِ بِحَالِهِ: فَيَبْقَى الْخِيَارُ مُطْلَقًا أَبَدًا كَمَا نَشَأَ حَتَّى يَصْدُرَ مَا يُسْقِطُهُ. وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَقَوْلٌ لأِحْمَدَ .

تَأْبِيدُ الْخِيَارِ:

18 - مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ: شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَبَّدٍ فِي الْبَيْعِ بِأَنْ قَالَ (أَبَدًا) أَوْ (أَيَّامًا) .

التَّوْقِيتُ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ:

19 - مِنَ الشُّرُوطِ الْمُفْسِدَةِ: شَرْطُ خِيَارٍ مُؤَقَّتٍ بِوَقْتٍ مَجْهُولٍ سَوَاءٌ كَانَتْ جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً، كَهُبُوبِ الرِّيَاحِ، وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَقُدُومِ فُلاَنٍ، وَمَوْتِ فُلاَنٍ، وَوَضْعِ الْحَامِلِ وَنَحْوِهِ. أَوْ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً، كَالْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ .

ثَالِثًا - شَرِيطَةُ الاِتِّصَالِ، وَالْمُوَالاَةِ

20 - الْمُرَادُ بِالاِتِّصَالِ أَنْ تَبْدَأَ مُدَّةُ الْخِيَارِ مِنْ فَوْرِ إِبْرَامِ الْعَقْدِ، أَيْ لاَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَتَرَاخَى عَنْهُ، فَلَوْ شَرَطَ الْمُتَعَاقِدَانِ الْخِيَارَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَثَلاً مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ، أَوْ تَبْدَأُ مِنَ الْغَدِ، أَوْ تَبْدَأُ مَتَى شَاءَ.. أَوْ شَرَطَا خِيَارَ الْغَدِ دُونَ الْيَوْمِ، فَسَدَ الْعَقْدُ لِمُنَافَاتِهِ لِمُقْتَضَاهُ، وَالْمُرَادُ بِالْمُقْتَضَى هُنَا: حُصُولُ آثَارِهِ مُبَاشَرَةً. هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، قَالَ النَّوَوِيُّ: (وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مُتَّصِلَةً بِالْعَقْدِ. لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ خِيَارًا مُتَرَاخِيًا عَنِ الْعَقْدِ)  لَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ لاَ يُبْطِلُونَ هَذَا الْعَقْدَ لأِنَّهُ يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ نَظَرًا لِذَهَابِهِمْ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْبُطْلاَنِ وَالْفَسَادِ، وَالْفَاسِدُ مِنَ الْعُقُودِ مُنْعَقِدٌ وَيَحْتَمِلُ بَعْضُهُ التَّصْحِيحَ، وَسَبِيلُ ذَلِكَ هُنَا اعْتِبَارُ الْمُدَّةِ الْفَاصِلَةِ بَيْنَ الْعَقْدِ وَبَيْنَ مَبْدَأِ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ مَشْمُولَةً بِالشَّرْطِ، فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ اشْتِرَاطَ خِيَارِ أَيَّامٍ غَيْرِ مُتَّصِلَةٍ بِالْعَقْدِ، مِثْلُ مَا لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي آخِرِ رَمَضَانَ وَاشْتَرَطَ خِيَارَ يَوْمَيْنِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ (الْيَوْمُ الآْخِرُ مِنْ رَمَضَانَ وَالْيَوْمَانِ مِمَّا بَعْدَهُ).

وَهَكَذَا يُحْمَلُ كَلاَمُهُ عَلَى إِرَادَةِ الْمُدَّةِ الْمُتَّصِلَةِ وَمَا بَعْدَهَا. أَمَّا إِذَا كَانَ الاِشْتِرَاطُ غَيْرَ قَابِلٍ لِلْحَمْلِ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ عَقْدٌ فَاسِدٌ مُسْتَحِقٌّ لِلْفَسْخِ بِإِرَادَةِ كُلٍّ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ وَبِإِرَادَةِ الْقَاضِي، وَمِثَالُهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ - عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - مَا لَوْ ذَكَرَ أَنَّهُ لاَ خِيَارَ لَهُ فِي رَمَضَانَ، وَلَهُ كَذَا يَوْمًا مِمَّا بَعْدَهُ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ .

 

21 - وَيَتْبَعُ شَرِيطَةَ الاِتِّصَالِ شَرِيطَةٌ أُخْرَى يُمْكِنُ تَسْمِيَتُهَا «الْمُوَالاَةَ» لأِنَّ  الْمُرَادَ بِهَا: تَتَابُعُ أَجْزَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ. فَلَوْ شَرَطَا الْخِيَارَ لِمُدَّةِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ عَلَى أَنَّهُ يَوْمًا يَثْبُتُ وَيَوْمًا لاَ يَثْبُتُ فَفِيهِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا - وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي الْوَفَاءِ بْنِ عَقِيلٍ -: الصِّحَّةُ فِي الْيَوْمِ الأْوَّلِ ، لإِمْكَانِهِ، وَالْبُطْلاَنُ فِيمَا بَعْدَهُ، لأِنَّ  الْعَقْدَ إِذَا لَزِمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي لَمْ يَعُدْ إِلَى عَدَمِ اللُّزُومِ.

وَالْوَجْهُ الآْخَرُ: (احْتِمَالُ) بُطْلاَنِ الشَّرْطِ كُلِّهِ، لأِنَّهُ شَرْطٌ وَاحِدٌ تَنَاوَلَ الْخِيَارَ فِي أَيَّامٍ، فَإِذَا فَسَدَ فِي بَعْضِهِ فَسَدَ جَمِيعُهُ .

رَابِعًا - تَعْيِينُ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ:

22 - مُسْتَحِقُّ الْخِيَارِ أَوْ صَاحِبُ الْخِيَارِ: هُوَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الَّذِي يَكُونُ إِلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْخِيَارِ وَمُمَارَسَتُهُ سَوَاءٌ كَانَ هُوَ مُشْتَرِطَهُ أَوْ خُوِّلَ إِلَيْهِ مِنَ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ طَرَفًا فِي الْعَقْدِ أَمْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ، وَلاَ يَصِحُّ تَطَرُّقُ الْجَهَالَةِ إِلَى مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ، فَلَوِ اتَّفَقَ الْعَاقِدَانِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ لأِحَدِهِمَا لاَ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُبَيِّنَا هَلْ هُوَ الْبَائِعُ أَمِ الْمُشْتَرِي، أَوْ تَعَاقَدَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِشَخْصٍ مَا يُعَيِّنُهُ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَعْدُ، أَوْ لِمَنْ يَشَاءُ أَحَدُهُمَا، فَهَذَا كُلُّهُ فِيهِ جَهَالَةٌ مُفْضِيَةٌ لِلنِّزَاعِ.

وَلِذَا صَرَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، لأِنَّهُ مَجْهُولٌ وَلأِنَّهُ  يُفْضِي إِلَى التَّنَازُعِ. لِذَا كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ تَعْيِينًا مُشَخَّصًا أَهُوَ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ تَعْيِينُهُ بِالذَّاتِ إِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنِ الْعَقْدِ، وَعَدَمُ الاِكْتِفَاءِ بِذِكْرِ الصِّفَةِ (مَثَلاً) كَقَوْلِهِ: عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لأِحَدِ التُّجَّارِ أَوِ الْخُبَرَاءِ دُونَ تَحْدِيدٍ. وَقَالَ النَّوَوِيُّ: (لَوْ يُشْرَطُ الْخِيَارُ لأِحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلاَنِ، الأْصَحُّ: الصِّحَّةُ) .

مَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ:

23 - خِيَارُ الشَّرْطِ لاَ يَثْبُتُ فِي غَيْرِ الْعُقُودِ، وَالْعُقُودُ الَّتِي يُمْكِنُ فِيهَا وُقُوعُ خِيَارِ الشَّرْطِ هِيَ الْعُقُودُ اللاَّزِمَةُ الْقَابِلَةُ لِلْفَسْخِ، لأِنَّ  فَائِدَتَهُ إِنَّمَا تَظْهَرُ فِيهَا فَقَطْ. أَمَّا الْعُقُودُ غَيْرُ اللاَّزِمَةِ فَهِيَ بِمَا تَتَّصِفُ بِهِ مِنْ طَبِيعَةِ عَدَمِ اللُّزُومِ لاَ فَائِدَةَ لاِشْتِرَاطِ خِيَارٍ فِيهَا. وَأَمَّا الْعُقُودُ الَّتِي لاَ تَقْبَلُ الْفَسْخَ فَيَتَعَذَّرُ قِيَامُ الْخِيَارِ فِيهَا، لأِنَّهُ يُنَاقِضُ طَبِيعَتَهَا.

وَالْبَيْعُ هُوَ الْمَجَالُ الأْسَاسِيُّ لِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَجَرَيَانُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ اتِّفَاقِيٌّ، لأِنَّهُ هُوَ الْعَقْدُ الَّذِي وَرَدَتْ فِيهِ أَخْبَارُ مَشْرُوعِيَّتِهِ، وَالْبَيْعُ عَقْدٌ لاَزِمٌ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ (بِطَرِيقِ الإْقَالَةِ) فَهُوَ يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِيَارِ الشَّرْطِ. بَلْ يَدْخُلُ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَمَا هُوَ نَصُّ الْهِدَايَةِ لِلْمَرْغِينَانِيِّ، كَمَا لاَ فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْبَيْعِ بَيْعَ مُسَاوَمَةٍ، أَوْ بَيْعَ أَمَانَةٍ كَالْمُرَابَحَةِ وَأَخَوَاتِهَا .

أَمَّا الْمُسْتَثْنَيَاتُ مِنَ الْبَيْعِ فَهِيَ: السَّلَمُ، وَالصَّرْفُ، وَبَيْعُ الرِّبَوِيِّ بِجِنْسِهِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهَا بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ بِقَوْلِهِ: كُلُّ بَيْعٍ قَبْضُ عِوَضِهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْعَقْدِ . وَهِيَ عُقُودٌ يُبْطِلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ إِنْ لَمْ يَحْصُلْ إِسْقَاطُهُ فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ .

وَقَدْ نَبَّهَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ مُخِلٌّ بِالضَّابِطِ، وَهُوَ ثُبُوتُهُ فِي الْعَقْدِ اللاَّزِمِ الْمُحْتَمَلِ الْفَسْخَ، فَهُمَا -أَيِ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ- كَذَلِكَ .

وَقَدْ ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى جَوَازِهِ فِي السَّلَمِ إِلَى أَجَلٍ قَصِيرٍ . وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي (سَلَمٌ)، (صَرْفٌ).

وَيَجْرِي خِيَارُ الشَّرْطِ فِي الإْجَارَةِ مُطْلَقًا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فَقَيَّدُوا الْخِيَارَ بِالإْجَارَةِ الَّتِي فِي الذِّمَّةِ، أَمَّا الإْجَارَةُ الْمُعَيَّنَةُ فَيَدْخُلُهَا الْخِيَارُ إِذَا كَانَتْ لِمُدَّةٍ غَيْرِ تَالِيَةٍ لِلْعَقْدِ.

أَمَّا إِنْ كَانَتْ لِمُدَّةٍ تَبْدَأُ مِنْ فَوْرِ الْعَقْدِ فَلاَ يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهَا، لأِنَّهُ يُفْضِي إِلَى فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ، أَوْ إِلَى اسْتِيفَائِهَا فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَكِلاَهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ، وَفِي وَجْهٍ لِلْحَنَابِلَةِ: تَجُوزُ فِي الْمُدَّةِ التَّالِيَةِ لِلْعَقْدِ أَيْضًا، فَإِنْ فَسَخَ رَجَعَ بِقِيمَةِ الْمَنَافِعِ .

وَالْحَوَالَةُ: اخْتُلِفَ فِي قَبُولِهَا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى رَأْيَيْنِ:

الأْوَّلُ: تَقْبَلُهُ، وَعَلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ احْتِمَالٌ لِلْحَنَابِلَةِ - كَمَا ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ - فَيَجُوزُ عِنْدَهُمُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي الْحَوَالَةِ لِكُلٍّ مِنَ الْمُحَالِ، وَالْمُحَالِ عَلَيْهِ - وَهُمَا اللَّذَانِ يَجِبُ رِضَاهُمَا فِي عَقْدِهَا - أَمَّا الْمُحِيلُ - وَرِضَاهُ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الأْصَحِّ - فَلَيْسَ لَهُ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ أَصَالَةً أَيْ بِاعْتِبَارِهِ طَرَفًا فِي الْعَقْدِ، أَمَّا إِنِ اشْتَرَطَ لَهُ كَمَا يَشْتَرِطُ الأْجْنَبِيُّ مِنْ قِبَلِ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ، بِأَنِ اشْتَرَطَهُ لَهُ الْمُحَالُ أَوِ الْمُحَالُ عَلَيْهِ فَيَجُوزُ، وَلَكِنْ تُطَبَّقُ أَحْكَامُ الاِشْتِرَاطِ لأِجْنَبِيٍّ، وَهِيَ ثُبُوتُهُ لَهُ عَلَى وَجْهِ النِّيَابَةِ فَيَكُونُ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِطِ. وَعَلَّلَ ابْنُ قُدَامَةَ قَبُولَ الْحَوَالَةِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ بِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ يُقْصَدُ بِهَا الْعِوَضُ.

الثَّانِي: عَدَمُ قَبُولِ الْحَوَالَةِ لِخِيَارِ الشَّرْطِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ  عَقْدَ الْحَوَالَةِ لَمْ يُبْنَ عَلَى الْمُغَابَنَةِ. وَلَمْ نَعْثُرْ لِلْمَالِكِيَّةِ عَلَى رَأْيٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .

وَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ: اخْتَلَفَ الرَّأْيُ فِيهَا بِحَسَبِ النَّظَرِ إِلَيْهَا هَلْ هِيَ بَيْعٌ كَمَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ أَمْ هِيَ تَمْيِيزُ حُقُوقٍ كَمَا يَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ مُفَادُ مَذْهَبِ الْمَالِكِيَّةِ. وَمَنْ أَثْبَتَ خِيَارَ الشَّرْطِ فِيهَا مِنَ الْحَنَابِلَةِ احْتَجَّ بِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لَمْ يُشْرَعْ خَاصًّا بِالْبَيْعِ، بَلْ هُوَ لِلتَّرَوِّي وَتَبَيُّنِ أَرْشَدِ الأْمْرَيْنِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْقِسْمَةِ.

وَالْقِسْمَةُ أَنْوَاعٌ: قِسْمَةُ الأْجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ، وَهِيَ قِسْمَةُ تَرَاضٍ لاَ إِجْبَارَ فِيهَا - وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ وَلاَ يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ - وَقِسْمَةُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مِنَ الْقِيَمِيَّاتِ، كَالْبَقَر وَالْغَنَمِ، أَوِ الثِّيَابُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَهِيَ تَقْبَلُ الإْجْبَارَ وَيَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ .

وَالْكَفَالَةُ: يَدْخُلُهَا خِيَارُ الشَّرْطِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. وَلِلْكَفَالَةِ خِصِّيصَةٌ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ مِنْ حَيْثُ التَّوْقِيتُ إِذْ يَجُوزُ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلاَفًا لِمَذْهَبِهِ فِي اشْتِرَاطِ التَّحْدِيدِ بِالثَّلاَثِ، لأِنَّ  الْكَفَالَةَ عَقْدٌ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّوَسُّعِ .

وَالْوَقْفُ: يَجْرِي فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، فَقَدْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ الْوَاقِفَ إِذَا شَرَطَ فِي الْوَقْفِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً جَازَ الْوَقْفُ وَالشَّرْطُ، وَأَمَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ، فَالْوَقْفُ بَاطِلٌ، وَشَرْطُ الْخِيَارِ فَاسِدٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ .

وَتَفْصِيلُهُ فِي (وَقْفٌ).

اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ:

24 - مِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَصِحُّ اشْتِرَاطُهُ لأِيِّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لِكِلَيْهِمَا (فَفِي الْبَيْعِ مَثَلاً: لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي). وَهُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، وَلاَ يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ، إِلاَّ مَا رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ مِنْ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالْمُشْتَرِي، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِطَهُ لِنَفْسِهِ، (وَمُقْتَضَى هَذَا النَّقْلِ عَنْهُمَا أَنَّ مَجَالَ الْخِيَارِ عِنْدَهُمَا هُوَ عَقْدُ الْبَيْعِ فَقَطْ) وَعِنْدَ هَذَيْنِ إِذَا اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ فَسَدَ الْعَقْدُ .

وَفِي اشْتِرَاطِهِ لِلْعَاقِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا لاَ فَرْقَ أَنْ يَنْشَأَ الاِشْتِرَاطُ مِنَ الْعَاقِدِ لِنَفْسِهِ أَوْ مِنْهُ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَهُوَ أَمْرٌ يَحْصُلُ كَثِيرًا، إِذْ يَجْعَلُ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، كَمَا لَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُ لَكَ ذَا الشَّيْءَ عَلَى أَنَّكَ بِالْخِيَارِ، فَإِذَا صَدَرَ الْقَبُولُ مِنَ الْمُشْتَرِي كَانَ الْخِيَارُ لَهُ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِمَنْ شُرِطَ لَهُ وَحْدَهُ دُونَ الْعَاقِدِ الْمُشْتَرِطِ، إِلاَّ إِذَا شَرَطَهُ لِنَفْسِهِ أَيْضًا وَرَضِيَ الآْخَرُ .

اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لِلأْجْنَبِيِّ عَنِ الْعَقْدِ:

25 - يَصِحُّ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ لأِجْنَبِيٍّ عَنِ الْعَقْدِ، سَوَاءٌ وَقَعَ الاِشْتِرَاطُ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الأْجْنَبِيُّ الْمُشْتَرَطُ لَهُ الْخِيَارُ شَخْصًا وَاحِدًا مُعَيَّنًا مِنَ الْعَاقِدَيْنِ كِلَيْهِمَا أَوْ كَانَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا شَخْصٌ غَيْرُ مَنِ اشْتَرَطَهُ الآْخَرُ، عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى نَصٍّ عَنْ غَيْرِهِمْ، لأِنَّ  دَلاَئِلَ الْجَوَازِ تَشْمَلُهُ.

وَأَصْلُ هَذَا الْحُكْمِ (صِحَّةُ الاِشْتِرَاطِ لأِجْنَبِيٍّ) مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمَجْعُولُ لَهُ الْخِيَارُ مِمَّنْ يَجُوزُ قَوْلُهُ - لاَ كَالطِّفْلِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ - وَإِلاَّ بَطَلَ الْخِيَارُ .

 

وَمُسْتَنَدُ هَذَا الْحُكْمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ الاِسْتِحْسَانُ، فَهُوَ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، وَلِذَا خَالَفَ فِيهِ زُفَرُ مُسْتَدِلًّا بِأَنَّ الْخِيَارَ مِنْ مُوَاجِبِ الْعَقْدِ وَأَحْكَامِهِ، فَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ اشْتِرَاطُهُ لِغَيْرِ الْعَاقِدَيْنِ.

وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ بِأَنَّ ثُبُوتَهُ بِالاِسْتِحْسَانِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، لأِنَّ  فِيهِ مَصْلَحَةً ظَاهِرَةً حِينَ يَكُونُ الْمُتَعَاقِدُ قَلِيلَ الْخِبْرَةِ بِالأْشْيَاءِ يَخْشَى الْوُقُوعُ فِي الْغَبْنِ فَيَلْجَأُ إِلَى مَنْ هُوَ أَبْصَرُ مِنْهُ وَيُفَوِّضُ إِلَيْهِ الْخِيَارَ. وَفَضْلاً عَنْ هَذَا أَنَّ ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِلأَْجْنَبِيِّ لَيْسَ أَصَالَةً بَلْ هُوَ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنِ الْعَاقِدِ الَّذِي جَعَلَهُ لَهُ - عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْفُقَهَاءُ - فَيُقَدَّرُ الْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ اقْتِضَاءً، ثُمَّ يَجْعَلُ الأَْجْنَبِيَّ نَائِبًا عَنْهُ، تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْعَاقِدِ .

فَإِذَا جَعَلَ الْخِيَارَ لأِجْنَبِيٍّ، فَمَا هِيَ صِفَةُ هَذَا الْجُعْلِ؟ وَمَا أَثَرُهُ؟ لِلْفُقَهَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وِجْهَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِمَثَابَةِ تَوْكِيلٍ لِغَيْرِهِ يَقْتَضِي ثُبُوتَ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ، فَالْخِيَارُ لِلْعَاقِدِ وَالأْجْنَبِيِّ مَعًا. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. بَلْ إِنَّ الْحَنَابِلَةَ جَعَلُوا الْخِيَارَ لَهُمَا أَيْضًا فِيمَا لَوْ قَصَرَ الْعَاقِدُ الْخِيَارَ عَلَى الأْجْنَبِيِّ وَقَالَ: هُوَ لَهُ دُونِي، وَذَهَبَ أَبُو يَعْلَى مِنْهُمْ إِلَى أَنَّهُ حِينَئِذٍ لاَ يَصِحُّ .

الْوِجْهَةُ الأْخْرَى: أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلأْجْنَبِيِّ وَحْدَهُ، وَهُوَ الأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَالُوا: إِنَّ جَعْلَ الْخِيَارِ لِلأْجْنَبِيِّ تَفْوِيضٌ - أَوْ تَحْكِيمٌ - لاَ تَوْكِيلٌ. وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُهُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ.

شَرْطُ الاِسْتِئْمَارِ (أَوِ الْمُؤَامَرَةِ) أَوِ الْمَشُورَةِ:

26 - مِمَّا يَتَّصِلُ بِمَعْرِفَةِ صَاحِبِ الْخِيَارِ قَضِيَّةُ اشْتِرَاطِ مَشُورَةِ فُلاَنٍ مِنَ النَّاسِ، أَوِ اسْتِئْمَارِهِ: أَيْ مَعْرِفَةُ أَمْرِهِ وَامْتِثَالُهُ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الْمُسْتَأْمِرِ وَالْمُسْتَأْمَرِ الاِسْتِقْلاَلَ فِي الرَّدِّ وَالإْمْضَاءِ (بِخِلاَفِ مَا لَوْ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ وَرِضَاهُ، فَلاَ اسْتِقْلاَلَ لَهُ دُونَ مَنْ شَرَطَ لَهُ، وَهَذَا فِي الْمَشُورَةِ الْمُطْلَقَةِ، أَمَّا إِذَا قَالَ عَلَى مَشُورَتِهِ إِنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ رَدَّ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْخِيَارِ) .

وَلِلْمَالِكِيَّةِ هَاهُنَا تَفْصِيلٌ بِحَسَبِ صِيغَةِ جَعْلِ الْخِيَارِ لِلأْجْنَبِيِّ، فَهِيَ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْمَشُورَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ بِلَفْظِ الْخِيَارِ أَوِ الرِّضَا.

فَإِذَا قَالَ: عَلَى مَشُورَةِ فُلاَنٍ، فَإِنَّ لِلْعَاقِدِ - بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا - أَنْ يَسْتَبِدَّ بِإِبْرَامِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ دُونَ أَنْ يَفْتَقِرَ ذَلِكَ إِلَى مَشُورَتِهِ. لأِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنَ الْمُشَاوِرَةِ الْمُوَافَقَةُ، وَمُشْتَرِطُ الْمَشُورَةِ اشْتَرَطَ مَا يُقَوِّي بِهِ نَظَرَهُ.

أَمَّا إِذَا قَالَ: عَلَى خِيَارِ فُلاَنٍ أَوْ رِضَاهُ، فَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أَرْبَعَةٌ، وَالْمُعْتَمَدُ مِنْهَا أَنَّهُ تَفْوِيضٌ فَلَيْسَ لِلْعَاقِدِ - بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا - أَنْ يَسْتَقِلَّ بِإِبْرَامِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ، ذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ - أَوِ الرِّضَا - لِلأْجْنَبِيِّ عِنْدَهُمْ لَيْسَ تَوْكِيلاً بَلْ هُوَ تَفْوِيضٌ، حَيْثُ إِنَّهُ بِاشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِغَيْرِهِ مُعْرِضٌ عَنْ نَظَرِ نَفْسِهِ، وَقَدْ أَلْحَقُوا بِلَفْظِ الْخِيَارِ أَوِ الرِّضَا لَفْظَ الْمَشُورَةِ - السَّابِقَ ذِكْرُهُ - إِذَا جَاءَ مُقَيَّدًا بِمَا يَدْنُو بِهِ إِلَى هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: عَلَى مَشُورَةِ فُلاَنٍ إِنْ شَاءَ أَمْضَى وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، فَحُكْمُ هَذَا كَالْخِيَارِ وَالرِّضَا . وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِاللَّفْظَيْنِ مَا فِي مَعْنَاهُمَا مِنْ أَلْفَاظٍ مُسْتَحْدَثَةٍ تُؤَدِّي الْمَعْنَى نَفْسَهُ كَالرَّغْبَةِ وَالرَّأْيِ.

وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي هَذَا اتِّجَاهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَتَّى يَقُولَ: اسْتَأْمَرْتُهُ فَأَمَرَنِي بِالْفَسْخِ، وَالاِتِّجَاهُ الآْخَرُ - وَعَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ -: أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ اسْتِئْمَارُهُ، وَأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْمُثْبِتُونَ قَدْ جَاءَ بِقَصْدِ الاِحْتِيَاطِ لِئَلاَّ يَكُونَ كَاذِبًا. وَنَحْوُهُ مَا ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ فَضَّلَ (إِنْ أَخَذْتُ) عَلَى (إِنْ رَضِيتُ)، إِذْ قَدْ يَرْضَى، ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ لَمْ يَرْضَ، وَقَدْ صَحَّحَ النَّوَوِيُّ الرَّأْيَ الأْوَّلَ . وَلاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَنْ سَيُشَاوِرُهُ. أَمَّا لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ أُشَاوِرَ (كَمَا يَقَعُ كَثِيرًا)، لَمْ يَكْفِ. قَالَ الأْذْرَعِيُّ: وَالظَّاهِرُ يَكْفِي، وَهُوَ فِي هَذَا شَارِطُ الْخِيَارِ لِنَفْسِهِ .

وَلَمْ نَعْثُرْ لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى نَصٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

النِّيَابَةُ فِي الْخِيَارِ:

27 - الْخِيَارُ يَثْبُتُ لِلْعَاقِدِ الْمُشْتَرِطِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ مَهْمَا كَانَتْ صِفَةُ الْعَاقِدِ، فَسَوَاءٌ أَكَانَ مَالِكًا لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، أَمْ وَصِيًّا يَعْقِدُ لِمَصْلَحَةِ الْمُوصَى عَلَيْهِ، أَمْ وَلِيًّا لِمَصْلَحَةِ الْمُوَلَّى عَلَيْهِ، أَمْ كَانَ يَعْقِدُ بِالْوَكَالَةِ.

ذَلِكَ أَنَّ اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ فِي حَالِ الْوِلاَيَةِ أَوِ الْوِصَايَةِ هُوَ مِنْ بَابِ النَّظَرِ وَالرِّعَايَةِ لِلصَّغِيرِ فَذَلِكَ لَهُمَا. وَأَمَّا فِي الْوَكَالَةِ، فَلأِنَّ  تَصَرُّفَهُ بِأَمْرِ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ أَمَرَهُ بِالْعَقْدِ أَمْرًا مُطْلَقًا فَيَظَلُّ عَلَى إِطْلاَقِهِ، فَيَشْمَلُ الْعَقْدَ بِخِيَارٍ أَوْ بِدُونِهِ.

وَكَذَلِكَ الْمُضَارِبُ أَوِ الشَّرِيكُ شَرِكَةَ عَنَانٍ أَوْ مُفَاوَضَةٍ، يَمْلِكُ شَرْطَ الْخِيَارِ فِي مُعَامَلاَتِ الشَّرِكَةِ بِمُقْتَضَى إِطْلاَقِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ.

 

وَهَذَا شَامِلٌ لِمَا لَوْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ الَّذِي يُشَاطِرُهُ التَّعَاقُدَ عَلَى مَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا بِصِحَّتِهِ فِي الْوَكَالَةِ - فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ - إِذَا اشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ أَوْ لِمُوَكِّلِهِ، لأِنَّهُ لاَ ضَرَرَ فِيهِ، كَمَا مَنَعُوا الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، فَلَيْسَ لِلْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ أَنْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ فَعَلَ الْوَكِيلُ ذَلِكَ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَهَذَا مَا لَمْ يَأْذَنَ الْمُوَكِّلُ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالأْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَتَجَاوَزُ الْخِيَارُ مَنْ شُرِطَ لَهُ فَلاَ يَثْبُتُ لِلْمُوَكِّلِ إِذَا اشْتَرَطَهُ الْوَكِيلُ لِنَفْسِهِ وَلاَ الْعَكْسُ - وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ عَنِ الشَّافِعِيِّ - لأِنَّ  ثُبُوتَهُ بِالشَّرْطِ فَكَانَ لِمَنْ شَرَطَهُ خَاصَّةً. أَمَّا إِذَا أَذِنَ لَهُ الْمُوَكِّلُ فِي شَرْطِ الْخِيَارِ وَأَطْلَقَ، فَشَرْطُ الْوَكِيلِ كَذَلِكَ بِإِطْلاَقٍ، فَفِيهِ أَوْجُهٌ، أَصَحُّهَا أَنَّهُ لِلْوَكِيلِ، لأِنَّ  مُعْظَمَ أَحْكَامِ الْعَقْدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِهِ وَحْدَهُ  وَلاَ يَلْزَمُ الْعَقْدُ بِرِضَا الْمُوَكِّلِ، لأِنَّ  الْخِيَارَ مَنُوطٌ بِرِضَا وَكِيلِهِ.

وَالْحَنَابِلَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ فِي صِحَّةِ اشْتِرَاطِ الْوَكِيلِ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، لاَ لِلْعَاقِدِ الآْخَرِ مَعَ احْتِمَالِ الْجَوَازِ عِنْدَهُمْ فِيهَا بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: لِلْوَكِيلِ التَّوْكِيلُ .

ثُمَّ إِنَّ عَلَى الْوَكِيلِ أَنْ يَفْعَلَ مَا فِيهِ حَظُّ الْمُوَكِّلِ، لأِنَّهُ مُؤْتَمَنٌ .

وَكَمَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ عَلَى وَجْهِ الاِنْفِرَادِ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعُ وَاحِدًا، يَثْبُتُ لِلْمُتَعَدِّدِ أَيْضًا إِذَا كَانَ الطَّرَفُ الْمُتَعَاقِدُ مُتَعَدِّدًا، كَمَا لَوْ بَاعَ شَرِيكَانِ شَيْئًا، أَوْ بَاعَ الْمَالِكُ سِلْعَةً لاِثْنَيْنِ وَاشْتَرَطَا الْخِيَارَ لَهُمَا.

آثَارُ الْخِيَارِ:

أَوَّلاً: أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى حُكْمِ الْعَقْدِ:

28 - حُكْمُ الْخِيَارِ أَنَّهُ يَمْنَعُ ثُبُوتَ حُكْمِ الْعَقْدِ، فَلاَ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْحُكْمُ الْمُعْتَادُ لِلْحَالِ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، وَذَلِكَ مَوْضِعُ اتِّفَاقٍ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، وَهُوَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي حَقِّ الْعَاقِدِ الآْخَرِ أَيْضًا، وَقَالَ صَاحِبَاهُ: الْحُكْمُ نَافِذٌ فِي حَقِّ مَنْ لاَ خِيَارَ لَهُ، لأِنَّهُ لاَ مَانِعَ بِالنِّسْبَةِ لَهُ - وَسَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ انْتِقَالُ الْمِلْكِ عَنْهُ - وَلِذَا قَالَ الْكَاسَانِيُّ: (هُوَ لِلْحَالِ مَوْقُوفٌ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ حُكْمُهُ لِلْحَالِ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عِنْدَ سُقُوطِ الْخِيَارِ) وَالْعِلَّةُ فِي الْقَوْلِ بِأَنَّهُ مَوْقُوفُ الْحُكْمِ أَنَّهُ لاَ يُدْرَى أَيَتَّصِلُ بِهِ الْفَسْخُ أَوِ الإْجَازَةُ . ثُمَّ قَالَ بَعْدَئِذٍ: «فَيَتَوَقَّفُ فِي الْجَوَابِ لِلْحَالِ، وَهَذَا تَفْسِيرُ التَّوَقُّفِ عِنْدَنَا، وَقَالَ فِي مَوْطِنٍ آخَرَ: شَرْطُ الْخِيَارِ يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعَقْدِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ لِلْحَالِ».

وَتَبَيَّنَ مِنْ مَنْعِ ثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى الْعَقْدِ حُكْمُهُ فِي الْحَالِ، فَلاَ يَخْرُجُ الْمَبِيعُ مِنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَلاَ الثَّمَنُ مِنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي اتِّفَاقًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ يَفْتَرِقُ هَذَا الْعَقْدُ عَنِ الْعَقْدِ الْبَاتِّ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ تَعَرُّضُهُ لِلْفَسْخِ بِمُوجِبِ خِيَارِ الشَّرْطِ الَّذِي زَلْزَلَ حُكْمَ الْعَقْدِ وَجَعَلَهُ عُرْضَةً لِلْفَسْخِ. فَفِي حَالِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلطَّرَفَيْنِ لاَ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَقْدِ أَصْلاً .

وَإِلَى مِثْلِ ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي صُورَةِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِلطَّرَفَيْنِ، حَيْثُ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، لاَ يُحْكَمُ بِانْتِقَالِهِ لِلْمُشْتَرِي، وَلاَ أَنَّهُ لِلْبَائِعِ خَالِصًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ .

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ مِلْكِيَّةُ مَحَلِّ الْخِيَارِ بَاقِيَةٌ لِلْبَائِعِ، وَلَمْ تَنْتَقِلْ إِلَى الْمُشْتَرِي، فَحُكْمُ الْعَقْدِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى خِيَارٍ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ نَفَاذِهِ أَيًّا كَانَ صَاحِبُ الْخِيَارِ .

ثَانِيًا: أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ:

يَخْتَلِفُ أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ بَيْنَ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ كَوْنِهِ لأِحَدِهِمَا.

أ - كَوْنُ الْخِيَارِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ:

29 - إِذَا كَانَ خِيَارُ الشَّرْطِ ثَابِتًا لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَلاَ تَغْيِيرَ يَحْصُلُ فِي قَضِيَّةِ الْمِلْكِ لِلْبَدَلَيْنِ، فَمَحَلُّ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ، وَالثَّمَنُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا. ذَلِكَ مَوْقِفُ الْحَنَفِيَّةِ، يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ: فَلاَ يَنْعَقِدُ الْعَقْدُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي الْبَدَلَيْنِ جَمِيعًا، فَلاَ يَزُولُ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَلاَ يَدْخُلُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَكَذَا الثَّمَنُ... لأِنَّ  الْمَانِعَ مِنَ الاِنْعِقَادِ فِي حَقِّ الْحُكْمِ مَوْجُودٌ فِي الْجَانِبَيْنِ جَمِيعًا وَهُوَ الْخِيَارُ . وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَوْقِفُ الشَّافِعِيَّةِ بِمُلاَحَظَةِ اخْتِيَارِهِمْ وَصْفَ هَذِهِ الْحَالَةِ بِأَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ بِانْتِظَارِ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّةِ أَحَدِهِمَا، فَإِنَّ فَسْخَ الْعَقْدِ ظَهَرَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمِلْكَ مَا زَالَ لِلْبَائِعِ، وَإِنْ تَمَّ ظَهَرَ أَنَّ الْمِلْكَ انْتَقَلَ لِلْمُشْتَرِي مُنْذُ الْعَقْدِ .

وَالْمَذَاهِبُ الأْخْرَى لاَ تُفْرِدُ هَذِهِ الْحَالَةَ بِالْحُكْمِ، بَلْ يَنْصَبُّ نَظَرُهَا إِلَى خِيَارِ الْبَائِعِ، فَهُوَ الْمُؤَثِّرُ فِي الْقَضِيَّةِ فِيمَا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي.

وَالرَّأْيُ الثَّانِي فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى النَّقِيضِ مِمَّا سَبَقَ، فَالْمِلْكُ فِي الْعَقْدِ الْمُقْتَرِنِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ نَفْسِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَمْ لأِحَدِهِمَا أَيًّا كَانَ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَقَدْ عَلَّلُوهُ بِأَنَّ الْعَقْدَ مَعَ الْخِيَارِ كَالْعَقْدِ الْمُطْلَقِ عَنْهُ .

ب - كَوْنُ الْخِيَارِ لأِحَدِهِمَا:

30 - تَخْتَلِفُ مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي تَحْدِيدِ الْمَالِكِ لِمَحَلِّ الْخِيَارِ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لأَِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الآْخَرِ، وَتَنْحَصِرُ الآْرَاءُ فِي ثَلاَثَةٍ: بَقَاءُ الْمِلْكِ، انْتِقَالُهُ، التَّفْصِيلُ بِحَسَبِ صَاحِبِ الْخِيَارِ.

1 - ذَهَبَ الرَّأْيُ الأْوَّلُ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ لِصَاحِبِ الْمَحَلِّ كَمَا كَانَ قَبْلَ حُصُولِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَائِعُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَوْ لأِحَدِهِمَا. بِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَالأْوْزَاعِيِّ. وَقَدْ عَبَّرَ الْمَالِكِيَّةُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِمْ: إِنَّ بَيْعَ الْخِيَارِ مُنْحَلٌّ لاَ مُنْعَقِدٌ، بِمَعْنَى أَنَّهُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ لَمْ يَنْتَقِلْ، فَالإْمْضَاءُ  اللاَّحِقُ بَعْدَئِذٍ نَاقِلٌ لِلْمِلْكِ لاَ مُقَرِّرٌ .

فَقَدِ اعْتَبَرَ هَؤُلاَءِ يَدَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَحَلِّ الْخِيَارِ يَدَ أَمَانَةٍ، وَأَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمَالِكُ (وَالضَّامِنُ أَيْضًا) وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الْعَقْدَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِيَارُ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، فَلَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ حُكْمٌ، أَيْ هُوَ عَقْدٌ غَيْرُ نَافِذٍ فِي الْجُمْلَةِ: لَمْ يَنْتَقِلَ الْمِلْكُ عَنِ الْبَائِعِ، كَمَا لَوْ لَمْ يَقَعْ قَبُولٌ مِنَ الْعَاقِدِ الآْخَرِ (الْمُشْتَرِي مَثَلاً).

2 - الرَّأْيُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي، فَالإْمْضَاءُ  تَقْرِيرٌ لاَ نَقْلٌ .

وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَيْضًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْخِيَارُ .

3 - وَالرَّأْيُ الثَّالِثُ قَائِمٌ عَلَى التَّفْصِيلِ بِحَسَبِ صَاحِبِ الْخِيَارِ.

فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَالْمِلْكُ بَاقٍ لَهُ، لأِنَّ  اشْتِرَاطَ الْخِيَارِ مِنْهُ إِبْقَاءٌ عَلَى مِلْكِهِ فَلاَ يَنْتَقِلُ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَلِهَذَا نَتَائِجُ عَدِيدَةٌ أَبْرَزُهَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ - بِالرَّغْمِ مِنَ الْعَقْدِ - لاَ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِي مَحَلِّ الْخِيَارِ، كَمَا أَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْبَائِعِ تَنْفُذُ، وَتُعْتَبَرُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَظْهَرِ الأْقْوَالِ  . وَهَذَا الْقَوْلُ لِلشَّافِعِيَّةِ قَائِمٌ عَلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوِ الْمُشْتَرِي - وَهُوَ الأْظْهَرُ - وَهُنَاكَ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ أُخْرَى (مُطَّرِدَةٌ فِي حَالِ كَوْنِ الْخِيَارِ لَهُمَا أَوْ لأِحَدِهِمَا) أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكٌ لِلْمُشْتَرِي وَالثَّمَنَ مِلْكٌ لِلْبَائِعِ، وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَبِيعَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي إِلاَّ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ فَسْخٍ، وَالثَّمَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَالثَّالِثُ: أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ إِلَى تَمَامِ الْبَيْعِ لِلْحُكْمِ بِأَنَّ الْمَبِيعَ كَانَ مِلْكًا لِلْمُشْتَرِي مُنْذُ الْعَقْدِ، أَوْ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ .

وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْمِلْكُ زَائِلٌ عَنِ الْبَائِعِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ، حَيْثُ لاَ مَانِعَ فِي حَقِّهِ، لأِنَّ  الْعَقْدَ لاَزِمٌ مِنْ جِهَةِ مَنْ لاَ خِيَارَ لَهُ وَهُوَ الْبَائِعُ. وَالتَّصَرُّفُ فِي مَحَلِّ الْخِيَارِ مَقْصُورٌ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، لأِنَّهُ شُرِعَ نَظَرًا لَهُ وَحْدَهُ، وَعَلَى هَذَا الْقَدْرِ اتَّفَقَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، وَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِأَنَّ الْمِلْكَ مُنْتَقِلٌ عَمَّنْ لاَ خِيَارَ لَهُ .

ثَالِثًا: أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى ضَمَانِ الْمَحَلِّ:

31 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يَتَحَمَّلُ تَبِعَةَ هَلاَكِ مَحَلِّ الْخِيَارِ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي:

فَالْحَنَفِيَّةُ فَرَّقُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ عِدَّةِ صُوَرٍ:

1 - إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ - وَبِالأْوْلَى إِذَا كَانَ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي - وَهَلَكَ مَحَلُّ الْخِيَارِ بِيَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ بِالاِتِّفَاقِ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ، لأِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ اتِّفَاقًا، وَلَمْ يَنْضَمَّ إِلَى الْخِيَارِ الْقَبْضُ لِيَكُونَ لَهُ أَثَرٌ فِي تَعْدِيلِ ارْتِبَاطِ تَبِعَةِ الْهَلاَكِ بِالْمِلْكِ، وَلاَ إِشْكَالَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي انْفِسَاخِ الْعَقْدِ، كَمَا هُوَ الْحَالُ فِي الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ عَنِ الْخِيَارِ .

2 - إِذَا هَلَكَ مَحَلُّ الْخِيَارِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ وَبَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَالضَّمَانُ مِنْهُ، لأِنَّهُ غَدَا بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ بَيْعًا مُطْلَقًا. وَالضَّمَانُ حِينَئِذٍ بِالثَّمَنِ لأِنَّهُ هَلَكَ بَعْدَمَا أُبْرِمَ الْبَيْعُ، وَإِبْرَامُهُ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ لِعَدَمِ فَسْخِ الْبَائِعِ فِي الْمُدَّةِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلأِنَّ  هَلاَكَهُ بِمَثَابَةِ الإْجَازَةِ .

3 - إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَقَدْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي مَحَلَّ الْخِيَارِ فَهَلَكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي خِلاَلَ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لأِنَّ  الْبَيْعَ قَدِ انْفَسَخَ بِهَلاَكِ الْمَحَلِّ إِذْ كَانَ مَوْقُوفًا، لأِجْلِ خِيَارِ الْبَائِعِ، وَلاَ نَفَاذَ لِلْمَوْقُوفِ إِذَا هَلَكَ الْمَحَلُّ، فَبَقِيَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَقْبُوضًا عَلَى جِهَةِ الْعَقْدِ (أَيِ الْمُعَاوَضَةِ)، لاَ عَلَى وَجْهِ الأْمَانَةِ الْمَحْضَةِ كَالإْيدَاعِ وَالإْعَارَةِ، لأِنَّ  الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِقَبْضِ الْمُشْتَرِي لَهُ إِلاَّ عَلَى جِهَةِ الْعَقْدِ. وَكَذَلِكَ  الشَّافِعِيَّةُ، وَسَوَّوْا بَيْنَ هَذِهِ الْحَالَةِ وَبَيْنَ إِيدَاعِ الْمُشْتَرِي إِيَّاهُ بَعْدَ الْقَبْضِ عِنْدَ الْبَائِعِ.

