1ـ لما كانت المادة 202 من قانون العقوبات تنص على أنه : " يعاقب بالسجن المشدد كل من قلد أو زيف أو زور بأية كيفية عملة ورقية أو معدنية متداولة قانوناً فى مصر أو فى الخارج . ويعتبر تزييفاً انتقاص شيء من معدن العملة أو إطلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة ، ويعتبر فى حكم العملة الورقية أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً ، كما نصت المادة 202 مكرر على أنه : " يعاقب بالعقوبة المذكورة فى المادة السابقة كل من قلد أو زيف أو زور بأية كيفية عملة وطنية تذكارية ذهبية أو فضية مأذون بإصدارها قانوناً ، ويعاقب بذات العقوبة كل من قلد أو زيف أو زور عملة تذكارية أجنبية متى كانت الدولة صاحبة العملة المزيفة تعاقب على تزييف العملة التذكارية المصرية " كذلك نصت المادة 203 على أنه : " يعاقب بالعقوبة المذكورة فى المادة السابقة كل من أدخل بنفسه أو بواسطة غيره فى مصر أو أخرج منها عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة ، كذلك كل من روجها أو حازها بقصد الترويج أو التعامل بها " . لما كان ذلك ، وكان يبين من نص المادتين سالفتى الذكر ومن استقراء نصوص المواد 203 مكرر ، 204 ، 204 / 1 ، 2 مكرر ، 204 مكرر ثانياً وثالثاً الواردة بالباب الخامس عشر المسكوكات الزيوف والمزورة من قانون العقوبات . أن الشارع اشترط للعقاب على جريمة إحراز العملة المقلدة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام توافر قصود خاصة أوردها على سبيل الحصر لم يؤثم فيها واقعة إحراز العملة المقلدة بغير قصد من القصود المسماة بنصوص أحكامه ، ولما كانت الواقعة حسبما حصلها الحكم غير معاقب عليها تحت أى وصف آخر ، فقد كان يتعين على المحكمة القضاء ببراءة المتهم عملاً بالفقرة الأولى من المادة 304 من قانون الإجراءات الجنائية باعتبار أن واقعة إحراز هذه العملة المقلدة بغير قصد غير معاقب عليها قانوناً ، ولما كان العيب الذى شاب الحكم المطعون فيه مقصوراً على الخطأ فى تطبيق القانون بالنسبة للواقعة كما صار إثباتها فى الحكم ، فإنه يتعين حسب القاعدة الأصلية المنصوص عليها فى المادة 39 من القرار بقانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض أن تصحح المحكمة الخطأ وتحكم بمقتضى القانون ، ويتعين بالتالى نقض الحكم المطعون فيه والقضاء ببراءة المتهم مما أسند إليه ومصادرة المضبوطات . أما بالنسبة للطعن المقدم من النيابة العامة ، فإنه أصبح وارداً على غير محل مما يتعين رفضه موضوعاً .
( الطعن رقم 23190 لسنة 75 ق - جلسة 2012/11/27 س 63 )
2ـ لما كانت الحماية الجنائية لجرائم التزييف والترويج فى قانون العقوبات المصرى تشمل جميع أنواع العملة، المعدنية والورقية، سواء كانت عملة وطنية أو أجنبية، والمراد بالعملة وسيلة الدفع القانونية التى تضعها الدولة وتحمل قيمة محددة وتخصصها للتداول فى المعاملات وتفرض الالتزام بقبولها، ويستوى فى العملة المزيفة والمروجة أن تكون وطنية أو أجنبية، وهو مظهر للتعاون الدولى على محاربة تزييف العملة وترويجها، فضلاً عن ان العملة الاجنبية على الرغم من عدم تداولها القانونى فى مصر بالمعنى المتقدم فيحدث التعامل بها أو التحويل منها أو إليها بالشروط والاوضاع التى يقررها وزير الاقتصاد وقد ذهبي اتفاقية جنيف فى عام1929 إلى عدم التمييز بين العملة الوطنية أو الاجنبية فى صدد الحماية ،وجاء القانون رقم 68 لسنة1956 محققا هذا الحكم بما أدخله من تعديل على المادة 202 من قانون العقوبات ساوى بمقتضاه بين العملة الوطنية والعملة الاجنبية فأصبح نصها " يعاقب بالاشغال الشاقة المؤقتة كل من قلد او زيف أو زور بأية كيفية عملة ورقية أو معدنية متداولة قانوناً فى مصر أو فى الخارج_.."وكذا ما نص عليه القانون رقم 29 لسنة 1982 بإضافة إلى المادة 202 مكرراً إلى قانون العقوبات بالعقاب على تقليد أو تزيف أو تزوير العملات التذكارية الأجنبية متى كانت الدولة صاحبة العملة المزيفة تعاقب على تزييف العملة التذكارية المصرية هذا إلى ان القيود الموضوعية على التعامل بالعملة الاجنبية فى مصر لا تلغى صفة التداول القانونى عن هذه العملة ما دامت معترفا بتداولها داخل الدولة التى اصدرتها، ومن ثم يجب أن تكون العملة المزيفة والمروجة متداولة قانوناً فى مصر أو فى الخارج ويتوافر التداول القانونى متى فرض القانون على الجميع الالتزام بقبول العملة فى التداول سواء كان ذلك بكمية محدودة أو غير محدودة ويفترض هذا التداول القانونى أن العملة قد صدرت من الحكومة، باعتبارها أنها وحدها التى تملك السلطة اصدار العملة وإذ كان الطاعن لا ينازع فى أن العملة الورقية الاجنبية المزيفة المضبوطة "ورقة من فئة المائة دولارا امريكى" متداولة قانوناً فى الخارج، فإن الواقعة موضوع الدعوى مما ينطبق عليه نص المادتين 202،203 من قانون العقوبات، ويكون الحكم المطعون فيه قد صادف هذا النظر، قد أصاب صحيح القانون ولا عليه إن التفت عما أثاره الطاعن فى هذا الخصوص باعتباره دفاعاً قانونياً ظاهر البطلان .
( الطعن رقم 7698 لسنة 62 ق - جلسة 1993/07/12 - س 44 ع 1 ص 667 ق 105 )
3- لما كان تقدير آراء الخبراء من إطلاقات محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير المقدم إليها بغير معقب عليها فى ذلك ، وكان الحكم المطعون فيه قد إقتنع بما أورده تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بشأن الطريقة التى تم بها التقليد وما إنتهى إليه التقرير من عدم إمكان الإنخداع بالأوراق المقلدة فإن ما تنعاه الطاعنة فى هذا الشأن يكون على غير أساس . لما كان ذلك ، وكان مفاد ما أورده الحكم المطعون فيه أنه لم يؤسس قضاءه بالبراءة على مجرد عدم إتقان التقليد وإنما على نفى التشابه بين أوراق النقد المقلدة والأوراق الصحيحة مما لا يسمح بالإنخداع بالأوراق المقلدة وقبولها فى التداول فإنه لا يكون هناك محل للنعى على الحكم فى هذا الخصوص .
( الطعن رقم 2603 لسنة 50 ق - جلسة 1981/12/29 - س 32 ص 1204 ق 215 )
4- من المقرر أن مجرد تحضير الأدوات اللازمة للتزييف وإستعمالها بالفعل فى إعداد العملة الورقية الزائفة التى لم تصل إلى درجة من الإتقان تكفل لها الزواج فى المعاملة هى فى نظر القانون من أعمال الشروع المعاقب عليها قانوناً إلا أن شرط ذلك بداهة أن تكون الوسائل المستعملة فى التقليد تصلح بطبيعتها لصنع ورقة زائفة تشبه العملة الورقية الصحيحة أما إذا كانت هذه الوسائل غير صالحة بالمرة لتحقيق الغرض المقصود منها ولا تؤدى مهما أتقن إستعمالها إلى إنتاج ورقة زائفة شبيهة بالورقة الصحيحة - كما هو الحال فى صورة الدعوى الماثلة - فإن جريمة التقليد فى هذه الحالة تكون مستحيلة إستحالة مطلقة والشروع فيها غير مؤثم .
( الطعن رقم 2603 لسنة 50 ق - جلسة 1981/12/29 - س 32 ص 1204 ق 215 )
5- إن المقرر أنه يكفى للعقاب على تقليد أوراق العملة أن تكون هناك مشابهة بين الصحيح وغير الصحيح ، ولا يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به حتى المدقق ، بل يكفى أن يكون بين الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة فى التداول وأن يكون على نحو من شأنه أن يخدع الناس ، وإذ كان الحكم قد أثبت نقلاً عن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن الأوراق التى عوقب الطاعن وباقى المتهمين من أجل تقليدها وترويجها سواء المحلية أو الأجنبية - مزيفة بطريق الطبع من عدة أكليشهات مصطنعة وأن تزييفها قد تم بحيث يمكن أن تجوز على بعض الفئات من الناس يتقبلونها فى التداول على أنها أوراق صحيحة فإن عدم تعرض الحكم لأوجه الشبه بين العملة الصحيحة والعملة المزيفة المضبوطة لا يؤثر فى سلامته ما دامت المحكمة قد قدرت أن من شأن ذلك التقليد أن يخدع الناس ، ومن ثم فان منعى الطاعن بهذا الوجه يكون غير سديد .
( الطعن رقم 2604 لسنة 50 ق - جلسة 1981/04/19 - س 32 ص 366 ق 66 )
6- يبين من إستقراء نصوص المواد 1 ، 2 ، 4 ، 8 ، 121 من القانون رقم 66 لسنة 1963 بإصدار قانون الجمارك الذى حل محل القانون رقم 623 لسنة 1955 كما يدل أصلها التاريخى فى لائحة الجمارك الصادرة فى 2 من أبريل سنة 1884 والمادة 202 من قانون العقوبات الصادر فى 13 من نوفمير 1882 والتى صارت المادة 192 من قانون العقوبات الصادرة سنة 1904 ثم حلت محلها المادة 228 من قانون العقوبات الحالى ، وكذلك من الأعمال التحضيرية والمذكرات الإيضاحية لهذه النصوص أن المراد بالتهريب الجمركى هو إدخال البضاعة فى إقليم الجمهورية أو إخراجها منه على خلاف القانون وهو ما عبرعنه الشارع بالطرق غير المشروعة .
