loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث، الصفحة : 14

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- يظل الالتزام المعلق بالشرط الموقف معدوماً على خطر الوجود، ما بقى التعليق قائماً، بيد أنه لا يكون مجرد أمل للدائن، بل يكون حقاً محتمل الوجود قانوناً.

2 - ويترتب على اعتبار الالتزام المعلق غير مؤكد الوجود ما يأتي  :

 (أ) لا يجوز للدائن أن يباشر بمقتضاه أي إجراء من إجراءات التنفيذ، ولا يجوز له كذلك أن يؤسس عليه دعوى بوليصية، باعتبار هذه الدعوى من مقدمات التنفيذ.  (ب) لا يعتبر وفاء المدين به إختیاراً وفاء بما هو مستحق، بل يعتبر أنه أدى غير المستحق، ويكون له أن يسترد ما أدى تفريعاً على ذلك (ج) لا يبدأ سريان التقادم بالنسبة له، لأنه لا يصبح مستحق الأداء.

وغني عن البيان أن تحقق الشرط وما يترتب عليه، من تأكد وجوب الالتزام، وصيرورته مستحق الأداء، يستتبعان ترتیب نقيض الأحكام التي تقدمت الإشارة إليها، ومن هذا الوقت يجوز أن تباشر إجراءات التنفيذ ( بما في ذلك رفع الدعوى البوليصية) ويمتنع استرداد ما أدى على سبيل الوفاء، ويبدأ سريان التقادم.

3- ويترتب على فكرة بقاء الالتزام معلقاً على خطر الوجود قانوناً، دون أن يكون مجرد أمل من الآمال، نتیجتان : الأولى أن يكون هذا الالتزام محلاً الخلافة العامة، والخلافة الخاصة، من ناحية الدائن والمدين على حد سواء ( أنظر المادة 1179 من التقنين الفرنسي، والمادة 94 من التقنين اللبناني) والثانية أن للدائن أن يتخذ بمقتضاه من الإجراءات ما يكفل له المحافظة على حقه، وهذا أهم أثر يترتب خلال فترة التعليق، ومن أمثلة هذه الإجراءات وضع الأختام، وتحرير قوائم البيان وقوائم الجرد، وقيد الرهون الرسمية، والتدخل في القسمة، ورفع دعاوی تحقيق الخطوط، ووضع الحراسة على الأعيان، ورفع الدعاوى غير المباشرة ( أنظر الفقرة الثانية من المادة 93 من التقنين اللبناني).

الأحكام

1- إذ كان المقرر - وعلى ما جاء بالمذكرة الإيضاحية للمشروع التمهيدي للتقنين المدني - أنه إذا علق الالتزام على أمر تم وقوعه من قبل، ترتب الالتزام منجزاً لا معلقاً ولو كان المتعاقدان على جهل بذلك، فإن تعليق التزام المطعون ضده (البائع) بنقل ملكية الشقة المبيعة إلى (المشتري) الطاعن على تكوين اتحاد ملاك إزاء ما هو ثابت فى الأوراق - ولا يمارى فيه المطعون ضده - من أن شقق العقار المشتمل على الشقة موضوع النزاع تزيد على خمس، وعدد مشتريها يجاوز خمس أشخاص - لا يغير من كونه التزاماً منجزا صالحاً للمطالبة بتنفيذه.

(الطعن رقم 5414 لسنة 63 جلسة 2001/02/13 س 52 ع 1 ص 312 ق 64)

2- النص فى المادة 17 من قانون إيجار الأماكن 136 لسنة 1981 - يدل فى ضوء المناقشات التي دارت فى مجلس الشعب التي أسفرت عن إضافة الفقرة الأخيرة أن المشرع لإعتبارات أفصح عنها تقرير اللجنة المشتركة من الإسكان والشئون الدستورية والتشريعية بقوله "نظراً لوجود وحدات سكنية مؤجرة لغير المصريين غير المقيمين بالبلاد وغير مستغلة , فقد تضمن هذا النص أن تنتهي بقوة القانون عقود التأجير لغير المصريين , بإنتهاء المدة المحددة قانوناً لإقامتهم بالبلاد" . ورتب فى الفقرة الأولى إنهاء تلك العقود , إلا أنه عاد فى الفقرة الأخيرة وبعد مناقشات مستفيضة فعلق تحقق هذا الحكم على شرط واقف هو عدم إقامة زوجة مصرية أو أولاد منها بالعين المؤجرة ... فإن وجد واحد من هؤلاء فلا ينتهي العقد إلا أن تثبت مغادرتهم البلاد نهائياً ولا يستقيم فهم النص إلا باعتبار الفقرة الأخيرة مجرد شرط واقف لتحقق الحكم الوارد بالفقرة الأولى إذ لا يستقيم أن يقال عن عقد انتهى بالفعل ثم أنه مع ذلك يستمر , وعلى ذلك فإن الفهم الصحيح لنص الفقرتين معاً أن ما ورد بالفقرة الأخيرة لا يعدو أن يكون شرطاً واقفاً لإعمال الفقرة الأولى وقد نصت المادة 268 من القانون المدني على أنه "إذا كان الالتزام معلقا على شرط واقف فلا يكون نافذاً إلا إذا تحقق الشرط , أما قبل تحقق الشرط فلا يكون الالتزام قابلاً للتنفيذ القهري ولا للتنفيذ الاختياري " ومن المقرر أن من حق المدعى عليه أن يدفع الدعوى بكل ما من شأنه ألا يحكم للمدعى بطلباته , ومن ذلك عدم تحقق الشرط الواقف لقيام التزامه بالإخلاء ولا جدال فى أن للمستأجر الأجنبي مصلحة شخصية ومباشرة فى سكنى زوجته وأبنائه الملزم بسكناهم وفى الإفادة من العين المؤجرة بالإقامة فيها معهم تبعاً لحقهم .

(الطعن رقم 2394 لسنة 64 جلسة 2000/05/02 س 51 ع 2 ص 640 ق 117)

3- الشرط باعتباره وصفاً يرد على العنصر الأول، أى الرابطة القانونية التى تربط المدين بالدائن، فيعدل من أثرها ، فيجعل نفاذ الالتزام معلقاً على تحققه فيكون شرطاً واقفاً فى الأولى وفاسخاً فى الثانية، ومن ثم فهو تصرف قانونى إما مصدره العقد أو الإدارة المنفردة، فيخضع فى إثباته إلى القواعد العامة فى إثبات التصرفات القانونية المدنية ومنها ما ورد فى المادة 61 بند "أ" من قانون الإثبات من عدم جواز ما يخالف الثابت بالكتابة أوما يجاوزها إلا بالكتابة.

(الطعن رقم 185 لسنة 68 جلسة 1999/04/18 س 50 ع 1 ص 512 ق 101)

4- الشرط الواقف من شأنه أن يوقف نفاذ الإلتزام إلى أن تتحقق الواقعة فيكون الإلتزام فى فترة التعليق موجوداً ، غير أن وجوده ليس موكداً ، وأحكام هذا الشرط الواقف إنما تقتصر على الشرط الذى ينشأ عن إرادة الملتزم ، أما إذا كان القانون هو الذى فرض الشرط وعلق عليه حكماً من الأحكام فذلك لا يعتبر شرطاً بمعناه الصحيح ، إذ الشرط أمر عارض لا يلحق الحق إلا بعد تكامل عناصره فيضاف إليه و يمكن تصور الحق بدونه ، وذلك بعكس الشرط الذى يكون القانون مصدره ، لأنه فى هذه الحالة يعد عنصراً من عناصر الحق ذاته ولا يتصور قيام الحق بدونه ومن ثم لا يوجد الحكم المشروط ولا يثبت إلاعند تحقق شرطه أما قبل .ذلك فلا يثبت لأن الأصل أن الأثر لا يسبق المؤثر ، لما كان ذلك وكانت موافقة مجلس الوزراء أمر إشترطه القانون رقم 81 لسنة 1976 لإمكان تملك غير المصريين للعقارات المبنية والأراضى الفضاء فان هذه الموافقة تعد من عناصر الحق ذاته لا يتصور قيامه بدونها . وبالتالى فإنه لا على الحكم المطعون فيه إن هو لم يستجب لطلب الطاعن وقف الدعوى أو تأجليها لحين حصوله على موافقة مجلس الوزراء و تقديمها.

(الطعن رقم 2070 لسنة 51 جلسة 1985/01/24 س 36 ع 1 ص 142 ق 34)

5- لما كان من المقرر بنص المادة 25 من القانون رقم 124 سنة 1960 بشأن نظام الإدارة المحلية - الذى صدر قرار التخفيض فى ظله - أنه " يجوز للمجلس التصرف بالمجان فى مال من أمواله الثابتة أوالمنقولة أو تأجيره بإيجار إسمى أو بأقل من أجر المثل إلى شخص طبيعى أومعنوى بقصد تحقيق غرض ذى نفع عام و ذلك بعد موافقة الوزير المختص فى حدود ألف جَنيه فى السنة المالية الواحدة أما فيما يجاوز ذلك فيكون التصرف فيه بقرار من رئيس الجمهورية ، وكان الثابت من الصورة الرسمية لتقرير الخبير الموِدعة ضمن مستندات هذا الطعن أن مجلس المدينة قرر تخفيض أجرة الفندق موضوع النزاع بنسبة 46% عن عام 1968/1967 وتضمن إخطار المطعون ضده الأول بهذا القرار أنه لا يعتبر نافداً إلا بعد موافقة وزير الخزانة ، وقد أضاف الخبير أن هذه الموافقة لم ترد وكان تخفيض الأجرة بهذا القرار يتضمن تنازلاً بلا مقابل عن مبلغ من النقود مستحق الأداء مما يتعين معه تعليق نفاذه على موافقة الوزير المختص طبقاً لنص المادة 25 من القانون رقم 124 سنة 1960 ، وكان مؤدى عدم موافقة الوزير على هذا القرار عدم نفاذه وإعتباره كأن لم يكن بأثر رجعى منذ البداية عملاً بحكم المادة 268 من القانون المدنى .

(الطعن رقم 269 لسنة 49 جلسة 1984/01/09 س 35 ع 1 ص 168 ق 36)

6- إذ كان الثابت من مذكرة الطاعن المقدمة لمحكمة أول درجة أن مما تمسك به من أوجه دفاع فى الدعوى الفرعية التي أقامتها عليه المطعون عليها الأولى بطلب فسخ عقد البيع - الذي طلب القضاء بصحته ونفاذه فى الدعوى الأصلية - أن البائعة لم تشترط فى ملحق العقد الذي اتفق فيه على الشرط الصريح الفاسخ أن يكون الوفاء بباقي الثمن فى موطنه لتطالبه به فى موعد استحقاقه أو أن تعذره بالوفاء به وإذ خلت الأوراق مما يفيد أنها انتقلت إليه فى موطنه لتطالبه بدفع باقي الثمن أو أنذرته بدفعه وأنه امتنع رغم ذلك عن الوفاء به فإن الشرط الصريح الفاسخ لا يكون قد تحقق، وإذ كانت محكمة الاستئناف قد رأت إلغاء الحكم الابتدائي الذي قضى برفع دعوى الفسخ لمصلحة الطاعن فإنه كان لزاماً عليها أن تفصل فى دفاعه المشار إليه والذي لم يتعرض الحكم الابتدائي لبحثه اكتفاء بما قبله من أوجه دفاع أخرى ما دام لم يثبت نزول الطاعن عنه صراحة أو ضمناً ولا يبين ذلك من مدونات الحكم المطعون فيه، وهي إذ لم تفعل رغم كونه دفاعاً جوهرياً قد يتغير بتحقيقه وجه الرأي فى الحكم فى الدعوى فإن حكمها يكون مشوباً بالقصور.

(الطعن رقم 154 لسنة 48 جلسة 1978/12/21 س 29 ع 2 ص 1998 ق 388)

7- إذا كان الشرط الواقف من شأنه أن يوقف نفاذ الإلتزام إلى أن تتحقق الواقعة المشروطة، فيكون الإلتزام فى فترة التعليق موجوداً، غيرأن وجوده ليس مؤكداً مما يترتب عليه أنه لايجوز للمستأجر خلالها أن يتخذ الوسائل التنفيذية للمطالبة بحقه جبراً أو اختيارا طالما لم يتحقق الشرط، وكانت دعوى صحة التعاقد لايقتصر موضوعها على محل العقد بل يتناول تنفيذه أيضاً، اعتباراً بأن الحكم الذي يصدره القاضي فى الدعوى يقوم مقام تنفيذ العقد إذا سمحت بذلك طبيعة الإلتزام وفقاً للمادة 210 من القانون المدني، فإن ما خلص إليه الحكم من أن تنفيذ الإلتزامات الناشئة عن العقد مرتبطة بإستصدار الترخيص ورتب على ذلك أن الدعوى مرفوعة قبل أوانها فإنه لا يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.

(الطعن رقم 914 لسنة 43 جلسة 1978/01/18 س 29 ع 1 ص 234 ق 50)

8- من القواعد العامة فى الأوصاف المعدلة لأثر الإلتزام أنه إذا علق الالتزام على شرط هو ألا يقع أمر فى وقت معين ، فإن الشرط يتحقق إذا إنقضى الوقت دون أن يقع هذا الأمر ، وهو يتحقق كذلك قبل انقضاء الوقت إذا أصبح من المؤكد أنه لن يقع ، فإذا لم يحدد وقت فإن الشرط لا يتحقق إلا عندما يصبح مؤكداً عدم وقوع الأمر ، وقد يكون ذلك بإنقضاء مدة طويلة من الزمن يصبح معها عدم وقوعه أمراً يبلغ حد اليقين ، وتقرير ذلك بأدلة تبرره عقلاً مما يدخل فى سلطة محكمةالموضوع ، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه بإلزام الطاعنين بأن يؤدوا للمطعون ضده من تركة مورثهم مبلغ ........ على أساس من القول مفادة أنه أعتبر إلتزام مورث الطاعنين بأداء ثلث المبلغ المخصص لتسجيل عقد شرائه معلقاً على شرط واقف هو قيام البائع الأصلى بالتوقيع مباشرة على العقود الخاصة بالمشترين من مورث الطاعنين بحيث تنتفى الحاجة إلى تسجيل عقد شراء هذا الأخير ولا يسجل فعلاً ، وأن هذا الشرط وأن لم يكن قد تحقق فعلا - يعتبر أنه تحقق حكماً بإنقضاء مدة من الزمن رأت المحكمة معها - ومع ما تبين لها من ظروف الإلتزام وملابساته - أن عدم تسجيل عقد المورث أصبح أمراً يبلغ حد اليقين ، فإنه يكون قد صادف صحيح القانون .

(الطعن رقم 679 لسنة 42 جلسة 1976/03/31 س 27 ع 1 ص 838 ق 161)

9- قائمة مزاد إستبدال الأموال الموقوفة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - عقد بيع معلق على شرط واقف ، هو إجازة الإستبدال من المحكمة الشرعية ، وصدور صيغته منها ، وأنه بتحقق هذا الشرط يكون البيع نافذاً من وقت رسو المزاد ، ومؤدى ذلك أن قرار الموافقة على الإستبدال وصيغته لا يخرجان عن كونهما أجازة للعقد بشروطه السابق الإتفاق عليها بين الطرفين على أساس من قائمة مزاد الإستبدال وأن هذه الإجازة تكون بقرار بالموافقة على الإستبدال وصيغته يصدران من المحكمة الشرعية بعد موافقتها على الشروط التى رسا على أساسها مزاد الإستبدال ، وبالتالى فإن قرار الموافقة على الإستبدال وصيغته يؤكدان شروط قائمة مزاد الإستبدال ، مما لا يسوغ معه أطراح أى شرط منها بمقولة أنه لم يرد فى قرار الإستبدال .

(الطعن رقم 452 لسنة 39 جلسة 1974/12/11 س 25 ع 1 ص 1413 ق 240)

10- إذا أذن القاضى باستبدال الوقف فإن الاستبدال لا يتم ولا ينتج أثاره القانونية إلا إذا أوقعت المحكمة المختصة صيغة البدل الشرعية ، ومن ثم فالتعاقد الحاصل بين وزارة الأوقاف وبين من يرسو عليه مزاد العين المراد استبدالها يعتبر معلقا على شرط واقف هو توقيع هذه الصيغة بحيث إذا تخلف هذا الشرط بأن رفضت المحكمة توقيع صيغة البدل للراسى عليه المزاد فإن التعاقد يصبح كأن لم يكن ولاوجود له منذ البداية ولا يكون للراسى عليه المزاد إذا رفضت المحكمة توقيع صيغة البدل الشرعية له وأوقعتها لغيره و انتقلت ملكية العقار إلى هذا الغير أن يرجع على وزراة الأوقاف بضمان الاستحقاق طبقا لأحكام البيع أوأن يطالبها بالتعويض على أساس فسخ العقد ذلك أن الرجوع بضمان استحقاق المبيع لايكون إلا على أساس فسخ العقد ذلك أن الرجوع بضمان استحقاق المبيع لايكون إلا على أساس قيام عقد البيع كما أن الفسخ لايرد إلا على عقد كان له وجود

(الطعن رقم 268 لسنة 26 جلسة 1963/01/17 س 14 ع 1 ص 123 ق 13)

11- متى كان البيع معلقاً على شرط واقف هو رسو مزاد الأطيان الواردة به على البائع فى جلسة المزايدة أمام المحكمة الشرعية وكان هذا الشرط قد تخلف برسو المزاد فى تلك الجلسة على الطاعن (المشتري) دون البائع فإنه يترتب على ذلك عدم انعقاد البيع واعتباره كأن لم يكن، ولا يعيده إلى الوجود إجازة صاحب المصلحة فى التمسك بإنعدامه ما دام أنه لم ينعقد أصلاً منذ البداية نتيجة لإعمال الأثر الرجعى لتخلف الشرط الواقف ومن ثم فإستلام الطاعن للأطيان محل النزاع وإقراره بشرائها وسداده أغلب ثمنها وتصرفه بالبيع فى جزء منها كل ذلك ليس من شأنه أن يعيد إلى العقد وجوده.

