loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء : الثالث، الصفحة : 27

مذكرة المشروع التمهيدي :

1- قد يقع أحياناً أن يغفل المتعاقدان تحديد أجل الوفاء بالالتزام، ويتفقا على أن يفي الدين عند المقدرة أو عند الميسرة (أو عند الإمكان أو حسب الإمكان) ويعتبر مثل هذا الاتفاق عند الشك صورة من صور الاضافة إلى الأجل، لا ضرباً من ضروب التعليق.

وغني عن البيان أن عقد الوفاء بالإقتدار، لو حمل محمل الشرط، لجاز أن يمتنع الوفاء على الدين أبداً، وأن يمتنع حلول الدين حتى بعد موته، أما إذا اعتبر أجلاً، فيلزم المدين بالوفاء إلزاماً ناجزاً أو مؤكداً، ويصبح الدين مستحق الأداء عند الوفاة على الأكثر.

2- ويراعى أن النص عهد إلى القاضي بمهمة تحديد الميعاد المناسب الذي يستحق أداء الدين بانقضائه، بعد أن أقام قرينة على انصراف نية المتعاقدين عند الشك، إلى الاضافة دون التعليق ( أنظر المادة 117 فقرة 2 من المشروع الفرنسي الإيطالي، والمادة 193 من التقنين البولوني، وقارن الفقرة الثانية من المادة 743 من التقنين البرتغالى، وهي تقضي بأنه إذا كان الدين لا يستحق الأداء إلا عند اقتدار المدين، فليس للدائن أن يجبره على الوفاء إلا أن يقيم الدليل على اقتداره)، على أن الأمر إلا بعد وبمجرد إقامة قرينة بسيطة يجوز الاتفاق على عكسها، فإذا لم يتفق على خلاف مفهومها تعين افتراض انصراف نية المدين جدياً إلى بذل ما يستطيع من جهد معقول، في سبيل الوفاء بتعهده، ويكون من واجب القاضي تفريعاً على ذلك أن يعتد بجميع الظروف في تحديد الميعاد المناسب لحلول الأجل، فيراعي بوجه خاص موارد المدين الحالية والمستقبلة، وما ينبغي أن يبذل من عناية معقولة في سبيل الوفاء، شأنه من هذا الوجه شأن أي رجل يحرص على الوفاء بالتزاماته .

الأحكام

1- إذا إتفق على تأخير تنفيذ الإلتزام إلى وقت القيام بعمل متعلق بإرادة المدين فإن ذلك يعد إتفاقاً على أجل غير معين ، للدائن الحق فى أن يدعو المدين إلى القيام بالعمل الموكول لإدارته أو يطلب من القاضى أن يحدد أجلا معقولا للقيام بهذا العمل .

(الطعن رقم 322 لسنة 33 جلسة 1968/02/27 س 19 ع 1 ص 376 ق 56)

شرح خبراء القانون

قيام الأجل

مقومات الأجل

النصوص القانونية : 

تنص المادة 271 من التقنين المدني على ما يأتي :

1- يكون الالتزام لأجل إذا كان نفاذه أو انقضاؤه مترتباً على أمر مستقبل محقق الوقوع .

2- ويعتبر الأمر محقق الوقوع متى كان وقعه محتماً، ولو لم يعرف الوقت الذي يقع فيه.

وتنص المادة 272 على ما يأتي :

إذا تبين من الالتزام أن المدين لا يقوم بوفائه إلا عند المقدرة أو الميسرة، عين القاضي ميعاداً مناسباً لحلول الأجل، مراعياً في ذلك موارد المدين الحالية والمستقبلة، ومقتضياً منه عناية الرجل الحريص على الوفاء بالتزامه ".

ويستخلص من هذه النصوص أن الأجل الذي يقترن به الالتزام هو أمر مستقبل محقق الوقوع يترتب على وقوعه نفاذ الالتزام أو انقضاؤه، فمقومات الأجل إذن ثلاثة : (1) فهو أمر مستقبل كالشرط (2) وهو محقق الوقوع، بخلاف الشرط فهو غير محقق الوقوع كما قدمنا (3) وهو أمر عارض يضاف إلى الالتزام بعد أن يستوفى عناصره الجوهرية، وهو في ذلك كالشرط لأنه وصف مثله .

وغنى عن البيان أن المقوم الرابع للشرط - وهو أن يكون غير مخالف للنظام العام والآداب - لا يرد في الأجل، لأن الأجل ميعاد لا يتصور فيه إلا أن يكون مشروعاً .

أمر مستقبل

يجب أن يكون الأجل أمراً مستقبلاً : الأجل كالشرط يجب أن يكون أمراً مستقبلاً، وهو، كما يدل عليه اسمه، ميعاد يضرب لنفاذ الالتزام أو لانقضائه، ويكون عادة تاريخاً معيناً يختار في التقويم، فإذا تعهد المقترض للمقرض بوفاء القرض في تاريخ معين، أو تعهد المشتري للبائع أن يدفع الثمن على أقساط في مواعيد معينة، أو تعهد المقاول لرب العمل أن يتم العمل الموكول إليه في وقت معين، فكل من التزام المقترض بوفاء القرض والتزام المشتري بدفع الثمن والتزام المقاول بتسليم العمل مقترن بأجل أو بآجال يترتب على حلوله نفاذ الالتزام .

وقد ينشأ الالتزام منجزاً، ثم يضاف إليه أجل بعد ذلك، فينقلب موصوفاً، ولكن يبقى الالتزام هو نفسه لم يتجدد ..

لا يجوز أن يكون الأجل أمراً ماضياً أو حاضراً : والأجل، كالشرط أيضاً، لا يجوز أن يكون أمراً ماضياً أو حاضراً، وإلا فهو ليس بأجل، حتى لو كان طرفاً الالتزام يجهلان وقت التعامل أن الأجل الذي يضربانه للمستقبل هو أجل قد حل،  فلو أن شخصاً ضرب أجلاً لنفاذ التزامه قدوم أول قافلة من الحجيج، وكان يجهل أن القافلة قد قدمت فعلاً قبل أن يلتزم، أو هي آخذه في القدوم وهو يلتزم، فإن التزامه لا يكون مقترناً بأجل، بل ينشأ منذ البداية التزاماً منجزاً واجب الأداء في الحال، ولو عين الملتزم أجلاً لتنفيذ التزامه موت شخص معين، ويكون هذا الشخص قد مات قبل ذلك دون أن يعلم الملتزم، فإن الالتزام ينشأ في هذه الحالة منجزاً حال الأداء.

أمر محقق الوقوع

يجب أن يكون الأجل محقق الوقوع : تقول الفقرة الأولى من المادة 271 مدني أن الأجل يجب أن يكون أمراً مستقبلاً محقق الوقوع، وهذا واضح، فالأجل يكون عادة، كما قدمنا، ميعاداً في التقويم، تاريخاً معيناً يقع في يوم معين من شهر معين من سنة معينة، وهذا الميعاد لا بد واقع في المألوف من الحياة، وندع ما لا يدخل في حساب الناس كأن تقع كارثة تبيد الأرض ومن عليها فلا يأتي ذلك اليوم الموعود.