( الطعن رقم 1290 لسنة 36 ق - جلسة 1967/03/07 - س 18 ع 1 ص 334 ق 68 )
7 ـ جريمة التزييف وإن إستلزمت -فضلاً عن القصد الجنائي العام - قصداً خاصاً ، هو نية دفع العملة الزائفة إلى التداول مما يتعين على الحكم إستظهاره إلا أن المحكمة لا تلتزم بإثباته فى حكمها على إستقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادى يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التى يتطلبها القانون وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فإنه يكون متعيناً حينئذ على الحكم بيانها صراحة و إيراد الدليل على توافرها .
( الطعن رقم 1984 لسنة 34 ق - جلسة 1965/10/18 - س 16 ع 3 ص 710 ق 135 )
(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)
مركز الراية للدراسات القانونية
الركن المادى لجنايات تقليد أو تزييف أو تزوير العملة
صور الركن المادى وعناصره : يقوم هذا الركن بأحد أفعال ثلاثة :
التقليد أو التزييف أو التزوير . وهذه الأفعال يضعها الشارع على قدم المساواة ، فتقوم الجريمة بأى منها . ويترتب على الفعل نشوء عملة غير صحيحة ، ويعد ذلك النتيجة الإجرامية للفعل ، وتربط بينهما علاقة السببية .
وندرس فيما يلى الأفعال التى نص القانون على تجريمها ، ثم ندرس الشروع فى هذه الجنايات ولحظة تمام ركنها المادى .
1- التقليد
تقليد العملة هو صناعة عملة على مثال العملة الصحيحة فالجاني يعالج المعدن فيشكل قطعه على نحو تصير به مماثلة القطع النقدية المتداولة ويضع عليها النقوش والألفاظ التي تحملها العملة المعدنية الصحيحة ، أو هو يأتي بقطع من الورق فيطبع عليها النقوش والألفاظ المماثلة لما تحمله العملة الورقية الصحيحة . ولا يفرق الشارع بين تقليد إستخدمت فيه الأساليب الفنية الحديثة وتقليد بدائي . ويتميز التقليد بخصيصتين : فهو من ناحية ينصب على العملة المعدنية والورقية على السواء، ومن ناحية ثانية يعني إنشاء عملة غير صحيحة لم يكن لها من قبل وجود .
حالات التقليد : إلى جانب الحالات الواضحة للتقليد التي تخضع مباشرة للتعريف السابق والتي يعالج فيها الجانی مواد أولية فيصنع منها نقوداً، وتقل قيمة هذه المواد عن قيمة المواد التي تصنع منها العملات الصحيحة، فإن للتقليد حالات أخرى، وإن تكن أقل وضوحاً يصدق عليها التعريف السابق للتقليد : فيعتبر تقليداً وضع علامات النقود على قطعة نقدية قديمة زالت نقوشها، ورفع سطحی قطعة نقد صحيحة ووضعها على قطعة من المعدن مماثلة في الحجم ولكن ذات قيمة أقل، ويعد تقليداً كذلك جمع أجزاء ورقة نقدية ممزقة وردها إلى صورتها الأصلية . ويرتكب التقليد بفعل من يعالج نقوداً مقلدة من قبل فيعطيها مظهر النقود الصحيحة أو يقرب ما بين مظهريهما . ولا يحول دون وصف الفعل بأنه تقليد أن العملة التي أنتجها تماثل تماماً العملة الصحيحة من حيث نوع معدنها ووزنه وقيمته الفعلية ومن حيث حجمها ومظهرها : ذلك أنه قد إعتدى بذلك على سلطة الدولة في إصدار النقود فاغتصبه، واعتدى على مصلحة الدولة المالية المتمثلة في الفرق بين القيمة الإسمية للعملة والقيمة الحقيقية لمادتها، بالإضافة إلى الضرر الذي يحتمل أن يصيب من يتلقى هذه العملة ثم يثبت بعد ذلك عدم صحتها .
ولكن لا يعتبر تقليداً صناعة قطع معدنية من ذات وزن وحجم النقود الصحيحة دون وضع نقوش أو علامات عليها، ذلك أن التماثل منتف تماماً بين هذه القطع والعملة الصحيحة؛ ولا يغير من هذا الحكم أن يستهدف المتهم الحصول بفعله على مزايا مادية، كما لو كان هدفه أن يتقدم بها إلى شخص مدعياً أنها عملة صحيحة ولكن طمست نقوشها بالاستعمال، أو كان هدفه أن يضعها في جهاز آلى للبيع .
ضابط التقليد : هل يشترط لاعتبار الفعل تقليداً أن تكون العملة المقلدة التي أنتجها مماثلة في مظهرها للعملة الصحيحة ؟ وفي تعبير آخر : هل يشترط أن يكون التقليد متقناً بحيث يحتمل أن يخدع في شأنه الخبراء ؟ وما حكم من أنتج عملة بعيدة الشبه عن العملة الصحيحة بحيث لا يخدع بها الشخص المعتاد، وقد لا يخدع بها الشخص الساذج ؟ إن الإجابة على هذا التساؤل ينبغي أن تستلهم من علة تجريم التقليد : يستهدف الشارع بهذا التجريم حماية الثقة العامة في العملة، أي ثقة جمهور المتعاملين في النقود على ما بينهم من تفاوت ملحوظ في درجات الذكاء والخبرة والحرص، فلهم جميعاً الحق قبل الدولة في ألا تختل ثقتهم فيها . ومؤدى ذلك أنه لا يشترط التماثل التام بين العملة المقلدة والعملة الصحيحة، بل لا يشترط أن يكون ثمة تماثل ينخدع به الشخص المعتاد، فالتماثل الذي ينخدع به شخص حسن النية ولو كان ساذجاً يكفي للعقاب ويعني ذلك أن تحديد التماثل المطلوب بين العملة المقلدة والعملة الصحيحة يعتمد على ضابط شخصی .
2- التزييف
تعريف : عرف الشارع التزييف بقوله ويعتبر تزييفاً انتقاص شيء من معدن العملة أو طلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة. وقد تضمن هذا التعريف بیان صورتين للتزييف هما : الانتقاص والتمويه ونستطيع تأصيلهما في تعريف عام للتزييف بأنه « إدخال التشويه على عملة معدنية صحيحة في صورة يحصل منها الجاني على فائدة مادية، سواء بانتزاع جزء من مادة هذه العملة مع الإبقاء على قيمتها الإسمية، فيكون كسب الجاني هو هذا الجزء الذي انتزعه؛ أو بالإبقاء على مادتها وإعطائها مظهر عملة أكبر قيمة، فيكون كسب الجاني هو الفرق بين القيمة الإسمية الحقيقية للعملة والقيمة الإسمية التي صار ينبئ عنها مظهرها » .
والفرق بين التقليد والتزييف أن التقليد ينتج عملة غير صحيحة لم يكن لها من قبل وجود، في حين يفترض التزييف عملة صحيحة أصلاً أدخل التشويه عليها . وبالإضافة إلى ذلك فالتقليد متصور إزاء عملة معدنية أو ورقية، في حين لا يتصور التزييف إلا بالنسبة لعملة معدنية .
صورتا التزييف : قدمنا أن للتزييف صورتين : الانتقاص والتمويه . ويعني الإنتقاص سلب العملة جزءاً من مادتها مما يؤدي إلى الانتقاص من القيمة الحقيقية لمعدنها تبعاًً لإنقاص وزنه. وكل وسائل الإنتقاص سواء : فقد يستعمل الجاني مبرداً فيحصل على جزء من مادة العملة في شكل مسحوق أو يحفرها ويستخرج جزءاً من معدنها، أو يضعها في محلول كيميائي فيذوب جزءاً من مادة العملة ثم يحصل عليه بعد ذلك عن طريق ترسيبه، أما التمويه فيعني إعطاء العملة مظهر عملة أكبر قيمة، وقد ذكر الشارع الصورة الغالبة لذلك وهي « طلاء العملة بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة »، أي طلاء العملة بطلاء ذي لون شبيه بلون عملة أكبر قيمة ولكن ذات حجم مماثل أو متقارب، كما لو طليت عملة نحاسية بلون أبيض لتصير مماثلة في مظهرها لعملة فضية من ذات الحجم ويتحقق التمويه بالطلاء ولو لم يمس المتهم النقوش التي تحملها العملة ولكن ما حكم من طرق عملة كي يعطيها إتساعاً في الحجم ويجعلها بذلك شبيهة بعملة أكبر قيمة ؟ هذا الفعل ليس انتقاصاً، ولكنه يعد تمويهاً : فمن شأنه إعطاء العملة مظهر عملة أكبر قيمة، فتصدق عليه دلالة التمويه ويخضع التزييف لذات ضابط التقليد .
3- التزوير
دلالة التزوير : للتزوير في هذه الجنايات ذات دلالته العامة، وهي « تغيير الحقيقة » : ومن ثم فهو يعني بالنسبة لجرائم العملة « إدخال التغيير على البيانات التي تحملها » بما يكون من شأنه الإخلال بالثقة العامة فيها التي تتخذ صورة الثقة في أنها تحمل بيانات معينة يرتبط بها قبول فی التعامل على أنها ذات قيمة محددة . ومثال التزوير تغيير الرقم الممثل للقيمة الإسمية للعملة، أو تغيير النقوش أو الإمضاءات التي تحملها . ويستهدف الجاني بالتزوير أن يعطي العملة قيمة أكبر من قيمتها الإسمية . والتزوير متصور في العملات الورقية والمعدنية، ولكنه أغلب حصولاً في العملات الورقية . ويرد التزوير على عملة كانت صحيحة أصلاً .
وكل طرق التزوير سواء : فلم ينص الشارع على طرق معينة. وتطبيقاً لذلك فإنه لا فارق بين إضافة بيان أو حذفه أو إحلال آخر محله، وفي حالة الإضافة لا يفرق الشارع بين إضافة البيان بخط اليد أو بحروف مطبوعة، ولا يفرق في حالة الحذف بين المحو والكشط . ويخضع التزييف لذات ضابط التقليد .