(الطعن رقم 159 لسنة 26 جلسة 1962/01/11 س 13 ع 1 ص 49 ق 6)

شرح خبراء القانون

الشرط الواقف :

الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام موجود ولكنه لا ينفذ إلا بعد محقق الشرطة، ويترتب على ذلك في فترة التعليق :

1- أنه لا يجوز للدائن إتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري ومن ثم لا يجوز له إستعمال الدعوى البوليصية باعتبارها تمهيداً لهذا التنفيذ وإن شرطها أن يكون حتي الدائن واجب الاداء.

2- لا يجوز للدائن التمسك في مواجهة المدين كما لا يجوز للمحكمة أن توقع المقاصة القضائية إلا إذا تنازل الدين عن الشرطة فيصبح الالتزام نافذاً وذلك لأن المقاصة نوع من الوفاء ولا وفاء إلا للالتزام المستحق الأداء.

وللمدين إذا قام بالوفاء اعتقاداً منه إلى التزامه مستحقي الأداء وليس معلقاً على شرط واقف كان هذا غلط  يجيز له طلب إبطال الوفاء واسترداد محل الوفاء وفقاً لدفع غير المستحق.

3- إذا ورد الشرط الواقف بإلتزام بنقل الملكية، عقار أو منقول، فإن الملكية تنتقل معلقة على هذا الشرط، ويعتبر المتصرف إليه مالكاً نحن شرط واقف - مع مراعاة التسجيل في العقار - والمتصرف مالكاً تحت شرط فاسخ ومن ثم يكون حق الأخير مكتملاً رغم أنه مهدد بالزوال، فيكون له كافة حقوق المالك من تصرف وإدارة وتطهير العقار ويظل المبيع في ضمانه العام الدائنيه التنفيذ عليه، وباعتباره مالكاً فعليه تبعة الهلاك ما لم يكن التصرف بیعاً وتسلم المشتري المبيع فتكون تبعة الهلاك على الأخير وفقاً للمادة 437، وأن كان المتصرف إليه لا يستطيع منع دائني المتصرف من التنفيذ على محل الالتزام إلا أنه لا يحاج بهذا التنفيذ إذا ما تحقق الشرط وفقاً للأثر الرجعي له متى كان المتصرف إليه سجل تصرفه قبل شهر حقوق الدائنين إذ في هذه الحالة لا ينوب المتصرف عن المتصرف إليه.

4- لا يسرى التقادم طالما ظل الالتزام معلقاً على شرط واقف، ولا يبدأ التقادم في السريان إلا من وقت تحقق هذا الشرط " أنظر أحكام النقض الواردة بالمادة 381 ".

إذا تخلف الشرط الواقف، زال الالتزام وصار كأن لم يكن، فتزول تبعاً لذلك كافة الإجراءات التحفظية والتصرفات التي باشرها الدائن .

أما إن تتحقق الشرط، تأكد الحق ونفذ في حق المدين وأصبح مستحقي الأداء منذ إبرام التصرف وليس منذ تحقق الشرط وفقاً للأثر الرجعي، ويترتب على ذلك .

1- أنه يجوز للدائن إتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري واللجوء للدعوى البوليصية.

2- يجوز التمسك بالمقاصة وإذا كان المدين يوفي بالتزامه قبل تحقق الشرط فليس له أن يسترد محل الوفاء وفقاً للأثر الرجعى للشرط فيكون الوفاء صحيحاً.

3- إذا ورد الشرط الواقف بالتزام بنقل الملكية، وتصرف فيه الدائن في فترة التعليق، فإنه يكون قد تصرف فيما يملك، فلا تنفذ تصرفات المدين متى كانت مشهورة في تاريخ لاحق لشهر التصرف الصادر منه للمدين.

4- تكون تبعية الهلاك على الدائن ما لم يكن التصرف بيعاً ولم يقيم المدين بالتسليم فتكون التبعة على الأخير وفقاً للمادة 437 مدنی.

5- إذا صدر قانون جديد في فترة التعليق معدلاً لشروط الالتزام، فلا يسرى عند تحقق الشرط ويظل الالتزام خاضعاً للقانون الذي تم في ظله وفقاً للأثر الرجعي للشرط.

6- يبدأ التقادم في السريان.

تعليق الالتزام على شرط كان قد تحقق :

إن كان الالتزام معلقاً على شرط واقف، وتبين أن هذا الشرط كان قد يتحقق قبل الاتفاق عليه كان الشرط نافلة زائداً عما يتطلبه العقد، فيصبح الالتزام منجز وغير معلق على شرط مما يوجب تنفيذه فور إبرام العقد. 

وتسري هذه الأحكام كذلك بالنسبة للشرط الفاسخ .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : الرابع، الصفحة : 650) 

نوعا الشرط

الشرط الواقف والشرط الفاسخ

1- الشرط الواقف :

ما هو الشرط الواقف : رأينا أن المادة 265 / 1 مدني تنص على أن " يكون الالتزام معلقاً على شرط إذا كان وجوده أو زواله مترتباً على أمر مستقبل غير محقق الوقوع "، فإذا كان وجود الالتزام متوقفاً على الشرط، بحيث إذا تحقق الشرط وجد الالتزام وإذا تخلف لم يوجد، فإن الشرط يكون في هذه الحالة شرطاً واقفاً، فالشرط الواقف هو إذن الشرط الذي يتوقف على تحققه وجود الالتزام، فإن تخلف لم يخرج الإلتزام إلى الوجود، مثل ذلك أن يعلق الواهب هبته لابنه على شرط أن يتزوج، فالزواج هنا شرط واقف، إذا تحقق وتزوج الإبن فقد وجد التزام الأب بالهبة، وإذا تخلف الشرط ولم يتزوج الابن فإن التزام الأب بإعطاء هبة لا بنه لا يوجد.

الشرط الواقف المستحيل والشرط الواقف المخالف للنظام العام أو الآداب :

وتنص الفقرة الأولى من المادة 266 مدني كما رأينا، على أنه " لا يكون الالتزام قائماً إذا علق على شرط غير ممكن أو على شرط مخالف للآداب أو النظام العام، هذا إذا كان الشرط وافقاً . . . . ".

وقد استعرضنا أمثلة الشرط المستحيل وللشرط المخالف للنظام العام أو الآداب، فإذا كان الشرط في هذه الأحوال واقفاً غير فاسخ فالشرط باطل كما قدمنا، والالتزام الذي علق وجوده على الشرط يعتبر هو أيضاً غير قائم، لأن وجوده معلق على شرط مستحيل أو غير مشروع، فلن يتحقق هذا الشرط أو لا ينبغي أن يتحقق، ومن ثم لا يوجد الالتزام.

الشرط الواقف الإرادي المحض - إحالة :

وقد رأينا أن الشرط إذا تعلق بمحض إرادة المدين، وكان شرطاً واقفاً غير مترتب على عقد ملزم للجانبين، فإن الالتزام لا يوجد للأسباب التي قدمناها .

ما يترتب على الشرط من الآثار

التمييز بين مرحلتين : 

حتى نتبين بوضوح ما يترتب على الشرط من الآثار يجب أن نميز بين مرحلتين : (1) مرحلة التعليق، وهي المرحلة التي يكون فيها الشرط قائماً لا يعلم هل يتحقق أو يتخلف، ولذلك يكون الالتزام فيها معلقاً، ومن ثم سمينا هذه المرحلة بمرحلة التعليق.

(2) مرحلة ما بعد التعليق، وهي المرحلة التي يتبين فيها مآل الشرط هل تحقق أو تخلف، ولتحققه آثار تختلف عن آثار تخلفه في كل من الشرط الواقف والشرط الفاسخ .

أثر الشرط في مرحلة التعليق

1- الشرط الواقف

النصوص القانونية : 

تنص المادة 268 من التقنين المدني على ما يأتي :

إذا كان الالتزام معلقا على شرط واقف، فلا يكون نافذاً إلا إذا تحقق الشرط، أما قبل تحقق الشرط، فلا يكون الالتزام قابلاً للتنفيذ القهري ولا للتنفيذ الاختياري، على أنه يجوز للدائن أن يتخذ من الإجراءات ما يحافظ به على حقه ".

وحكم هذا النص فيما يتعلق بمرحلة التعليق كان معمولاً به في عهد التقنين المدني السابق دون أن يشتمل هذا التقنين على نص في ذلك .

ويقابل النص في التقنينات المدنية العربية الأخرى : في التقنين المدني السوري المادة 268، وفي التقنين المدني الليبي المادة 255، وفي التقنين المدني العراقي المادة 288، وفي تقنين الموجبات والعقود اللبناني المواد 93 الى 95، وفي التقنين المدني الكويتي المادة 326، وفي التقنين المدني الأردني المادة 398 .

مراتب الحق من حيث الوجود والنفاذ :

ويتبين من النص المتقدم الذكر أن الالتزام المعلق على شرط واقف، وهو في مرحلة التعليق، لا يكون نافذاً، بل هو لا يكون موجوداً وجوداً كاملاً، ويمكن القول ان الحق، من حيث الوجود والنفاذ، يتدرج بين مراتب سبع : (1) - مرتبة الحق المعدوم، وهو ما لا وجود له ولا يحتمل وجوده، (2) مرتبة الحق الاحتمالي، وهو ما لا وجود له ويحتمل وجوده، فهو معدوم على خطر الوجود، (3) مرتبة الحق المعلق على شرط واقف، وهو حق موجود فعلاً ولكنه غير كامل الوجود، (4) مرتبة الحق المؤجل، وهو حق موجود وجوداً كاملاً ولكنه غير نافذ، (5) مرتبة الحق المعلق على شرط فاسخ، وهو حق موجود وجوداً كاملاً وهو في الوقت ذاته حق نافذ، ولكنه موجود على خطر الزوال، (6) مرتبة الحق المقترن بأجل فاسخ، وهو حق موجود وجوداً كاملاً وهو نوافذ إلى أجل ثم ينقضى بانقضاء هذا الأجل، (7) مرتبة الحق المنجز، وهو حق موجود وجوداً كاملاً وهو نافذ إلى غير أجل.

ويخلص من ذلك أن الحق المعلق على شرط واقف هو : 

(1) حق موجود .

(2) ولكن وجوده غير كامل .

الحق المعلق على شرط واقف حق موجود :

وآية وجوده تظهر فيما يأتي :

(1) ينتقل هذا الحق من صاحبه إلى الغير بالميراث وغيره من أسباب انتقال الحقوق، فالحق المعلق على شرط واقف يورث، ويجوز لصاحبه أن يوصى به، وأن يتصرف فيه بالبيع والهبة والرهن وغير ذلك من أنواع التصرف، بل يجوز لصاحب هذا الحق أن ينزل عنه بإرادته المنفردة فيزول، وتنص المادة 94 من تقنين الموجبات والعقود اللبناني على " أن الموجب الذي عقد على شرط التعليق وما زال الشرط فيه معلقاً يمكن التفرغ عنه بوجه خاص أو بوجه عام "، أي يمكن أن ينتقل بسبب خاص كالوصية والبيع والهبة، أو بسبب عام كالميراث .

(2) يجوز لصاحب الحق على شرط واقف أن يجري الأعمال المادية اللازمة لصيانته من التلف، ولا يجوز للمدين تحت شرط واقف أن يقوم بأي عمل من شأنه أن يمنع الدائن من استعمال حقه عند تحقق الشرط، أو يزيد هذا الاستعمال صعوبة، وكل تصرف من جانب المدين يضر بحقوق الدائن عند تحقق الشرط لا يعتد به، وذلك فيما عدا الحقوق التي كسبها الغير بحسن نية (م 95 لبناني).

(3) يجوز لصاحب الحق المعلق على شرط واقف أن يقوم بالأعمال التحفظية اللازمة للمحافظة على حقه، كوضع الأختام وتحرير قوائم الجرد وقيد الرهون الرسمية وتجديد القيد والتدخل في القسمة ورفع دعاوي تحقيق الخطوط ووضع الحراسة على الأعيان بل يجوز له أن يستعمل الدعوى غير المباشرة ودعوى الصورية، وقد سبق بيان ذلك عند الكلام في هاتين الدعويين.

(4) يجوز لصاحب الحق المعلق على شرط واقف أن يدخل في التوزيع، ويطلب إن يختص بمبلغ يقابل قيمة حقه مع حفظ هذا المبلغ في خزانة المحكمة وتعليق قبضه إياه على تحقق الشرط ويجوز أن يوزع المبلغ على الدائنين التالين بشرط إن يقدموا كفالة تضمن رده في حالة تحقق الشرط، ولكن لا يجوز لصاحب الحق المعلق على شرط واقف حجز ما لمدينه لدى الغير ولا أن يقوم بأي حجز تحفظي آخر، لأن حقه غير حال الأداء ولا محقق الوجود ( م 543 و م 604 مرافعات )، ولكن إذا حجز دائن آخر على ما للمدين لدى الغير كان للدائن تحت شرط واقف أن يدخل في التوزيع على النحو الذي سبق ذكره .

الحق المعلق على شرط واقف وجوده غير كامل : 

ولكن الحق المعلق على شرط واقف إذا كان موجوداً، فإن وجوده ناقص لم يتكامل، ولا يتكامل إلا إذا تحقق الشرط، ومن ثم يفقد هذا الحق الناقص، في مرحلة التعليق، مزايا الحق الكامل من وجوه عدة، نذكر من بينها :

(1) لا يكون الحق المعلق على شرط واقف قابلاً للتنفيذ القهري وهو في حالة التعليق، فلا يستطيع الدائن تحت شرط واقف أن يقتضى جبراً من المدين الدين المعلق على هذا الشرط، بل لا يجوز للدائن تحت شرط واقف أن يستعمل الدعوى البوليصية وهي توطئة وتمهيد مباشر للتنفيذ القهري، فقد قدمنا أن حق الدائن في الدعوى البوليصية يجب أن يكون مستحق الأداء والحق المعلق على شرط واقف غير مستحق الأداء.

(2) لا يجوز للدائن تحت شرط واقف أن يتقاضى حقه برضاء المدين عن طريق التنفيذ الاختياري، ليس ثمة بطبيعة الحال ما يمنع المدين تحت شرط واقف من أن يفي بالدين قبل تحقق الشرط، ولا ما يمنع الدائن من تقاضي هذا الحق، ولكن هذا الوفاء يكون وفاء بغير المستحق، فإذا كان المدين قد وفى الدين وهو يعتقد خطأ أن الدين غير معلق على شرط أو أن الشرط قد تحقق، جاز له استرداده وفقاً للقواعد العامة في دفع غير المستحق .

(3) لما كان الحق المعلق على شرط واقف غير مستحق الأداء لأن وجوده لم يتكامل، فإن التقادم المسقط لا يرسي بالنسبة إليه ما دام حقاً معلقاً ولا يسري التقادم إلا إذا تكامل وجود الحق وأصبح نافذاً وذاك بتحقق الشرط .

(4) إذا كان الحق المعلق على شرط واقف هو حق الملكية، كان لهذا الحق ما كان : مالك تحت شرط واقف وهو الذي انتقلت له الملكية إلى المالك تحت شرط واقف فالمالك تحت شرط واقف حقه غير كامل الوجود كما قدمنا، أما حق المالك تحت شرط فاسخ فهو كامل الوجود، ومن ثم كان لهذا المالك أن يدير العين، واني تصرف فيها، وأن يطهر العقار، وهو الذي يتحمل هلاك العين، ويستطيع دائنوه أن ينفذوا بحقوقهم عليها. (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث، المجلد : الأول، الصفحة : 33)

أثر الشرط الواقف في فترة التعليق :

الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام غير كامل الوجود، إذ أن وجوده موقوف على الشرط، فليس للدائن حق مؤكد، إذ لا يعلم إن كان الشرط سيتحقق أو لا يتحقق.

 

ولكن من ناحية أخرى فإن هناك رابطة قانونية بين الدائن والمدين في أثناء فترة التعليق، فليس للمدين مثلاً أن يرجع فيما تعهد به ولهذا فإن للدائن المعلق على شرط واقف حقاً وليس مجرد أمل، هو حق وإن كان غير مؤكد.

ونتصدى لذلك تفصيلاً فيما يلي :

أولاً : الحق المعلق على شرط حق وليس مجرد أمل :

حق الدائن المعلق على شرط واقف هو حق وليس مجرد أمل، ويترتب على ذلك ما يأتي :

1- أن هذا الحق ينتقل إلى الخلف العام والخلف الخاص سواء من ناحية الدائن والمدين على حد سواء.