وكون الأجل أمراً محقق الوقوع هو الفرق الجوهري ما بين الأجل والشرط، وهو الفرق الذي تتفرع عنه كل الفروق الأخرى، فقد رأينا أن الشرط أمر غير محقق الوقوع، ومن ثم كان الحق المعلق على شرط حقاً ناقصاً غير مؤكد الوجود، ومن ثم أيضاً كان للشرط أثر رجعي، أما الأجل فأمر محقق الوقوع، فالحق المقترن بأجل حق موجود كامل، وليس للأجل أثر رجعي. .

يصح أن يكون ميعاد حلول الأجل مجهولاً : على أنه إذا كان ضرورياً أن يكون الأجل محقق الوقوع، فليس من الضروري أن يكون ميعاد وقوعه معلوماً، فقد يكون هذا الميعاد مجهولاً، ومع ذلك يبقى الأجل محقق الوقوع، فيكون أجلاً لا شرطاً، وهذا ما تقضي به الفقرة الثانية من المادة  مدني فهي تقول : " ويعتبر الأجل محقق الوقوع متى كان وقوعه محتماً ولو لم يعرف الوقت الذي يقع فيه "، ويسمى الأجل في هذه الحالة أجلاً غير معين بالمقابلة للأجل المعين الذي يعرف ميعاد حلوله .

والمثل المألوف للأجل غير المعين هو الموت، فهو أمر محقق الوقوع، ولكن لا يدري أحد متى يأتي، ومن ثم كان أجلاً غير معين، وعلى ذلك فالتزام شركة التأمين على الحياة أن تدفع مبلغ التأمين عند موت المؤمن على حياته التزام مقترن بأجل واقف غير معين هو الموت، وإذا التزم المقترض أن يرد مبلغ القرض عند موته، فيؤخذ من تركته، جاز ذلك، وكان التزامه برد القرض مقترناً بأجل واقف غير معين هو الموت، ولا يعتبر هذا تعاملاً في تركة مستقيلة فإن المقترض قد التزم في الحال وفي ماله الحاضر، وإنما ضرب أجلاً لتنفيذ التزامه هو موته، والموت كما قدمنا أجل غير معين.

ويمكن تصور أمثلة أخرى غير الموت للأجل غير المعين، فهناك أمور محققة وقوعها في المألوف من شؤون الحياة، ولكن لا يعلم موعد وقوعها، من ذلك رجوع الحجيج من بيت الله الحرام قافلين إلى بلادهم، فهذا أمر معتاد وقوعه، ولكن رجوع القوافل قافلة بعد أخرى أمر قد لا يعلم موعد وقوعه بالضبط، فلو التزم شخص إلى أجل هو موعد رجوع القافلة الأولى من الحجيج، كان هذا التزاماً مقترناً بأجل غير معين، أما إذا التزم لأحد الحجاج وعلق التزامه على رجوع الدائن من الحج، فهذا شرط لا أجل، إذ أن رجوع حاج بالذات من الحجج أمر غير محقق الوقوع، فقد يموت في الطريق.

كذلك إذا التزم أحد الموردين بتوريد الأغذية إلى مستشفى أو إلى مدرسة عند انتهاء بنائها، فهذا أيضاً التزام مقترن بأجل غير معين، إذا أن الانتهاء من البناء أمر محقق الوقوع في المعتاد من شؤون الحياة، ولكن موعده غير معلوم على وجه التحقيق.

والتزام الطالب أن يدفع المصروفات المدرسية عند افتتاح الدراسة قد يكون التزاماً مقترناً بأجل غير معين، إذا كان موعد افتتاح الدراسة وقت الالتزام لم يحدد، وكذلك الحال في التزامه أن يدفع رسوم الامتحان عند حلول ميعاده، إذا كان ميعاد الامتحان لم يحدد وقت الالتزام.

والتزام المدين بالوفاء عند الميسرة أو عند المقدرة ( م 272 مدني ) ينطوي على ضرب من الأجل الواقف، وهو أيضاً أجل غير معين، وسنعود إلى هذه المسألة بالتفصيل فيما يلي .

والفرق بين الشرط والأجل غير المعين واضح، فالشرط أمر غير محقق الوقوع، أما الأجل غير المعين فأمر محقق الوقوع في ذاته ولكن ميعاد وقوعه وحده هو غير المحقق.

أمر عارض

الأجل عنصر عارض في الالتزام لا عنصر جوهري : والأجل، كالشرط وككل وصف آخر من أوصاف الالتزام، عنصر عارض في الالتزام لا عنصر جوهري، وهو لا يقترن بالالتزام إلا بعد أن يستوفى الالتزام جميع عناصره الجوهرية، ويأتي الأجل بعد ذلك عنصراً إضافياً يقوم الالتزام بغيره، ويتصور بدونه، ولا يحتاج إليه في قيامه بذاته .

فإذا التزم شخص إلى أجل، فإن التزامه يكون قد استوفى جميع عناصره الجوهرية، من رابطة ومحل وسبب، قبل إن يضاف إليه الأجل، ثم يأتي الأجل بعد ذلك يقترن به، ويعدل من آثاره، فبعد أن كان الأصل في الالتزام أن يكون منجزاً واجب الأداء في الحال وأن يبقى أثره دائماً، إذا بالأجل يعدل من ذلك، إما بأن يجعل الالتزام متراخى النفاذ إلى وقت معين، وإما بأن يجعل الالتزام محدود البقاء غير دائم الأثر.

الأجل في العقود الزمنية : ويترتب على أن الأجل عنصر عارض في الالتزام على الوجه المتقدم، لا عنصر جوهري، نتيجة هامة كثيراً ما يغفل الفقه الإشارة إليها، فقد سبق أن عرضنا للعقود الزمنية وهي عقود تتميز عن غيرها بأن الزمن عنصر الجوهري فيها، بحيث يكون هو المقياس الذي يقدر به محل العقد، " ذلك أن هناك أشياء - كما جاء في الجزء الأول من الوسيط - لا يمكن تصورها إلا مقترنة بالزمن، فالمنفعة لا يمكن تقديرها إلا بمدة معينة، والعمل إذا نظر إليه في نتيجته، أي إلى الشيء الذي ينتجه العمل، كان حقيقية مكانية، ولكن إذا نظر إليه في ذاته فلا يمكن تصوره إلا حقيقة زمانية، مقترناً بمدة معينة، ومن ثم فعقد الإيجار عقد زمني لأنه يقع على المنفعة، والزمن عنصر جوهري فيه لأنه هو الذي يحدد مقدار المنفعة المعقود عليها، وعقد العمل لمدة معينة، عقد زمني، لأن الخدمات التي يؤديها العامل لا تقاس إلا بالزمن، فالزمن عنصر جوهري فيه إذ هو الذي يحدد مقدار المحل المعقود عليه، وهناك من الأشياء ما يتحدد في المكان فيكون حقيقة مكانية، ولكن المتعاقدين يتفقان على تكرار أدائه مدة من الزمن لسد حاجة تتكرر، فهو في ذاته يقاس بالمكان، ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يقاس بالزمان، مثل ذلك عقد التوريد، يلتزم به أحد المتعاقدين أن يورد للمتعاقد الآخر شيئاً معيناً يتكرر مدة من الزمن، فمحل العقد هنا – وهو الشيء المعين الذي اتفق على توريده – يقاس في ذاته بالمكان، ولكن المتعاقدين اتفقا على أن يتكرر مرات مدة من الزمن، فجعلاه يقاس، كالمنفعة والعمل، بالزمان لا بالمكان، فالمعقود عليه في كل من عقد الإيجار وعقد التوريد هو الزمن، أو هو شيء يقاس بالزمن، ولكن المعقود عليه في عقد الإيجار يقاس بالزمن طبيعة، أما المعقود عليه في عقد التوريد فيقاس بالزمن اتفاقاً، ومن ثم ينقسم العقد الزمني إلى عقد ذي تنفيذ مستمر كعقد الإيجار وعقد العمل لمدة معينة، وعقد ذي تنفيذ دوري  كعقد التوريد وعقد الإيراد المؤيد أو الإيراد مدى الحياة.