4- تمام الركن المادي لجنايات تزييف العملة وضابط الشروع فيها
لحظة تمام الركن المادي : يعد الركن المادي لهذه الجنايات تاماً بإرتكاب فعل التقليد أو التزييف أو التزوير، وتحقق النتيجة في صورة وجود عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة . وليس من عناصر هذا الركن أن تستعمل العملة أو تروج : فقد فصل الشارع بين جنايات التقليد أو التزييف أو التزوير وجنايات الترويج، وخطته في ذلك، مماثلة لفصله بين تزوير المحررات واستعمال المحررات المزورة، وعلتها تقديره أن أفعال التقليد أو التزييف أو التزوير تمثل المرحلة الأكثر صعوبة في المشروع الإجرامي، ومن ثم كانت جديرة في ذاتها بالعقاب کجرائم تامة، ولو لم يتبعها الجاني بالأفعال التي تستهدف استثمار نشاطه السابق .
وأهم النتائج التي تترتب على هذا التحديد أن من قلد عملة أو زيفها أو زورها يستحق عقوبة الجريمة التامة، ولو إستحال عليه بعد ذلك إستعمالها أو ترويجها، كما لو ضبط عقب تقليدها وضبطت النقود كذلك أو سرقها أو أتلفها شخص. بل أنه يستحق عقوبة الجريمة التامة، ولو عدل إختياراً عن ترويج العملة بعد تقليدها أو تزييفها أو تزويرها، فذلك عدول جاء متأخراً، إذ قد جاء بعد أن اكتملت للركن المادي عناصره . ولا يغير من هذا الحكم أن تكون علة العدول تقدير الجاني أن النقود غير صالحة لخداع جمهور المتعاملين في حين أنها وفقاً للضابط الذي سلف بيانه - صالحة لذلك . ومن نتائج هذا التحديد كذلك أنه إذا أعقب الجاني فعل التقليد أو التزييف أو التزوير بأن روج العملة التي أنتجها نشاطه فهو يرتكب جريمتين .
ضابط التمييز بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ : القاعدة أن مجرد إعداد آلات التزييف وأدواته ومواده الأولية أو من باب أولى مجرد حيازتها، هو عمل تحضيري، ومن ثم لا عقاب عليه بهذا الوصف . ولكن بالنظر إلى خطورته، فقد عاقب الشارع عليه كجريمة في ذاته ( المادة 204 مكرراً 2 من قانون العقوبات ) .
ويدخل الجاني في مرحلة الشروع إذا بدأ في إستعمال هذه الآلات أو الأدوات أو المواد بقصد التقليد أو التزييف أو التزوير ومن ثم كان ابتداؤه في تشغيل هذه المعدات هو الذي يرسم الحد الفاصل بين العمل التحضيري والبدء في التنفيذ . ويعني ذلك أنه ليس بشرط لإعتبار الجاني شارعاً أن يكون قد بدأ في صناعة النقود أو تشويهها، بل يكفي أن يكون قد بدأ في إستعمال الوسائل التي من شأنها ذلك . ولكن يشترط أن تكون هذه الوسائل صالحة لصنع عملة زائفة تشبه العملة الصحيحة .
ويظل الجاني في مرحلة الشروع حتى يتم الركن المادي لجريمته بإخراجه عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة في المدلول الذي سلف بيانه وتطبيقاً لذلك، فإن نشاطه يقتصر على الشروع إذا بدأ في عملية التقليد، ولكنه لم يتمها، فلم يضع بعد كل النقوش والعلامات المتطلبة لوجود عملة يمكن أن تخدع جمهور المتعاملين ، كما لو وضع نقوش أحد وجهي العملة دون الوجه الآخر، أو وضع أغلب نقوش الوجهين دون قدر يسير تبقى منها. وإذا لم يتم نشاطه لأنه قدر كفاية ما فعل لخداع السذج من المتعاملين، فهو مسئول كذلك عن شروع، لأن الركن المادي لم يتحقق كاملاً، وتكون الواقعة من قبيل الاستحالة النسبية .
موضوع جنايات تقليد أو تزييف أو تزوير العملة
تمهيد : حدد الشارع موضوع هذه الجنايات بأنه عملة ورقية أو معدنية متداولة قانوناً في مصر أو في الخارج، وقد أضاف إلى ذلك أنه يعتبر في حكم العملة الورقية أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً . ويعني ذلك أن الشارع يتطلب في موضوع هذه الجنايات شرطين : كونه عملة ؛ وكونها ذات تداول قانونی . ولكن الشارع يتوسع بعد ذلك في تحديد هذا الموضوع : فسواء أن تكون العملة معدنية أو ورقية أو من أوراق البنكنوت، وسواء أن يكون لها التداول القانوني في مصر أو في الخارج، بل أنها قد تكون عملة تذكارية .
تعريف العملة : العملة هي النقود ويستمد تعريف النقود من وظائفها الإقتصادية : فهي في المقام الأول أداة وفاء، وهي مقياس للقيم، ووسيلة لإختزانها، وهي ذات صلاحية للتداول العام في المجتمع، وهي صادرة عن الدولة أو بناء على تصريحها وهذه الوظائف هى التى أعطت النقود أهميتها في نظر الشارع الجنائي وجعلته يسبغ عليها حمايته. والعملة أو النقود هي (( كل أداة وفاء ومقياس للقيم صادرة عن الدولة أو بناء على تصريحها وذات تداول عام في المجتمع )) .
ويعني هذا التعريف أن النقود هي الوسيلة المعتادة في المجتمع لسداد الديون، وحينما يكون لها التداول القانوني فإن الدائن يجبر على قبولها سداداً لدينه . ويتيح للنقود أداء الدور أنها أداة لقياس القيم تعارف عليها الناس واعترفت بها الدولة، مما يتفرع عنه أنها صارت تحمل « قيمة ذاتية »، وذلك ما يسمح باعتبارها متكافئة – في الأهمية الإقتصادية - مع السلع والخدمات على إختلاف أنواعها ؛ وهذه القيمة الذاتية للنقود هي التي تتيح لها أن تكون وسيلة لاختزان القيم . وتصدر النقود عن الدولة أو بناء على تصريحها، ويشير الفرض الثاني إلى حالة ما إذا فوضت الدولة إحدى الهيئات (كبنك مثلاً) إصدار النقود، وليس بشرط أن تكون هذه الهيئة ذات طابع عام وهذا العنصر يسبغ على النقود صفة رسمية عامة. ويجعل لها موضعها بين النظم الإقتصادية في المجتمع، ويؤدي إلى أن تستبعد من عداد النقود وسائل الدفع الصادرة عن الأفراد، كالبونات والفيشات التي يصدرها بعض التجار ويستعملونها في تسوية حساباتهم مع عملائهم أو عمالهم وتحرص الدولة - تأكيداً للطابع الرسمي للنقود - على إعطائها مظهراً معيناً (قوامه حجم ووزن ونقوش وألفاظ معينة على وجه رسمی)، ومن ثم فإن السبائك التي تستعمل في بعض البلاد البدائية كوسائط تبادل لا تعد نقوداً .
ويجب أن تكون للنقود صلاحية التداول العام في المجتمع، فهي وسيلة وفاء لدى كل قطاعاته وأفراده، بل قد تقوم بهذه الوظيفة في العلاقة بينه وبين مجتمعات أخرى، ومن ثم فإن صفة النقود تنتفي عن وسائل الدفع التي تصدرها الدولة وتخصصها لفئات محددة من أفراد المجتمع كالمسجونين أو الجنود .
التداول القانوني : يكون للعملة التداول القانوني « إذا ألزم القانون الأفراد بقبولها سداداً لديونهم »، فالتداول القانوني للعملة هو « الالتزام القانوني بقبولها كوسيلة وفاء » وجزاء هذا الالتزام هو استطاعة الإجبار عليه قانوناً ولا يحول دون نسبة التداول القانوني إلى العملة أن إلتزام الأفراد بقبولها إنما هو في حدود كميات معينة فحسب وتطبيقاً لذلك، فإن حماية القانون لا تمتد إلى وسائل الدفع التي تنشئها الدولة، ولكن لا تلزم الأفراد بقبولها، وإنما تترك ذلك لاختيارهم، كأذونات البريد وسندات الحكومة .
وإذا كانت الدولة هي التي تسبغ على النقود قوة « التداول القانوني »، فلها تبعاً لذلك سلطة تجريدها منها، فإن جردتها - ويتخذ ذلك صورة سحبها من التداول أو إعلان إنتهاء التعامل بها - فقد زالت عنها تبعاً لذلك حماية القانون ولكن لا يشترك أن يكون تجريد العملة من قوة « التداول القانوني » بعمل صريح من الدولة، فقد يرجع ذلك إلى العرف إذا ما أنصرف الناس عن التعامل بها فلم يعد محل لإجباره على قبولها كأداة وفاء : وقد تحقق هذا الوضع بالنسبة للمسكوكات الذهبية المصرية والأجنبية، وبصفة خاصة الجنيه الذهبي الإنجليزي فقد أوقف إصدار هذه المسكوكات على الرغم من النمو الضخم في حجم السلع والخدمات المتداولة، مما ترتب عليه أن قلت كمية هذه المسكوكات عن إحتياجات التعامل وغلبت عليها أوراق البنكنوت، فأدى ذلك إلى انصراف الناس عن التعامل بها، وصارت سلعاً يتجر فيها، ويتحدد ثمنها على أساس كمية ما فيها من ذهب وسعره في السوق .
ويعنى ذلك فقده أهم خصائص النقود ، وهى ثبات القيمة الإسمية .
وبناء على ذلك، فإن تقليد أو تزييف أو تزوير هذه المسكوكات لم يعد خاضعاً للمادة 202 من قانون العقوبات، وإنما يعاقب عليه، باعتباره غشاً في البضاعة : القانون رقم 48 لسنة 1941، المادة الأولى.