وهذا الحق ينتقل بالطبع معلقاً على الشرط الواقف.

2- أنه يجب على المدين الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه أن يمنع استعمال الدائن حقه أو يزيده صعوبة في حالة تحقق الشرط، وبناءً على هذا بعد أن يتحقق الشرط، تكون الأعمال التي أجراها المدين في فترة التعليق ملغاة على قدر ما يكون فيها من الإضرار بالدائن.

3- يجوز للدائن تحت شرط واقف أن يقوم بالأعمال التحفظية اللازمة للمحافظة على حقه، وعلى هذا نصت المادة صراحة، فللدائن القيام بتسجيل العقد وقيد الرهن المقرر لضمان هذا الحق وتجديد القيد ووضع الأختام وتحرير قوائم الجرد وفرض الحراسة ورفع دعوى صحة التوقيع ودعوى صحة التعاقد، كما له رفع دعوى الصورية والدعوى غير المباشرة إذ لا يشترط فيهما أن يكون حق الدائن واجب الأداء، وللدائن أيضاً قطع التقادم ضد حائز العقار إذا لم يقم المدين بذلك لأن الحائز إن اكتملت مدة التقادم بالنسبة له فإنه يتملك العقار في مواجهة كل من الدائن والمدين ومن ثم كان للدائن درء هذا الخطر.

ولما كان المالك تحت شرط واقف لا يستطيع القيام بأعمال الإدارة، ومن ثم فليس له تطهير العقار بإعتباره من تلك الأعمال خلافاً للمالك تحت شرط فاسخ وله التدخل في إجراءات القسمة .

4- لا يجوز لأحد المتعاقدين الرجوع في التزامه ما بين التعاقد وتحقق الشرط.

5- يجوز للدائن التدخل في التوزيع على أن يودع المبلغ الذي يخصص له خزينة المحكمة لحين تحقق الشرط لكن لا يجوز له باعتبار أنه حقه غير مستحق الأداء أن يوقع حجزاً تحفظياً (م 319 مرافعات) ولا أن يوقع حجز ما للمدين لدي الغير (م 325 مرافعات) وعليه أن يتربص إلى وقت التوزيع فيتدخل فيها.

ثانياً : الحق المعلق على شرط حق غير مؤكد :

حق الدائن المعلق على شرط واقف، حق غير مؤكد، ويترتب على ذلك ما يأتي :

1- عدم تنفيذ الالتزام المعلق على شرط واقف تنفيذاً قهرياً، فليس للدائن أن يطالب بدينه قضاء، وليس له أن يتمسك بالمقاصة بين هذا الدين وبين دين حال في ذمته للمدين، ويبني على ذلك أيضاً عدم استعمال الدعوى البوليصية إذ هي مقدمة التنفيذ.

2- لا يقبل الالتزام المعلق على شرط واقف التنفيذ الاختياري، بمعنى أنه إذا وفي المدين جاهلاً قيام الشرط، استطاع استرداد ما أوفي، بدعوى استرداد ما دفع بدون وجه حق.

3- الالتزام المعلق على شرط غير مستحق الأداء، ومن ثم لا يسقط بالتقادم مادام معلقاً على الشرط، ذلك أن التقادم لا يبدأ في السريان إلا من وقت تحققه حيث يصبح الدين مستحق الأداء.

4- إذا كان الالتزام المعلق على شرط واقف هو التزام بنقل الملكية على شئ معين بالذات، فإن الملكية لا تنتقل إلى الدائن إلا معلقة على شرط واقف، ذلك أن المدين يكون في أثناء فترة التعليق مالكاً تحت شرط فاسخ.

ينتهى التعليق متى تحقق الشرط أو ثبت أنه تخلف نهائياً.

ويشترط في تحقق الشرط أن يتم الأمر المشروط فعلاً على النحو الذي اتجهت إليه إرادة الطرفين، فيجب أن يتم هذا الأمر كاملاً غير منقوص و أن يقع من الشخص نفسه الذي قصد الطرفان أن يحدث منه إن كانا قد قصداً أن يحدث من شخص معين، وأن يتم في الميعاد الذي عينه المتعاقدان لذلك.

فإذا لم يقع هذا الأمر، أو وقع بعضه دون البعض، أو وقع من شخص غير الذي عينه العاقدان لذلك، أو تم بعد انقضاء الوقت المحدد لوقوعه، اعتبر الشرط أنه قد تخلف.

وإذا لم يحدد العاقدان وقتاً يجب أن يتم فيه الأمر المشروط، فإن وقوع هذا الأمر في أي وقت يعتبر تحققاً للشرط، ولا يعتبر الشرط متخلفاً إلا متى صار من المؤكد أنه لن يتحقق.

ويعتبر الشرط أنه قد تحقق حكماً، ولو لم يكن قد تحقق فعلاً، إذا كان صاحب المصلحة في عدم تحققه قد منع تحققه عن عمد أو إهمال، ومثل ذلك أن يكون الاتفاق على أن تستحق أتعاب المحامي كلها أو بعضها إذا کسب الدعوى، فيتسبب الموكل في خسارة الدعوى بعدم تقديمه المستندات المؤيدة لحقه في الوقت المناسب، فإن إهماله هذا يجب أن لا يؤثر في حق المحامي في أتعابه، فيستحق المحامي أتعابه على اعتبار أن الشرط قد تحقق حكماً وإن كان الواقع أن الدعوى قد رفضت.

وكذلك يعتبر الشرط أنه قد تخلف حكماً، ولو تحقق فعلاً، إذا كان صاحب المصلحة في تحققه قد حققه بغير حق عن عمد أو عن إهمال، ومثال ذلك أن يهب شخص آخر داره إذا مات ابنه الوحيد قبله، فإذا حقق الموهوب له الشرط بقتل الابن، ولو كان القتل بإهمال، فإن الشرط مع تحققه فعلاً يعتبر متخلفاً حكماً وتنعدم الهبة.

أثر انتهاء التعليق وتحقق الشرط :

إذا تحقق الشرط الواقف، تأكد الحق وأصبح نافذاً في حق المدين، وتترتب عليه كل آثار الحق النافذ المستحق الأداء.

ويتحقق هذا الأثر منذ يرام التصرف وليس منذ تحقق الشرط وفقاً لكثر الرجعي للشرط، كما سنرى.

ويترتب على ذلك ما يأتي:

1- يجوز للدائن اتخاذ إجراءات التنفيذ الجبري، وكذلك له الحق في اقتضاء حقه اختياراً كما يجوز له اللجوء إلى الدعوى البوليصية. 

2- يجوز التمسك بالمقاصة وإذا كان المدين وفي بالتزامه قبل تحقق الشرط فليس له أن يسترد محل الوفاء وفقاً للأثر الرجعي للشرط فيكون الوفاء صحيحاً.

3- إذا كان حق الدائن مضموناً برهن وتحقق الشرط، فإن تاريخ الرهن يعتبر من وقت قيده لا من وقت تحقق الشرط.

4- إذا كان الالتزام المعلق على شرط واقف التزاما بنقل ملكية شئ، وكان الدائن قد تصرف في الشيء أثناء فترة التعليق، ثم تحقق الشرط بعد ذلك، فإنه يعني قد تصرف فيما يملك، فيكون تصرفه صحيحاً نافذاً أما تصرفات المدين فتعتبر صادراً من غير مالك.

5- إذا صدر قانون جديد أثناء فترة التعليق بعتل من شروط إنشاء الالتزام كقانون يشترط الرسمية بعد أن كان العقد رضائياً ثم تحقق الشرط بعد تلك ترتب على الأثر الرجعي أن يعتبر الالتزام قد نشأ في ظل القانون القديم فيكون هو الواجب التطبيق عليها.

6- أن تقدير الغبن يكون بالنظر إلى تاريخ العقد لا لحظة تحقق الشرط .

أثر انتهاء التعليق وتخالف الشرط :

إذا كان الشرط واقفاً وتخلف، فإن حق الدائن وقد كان حقاً محتمل الوجود أثناء التعليق، يصبح عنها، فيزول كل أثر لما اتخذه الدائن من إجراءات المحافظة على حقه أثناء فترة التعليق، وإذا كان الدائن قد تصرف في حقه المحتمل إلى الخير، فإن انعدام حق الدائن يستتبع زوال آثار تصرفاته .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع، الصفحة : 26)

يكون للدائن في أثناء فترة تعليق الشرط الواقف حق ينشأ له من وقت الاتفاق ولكنه حق معلق وجوده على شرط، كالحمل لا يعتبر له وجود قانوني إلا بشرط ولادته حياً.

ويترتب على كون الاتفاق المعلق على شرط ينشىء للدائن حقاً غير مكتمل وقت إبرامه :

1) أنه يشترط توافر أهلية الملتزم وقت ابرام العقد لا وقت تحقق الشرط .

2) أن حق الدائن يخضع القانون الساري وقت إبرام العقد لا للقانون الجديد الذي يكون سارياً وقت تحقق الشرط.

3) أن يجوز للدائن إتخاذ الإجراءات اللازمة للمحافظة على حقه ( المادة 268 في نهايتها )، كأن يسجل عقده اذا كان موضوع الحق عقاراً، أو أن يقيد الرهن الضامن لحقه، أو أن يطلب تعيين حارس على الشيء موضوع ذلك الحق أو أن يطلب ترمیم ذلك الشيء أو صيانته من التلف أو أن يتدخل في الدعاوى المرفوعة من مدينة أو عليه أو في القسمة المطلوب حصولها بينه وبين شركائه و أن يستعمل حقوق مدينه من طريق الدعوى غير المباشرة، ولكنه لا يجوز له أن يطعن في تصرفات مدينه من طريق الدعوى البوليصية لأنه يشترط في رفع هذه الدعوى الأخيرة أن يكون حق رافعها مستحق الأداء، ولا يكفي أن يكون حقاً معلقاً على شرط .

4) أن يجوز للدائن التصرف في حقه المعلق على شرط، وأنه إذا مات دون أن يتصرف في هذا الحق، انتقل الحق من بعده الى ورثته معلقاً على الشرط ذاته .

5) أن يجوز للدائن أن يرفع على المدين دعوى صحة التوقيع من قبل تحقق الشرط حتى يطمئن إلى عدم إنكار المدين توقيعه السند المثبت لنشوء هذا الحق المعلق على شرط، ولكن لا يجوز للدائن أن يرفع دعوى صحة ونفاذ العقد قبل تحقق الشرط .

ويترتب على كون حق الدائن في هذه المرحلة حقاً معلقاً على شرط لاحقاً باتاً.

1) أن المدين لا يكون ملزماً بالوفاء (المادة 268)، فإذا وفي معتقداً استحقاق الوفاء، كان موفياً بغير المستحق، وجاز له أن يسترد ما وفى  .

2) أن الدائن لا يجوز له اتخاذ اجراءات التنفيذ ضد مدينه، لأن حقه لم يصبح بعد مستحق الأداء (المادة 268)، ولهذا السبب تقدم أنه لا يجوز له الطعن في تصرفات مدينه من طريق الدعوى البوليصية .

3) أن لا تبدأ مدة التقادم المسقط للحق طوال مدة التعليق، ولا يبدأ سريان التقادم إلا إذا تحقق الشرط ومنذ تحققه فقط.

4) أن لا تجوز المقاصة القانونية بهذا الحق لأن هذا النوع من المقاصة يشترط فيه أن يكون الدينان بدرجة واحدة من القوة، فلا يقاص دین بات بدين معلق على شرط.

5) أنه إذا كان موضوع التصرف نقل حق عيني على شيء معين بالذات، فإن تعليقه على المشرط يحول دون انتقال الملكية من المتصرف بمجرد العقد، فيبقى التصرف في أثناء فترة التعليق مالكاً تحت شرط فاسخ وتبقى له سلطة ادارة المال المتصرف فيه وسلطة التصرف فيه من جديد و إصلاحه وترميمه على أن يسترد عند تحقق الشرط ما أنفق في ذلك باعتباره جائزاً حسن النية، ويكون له حق رفع دعاوى الحيازة ودعوى الملكية المتعلقة بهذا المال ويجوز لدائنيه أن ينفذوا على هذا المال باعتباره مملوكاً له، أي أنه يكون للشيء المتصرف فيه تحت شرط واقف في فترة تعليق الشرط ما كان أحدهما وهو المتصرف إليه مالك تحت شرط واقف والآخر المتصرف الذي تكون له ملكية الشيء مقترنة بالشرط الفاسخ، فإذا ما تحقق الشرط استقرت ملكية المتصرف إليه وصارت باتة وزالت في الوقت ذاته ملكية التصرف واعتبرت منتقلة منه منذ وقت العقد، أما إذا تخلف الشرط انعدم حق المتصرف اليه، وصار كأن لم يكن، وانعدم في الوقت ذاته أثر العقد كله بالنسبة الى المتصرف واستمرت له ملكية الشيء وكأنها لم تنتقل منه قط .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس، الصفحة : 511)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث ، الصفحة /  285

الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ عِنْدَ عَدَمِ الإِْجَازَةِ:

9 - وَمِنْ أَشْهَرِ أَمْثِلَتِهِ: بَيْعُ الْفُضُولِيِّ، فَإِنَّهُ لاَ يَنْفُذُ لاِنْعِدَامِ الْمِلْكِ، لَكِنَّهُ يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، فَإِنْ أَمْضَاهُ مَضَى، وَإِنْ رَدَّهُ رُدَّ. وَإِذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ صَارَ الْفُضُولِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ، وَيَنْتَقِلُ مِلْكُ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَيَكُونُ الثَّمَنُ لِلْمَالِكِ؛ لأِنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ.

وَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ قَابِلٌ لِلْفَسْخِ مِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي وَجِهَةِ الْفُضُولِيِّ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَلَوْ فَسَخَهُ الْفُضُولِيُّ قَبْلَ الإْجَازَةِ انْفَسَخَ، وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ إِنْ كَانَ قَدْ سَلَّمَ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ إِنْ كَانَ قَدْ نَقَدَهُ، وَكَذَا إِذَا فَسَخَهُ الْمُشْتَرِي يَنْفَسِخُ.

أَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: فَهُوَ لاَزِمٌ مِنْ جِهَةِ الْفُضُولِيِّ وَمِنْ جِهَةِ الْمُشْتَرِي، مُنْحَلٌّ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ.

أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ: فَبَيْعُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلٌ فِي الأْصَحِّ وَيَجِبُ رَدُّهُ، وَفِي الرِّوَايَةِ الأْخْرَى: أَنَّهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى إِجَازَةِ الْمَالِكِ.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس  ، الصفحة /  167

الشّروط:

48 - الشّرْط قدْ يكون تعْليقيًّا، وقدْ يكون تقْييديًّا: فالشّرْط التّعْليقيّ: هو ربْط وجود الشّيْء بوجود غيْره، أيْ أنّ الْملْتزم يعلّق تنْفيذ الْتزامه على وجود ما شرطه. وبذلك يكون أثر الشّرْط التّعْليقيّ في الالْتزام هو توقّف تنْفيذ الالْتزام حتّى يحْصل الشّرْط، فعنْد الْمالكيّة مثلاً إذا قال لشخْصٍ: إنْ بنيْت بيْتك، أوْ إنْ تزوّجْت فلك كذا فهو لازمٌ، إذا وقع الْمعلّق عليْه.  

وهذا طبْعًا في التّصرّفات الّتي تقْبل التّعْليق، كالإْسْقاطات والإْطْلاقات والالْتزام بالْقرب بالنّذْر. أمّا التّصرّفات الّتي لا تقْبل التّعْليق كالْبيْع والنّكاح، فإنّ التّعْليق يمْنع الانْعقاد لعدم صحّة

التّصرّفات حينئذٍ. (ر: شرْط - تعْليق).

وأمّا الشّرْط التّقْييديّ فهو ما جزم فيه بالأْصْل وشرط فيه أمْرًا آخر.

وأمّا أثره في الالْتزام، فإنْ كان صحيحًا، فما كان منْه ملائمًا للتّصرّف، كمنْ يبيع ويشْترط على الْمشْتري أنْ يعْطيه بالثّمن رهْنًا أوْ كفيلاً... أوْ كان جرى به التّعامل بيْن النّاس كمنْ يشْتري جرابًا على أنْ يخْرزه له الْبائع... فإنّه ينْشئ الْتزامًا زائدًا على الالْتزام الأْصْليّ، كما هو واضحٌ من الأْمْثلة ويجب الْوفاء به.

أمّا إنْ كان مؤكّدًا لمقْتضى التّصرّف، كاشْتراط التّسْليم في الْبيْع مثلاً، فلا أثر له في الالْتزام، إذ الشّرْط هنا تأْكيدٌ وبيانٌ لمقْتضى الالْتزام.

وإنْ كان الشّرْط فاسدًا، فإنْ كان لا يقْتضيه التّصرّف وليْس ملائمًا له ولا جرى به التّعامل بيْن النّاس وفيه منْفعةٌ لها صاحبٌ يطالب بها، كمنْ يبيع الدّار على أنْ يسْكنها الْبائع شهْرًا، أو الثّوْب على أنْ يلْبسه أسْبوعًا، فإنّ هذا الشّرْط فاسدٌ ويفْسد معه التّصرّف، وبالتّالي يفْسد الالْتزام الأْصْليّ للتّصرّف حيْث قدْ فسد مصْدره.