أَمَّا كَيْفِيَّةُ ضَمَانِهِ فَهُوَ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْقِيمَةِ - إِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا (لأِنَّ  ضَمَانَهُ حِينَئِذٍ بِالْمِثْلِ) - وَالضَّمَانُ بِالْقِيمَةِ، لاَ بِالثَّمَنِ، هُوَ الشَّأْنُ فِيمَا قُبِضَ عَلَى جِهَةِ الْعَقْدِ، كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ .

وَقَدْ جَعَلَ الْكَاسَانِيُّ ضَمَانَهُ أَوْلَى مِنْ ضَمَانِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ.

4 - إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ قَبَضَ مَحَلَّ الْخِيَارِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ، فَالضَّمَانُ مِنْهُ أَيْضًا، وَلَكِنَّ الضَّمَانَ هُنَا بِالثَّمَنِ.

وَبَيْنَ هَذِهِ الْحَالَةِ وَسَابِقَتِهَا فَرْقٌ مِنْ حَيْثُ كَيْفِيَّةُ الضَّمَانِ فَهُنَا الضَّمَانُ بِالثَّمَنِ، وَهُنَاكَ الضَّمَانُ بِالْقِيمَةِ، وَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ إِلَى وَجْهِ الْفَرْقِ، وَتَابَعَهُ الشُّرَّاحُ مُفَصِّلِينَ الْوَجْهَ نَفْسَهُ، بِأَنَّهُ إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَهَلَكَ الْمَبِيعُ فَإِنَّهُ بِمَثَابَةِ تَعَيُّبٍ آلَ إِلَى تَلَفٍ، لأِنَّ  التَّلَفَ لاَ يَعْرَى عَنْ مُقَدِّمَةِ عَيْبٍ، فَبِدُخُولِ الْعَيْبِ عَلَى مَحَلِّ الْخِيَارِ لاَ يَمْلِكُ الْمُشْتَرِي (صَاحِبُ الْخِيَارِ) الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ حَالَ قِيَامِ الْعَيْبِ، كَائِنًا مَا كَانَ الْعَيْبُ، فَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْهَلاَكُ لَمْ يَبْقَ الرَّدُّ سَائِغًا، فَيَهْلِكُ الْمَحَلُّ بَعْدَ أَنِ انْبَرَمَ الْعَقْدُ بِمُقَدِّمَاتِ الْهَلاَكِ، وَبِلُزُومِ الْعَقْدِ يَجِبُ الثَّمَنُ لاَ الْقِيمَةُ.

أَمَّا فِي حَالَةِ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَتَلَفِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ، فَإِنَّ تَعَيُّبَ الْمَبِيعِ وَإِشْرَافَهُ عَلَى الْهَلاَكِ لاَ يَمْنَعُ الرَّدَّ حُكْمًا، لأِنَّ  خِيَارَ الْبَائِعِ لَمْ يَسْقُطْ لأِنَّهُ لَمْ يَعْجِزْ عَنِ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ الَّذِي لَوْ رَضِيَ بِهِ يَتَمَكَّنُ مِنَ الاِسْتِرْدَادِ، فَإِذَا هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ ضَرُورَةً لِعَدَمِ الْمَحَلِّ فَيَكُونُ ضَمَانُهُ كَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، أَيْ بِالْقِيمَةِ، لاَ بِالثَّمَنِ لِفُقْدَانِ الْعَقْدِ .

32 - أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فَالضَّمَانُ مُنْسَجِمٌ مَعَ الْمِلْكِ الَّذِي جَعَلُوهُ ثَابِتًا مُطْلَقًا لِلْبَائِعِ، فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ أَيْضًا إِلاَّ فِي اسْتِثْنَاءَاتٍ يَدْعُو إِلَيْهَا إِعْوَازُ الْمُشْتَرِي الدَّلِيلَ عَلَى حُسْنِ نِيَّتِهِ وَعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، لأِنَّ  ضَمَانَ الْبَائِعِ لِلتَّلَفِ خَاصٌّ بِمَا لَوْ كَانَ تَلَفًا بِحَادِثٍ سَمَاوِيٍّ، أَوْ ضَيَاعٍ، وَيَتَمَثَّلُ الأْصْلُ فِي صُورَتَيْنِ:

الأْولَى : إِذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي مَحَلَّ الْخِيَارِ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ، إِذْ هُوَ أَقْدَمُ مِلْكًا، فَلاَ يَنْتَقِلُ الضَّمَانُ عَنْهُ إِلاَّ بِتَمَامِ انْتِقَالِ مِلْكِهِ .

وَذَلِكَ الأْصْلُ ثَابِتٌ فِيمَا إِذَا كَانَ مَحَلُّ الْخِيَارِ مِمَّا لاَ يُغَابُ عَلَيْهِ (أَيْ: مِمَّا لاَ يُمْكِنُ إِخْفَاؤُهُ)، حَيْثُ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُ الْمُشْتَرِي فِي دَعْوَاهُ التَّلَفَ دُونَ صُنْعِهِ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا كَانَ مَحَلُّ الْخِيَارِ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَكِنْ ثَبَتَ تَلَفُهُ أَوْ ضَيَاعُهُ بِبَيِّنَةٍ (لأِنَّ  هَلاَكَهُ ظَاهِرٌ بِغَيْرِ صُنْعِهِ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي قَبْضِهِ كَالرَّهْنِ وَالْعَارِيَّةِ).

وَفِيمَا وَرَاءَ هَذَا الأْصْلِ، أَوْ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فِيمَا كَانَ مُحْتَرِزًا عَنْهُ بِقُيُودِ الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ (صُورَةِ مَا لاَ يُغَابُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَثْبُتْ كَذِبُ الْمُشْتَرِي، وَصُورَةِ مَا يُغَابُ عَلَيْهِ وَثَبَتَ أَنَّ التَّلَفَ لَيْسَ بِصُنْعِ الْمُشْتَرِي) يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي .

33 - أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ أَنَّهُ لَوْ تَلِفَ الْمَبِيعُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ بَعْدَ الْقَبْضِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ، انْفَسَخَ الْبَيْعُ، لأِنَّهُ يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ عِنْدَ بَقَاءِ يَدِهِ، فَعِنْدَ بَقَاءِ مِلْكِهِ أَوْلَى،  وَلأِنَّ  نَقْلَ الْمِلْكِ بَعْدَ التَّلَفِ لاَ يُمْكِنُ، وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ مُودَعًا مَعَ الْبَائِعِ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَنْفَسِخُ بِتَلَفِهِ لأِنَّ  يَدَهُ كَيَدِ الْمُشْتَرِي وَيَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَيْهِ الثَّمَنَ وَلَهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى الْمُشْتَرِي الْقِيمَةُ فِي الْمُتَقَوِّمِ، وَالْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ أَوْ لَهُمَا فَتَلِفَ الْمَبِيعُ بَعْدَ قَبْضِهِ لَمْ يَنْفَسِخَ الْبَيْعُ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَلَمْ يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ كَمَا لاَ يَمْتَنِعُ التَّحَالُفُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ وَلَزِمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ إِنْ تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ فُسِخَ فَالْقِيمَةُ أَوِ الْمِثْلُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَاسْتَرَدَّ الثَّمَنَ، وَلَوْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ وَلَوْ بَعْدَ قَبْضِهِ وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ انْفَسَخَ الْبَيْعُ كَمَا فِي صُورَةِ التَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَأَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يَنْفَسِخْ، أَيِ الْبَيْعُ، لِقِيَامِ الْبَدَلِ اللاَّزِمِ لَهُ مِنْ قِيمَةِ أَوْ مِثْلٍ مَقَامَهُ وَتَلْزَمُهُ الْقِيمَةُ لِلْمُشْتَرِي لِفَوَاتِ عَيْنِ الْمَبِيعِ وَالْخِيَارُ بِحَالِهِ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمُشْتَرِي وَلَوْ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالْخِيَارُ لَهُ أَوْ لَهُمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ، لأِنَّهُ بِإِتْلاَفِهِ الْمَبِيعَ قَابِضٌ لَهُ أَوْ أَتْلَفَهُ الْبَائِعُ، وَلَوْ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَتَلَفِهِ بِآفَةٍ .

34 - وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ جَعَلُوا الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي، وَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ ضَمَانَ مَحَلِّ الْخِيَارِ عَلَى الْمُشْتَرِي لأِنَّهُ مِلْكُهُ، وَغَلَّتُهُ لَهُ فَكَانَ مِنْ ضَمَانِهِ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْخِيَارِ. وَمَئُونَتُهُ عَلَيْهِ . وَهَذَا عَلَى إِطْلاَقِهِ (قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ) إِذَا كَانَ مَحَلُّ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِ الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ وَنَحْوِهِمَا كَالْمَعْدُودِ وَالْمَذْرُوعِ، شَرِيطَةَ أَنْ لاَ يَكُونَ عَدَمُ الْقَبْضِ نَاشِئًا مِنْ مَنْعِ الْبَائِعِ.

أَمَّا إِذَا كَانَ مَحَلُّ الْخِيَارِ مِنَ الْمَكِيلِ أَوِ الْمَوْزُونِ وَنَحْوِهِمَا فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ لِيَكُونَ ضَمَانُهُ عَلَى الْمُشْتَرِي، فَإِنْ كَانَ الْقَبْضُ لَمْ يَحْصُلْ فَالضَّمَانُ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَائِعِ. وَلاَ يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ اسْتِثْنَاءً، بَلْ هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ أُصُولُ الْحَنَابِلَةِ مِنِ اعْتِبَارِهِمُ الْقَبْضَ ضَمِيمَةً لاَ بُدَّ مِنْهَا فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لِيَنْتَقِلَ ضَمَانُهُ عَنِ الْبَائِعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَهُوَ حُكْمٌ يَتَّفِقُ فِيهِ الْبَيْعُ الْمُقَيَّدُ بِالْخِيَارِ، وَالْبَيْعُ الْمُطْلَقُ. وَعَلَّلَهُ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ تَوْفِيَةٍ، وَجَاءَ فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَبْضِ فِي الْكَيْلِ وَالْمَوْزُونِ هُوَ اكْتِيَالُهُ أَوْ وَزْنُهُ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ التَّخْلِيَةِ كَمَا هُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَبِالاِكْتِيَالِ يُعْرَفُ هَلْ وَصَلَ إِلَى الْمُشْتَرِي حَقُّهُ كَامِلاً أَمْ نَقَصَ مِنْهُ أَوْ زَادَ عَنْهُ .

أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى زِيَادَةِ الْمَبِيعِ وَغَلَّتِهِ وَنَفَقَتِهِ.

35 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الزَّوَائِدَ الَّتِي قَدْ تَطْرَأُ عَلَى الْمَبِيعِ إِلَى الأْقْسَامِ  التَّالِيَةِ:

1 - الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ، كَالسِّمَنِ فِي الْحَيَوَانِ وَزِيَادَةِ وَزْنِهِ، وَالْبُرْءِ مِنْ دَاءٍ كَانَ فِيهِ، وَالنُّضْجِ فِي الثَّمَرِ، وَالْحَمْلِ الَّذِي يَحْدُثُ زَمَنَ الْخِيَارِ (أَمَّا الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْعَقْدِ فَهُوَ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، كَالأْمِّ، فَيُقَابِلُهُ قِسْطٌ مِنَ الثَّمَنِ عَلَى مَا قَالَ الشَّافِعِيَّةُ).

 

2 - الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ الأْصْلِ، وَمِثَالُهَا: الصَّبْغُ وَالْخِيَاطَةُ، وَالْبِنَاءُ فِي الأْرْضِ، وَالْغَرْسُ فِيهَا، وَلَتُّ السَّوِيقِ بِسَمْنٍ.

3 - الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنَ الأْصْلِ، وَمِثَالُهَا: الْوَلَدُ، وَالثَّمَرُ، وَاللَّبَنُ، وَالْبَيْضُ، وَالصُّوفُ.

4 - الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ الأْصْلِ. وَمِثَالُهَا: غَلَّةُ الْمَأْجُورِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى عُضْوٍ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالْعُقْرُ وَهُوَ مَا يُعْتَبَرُ مَهْرًا لِلْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ .

هَذَا تَقْسِيمُ الْحَنَفِيَّةِ لِلزَّوَائِدِ، وَهُمْ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ عِنَايَةً بِتَنْوِيعِهَا، نَظَرًا لِتَفَاوُتِ أَحْكَامِهَا عِنْدَهُمْ بِحَسَبِ تِلْكَ الأْنْوَاعِ.

أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَمَا بَيْنَ مُوَحِّدِ النَّظْرَةِ إِلَى الزِّيَادَةِ، أَوْ مُكْتَفٍ بِتَقْسِيمِ الزَّوَائِدِ إِلَى مُتَّصِلَةٍ أَوْ مُنْفَصِلَةٍ، وَإِدَارَةُ الْحُكْمِ عَلَى ذَلِكَ فَقَطْ.

وَإِنَّ لِلزَّوَائِدِ فِي مَحَلِّ الْخِيَارِ أَحْكَامًا أَهَمُّهَا اثْنَانِ: أَحَدُهُمَا: لِمَنْ يَكُونُ مِلْكُ الزَّوَائِدِ؟ وَالثَّانِي كَوْنُهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، أَيْ تَعْدَمُ الْخِيَارَ بِإِلْزَامِ صَاحِبِهِ بِالإْجَازَةِ دُونَ الْفَسْخِ. ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأْصْلَ  فِي الزِّيَادَةِ أَنَّهَا تَمْنَعُ الرَّدَّ وَيَسْرِي امْتِنَاعُ الرَّدِّ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا سِوَى الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ اتِّفَاقًا، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ عَلَى خِلاَفٍ. فَحَيْثُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ يَنْبَرِمُ الْعَقْدُ وَيَلْزَمُ، وَتَكُونُ الزَّوَائِدُ مُطْلَقًا لِلْمُشْتَرِي الَّذِي صَارَ إِلَيْهِ مِلْكُ الأْصْلِ. أَمَّا فِي الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ حَيْثُ لاَ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَفِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ حَيْثُ اخْتُلِفَ فِي امْتِنَاعِهِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ يَمْلِكُ تِلْكَ الزَّوَائِدَ عَلَى النَّحْوِ الآْتِي .

الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ:

36 - إِذَا كَانَتْ زَوَائِدُ مَحَلِّ الْخِيَارِ مِنْ نَوْعِ الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنَ الأْصْلِ، فَفِيهَا يَجْرِي الْخِلاَفُ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ. وَهَذَا الْخِلاَفُ لاَ مَجَالَ لَهُ إِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إِمْضَاءَ الْعَقْدِ لأِنَّهُ حِينَئِذٍ يَتَمَلَّكُ الأْصْلَ  وَالزَّوَائِدَ اتِّفَاقًا، لأِنَّهُ بِالإْمْضَاءِ  تَبَيَّنَ أَنَّ الزَّوَائِدَ كَسْبُ مِلْكِهِ فَكَانَتْ مِلْكًا لَهُ، أَمَّا إِنِ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الْفَسْخَ وَإِعَادَةَ مَحَلِّ الْخِيَارِ إِلَى الْبَائِعِ فَهَلْ يُعِيدُ مَعَهَا الزَّوَائِدَ أَمْ لاَ؟ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَرُدُّ الأْصْلَ  مَعَ الزَّوَائِدِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ كَانَ مَوْقُوفًا، فَإِذَا حَصَلَ الْفَسْخُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَالزِّيَادَةُ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَتُرَدُّ إِلَيْهِ مَعَ الأْصْلِ. وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ: الْمَبِيعُ دَخَلَ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَكَانَتِ الزَّوَائِدُ حَاصِلَةً عَلَى مِلْكِهِ، فَيَظْهَرُ أَثَرُ الْفَسْخِ فِي الأْصْلِ لاَ فِي الزَّوَائِدِ لأِنَّ هَا بَقِيَتْ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَيَأْخُذُهَا هُوَ  وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلاَفِ الْكَبِيرِ السَّابِقِ.

الزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ:

37 - ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ الْخِيَارَ يَسْقُطُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ. وَقَدْ عَرَفْنَا أَنَّهُ حَيْثُ يَمْتَنِعُ الرَّدُّ يَتَمَلَّكُ صَاحِبُ الْخِيَارِ الأْصْلَ  وَالزِّيَادَةَ، لأِنَّهُ تَبَيَّنَ بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ أَنَّهُ الْمَالِكُ لِمَحَلِّ الْخِيَارِ فَيَمْلِكُ زَوَائِدَهُ مَهْمَا كَانَ وَصْفُهَا. وَعِنْدَ الإْمَامِ مُحَمَّدٍ لاَ يَبْطُلُ الْخِيَارُ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ بَيْنَ الإْمْضَاءِ  وَالْفَسْخِ، .

وَيَكُونُ مَصِيرُ هَذِهِ الصُّورَةِ مُمَاثِلاً لِلصُّورَةِ السَّابِقَةِ (صُورَةِ الزِّيَادَةِ الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ) حَيْثُ يَظَلُّ صَاحِبُ الْخِيَارِ مُتَمَكِّنًا مِنَ اسْتِعْمَالِ خِيَارِهِ.

أَحْكَامُ الزَّوَائِدِ عِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ:

لِلْمَالِكِيَّةِ مَنْحًى آخَرُ فِي شَأْنِ الزَّوَائِدِ، فَهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا إِلَى الاِتِّصَالِ وَالاِنْفِصَالِ، كَمَا لَمْ يَعْتَبِرُوا التَّوَلُّدَ عَلَى إِطْلاَقِهِ، بَلْ خَصُّوا مَا يُعْتَبَرُ جُزْءًا بَاقِيًا مِنَ الْمَبِيعِ فَاعْتَبَرُوهُ لاَ يَنْفَصِلُ عَنْهُ فِي الْعَقْدِ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِالْوَلَدِ وَالصُّوفِ، فَالْوَلَدُ لأِنَّهُ لَيْسَ بِغَلَّةٍ - وَمِثْلُهُ الصُّوفُ - تَمَّ أَمْ لاَ «لأِنَّهُمَا كَجُزْءِ الْمَبِيعِ، أَيْ أَنَّ الْوَلَدَ كَالْجُزْءِ الْبَاقِي، بِخِلاَفِ أَرْشِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهُ كَجُزْءٍ فَاتَ وَهُوَ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ»  يَكُونُ مَمْلُوكًا لِلْمُشْتَرِي، وَمَا عَدَاهُ فَهُوَ لِلْبَائِعِ، لأِنَّهُمْ قَائِلُونَ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الأْصْلِ - زَمَنَ الْخِيَارِ - يَظَلُّ لِلْبَائِعِ حَتَّى يَسْتَعْمِلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ. وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا أَنْ تَكُونَ الزَّوَائِدُ كُلُّهَا - عَدَا الْوَلَدِ وَالصُّوفِ - لِلْبَائِعِ.

وَمِنْ ذَلِكَ:

1 - الْغَلَّةُ الْحَادِثَةُ زَمَنَ الْخِيَارِ مِنْ لَبَنٍ وَسَمْنٍ وَبَيْضٍ، لِلْبَائِعِ أَيْضًا.

2 - أَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمَبِيعِ بِالْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَيْضًا .

أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَتْ زَوَائِدُ مُنْفَصِلَةٌ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ، كَاللَّبَنِ وَالْبَيْضِ وَالثَّمَرِ، فَهِيَ لِمَنْ لَهُ الْمِلْكُ وَهُوَ مَنِ انْفَرَدَ بِالْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ كَحُكْمِ الْبَيْعِ نَفْسِهِ، فَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ فَهِيَ لِلْبَائِعِ وَإِلاَّ فَلِلْمُشْتَرِي. أَمَّا الزَّوَائِدُ الْمُتَّصِلَةُ فَتَابِعَةٌ لِلأْصْلِ.

وَالْحَمْلُ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ كَالأْصْلِ فِي أَنَّهُ مَبِيعٌ لِمُقَابَلَتِهِ بِقِسْطٍ مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ بِيعَ مَعَهُ بَعْدَ الاِنْفِصَالِ لاَ كَالزَّوَائِدِ . أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَالزَّوَائِدُ لِلْمُشْتَرِي أَيْضًا، وَيَشْتَمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَّصِلَةِ وَالْمُنْفَصِلَةِ كَالْكَسْبِ وَالأْجْرَةِ بَلْ لَوْ كَانَتْ نَمَاءً مُنْفَصِلاً مُتَوَلِّدًا مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ كَالثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ وَاللَّبَنِ، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ (وَفِي هَذِهِ الْحَالِ تُعْتَبَرُ الزَّوَائِدُ أَمَانَةً عِنْدَ الْبَائِعِ فَلاَ يَضْمَنُهَا لِلْمُشْتَرِي إِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَعَدٍّ وَلاَ تَفْرِيطٍ خِلاَفًا لِحُكْمِ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ فَهُوَ مَضْمُونٌ قَبْلَ قَبْضِهِ) وَسَوَاءٌ تَمَخَّضَ الْخِيَارُ عَنْ إِمْضَاءِ الْعَقْدِ أَوْ فَسْخِهِ.

وَقَدِ اسْتَدَلَّ ابْنُ قُدَامَةَ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» . وَهَذَا مِنْ ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ إِلَى الْمُشْتَرِي، أَيْ فَهِيَ تَتْبَعُهُ فِي الاِنْتِقَالِ .

رَابِعًا: أَثَرُ الْخِيَارِ عَلَى تَسْلِيمِ الْبَدَلَيْنِ

38 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجِبُ تَسْلِيمُ الْبَدَلَيْنِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي حَالِ الإْطْلاَقِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ، فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ ابْتِدَاءً، وَلاَ يَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي تَسْلِيمُ الثَّمَنِ ابْتِدَاءً لاِحْتِمَالِ الْفَسْخِ مَا لَمْ تَمْضِ مُدَّةُ الْخِيَارِ، أَوْ يُسْقِطُ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ .

أَمَّا التَّسْلِيمُ لِلثَّمَنِ أَوِ الْمَبِيعِ اخْتِيَارًا وَطَوَاعِيَةً فَلاَ مَانِعَ مِنْهُ عِنْدَهُمْ أَيْ لاَ يَبْطُلُ الْخِيَارُ  فَإِذَا بَادَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا إِلَى تَسْلِيمِ مَا بِيَدِهِ - فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ - فَهُوَ جَائِزٌ، لأِيٍّ  مِنْهُمَا كَانَ الْخِيَارُ، وَلاَ أَثَرَ لِلتَّسْلِيمِ عَلَى الْخِيَارِ فَنَقْدُ الثَّمَنِ لِلْبَائِعِ أَوْ دَفْعُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي لاَ يُبْطِلُ الْخِيَارَ شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ تَسْلِيمُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الاِخْتِبَارِ وَالنَّظَرِ فِي صُلُوحِهِ أَوْ عَدَمِهِ، أَمَّا إِنْ سَلَّمَهُ الْمَبِيعَ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ - وَالْخِيَارُ لِلْبَائِعِ - فَإِنَّ خِيَارَهُ يَبْطُلُ، .

وَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا تَطَوُّعًا فَامْتَنَعَ الآْخَرُ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ، فَأَبُو حَنِيفَةَ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُجْبَرُ الآْخَرُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَيًّا كَانَ صَاحِبُ الْخِيَارِ وَلَهُ اسْتِرْدَادُهُ. وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُ إِجْبَارِ الآْخَرِ أَيْضًا وَهُمْ يَقُولُونَ: بِأَنَّ لِمَنْ سَلَّمَ مُؤَمِّلاً التَّسْلِيمَ مِنْ صَاحِبِهِ فَلَمْ يَحْدُثْ، فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ .

سُقُوطُ الْخِيَارِ:

39 - يَسْقُطُ الْخِيَارُ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ بِعَدَدٍ مِنَ الأْسْبَابِ هِيَ: الْبُلُوغُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ الَّذِي عَقَدَ عَنْهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ، وَالْجُنُونُ وَنَحْوُهُ، وَمَوْتُ صَاحِبِ الْخِيَارِ عَلَى خِلاَفٍ فِي هَذَا السَّبَبِ الأْخِيرِ:

أ - بُلُوغُ الصَّبِيِّ مُسْتَحِقِّ الْخِيَارِ:

40 - يَرَى الإْمَامُ أَبُو يُوسُفَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ دُخُولَ الصَّغِيرِ صَاحِبِ الْخِيَارِ فِي طَوْرِ الْبُلُوغِ، فِي مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْخِيَارَاتِ الْمُحَدَّدَةِ بِوَقْتٍ يَسْقُطُ بِهِ الْخِيَارُ لِلْوَلِيِّ أَوِ الْوَصِيِّ سَعْيًا مِنْهُمَا لِمَصْلَحَةِ الصَّبِيِّ، وَيَلْزَمُ بِهِ الْعَقْدُ. أَمَّا الإْمَامُ مُحَمَّدٌ، فَقَدْ جَزَمَ بِأَنَّ الْخِيَارَ لاَ يَسْقُطُ، ثُمَّ تَعَدَّدَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ فِي مَصِيرِ الْخِيَارِ بَعْدَئِذٍ هَلْ يَنْتَقِلُ إِلَى الصَّغِيرِ فِي الْمُدَّةِ أَوْ بِدُونِ تَحْدِيدِ مُدَّةٍ، أَوْ يَبْقَى لِلْوَصِيِّ أَوِ الْوَلِيِّ؟  

وَلَمْ نَجِدْ لِغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ كَلاَمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

ب - طُرُوءُ الْجُنُونِ وَنَحْوِهِ:

41 - قَدْ يَطْرَأُ الْجُنُونُ عَلَى الْعَاقِدِ صَاحِبِ الْخِيَارِ، وَمِثْلُهُ (مَا هُوَ فِي حُكْمِهِ مِنْ حَيْثُ ذَهَابُ الْعَقْلِ وَعَجْزُ الإْنْسَانِ عَنْ إِظْهَارِ مَوْقِفِهِ، كَالإْغْمَاءِ وَالنَّوْمِ أَوِ السَّكْتَةِ) فَإِذَا بَقِيَ ذَلِكَ حَتَّى اسْتَغْرَقَ وَقْتَ الْخِيَارِ مِنْ حَالَةِ تَوْقِيتِهِ سَقَطَ الْخِيَارُ. لَكِنَّ سُقُوطَهُ لَيْسَ لِكَوْنِ الْجُنُونِ مِنْ أَسْبَابِ سُقُوطِ الْخِيَارِ، بَلْ لاِنْقِضَاءِ الْمُدَّةِ دُونَ صُدُورِ فَسْخٍ مِنْهُ، فَالْجُنُونُ نَفْسُهُ لَيْسَ مُسْقِطًا بَلِ اسْتِغْرَاقُ الْوَقْتِ كُلِّهِ دُونَ فَسْخٍ، وَلِذَا لَوْ أَفَاقَ خِلاَلَ الْمُدَّةِ كَانَ عَلَى خِيَارِهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْهَا فِي الأْصَحِّ لَدَى الْحَنَفِيَّةِ. قَالَ ابْنُ نُجَيْمٍ: وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الإْغْمَاءَ وَالْجُنُونَ لاَ يُسْقِطَانِ الْخِيَارَ وَإِنَّمَا الْمُسْقِطُ لَهُ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ. وَاخْتُلِفَ فِي السُّكْرِ هَلْ هُوَ فِي حُكْمِ الْجُنُونِ أَمْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ بِالْبَنْجِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْوَسَائِلِ الْمُسْتَخْدَمَةِ فِي الطِّبِّ، وَبَيْنَ السُّكْرِ بِالْمُحَرَّمِ. وَيُنْظَرُ فِي الْمُطَوَّلاَتِ .

وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ جُنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ وَعُلِمَ أَنَّهُ لاَ يَفِيقُ أَوْ يَفِيقُ بَعْدَ طُولٍ يَضُرُّ الصَّبْرُ إِلَيْهِ بِالآْخَرِ، نَظَرَ السُّلْطَانُ فِي الأْصْلَ حِ لَهُ، أَيْ لاَ يَسْقُطُ الْخِيَارُ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي انْتِقَالِ الْخِيَارِ .

ج - تَغَيُّرُ مَحَلِّ الْخِيَارِ:

42 - إِذَا كَانَ تَغَيُّرُ مَحَلِّ الْخِيَارِ بِالْهَلاَكِ وَالتَّعَيُّبِ أَوِ النُّقْصَانِ، فَإِنَّ الْخِيَارَ يَسْقُطُ بِهَلاَكِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ أُسْوَةً بِالْعَقْدِ الْبَاتِّ، فَهَذَا أَوْلَى، لأِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْهُ لِوُجُودِ شَرْطِ الْخِيَارِ. أَمَّا إِنْ كَانَ الْهَلاَكُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَقَدِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ الْمَذَاهِبُ، فَهُوَ مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مُطْلَقًا . وَهُوَ بِمَثَابَةِ الْفَسْخِ لِلْعَقْدِ وَسُقُوطِ الْخِيَارِ تَبَعًا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ . أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَيَرْبِطُونَهُ بِمَسْأَلَةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ، فَهُوَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَفْتَرِقُ بَيْنَ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ أَوْ لَهُ وَلِلْمُشْتَرِي - فَالْمِلْكُ لِلْبَائِعِ - فَإِذَا هَلَكَ لَمْ تُمْكِنُ الْمُبَادَلَةُ عَلَيْهِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الْخِيَارُ. أَمَّا إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَالْهَلاَكُ فِي عِدَادِ مُسْقِطَاتِ الْخِيَارِ الَّتِي يَلْزَمُ بِهَا الْعَقْدُ لأِنَّهُ عَجْزٌ عَنِ التَّصَرُّفِ بِحُكْمِ الْخِيَارِ حِينَ أَشْرَفَتِ السِّلْعَةُ عَلَى الْهَلاَكِ. وَالشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ: إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَحْدَهُ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، لأِنَّ  الْمِلْكَ لِلْبَائِعِ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ، أَمَّا إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا مَعًا، فَلاَ أَثَرَ لِلْهَلاَكِ عَلَى الْعَقْدِ أَوِ الْخِيَارِ إِنَّمَا تَتَأَثَّرُ تَصْفِيَةُ هَذَا الْعَقْدِ، فَإِنِ اخْتَارَ صَاحِبُ الْخِيَارِ الإْمْضَاءَ فَالْوَاجِبُ هُوَ الثَّمَنُ وَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ فَالْوَاجِبُ رَدُّ الْمِثْلِ أَوِ الْقِيمَةِ بَدَلاً مِنَ الْمَبِيعِ .