إتساع نطاق الحماية القانونية لجميع العملات ذات التداول القانوني : لم يفرق الشارع بين العملات ذات التداول القانوني تبعاً لنوع مادتها أو مكان تداولها : فلا تفرقة بين عملة معدنية وعملة ورقية، ولا تفرقة - بالنسبة للعملات المعدنية - حسب نوع معدنها . ولا تفرقة تبعاً لقيمة العملة . وقد صرح الشارع بأنه « تعتبر في حكم العملة الورقية أوراق البنكنوت المأذون إصدارها قانوناً »، ويعنى بها الأوراق التي يصدرها البنك المركزي بناء على تفويض من الدولة التي تعطيها قوة التداول القانوني وسواء لدى القانون أن يكون للعملة التداول القانوني في مصر أو في الخارج، وفي أية دولة من دول العالم . وليس الاعتراف بهذه الدولة شرطاً للاعتراف لعملتها بقوة التداول القانوني .
القصد الجنائي في جنايات تقليد أو تزييف أو تزوير العملة
تمهيد : هذه الجرائم عمدية، ولذلك يتخذ ركنها المعنوي صورة القصد ولا يكتفي الشارع بقصد عام، وإنما يتطلب قصداً خاصاً .
القصد العام :
يقوم هذا القصد على عنصري العلم والإرادة: فيتعين أن يعلم المتهم أن الموضوع الذي ينصب عليه فعله هو « عملة ذات تداول قانوني في مصر أو في الخارج ». فإن جهل ذلك، فإعتقد أن فعله ينصب على ميدالية أو قطعة حلى أو سند حكومي أو سهم أو ورقة تجارية، أو إعتقد أن العملة الأجنبية التي تناولها فعله قد أبطل التعامل بها وصارت مجرد سلعة، فإن القصد لا يتوافر لديه . ويجب أن يعلم بماهية فعله وأن من شأنه تقليد عملة أو تزييفها أو تزويرها . ويتعين أن تتجه إرادة المتهم إلى فعله وآثاره : وتطبيقاً لذلك فإن القصد لا ينسب إلى شخص وقعت منه بإهماله العملة الصحيحة في محلول كيميائي، فاكتسبت لوناً مختلفاً وصارت شبيهة بعملة أكبر قيمة، أو فقدت بتأثير هذا المحلول جزءاً من قيمتها .
ولا عبرة - تطبيقاً للقواعد العامة - بالباعث الذي حمل المتهم على فعله، فليس بشرط أن يكون الإثراء غير المشروع باعثه، فقد يكون الإضرار بالاقتصاد القومي أو الإساءة إلى نظام الحكم أو الحصول على المال لتمويل حركة سياسية .
القصد الخاص :
قوام هذا القصد « نية دفع العملة غير الصحيحة في التعامل على أنها عملة صحيحة »، أي «نية الترويج » فالجاني لا يريد أن يقف نشاطه عند مجرد تقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها ثم الإحتفاظ بها، وإنما يريد - کي يحقق مشروعه الإجرامي أهدافه الطبيعية - أن يدفع هذه العملة إلى التعامل بين الناس كما يتعاملون في العملات التي تصدرها الدولة وتعني نية الدفع في التعامل إرادة الجاني التخلي عن حيازة النقود غير الصحيحة بحيث تتداول في المجتمع إستقلالاً عن تدخله، أي دون أن يكون له فيما بعد سيطرة على ذلك ودون أن يكون في وسعه - على وجه يقيني - إيقاف هذا التداول ويعني ذلك أن الشارع قد أقام صلة معنوية بين هذه الجنايات وجناية الترويج : فعلى الرغم من استقلالها عنها بحيث يسأل الجاني عن التقليد أو التزييف أو التزوير ولو لم يروج العملة التي أنتجها نشاطه، فإنه لا يعاقب إذا ثبت أن « نية الترويج » لم تكن متوافرة لديه لحظة فعله . وتطبيقاً لذلك فإذا ثبت أن الجاني كان يستهدف بتقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها مجرد إثبات مهارته في ذلك عازماً بعد ذلك على إتلافها، أو كانت نيته عرضها في واجهة محل، أو مجرد إظهارها للغير لإثبات ملاءته دون أن تكون لديه نية دفعها في التعامل بعد ذلك، فإن « القصد الخاص » لا يعد متوافراً لديه ويتعين أن تتوافر نية الترويج لحظة الفعل : فإن لم تكن متوافرة في هذه اللحظة كالوضع في الأمثلة السابقة، ولكن توافرت في وقت لاحق، فإنه لا عبرة بها، تطبيقاً لقاعدة « وجوب معاصرة القصد الجنائي للفعل الإجرامي ». ولكن إذا دفع هذا الشخص العملة في التداول تنفيذاً لنيته اللاحقة كان مسئولاً عن جريمة الترويج .
لا تلتزم النيابة العامة بإثبات توافر « نية الترويج » : ذلك أن الوضع الطبيعي فيمن يقلد عملة أو يزيفها أو يزورها وهو عالم بماهية فعله وموضوعه أن يستهدف دفعها إلى التعامل، إذ بغير ذلك لا يحقق له مشروعه ثمرة، ولذلك كان من السائغ افتراضها، ولكنه افتراض يسمح للمتهم بإثبات عكسه، فإذا أقام الدليل على انتفاء هذه النية لديه اعتبر القصد منتفياً ولا تلتزم المحكمة بإثبات هذه النية صراحة . وفي ذلك تقول محكمة النقض « جريمة التزييف وإن إستلزمت - فضلاً عن القصد الجنائي العام - قصداً خاصاً، هو نية دفع العملة الزائفة إلى التداول مما يتعين على الحكم استظهاره إلا أن المحكمة لا تلتزم بإثباته في حكمها على إستقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فإنه يكون متعيناً حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها » . نقض 18 أكتوبر سنة 1965 مجموعة أحكام محكمة النقض، س 16 رقم 153 ص 710.
عقوبة جنايات التزييف
تمهيد : وحد الشارع - من حيث العقاب - بين جميع الجنايات التي تنص عليها المواد 202، 202 مكرراً، 203 من قانون العقوبات، ونص بعد ذلك على سبب لتشديد عقوبتها (المادة 203 مكرراً من قانون العقوبات)، وقرر عذراً معفياً من العقاب (المادة 205 من قانون العقوبات)، وتنص على سبب لتخفيف عقوبة جناية الترويج (المادة 204 من قانون العقوبات) .
عقوبة جنايات التزييف في صورتها العادية : قرر الشارع عقوبة السجن المشدد لجميع الجنايات التي نصت عليها المواد 202، 202 مكرراً، 203 من قانون العقوبات وبالإضافة إلى هذه العقوبة، توقع عقوبة المصادرة الوجوبية على العملة غير الصحيحة التي كانت موضوعاً لهذه الجنايات، بإعتبار أنها من الأشياء « التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته » (المادة 30 من قانون العقوبات، الفقرة الثانية) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 183 )
يتضح من هذا النص أن الجريمة تقوم على أركان ثلاثة : محل الجريمة والركن المادي ثم الركن المعنوي .
محل الجريمة :
تقع هذه الجريمة على العملة المتداولة قانوناً، ويقصد بها كل أداة تمثل قيمة معينة تصدرها الدولة وتفرض على الناس الإلتزام بقبولها كوسيلة للوفاء في المعاملات وعلى ذلك يخرج من هذا النطاق وسائل التعامل المتداولة عرفاً، وهي التي يجري العرف على استعمالها في بعض المجالات كالبونات والفيشات التي تستعمل في بعض المحلات . كما يخرج منه وسائل التعامل التي تصدرها الدولة ولا تلزم الناس بقبولها كالمستندات الحكومية وأذونات البريد. كذلك تنحسر الحماية الجنائية عن العملة التي تفقد قوة تداولها القانوني، يستوي أن يكون سبب ذلك صدور قانون ينهي التعامل بها أو إستقرار العرف على عدم استعمالها كوسيلة للتعامل من أمثلة ذلك المسكوكات الذهبية المصرية، التي أوقف إصدارها بحيث إنعدم التناسب بين الموجود منها وبين كمية السلع والخدمات المتداولة، فعجزت عن أداء دورها لتصبح سلعة عادية تباع وتشترى ويتحدد ثمنها على أساس قيمة ما تزن من الذهب وفقاً لسعر السوق الذي يتحدد في ضوء العرض والطلب . وعلى ذلك فإن تزييف هذه المسكوكات لا تقوم به جريمة التزييف وإنما تقوم به جريمة أخرى هي جريمة الغش التجارى التي ينص عليها القانون رقم 48 لسنة 1941 .
ويلاحظ أن العملة لها قوتها في التداول القانوني سواء كان الإلزام بقبولها بكميات غير محدودة أو مقيداً بحدود كمية معينة كذلك تظل لها هذه القوة ولو كان القانون يمنع التعامل بها خارج الدولة .
وتمتد حماية نصوص التزييف إلى العملة المتداولة قانوناً سواء أكانت عملة معدنية أو ورقية، وسواء كانت صادرة من الحكومة أو من جهة مأذون لها بإصدارها قانوناً كأوراق البنكنوت التي يصدرها البنك المركزي بناء على تفويض من الدولة وسواء كانت عملة وطنية أو عملة أجنبية ويرجع، فيما يتعلق بالعملة الأجنبية، إلى قانون الدولة الأجنبية لمعرفة ما إذا كانت العملة متداولة قانوناً أم ليست كذلك، فإذا كانت متداولة قانوناً إمتدت إليها الحماية ولو كانت هناك بعض القيود على التعامل بها في مصر .
الركن المادي :
يتخذ الركن المادي في جريمة التزييف إحدى صور ثلاثة هي : التقليد ، والتزييف ، والتزوير .
التقليد :
يقصد بالتقليد صنع عملة مشابهة للعملة المتداولة قانوناً سواء كانت هذه العملة معدنية أو ورقية والتقليد بهذا المعنى يتحقق بإصطناع نقود معدنية على شكل المسكوكات الحقيقية، أو بطبع أوراق بنفس البيانات والرسوم والألوان التي توجد على العملة الورقية الصحيحة . كذلك يتحقق التقليد بطبع عملة قديمة انمحت نقوشها بعلامات العملة المتداولة أو بنزع وجهي عملة معدنية صحيحة وتثبيتها على قطعة بنفس الحجم ولكن من معدن أقل قيمة، بل إن التقليد يتوافر بإصطناع عملة مماثلة للعملة القانونية من حيث المظهر والوزن والحجم وطبيعة المعدن إذ يعتبر ذلك اعتداء على سلطة الدولة في احتكار إصدار النقود، وعلى مصلحتها في الحصول على الفرق بين القيمة التي تمثلها العملة وبين قيمة المادة المصنوعة منها .