وقد درج الفقه على اعتبار هذه العقود الزمنية عقوداً مقترنة بآجال فاسخة، ولكننا إذا طبقنا القاعدة التي تقضي بأن الأجل إنما هو عنصر عارض في الالتزام لا عنصر جوهري، تبين أن العقد الزمني لا يمكن أن يكون عقداً مقترناً بأجل، لأن الأجل عنصر جوهري فيه كما قدمنا إذ هو محل التعاقد ذاته، ولا يصح أن يكون الوصف هو أحد العناصر الجوهرية في العقد وقد سبق ذكر ذلك عند الكلام في الشرط.

وآية ذلك أن العقد الزمني إذا انعدم فيه الأجل، فإنه يكون باطلاً لانعدام المحل، ولو كان الأجل وصفاً وكان باطلاً، لكان من الجائز أن يسقط الأجل ويبقى العقد، كما هي الحال في الشرط، وقد ورد في التقنين المدني الفرنسي تطبيق لهذه القاعدة في عقد الإيراد المرتب مدى الحياة، وهو عقد زمني المدة فيه هي حياة من رتب له الإيراد، فإذا تعهد شخص لآخر بأن يؤدي إلى شخص ثالث إيراداً مرتباً مدى الحياة، ثم تبين أن صاحب الإيراد كان قد مات قبل العقد، فإن الأجل هنا - وهو المحل - يكون قد انعدم، ويكون العقد باطلاً، وهذا ما تقضي به المادة 1974 من التقنين المدني الفرنسي، فهي تنص على أن " كمل إيراد رتب مدى الحياة لمصلحة شخص يكون قد مات وقت العقد  لا يكون له أي أثر  "، بل تضيف المادة 1975 من نفس التقنين ما يأتي : " وكذلك يكون الحكم إذا رتب العقد إيراداً لمصلحة شخص أصيب بمرض مات بسببه في خلال عشرين يوماً من وقت العقد " .

ويترتب على ما تقدم أن الآجال الفاسخة – والأجل الفاسخ يكون عادة في عقد زمني – ليست بوجه عام آجالاً بالمعنى الصحيح، ويكاد يخرج الأجل الفاسخ كله من بين أوصاف الالتزام، فلا يبقى إلا الأجل الواقف، وسنعود إلى هذه المسألة عند الكلام في الأجل الفاسخ .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفي الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء : الثالث المجلد : الأول، الصفحة : 89)

عندما يلتزم المدين بالوفاء عند المقدرة أو الميسرة، فانه يكون قد أضاف التزامه الى أجل واقف هو تحقيق قدرته أو ميسرته على الوفاء، فإن لم يحل هذا الأجل حال حياة المدين، فإنه يحل حتماً بوفاته ويصبح ديناً في التركة فتقسم على الدائن وسائر الدائنين قسمة غرماء.

فإن تبين من ظروف الالتزام ونصوصه أن المدين لم يقف التزامه الى أجل إنما علقه على شرط الميسرة أو القدرة وهو أمر غير محقق الوقوع، مع الشرط يترتب على  تحققه حال حياة المدين سقوط التزامه، ومثال ذلك أن بيرئ الدائن مدينه فيتعهد الأخير أثر الإبراء بالوفاء إذا تمكن من ذلك، فإن الالتزام في هذه الحالة يكون معلقاً على شرط واقف أو المقدرة.

فإن لم يتضح من الظروف ما إذا كان الالتزام مضافاً إلى أجل أو معلقاً على شرط فيفترض أن الالتزام مضاف إلى أجل وليس معلقاً على شرط وعلى المدين إن ادعى العكس إثبات ما يدعيه، فإن عجز عن ذلك أو لم يعترضة كان للدائن أن يحدد أجل الوفاء الذي تتحقق فيه المقدرة أو الميسرة، وذلك إما باتفاقه مع المدين أو بحكم من القضاء، وعلى القاضي عند تحديد هذا الأجل مراعاة موارد الدين الحالية والمستقيلة مفترضاً فيه عناية الشخص الحريص على الوفاء بديونه ولو كانت عناية المدين أدنى من ذلك، فالشخص الحريص يكتفي بالضروريات وفقاً لحالته الاجتماعية وما يجاوزها يكون محلاً للوفاء، فان لم يتم الاتفاق وعجز القاضي عن تحديد الأجل لم يكن أمام الدائن إلا انتظار أقرب الأجلين الميسرة أو وفاة المدين، ولكن أن تحدد الأجل وعند حلوله إدعى المدين أنه معسر، فللدائن التنفيذ عليه جبراً.

وتحديد أجل المقدرة أو الميسرة هو من مسائل الواقع التي يستقل بها قاضي الموضوع، ولكن حلول الدين عند أقرب الأجلين فهي مسألة قانون يخضع فيها قاضي الموضوع لرقابة محكمة النقض.

تنص المادة 59 من قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999 على أنه لا يجوز للمحكمة منح الدين بالتزام تجاري مهلة للوفاء به أو تقسيطه إلا عند الضرورة وبشرط عدم إلحاق ضرر جسيم بالدائن ويتضمن هذا النص قيداً على القاعدة العامة التي تضمنتها المادة 272 من القانون المدني، وإذا توافرت الضرورة، ولكن كان يترتب على نظرة الميسرة ضرر جسيم بالدائن، امتنع على المحكمة منح المدين مهلة للوفاء، وتتعلق هذه المسائل بالواقع الذي تستقل محكمة الموضوع بتقديره.( المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء : 4، الصفحة : 671)

الوفاء عند المقدرة أو الميسرة :

إذا اتفق الطرفان على أن يكون الوفاء بالالتزام "عند المقدرة أو الميسرة أو عند الإمكان"، فإن هذا الاتفاق لو حمل محمل الشرط لكان معنى هذا أن الالتزام غیر موجود وقد لا يوجد أصلاً، فقد يظل المدين غير قادر على الوفاء إلى وقت وفاته فيموت معسراً، فلا يكون للدائن في هذه الحالة أن يشترك مع الدائنين الأخرين في قسمة أموال التركة قسمة غرماء، أما إذا حمل مثل هذا الاتفاق محمل الأجل فإن التزام المدين يكون التزاماً مؤكداً أضيف نفاذه إلى أن مستقيل هو وفاته على الأكثر، فيكون للدائن أن ينقذ بحقه على أموال التركة ولو كان المدين قد توفي معسراً.