وهذا عنْد الْحنفيّة، وهو يجْري في عقود الْمبادلات الْماليّة فقطْ، خلافًا للتّبرّعات كالْهبة حيْث يفْسد الشّرْط ويبْقى التّصرّف في الالْتزام به كما هو، ويصْبح الشّرْط لا أثر له في الالْتزام.

وأمّا عنْد الشّافعيّة فإنّ مثْل هذا الشّرْط يفْسد، ويفْسد معه التّصرّف، ويجْرون هذا في كلّ التّصرّفات.

أمّا الْمالكيّة، فإنّ الشّرْط الّذي يفْسد التّصرّف عنْدهمْ، فهو ما كان منافيًا لمقْتضى الْعقْد، أوْ كان مخلًّا بالثّمن. وقريبٌ منْ هذا مذْهب الْحنابلة. إذْ هو عنْدهمْ: ما كان منافيًا لمقْتضى الْعقْد، أوْ كان الْعقْد يشْتمل على شرْطه.

أمّا ما كان فيه منْفعةٌ لأحدٍ، فإنّه غيْر فاسدٍ عنْدهمْ إذا كانت الْمنْفعة معْلومةً. فمنْ يبيع الدّار ويشْترط سكْناها شهْرًا مثلاً فشرْطه صحيحٌ ويجب الْوفاء به. واسْتدلّوا بحديث جابرٍ أنّه « باع النّبيّ صلى الله عليه وسلم جملاً، واشْترط ظهْره إلى الْمدينة أيْ ركوبه »، وفي لفْظٍ قال: « بعْته واسْتثْنيْت حمْلانه إلى أهْلي ».  

على أنّ الْجمْهور ومعهمْ أبو حنيفة متّفقون على أنّ منْ باع عبْدًا واشْترط أنْ يعْتقه الْمشْتري فهو شرْطٌ صحيحٌ يجب الْوفاء به، لتشوّف الشّارع للْحرّيّة، بلْ إنّ من الْفقهاء منْ قال: يجْبر الْمشْتري على ذلك.

وأمّا إنْ كان الشّرْط بغيْر ما ذكر، فإنّه يفْسد هو ويبْقى التّصرّف صحيحًا فيجب الْوفاء به .

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع ، الصفحة /   243

بَيْعٌ وَشَرْطٌ

1 - وَرَدَتْ فِي الشَّرِيعَةِ الإْسْلاَمِيَّةِ نُصُوصٌ شَرْعِيَّةٌ تُقَرِّرُ لِلْعُقُودِ آثَارَهَا، وَوَرَدَتْ فِيهَا نُصُوصٌ أُخْرَى، بَعْضُهَا عَامٌّ، وَبَعْضُهَا خَاصٌّ، فِيمَا يَتَّصِلُ بِمَبْلَغِ حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي تَعْدِيلِ آثَارِ الْعُقُودِ، بِالإْضَافَةِ  عَلَيْهَا، أَوِ النَّقْصِ مِنْهَا، وَذَلِكَ بِشُرُوطٍ يَشْتَرِطَانِهَا فِي عُقُودِهِمَا.

فَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَرَدَ قوله تعالي : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) قوله تعالي(لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ)  .

وَفِي السُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ وَرَدَ حَدِيثُ: «... الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً» وَفِي رِوَايَةٍ: «عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».

وَحَدِيثُ: «مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ»، وَحَدِيثُ: «مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ» أَيْ لَيْسَ فِيمَا كَتَبَهُ اللَّهُ وَأَوْجَبَهُ فِي شَرِيعَتِهِ الَّتِي شَرَعَهَا. وَحَدِيثُ: عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، «عَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَنَّهُ: نَهَى عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ».

فَهَذِهِ النُّصُوصُ - فِي مَجْمُوعِهَا - تُشِيرُ إِلَى أَنَّ هُنَاكَ: شُرُوطًا مُبَاحَةً لِلْمُتَعَاقِدِينَ، يَتَخَيَّرُونَ مِنْهَا مَا يَشَاءُونَ لِلاِلْتِزَامِ بِهَا فِي عُقُودِهِمَا، وَشُرُوطًا مَحْظُورَةً، لاَ حَقَّ لأِحَدٍ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فِي اشْتِرَاطِهَا فِي عُقُودِهِمَا، لِمَا أَنَّهَا تُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ، أَوْ تُخَالِفُ الْقَوَاعِدَ الْعَامَّةَ الشَّرْعِيَّةَ، أَوْ تُصَادِمُ مَقْصِدًا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ.

وَفِيمَا يَلِي تَفْصِيلُ مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ فِي الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ، كُلُّ مَذْهَبٍ عَلَى حِدَةٍ لِلاِخْتِلاَفِ الشَّدِيدِ بَيْنَهَا فِي ذَلِكَ.

أَوَّلاً: مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ:

2 - وَضَعَ الْحَنَفِيَّةُ هَذَا الضَّابِطَ لِلشَّرْطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، الَّذِي يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَهُوَ: كُلُّ شَرْطٍ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلاَ يُلاَئِمُهُ وَفِيهِ نَفْعٌ لأِحَدِهِمَا، أَوْ لأِجْنَبِيٍّ، أَوْ لِمَبِيعٍ هُوَ مِنْ أَهْلِ الاِسْتِحْقَاقِ، وَلَمْ يَجْرِ الْعُرْفُ بِهِ. وَلَمْ يَرِدِ الشَّرْعُ بِجَوَازِهِ  .

3 - أَمَّا إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَيْ يَجِبُ بِالْعَقْدِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنَّهُ يَقَعُ صَحِيحًا، وَلاَ يُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ  . كَمَا إِذَا اشْتَرَى بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الْمَبِيعَ، أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَتَمَلَّكَ الثَّمَنَ، أَوْ بَاعَ بِشَرْطِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ لاِسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، أَوِ اشْتَرَى عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ إِلَيْهِ الْمَبِيعُ، أَوِ اشْتَرَى دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ، أَوْ حِنْطَةً فِي سُنْبُلِهَا وَشَرَطَ الْحَصَادَ عَلَى الْبَائِعِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لأِنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، فَكَانَ ذِكْرُهَا فِي مَعْرِضِ الشَّرْطِ تَقْرِيرًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَلاَ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ  .

 

4 - وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الشَّرْطُ مُلاَئِمًا لِلْعَقْدِ، بِأَنْ يُؤَكِّدَ مُوجَبَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَلَوْ كَانَ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، لأِنَّهُ يُقَرِّرُ حُكْمَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَيُؤَكِّدُهُ، فَيُلْتَحَقُ بِالشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ، كَشَرْطِ رَهْنٍ مَعْلُومٍ بِالإْشَارَةِ أَوِ التَّسْمِيَةِ، وَشَرْطِ كَفِيلٍ حَاضِرٍ قَبْلَ الْكَفَالَةِ، أَوْ غَائِبٍ فَحَضَرَ وَقَبِلَهَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ  .

وَاشْتِرَاطُ الْحَوَالَةِ كَالْكَفَالَةِ، فَلَوْ بَاعَ عَلَى أَنْ يُحِيلَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ عَلَى غَيْرِهِ بِالثَّمَنِ، قَالُوا: فَسَدَ قِيَاسًا، وَجَازَ اسْتِحْسَانًا  .

لَكِنَّ الْكَاسَانِيَّ اعْتَبَرَ شَرْطَ الْحَوَالَةِ مُفْسِدًا، لأِنَّهُ لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، وَلاَ يُقَرِّرُ مُوجَبَهُ؛ لأِنَّ الْحَوَالَةَ إِبْرَاءٌ عَنِ الثَّمَنِ وَإِسْقَاطٌ لَهُ، فَلَمْ يَكُنْ مُلاَئِمًا لِلْعَقْدِ، بِخِلاَفِ الْكَفَالَةِ وَالرَّهْنِ  .

5 - وَيَشْمَلُ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَهُمْ مَا يَأْتِي:

أ - أَنْ يَكُونَ شَرْطُ الْمَنْفَعَةِ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: كَمَا إِذَا بَاعَ دَارًا عَلَى أَنْ يَسْكُنَهَا الْبَائِعُ شَهْرًا، ثُمَّ يُسَلِّمَهَا إِلَيْهِ، أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنْ يَزْرَعَهَا سَنَةً، أَوْ دَابَّةً عَلَى أَنْ يَرْكَبَهَا شَهْرًا، أَوْ ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَلْبَسَهُ أُسْبُوعًا، أَوْ عَلَى أَنْ يُقْرِضَهُ الْمُشْتَرِي قَرْضًا، أَوْ عَلَى أَنْ يَهَبَهُ هِبَةً، أَوْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ، أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ كَذَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ، أَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا عَلَى أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ قَمِيصًا، أَوْ حِنْطَةً عَلَى أَنْ يَطْحَنَهَا، أَوْ ثَمَرَةً عَلَى أَنْ يَجُذَّهَا، أَوْ شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ عَلَى أَنْ يَحْمِلَهُ الْبَائِعُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ.

فَالْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَاسِدٌ؛ لأِنَّ زِيَادَةَ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ فِي الْبَيْعِ تَكُونُ رِبًا، لأِنَّهَا زِيَادَةٌ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَهُوَ تَفْسِيرُ الرِّبَا، وَالْبَيْعُ الَّذِي فِيهِ الرِّبَا فَاسِدٌ، أَوْ فِيهِ شُبْهَةُ الرِّبَا، وَإِنَّهَا مُفْسِدَةٌ لِلْبَيْعِ، كَحَقِيقَةِ الرِّبَا  .

ب - وَيَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لأِجْنَبِيٍّ، كَمَا إِذَا بَاعَ سَاحَةً عَلَى أَنْ يَبْنِيَ فِيهَا مَسْجِدًا، أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ، فَهُوَ فَاسِدٌ، وَإِنْ يَكُنْ فِي مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ قَوْلاَنِ فِي اشْتِرَاطِ الْقَرْضِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْمَنْفَعَةِ لأِجْنَبِيٍّ.

ج - وَيَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ بَاعَ جَارِيَةً عَلَى أَنْ يُوصِيَ الْمُشْتَرِي بِعِتْقِهَا، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لأِنَّهُ شَرَطَ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمَبِيعِ، وَإِنَّهُ مُفْسِدٌ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُعْتِقَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. وَكَذَا لَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهَا أَوْ لاَ يَهَبَهَا، لأِنَّ الْمَمْلُوكَ يَسُرُّهُ أَنْ لاَ تَتَدَاوَلَهُ الأْيْدِي  . وَرَوَى الْحَسَنُ عَنِ الإْمَامِ  أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ اشْتِرَاطِ الإْعْتَاقِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

أَمَّا مَا لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ فَلاَ يَتَنَاوَلُهُ الشَّرْطُ الْمَذْكُورُ، وَلاَ يُوجِبُ الْفَسَادَ، كَمَا لَوْ بَاعَهُ ثَوْبًا وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَبِيعَهُ، أَوْ لاَ يَهَبَهُ، أَوْ بَاعَهُ دَابَّةً عَلَى أَنْ لاَ يَبِيعَهَا، أَوْ طَعَامًا عَلَى أَنْ يَأْكُلَهُ وَلاَ يَبِيعَهُ، فَهَذَا شَرْطٌ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، فَلاَ يُوجِبُ فِي الصَّحِيحِ الْفَسَادَ؛ لأِنَّ الْفَسَادَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الشُّرُوطِ - كَمَا يَقُولُ الْكَاسَانِيُّ - لِتَضَمُّنِهَا الرِّبَا بِزِيَادَةِ مَنْفَعَةٍ مَشْرُوطَةٍ لاَ يُقَابِلُهَا عِوَضٌ، وَلَمْ يُوجَدْ فِي هَذَا الشَّرْطِ، لأِنَّهُ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، وَلاَ مَطَالِبَ لَهُ بِهِ، فَلاَ يُؤَدِّي إِلَى الرِّبَا، وَلاَ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْعَقْدُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ  .

6 - أَمَّا مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ لأِحَدِهِمَا، كَمَا لَوْ بَاعَ الثَّوْبَ بِشَرْطِ أَنْ يَخْرِقَهُ الْمُشْتَرِي، أَوِ الدَّارَ عَلَى أَنْ يُخَرِّبَهَا، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لأِنَّ شَرْطَ الْمَضَرَّةِ لاَ يُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ. وَمَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ هُوَ فَسَادُ الْبَيْعِ  .

وَمَا لاَ مَضَرَّةَ وَلاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لأِحَدٍ، فَهُوَ جَائِزٌ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى طَعَامًا بِشَرْطِ أَكْلِهِ، أَوْ ثَوْبًا بِشَرْطِ لُبْسِهِ.

7 - وَاسْتَثْنَى الْحَنَفِيَّةُ مِنْ شَرْطِ الْمَنْفَعَةِ الْمُفْسِدِ، مَا جَرَى بِهِ الْعُرْفُ، وَتَعَامَلَ بِهِ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ إِنْكَارٍ، وَمَثَّلُوا لَهُ بِشِرَاءِ حِذَاءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَضَعَ لَهُ الْبَائِعُ نَعْلاً (أَوْ كَعْبًا) أَوِ الْقَبْقَابَ بِشَرْطِ أَنْ يُسَمِّرَ لَهُ الْبَائِعُ سَيْرًا، أَوْ صُوفًا مَنْسُوجًا لِيَجْعَلَهُ لَهُ الْبَائِعُ قَلَنْسُوَةً (أَوْ مِعْطَفًا) أَوِ اشْتَرَى قَلَنْسُوَةً بِشَرْطِ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا الْبَائِعُ بِطَانَةً مِنْ عِنْدِهِ، أَوْ خُفًّا أَوْ ثَوْبًا خَلَقًا عَلَى أَنْ يُرَقِّعَهُ أَوْ يَرْفُوَهُ لَهُ الْبَائِعُ.

فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الشُّرُوطِ الْجَائِزَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِهَا، وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ اسْتِحْسَانًا، لِلتَّعَامُلِ الَّذِي جَرَى بِهِ عُرْفُ النَّاسِ.

وَالْقِيَاسُ فَسَادُهُ - كَمَا يَقُولُ زُفَرُ - لأِنَّ هَذِهِ الشُّرُوطَ لاَ يَقْتَضِيهَا الْعَقْدُ، وَفِيهَا نَفْعٌ لأِحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ الْمُشْتَرِي هُنَا، لَكِنَّ النَّاسَ تَعَامَلُوهَا، وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ الْقِيَاسُ  .

8 - وَنَصَّ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله  - عَلَى اعْتِبَارِ الْعُرْفِ الْحَادِثِ. فَلَوْ حَدَثَ عُرْفٌ فِي غَيْرِ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فِي بَيْعِ الثَّوْبِ بِشَرْطِ رَفْوِهِ، وَالنَّعْلِ بِشَرْطِ حَذْوِهِ، يَكُونُ مُعْتَبَرًا، إِذَا لَمْ يُؤَدِّ إِلَى الْمُنَازَعَةِ.

وَنَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ - رحمه الله  - عَنِ الْمِنَحِ، أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ مِنَ اعْتِبَارِ الْعُرْفِ فِي هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يَكُونَ قَاضِيًا عَلَى حَدِيثِ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ» لأِنَّ الْحَدِيثَ مُعَلَّلٌ بِوُقُوعِ النِّزَاعِ الْمُخْرِجِ لِلْعَقْدِ عَنِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَهُوَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ، وَالْعُرْفُ يَنْفِي النِّزَاعَ، فَكَانَ مُوَافِقًا لِمَعْنَى الْحَدِيثِ، فَلَمْ يَبْقَ مِنَ الْمَوَانِعِ إِلاَّ الْقِيَاسُ، وَالْعُرْفُ قَاضٍ عَلَيْهِ  .

9 - كَمَا يُسْتَثْنَى مِنْ شَرْطِ مُخَالَفَةِ اقْتِضَاءِ الْعَقْدِ، مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَهَذَا كَشَرْطِ الأْجَلِ فِي دَفْعِ الثَّمَنِ، لِحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى ذَلِكَ، لَكِنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى النِّزَاعِ  . وَكَذَا شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، لأِنَّهُ ثَبَتَ فِي حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ رضي الله عنه الْمَعْرُوفِ: «إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ فِي كُلِّ سِلْعَةٍ ابْتَعْتَهَا ثَلاَثَ لَيَالٍ، فَإِنْ رَضِيتَ فَأَمْسِكْ، وَإِنْ سَخِطْتَ فَارْدُدْ».

وَقَدْ عَدَّدَ الْحَنَفِيَّةُ اثْنَيْنِ وَثَلاَثِينَ مَوْضِعًا لاَ يَفْسُدُ فِيهَا الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ  .

10 - وَهَلْ يُشْتَرَطُ اقْتِرَانُ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ بِالْعَقْدِ؟ وَمَا حُكْمُ التَّنْصِيصِ عَلَى الشَّرْطِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَمَا حُكْمُ ابْتِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ؟

أ - أَمَّا الْتِحَاقُهُ بِالْعَقْدِ بَعْدَ الاِفْتِرَاقِ عَنِ الْمَجْلِسِ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ مُصَحَّحَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ: إِحْدَاهُمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، وَالأْخْرَى عَنِ الصَّاحِبِينَ - وَهِيَ الأْصَحُّ  - أَنَّهُ لاَ يُلْتَحَقُ.

وَأُيِّدَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ: بِمَا لَوْ بَاعَ مُطْلَقًا، ثُمَّ أَجَّلَ الثَّمَنَ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ التَّأْجِيلُ، لأِنَّهُ فِي حُكْمِ الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، وَبِمَا لَوْ بَاعَا بِلاَ شَرْطٍ، ثُمَّ ذَكَرَا الشَّرْطَ عَلَى وَجْهِ الْوَعْدِ، جَازَ الْبَيْعُ، وَلَزِمَ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ، إِذِ الْمَوَاعِيدُ قَدْ تَكُونُ لاَزِمَةً، فَيُجْعَلُ لاَزِمًا لِحَاجَةِ النَّاسِ. وَبِمَا لَوْ تَبَايَعَا بِلاَ ذِكْرِ شَرْطِ (الْوَفَاءِ) ثُمَّ شَرَطَاهُ، يَكُونُ مِنْ قَبِيلِ بَيْعِ الْوَفَاءِ، إِذِ الشَّرْطُ اللاَّحِقُ يُلْتَحَقُ بِأَصْلِ الْعَقْدِ، عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ عِنْدَ صَاحِبَيْهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ لاِلْتِحَاقِهِ مَجْلِسَ الْعَقْدِ.

ب - وَأَمَّا ابْتِنَاءُ الْعَقْدِ عَلَى الشَّرْطِ الْفَاسِدِ، كَمَا لَوْ شَرَطَا شَرْطًا فَاسِدًا قَبْلَ الْعَقْدِ، ثُمَّ عَقَدَا الْعَقْدَ، فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَابِدِينَ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ عَدَمَ فَسَادِ الْعَقْدِ، لَكِنَّهُ حَقَّقَ ابْتِنَاءَ الْفَسَادِ لَوِ اتَّفَقَا عَلَى بِنَاءِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ: بِالْقِيَاسِ عَلَى مَا صَرَّحُوا بِهِ فِي بَيْعِ الْهَزْلِ.

وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الرَّمْلِيُّ - نَقْلاً عَنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ - فِي رَجُلَيْنِ تَوَاضَعَا عَلَى بَيْعِ الْوَفَاءِ قَبْلَ عَقْدِهِ، وَعَقَدَا الْبَيْعَ خَالِيًا عَنِ الشَّرْطِ: بِأَنَّهُ يَكُونُ عَلَى مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ  .

ثَانِيًا: مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ:

11 - فَصَّلَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الشَّرْطِ الَّذِي يُتَصَوَّرُ حُصُولُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ، فَقَالُوا: إِنَّهُ إِمَّا أَنْ لاَ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ وَيُنَافِيَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ. وَإِمَّا أَنْ يُخِلَّ بِالثَّمَنِ.

وَإِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ الْعَقْدُ، وَإِمَّا أَنْ لاَ يَقْتَضِيَهُ وَلاَ يُنَافِيَهُ.

فَالَّذِي يَضُرُّ بِالْعَقْدِ وَيُبْطِلُهُ هُوَ الشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ مُنَاقَضَةُ الْمَقْصُودِ مِنَ الْبَيْعِ، أَوْ إِخْلاَلٌ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَحْمَلُ حَدِيثِ «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ»، دُونَ الأْخِيرَيْنِ  .

فَمِثَالُ الأْوَّلِ  ، وَهُوَ الَّذِي لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَيُنَافِي الْمَقْصُودَ مِنْهُ - وَوَصَفَهُ ابْنُ جُزَيٍّ: بِاَلَّذِي يَقْتَضِي التَّحْجِيرَ عَلَى الْمُشْتَرِي - أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ السِّلْعَةَ لأِحَدٍ أَصْلاً، أَوْ إِلاَّ مِنْ نَفَرٍ قَلِيلٍ، أَوْ لاَ يَهَبَهَا، أَوْ لاَ يَرْكَبَهَا، أَوْ لاَ يَلْبَسَهَا، أَوْ لاَ يَسْكُنَهَا، أَوْ لاَ يُؤَاجِرَهَا، أَوْ عَلَى أَنَّهُ إِنْ بَاعَهَا مِنْ أَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِالثَّمَنِ. أَوْ يَشْتَرِطَ الْخِيَارَ إِلَى أَمَدٍ بَعِيدٍ.

فَفِي هَذِهِ الأْحْوَلِ كُلِّهَا يَبْطُلُ الشَّرْطُ وَالْبَيْعُ.

12 - وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ مُنَافَاةِ الشَّرْطِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بَعْضَ الصُّوَرِ:

الأْولَى: أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْبَائِعُ مِنَ الْمُشْتَرِي الإْقَالَةَ، فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: عَلَى شَرْطٍ إِنْ بِعْتَهَا غَيْرِي فَأَنَا أَحَقُّ بِهَا بِالثَّمَنِ. فَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ الْبَيْعِ مِنْ أَحَدٍ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ جَائِزَةٌ عِنْدَهُمْ، لأِنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الإْقَالَةِ مَا لاَ يُغْتَفَرُ فِي غَيْرِهَا

الثَّانِيَةُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَقِفَ الْمَبِيعَ، أَوْ أَنْ يَهَبَهُ، أَوْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، فَهَذِهِ مِنَ الْجَائِزَاتِ، لأِنَّهَا مِنْ أَلْوَانِ الْبِرِّ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ الشَّرْعُ.

الثَّالِثَةُ: أَنْ يَبِيعَ أَمَةً بِشَرْطِ تَنْجِيزِ عِتْقِهَا، فَإِنَّهُ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مُنَافِيًا لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَهَذَا لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إِلَى الْحُرِّيَّةِ، بِخِلاَفِ اشْتِرَاطِ التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ، وَاتِّخَاذِ الأْمَةِ أُمَّ وَلَدٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ، لِمَا فِيهِ مِنَ التَّضْيِيقِ عَلَى الْمُشْتَرِي.

13 - أَمَّا الشَّرْطُ الثَّانِي، وَهُوَ الإْخْلاَلُ بِالثَّمَنِ، فَهُوَ مُصَوَّرٌ بِأَمْرَيْنِ:

الأْوَّلُ: الْجَهْلُ بِالثَّمَنِ، وَهَذَا يَتَمَثَّلُ بِالْبَيْعِ بِشَرْطِ السَّلَفِ، أَيِ الْقَرْضِ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلآْخَرِ.

فَإِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْمُشْتَرِي، أَخَلَّ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهْلٍ فِي الثَّمَنِ، بِسَبَبِ الزِّيَادَةِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَإِنْ كَانَ شَرْطُ السَّلَفِ صَادِرًا مِنَ الْبَائِعِ، أَخَلَّ ذَلِكَ بِالثَّمَنِ، لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى جَهْلٍ فِي الثَّمَنِ، بِسَبَبِ النَّقْصِ؛ لأِنَّ انْتِفَاعَهُ بِالسَّلَفِ مِنْ جُمْلَةِ الْمُثَمَّنِ، وَهُوَ مَجْهُولٌ  .

الآْخَرُ: شُبْهَةُ الرِّبَا؛ لأِنَّ الْبَيْعَ بِشَرْطِ السَّلَفِ، يُعْتَبَرُ قَرْضًا جَرَّ نَفْعًا:

فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الْمُقْتَرِضَ، صَارَ الْمُقْرِضُ لَهُ هُوَ الْبَائِعَ، فَيَنْتَفِعُ الْبَائِعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ - وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الْمُقْتَرِضَ، صَارَ الْمُقْرِضُ لَهُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ، فَيَنْتَفِعُ الْمُشْتَرِي بِنَقْصِ الثَّمَنِ.

وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ جُزَيٍّ فِي هَذَا الصَّدَدِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ السَّلَفِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ لاَ يَجُوزُ بِإِجْمَاعٍ  .

14 - أَمَّا الشَّرْطُ الثَّالِثُ، وَهُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، فَهُوَ كَشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِلَى الْمُشْتَرِي، وَالْقِيَامِ بِالْعَيْبِ، وَرَدِّ الْعِوَضِ عِنْدَ انْتِقَاضِ الْبَيْعِ، فَهَذِهِ الأْمُورُ لاَزِمَةٌ دُونَ شَرْطٍ، لاِقْتِضَاءِ الْعَقْدِ إِيَّاهَا، فَشَرْطُهَا تَأْكِيدٌ - كَمَا يَقُولُ الدُّسُوقِيُّ  .

15 - وَأَمَّا الرَّابِعُ مِنَ الشُّرُوطِ، فَهُوَ كَشَرْطِ الأْجَلِ الْمَعْلُومِ، وَالرَّهْنِ، وَالْخِيَارِ، وَالْحَمِيلِ (أَيِ الْكَفِيلِ) فَهَذِهِ الشُّرُوطُ لاَ تُنَافِي الْعَقْدَ، وَلاَ يَقْتَضِيهَا، بَلْ هِيَ مِمَّا تَعُودُ عَلَيْهِ بِمَصْلَحَةٍ، فَإِنْ شُرِطَتْ عُمِلَ بِهَا، وَإِلاَّ فَلاَ.

وَصَحَّحُوا اشْتِرَاطَ الرَّهْنِ، وَلَوْ كَانَ غَائِبًا، وَتَوَقُّفَ السِّلْعَةِ حَتَّى يُقْبَضَ الرَّهْنُ الْغَائِبُ.

أَمَّا اشْتِرَاطُ الْكَفِيلِ الْغَائِبِ فَجَائِزٌ إِنْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ، لاَ إِنْ بَعُدَتْ، لأِنَّهُ قَدْ يَرْضَى وَقَدْ يَأْبَى، فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْقُرْبُ.

16 - وَقَدْ عَرَضَ ابْنُ جُزَيٍّ لِصُوَرٍ مِنَ الشَّرْطِ، تُعْتَبَرُ اسْتِثْنَاءً، أَوْ ذَاتَ حُكْمٍ خَاصٍّ، مِنْهَا هَذِهِ الصُّورَةُ، وَهِيَ: مَا إِذَا شَرَطَ الْبَائِعُ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ، كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ أَوْ سُكْنَى الدَّارِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَإِنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ، وَالشَّرْطَ صَحِيحٌ  .

فَيَبْدُو أَنَّ هَذَا كَالاِسْتِثْنَاءِ مِنَ التَّفْصِيلِ الرُّبَاعِيِّ الْمُتَقَدِّمِ  . وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ

الْمَعْرُوفُ وَهُوَ: «أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ أَنْ يُسَيِّبَهُ. قَالَ: وَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم فَدَعَا لِي، وَضَرَبَهُ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ، فَقَالَ: بِعْنِيهِ، فَقُلْتُ: لاَ. ثُمَّ قَالَ: بِعْنِيهِ، فَبِعْتُهُ، وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي» وَفِي رِوَايَةٍ: «وَشَرَطْتُ ظَهْرَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ».

وَيَبْدُو أَنَّ هَذَا شَرْطٌ جَائِزٌ عِنْدَ كَثِيرِينَ، فَقَدْ عَلَّقَ الشَّوْكَانِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ اسْتِثْنَاءِ الرُّكُوبِ، وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ، وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ إِذَا كَانَتْ مَسَافَةُ السَّفَرِ قَرِيبَةً، وَحَدَّهَا بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَآخَرُونَ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ، سَوَاءٌ أَقَلَّتِ الْمَسَافَةُ أَمْ كَثُرَتْ  .

وَالْحَدِيثُ - وَإِنْ كَانَ فِي الاِنْتِفَاعِ الْيَسِيرِ بِالْمَبِيعِ إِذَا كَانَ مِمَّا يُرْكَبُ مِنَ الْحَيَوَانِ - لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ قَاسُوا عَلَيْهِ الاِنْتِفَاعَ الْيَسِيرَ بِكُلِّ مَبِيعٍ بَعْدَ بَيْعِهِ، عَلَى سَبِيلِ الاِسْتِمْرَارِ، تَيْسِيرًا، نَظَرًا لِحَاجَةِ الْبَائِعِينَ.

17 - وَالْجَدِيرُ بِالذِّكْرِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، هُوَ أَنَّهُ: إِنْ أُسْقِطَ الشَّرْطُ الْمُخِلُّ بِالْعَقْدِ، سَوَاءٌ أَكَانَ شَرْطًا يُنَاقِضُ الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ كَاشْتِرَاطِ عَدَمِ بَيْعِ الْمَبِيعِ، أَمْ كَانَ شَرْطًا يُخِلُّ بِالثَّمَنِ كَاشْتِرَاطِ السَّلَفِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ.

وَلاَ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالِ سِوَى أَنْ يَكُونَ الإْسْقَاطُ مَعَ قِيَامِ السِّلْعَةِ.

فَقَدْ عَلَّلَ الْخَرَشِيُّ صِحَّةَ الْبَيْعِ هُنَا، بِحَذْفِ شَرْطِ السَّلَفِ، بِقَوْلِهِ: لِزَوَالِ الْمَانِعِ  .

18 - وَهَلْ يَسْتَوِي الْحُكْمُ فِي الإْسْقَاطِ، فِي مِثْلِ شَرْطِ الْقَرْضِ، بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنَ الاِنْتِفَاعِ بِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ؟ قَوْلاَنِ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ:

أ - فَمَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ، أَنَّهُ: إِذَا رُدَّ الْقَرْضُ عَلَى الْمُقْرِضِ، وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ، صَحَّ الْبَيْعُ، وَلَوْ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمُقْتَرِضِ عَلَى الْقَرْضِ غَيْبَةً يُمْكِنُهُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ.

ب - وَقَوْلُ سَحْنُونٍ وَابْنِ حَبِيبٍ، هُوَ: أَنَّ الْبَيْعَ يُنْقَضُ مَعَ الْغَيْبَةِ عَلَى الْقَرْضِ، وَلَوْ أُسْقِطَ شَرْطُ الْقَرْضِ، لِوُجُودِ مُوجِبِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا، أَوْ لِتَمَامِ الرِّبَا بَيْنَهُمَا - كَمَا عَبَّرَ الشَّيْخُ الدَّرْدِيرُ - فَلاَ يَنْفَعُ الإْسْقَاطُ.

وَالْمُعْتَمَدُ الأْوَّلُ عِنْدَ الدَّرْدِيرِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ، وَمَالَ الدُّسُوقِيُّ إِلَى الآْخَرِ، كَمَا يَبْدُو مِنْ كَلاَمِهِ وَنَقَلَهُ الآْخَرُ، فَقَدْ حَكَى تَشْهِيرَهُ، وَكَذَا الَّذِي يَبْدُو مِنْ كَلاَمِ الْعَدَوِيِّ  .

وَهُنَا سُؤَالاَنِ يُطْرَحَانِ:

19 - السُّؤَالُ الأْوَّلُ: مَا الَّذِي يَلْزَمُ لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُخِلُّ بِالثَّمَنِ، وَفَاتَتِ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، بِمُفَوِّتِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ (كَمَا لَوْ هَلَكَتْ) سَوَاءٌ أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ الشَّرْطِ شَرْطَهُ، أَمْ لَمْ يُسْقِطْهُ؟ وَفِي الْجَوَابِ أَقْوَالٌ:

الأْوَّلُ: وَهَذَا فِي الْمُدَوَّنَةِ - إِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقْرِضُ هُوَ الْمُشْتَرِيَ أَوِ الْبَائِعَ:

أ - فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْبَائِعَ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يَلْزَمُهُ الأْكْثَرُ مِنَ الثَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَمِنَ الْقِيمَةِ يَوْمَ الْقَبْضِ. فَإِذَا اشْتَرَاهَا بِعِشْرِينَ وَالْقِيمَةُ ثَلاَثُونَ، لَزِمَهُ ثَلاَثُونَ.

ب - وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ هُوَ الَّذِي أَقْرَضَ الْمُشْتَرِيَ، فَعَلَى الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ الأْقَلُّ مِنَ الثَّمَنِ وَمِنَ الْقِيمَةِ، فَيَلْزَمُهُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ عِشْرُونَ، لأِنَّهُ أَقْرَضَ لِيَزْدَادَ، فَعُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِهِ.

الثَّانِي: يُقَابِلُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَهُوَ لُزُومُ الْقِيمَةِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسَلِّفُ هُوَ الْبَائِعَ أَمِ الْمُشْتَرِيَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ تَغْرِيمَ الْمُشْتَرِي الأْقَلَّ، إِذَا اقْتَرَضَ مِنَ الْبَائِعِ مَحَلُّهُ إِذَا لَمْ يَغِبْ عَلَى مَا اقْتَرَضَهُ، وَإِلاَّ لَزِمَهُ الْقِيمَةُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ  .

وَهَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ قِيَمِيًّا، فَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا، فَإِنَّمَا يَجِبُ فِيهِ الْمِثْلُ، لأِنَّهُ كَعَيْنِهِ، فَلاَ كَلاَمَ لِوَاحِدٍ، فَهُوَ بِمَثَابَةِ مَا لَوْ كَانَ قَائِمًا، وَرُدَّ. بِعَيْنِهِ  .