فإذا لم تكن العملة المصطنعة مشابهة للعملة القانونية انتفت الجريمة. ويثير ذلك التساؤل عن معيار التشابه الذي يتحقق به التقليد؟ الواقع أنه لا يشترط أن يكون التشابه تاماً بين العملتين المقلدة والصحيحة بحيث ينخدع به أكثر الناس تدقيقاً، كما أنه لا يكفي لتوافر التقليد أن يكون واضحاً بحيث لا ينخدع به أحد وإنما يتحقق التقليد إذا بلغ التشابه بين العملتين حدا يجعل العملة المقلدة مقبولة في التعامل، ويرجع في تحديد مدى قبولها في التعامل إلى معيار الشخص المعتاد الذي يمثل جمهور الناس .
التزييف :
حدد المشرع معنى التزييف بقوله في المادة 202 " ويعتبر تزييفاً انتقاص شيء من معدن العملة، أو طلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة ". فالتزييف يتخذ وفقاً لهذا التحديد إحدى صورتين : هما الانتقاص، والتمويه. ويتحقق الانتقاص بأخذ جزء من مادة العملة الأصلية بأية طريقة كإستعمال مبرد أو مادة كيميائية، ويستوي بعد ذلك أن يبقيها ناقصة الوزن أو أن يضيف إليها معدناً آخر أقل قيمة ليعيد إليها وزنها الأصلي. أما التمويه فيتحقق بإضفاء الجاني على العملة الأصلية مظهر عملة أخرى أكبر منها في القيمة. وقد ذكر المشرع مثالاً للتمويه هو حالة طلاء العملة بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة، كما لو قام بطلاء عملة نحاسية بطلاء فضي . ولكن التمويه قد يتحقق فى حالات أخرى كما لو طرق الجانى العملة فاتسع محيطها بحيث اتخذت مظهر عملة أكبر قيمة .
وواضح من تحديد صورتي التزييف أنه لا يقع إلا على عملة معدنية، وهو في ذلك يختلف عن التقليد الذي قد يكون موضوعه عملة معدنية أو ورقية. ويؤخذ فيما يتعلق بتوافر التزييف بمعيار الرجل المعتاد .
التزوير :
يقصد بتزوير العملة تغيير الحقيقة في عملة صحيحة، ويتحقق ذلك بتغيير ما عليها من رسوم أو أرقام أو علامات أو كتابة بحيث تصبح لها قيمة أكبر من قيمتها الحقيقية. والتزوير بهذا التحديد قد يقع على عملة معدنية أو ورقية . بل إنه أكثر وقوعاً في العملات الورقية. ولا يتطلب المشرع أن يقع التزوير في العملة بطريقة معينة، وإنما قد يقع بإحدى طرق التزوير المادي في المحررات أو بأية طريقة أخرى .
ويؤخذ فيما يتعلق بتوافر التزوير بنفس المعيار الذي يؤخذ به في حالة التقليد وهو معيار الرجل المعتاد .
الشروع في التقليد أو التزوير :
تتم جريمة التزييف بارتكاب أحد الأفعال السابق ذكرها، وهي التقليد والتزييف والتزوير دون توقف على إطلاقها في التداول، فترويج العملة المزيفة يعتبر جريمة مستقلة بذاتها عن جريمة تزييف العملة .
ولما كانت هاتان الجريمتان تستهدفان غرضاً واحداً وترتبطان إرتباطاً لا يقبل التجزئة، فإن العقوبة التي يجب الحكم بها وفقاً للقواعد العامة (م 2/32 ع) هي عقوبة الجريمة الأشد، ولكن لما كان المشرع يقرر ذات العقوبة لكل من الجريمتين المذكورتين فإنه توقع على الجاني عقوبة واحدة .
كذلك تقع الجريمة تامة أياً كانت كمية النقود التي زيفها الجاني، ولو اقتصر الأمر على تزييف قطعة نقدية واحدة .
وإذا تمت الجريمة على هذا النحو فإنه لا يؤثر في إستحقاق الجاني للعقوبة أن يستحيل عليه ترويجها كما لو ضبطت أو سرقت أو أتلفت أو أن يعدل بإختياره عن استعمالها، فالعدول الاختياري لا أثر له بعد إكتمال عناصر الركن المادي للجريمة .
ويقف فعل الجاني عند حد الشروع إذا بدأ في التقليد أو التزييف أو التزوير ثم أوقف فعله أو خاب أثره لأسباب خارجة عن إرادته . ومن أمثلة الجريمة الموقوفة أن يضبط الجاني بعد بدء التنفيذ وقبل إتمام النشاط المكون للركن المادي للجريمة أما الجريمة الخائبة فمثالها أن يتم الجاني نشاطه ولكن التزييف يكون من الوضوح بحيث لا يخدع الشخص العادي، إذ يعتبر نشاطه في هذه الحالة قد خاب أثره بسبب خارج عن إرادته هو عدم قدرته على إحكام التزييف .
وإذا اقتصر نشاط المتهم على إعداد الآلات والأدوات اللازمة لتنفيذ فعل التقليد أو التزييف أو التزوير، فإنه يعتبر مجرد أعمال تحضيرية لم تدخل في مجال الشروع. والقاعدة أنه لا عقاب عليها، ومع ذلك فقد رأى المشرع أن الأعمال التحضيرية لجريمة التزييف هي من الخطورة بحيث يجب العقاب عليها، ولذلك إعتبرها في ذاتها جريمة خاصة نص عليها في المادة 204 مكرراً (ب) من قانون العقوبات التي تقضي بأن : « يعاقب بالحبس كل من صنع أو حاز بغير مسوغ أدوات أو آلات أو معدات مما يستعمل في تقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها ».
الركن المعنوي :
جريمة التزييف جريمة عمدية، يتمثل الركن المعنوي فيها في القصد الجنائي، ولا يكفي لتحقق هذا الركن توافر القصد العام وإنما يجب أن يقوم إلى جانبه قصد خاص .
القصد العام :
يقوم القصد العام على عنصرين : العلم والإرادة، فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب فعل التقليد أو التزييف أو التزوير، مع علمه بأن هذا الفعل ينصب على عملة وطنية أو أجنبية متداولة قانوناً فإذا وقع منه هذا الفعل بإهمال كما إذا انسكب على العملة محلول كيميائي نتيجة إهمال المتهم فغير لونها بحيث اكتسبت لون عملة أكثر قيمة لا تقع الجريمة لإنتفاء القصد، كذلك ينتفي القصد إذا كان المتهم يعتقد أن العملة محل الفعل لم تعد متداولة قانوناً .
القصد الخاص :
يتمثل القصد الخاص في جريمة التزييف في نية ترويج العملة المزيفة أي نية إطلاق العملة في التداول على اعتبار أنها صحيحة وعلى ذلك ينتفى القصد الخاص فلا تقوم الجريمة إذا ثبت أن المتهم قد قام بالفعل لإجراء تجربة علمية أو لإثبات مهارته في التقليد أو لإشباع ميول فنية .
والقصد الخاص يجب أن يتوافر لحظة القيام بالفعل المكون للركن المادي، فإذا انتفى في ذلك الوقت لا تقوم الجريمة، ولو نشأت لدى الجاني بعد ذلك نية ترويج العملة الزائفة . مع ملاحظة أن توافر نية الترويج بعد القيام بالفعل تقوم به جريمة أخرى إذا روج العملة أو حتى إقتصر على مجرد حيازتها مع توافر قصد الترويج أو التعامل بها . وقد نصت على هذه الجريمة المادة 203 من قانون العقوبات .
ويفترض توافر نية الترويج لدى المتهم الذي قام بفعل التقليد أو التزييف أو التزوير إذ الوضع الطبيعي أن من يقوم بهذا الفعل إنما يستهدف ترويج العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة، على أن هذا الافتراض قابل لإثبات العكس، فيستطيع المتهم أن يثبت إنتفاء هذه النية بجميع طرق الإثبات .
وغني عن البيان أن الباعث ليس عنصراً من عناصر القصد، وعلى ذلك يستوي في قيام الجريمة أن يكون الباعث عليها هو الإثراء غير المشروع أو الإضرار بمصلحة الدولة، ولا يكون للباعث من تأثير إلا في حدود سلطة القاضي التقديرية .
العقوبة :
يقرر المشرع لجريمة التقليد أو التزييف أو التزوير عقوبة السجن المشدد. وفضلاً عن ذلك يجب توقيع عقوبة المصادرة تطبيقاً للمادة 30 / 2 ع إذ أن العملة المزيفة تعتبر من الأشياء التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاتها . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 206 )
يتحقق التزييف بوسائل كثيرة، فإما أن يتم باصطناع العملة برمتها على وجه يشبه العملة الصحيحة، وهو ما يسمى بالتقليد. أو بإنقاص قيمتها المعدنية، وهو ما يسمى بالانقاص. أو بتغيير قيمتها الإسمية أو شكلها، وهو ما يتحقق بالتمويه أو التزوير .
1- التقليد :
ويتحقق بصنع شيء غير حقيقي يشبه عملة صحيحة. ولا يشترط في التقليد أن يكون بالغ الإتقان، بل يكفي أن يكون قد وصل إلى حد معقول يكفي لكي ينخدع به الناس في التعامل. ويرجع إلى معيار الشخص المعتاد في تقدير مدى احتمال قبوله العملة المزيفة في التعامل، فهو المعيار الذي يستعان به لتقدير مدى الخطر المترتب على التزييف .