وقد وضع المشرع بالمادة (272) قرينة بمقتضاها يعتبر مثل هذا الاتفاق إضافة إلى أجل لا تعليقاً على شرط، فيوجد الالتزام بمجرد الاتفاق، وعلى المدين أن يبذل الجهد المعقول في سبيل الوفاء به.

على أن الأمر لا يعدو مجرد قرينة بسيطة يجوز إثبات عكسها، فإذا ثبت أن نية المتعاقدين قد انصرفت إلى جعل الإقتدار أو الميسرة شرطاً، كان وجود الالتزام معلقاً على شرط واقف، فلا تطبق المادة 272، وإذا توفي المدين معسراً فإن الالتزام يتخلف نهائياً.

إذا لم يتضح من إرادة الطرفين أنها انصرفت إلى أن تجعل من الاقتدار شرطاً للوفاء، فقد رأينا في البند السابق أن الالتزام يكون مضافاً إلى أجل.

وفي هذه الحالة يجوز للدائن أن يحدد أجلاً للوفاء الذي تتحقق عنه المقدرة أو الميسرة وذلك إما باتفاقه مع المدين أو بحكم من القضاء.

وعلى القاضي عند تحديد هذا الأجل مراعاة موارد المدين الحالية والمستقبلة مفترضاً فيه عناية الشخص الحريص على الوفاء بديونه ولو كانت عناية المدين أدنى من ذلك، فالشخص الحريص يكتفي بالضروريات وفقاً لحالته الاجتماعية وما يجاوزها يكون محلاً للوفاء، فإن لم يتم الاتفاق وعجز القاضي عن تحديد الأجل لم يكن أمام الدائن إلا انتظار أقرب الأجلين الميسرة أو وفاة المدين، ولكن إن تحدد الأجل وعند حلوله ادعى المدين أنه معسر، فللدائن التنفيذ عليه جبراً .

تنص المادة 59 من قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999(المعدل) على أنه لا يجوز للمحكمة منح المدين بالتزام تجاری مهلة للوفاء به أي تقسيطة إلا عند الضرورة وبشرط عدم إلحاق ضرر جسيم بالدائن، فقد حظرت المادة على المحكمة منح المدين بالتزام تجاری مهلة الوفاء به أو تقسيطة، إلا أنها أجازت استثناء من هذا الحفر حالة الضرورة أي وجود ضرورة تؤدي إلى تأخير المدين في الوفاء بالتزامه أو تبرر تقسيط هذا الالتزام كما في حالات الركود الاقتصادي أو الأزمات مثل وقوع بعض الأحداث التي تمنع المدين عن الوفاء بالتزامه لا ترجع إليه بالضرورة ولكن بشرط ألا تلحق هذه المهلة أو تقسيط الدين ضرراً جسيماً بالدائن التاجر، كما لو كان هذا الأخير مديناً بأوراق تجارية أو التزامات أخرى لا تحتمل التأخير كأقساط التسهيلات الائتمانية الممنوحة من أحد المصارف مما قد يعرضه للإفلاس.

وقد حدا المشرع إلى هذا النص أهمية الدور الذي يلعبه الائتمان في الحياة التجارية، ولتشابك علاقات الائتمان بها، الأمر الذي يعظم من مخاطر تأخر المدين في الوفاء بالتزامه التجاري على مصالح الدائنين.

وعلى هذا يعتبر نص المادة (59) من قانون التجارة استثناء على نص المادة 272 من التقنين المدني.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء : الرابع، الصفحة : 62)

وقد يتفق الطرفان على أن يكون الوفاء بالالتزام عند المقدرة أو الميسرة، فيحتمل هذا الاتفاق أن يكون الطرفان قد قصدا جعل الالتزام معلقاً على شرط واقف هو تحقق الميسرة أو أن يكونا قد قصدا إضافة الالتزام الى أجل واقف هو حلول الميسرة فإن كان الأول أصبح وجود الالتزام ذاته رهيناً بالميسرة فإذا لم تتحقق هذه حتى موت المدين، زال الدين بتخلف شرطه ولم ينتقل بعد وفاة المدين إلى ورثته، وإن كان الثاني أی اضافة الدين إلى أجل الميسرة، كان للدين وجود مؤكد من وقت الاتفاق عليه وإنما نفاذه فقط هو المعلق على أجل الميسرة، فإذا لم تتحقق هذه طول حياة المدين، حل بموته أجل الدين لأن إمهال المدين الى الميسرة ينتهي بموته ويحل عندئذ بوفاته أجل وفاء الدين، ويتخلف هذا الدين في تركته ويتعين الوفاء به من جميع أمواله قبل أن ينال ورثته شيئاً منها .

وفي جميع الأحوال التي يعلق فيها الدين على ميسرة المدين، لا يترك تقدير الميسرة التي يحل بها وفاء الدين لا إلى الدائن ولا الى المدين، بل يترك الى تقدير القاضي وهو الذي يعين متى تعتبر الميسرة قد تحققت في حياة المدين، ومن ذلك الوقت يتحقق الأجل ويصبح الدين حال الأداء .

ويكون تحديد الأجل بنص القانون في الحالات التي يفرض فيها القانون التزاماً معيناً ويحدد لتنفيذه أجلاً كالالتزام بدفع الضريبة العامة على الإيراد في ميعاد لا يجاوز نهاية أبريل من كل سنة، وكذلك في حالة الالتزامات التي تنشأ بين الأفراد إذا تدخل المشرع بسبب حرب أو غزو أو أزمة اقتصادية فقرر وقف المطالبة بالديون المستحقة مدة معينة، فإن هذه المدة تعتبر أجلاً محدداً قانوناً ويتوقف على حلوله نفاذ الالتزام، وقد يترك المشرع للقاضي تحديد هذه المدة بعد التحقق من توافر الظروف التي نص عليها القانون.

ويكون تحديد الأجل بحكم القاضي إذا استعمل القاضي السلطة الاستثنائية التي خوله القانون أياها في منح المدين نظرة الميسرة.

إذا شرع الدائن في التنفيذ بحقه على المدين، فقد يكون المدين ذا عسرة، فيرى القاضي امهاله مدة لعله يستطيع الوفاء أثناءها، فلا يحتاج الأمر إلى اتخاذ اجراءات جبرية ضده، وهذه المهلة أو الأجل الذي يعينه القاضي هي نظرة الميسرة .

وقد نصت المادة 346 فقرة ثانية على أنه «يجوز للقاضي في حالات استثنائية، إذا لم يمنعه نص في القانون، أن ينظر المدين الى أجل معقول أو آجال ينفذ فيها التزامه، إذا استدعت حالته ذلك ولم يلحق الدائن من هذا التأجيل ضرر جسيم».

ويشترط في نظرة الميسرة :

(1) أن تكون ظروف المدين تعجزه عن الوفاء ولكن ينتظر أن يتغلب عليها ببذل جهد معقول.

(2) وأن لا يترتب على منحها ضرر جسيم للدائن .