السُّؤَالُ الثَّانِي:

20 - مَا الَّذِي يَلْزَمُ، لَوْ وَقَعَ الْبَيْعُ بِشَرْطٍ مُنَاقِضٍ لِلْمَقْصُودِ، وَفَاتَتِ السِّلْعَةُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ أَأُسْقِطَ ذَلِكَ الشَّرْطُ، أَمْ لَمْ يُسْقَطْ؟

قَالُوا: الْحُكْمُ هُوَ: أَنَّ لِلْبَائِعِ الأْكْثَرَ  مِنْ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْقَبْضِ وَمِنَ الثَّمَنِ، لِوُقُوعِ الْبَيْعِ بِأَنْقَصَ مِنَ الثَّمَنِ الْمُعْتَادِ، لأِجْلِ  الشَّرْطِ  .

ثَالِثًا: مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ:

21 - الْتَزَمَ الشَّافِعِيَّةُ نَهْيَ الشَّارِعِ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ. وَالْتَزَمُوا حَدِيثَ ابْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ» وَلَمْ يَسْتَثْنُوا إِلاَّ مَا ثَبَتَ اسْتِثْنَاؤُهُ بِالشَّرْعِ، وَقَلِيلاً مِمَّا رَأَوْا أَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَوْ مَصَالِحِهِ، فَكَانَ مَذْهَبُهُمْ بِذَلِكَ أَضْيَقَ الْمَذَاهِبِ الثَّلاَثَةِ.

وَمَعَ ذَلِكَ، فَقَدْ قَسَّمَ بَعْضُهُمُ الشَّرْطَ، فَقَالَ:

الشَّرْطُ إِمَّا أَنْ يَقْتَضِيَهُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ، كَالْقَبْضِ وَالاِنْتِفَاعِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، أَوْ لاَ.

فَالأْوَّلُ: لاَ يَضُرُّ بِالْعَقْدِ.

وَالثَّانِي - وَهُوَ الَّذِي لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ - إِمَّا أَنْ يَتَعَلَّقَ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، كَشَرْطِ الرَّهْنِ، وَالإْشْهَادِ وَالأْوْصَافِ الْمَقْصُودَةِ - مِنَ الْكِتَابَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَالْخِيَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ - أَوْ لاَ.

فَالأْوَّلُ: لاَ يُفْسِدُهُ، وَيَصِحُّ الشَّرْطُ نَفْسُهُ.

وَالثَّانِي: - وَهُوَ الَّذِي لاَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ - إِمَّا أَنْ لاَ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، كَشَرْطِ أَنْ لاَ تَأْكُلَ الدَّابَّةُ الْمَبِيعَةُ إِلاَّ كَذَا، فَهُوَ لاَغٍ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، فَهَذَا هُوَ الْفَاسِدُ الْمُفْسِدُ، كَالأْمُورِ الَّتِي تُنَافِي مُقْتَضَاهُ، نَحْوِ عَدَمِ الْقَبْضِ، وَعَدَمِ التَّصَرُّفِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ  .

وَخُلاَصَةُ هَذَا التَّقْسِيمِ:

(1أَنَّ اشْتِرَاطَ مَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ، أَوْ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَتِهِ أَوْ بِصِحَّتِهِ، صَحِيحٌ.

(2وَأَنَّ اشْتِرَاطَ مَا لاَ غَرَضَ فِيهِ لاَغٍ، وَلاَ يُفْسِدُ الْعَقْدَ.

(3وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مَا فِيهِ غَرَضٌ يُورِثُ تَنَازُعًا، فَهُوَ الشَّرْطُ الْمُفْسِدُ، وَذَلِكَ كَاشْتِرَاطِ مَا يُخَالِفُ مُقْتَضَاهُ  .

22 - وَمِنْ أَهَمِّ مَا نَصُّوا عَلَيْهِ تَطْبِيقًا لِلْحَدِيثَيْنِ وَلِهَذَا التَّقْسِيمِ:

(1الْبَيْعُ بِشَرْطِ بَيْعٍ، كَأَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الأْرْضَ بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي دَارَكَ بِكَذَا، أَوْ تَشْتَرِيَ مِنِّي دَارِي بِكَذَا، فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ، لاَ يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ.

(2الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْقَرْضِ، كَأَنْ يَبِيعَهُ أَرْضَهُ بِأَلْفٍ، بِشَرْطِ أَنْ يُقْرِضَهُ مِائَةً، وَمِثْلُ الْقَرْضِ الإْجَارَةُ، وَالتَّزْوِيجُ، وَالإْعَارَةُ  .

(3شِرَاءُ زَرْعٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْصُدَهُ الْبَائِعُ، أَوْ ثَوْبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ، وَمِنْهُ كَمَا يَقُولُ عَمِيرَةُ الْبُرُلُّسِيُّ: شِرَاءُ حَطَبٍ بِشَرْطِ أَنْ يَحْمِلَهُ إِلَى بَيْتِهِ، فَالْمَذْهَبُ فِي هَذَا وَأَمْثَالِهِ بُطْلاَنُ الشِّرَاءِ، لاِشْتِمَالِهِ عَلَى شَرْطِ عَمَلٍ فِيمَا لَمْ يَمْلِكْهُ بَعْدُ، وَذَلِكَ فَاسِدٌ، وَلأِنَّهُ - كَمَا قَالَ الإْسْنَوِيُّ  - شَرْطٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، فَيَبْطُلُ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ فِي الأْصَحِّ . وَإِنْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ قَوْلاَنِ آخَرَانِ فِي هَذِهِ الْجُزْئِيَّةِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَلْزَمُ الشَّرْطُ، وَهُوَ فِي الْمَعْنَى بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، وَيُوَزَّعُ الْمُسَمَّى عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ.

وَثَانِيهِمَا: يَبْطُلُ الشَّرْطُ، وَيَصِحُّ الْبَيْعُ بِمَا يُقَابِلُ الْمَبِيعَ مِنَ الْمُسَمَّى.

23 - وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَسَائِلَ مَعْدُودَةً مِنَ النَّهْيِ صَحَّحُوهَا مَعَ الشَّرْطِ وَهِيَ:

أ - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الأْجَلِ الْمُعَيَّنِ، لقوله تعالي(إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)

ب - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الرَّهْنِ، وَقَيَّدُوهُ بِالْمَعْلُومِيَّةِ.

ج - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْكَفِيلِ الْمَعْلُومِ أَيْضًا، لِعِوَضٍ مَا، مِنْ مَبِيعٍ أَوْ ثَمَنٍ ثَابِتٍ فِي الذِّمَّةِ، وَذَلِكَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهِمَا فِي مُعَامَلَةِ مَنْ لاَ يَرْضَى إِلاَّ بِهِمَا.

د - الإْشْهَادُ عَلَى جَرَيَانِ الْبَيْعِ، لِلأْمْرِ بِهِ فِي الآْيَةِ قَالَ تَعَالَى(وَأُشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ)  .

هـ - الْبَيْعُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، لِثُبُوتِهِ بِحَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ، الْمَعْرُوفِ  .

24 - الْبَيْعُ بِشَرْطِ عِتْقِ الْمَبِيعِ، وَفِيهِ أَقْوَالٌ عِنْدَ

هُمْ:

الْقَوْلُ الأْوَّلُ: وَهُوَ أَصَحُّهَا، أَنَّ الشَّرْطَ صَحِيحٌ، وَالْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ رضي الله عنها، أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنْ تَشْتَرِيَ بَرِيرَةَ لِلْعِتْقِ، فَاشْتَرَطُوا وَلاَءَهَا، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم فَقَالَ: اشْتَرِيهَا وَأَعْتِقِيهَا، فَإِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم أَنَّ شَرْطَ الْوَلاَءِ لَهُمْ، إِذْ قَالَ: مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»

وَلأِنَّ اسْتِعْقَابَ الْبَيْعِ الْعِتْقَ عَهْدٌ فِي شِرَاءِ الْقَرِيبِ، فَاحْتُمِلَ شَرْطُهُ. وَلِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلْعِتْقِ.

عَلَى أَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةً لِلْمُشْتَرِي، دُنْيَا بِالْوَلاَءِ، وَأُخْرَى بِالثَّوَابِ، وَلِلْبَائِعِ بِالتَّسَبُّبِ فِيهِ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الشَّرْطَ بَاطِلٌ وَالْبَيْعَ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ شَرَطَ بَيْعَهُ أَوْ هِبَتَهُ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ  .

25 - وَمِمَّا اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيَّةُ أَيْضًا مِنَ النَّهْيِ: شَرْطُ الْوَلاَءِ لِغَيْرِ الْمُشْتَرِي مَعَ الْعِتْقِ، فِي أَضْعَفِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَهُمْ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ بَرِيرَةَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ، «وَقَوْلُهُ - عليه الصلاة والسلام - لِعَائِشَةَ رضي الله عنهاوَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ».

لَكِنَّ الأْصَحَّ  بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وَالْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، لِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ، مِنْ أَنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.

فَأَجَابَ هَؤُلاَءِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ «وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلاَءَ» بِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يَقَعْ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، وَبِأَنَّهُ خَاصٌّ بِقَضِيَّةِ عَائِشَةَ، وَبِأَنَّ قَوْلَهُ: «لَهُمْ» بِمَعْنَى: عَلَيْهِمْ

26 - وَمِمَّا اسْتَثْنَوْهُ أَيْضًا: شَرْطُ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعُيُوبِ فِي الْمَبِيعِ، لأِنَّهُ يَحْتَاجُ الْبَائِعُ فِيهِ إِلَى شَرْطِ الْبَرَاءَةِ، لِيَثِقَ بِلُزُومِ الْبَيْعِ فِيمَا لاَ يَعْلَمُهُ مِنَ الْخَفِيِّ، دُونَ مَا يَعْلَمُهُ، مُطْلَقًا فِي حَيَوَانٍ أَوْ غَيْرِهِ، فَالْبَيْعُ مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَصَحَّ الشَّرْطُ أَمْ لَمْ يَصِحَّ، لأِنَّهُ شَرْطٌ يُؤَكِّدُ الْعَقْدَ، وَيُوَافِقُ ظَاهِرَ الْحَالِ، وَهُوَ السَّلاَمَةُ مِنَ الْعُيُوبِ.

وَتَأَيَّدَ هَذَا بِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهمابَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي: بِهِ دَاءٌ لَمْ تُسَمِّهِ لِي. فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَقَضَى عَلَى ابْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ: لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ، فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ، وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ، فَبَاعَهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ.

قَالُوا: فَدَلَّ قَضَاءُ عُثْمَانَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ عَلَى جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ مِنَ الْعَيْبِ، وَهُوَ مَشْهُورٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ، فَصَارَ مِنَ الإْجْمَاعِ السُّكُوتِيِّ.

27 - وَمِمَّا اسْتَثْنَوْهُ أَيْضًا:

أ - شَرْطُ نَقْلِ الْمَبِيعِ مِنْ مَكَانِ الْبَائِعِ، قَالُوا:

لأِنَّهُ تَصْرِيحٌ بِمُقْتَضَى الْعَقْدِ  .

ب - شَرْطُ قَطْعِ الثِّمَارِ أَوْ تَبْقِيَتِهَا بَعْدَ صَلاَحِهَا وَنُضْجِهَا، فَهُوَ جَائِزٌ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، كَمَا أَنَّهُ جَائِزٌ بَيْعُهَا بَعْدَ النُّضْجِ مُطْلَقًا مِنَ الشَّرْطِ. لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، «أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم نَهَى عَنْ بَيْعِ الثِّمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا»  . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم لاَ تَتَبَايَعُوا الثِّمَارَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهَا»

فَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الثَّمَرِ بَعْدَ بَدْوِ صَلاَحِهِ، وَهُوَ صَادِقٌ بِكُلِّ الأْحْوَالِ  الثَّلاَثَةِ: بَيْعُهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ، وَبِشَرْطِ قَطْعِهِ، وَبِشَرْطِ إِبْقَائِهِ  .

ج - شَرْطُ أَنْ يَعْمَلَ الْبَائِعُ عَمَلاً مَعْلُومًا فِي الْمَبِيعِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى ثَوْبًا بِشَرْطِ أَنْ يَخِيطَهُ الْبَائِعُ، فِي أَضْعَفِ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ.

د - اشْتِرَاطُ وَصْفٍ مَقْصُودٍ فِي الْمَبِيعِ عُرْفًا، كَكَوْنِ الدَّابَّةِ حَامِلاً أَوْ ذَاتَ لَبَنٍ، فَالشَّرْطُ صَحِيحٌ، وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إِنْ تَخَلَّفَ الشَّرْطُ. قَالُوا: وَوَجْهُ الصِّحَّةِ: أَنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَتَعَلَّقُ بِمَصْلَحَةِ الْعَقْدِ.

وَلأِنَّهُ الْتِزَامٌ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْعَقْدِ وَلاَ يَتَوَقَّفُ الْتِزَامُهُ عَلَى إِنْشَاءِ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، ذَاكَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ الشَّرْطِ، فَلَمْ يَشْمَلْهُ النَّهْيُ عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ.

هـ - اشْتِرَاطُ أَنْ لاَ يُسَلِّمَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الثَّمَنَ.

و - شَرْطُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، لأِنَّهُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ  .

ز - خِيَارُ الرُّؤْيَةِ فِيمَا إِذَا بَاعَ مَا لَمْ يَرَهُ، عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ، لِلْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ  .

رَابِعًا: مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ:

28 - قَسَّمَ الْحَنَابِلَةُ الشُّرُوطَ فِي الْبَيْعِ إِلَى قِسْمَيْنِ:

الأْوَّلُ: صَحِيحٌ لاَزِمٌ، لَيْسَ لِمَنِ اشْتُرِطَ عَلَيْهِ فَكُّهُ.

الآْخَرُ: فَاسِدٌ يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ.

(1فَالأْوَّلُ: وَهُوَ الشَّرْطُ الصَّحِيحُ اللاَّزِمُ، ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

أَحَدُهَا: مَا هُوَ مُقْتَضَى الْعَقْدِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ، كَالتَّقَابُضِ، وَحُلُولِ الثَّمَنِ، وَتَصَرُّفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ، وَخِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَالرَّدِّ بِعَيْبٍ قَدِيمٍ.

فَهَذَا الشَّرْطُ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، لاَ يُفِيدُ حُكْمًا، وَلاَ يُؤَثِّرُ فِي الْعَقْدِ، لأِنَّهُ بَيَانٌ وَتَأْكِيدٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ.

الثَّانِي: شَرْطٌ مِنْ مَصْلَحَةِ الْعَقْدِ، أَيْ تَتَعَلَّقُ بِهِ مَصْلَحَةٌ تَعُودُ عَلَى الْمُشْتَرِطِ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ: الْخِيَارُ، وَالشَّهَادَةُ، أَوِ اشْتِرَاطُ صِفَةٍ فِي الثَّمَنِ، كَتَأْجِيلِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ رَهْنِ مُعَيَّنٍ بِهِ، أَوْ كَفِيلٍ مُعَيَّنٍ بِهِ، أَوِ اشْتِرَاطِ صِفَةٍ مَقْصُودَةٍ فِي الْمَبِيعِ، كَالصِّنَاعَةِ وَالْكِتَابَةِ، أَوِ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الدَّابَّةِ ذَاتَ لَبَنٍ، أَوْ غَزِيرَةَ اللَّبَنِ، أَوِ الْفَهْدِ صَيُودًا، أَوِ الطَّيْرِ مُصَوِّتًا، أَوْ يَبِيضُ، أَوْ يَجِيءُ مِنْ مَسَافَةٍ مَعْلُومَةٍ، أَوْ كَوْنِ خَرَاجِ الأْرْضِ كَذَا.. فَيَصِحُّ الشَّرْطُ فِي كُلِّ مَا ذُكِرَ، وَيَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلاَلاً»، وَلأِنَّ الرَّغَبَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لَفَاتَتِ الْحِكْمَةُ الَّتِي لأِجْلِ هَا شُرِعَ الْبَيْعُ.

فَهَذَا الشَّرْطُ إِنْ وَفَّى بِهِ لَزِمَ، وَإِلاَّ فَلِلْمُشْتَرَطِ لَهُ الْفَسْخُ لِفَوَاتِهِ، أَوْ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ تَعَيَّنَ أَرْشُ فَقْدِ الصِّفَةِ، كَالْمَعِيبِ إِذَا تَلِفَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي  .

الثَّالِثُ: شَرْطٌ لَيْسَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، وَلاَ مِنْ مَصْلَحَتِهِ، وَلاَ يُنَافِي مُقْتَضَاهُ، لَكِنْ فِيهِ نَفْعًا مَعْلُومًا لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي.

أ - كَمَا لَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ سُكْنَى الدَّارِ الْمَبِيعَةِ شَهْرًا، أَوْ أَنْ تَحْمِلَهُ الدَّابَّةُ (أَوِ السَّيَّارَةُ) إِلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِحَدِيثِ «جَابِرٍ رضي الله عنه، حِينَ بَاعَ جَمَلَهُ مِنَ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم إِذْ قَالَ فَبِعْتُهُ وَاسْتَثْنَيْتُ حُمْلاَنَهُ إِلَى أَهْلِي»

وَحَدِيثِ: جَابِرٍ أَيْضًا، أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم «نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ، وَالثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ» وَالْمُرَادُ بِالثُّنْيَا الاِسْتِثْنَاءُ.

وَقِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ بَاعَهُ دَارًا مُؤَجَّرَةً.

وَمِثْلُ مَا تَقَدَّمَ أَيْضًا: اشْتِرَاطُ الْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ الْمَبِيعَ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهُ، وَكَذَا اشْتِرَاطُهُ الْمَنْفَعَةَ لِغَيْرِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَلَوْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ الْمُشْتَرَطِ اسْتِثْنَاءُ نَفْعِهَا، قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْبَائِعِ النَّفْعَ:

فَإِنْ كَانَ التَّلَفُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي وَتَفْرِيطِهِ، لَزِمَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، لِتَفْوِيتِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمُسْتَحَقَّةَ عَلَى مُسْتَحِقِّهَا. وَإِنْ تَلِفَتْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِوَضُ  .

ب - وَكَمَا لَوْ شَرَطَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ حَمْلَ الْحَطَبِ، أَوْ تَكْسِيرَهُ، أَوْ خِيَاطَةَ ثَوْبٍ، أَوْ تَفْصِيلَهُ، أَوْ حَصَادَ زَرْعٍ، أَوْ جَزَّ رُطَبِهِ، فَيَصِحُّ إِنْ كَانَ النَّفْعُ مَعْلُومًا، وَيَلْزَمُ الْبَائِعَ فِعْلُهُ. وَلَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مَتَاعَهُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَالْبَائِعُ لاَ يَعْرِفُهُ، فَلَهُمْ فِيهِ وَجْهَانِ  .

ثُمَّ إِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ الْمَشْرُوطُ بِتَلَفِ الْمَبِيعِ، أَوِ اسْتَحَقَّ النَّفْعَ بِالإْجَارَةِ  الْخَاصَّةِ، أَوْ تَعَذَّرَ بِمَوْتِ الْبَائِعِ، رَجَعَ الْمُشْتَرِي بِعِوَضِ ذَلِكَ النَّفْعِ، كَمَا لَوِ انْفَسَخَتِ الإْجَارَةُ بَعْدَ قَبْضِ عِوَضِهَا، رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِعِوَضِ الْمَنْفَعَةِ.

وَإِنْ تَعَذَّرَ الْعَمَلُ عَلَى الْبَائِعِ بِمَرَضٍ، أُقِيمَ مَقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُ، وَالأْجْرَةُ  عَلَى الْبَائِعِ، كَمَا فِي الإْجَارَةِ .

29 - اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ جَوَازِ اشْتِرَاطِ النَّفْعِ الْمَعْلُومِ، مَا لَوْ جَمَعَ فِي الاِسْتِثْنَاءِ بَيْنَ شَرْطَيْنِ، وَكَانَا صَحِيحَيْنِ: كَحَمْلِ الْحَطَبِ وَتَكْسِيرِهِ، أَوْ خِيَاطَةِ الثَّوْبِ وَتَفْصِيلِهِ، فَإِنَّ الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ، لِحَدِيثِ: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ، وَلاَ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ»  .

أَمَّا إِنْ كَانَ الشَّرْطَانِ الْمَجْمُوعَانِ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ، كَاشْتِرَاطِ حُلُولِ الثَّمَنِ مَعَ تَصَرُّفِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصِيرُ إِلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلاَ خِلاَفٍ. أَوْ يَكُونَا مِنْ مَصْلَحَةِ الْبَيْعِ، كَاشْتِرَاطِ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ مُعَيَّنَيْنِ بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، كَمَا لَوْ كَانَا مِنْ مُقْتَضَاهُ.

(2وَالآْخَرُ: وَهُوَ الشَّرْطُ الْفَاسِدُ الْمُحَرَّمُ، تَحْتَهُ أَيْضًا ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ:

النَّوْعُ الأْوَّلُ:

30 - أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ: كَعَقْدِ سَلَمٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ إِجَارَةٍ، أَوْ شَرِكَةٍ، فَهَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، سَوَاءٌ اشْتَرَطَهُ الْبَائِعُ أَمِ الْمُشْتَرِي.

وَهَذَا مَشْهُورُ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ كَانَ بُطْلاَنُ الشَّرْطِ وَحْدَهُ احْتِمَالاً عِنْدَهُمْ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنِ الإْمَامِ  أَحْمَدَ.

وَدَلِيلُ الْمَشْهُورِ:

أ - أَنَّهُ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، «وَأَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»  . وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.

ب - وَقَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهصَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ رِبًا.

ج - وَلأِنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي آخَرَ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَنِكَاحِ الشِّغَارِ.

وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ دَارِي بِكَذَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، أَوْ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى دَابَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِي مِنْ ذَلِكَ، قَرْضًا أَوْ مَجَّانًا  .

النَّوْعُ الثَّانِي:

31 - أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ. مِثْلُ: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لاَ يَبِيعَ الْمَبِيعَ، وَلاَ يَهَبَهُ، وَلاَ يُعْتِقَهُ، أَوْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ، أَوْ يَقِفَهُ، أَوْ أَنَّهُ مَتَى نَفَقَ (هَلَكَ) الْمَبِيعُ فَبِهَا، وَإِلاَّ رَدَّهُ، أَوْ إِنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ فَالْوَلاَءُ لَهُ، فَهَذِهِ وَمَا أَشْبَهَهَا شُرُوطٌ فَاسِدَةٌ.

وَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ بِهَا رِوَايَتَانِ فِي الْمَذْهَبِ. وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْبَيْعَ صَحِيحٌ، وَلاَ يُبْطِلُهُ الشَّرْطُ، بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ فَقَطْ، لأِنَّ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم أَبْطَلَ الشَّرْطَ فِي حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمَعْرُوفِ، وَلَمْ يُبْطِلِ الْعَقْدَ.

32 - وَقَدِ اسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ الْبَاطِلِ الْعِتْقَ، فَيَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي، لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمَذْكُورِ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعِتْقِ إِنْ أَبَاهُ، لأِنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالنَّذْرِ، فَإِنِ امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ عِتْقِهِ أَعْتَقَهُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ، لأِنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهَا، كَالنَّذْرِ.

33 - وَبِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْبَيْعِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَبِفَسَادِ الشَّرْطِ فَقَطْ بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ - فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلَّذِي فَاتَ غَرَضُهُ بِفَسَادِ الشَّرْطِ، مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ أَعَلِمَ بِفَسَادِ الشَّرْطِ أَمْ لَمْ يَعْلَمْ - مَا يَلِي:

أ - فَسْخُ الْبَيْعِ، لأِنَّهُ لَمْ يَسْلَمْ لَهُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنَ الشَّرْطِ.

ب - لِلْبَائِعِ الرُّجُوعُ بِمَا نَقَصَهُ الشَّرْطُ مِنَ الثَّمَنِ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا بَاعَ بِنَقْصٍ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالنَّقْصِ.

ج - وَلِلْمُشْتَرِي الرُّجُوعُ بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ، لأِنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَى بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ، لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالزِّيَادَةِ الَّتِي سَمَحَ بِهَا، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا.

فَلِلْبَائِعِ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ النَّقْصِ.

وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ مَا زَادَهُ عَلَى الثَّمَنِ  .

وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا احْتِمَالَ ثُبُوتِ الْخِيَارِ، بِدُونِ الرُّجُوعِ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ: قِيَاسًا عَلَى مَنْ شَرَطَ رَهْنًا أَوْ ضَمِينًا، فَامْتَنَعَ الرَّاهِنُ وَالضَّمِينُ. وَلأِنَّهُ مَا يَنْقُصُهُ الشَّرْطُ مِنَ الثَّمَنِ مَجْهُولٌ، فَيَصِيرُ الثَّمَنُ مَجْهُولاً. وَلأِنَّ «النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم لَمْ يَحْكُمْ لأَِرْبَابِ بَرِيرَةَ بِشَيْءٍ»، مَعَ فَسَادِ الشَّرْطِ، وَصِحَّةِ الْبَيْعِ.

النَّوْعُ الثَّالِثُ:

34 - أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ أَوِ الْمُشْتَرِي شَرْطًا يُعَلِّقُ عَلَيْهِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ، كَقَوْلِ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ إِنْ جِئْتَنِي بِكَذَا، أَوْ بِعْتُكَ إِنْ رَضِيَ فُلاَنٌ، وَكَقَوْلِ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُ إِنْ جَاءَ زَيْدٌ، فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ، وَذَلِكَ لأِنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْلُ الْمِلْكِ حَالَ التَّبَايُعِ، وَالشَّرْطُ هُنَا يَمْنَعُهُ. وَلأِنَّهُ عَلَّقَ الْبَيْعَ عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ، فَلَمْ يَصِحَّ، كَمَا إِذَا قَالَ: بِعْتُكَ إِذَا جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ. وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ قَوْلَ الْبَائِعِ: بِعْتُكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَقَوْلَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَبَيْعَ الْعُرْبُونِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ، لأِنَّ نَافِعَ بْنَ الْحَارِثِ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ، فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ، وَإِلاَّ لَهُ كَذَا وَكَذَا  . (ر: مُصْطَلَحُ عُرْبُون)

بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ:

35 - وَرَدَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ»  .

وَوَرَدَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهقَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم عَنْ صَفْقَتَيْنِ فِي صَفْقَةٍ».

وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: جَمْعُ بَيْعَتَيْنِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ. وَتَسْمِيَةُ ذَلِكَ الْعَقْدِ بَيْعَتَيْنِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ الثَّمَنِ  .

وَأَشَارَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى تَوَهُّمِ مَنْ يَتَكَلَّمُ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ حَدِيثُ الْبَيْعَتَيْنِ أَخَصُّ مِنْ حَدِيثِ الصَّفْقَتَيْنِ؛ لأِنَّ الأْوَّلَ خُصُوصُ صَفْقَةٍ مِنَ الصَّفَقَاتِ، وَهِيَ الْبَيْعُ، وَأَمَّا حَدِيثُ الصَّفْقَتَيْنِ فَهُوَ أَعَمُّ لِشُمُولِهِ الْبَيْعَ وَغَيْرَهُ، كَالإْجَارَةِ . وَاخْتَلَفَتِ الصُّوَرُ الَّتِي أَلْقَاهَا الْفُقَهَاءُ لِتَصَوُّرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.

عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ).

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 43

الْفَسْخُ لِلتَّوَقُّفِ:

4 - التَّفْرِقَةُ بَيْنَ التَّخْيِيرِ وَالتَّوَقُّفِ تَكُونُ فِي الْمَنْشَأِ وَالأْحْكَامِ وَالاِنْتِهَاءِ.

فَالْخِيَارُ يَنْشَأُ لِتَعَيُّبِ الإْرَادَةِ  (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارِ الْحُكْمِيِّ غَالِبًا) أَوْ لاِتِّجَاهِ إِرَادَةِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ لِمَنْعِ لُزُومِ الْعَقْدِ (وَذَلِكَ فِي الْخِيَارَاتِ الإْرَادِيَّةِ) وَكِلاَهُمَا مَرْحَلَةٌ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعَقْدِ وَصُلُوحِهِ لِسَرَيَانِ آثَارِهِ (النَّفَاذُ). أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَهُوَ يَنْشَأُ لِنَقْصِ الأْهْلِيَّةِ  فِي الْعَاقِدِ، أَوْ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ. فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَجَالٌ مُغَايِرٌ لِلآْخَرِ، لَيْسَ مُغَايَرَةَا خْتِلاَفٍ فِي السَّبَبِ فَقَطْ، بَلْ مَعَ التَّدَاعِي وَالتَّجَانُسِ بَيْنَ أَسْبَابِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَمُنَافَرَتِهَا مَا لِلآْخَرِ.

أَمَّا مِنْ حَيْثُ الطَّبِيعَةُ وَالأْحْكَامُ  فَإِنَّ الْعَقْدَ الْمَوْقُوفَ تَكُونُ آثَارُهُ مُعَلَّقَةً بِسَبَبِ الْمَانِعِ الشَّرْعِيِّ مِنْ نَفَاذِهَا، وَهَذَا بِالرَّغْمِ مِنِ انْعِقَادِهِ وَصِحَّتِهِ لأِنَّ  ذَلِكَ الْمَانِعَ مَنَعَ تَمَامَ الْعِلَّةِ.

أَمَّا الْخِيَارُ فَإِنَّ حُكْمَ الْعَقْدِ قَدْ نَفَذَ وَتَرَتَّبَتْ آثَارُهُ وَلَكِنِ امْتَنَعَ ثُبُوتُهَا بِسَبَبِ الْخِيَارِ، فَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ ابْتِدَاءُ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ الْعِلَّةِ، وَذَلِكَ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ تَمَامُ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ، كَخِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَأَحْيَانًا يَمْتَنِعُ لُزُومُ الْعَقْدِ بَعْدَ أَنْ سَرَتْ آثَارُهُ، كَخِيَارِ الْعَيْبِ

وَفِي الاِنْقِضَاءِ نَجِدُ أَنَّ الْمَوْقُوفَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ تَامِّ الْعِلَّةِ لَمْ تَتِمَّ الصَّفْقَةُ، فَيَكْفِي فِي نَقْضِهِ مَحْضُ إِرَادَةِ مَنْ لَهُ النَّقْضُ، وَهُوَ لِهَذَا الضَّعْفِ فِيهِ لاَ يَرِدُ فِيهِ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ، وَلاَ يَنْتَقِلُ بِالْمِيرَاثِ، بَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ حَقُّ إِجَازَتِهِ، فِي حِينِ يَجُوزُ إِسْقَاطُ الْخِيَارِ - فِي الْجُمْلَةِ - وَيَنْتَقِلُ بِالْمِيرَاثِ وَخَاصَّةً مَا كَانَ مِنْهُ مُتَّصِلاً بِالْعَيْنِ عَلَى اخْتِلاَفٍ فِي الْمَذَاهِبِ، وَيَنْقَضِي الْخِيَارُ بِإِرَادَةِ مَنْ هُوَ لَهُ دُونَ حَاجَةٍ إِلَى التَّرَاضِي أَوِ التَّقَاضِي إِلاَّ حَيْثُ تَتِمُّ الصَّفْقَةُ بِحُصُولِ الْقَبْضِ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ.

د - الْفَسْخُ فِي الإْقَالَةِ:

5 -تُشْبِهُ الإْقَالَةُ الْخِيَارَ مِنْ حَيْثُ تَأْدِيَتُهُمَا - فِي حَالٍ مَا - إِلَى فَسْخِ الْعَقْدِ، وَتُشْبِهُهُ أَيْضًا مِنْ جِهَةِ أَنَّهُمَا لاَ يَدْخُلاَنِ إِلاَّ عُقُودَ الْمُعَاوَضَاتِ الْمَالِيَّةِ اللاَّزِمَةِ الْقَابِلَةِ لِلْفَسْخِ.

وَلَكِنَّ الإْقَالَةَ تُخَالِفُ الْخِيَارَ فِي أَنَّ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ يُمْكِنُهُ فَسْخُ الْعَقْدِ بِمَحْضِ إِرَادَتِهِ دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا صَاحِبِهِ، بِخِلاَفِ الإْقَالَةِ فَلاَ بُدَّ مِنِ الْتِقَاءِ الإْرَادَتَيْنِ عَلَى فَسْخِ الْعَقْدِ. كَمَا أَنَّ هُنَاكَ فَرْقًا آخَرَ هُوَ أَنَّ الْخِيَارَ يَجْعَلُ الْعَقْدَ غَيْرَ لاَزِمٍ فِي حَقِّ مَنْ هُوَ لَهُ. وَأَمَّا الإْقَالَةُ  فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ حَيْثُ يَكُونُ الْعَقْدُ لاَزِمًا لِلطَّرَفَيْنِ .

حِكْمَةُ تَشْرِيعِ الْخِيَارِ:

17 - الْغَرَضُ فِي الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ: بِالرَّغْمِ مِنْ تَعَدُّدِ أَسْبَابِهَا هُوَ تَلاَفِي النَّقْصِ الْحَاصِلِ بَعْدَ تَخَلُّفٍ شَرِيطَةَ لُزُومِ الْعَقْدِ. وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَحَقَّقَتْ شَرَائِطُ الاِنْعِقَادِ وَالصِّحَّةِ وَالنَّفَاذِ، أَيْ أَنَّ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةَ لِتَخْفِيفِ مَغَبَّةِ الإْخْلاَلِ  بِالْعَقْدِ فِي الْبِدَايَةِ لِعَدَمِ الْمَعْلُومِيَّةِ التَّامَّةِ، أَوْ لِدُخُولِ اللَّبْسِ وَالْغَبْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى الإْضْرَارِ  بِالْعَاقِدِ، أَوْ فِي النِّهَايَةِ كَاخْتِلاَلِ التَّنْفِيذِ.