 

وَمِثْلُ الْهَلاَكِ النُّقْصَانُ بِالتَّعَيُّبِ بِمَا لاَ يَحْتَمِلُ الاِرْتِفَاعَ أَوْ لاَ يُرْجَى زَوَالُهُ مَهْمَا كَانَ قَدْرُهُ أَوْ فَاعِلُهُ، لإِخْلاَلِ النُّقْصَانِ بِشَرْطِ رَدِّ الْمَبِيعِ كَمَا قُبِضَ. أَمَّا لَوْ كَانَ يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمَرَضِ فَالْخِيَارُ بَاقٍ وَلاَ يُرَدُّ حَتَّى يَبْرَأَ فِي الْمُدَّةِ فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَبْرَأْ لَزِمَ الْبَيْعُ.

43 - وَإِنْ كَانَ التَّغَيُّرُ بِالزِّيَادَةِ: إِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّهَا لاَ أَثَرَ لَهَا فِي سُقُوطِ الْخِيَارِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَلاَ أَثَرَ لَهَا أَيْضًا عِنْدَ الْجُمْهُورِ مَهْمَا كَانَ نَوْعُهَا وَكَذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ فِي الزِّيَادَةِ الْمُتَّصِلَةِ، أَوِ الْمُنْفَصِلَةِ غَيْرِ الْمُتَوَلِّدَةِ، أَمَّا الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنَ الأْصْلِ فَإِنَّهَا تُسْقِطُ الْخِيَارَ لِتَعَذُّرِ وُرُودِ الْفَسْخِ عَلَيْهَا، لأِنَّ هَا غَيْرُ مَبِيعٍ، فَالرَّدُّ بِدُونِهَا مُؤَدٍّ لِشُبْهَةِ الرِّبَا، وَإِنْ رَدَّهَا مَعَ الأْصْلِ كَانَ رِبْحَ مَا لَمْ يُضْمَنْ .

د - إِمْضَاءُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ

44 - إِذَا تَعَاقَدَ شَرِيكَانِ مَعَ آخَرَ عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا دُونَ الآْخَرِ سَقَطَ الْخِيَارُ بِالنِّسْبَةِ لَهُمَا جَمِيعًا وَلَزِمَ الْعَقْدُ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، بِحَيْثُ لاَ يَمْلِكُ الشَّرِيكُ الآْخَرُ الْفَسْخَ، أَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ فَالْخِيَارُ لاَ يَسْقُطُ عَمَّنْ لَمْ يُجِزِ الْعَقْدَ بَلْ يَبْقَى خِيَارُهُ عَلَى حَالِهِ .

وَلَمْ نَجِدْ لِغَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ كَلاَمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

هـ - مَوْتُ صَاحِبِ الْخِيَارِ

45 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى سُقُوطِ الْخِيَارِ بِمَوْتِ صَاحِبِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي، وَسَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبُ الْخِيَارِ أَصِيلاً أَمْ نَائِبًا (وَكِيلاً، أَوْ وَصِيًّا، أَوْ وَلِيًّا) فَبِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يَسْقُطُ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى بَقَاءِ الْخِيَارِ لِلْوَرَثَةِ، فَمَوْتُ صَاحِبِ الْخِيَارِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ لَيْسَ مُسْقِطًا، بَلْ هُوَ نَاقِلٌ فَقَطْ.

أَمَّا وَفَاةُ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فَلاَ يَسْقُطُ بِهَا الْخِيَارُ، بَلْ يَبْقَى الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ وَيَكُونُ رَدُّهُ إِنْ شَاءَ الرَّدَّ فِي مُوَاجِهَةِ الْوَرَثَةِ، قَالَ السَّرَخْسِيُّ: وَأَجْمَعُوا (أَيِ الْحَنَفِيَّةُ) أَنَّهُ إِذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ الْخِيَارُ فَإِنَّ الْخِيَارَ بَاقٍ .

انْتِهَاءُ الْخِيَارِ:

46 - يَنْتَهِي خِيَارُ الشَّرْطِ بِأَحَدِ سَبَبَيْنِ:

الأْوَّلُ: إِمْضَاءُ الْعَقْدِ بِإِجَازَتِهِ أَوْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ دُونَ فَسْخٍ،

وَالثَّانِي: فَسْخُ الْعَقْدِ.

السَّبَبُ الأْوَّلُ: إِمْضَاءُ الْعَقْدِ بِالإْجَازَةِ أَوْ بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ دُونَ فَسْخٍ:

47 - يَنْتَهِي الْخِيَارُ بِإِمْضَاءِ الْعَقْدِ، وَيَكُونُ ذَلِكَ إِمَّا بِإِجَازَتِهِ، وَإِمَّا بِمُضِيِّ مُدَّةِ الْخِيَارِ.

إِمْضَاءُ الْعَقْدِ بِالإْجَازَةِ:

48 - إِمْضَاءُ الْعَقْدِ بِالإْجَازَةِ يُنْهِي الْخِيَارَ بِالاِتِّفَاقِ، لأِنَّ  الأْصْلَ  فِي الْعَقْدِ اللُّزُومُ وَالاِمْتِنَاعُ يُعَارِضُ الْخِيَارَ وَقَدْ بَطَلَ بِالإْجَازَةِ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ .

أَنْوَاعُ الإْجَازَةِ:

49 - قَسَّمَ الْحَنَفِيَّةُ الإْجَازَةَ إِلَى نَوْعَيْنِ: صَرِيحٍ أَوْ شِبْهِ الصَّرِيحِ، وَدَلاَلَةٍ.

فَالصَّرِيحُ، بِالنِّسْبَةِ لِلْبَائِعِ، أَنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ الْعَقْدَ - أَوِ الْبَيْعَ مَثَلاً - أَوْ أَمْضَيْتُهُ أَوْ أَوْجَبْتُهُ، أَوْ أَلْزَمْتُهُ، أَوْ رَضِيتُهُ، أَوْ أَسْقَطْتُ الْخِيَارَ، أَوْ أَبْطَلْتُهُ. وَشِبْهُ الصَّرِيحِ مَا يَجْرِي مَجْرَى ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَعَلِمَ الْمُشْتَرِي الإِْجَازَةَ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ . وَذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ صَاحِبَ الْخِيَارِ لَوْ قَالَ: هَوِيتُ أَخْذَهُ، أَوْ أَحْبَبْتُ، أَوْ أَعْجَبَنِي، أَوْ وَافَقَنِي لاَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ .

أَمَّا الدَّلاَلَةُ فَهِيَ أَنْ يَتَصَرَّفَ صَاحِبُ الْخِيَارِ فِي مَحَلِّ الْخِيَارِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ، كَالْبَيْعِ، وَالْمُسَاوَمَةِ، وَالإْجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ، سَلَّمَ أَوْ لَمْ يُسَلِّمْ. لأِنَّ  جَوَازَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، فَالإْقْدَامُ عَلَيْهَا يَكُونُ دَلِيلَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ، أَوْ تَقَرُّرِ الْمِلْكِ - عَلَى اخْتِلاَفِ الأْصْلَ يْنِ - وَذَلِكَ دَلِيلُ الإْمْضَاءِ  . هَذَا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَإِذَا كَانَ لِلْبَائِعِ فَالدَّلاَلَةُ عَلَى الإْمْضَاءِ  فِي حَقِّهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِهِ بِالْبَيْعِ أَوْ نَحْوِهِ، إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ.

هَذَا وَلاَ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْمَحَلِّ لِلإْجَازَةِ، ذَلِكَ أَنَّهُ فِي الإْجَازَةِ يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ الْمَحْضِ، وَلَيْسَ الإْنْشَاءِ، فَبِالإْجَازَةِ يَظْهَرُ أَنَّ الْعَقْدَ مِنْ وَقْتِ وُجُودِهِ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْحُكْمِ، وَالْمَحَلُّ كَانَ قَابِلاً وَقْتَ الْعَقْدِ فَهَلاَكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَمْنَعُ الإْجَازَةَ .

كَمَا لاَ يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْعَاقِدِ الآْخَرِ بِالإْجَازَةِ . فَلَوْ أَجَازَ الْعَقْدَ فَإِنَّهُ لاَزِمٌ مُنْذُ الإْجَازَةِ سَوَاءٌ أَبْلَغَ الْعَاقِدُ الآْخَرَ ذَلِكَ أَمْ لاَ.

وَنَحْوُ هَذَا التَّقْسِيمِ جَاءَ فِي الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى .

إِنْهَاءُ الْخِيَارِ بِعِوَضٍ:

50 - جَاءَ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ أَنَّهُ لَوْ صَالَحَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ صَاحِبَ الْخِيَارِ عَلَى دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ، أَوْ عَلَى عَرَضٍ بِعَيْنِهِ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْخِيَارَ وَيُمْضِيَ الْبَيْعَ جَازَ ذَلِكَ وَيَكُونُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ. وَكَذَا لَوْ كَانَ صَاحِبُ الْخِيَارِ هُوَ الْمُشْتَرِي فَصَالَحَهُ الْبَائِعُ عَلَى أَنْ يُسْقِطَ الْخِيَارَ فَيَحُطَّ عَنْهُ مِنَ الثَّمَنِ كَذَا أَوْ يَزِيدَهُ هَذَا الْعَرَضَ بِعَيْنِهِ فِي الْبَيْعِ جَازَ ذَلِكَ أَيْضًا .

ثَانِيًا - انْتِهَاءُ الْخِيَارِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ:

51 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ - فِي الْجُمْلَةِ - عَلَى أَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ يَنْتَهِي بِهِ خِيَارُ الشَّرْطِ، ذَلِكَ لأِنَّهُ خِيَارٌ مُؤَقَّتٌ بِمُدَّةٍ (سَوَاءٌ أَكَانَتْ بِتَحْدِيدِ الْعَاقِدِ، أَمْ بِتَقْدِيرِ الشَّارِعِ فِي حَالِ الإْطْلاَقِ)، فَإِذَا انْقَضَتِ الْمُدَّةُ الَّتِي وُقِّتَ بِهَا الْخِيَارُ فَمِنَ الْبَدَهِيِّ أَنْ يَنْتَهِيَ بِمُضِيِّهَا «لأِنَّ  الْمُؤَقَّتَ إِلَى غَايَةٍ يَنْتَهِي عِنْدَ وُجُودِ الْغَايَةِ» . وَاشْتِرَاطُ الْخِيَارِ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ مَنَعَ مِنْ لُزُومِ الْعَقْدِ تِلْكَ الْمُدَّةَ - وَالأْصْلُ هُوَ اللُّزُومُ - فَبِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ يَثْبُتُ مُوجِبُ الْعَقْدِ، وَتَرْكُ صَاحِبِ الْخِيَارِ الْفَسْخَ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْمُدَّةُ رِضًا مِنْهُ بِالْعَقْدِ.

عَلَى ذَلِكَ تَوَارَدَتْ نُصُوصُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، خِلاَفًا لِلْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنْهُمْ .

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ قَائِلُونَ بِأَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ يُنْهِي الْخِيَارَ، غَيْرَ أَنَّ لَهُمُ اتِّجَاهًا خَاصًّا فِيمَا يُنْتَجُ عَنْ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَإِذَا كَانَ الْحَالُ عِنْدَ غَيْرِهِمُ اعْتِبَارَهُ إِمْضَاءً لِلْعَقْدِ مِنْ صَاحِبِ الْخِيَارِ كَائِنًا مَنْ كَانَ، فَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ انْتِهَاءٌ لِلْخِيَارِ وَلَيْسَ إِمْضَاءً لِلْعَقْدِ إِلاَّ حَيْثُ تَنْقَضِي الْمُدَّةُ، وَالْمَبِيعُ بِيَدِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ، فَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي (مَثَلاً) كَانَ تَرْكُ الْمَبِيعِ فِي يَدِهِ بِمَثَابَةِ الإْمْضَاءِ  وَلُزُومِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ وَانْقَضَى الأْمَدُ - وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ - فَذَلِكَ بِمَثَابَةِ الْفَسْخِ مِنَ الْبَائِعِ. هَذَا مِنْ حَيْثُ أَدَاؤُهُ إِلَى إِمْضَاءِ الْعَقْدِ. أَمَّا اعْتِبَارُ مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَسْخًا أَوْ إِجَازَةً فَيُنْظَرُ إِلَى مَنْ يَنْقَضِي زَمَنُ الْخِيَارِ وَالْمَبِيعُ بِيَدِهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ صَاحِبَ الْخِيَارِ أَمْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْبَائِعِ آنَئِذٍ فَهُوَ فَسْخٌ، وَإِنْ كَانَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي فَهُوَ إِمْضَاءٌ، قَالَ الدُّسُوقِيُّ: يَلْزَمُ الْمَبِيعُ بِالْخِيَارِ مَنْ هُوَ بِيَدِهِ مِنْهُمَا كَانَ صَاحِبَ الْخِيَارِ أَوْ غَيْرَهُ بِانْقِضَاءِ زَمَنِ الْخِيَارِ وَمَا أُلْحِقَ بِهِ وَهُوَ الْيَوْمُ وَالْيَوْمَانِ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ تَفْصِيلاَتٌ تُنْظَرُ فِي كُتُبِهِمْ .

السَّبَبُ الثَّانِي: انْتِهَاءُ الْخِيَارِ بِفَسْخِ الْعَقْدِ

52 - يَنْقَسِمُ الْفَسْخُ إِلَى صَرِيحٍ وَدَلاَلَةٍ، أَوْ بِنَظْرَةٍ أُخْرَى إِلَى فَسْخٍ قَوْلِيٍّ، وَفَسْخٍ فِعْلِيٍّ، فَالْفَسْخُ الْقَوْلِيُّ أَوِ الصَّرِيحُ يَقَعُ بِمِثْلِ قَوْلِهِ: فَسَخْتُ الْبَيْعَ، أَوِ اسْتَرْجَعْتُ الْمَبِيعَ، أَوْ رَدَدْتُهُ، أَوْ رَدَدْتُ الثَّمَنَ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَكُلُّ هَذَا فَسْخٌ صَرِيحٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ: لاَ أَبِيعُ حَتَّى تَزِيدَ فِي الثَّمَنِ، مَعَ قَوْلِ الْمُشْتَرِي لاَ أَفْعَلُ، وَكَذَلِكَ مِنْهُ عَكْسُ هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنْ يَقُولَ الْمُشْتَرِي: لاَ أَشْتَرِي حَتَّى يُنْقِصَ عَنِّي مِنَ الثَّمَنِ، عَلَى قَوْلِ الْبَائِعِ لاَ أَفْعَلُ. وَكَذَا مِنْهُ طَلَبُ الْبَائِعِ حُلُولَ الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، وَطَلَبُ الْمُشْتَرِي تَأْجِيلَ الثَّمَنِ الْحَالِّ فَكُلُّ هَذَا فَسْخٌ .