إن تقدير مدى التشابه بين العملة المزيفة والعملة الصحيحة أمر موضوعي يستقل به قاضي الموضوع. فللمحكمة كامل السلطة فى تقدير القوة التدليلية لعناصر الدعوى المطروحة على بساط البحث وهي الخبير الأعلى في كل ما تستطيع أن تفصل فيه بنفسها. فإذا كانت المسألة المطروحة ليست من المسائل الفنية البحتة التي لا تستطيع المحكمة أن تشق طريقها لإبداء رأي فيها، فإن القاضي له أن يذهب في قضائه إلى علم المتهم بتزييف العملة المروجة المضبوطة إلى ما ساقه من استدلال سائغ. ولكن يجب أن يراعي القاضي في تقديره مدى قبول العملة في التعامل أن الناس عادة يستعملون قدراًَ ضئيلاً من الحذر والإحتياط عند قبول العملات الصغيرة في التعامل، بخلاف الحال بالنسبة إلى العملات الكبيرة ..هذا إلى جانب أنه يجب أن يراعي الوسط الإجتماعي الذي يراد ترويج العملة المزيفة خلال أفراده، فالإحتياط الذي يبذله القرويون في الريف أقل مما يبذله أهل المدن. ولكن ما الحكم إذا كان تقليد العملة ظاهراً بحيث لا يخدع به شخص معتاد إلا أنه أدى إلى إنخداع أحد البسطاء به؟ نرى أنه إذا خادع شخص بالتقليد الظاهر، فذلك مما لا تتوافر به جريمة التزييف دون إخلال بوقوع جريمة النصب إذا توافرت سائر أركانها القانونية. ولما كان الخطر الذي يتطلبه القانون لوقوع هذه الجريمة هو احتمال قبولها في التعامل، وهو أمر لا يمكن قياسه إلا بناء على سلوك الشخص المعتاد، فلا يكفي لوقوع هذه الجريمة أن يقبل بسيط أو غافل العملة ظاهرة التقليد، لأنها ليست من جرائم الاعتداء على مصالح الأفراد، بل هي من الجرائم الماسة بالمصلحة العامة التي تتطلب توافر الخطر العام، وهو ما يتحدد على ضوء ما يسلکه مجموع الناس طبقاً لمعيار الشخص المعتاد. هذا دون الإخلال بإعتبار الجاني مرتكباً لجريمة النصب في هذه الحالة متى تمكن شخص من الإحتيال بها على المجني عليه للاستيلاء على ماله .
وغني عن البيان، فإنه يجب لتوافر التقليد أن يكون الشيء قد توافرت فيه الخصائص الرئيسة الخارجية للعملة المزيفة، فلا جريمة إذا كانت العملة ظاهرة البطلان ولا يصلح دفاعاً أن يبين الجاني أوجه الخلاف بين العملة المزيفة والعملة الصحيحة، ذلك أن القاعدة المقررة في جرائم التقليد أن العبرة هي بأوجه الشبه لا بأوجه الخلاف. وقد يكون التقليد کلياً بصنع العملة، كما قد يكون جزئياً، وذلك بإحداث تغيير على عملة صحيحة أبطل تداولها القانوني بحيث تبدو مشابهة للعملة الصحيحة .
ولا يحول دون وقوع الجريمة أن يكون للمعدن المستعمل في تقليد العملة المعدنية ذات القيمة المعدنية للعملة القانونية، كما لا يتطلب القانون وسيلة معينة لحصول هذا التقليد .
وبناء على ما تقدم إذا انتفى التشابه بين العملة المقلدة والعملة الصحيحة، مما لا يسمح بالانخداع بالعملة المقلدة وقبولها في التداول، فإن فعل التقليد لا يقوم قانوناً .
وقد رأى المشرع أنه ضماناً للحماية الجنائية التي أسبغها على العملة - أن يعاقب (فضلاً عن الأفعال السابقة) على صنع أدوات أو آلات أو معدات مما يستعمل في تقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها، أو حيازتها بغير مسوغ ( المادة 204 مكرراً ). ولا يشترط للعقاب على حيازة هذه الأدوات أو الآلات أو المعدات أن تستعمل فعلاً في تزييف العملة، بل يكفي مجرد حيازتها بغير مسوغ .
كما ألحق القانون بجرائم التزييف جريمة أخرى تهدف إلى الحيلولة دون إيقاع الجمهور في الغلط، وذلك بصنع مسكوكات أوراق تشبه العملة الوطنية إذا كان ذلك لأغراض ثقافية أو علمية أو صناعية أو تجارية. وهذه الجريمة ليست من جرائم التزييف، لأنها لا تشترك معها في أهم خصائصها، وهو القصد الجنائي الذي يتمثل في اتجاه نية الجاني إلى وضع العملات الزائفة في التعامل .
2- الانتقاص :
ويتحقق بإنقاص العملة، وهو أمر لا يتصور حصوله إلا على العملة المعدنية، وذلك بأخذ جزء من المعدن المشتملة عليه العملة إما بواسطة مبرد أو نحوه أو بالكهرباء أو باستعمال مواد كيمياوية أو أية وسيلة أخرى .
3- التمويه :
ولا يتصور وقوعه كذلك إلا على العملة المعدنية، ويتم بطلاء المعدن الذي تكونت منه العملة بطبقة من معدن أغلى من معدنها، أياً كانت وسيلة ذلك، بمادة کیمیاوية أو بغيرها .
4- التزوير :
ويستوي وقوعه على العملة المعدنية أو الورقية. ويتحقق بتغيير الحقيقة في بيانات عملة صحيحة في الأصل، كأن يغير الفاعل في الرسوم أو العلامات أو الأرقام المبينة على العملة الصحيحة حتى تبدو وكأنها أكثر قيمة. ولا عبرة بالوسائل المستعملة لتحقيق هذا الغرض. ولا يحول هذا الغرض دون وقوع الفعل ألا يمس الجاني بفعله قيمة المعدن الذي طرأ عليه التزوير .
تمام الجريمة :
تتم هذه الجريمة بمجرد وقوع التزييف بأحد الأفعال سالفة الذكر، ولو لم توضع بعد في التعامل. فهناك انفصال تام بين جريمة التزييف من جهة وجريمة استعمال العملة المزيفة من جهة أخرى. ولا تلازم بين مسئولية الجاني عن الجريمتين، فقد يقتصر نشاط الجاني على التزييف دون الإستعمال، وقد يرتكب الإستعمال دون التزييف .
الشروع :
يتحقق الشروع إذا أوقف تنفيذ فعل التزييف أو خال أثره لسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه. ومثال الشروع الموقوف أن يقوم الجاني بتحضير الأدوات والسبائك اللازمة للتزييف واستعمالها بالفعل في إعداد العملة الزائفة التي لم تصل إلى درجة من الإتقان تكفل لها الزج بها في المعاملة، وذلك إذا أوقف الفعل بسبب ضبط المتهمين قبل إتمام التزييف. أما الشروع الخائب، فمثاله تقليد العملة تقليداً ظاهراً غير متقن بحيث لا يخدع به أحد، فهنا قام الجاني بكل ما في وسعه لإتمام التقليد، إلا أنه خاب في تحقيق هذه النتيجة. وقد قضت محكمة النقض أنه إذا كانت وسائل التزييف غير صالحة بالمرة لتحقيق الغرض المقصود منها ولا تؤدي مهما أتقن إستعمالها إلى إنتاج ورقة زائفة شبيهة بالورقة الصحيحة، فإن جريمة التقليد في هذه الحالة تكون مستحيلة استحالة مطلقة والشروع فيها غير مؤثم .
ويعد إعداد أدوات أو آلات بنية إستعمالها في التزييف شروعاً في الجريمة، وقد قضت محكمة النقض أن تحضير أدوات التزييف في إعداد العملات الورقية الزائفة يعد شروعاً في جريمة تقليد العملة، بشرط أن تكون الوسائل المستعملة تصلح بطبيعتها لصنع ورقة زائفة تشبه العملة الورقية الصحيحة، فإذا كانت الأدوات غير صالحة لتحقيق الغرض المقصود منها كانت جريمة التقليد مستحيلة، مما يجعل الشروع فيها غير مؤثم. فكما قضت محكمة النقض لا يشترط لتحقق الشروع في تقليد عملات ورقية محلية وحيازة الأدوات المستعملة في التقليد - أن يبدأ الفاعل بتنفيذ جزء من الأعمال المكونة للركن المادي للجريمة، بل يكفي لإعتبار أنه شرع في ارتكاب الجريمة أن يبدأ في تنفيذ فعل ما سابق مباشرة على تنفيذ الركن المادي لها ومؤدى إليها حتماً، وأنه بناء على ذلك فإن ما خلص إليه الحكم من توافر الشروع من إعداد جهاز الكمبيوتر والطابعة الملونة وإعداد الأوراق والأحبار اللازمة، وأنه حال قيام الجاني بطباعة العملات المختلفة تم القبض عليه، يكون صحيحاً .
وقد نصت المادة (204 مكرراً ب) المضافة بالقانون رقم 29 لسنة 1982 على إعتبار من صنع أو حاز بغير مسوغ أدوات أو آلات أو معدات مما يستعمل في تقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها مرتكباً لجريمة قائمة بذاتها، وهو ما أوصت به إتفاقية جينيف. وتختلف هذه الجريمة عن الشروع في تزييف العملة في عدم توافر نية إستعمال الأدوات أو الآلات أو المعدات التي يصنعها أو يحوزها في التزييف. ويكفى لتوافر القصد الجنائي بمجرد إتجاه إرادة الجاني إلى صنع الأدوات أو حيازتها دون سبب مشروع مع علمه بأنها تستعمل في التزييف .
ويكفي لإعتبار الصنع أو الحيازة بسبب غير مشروع أن يعلم الجاني أن هذه الأدوات سوف تستعمل بنفسه أو بواسطة غيره في تزييف العملة . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 725 )
الركن المعنوي :
القصد العام :
لا تقع جريمة التزييف بصورها الثلاث المتقدمة إلا إذا اتجهت إرادة الجاني إلى ارتكاب فعلها المادي مع العلم بجميع عناصره. فلا يتوافر هذا القصد إذا لم يعلم من ساهم في التزييف بأن ما يرد عليه الفعل عملة وطنية أو أجنبية، أو إذا لم يعلم من روج العملة المزيفة أو حازها بأمر تزييفها. كما لا يتوافر القصد العام ما لم تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل المادي ذاته، فلا جريمة على من يوزع العملة الزائفة تحت ضغط إكراه مادي أو أدبي .
والأصل في جرائم التزييف أن هذا القصد متوافر في حق الجاني من مجرد إرتكاب الفعل المادي ذاته الذي يشهد في ذاته بتوافر الإرادة والعلم، ما لم يثبت الجاني بكل السبل انتفاء هذا القصد. هذا بخلاف الحال في جرائم الإستعمال والحيازة، فإنه يتعين على سلطة الإتهام أن تثبت توافر هذا القصد في حق الجاني، لأن الأفعال المكونة لهذه الجرائم لا تفيد وحدها توافر القصد المذكور، بل يتعين التحقق من توافر العلم بتزييف العملة .