فَالْغَايَةُ مِنَ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ تَمْحِيصُ الإْرَادَتَيْنِ وَتَنْقِيَةُ عُنْصُرِ التَّرَاضِي مِنَ الشَّوَائِبِ تَوَصُّلاً إِلَى دَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْعَاقِدِ. وَمِنْ هُنَا قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ الْخِيَارَاتِ إِلَى شَطْرَيْنِ: خِيَارَاتِ التَّرَوِّي، وَخِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ، وَمُرَادُهُمْ بِخِيَارَاتِ النَّقِيصَةِ الْخِيَارَاتُ الَّتِي تَهْدِفُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنِ الْعَاقِدِ فِي حِينِ تَهْدِفُ خِيَارَاتُ التَّرَوِّي إِلَى جَلْبِ النَّفْعِ لَهُ.

أَمَّا الْغَرَضُ مِنَ الْخِيَارَاتِ الإْرَادِيَّةِ فَإِنَّهُ يَخْتَلِفُ عَنِ الْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ فِي صَعِيدِ الْخِيَارَاتِ الْحُكْمِيَّةِ. فَفِي الْخِيَارَاتِ الإْرَادِيَّةِ يَكَادُ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا يَكُونُ أَمْرًا وَاحِدًا هُوَ مَا دَعَاهُ الْفُقَهَاءُ بِالتَّرَوِّي، أَيِ التَّأَمُّلِ فِي صُلُوحِ الشَّيْءِ لَهُ وَسَدِّ حَاجَتِهِ فِي الشِّرَاءِ، وَذَلِكَ لِلتَّرْفِيهِ عَنِ الْمُتَعَاقِدِ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ يَحْرِصُ عَلَيْهَا. وَالتَّرَوِّي سَبِيلُهُ أَمْرَانِ: (الْمَشُورَةُ) لِلْوُصُولِ إِلَى الرَّأْيِ الْحَمِيدِ، أَوِ الاِخْتِبَارُ وَهُوَ تَبَيُّنُ خَبَرِ الشَّيْءِ بِالتَّجْرِبَةِ أَوِ الاِطِّلاَعِ التَّامِّ عَلَى كُنْهِهِ، قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: «وَالْخِيَارُ يَكُونُ لِوَجْهَيْنِ: لِمَشُورَةٍ وَاخْتِبَارِ الْمَبِيعِ، أَوْ لأِحَدِ الْوَجْهَيْنِ . وَيَقُولُ بَعْدَئِذٍ: الْعِلَّةُ فِي إِجَازَةِ الْبَيْعِ عَلَى الْخِيَارِ وَحَاجَةِ النَّاسِ إِلَى الْمَشُورَةِ فِيهِ، أَوِ الاِخْتِيَارِ» .

عَلَى أَنَّ تَعَدُّدَ الْغَرَضِ مُمْكِنٌ بِأَنْ يَقْصِدَ الْمَشُورَةَ وَالاِخْتِبَارَ مَعًا  وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْمُشْتَرِي، أَمَّا الْبَائِعُ فَلاَ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهِ إِلاَّ كَوْنُ الْغَرَضِ الْمَشُورَةَ، لأِنَّ  الْمُبَادَلَةَ مِنْهُ تَهْدِفُ إِلَى الثَّمَنِ، وَالثَّمَنُ لاَ مَجَالَ لاِخْتِبَارِهِ غَالِبًا، إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يُرَاجِعَ الْبَائِعُ مَنْ يَثِقُ بِهِ فِي كَوْنِ الثَّمَنِ مُتَكَافِئًا مَعَ الْمَبِيعِ فَلاَ غَبْنَ وَلاَ وَكْسَ.

وَالتَّرَوِّي - كَمَا يَقُولُ الْحَطَّابُ - لاَ يَخْتَصُّ بِالْمَبِيعِ فَقَدْ يَكُونُ أَيْضًا فِي الثَّمَنِ، أَوْ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ .

وَثَمَرَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ إِذَا كَانَ الْغَرَضُ مِنَ الْخِيَارِ الاِخْتِبَارَ، فَإِذَا بَيَّنَ الْغَرَضَ مِنَ الْخِيَارِ عُومِلَ حَسْبَ بَيَانِهِ، أَمَّا إِنْ سَكَتَ عَنِ الْبَيَانِ، فَقَدْ قَرَّرَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّ سُكُوتَهُ عَنْ ذِكْرِ الْغَرَضِ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْمَشُورَةُ فَهِيَ مُفْتَرَضَةٌ دَائِمًا، إِلاَّ إِذَا صَرَّحَ بِأَنَّ غَرَضَهُ الاِخْتِبَارُ وَاشْتَرَطَ قَبْضَ السِّلْعَةِ. وَنَصُّ كَلاَمِ ابْنِ رُشْدٍ فِي هَذَا:  «اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ. وَلَمْ يُبَيِّنْ أَنَّهُ إِنَّمَا يَشْتَرِطُ الْخِيَارَ لِلاِخْتِبَارِ، وَأَرَادَ قَبْضَ السِّلْعَةِ لِيَخْتَبِرَهَا، وَأَبَى الْبَائِعُ مِنْ دَفْعِهَا إِلَيْهِ وَقَالَ: إِنَّمَا لَكَ الْمَشُورَةُ إِذَا لَمْ تَشْتَرِطْ قَبْضَ السِّلْعَةِ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ لِلاِخْتِبَارِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ، وَلاَ يَلْزَمُهُ دَفْعُهَا إِلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ». بَلْ ذَكَرَ أَنَّهُ لَيْسَتْ مِنَ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ فِي الْمُشْتَرِي طُولُ مُدَّةِ الْخِيَارِ إِذْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَسْخٌ فِي الأْجَلِ لِلْمَشُورَةِ الدَّقِيقَةِ.

وَهُنَاكَ ثَمَرَةٌ عَمَلِيَّةٌ أُخْرَى لِتَحْدِيدِ الْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ (دُونَ تَفْرِقَةٍ بَيْنَ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْمَشُورَةِ أَوِ الاِخْتِبَارِ، أَوِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا) تِلْكَ هِيَ أَنَّ أَمَدَ الْخِيَارِ - وَهُوَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ مَلْحُوظٌ فِيهِ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ - شَدِيدُ الاِرْتِبَاطِ بِالْغَرَضِ مِنَ الْخِيَارِ فَإِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ فِي إِجَازَةِ الْمَبِيعِ عَلَى الْخِيَارِ حَاجَةَ النَّاسِ إِلَى الْمَشُورَةِ فِيهِ، أَوِ الاِخْتِبَارِ، فَحَدُّهُ قَدْرُ مَا يُخْتَبَرُ فِيهِ الْمَبِيعُ، وَيُرْتَأَى فِيهِ وَيُسْتَشَارُ، عَلَى اخْتِلاَفِ أَجْنَاسِهِ وَإِسْرَاعِ التَّغَيُّرِ إِلَيْهِ وَإِبْطَائِهِ عَنْهُ.. فَأَمَدُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ إِنَّمَا هُوَ بِقَدْرِ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي الاِخْتِبَارِ وَالاِرْتِيَاءِ مَعَ مُرَاعَاةِ إِسْرَاعِ التَّغَيُّرِ إِلَى الْمَبِيعِ وَإِبْطَائِهِ عَنْهُ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ رحمهما الله فِي قَوْلِهِمَا: إِنَّهُ لاَ يَجُوزُ الْخِيَارُ فِي شَيْءٍ مِنَ الأْشْيَاءِ فَوْقَ ثَلاَثٍ .

الْخِيَارُ سَالِبٌ لِلُّزُومِ:

18 - إِنَّ سَلْبَ الْخِيَارَاتِ لُزُومُ الْعَقْدِ مِنْ بَدَائِهِ الْفِقْهَ، حَتَّى أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ الْمُصَنِّفِينَ الَّذِينَ قَسَّمُوا الْعَقْدَ إِلَى لاَزِمٍ وَجَائِزٍ عَبَّرُوا عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِمْ: لاَزِمٌ، وَمُخَيَّرٌ، أَوْ لاَزِمٌ وَفِيهِ خِيَارٌ .

وَمُفَادُ سَلْبِ الْخِيَارِ لُزُومُ الْعَقْدِ أَنْ يُجْعَلَ الْعَقْدُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى خِيَارٍ مُسْتَوِيًا فِي الصِّفَةِ مَعَ الْعُقُودِ غَيْرِ اللاَّزِمَةِ كَالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَمَعَ هَذَا لاَ يَعْسُرُ التَّمْيِيزُ بَيْنَهُمَا، لأِنَّ  عَدَمَ اللُّزُومِ فِي تِلْكَ الْعُقُودِ نَاشِئٌ عَنْ طَبِيعَتِهَا الْخَاصَّةِ، أَمَّا فِي الْخِيَارَاتِ فَعَدَمُ اللُّزُومِ طَارِئٌ بِسَبَبِهَا.

وَهُنَاكَ عِبَارَاتٌ فِقْهِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى التَّفَاوُتِ فِي مَنْزِلَةِ الْخِيَارَاتِ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ اللُّزُومِ نَظَرًا إِلَى أَثَرِ الْخِيَارِ عَلَى عِلَّةِ الْحُكْمِ، وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ هُنَا الْعَقْدُ الَّذِي لاَ يَتَخَلَّفُ عَنْهُ الْحُكْمُ فِي الأْصْلِ، كَالْبَيْعِ هُوَ عِلَّةٌ لِحُكْمِهِ مِنْ لُزُومِ تَعَاكُسِ الْمِلْكَيْنِ فِي الْبَدَلَيْنِ، وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ الْعِلَّةِ (أَيِ الْبَيْعُ) مُقْتَضَاهَا الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْبَيْعِ.

وَبِمَا أَنَّ الْمَوَانِعَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي قُوَّةِ الْمَنْعِ، فَمِنْهَا مَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْعِلَّةِ مِنَ الْبِدَايَةِ فَلاَ يَدَعُهَا تَمْضِي لإِحْدَاثِ  الأْثَرِ، وَمِنْهَا مَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْعِلَّةِ، أَيْ نَفَاذَ الْعَقْدِ، بِتَخَلُّفِ إِحْدَى شَرِيطَتَيِ النَّفَاذِ (الْمِلْكِ أَوِ الْوِلاَيَةِ، وَانْتِفَاءِ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) ثُمَّ يَأْتِي دَوْرُ الْخِيَارَاتِ فِي الْمَنْعِ وَهُوَ مَنْعٌ مُسَلَّطٌ عَلَى (الْحُكْمِ) لاَ (الْعِلَّةِ) فَهِيَ قَدْ كُتِبَ لَهَا الاِنْعِقَادُ وَالنَّفَاذُ كَسَهْمٍ تَوَفَّرَتْ وَسَائِلُ تَسْدِيدِهِ ثُمَّ انْطَلَقَ دُونَ أَنْ يَحْجِزَهُ شَيْءٌ عَنْ بُلُوغِ الْهَدَفِ «فَخِيَارُ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الْحُكْمِ بَعْدَ انْعِقَادِ (وَنَفَاذِ) الْعِلَّةِ» إِذْ يَمْتَنِعُ ثُبُوتُ حُكْمِ الْبَيْعِ وَهُوَ خُرُوجُ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَشَبَّهَهُ ابْنُ الْهُمَامِ بِاسْتِتَارِ الْمَرْمِيِّ إِلَيْهِ بِتُرْسٍ يَمْنَعُ مِنْ إِصَابَةِ الْغَرَضِ مِنْهُ . وَيَلِيهِ فِي قُوَّةِ الْمَنْعِ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، لأِنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْحُكْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (وَهُوَ غَيْرُ تَمَامِ الْعِلَّةِ) وَأَخِيرًا خِيَارُ الْعَيْبِ يَمْنَعُ لُزُومَ الْحُكْمِ.

وَفَضْلاً عَنِ التَّفَاوُتِ فِي أَثَرِ الْخِيَارِ عَلَى الْعَقْدِ اللاَّزِمِ لِسَلْبِ لُزُومِهِ يُلْحَظُ فَارِقٌ، فِي نَظَرِ الْحَنَفِيَّةِ، بَيْنَ خِيَارِ الْعَيْبِ وَبَيْنَ خِيَارَيِ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ فِي وَضْعِهِمَا الشَّرْعِيِّ مِنْ حَيْثُ سَلْبُ اللُّزُومِ بَيْنَ أَنْ يَتَّصِفَ بِالأْصَالَةِ أَوِ الْخُلْفِيَّةِ، لِهَذَا الْفَرْقِ فِي الْحُكْمِ بِاعْتِبَارِ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْكُلِّ أَوْ فِي حَقِّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ فَحَسْبُ.

فَخِيَارُ الرُّؤْيَةِ وَالشَّرْطِ، لَمَّا أَنَّ حَقَّ الْفَسْخِ فِيهِمَا «ثَبَتَ أَصْلاً لأِنَّهُمَا يَسْلُبَانِ اللُّزُومَ فِي أَصْلِ الْعَقْدِ، فَكَانَ بِالْفَسْخِ مُسْتَوْفِيًا حَقًّا لَهُ، وَوِلاَيَةُ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ تَثْبُتُ عَلَى سَبِيلِ الْعُمُومِ، وَلِذَا لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ»  

أَمَّا خِيَارُ الْعَيْبِ فَإِنَّهُ يُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ الْقَبْضِ وَعَدَمِهِ لِمَا أَنَّ «حَقَّ الْفَسْخِ بِالْعَيْبِ مَا ثَبَتَ (بِاعْتِبَارِهِ) أَصْلاً. لأِنَّ  الصَّفْقَةَ تَمَّتْ بِالْقَبْضِ بَلْ (ثَبَتَ) بِغَيْرِهِ، وَهُوَ اسْتِدْرَاكُ حَقِّهِ فِي صِفَةِ السَّلاَمَةِ»

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  السادس والعشرون ، الصفحة /   7

شَرْطٌ اسْمًا لاَ حُكْمًا:

9 - وَهُوَ مَا يَفْتَقِرُ الْحُكْمُ إِلَى وُجُودِهِ وَلاَ يُوجَدُ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَمِنْ حَيْثُ التَّوَقُّفُ عَلَيْهِ سُمِّيَ شَرْطًا، وَمِنْ حَيْثُ عَدَمُ وُجُودِ الْحُكْمِ عِنْدَهُ لاَ يَكُونُ شَرْطًا حُكْمًا.

وَيُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ فَخْرُ الإْسْلاَمِ  أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ أَوَّلِ الشَّرْطَيْنِ اللَّذَيْنِ يُضَافُ إِلَى آخِرِهِمَا الْحُكْمُ فَإِنَّ كُلَّ حُكْمٍ تَعَلَّقَ بِشَرْطَيْنِ فَإِنَّ أَوَّلَهُمَا شَرْطٌ اسْمًا لاَ حُكْمًا؛ لأِنَّ  حُكْمَ الشَّرْطِ أَنْ يُضَافَ الْوُجُودُ إِلَيْهِ وَذَلِكَ مُضَافٌ إِلَى آخِرِهِمَا فَلَمْ يَكُنِ الأْوَّلُ شَرْطًا حُكْمًا بَلِ اسْمًا.

________________________________________________________________

المذكرة الإيضاحية للإقتراح بمشروع القانون المدني طبقا لاحكام الشريعة الإسلامية

 ( مادة 254)

لا يقوم الالتزام المعلق على شرط واقف الا اذا تحقق الشرط ، على أنه يجوز للدائن ، قبل تحقق الشرط ، أن يتخذ من الاجراءات ما يحافظ به على حقه .

هذه المادة تقابل المادة 268 من التقنين الحالي التي تنص على أنه اذا كان الالتزام معلقا على شرط واقف ، فلا يكون نافذة الا اذا تحقق الشرط . أما قبل تحقق الشرط ، فلا يكون الالتزام قابلا للتنفيذ القهری ولا للتنفيذ الاختیاری ، على أنه يجوز للدائن أن يتخذ من الإجراءات ما يحافظ به على حقه.

وقد ادخل على هذه المادة تعديل لفظ في صدر النص واستبدلت عبارة «لا يقوم الالتزام ، بعبارة , فلا يكون نافذاً، لأن التعبير المختار هو التعبير الصحيح . وحذفت منها الاشارة الى عدم قابلية الالتزام التنفيذ القهري أو الاختياري ، لأن هذا مستفاد من الحكم الوارد في صدر النص أو من الحكم الوارد في نهايته .

والمادة المقترحة تقابل المادة 326 من التقنين الكويتي

و تقابل المادة ۲۸۸ من التقنين العراقي التي تنص على أن العقد المعلق على شرط واقف لاینفة الا اذا تحقق الشرط ، ،

و تقابل المادة ۳۹۸ من التقنين الأردني التي تنص على أنه لا ينفذ التصرف المعلق على شرط غير مناف للعقد الا اذا تحقق الشرط.

انظر في الفقه الاسلامي مادة ۲ / ۳۱۷ من مرشد الحيران (وصحتها المادة 223) التي تنص على أن « المعلق يتأخر انعقاده سبباً الى وجود الشرط فعند وجوده ينعقد سبباً مفضياً الى حكمه •

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 223)
العقد المعلق هو ما كان معلقاً بشرط غير كائن أو بحادثة مستقبلة.
والمعلق يتأخر انعقاده سبباً إلى وجود الشرط فعند وجوده ينعقد سبباً مفضياً إلى حكمه.