وَصُورَةُ الْفَسْخِ دَلاَلَةً - وَيُسَمَّى الْفَسْخَ الْفِعْلِيَّ - (أَوِ الْفَسْخَ بِالْفِعْلِ كَمَا سَمَّاهُ ابْنُ الْهُمَامِ):

 أَنْ يَتَصَرَّفَ صَاحِبُ الْخِيَارِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ فِي الْمَبِيعِ. هَذَا إِذَا كَانَ صَاحِبُ الْخِيَارِ هُوَ الْبَائِعُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُشْتَرِي فَبِأَنْ يَتَصَرَّفَ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ فِي الثَّمَنِ، شَرِيطَةَ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ عَيْنًا. أَمَّا إِنْ كَانَ دَيْنًا فَلاَ يُتَصَوَّرُ الْفَسْخُ دَلاَلَةً فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَلِذَلِكَ أَغْفَلَهُ ابْنُ الْهُمَامِ مُقْتَصِرًا عَلَى تَصْوِيرِهِ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي، لأِنَّهُ لَوْ تَصَرَّفَ الْبَائِعُ فِي الثَّمَنِ - وَهُوَ دَيْنٌ - يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِهِ الْخَاصِّ لاَ فِي الثَّمَنِ «لأِنَّ  الأْثْمَانَ لاَ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ» .

وَالسَّبَبُ فِي الاِعْتِدَادِ بِالتَّصَرُّفِ كَالْمُلاَّكِ فِي إِسْقَاطِ الْخِيَارِ أَنَّ الْخِيَارَ إِذَا كَانَ لِلْبَائِعِ فَتَصَرُّفُهُ فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ دَلِيلُ اسْتِبْقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ. إِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَتَصَرُّفُهُ تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ فِي الثَّمَنِ إِذَا كَانَ عَيْنًا دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى اسْتِبْقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ. وَاسْتِبْقَاءُ مِلْكِ كُلٍّ مِنْهُمَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْفَسْخِ، فَالإْقْدَامُ عَلَى التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ يَكُونُ فَسْخًا لِلْعَقْدِ دَلاَلَةً، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ، وَمِنْ قَبْلِهِ الْكَاسَانِيُّ: «وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا وُجِدَ مِنَ الْبَائِعِ فِي الْمَبِيعِ لَوْ وُجِدَ مِنْهُ فِي الثَّمَنِ لَكَانَ إِجَازَةً لِلْبَيْعِ: يَكُونُ فَسْخًا لِلْبَيْعِ دَلاَلَةً».

 

وَالْفَسْخُ دَلاَلَةً مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الآْخَرِ بِهِ، أَمَّا فِي الْفَسْخِ الصَّرِيحِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَفِيهِ خِلاَفٌ بَيْنَ الْحَنَفِيَّةِ .

ثُمَّ إِنَّ لِلْفَسْخِ دَلاَلَةً بَعْدَ هَذَا الضَّابِطِ تَفَارِيعَ مِنْهَا:

- أَكْلُ الْمَبِيعِ وَشُرْبُهُ وَلُبْسُهُ، يُسْقِطُ الْخِيَارَ. وَفِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ: إِذَا لَبِسَهُ مَرَّةً لاَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ.

- النَّسْخُ مِنَ الْكِتَابِ، لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ، لاَ يُسْقِطُ الْخِيَارَ، وَلَوْ دَرَسَ فِيهِ يَسْقُطُ.

- رُكُوبُ الدَّابَّةِ لِيَسْقِيَهَا، أَوْ يَرُدَّهَا، وَيَعْلِفَهَا، إِجَازَةٌ. وَقِيلَ: إِنْ كَانَ لاَ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِدُونِ الرُّكُوبِ لاَ يَكُونُ إِجَازَةً. وَأَطْلَقَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوِيهِ أَنَّهُ لاَ يَبْطُلُ خِيَارُهُ فَقَالَ: وَرُكُوبُهَا لِيَسْقِيَهَا أَوْ يَرُدَّهَا عَلَى الْبَائِعِ لاَ يُبْطِلُ خِيَارَهُ اسْتِحْسَانًا، فَجَعَلَهُ مِنَ الاِسْتِحْسَانِ.

- بَيْعُ مَحَلِّ الْخِيَارِ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ هِبَتُهُ أَوْ رَهْنُهُ - مَعَ التَّسْلِيمِ - مُسْقِطٌ لِلْخِيَارِ، أَمَّا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ رَهَنَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْ لاَ يَنْفَسِخُ.

- إِيجَارُ مَحَلِّ الْخِيَارِ فَسْخٌ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ، وَقِيلَ: لَيْسَ فَسْخًا مَا لَمْ يُسَلِّمْ.

- تَسْلِيمُ مَحَلِّ الْخِيَارِ إِلَى الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَفَرَّقَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْفَضْلِ بَيْنَ التَّسْلِيمِ عَلَى وَجْهِ الاِخْتِيَارِ فَلاَ يُبْطِلُ خِيَارَهُ وَلاَ يَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي، وَالتَّسْلِيمُ عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ فَيَبْطُلُ خِيَارُهُ.

قَالَ الزَّيْلَعِيُّ: وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لاَ يَحِلُّ إِلاَّ فِي الْمِلْكِ، وَكَذَا كُلُّ تَصَرُّفٍ لاَ يَنْفُذُ إِلاَّ فِي الْمِلْكِ كَالْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ .

شَرَائِطُ الْفَسْخِ:

53 - يُشْتَرَطُ لاِعْتِبَارِ الْفَسْخِ نَافِذًا الشَّرَائِطُ التَّالِيَةُ:

1 - قِيَامُ الْخِيَارِ، لأِنَّ  الْخِيَارَ إِذَا زَالَ، بِالسُّقُوطِ مَثَلاً، يَلْزَمُ الْعَقْدُ، فَلاَ أَثَرَ لِلْفَسْخِ حِينَئِذٍ.

2 - عِلْمُ الْعَاقِدِ الآْخَرِ بِالْفَسْخِ، وَيُعَبَّرُ عَنْهُ فِي بَعْضِ الْمَرَاجِعِ الْفِقْهِيَّةِ بِعِبَارَةِ الْفَسْخِ بِحَضْرَةِ الْعَاقِدِ، وَعَكْسُهُ الْفَسْخُ فِي غَيْبَتِهِ، وَالْمُرَادُ مِنَ الْحَضْرَةِ، الْعِلْمُ لاَ الْحُضُورُ، وَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَإِنْ جَرَى الْفَسْخُ مِنْ صَاحِبِ الْخِيَارِ دُونَ عِلْمِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ فَالْفَسْخُ مَوْقُوفٌ: إِنْ عَلِمَ بِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ نَفَذَ، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ حَتَّى مَضَتِ الْمُدَّةُ لَزِمَ الْعَقْدُ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ ذَلِكَ الْفَسْخِ. وَفِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ - حَيْثُ يُعْتَبَرُ مَوْقُوفًا - لَوْ عَادَ الْعَاقِدُ عَنْ فَسْخِهِ فَأَمْضَى الْعَقْدَ قَبْلَ عِلْمِ الآْخَرِ فَذَلِكَ مِنْهُ مُعْتَبَرٌ فَيَلْزَمُ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ فَسْخُهُ السَّابِقُ.

أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَقَدْ نُقِلَتْ عَنْهُ أَقْوَالٌ ثَلاَثَةٌ: الأْوَّلُ مِثْلُ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَدْ رَجَعَ عَنْهُ، وَقَوْلٌ آخَرُ لَهُ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ، وَقَوْلٌ ثَالِثٌ بِالنَّظَرِ إِلَى صَاحِبِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْبَائِعُ فَلاَ يُشْتَرَطُ بَلْ يَقْتَصِرُ اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ فِي خِيَارِ الْمُشْتَرِي لَكِنَّ الْقَوْلَ الْمَشْهُورَ عَنْهُ عَدَمُ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ بِالْفَسْخِ وَرَجَّحَ ابْنُ الْهُمَامِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ هَذَا، وَبَيَّنَ أَنَّ الْفَسْخَ بِالْقَوْلِ هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْخِلاَفُ فِي جَوَازِهِ بِغَيْرِ عِلْمِ الآْخَرِ، وَأَمَّا الْفَسْخُ بِالْفِعْلِ فَيَجُوزُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ اتِّفَاقًا بَيْنَ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ .

وَعَدَمُ اشْتِرَاطِ عِلْمِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ بِالْفَسْخِ هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَالرِّوَايَاتُ السَّابِقَةُ لِبَعْضِ أَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، عَلَى مَا ذَكَرَ الطَّبَرِيُّ .

وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْفَاسِخَ مِنْهَا مُسَلَّطٌ عَلَى الْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ صَاحِبِهِ الَّذِي لاَ خِيَارَ لَهُ فَلاَ يَتَوَقَّفُ فَسْخُهُ عَلَى عِلْمِهِ، فَهُوَ كَبَيْعِ الْوَكِيلِ مَعَ عَدَمِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَهُوَ جَائِزٌ، فَلاَ يُشْتَرَطُ الرِّضَا هُنَا وَلاَ هُنَاكَ، وَلِهَذَا نَظَائِرُ، مِنْهَا: أَنَّ الْفَسْخَ كَالإْجَازَةِ فِي هَذَا، لأِنَّهُمَا شَقِيقَانِ كِلاَهُمَا لاِسْتِعْمَالِ الْخِيَارِ فَهُوَ - كَمَا قَالَ الْبَابَرْتِيُّ – قِيَاسٌ لأِحَدِ شِطْرَيِ الْعَقْدِ عَلَى الآْخَرِ .

3 - أَنْ لاَ يَنْشَأَ عَنِ الْفَسْخِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، أَيْ أَنْ يَقَعَ الْفَسْخُ عَلَى جَمِيعِ الصَّفْقَةِ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْضِيَ الْعَقْدَ فِي بَعْضِ الصَّفْقَةِ وَيَفْسَخَ فِي بَعْضِهَا الآْخَرِ، لأِنَّ  ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ.

وَمِثْلُ ذَلِكَ يُقَالُ فِي الإْجَازَةِ فِي الْبَعْضِ، فَيَنْشَأُ عَنْهُ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ فِي اللُّزُومِ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا.

وَالْمَالِكِيَّةُ يُجْبِرُونَ الْعَاقِدَ عَلَى رَدِّ الْجَمِيعِ إِنْ أَجَازَ الْعَقْدَ فِي الْبَعْضِ وَرَدَّ الْبَعْضَ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ الْعَاقِدُ الشَّرِكَةَ، وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَرَادَ الْفَسْخَ فِي أَحَدِ الشَّيْئَيْنِ اللَّذَيْنِ فِيهِمَا الْخِيَارُ فَالأْصَحُّ لاَ يَجُوزُ لِتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، أَمَّا لَوِ اشْتَرَى اثْنَانِ شَيْئًا مِنْ وَاحِدٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَلأِحَدِهِمَا الْفَسْخُ فِي نَصِيبِهِ .

الأْدِلَّةُ: لِكُلٍّ مِنَ الْقَائِلِينَ بِاشْتِرَاطِ عِلْمِ الْعَاقِدِ الآْخَرِ أَوْ عَدَمِ اشْتِرَاطِهِ أَدِلَّةٌ تَدُورُ بَيْنَ وُجُوهٍ مِنَ الْمَعْقُولِ وَالاِسْتِشْهَادِ بِالنَّظَائِرِ الْفِقْهِيَّةِ.

انْتِقَالُ خِيَارِ الشَّرْطِ:

أَوَّلاً - انْتِقَالُ الْخِيَارِ بِالْمَوْتِ:

54 - ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ الْمَوْرُوثِ، وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهًا بِإِرْثِ خِيَارِ الشَّرْطِ مُطْلَقًا.

وَقَدْ عَلَّلَ الْقَائِلُونَ بِانْتِقَالِ الْخِيَارِ لِلْوَارِثِ بِاعْتِبَارِ الْخِيَارِ مِنْ مُشْتَمِلاَتِ التَّرِكَةِ؛ لأِنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لإِصْلاَحِ الْمَالِ، كَالرَّهْنِ وَحَبْسِ الْمَبِيعِ عَلَى تَحْصِيلِ الثَّمَنِ. وَاسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ مِنَ السُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ. فَمِنَ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم : «مَنْ تَرَكَ مَالاً أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» ،، وَخِيَارُ الشَّرْطِ حَقٌّ لِلْمَوْرُوثِ فَيَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِهِ كَمَا يَقْضِي الْحَدِيثُ.

ثُمَّ قَاسُوا خِيَارَ الشَّرْطِ عَلَى خِيَارَيِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ الْمُتَّفَقِ عَلَى انْتِقَالِهِمَا لِلْوَارِثِ بِالْمَوْتِ، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْ تِلْكَ الْخِيَارَاتِ يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ فَيَنْتَقِلُ إِلَى الْوَارِثِ بِمُجَرَّدِ انْتِقَالِهَا.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ لاَ يُورَثُ، وَمِنْ عِبَارَاتِهِمْ فِي تَقْرِيرِ ذَلِكَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ: الْخِيَارُ صِفَةٌ لِلْمَيِّتِ، لأِنَّهُ لَيْسَ هُوَ إِلاَّ مَشِيئَةً وَإِرَادَةً فَلاَ يَنْتَقِلُ عَنْهُ كَسَائِرِ أَوْصَافِهِ.

 

وَاسْتَدَلُّوا لِمَذْهَبِهِمْ بِأَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ بِخِيَارِ الشَّرْطِ لاَ يَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ فَلَمْ يُورَثْ، نَظِيرُ حَقِّ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِذَا مَاتَ الْوَاهِبُ لَمْ يُورَثْ عَنْهُ. وَقَالُوا أَيْضًا: خِيَارُ الشَّرْطِ لَيْسَ وَصْفًا بِالْمَبِيعِ حَتَّى يُورَثَ بِإِرْثِهِ وَإِنَّمَا هُوَ مَشِيئَةٌ وَإِرَادَةٌ، فَهُوَ وَصْفٌ قَائِمٌ بِشَخْصِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ فَلاَ يُورَثُ عَنْهُ، لأِنَّ  الإْرْثَ يَجْرِي فِيمَا يُمْكِنُ نَقْلُهُ، وَالْوَصْفُ الشَّخْصِيُّ لاَ يَقْبَلُ النَّقْلَ بِحَالٍ .

وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَحْدَهُمْ إِلَى التَّفْصِيلِ بَيْنَ مُطَالَبَةِ الْمَيِّتِ بِالْخِيَارِ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ عَدَمِ الْمُطَالَبَةِ، فَإِنْ مَاتَ صَاحِبُ الْخِيَارِ دُونَ أَنْ يُطَالِبَ بِحَقِّهِ فِي الْخِيَارِ، بَطَلَ الْخِيَارُ وَلَمْ يُورَثْ، أَمَّا إِنْ طَالَبَ بِذَلِكَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يُورَثُ عَنْهُ. فَالأْصْلُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ غَيْرُ مَوْرُوثٍ إِلاَّ بِالْمُطَالَبَةِ مِنَ الْمُشْتَرِطِ .

وَقَدْ صَوَّرَهُ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ بِأَنَّهُ نَقْلٌ، وَتَوْرِيثٌ مِنَ الْمُوَرِّثِ لِوَرَثَتِهِ بِإِرَادَاتِهِ، حَيْثُ جَاءَ فِي الْفَوَاكِهِ الْعَدِيدَةِ قَوْلُ الْفَقِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ذَهْلاَنَ - شَيْخِ الْمُؤَلِّفِ -: «إِذَا مَاتَ وَوَرِثَ خِيَارَهُ وَرَثَتُهُ، لِشَرْطِهِ لَهُمْ فَأَسْقَطَهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ سَقَطَ خِيَارُ الْجَمِيعِ» . وَقَدْ جَاءَتْ تِلْكَ الْعِبَارَةُ إِيضَاحًا وَتَقْيِيدًا لِعِبَارَةِ أَحَدِ الْكُتُبِ الَّتِي جَاءَتْ مُوهِمَةً أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يُورَثُ مُطْلَقًا، وَلَيْسَ الأْمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ لِذَلِكَ مُطَالَبَةُ الْمُوَرِّثِ بِحَقِّ الْخِيَارِ.

وَأَمَّا ابْنُ قُدَامَةَ فَقَالَ: الْمَذْهَبُ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ مِنْهُمَا يَبْطُلُ بِمَوْتِهِ، وَيَبْقَى خِيَارُ الآْخَرِ بِحَالِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ قَدْ طَالَبَ بِالْفَسْخِ قَبْلَ مَوْتِهِ فِيهِ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ .

ثَانِيًا: انْتِقَالُ الْخِيَارِ بِالْجُنُونِ وَحَالاَتِ الْغَيْبُوبَةِ:

55 - سَبَقَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّ الْجُنُونَ يُسْقِطُ الْخِيَارَ عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي (فِقْرَةِ 41 )

وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَلاَ فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ إِذَا طَرَأَ الْجُنُونُ - أَوِ الإْغْمَاءُ - عَلَى صَاحِبِ الْخِيَارِ لَمْ يَنْقَطِعْ خِيَارُهُ، بَلْ يَقُومُ وَلِيُّهُ أَوِ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فَيَفْعَلُ مَا فِيهِ الأْحَظُّ مِنَ الْفَسْخِ وَالإْجَازَةِ وَكَذَلِكَ إِذَا أَصَابَهُ خَرَسٌ - وَلَمْ تَكُنْ لَهُ إِشَارَةٌ مَفْهُومَةٌ أَوْ كِتَابَةٌ - نَصَّبَ الْحَاكِمُ نَائِبًا عَنْهُ .

وَلَمْ نَجِدْ لِلْحَنَابِلَةِ كَلاَمًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.

أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْجُنُونِ وَالإْغْمَاءِ:

أ - فَفِي الْجُنُونِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لاَ يَفِيقُ، أَوْ يَفِيقُ بَعْدَ وَقْتٍ طَوِيلٍ يَضُرُّ الاِنْتِظَارُ إِلَيْهِ بِالْعَاقِدِ الآْخَرِ، يَنْظُرُ السُّلْطَانُ أَوْ نُوَّابُهُ فِي الأْصْلَ حِ لَهُ مِنْ إِمْضَاءٍ أَوْ رَدٍّ، وَلَوْ لَمْ يَنْظُرِ السُّلْطَانُ حَتَّى مَضَى جُزْءٌ مِنَ الْمُدَّةِ فَزَالَ الْجُنُونُ يُحْتَسَبُ مَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ عَلَى الظَّاهِرِ، وَلَوْ لَمْ يُنْظَرْ حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ أَمَدِ الْخِيَارِ لاَ يُسْتَأْنَفُ لَهُ أَجَلٌ عَلَى الظَّاهِرِ، وَالْمَبِيعُ لاَزِمٌ لِمَنْ هُوَ بِيَدِهِ. وَمِثْلُ الْمَجْنُونِ - فِي الْحُكْمِ - الْمَفْقُودُ، عَلَى الرَّاجِحِ، وَقِيلَ: هُوَ كَالْمُغْمَى عَلَيْهِ.

ب - وَفِي الإْغْمَاءِ يُنْتَظَرُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ لِكَيْ يَفِيقَ وَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ، إِلاَّ إِذَا مَضَى زَمَنُ الْخِيَارِ وَطَالَ إِغْمَاؤُهُ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ الضَّرَرُ لِلآْخَرِ فَيُفْسَخُ. وَلاَ يَنْظُرُ لَهُ السُّلْطَانُ.

فَإِنْ لَمْ يَفْسَخْ حَتَّى أَفَاقَ بَعْدَ أَيَّامِ الْخِيَارِ اسْتُؤْنِفَ لَهُ الأْجَلُ، وَهَذَا الْحُكْمُ خِلاَفُ مَا مَرَّ فِي الْمَجْنُونِ .

هَذَا وَقَدْ يَزُولُ الطَّارِئُ الَّذِي نُقِلَ الْخِيَارُ بِسَبَبِهِ مِنْ صَاحِبِهِ إِلَى غَيْرِهِ، كَالْجُنُونِ النَّاقِلِ لِلْخِيَارِ إِلَى السُّلْطَانِ، لَوْ أَفَاقَ بَعْدَهُ لاَ عِبْرَةَ بِمَا يَخْتَارُهُ بَلِ الْمُعْتَبَرُ بِمَا نَظَرَهُ السُّلْطَانُ.

هَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ، وَخَالَفَهُمْ فِيهِ الشَّافِعِيَّةُ، فَفِي هَذِهِ الْحَالِ: لَوْ أَفَاقَ الْعَاقِدُ وَادَّعَى أَنَّ الْغِبْطَةَ خِلاَفُ مَا فَعَلَهُ الْقَيِّمُ عَنْهُ يَنْظُرُ الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدَ الأْمْرَ كَمَا يَقُولُ الْمُفِيقُ مَكَّنَهُ مِنَ الْفَسْخِ وَالإْجَازَةِ وَنَقَضَ فِعْلَ الْقَيِّمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا ادَّعَاهُ الْمُفِيقُ ظَاهِرًا، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَيِّمِ مَعَ يَمِينِهِ، لأِنَّهُ أَمِينٌ فِيمَا فَعَلَهُ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ الْمُفِيقُ بَيِّنَةً بِمَا ادَّعَاهُ .

 

_________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

 

هذا النص مستحدث . وهو يطابق في حكمه المادة ۱۳۱ من التقنين العراقي التي تقول :

1-يجوز أن يقترن العقد بشرط يؤكد مقتضاه او يلائمة او يكون جاريا به العرف والعادة .

۲- كما يجوز أن يقترن بشرط فيه نفع لاحد العاقدين او للغير اذا لم يكن ممنوعا قانونا أو مخالفا للنظام العام أو للآداب والا لنا الشرط وصح العقد ما لم يكن الشرط هو الدافع الى التعاقد فيبطل العقد ايضا .

ويطابق في حكمه ايضا المادة 164 من التقنين الأردني ، وهي تطابق المادة ۱۳۱ من التقنين العراقي .

ويطابق في حكمة المادة 175 من التقنين الكويتي •

والفقه الاسلامی زاخر بالبحث في مدى صحة الشروط التي تقترن - بالعقد . فهناك الشرط الذي يقتضيه العقد، والشرط الذي يلائم العقد ، والشرط الذي يجري به العرف والعادة . وهناك الشرط اللي فيه نفع لاحد العاقدين او للقير . والمذاهب الاسلامية تختلف فيما بينها في مدى صحة هذه الشروط . ويرجع هذا الاهتمام الى الحرص على مبدأ وحدة الصفقة من ناحية ، والى الخشية من شبهة الربا من ناحية اخرى اذا كان الشرط ينطوي على منفعة لا يقابلها وض . ومع ذلك فقد تطور الفقه الإسلامي في هذا الخصوص في مذاهبه المختلفة ولا سيما في المذهبين المالكي والحنبلى . حتى كاد المذهب الحنبلي يبيح الشروط المقترحة بالعقد بصورة عامة ، ما لم تكن مخالفة للنظام العام أو الآداب . وقد ظهر ذلك فيما نصت عليه المادة 131 من التقنين العراقي والمادة 164 من التقنين الأردني السالفتی الذکر .

( انظر في المذهب الحنفی البدائع ج 5 ص 169 - ۱۷۳ وفي المذهب : الشافعي المهذب ج۱ ص 268 وفي المذهب المالكي الحطاب ج4 م ۳۷۳ - 375 . وفي المذهب الحنبلي المغني ج 4 ص 285 - 286 . وانظر عرضا وانيا لكل هذه المذاهب في: عبد الرزاق السنهورى ، مصادر الحق في الفقه الاسلامی ج ۳ ص ۱۱۲ - 195 )

مادة 252)

يعتبر الالتزام غير قائم اذا علق على شرط مستحيل اوشرط مخالفا للنظام العام او للآداب ، سواء كان الشرط واقفا او فاسخا .

هذه المادة تقابل المادة 266 من التقنين الحالي التي تنص على ما يأتي :

١- لا يكون الالتزام قائما اذا علق على شرط غير ممكن أو على شرطی

مخالف للأداب أو النظام العام ، هذا اذا كان الشرط واقفا . أما اذا كان فاسخا فهو نفسه الذي يعتبر غير قائم

٢- ومع ذلك لا يقوم الالتزام الذي علق على شرط فاسخ مخالف للآداب أو النظام العام اذا كان هذا الشرط هو السبب الدفع للالتزام

وقد عدلت هذه المادة بتوحيد الحكم بالنسبة إلى نوعي الشرط . حيث لا يقوم الالتزام ، أذا علق على شرط واقف او فاسخ ، وكان الشرط مستحيلا او مخالفا للنظام العام أو للآداب . ذلك أن الشرط الفاسخ لا يمكن الا أن يكون هو السبب الدافع الى التعاقد ، ما دام قد علق على تحققه فسخ العقد ذاته ، ومن ثم قد تتحقق الصورة التي لا يكون فيها الشرط الفاسخ هو السبب الدافع الى التعاقد ولا وجه الاختلاف الحكم بحسب ما اذا كان هذا الشرط مستحيلا أو كان مخالفا للنظام العام أو للأدب ، ففي الحالين لا يقوم الشرط ولا الالتزام .

قارن المذكرة الايضاحية للمادة المقابلة في المشروع التمهيدي للتقنين الحالي (م386) في مجموعة الأعمال التحضيرية ج۳ ص9

والمادة المقترحة تقابل المادة ۲۸۷ من التقنين العراقي التي تتفق مع المادة 266 من التقنين المصرى الحالى :

و تقابل المادة ۳۲4 من التقنين الكويتي التي تتفق مع المادة 226 من التقنين المصري الحالي .

وتقابل المادة ۳۹۷ من التقنين الأردنی

 و في الفقه الاسلامی نصت المادة ۱۸۹ من المجلة على أن « البيع بشرط ليس فيه نفع لأحد العاقدين يصح والشرط لغو... )

 ونصت المادة ۳۱۹ من مرشد الحيران (وصحتها المادة 225) على ان - التعليق على مستحيل لغو غير معتبر ، : انطر كذلك المواد ۳۲۱ - 326 و 349 - 351 من مرشد الحيران :

مجلة الأحكام العدلية

مادة (189) البيع بشرط ليس فيه نفع لأحد العاقدين

البيع بشرط ليس فيه نفع لأحد العاقدين يصح والشرط لغو. مثلاً بيع الحيوان على ألا يبيعه المشتري لآخر أو على شرط أن يرسله في المرعى صحيح والشرط لغو.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 221)
الشرط هو التزام مستقبل في أمر مستقبل بصيغة مخصومة.
والتعليق هو ترتيب أمر مستقبل على حصول أمر مستقبل مع اقترانه بأداة من أدوات الشرط.

(مادة 223)
العقد المعلق هو ما كان معلقاً بشرط غير كائن أو بحادثة مستقبلة.
والمعلق يتأخر انعقاد سبباً إلى وجود الشرط فعند وجوده ينعقد سبباً مفضياً إلى حكمه.
(مادة 224)
يشترط لصحة التعليق أن يكون مدلول فعل الشرط معدوماً على خطر الوجود لا محققاً ولا مستحيلاً.
(مادة 225)
العقد المعلق على أمر محقق ينجز في الحال إذا كان لبقائه حكم ابتدائه.
والتعليق على مستحيل لغو غير معتبر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
 

مادة (48) :

إذا علق أحد المتعاقدين فسخ البيع على شرط صح البيع و الشرط  .
إيضاح
إذا علق أحد المتعاقدين فسخ البيع على شرط : كأن يقول البائع للمشتری : بعتك داری بكذا، على أن تنقدني الثمن إلى ثلاثة أيام ، أو إلى مدة معلومة ، أو ترهنينه على منه ، وإلا فلا بیع بيننا . صح البيع والشرط بالقبول ، لأن تعليق الفسخ رفع للعقد ، بأمر حدث في مدة خیار ، أشبه شرط خیار ، جاز . وهو قول عمر . وينفسخ البيع إن لم ينقده المشتري الثمن في المدة ، أو برهنه المبيع بثمنه . 
أما لو قال : بعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث فإن لم تفعل فلي الفسخ أو يقول المشتري اشتريت على أن نسائي المبيع إلى ثلاثة ، فإن لم تفعل فلي الفسخ ، كان للمشترط الخيار . 

مادة (49) : 
إذا علق أحد المتعاقدين الفسخ على رد البائع الثمن في وقت محدد ، وكان ذلك حيلة لربح في القرض ، بطل العقد والشرط  .
إيضاح 
إذا كان تعليق الفسخ على رد البائع الثمن، في وقت محدد حيلة للربح في القرض بطل العقد والشرط . كأن باع شيئا ، وقبض ثمنه ، و شرط المشتري عليه إن رد إليه الثمن بعد عام مثلا فلا بيع بينهما، وكان ذلك حيلة منهما للربح فيما دفع للبائع ، بطل العقد سدا للذرائع . 
أما إذا لم يكن ذلك حيلة ، صح البيع والشرط ، بأن يكون المبيع لا ينتفع به إلا بإتلافه .