القصد الخاص :
لا صعوبة بالنسبة إلى جريمتي ترويج العملة المزيفة أو حيازتها، إذ يتعين بالنسبة إليه بناء على صریح نص المادة 203/ 2 عقوبات توافر قصد الترويج أو التعامل بالعملة المزيفة. وقد سكت نص المادتين 202 و 203/ 1 عقوبات عن ذكر مدى توافر القصد الخاص في جرائم التزييف وإدخال العملة في مصر أو إخراجها منها .
وقد حذا المشرع فى هذا المسلك حذو قانون العقوبات الإيطالى ( المادة 453 / 1 و 32 ) . وذهب مانزينى إلى الإكتفاء بالقصد العام فى هذه الحالة وعدم اشتراط قصد وضع العملة الزائفة فى التداول . لكننا نرى أنه إذا كان القانون قد ميز بين التزييف والتعامل بالعملة المزيفة، فإن ذلك كان لضرورة يجب أن تقدر بقدرها، وهذه الضرورة هي خطورة فعل التزييف ذاته. على أن ذلك لا يحول دون اعتبار هذا التزييف جزءاً في مشروع إجرامي واحد يهدف إلى التعامل بالنقود المزيفة، وأن هذا الجزء يجب أن يرتبط من الناحية النفسية بالجزء الآخر، ألا وهو التعامل ويصدق هذا القول على إدخال العملة المزيفة في البلاد أو إخراجها منها فهو ليس إلا مرحلة في مشروع إجرامي يهدف إلى التعامل بهذه العملة إما في الداخل أو الخارج .
لذا كان من المحتم أن تطلب توافر القصد الخاص في جميع أنواع جرائم التزييف، وهو دفع العملة الزائفة في التداول. ولا يشترط أن يهدف الجاني من جريمته أن يتعامل بنفسه بالعملة الزائفة، وإنما يكفي أن يهدف إلى وضعها في التعامل بين الجمهور ولو بواسطة الغير . فلا تقع الجريمة إذا اتجه قصد الجاني إلى مجرد إرضاء هوايته الفنية، ولكنه إذا ارتكب الركن المادي من جريمته لأحد الأغراض الثقافية أو العلمية أو الصناعية أو التجارية - وقعت في شأنه الجنحة المنصوص عليها في المادة 204 مكرراً عقوبات .
ومتى توافر القصد الخاص فلا عبرة بالباعث الذي حدا بالجاني لارتكاب جريمته، فيستوي أن يكون متمثلاً في مجرد تحقيق ربح شخصي له أو لغيره، أو في مجرد الإضرار بمصالح الدولة الإقتصادية أو السياسية .
للمحكمة أن تستخلص من جميع الوقائع الظروف مدى توافر القصد الجنائي في حدود سلطتها الموضوعية، وعليه أن تبين في حكمها أن المتهم كان يعلم بتزييف العملة وقت قبولها لها في التعامل حتى تستبعد توافر الظرف المخفف المشار إليه في المادة 204 كما سنبين فيما بعد، على أنه لا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة وعلى استقلال عن هذا العلم مادامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره لديه .
وعلى المحكمة كذلك استظهار القصد الخاص في جريمة التزييف، لكنها لا تلتزم بإثباته في حكمها على إستقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون، وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فإنه يكون متعیناً حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 737 )
أركان الجريمة :
أولاً : الركن المادي : السلوك الإجرامي - النتيجة غير المشروعة :
حدد المشرع صوراً ثلاثاً للسلوك الإجرامي تتمثل في التقليد والتزييف والتزوير .
1- التقليد :
ويقصد بالتقليد أي فعل غير مشروع يصطنع بمقتضاه الجاني عملة ورقية أو معدنية، أو أجنبية، تقليداً للعملة الأصلية المتداولة قانوناً في مصر أو في الخارج. ويستوي نوع الأفعال المرتكبة وأيضاً الوسائل المستخدمة طالما أنها تملك الكفاءة والمقومات اللازمة لإيقاع العامة في الغلط وخداعها. فإذا كان التقليد لا يكفى لخداع عامة الناس وإنما ارتكب الخداع شخص بعينه، نظراً لظروفه الخاصة، فإننا لا نكون بصدد جريمة التزييف وإنما قد تتوافر أركان جريمة النصب .
ولا يلزم لقيام الجريمة أن يكون التقليد كاملاً ومتقناً. بل يكفي التقليد الجزئي طالما أن يكفي لإيقاع العامة أو الجمهور في الغلط بغض النظر عن درجة الإتقان .
ويكفي لتحقق التقليد وصفته السابقة أن يكون من شأنه خداع عدد غير محدود من الأفراد . والعبرة في التقليد بأوجه الشبه وليس بأوجه الاختلاف .
والنتيجة الإجرامية : في التقليد تتمثل في تمام الاصطناع للعملة ولو في صورة وحدة واحدة. ذلك أن الوحدة الواحدة تشكل خطراً على المصلحة محل الحماية وذلك بطرحها في التداول. وبتمام الإصطناع تتم الجريمة بغض النظر على إنفاق العملة أو عدم إنفاقها أو إستخدامها أو عدم إستخدامها في أي غرض آخر. فلا يشترط لقيام جريمة تقليد العملة أن يكون التقليد متقناً بحيث ينخدع به حتى المدقق، بل يكفي أن يكون بين الورقة المزورة والصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة في التعامل .
الشروع في التقليد : متصور ذلك إذا ما حقق الجاني أفعالاً تملك مقومات إحداث النتيجة المتمثلة في الإصطناع الكلي للعملة ولكنه لم تتحقق بسبب خارج عن إرادة الجاني. ولذلك استقر قضاء النقض على أن تحضير الأدوات والسبائك اللازمة للتزييف واستعمالها بالفعل في إعداد العملة الزائفة التي لم تصل إلى درجة من الإتقان تكفل لها الرواج في المعاملة هو في نظر القانون من أعمال الشروع المعاقب عليه قانوناً إذ أن الجاني بذلك قد تعدى مرحلة التفكير والتحضير وانتقل إلى دور التنفيذ بحيث لو ترك وشأنه لتمت الجريمة في أعقاب ذلك مباشرة. وعليها فإذا كان الثابت أن تفتيش مسكن المطعون ضده قد أسفر عن ضبط قوالب للتزييف وعدد من العملات المعدنية المزيفة وبعض السبائك المعدنية وأدوات أخرى مختلفة مما تستعمل في التزييف وذلك بعد أن انكشف لرجال مكتب مكافحة التزييف أمر المطعون ضدهم وهم يبحثون عن مشتر لعملاتهم المزيفة فإنهم قد تعدوا مرحلة التقليد والتحضير وانتقلوا إلى دور التنفيذ بحيث لو تركوا وشأنهم لتمت الجريمة في أعقاب ذلك مباشرة ويكون الحكم إذ قضى ببراءة المطعون ضدهم إستناداً إلى أن الواقعة لا تعد شروعاً في تقليد بالرغم من ضبط هذه الأدوات التي أعدت لهذا الغرض قد أخطأ في القانون .
وغني عن البيان أن تقليد واصطناع أكثر من وحدة يكون جريمة واحدة طالما أن هناك تعاصراً زمنياً في إنتاجها. كما أنه يكون جريمة متتابعة الأفعال إذا تخلف التعاصر الزمني، ولكن ثبت ارتكابها تنفيذاً لمشروع إجرامي واحد .
2- التزييف :
يقصد بالتزييف أي فعل من شأنه أن يغير من قيمة العملة سواء بالزيادة أو بالنقصان، وقد نص المشرع صراحة على أن يعتبر تزييفاً انتقاص شيء من معدن العملة أو طلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة. ولذلك إذا لم يكن من شأن الفعل المرتكب أن يغير من قيمة العملة فلا نكون بصدد تزييف وإنما يمكن أن نكون بصدد جريمة نصب .
ويجب أن ينصب التزييف على عملة حقيقية، فإذا إنصب التغيير على عملة مقلدة فإن الشكل الأول للسلوك هو الذي تقوم عليه الجريمة .
والنتيجة الإجرامية غير المشروعة تتمثل في الأثر المترتب على فعل التزييف والمتمثل في الزيادة الظاهرية لقيمة العملة المزيفة عن قيمتها الحقيقية. ولذلك فإن لحظة تمام الجريمة تتحقق حيث ينشأ خطر انخداع عامة الناس بالتغيير ولو لم تطرح العملة فعلاً في التداول .
3- التزوير :
يتحقق التزوير بأي فعل من شأنه تغيير حقيقة عملة معدنية أو ورقية صحيحة قانوناً سواء بإضافة رقم أو حذفه، أو إضافة علامة أو رسم أو حذفها بحيث تبدو العملة مغايرة لقيمتها الحقيقية. والتزوير كالتزييف يجب أن ينصب على عملة صحيحة قانوناً. فإذا وقع على عملة مقلدة كنا بصدد الصورة الأولى من صور السلوك الإجرامي. وغني عن البيان أن التزوير يجب أن يملك مقومات خداع العامة في قيمة العملة وإلا كنا بصدد الجريمة المستحيلة .
ثانياً : الموضوع المادي للسلوك. العملة المتداولة قانوناً وأوراق البنكنوت المأذون بإصدارها :
يجب أن تكون العملة موضوع التقليد أو التزييف أو التزوير متداولة قانوناً سواء في مصر أو الخارج، ومعنى ذلك أنه يستوي بالنسبة للجريمة التي نحن بصددها العملات الوطنية والعملات الأجنبية. فالحماية الجنائية تنبسط على العملات المتداولة في مصر أو في الخارج وذلك تنفيذاً لإتفاقية جنيف في 20 أبريل 1929. ولا يلزم لقيام الجريمة أن تكون العملة الأجنبية متداولة قانوناً في مصر، بل يكفي أن تكون متداولة قانوناً في أي دولة أخرى .