وترى المحاكم أنه يجب التشدد وعدم الإسراف في منح الأجل القضائي، وقد قررت محكمة الاستئناف المختلطة أنه لا يجوز منح الأجل القضائي إذا طلبه المدين مستنداً إلى أزمة مالية مرت بالبلد، وإذا لاحظ القاضي في طلبه مجرد التسويف في الوفاء.

وتختلف نظرة الميسرة أو الأجل الذي يمنحه القاضي عن الأجل الاتفاقي من وجهتين:

(1) أن نظرة الميسرة لا تمنع من وقوع المقاصة .

(2) أن الأجل الذي منحه القاضي في نظرة الميسرة يسقط بمسقطات الأجل الاتفاقي (الإفلاس والإعسار واضعاف التأمينات)، ويسقط أيضاً بمسقطين آخرين : يسار المدين قبل انقضاء الأجل، وتنفيذ دائن آخر بحقه على أموال المدين. (الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء : السادس، الصفحة : 534)

 

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثاني، الصفحة /   41

إذا اخْتلف الْمتعاقدان في مقْدار الأْجل، كما إذا قال الْبائع: بعْتكه بثمنٍ مؤجّلٍ إلى شهْرٍ، ويدّعي الْمشْتري أكْثر منْ ذلك، فإنّ الْفقهاء اخْتلفوا فيه: فيرى الْحنفيّة والْحنابلة أنّ الْقوْل قوْل مدّعي الأْقلّ، لإنْكاره الزّيادة، والْبيّنة للْمشْتري،

لأنّه يثْبت خلاف الظّاهر، والْبيّنات لإثْبات خلاف الظّاهر.

ويرى الْمالكيّة والشّافعيّة والْحنابلة في روايةٍ أخْرى أنّهما يتحالفان، للْحديث الْمتقدّم؛ ولأنّ كلًّا منْهما مدّعًى عليْه، كما أنّه مدّعٍ، فإذا تحالفا فعنْد الْمالكيّة فسخ الْعقْد إنْ كانت السّلْعة قائمةً - على الْمشْهور - إنْ حكم بالْفسْخ حاكمٌ، أوْ تراضيا عليْه، وتعود السّلْعة على ملْك الْبائع حقيقةً، ظالمًا أوْ مظْلومًا. وقيل يحْصل الْفسْخ بمجرّد التّحالف، كاللّعان، ولا يتوقّف على حكْمٍ. وحلف الْمشْتري إنْ فات الْمبيع كلّه، فإنْ فات الْبعْض فلكلٍّ حكْمه.

ويرى الشّافعيّة أنّهما إذا تحالفا فالصّحيح أنّ الْعقْد لا ينْفسخ بنفْس التّحالف؛ لأنّ الْبيّنة أقْوى من الْيمين، ولوْ أقام كلٌّ منْهما بيّنةً لمْ ينْفسخْ فبالتّحالف أوْلى، بلْ إنْ تراضيا على ما قال أحدهما أقرّ الْعقْد وإنْ لمْ يتراضيا بأن اسْتمرّ نزاعهما فيفْسخانه، أوْ أحدهما، أو الْحاكم لقطْع النّزاع، وحقّ الْفسْخ بعْد التّحالف ليْس على الْفوْر، فلوْ لمْ يفْسخا في الْحال كان لهما بعْد ذلك لبقاء الضّرر الْمحْوج للْفسْخ. وقيل إنّما يفْسخه الْحاكم؛ لأنّه فسْخٌ مجْتهدٌ فيه فلا يفْسخ أحدهما. ومقابل الصّحيح أنّه ينْفسخ بالتّحالف وتعود الْحال إلى ما كانتْ عليْه قبْل الْعقْد.

 

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاوثون  ، الصفحة / 114

مَطْلٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - الْمَطْلُ لُغَةً: الْمُدَافَعَةُ عَنْ أَدَاءِ الْحَقِّ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ مَطَلْتُ الْحَدِيدَةَ: إِذَا  ضَرَبْتَهَا وَمَدَدْتَهَا لِتَطُولَ، وَمِنْهُ يُقَالُ: مَطَلَهُ بِدَيْنِهِ مَطْلاً، وَمَاطَلَهُ مُمَاطَلَةً: إِذَا  سَوَّفَهُ بِوَعْدِ الْوَفَاءِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى .

وَفِي الاِصْطِلاَحِ: حَكَى النَّوَوِيُّ وَعَلِيُّ الْقَارِي أَنَّ الْمَطْلَ شَرْعًا: مَنْعُ قَضَاءِ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ  قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَيَدْخُلُ فِي الْمَطْلِ كُلُّ مَنْ لَزِمَهُ حَقٌّ، كَالزَّوْحِ لِزَوْجَتِهِ، وَالْحَاكِمِ لِرَعِيَّتِهِ، وَبِالْعَكْسِ .

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - الإِنْظَارُ:

2 - الإِنْظَارُ وَالنَّظِرَةُ فِي اللُّغَةِ الإْمْهَالُ وَالتَّأْخِيرُ، يُقَالُ: أَنْظَرْتُ الْمَدِينَ، أَيْ أَخَّرْتُهُ، وَذَكَرَ الأْزْهَرِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّظْرِةِ فِي  قوله تعالي : ( وَإِنْ  كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى  مَيْسَرَةٍ)  الإِنْظَارُ وَالإْمْهَالُ إِلَى  أَنْ يُوسِرَ وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَطْلِ وَالإِنْظَارِ التَّأْخِيرُ فِي كُلٍّ، لَكِنَّهُ فِي الْمَطْلِ مِنْ جَانِبِ الْمَدِينِ وَفِي الإِنْظَارِ مِنْ جَانِبِ الدَّائِنِ .

ب - التَّعْجِيلُ:

3 - التَّعْجِيلُ لُغَةً: الإْسْرَاعُ بِالشَّيْءِ، يُقَالُ: عَجَّلْتُ إِلَيْهِ الْمَالَ أَسْرَعْتَ إِلَيْهِ بِحُضُورِهِ.

وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَطْلِ وَالتَّعْجِيلِ الضِّدِّيَّةُ .

(ر: تَأْخِيرٌ ف 5).

ج - الظُّلْمُ:

4 - الظُّلْمُ لُغَةً: وَضْعُ الشَّيْءِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.

وَاصْطِلاَحًا هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ التَّعَدِّي عَنِ الْحَقِّ إِلَى  الْبَاطِلِ، وَهُوَ الْجَوْرُ .

وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْمَطْلِ وَالظُّلْمِ أَنَّ الظُّلْمَ أَعَمُّ مِنَ الْمَطْلِ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:

5 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْمَطْلِ بِاخْتِلاَفِ حَالِ الْمَدِينِ مِنْ يُسْرٍ أَوْ عُسْرٍ. فَإِنْ  كَانَ مُوسِرًا قَادِرًا عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِهِ كَانَ مَطْلُهُ حَرَامًا، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم قَالَ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ».

وَإِنْ  كَانَ الْمَدِينُ مُعْسِرًا لاَ يَجِدُ وَفَاءً لِدَيْنِهِ أَوْ كَانَ غَنِيًّا وَمَنَعَهُ عُذْرٌ - كَغَيْبَةِ مَالِهِ - عَنِ الْوَفَاءِ لَمْ يَكُنْ مَطْلُهُ حَرَامًا وَجَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ إِلَى  الإْمْكَانِ .

مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ الَّذِي لاَ يَجِدُ وَفَاءً لِدَيْنِهِ

6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى  أَنَّهُ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ  وَيُتْرَكُ يَطْلُبُ الرِّزْقَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ وَالْوَفَاءُ لِدَائِنِيهِ، وَلاَ تَحِلُّ مُطَالَبَتُهُ وَلاَ مُلاَزَمَتُهُ وَلاَ مُضَايَقَتُهُ، لأِنَّ  الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ أَوَجَبَ إِنْ ظَارُهُ إِلَى  وَقْتِ الْمَيْسَرَةِ فَقَالَ: ) وَإِنْ  كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى  مَيْسَرَةٍ).

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: لأِنَّ  الْمُطَالَبَةَ بِالدَّيْنِ إِنَّ مَا تَجِبُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الأْدَاءِ، فَإِذَا  ثَبَتَ الإْعْسَارُ فَلاَ سَبِيلَ إِلَى  الْمُطَالَبَةِ، وَلاَ إِلَى  الْحَبْسِ بِالدَّيْنِ، لأِنَّ الْخِطَابَ مُرْتَفِعٌ عَنْهُ إِلَى  أَنْ يُوسِرَ .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَوْ جَازَتْ مُؤَاخَذَتُهُ لَكَانَ ظَالِمًا، وَالْفَرْضُ أَنَّهُ لَيْسَ بِظَالِمِ لِعَجْزِهِ  بَلْ إِنَّ  ابْنَ الْعَرَبِيِّ قَالَ: إِذَا  لَمْ يَكُنِ الْمِدْيَانُ غَنِيًّا، فَمَطْلُهُ عَدْلٌ، وَيَنْقَلِبُ الْحَالُ عَلَى الْغَرِيمِ، فَتَكُونُ مُطَالَبَتُهُ ظُلْمًا  لأِنَّ  اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: ) وَإِنْ  كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ).

وَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ مُلاَزَمَةَ الدَّائِنِ لِمَدِينِهِ الْمُعْسِرِ مَعَ اسْتِحْقَاقِهِ الإِنْ ظَارَ بِالنَّصِّ .

وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصْطَفَى صلي الله عليه وسلم فَضْلَ إِنْ ظَارِ الْمُعْسِرِ وَثَوَابَهُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ لَهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ  ظِلُّهُ».

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْمَدِينِ الْمُعْسِرِ إِذَا  لَمْ يَكُنِ الْقَدْرُ الَّذِي اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ حَاضِرًا عِنْدَهُ، لَكِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ بِالتَّكَسُّبِ مَثَلاً، هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ أَمْ لاَ؟

قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: أَطْلَقَ أَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمَ الْوُجُوبِ، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا.

وَفَصَّلَ آخَرُونَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ أَصْلُ الدَّيْنِ يَجِبُ بِسَبَبِ يَعْصِي بِهِ فَيَجِبُ، وَإِلاَّ  فَلاَ .

كَمَا اخْتَلَفُوا فِي هَلْ يُجْبَرُ الْمَدِينُ الْمُعْدِمُ عَلَى إِجَارَةِ نَفْسِهِ لِوَفَاءِ دَيْنِ الْغُرَمَاءِ مِنْ أُجْرَتِهِ إِنْ  كَانَ قَادِرًا عَلَى الْعَمَلِ أَمْ لاَ؟  

وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ (إِفْلاَسٌ ف 55)

مَطْلُ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الَّذِي مَنَعَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْوَفَاءِ

7 - مَطْلُ الْمَدِينِ الْغَنِيِّ الَّذِي مَنَعَهُ الْعُذْرُ عَنِ الْوَفَاءِ، كَغَيْبَةِ مَالِهِ وَعَدَم وُجُودِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقْتَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَعَمُّدِهِ فَلاَ يَكُونُ مَطْلُهُ حَرَامًا، وَذَلِكَ لأِنَّ  الْمَطْلَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ كَمَا قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: تَأْخِيرُ مَا اسْتُحِقَّ أَدَاؤُهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ  وَهُوَ مَعْذُورٌ.

ثَالِثًا: مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُوسِرِ بِلاَ عُذْرٍ

8 - مَطْلُ الْمَدِينِ الْمُوسِرِ الْقَادِرِ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِلاَ عُذْرٍ وَذَلِكَ بَعْدَ مُطَالَبَةِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ  حَرَامٌ شَرْعًا، وَمِنْ كَبَائِرِ الإْثْمِ، وَمِنَ الظُّلْمِ الْمُوجِبِ لِلْعُقُوبَةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الْوَفَاءِ  لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»،  قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الْمَعْنَى أَنَّهُ مِنَ الظُّلْمِ، وَأَطْلَقَ ذَلِكَ لِلْمُبَالَغَةِ فِي التَّنْفِيرِ مِنَ الْمَطْلِ  وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ إِذَا  كَانَ وَاجِدًا لِجِنْسِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي تَأْخِيرِ سَاعَةٍ يُمْكِنُهُ فِيهَا الأْدَاءُ  وَقَالَ الْبَاجِيُّ: وَإِذَا  كَانَ غَنِيًّا فَمَطَلَ بِمَا قَدِ اسْتُحِقَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَقَدْ ظَلَمَ  وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم قَالَ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»،  وَمَعْنَى «يُحِلُّ عِرْضَهُ» أَيْ يُبِيحُ أَنْ يَذْكُرَهُ الدَّائِنُ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمَطْلِ وَسُوءِ الْمُعَامَلَةِ .

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: وَلاَ نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ، أَنَّهُ يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .

وَالْعُقُوبَةُ الزَّاجِرَةُ هِيَ عُقُوبَةٌ تَعْزِيرِيَّةٌ غَيْرُ مُقَدَّرَةٍ شَرْعًا، الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَمْلُهُ عَلَى الْوَفَاءِ وَإِلْجَاؤُهُ إِلَى  دَفْعِ الْحَقِّ إِلَى  صَاحِبِهِ دُونَ تَأْخِيرٍ.

أَمَّا قَبْلَ الطَّلَبِ، فَقَدْ وَقَعَ الْخِلاَفُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: هَلْ يَجِبُ الأْدَاءُ مَعَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ طَلَبِ صَاحِبِ الْحَقِّ، حَتَّى يُعَدَّ مَطْلاً بِالْبَاطِلِ قَبْلَهُ؟ وَحَكَى ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ فِيهِ وَجْهَانِ، وَمَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ إِلَى  تَرْجِيحِ عَدَمِ الْوُجُوبِ قَبْلَ الطَّلَبِ، لأِنَّ  لَفْظَ «الْمَطْلِ» فِي الْحَدِيثِ يُشْعِرُ بِتَقْدِيمِ الطَّلَبِ وَتَوَقُّفِ الْحُكْمِ بِظُلْمِ الْمُمَاطِلِ عَلَيْهِ .

وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْمَطْلَ يَثْبُتُ بِالتَّأْجِيلِ وَالْمُدَافَعَةِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ .

حَمْلُ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ عَلَى الْوَفَاءِ

نَصَّ الْفُقَهَاءُ عَلَى طُرُقٍ تُتَّبَعُ لِحَمْلِ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ عَلَى الْوَفَاءِ، مِنْهَا:

أ - قَضَاءُ الْحَاكِمِ دَيْنَهُ مِنْ مَالِهِ جَبْرًا:

9 - إِذَا  كَانَ لِلْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ مَالٌ مِنْ جَنْسِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ، فَإِنَّ  الْحَاكِمَ يَسْتَوْفِيهِ جَبْرًا عَنْهُ، وَيَدْفَعُهُ لِلدَّائِنِ إِنْ صَافًا لَهُ، جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ: الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إِذَا  امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَهُ مَالٌ فَإِنْ  كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمُ، فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلاَ خِلاَفٍ .

وَقَالَ الْقَرَافِيُّ: وَلاَ يَجُوزُ الْحَبْسُ فِي الْحَقِّ إِذَا  تَمَكَّنَ الْحَاكِمُ مِنِ اسْتِيفَائِهِ، فَإِنِ  امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ .

ب - مَنْعُهُ مِنْ فُضُولِ مَا يَحِلُّ لَهُ مِنَ الطَّيِّبَاتِ:

10 - قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لَوْ كَانَ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ وَامْتَنَعَ، وَرَأَى الْحَاكِمُ مَنْعَهُ مِنْ فُضُولِ الأْكْلِ وَالنِّكَاحِ فَلَهُ ذَلِكَ، إِذِ  التَّعْزِيرُ لاَ يَخْتَصُّ بِنَوْعِ مُعَيَّنٍ، وَإِنَّ مَا يَرْجِعُ فِيهِ إِلَى  اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ فِي نَوْعِهِ وَقَدْرِهِ، إِذَا  لَمْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ .

ج - تَغْرِيمُهُ نَفَقَاتِ الشِّكَايَةِ وَرَفْعِ الدَّعْوَى

11 - قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ عَلَيْهِ مَالٌ، وَلَمْ يُوَفِّهِ حَتَّى شَكَا رَبُّ الْمَالِ، وَغَرِمَ عَلَيْهِ مَالاً، وَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ، وَمَطَلَ حَتَّى أَحْوَجَ مَالِكَهُ إِلَى  الشَّكْوَى، فَمَا غَرِمَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَهُوَ عَلَى الظَّالِمِ الْمُمَاطِلِ، إِذَا  كَانَ غُرْمُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ .

د - إِسْقَاطُ عَدَالَتِهِ وَرَدُّ شَهَادَتِهِ:

12 - حَكَى الْبَاجِيُّ عَنْ أَصْبَغَ وَسَحْنُونٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُمْ قَالُوا بِرِدِّ شَهَادَةِ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ مُطْلَقًا، إِذَا  كَانَ غَنِيًّا مُقْتَدِرًا  لأِنَّ  النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم سَمَّاهُ ظَالِمًا فِي قَوْلِهِ: «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ»،  وَنَقَلَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ عَنْ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ مُقْتَرِفَ ذَلِكَ يُفَسَّقُ .

وَلَكِنْ هَلْ يَثْبُتُ فِسْقُهُ وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِمَطْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، أَمْ لاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ حَتَّى يَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيَصِيرُ عَادَةً؟

قَالَ النَّوَوِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا اشْتِرَاطُ التَّكْرَارِ  وَقَالَ السُّبْكِيُّ: مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيَّةِ عَدَمُهُ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنْ مَنَعَ الْحَقَّ بَعْدَ طَلَبِهِ، وَابَتْعَاءُ الْعُذْرِ عَنْ أَدَائِهِ كَالْغَصْبِ، وَالْغَصْبُ كَبِيرَةٌ، وَتَسْمِيَتُهُ فِي الْحَدِيثِ ظُلْمًا يُشْعِرُ بِكَوْنِهِ كَبِيرَةً، وَالْكَبِيرَةُ لاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّكْرَارُ، نَعَمْ لاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِلاَّ  بَعْدَ أَنْ يَظْهَرَ عَدَمُ عُذْرِهِ .

وَقَالَ الطِّيبِيُّ: قِيلَ: يَفْسُقُ بِمَرَّةٍ، وَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، وَقِيلَ: إِذَا  تَكَرَّرَ، وَهُوَ الأْوْلَى .

وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَفْسُقُ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ الْقُدْرَةِ قَبْلَ الطَّلَبِ أَمْ لاَ؟ قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: الَّذِي يُشْعِرُ بِهِ حَدِيثُ الْبَابِ التَّوَقُّفُ عَلَى الطَّلَبِ، لأِنَّ  الْمَطْلَ يُشْعِرُ بِهِ .

هـ - تَمْكِينُ الدَّائِنِ مِنْ فَسْخِ الْعَقْدِ الْمُوجِبِ لِلدَّيْنِ:

13 - نَصَّ أَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْحَنَابِلَةِ، عَلَى أَنَّ مِنْ حَقِّ الدَّائِنِ عِنْدَ مَطْلِ الْمَدِينِ بِغَيْرِ عُذْرٍ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ الَّذِي تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، وَيَسْتَرِدُّ الْبَدَلَ الَّذِي دَفَعَهُ، وَقَدْ جَعَلَ لَهُ هَذَا الْخِيَارَ فِي الْفَسْخِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إِزَالَةِ الضَّرَرِ اللاَّحِقِ بِهِ نَتِيجَةَ مَطْلِ الْمَدِينِ وَمُخَاصَمَتِهِ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ حَامِلاً لِلْمَدِينِ الْمُقْتَدِرِ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْوَفَاءِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوِ امْتَنَعَ - أَيِ الْمُشْتَرِي - مِنْ دَفْعِ الثَّمَنِ مَعَ يَسَارِهِ فَلاَ فَسْخَ فِي الأْصَحِّ ، لأِنَّ  التَّوَصُّلَ إِلَى  أَخْذِهِ بِالْحَاكِمِ مُمْكِنٌ .

و - حَبْسُ الْمَدِينِ

14 - نَصَّ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْمَدِينَ الْمُوسِرَ إِذَا  امْتَنَعَ مِنْ وَفَاءِ دَيْنِهِ مَطْلاً وَظُلْمًا، فَإِنَّهُ  يُعَاقَبُ بِالْحَبْسِ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ .

وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (حَبْسٌ ف 79 وَمَا بَعْدَهَا).

وَنَقَلَ ابْنُ سَمَاعَةَ عَنْ مُحَمِّدٍ فِي الْمَحْبُوسِ بِالدَّيْنِ إِذَا  عَلِمَ أَنَّهُ لاَ مَالَ لَهُ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ، وَلَهُ مَالٌ فِي بَلْدَةٍ أُخْرَى، فَيُؤْمَرُ رَبُّ الدَّيْنِ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ السِّجْنِ، وَيَأْخُذَ مِنْهُ كَفِيلاً بِنَفْسِهِ عَلَى قَدْرِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ وَيَبِيعَ مَالَهُ وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ، فَإِنْ أُخْرِجَ مِنَ السِّجْنِ، فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، أُعِيدَ حَبْسُهُ .

وَقَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: وَمَنْ حُبِسَ بِدَيْنِ، وَلَهُ رَهْنٌ لاَ وَفَاءَ لَهُ غَيْرُهُ، وَجَبَ عَلَى رَبِّ الدَّيْنِ إِمْهَالُهُ حَتَّى يَبِيعَهُ، فَإِنْ  كَانَ فِي بَيْعِهِ وَهُوَ فِي الْحَبْسِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ، وَجَبَ إِخْرَاجُهُ لِيَبِيعَهُ، وَيَضْمَنُ عَلَيْهِ، أَوْ يَمْشِي مَعَهُ الدَّائِنُ أَوْ وَكِيلُهُ .

ز - ضَرْبُ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ

15 - قَالَ ابْنُ قَيِّمِ الْجَوْزِيَّةِ: لاَ نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ مِنْ عَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ، وَامْتَنَعَ مِنْهُ، أَنَّهُ يُعَاقَبُ حَتَّى يُؤَدِّيَهُ، وَنَصُّوا عَلَى عُقُوبَتِهِ بِالضَّرْبِ  ثُمَّ قَالَ مُعَلِّقًا عَلَى حَدِيثِ: «لَيُّ الْوَاجِدِ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ»  وَالْعُقُوبَةُ لاَ تَخْتَصُّ بِالْحَبْسِ، بَلْ هِيَ فِي الضَّرْبِ أَظْهَرُ مِنْهَا فِي الْحَبْسِ .

وَجَاءَ فِي شَرْحِ الْخَرَشِيِّ: إِنَّ  مَعْلُومَ الْمَلاَءَةِ إِذَا  عَلِمَ الْحَاكِمُ بِالنَّاضِّ الَّذِي عِنْدَهُ، فَإِنَّهُ  لاَ يُؤَخِّرُهُ، وَيَضْرِبُهُ بِاجْتِهَادِهِ إِلَى  أَنْ يَدْفَعَ، وَلَوْ أَدَّى إِلَى  إِتْلاَفِ نَفْسِهِ، وَلأِنَّهُ مُلِدٌّ .

ح - بَيْعُ الْحَاكِمِ مَالَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ جَبْرًا

16 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى  أَنَّ الْحَاكِمَ يَبِيعُ مَالَ الْمَدِينِ الْمُمَاطِلِ جَبْرًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.

غَيْرَ أَنَّ بَيْنَهُمُ اخْتِلاَفًا فِي تَأْخِيرِهِ عَنِ الْحَبْسِ، أَوِ اللُّجُوءِ إِلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَبْسِ الْمَدِينِ، أَوْ تَرْكِ الْخِيَارِ لِلْحَاكِمِ فِي اللُّجُوءِ إِلَيْهِ عِنْدَ الاِقْتِضَاءِ عَلَى أَقْوَالٍ:

قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: الْمَحْبُوسُ فِي الدَّيْنِ إِذَا  امْتَنَعَ عَنْ قَضَاءِ الدَّيْنِ - وَلَهُ مَالٌ - فَإِنْ  كَانَ مَالُهُ مِنْ جَنْسِ الدَّيْنِ، بِأَنْ كَانَ مَالُهُ دَرَاهِمَ وَالدَّيْنُ دَرَاهِمَ، فَالْقَاضِي يَقْضِي دَيْنَهُ مِنْ دَرَاهِمِهِ بِلاَ خِلاَفٍ، وَإِنْ  كَانَ مَالُهُ مِنْ خِلاَفِ جَنْسِ دَيْنِهِ، بِأَنْ كَانَ الدَّيْنُ دَرَاهِمَ وَمَالُهُ عُرُوضًا أَوْ عَقَارًا أَوْ دَنَانِيرَ، فَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لاَ يَبِيعُ الْعُرُوضَ وَالْعَقَارَ، وَفِي بَيْعِ الدَّنَانِيرِ قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانٌ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَدِيمُ حَبْسُهُ إِلَى  أَنْ يَبِيعَ بِنَفْسِهِ وَيَقْضِيَ الدَّيْنَ، وَعِنْدَ مُحَمِّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ يَبِيعُ الْقَاضِي دَنَانِيرَهُ وَعُرُوضَهُ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَفِي الْعَقَارِ رِوَايَتَانِ.

وَفِي الْخَانِيَّةِ: وَعِنْدَهُمَا فِي رِوَايَةٍ: يَبِيعُ الْمَنْقُولَ وَهُوَ الصَّحِيحُ .

وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى  أَنَّ الْمَدِينَ إِنِ  امْتَنَعَ مِنْ دَفْعِ الدَّيْنِ، وَنَحْنُ نَعْرِفُ مَالَهُ، أَخَذْنَا مِنْهُ مِقْدَارَ الدَّيْنِ، وَلاَ يَجُوزُ لَنَا حَبْسُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا  ظَفِرْنَا بِمَالِهِ أَوْ دَارِهِ أَوْ شَيْءٌ يُبَاعُ لَهُ فِي الدَّيْنِ - كَانَ رَهْنًا أَمْ لاَ - فَعَلْنَا ذَلِكَ، وَلاَ نَحْبِسُهُ، لأِنَّ  فِي حَبْسِهِ اسْتِمْرَارَ ظُلْمِهِ .

وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ: وَأَمَّا الَّذِي لَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجِبُ أَدَاؤُهُ إِذَا  طَلَبَ، فَإِذَا  امْتَنَعَ أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِهِ، فَإِنِ  امْتَنَعَ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ .

قَالَ النَّوَوِيُّ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالأْصْحَابُ: إِذَا  امْتَنَعَ الْمَدِينُ الْمُوسِرُ الْمُمَاطِلُ مِنَ الْوَفَاءِ، فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ: إِنْ  شَاءَ بَاعَ مَالَهُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَإِنْ  شَاءَ أَكْرَهَهُ عَلَى بَيْعِهِ وَعَزَّرَهُ بِالْحَبْسِ وَغَيْرِهِ حَتَّى يَبِيعَهُ .

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: إِنْ  أَبَى مَدِينٌ لَهُ مَالٌ يَفِي بِدَيْنِهِ الْحَالِّ الْوَفَاءِ، حَبَسَهُ الْحَاكِمُ، وَلَيْسَ لَهُ إِخْرَاجُهُ مِنَ الْحَبْسِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَمْرُهُ، أَوْ يَبْرَأَ مِنْ غَرِيمِهِ بِوَفَاءٍ أَوْ إِبْرَاءٍ أَوْ حَوَالَةٍ، أَوْ يَرْضَى الْغَرِيمُ بِإِخْرَاجِهِ مِنَ الْحَبْسِ، لأِنَّ  حَبْسَهُ حَقٌّ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ، فَإِنْ  أَصَرَّ الْمَدِينُ عَلَى الْحَبْسِ بَاعَ الْحَاكِمُ مَالَهُ وَقَضَى دَيْنَهُ .

________________________________________________________________

كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه

(مادة 394)
لا يجوز للقاضي أن يمهل المشتري في دفع الثمن للبائع ما لم يكن المشتري معسراً لا يقدر على الوفاء فينتظر إلى الميسرة.
 

mobile-nav تواصل
⁦+201002430310⁩