ويتحقق شرط التداول قانوناً في الدولة متى كان هناك إلزام بقبول العملة بقيمتها المحددة قانوناً كأداة للوفاء .
وإذا كانت العملة متداولة قانوناً داخل دولة ومحظورة التعامل بها خارجها فإن شرط التداول قانوناً يتوافر أيضاً ويخضع تزييفها أو تقليدها أو تزويرها لحكم المادة 202 عقوبات، أما إذا أخرجت العملة من التداول قانوناً وإنقضى بذلك إلزام الأفراد بقبولها في التعامل فإن تقليدها أو تزييفها يخرج عن حكم المادة 202 عقوبات وإن كان يمكن أن يشكل أركان جريمة أخرى .
ويعتبر في حكم العملة الورقية أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً. أما غير ذلك من الأوراق والبنكنوت والسندات وأذون البريد فتخرج عن نطاق جرائم التزييف. كما تخرج عن نطاقه أيضاً أية أوراق أو سندات صادرة عن جهات غير حكومية ولو تعارف الناس على التعامل بها .
ثالثاً : الركن المعنوي :
يقوم الركن المعنوي لجريمة التزييف وصورها الثلاث على القصد الجنائي بعنصريه العلم والإرادة . والعلم يجب أن ينصب على العناصر المكونة للجريمة. فيجب أن يعلم الجاني بحقيقة سلوكه المتمثل في التقليد أو التزييف أو التزوير، وأنه بواسطته يغير من حقيقة العملة وأصالتها، كما يجب أن ينصرف علمه إلى أن العملة موضوع السلوك من العملات المتداولة قانوناً في مصر أو خارجها، والإرادة يجب أن تتجه إلى تحقيق الواقعة المكونة للجريمة .
وقد اتجه جانب من الفقه مؤيداً ببعض الأحكام الأجنبية بأن القصد الجنائي في جرائم التزييف يتوافر بإرادة تغيير حقيقة العملة مع العلم بالعناصر المكونة لها، وبعبارة أخرى فإن القصد الجنائي يعتبر متداخلاً في الواقعة المادية المكونة للجريمة حتى ولو كان الجاني لا يهدف بسلوكه إلى دفع العملة المزيفة إلى دائرة التعامل .
غير أن جانباً آخر من الفقه يذهب إلى أن القصد الجنائي في التزييف لابد لتوافره من أن يكون الجاني عالماً بخطورة فعله على المصلحة المحمية ويريد تحقيق تلك الخطورة. فإذا كان الجاني قد حقق تزييفاً للعملة في أي صورة من صوره بحسن نية ودون أن تتجه إرادته إلى دفع العملة إلى دائرة التعامل أو دون أن يعلم بخطورة فعله على المصلحة المحمية فإن القصد الجنائي ينتفي. ولذلك يتخلف القصد الجنائي إذا قام الشخص بالتقليد أو التزييف أو التزوير لأغراض فنية أو لإجراء تجارب علمية من نوع معين، أو لغير ذلك من الأغراض .
ويلاحظ أن قضاء النقض المصري قد عبر عن هذا الإتجاه الثاني بتطلب القصد الخاص إلى جانب القصد العام يتمثل في نية دفع العملة المزيفة إلى التداول .
وترتيباً على ذلك فإنه يتعين إثبات القصد الجنائي ولا يكفي في ذلك أن إثبات واقعة التقليد أو التزييف أو التزوير، كما يلزم أيضاً إثبات تلك النية الخاصة التي تعبر عن العلم بخطورة الفعل وإرادة تحقيق تلك الخطورة بدفع العملة المزيفة إلى التداول . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة : 381 )
يتضح من هذا النص أن الجريمة تقوم على أركان ثلاثة : محل الجريمة والركن المادي ثم الركن المعنوي .
محل الجريمة :
تقع هذه الجريمة على العملة المتداولة قانوناً، ويقصد بها كل أداة تمثل قيمة معينة تصدرها الدولة وتفرض على الناس الإلتزام بقبولها كوسيلة للوفاء في المعاملات وعلى ذلك يخرج من هذا النطاق وسائل التعامل المتداولة عرفاً، وهي التي يجري العرف على استعمالها في بعض المجالات كالبونات والفيشات التي تستعمل في بعض المحلات . كما يخرج منه وسائل التعامل التي تصدرها الدولة ولا تلزم الناس بقبولها كالمستندات الحكومية وأذونات البريد .
ويلاحظ أن العملة لها قوتها في التداول القانوني سواء كان الإلزام بقبولها بكميات غير محدودة أو مقيداً بحدود كمية معينة كذلك تظل لها هذه القوة ولو كان القانون يمنع التعامل بها خارج الدولة .
وتمتد حماية نصوص التزييف إلى العملة المتداولة قانوناً سواء أكانت عملة معدنية أو ورقية، وسواء كانت صادرة من الحكومة أو من جهة مأذون لها بإصدارها قانوناً كأوراق البنكنوت التي يصدرها البنك المركزي بناء على تفويض من الدولة وسواء كانت عملة وطنية أو عملة أجنبية ويرجع، فيما يتعلق بالعملة الأجنبية، إلى قانون الدولة الأجنبية لمعرفة ما إذا كانت العملة متداولة قانوناً أم ليست كذلك، فإذا كانت متداولة قانوناً إمتدت إليها الحماية ولو كانت هناك بعض القيود على التعامل بها في مصر .
الركن المادي :
يتخذ الركن المادي في جريمة التزييف إحدى صور ثلاثة هي : التقليد ، والتزييف ، والتزوير .
التقليد :
يقصد بالتقليد صنع عملة مشابهة للعملة المتداولة قانوناً سواء كانت هذه العملة معدنية أو ورقية والتقليد بهذا المعنى يتحقق بإصطناع نقود معدنية على شكل المسكوكات الحقيقية، أو بطبع أوراق بنفس البيانات والرسوم والألوان التي توجد على العملة الورقية الصحيحة . كذلك يتحقق التقليد بنزع وجهي عملة معدنية صحيحة وتثبيتها على قطعة بنفس الحجم ولكن من معدن أقل قيمة، بل إن التقليد يتوافر بإصطناع عملة مماثلة للعملة القانونية من حيث المظهر والوزن والحجم وطبيعة المعدن إذ يعتبر ذلك اعتداء على سلطة الدولة في احتكار إصدار النقود، وعلى مصلحتها في الحصول على الفرق بين القيمة التي تمثلها العملة وبين قيمة المادة المصنوعة منها .
فإذا لم تكن العملة المصطنعة مشابهة للعملة القانونية انتفت الجريمة. ويثير ذلك التساؤل عن معيار التشابه الذي يتحقق به التقليد؟ الواقع أنه لا يشترط أن يكون التشابه تاماً بين العملتين المقلدة والصحيحة بحيث ينخدع به أكثر الناس تدقيقاً، كما أنه لا يكفي لتوافر التقليد أن يكون واضحاً بحيث لا ينخدع به أحد وإنما يتحقق التقليد إذا بلغ التشابه بين العملتين حدا يجعل العملة المقلدة مقبولة في التعامل، ويرجع في تحديد مدى قبولها في التعامل إلى معيار الشخص المعتاد الذي يمثل جمهور الناس .
التزييف :
حدد المشرع معنى التزييف بقوله في المادة التى نحن بصددها " ويعتبر تزييفاً انتقاص شيء من معدن العملة، أو طلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة ". فالتزييف يتخذ وفقاً لهذا التحديد إحدى صورتين : هما الانتقاص، والتمويه. ويتحقق الانتقاص بأخذ جزء من مادة العملة الأصلية بأية طريقة كإستعمال مبرد أو مادة كيميائية، ويستوي بعد ذلك أن يبقيها ناقصة الوزن أو أن يضيف إليها معدناً آخر أقل قيمة ليعيد إليها وزنها الأصلي. أما التمويه فيتحقق بإضفاء الجاني على العملة الأصلية مظهر عملة أخرى أكبر منها في القيمة. وقد ذكر المشرع مثالاً للتمويه هو حالة طلاء العملة بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة، كما لو قام بطلاء عملة نحاسية بطلاء فضي .
وواضح من تحديد صورتي التزييف أنه لا يقع إلا على عملة معدنية، وهو في ذلك يختلف عن التقليد الذي قد يكون موضوعه عملة معدنية أو ورقية. ويؤخذ فيما يتعلق بتوافر التزييف بمعيار الرجل المعتاد .
التزوير :
يقصد بتزوير العملة تغيير الحقيقة في عملة صحيحة، ويتحقق ذلك بتغيير ما عليها من رسوم أو أرقام أو علامات أو كتابة بحيث تصبح لها قيمة أكبر من قيمتها الحقيقية. والتزوير بهذا التحديد قد يقع على عملة معدنية أو ورقية . بل إنه أكثر وقوعاً في العملات الورقية. ولا يتطلب المشرع أن يقع التزوير في العملة بطريقة معينة، وإنما قد يقع بإحدى طرق التزوير المادي في المحررات أو بأية طريقة أخرى .
ويؤخذ فيما يتعلق بتوافر التزوير بنفس المعيار الذي يؤخذ به في حالة التقليد وهو معيار الرجل المعتاد .
الشروع في التقليد أو التزوير :
تتم جريمة التزييف بارتكاب أحد الأفعال السابق ذكرها، وهي التقليد والتزييف والتزوير دون توقف على إطلاقها في التداول، فترويج العملة المزيفة يعتبر جريمة مستقلة بذاتها عن جريمة تزييف العملة .
ولما كانت هاتان الجريمتان تستهدفان غرضاً واحداً وترتبطان إرتباطاً لا يقبل التجزئة، فإن العقوبة التي يجب الحكم بها وفقاً للقواعد العامة (م 2/32 ع) هي عقوبة الجريمة الأشد، ولكن لما كان المشرع يقرر ذات العقوبة لكل من الجريمتين المذكورتين فإنه توقع على الجاني عقوبة واحدة .
كذلك تقع الجريمة تامة أياً كانت كمية النقود التي زيفها الجاني، ولو اقتصر الأمر على تزييف قطعة نقدية واحدة .
وإذا تمت الجريمة على هذا النحو فإنه لا يؤثر في إستحقاق الجاني للعقوبة أن يستحيل عليه ترويجها كما لو ضبطت أو سرقت أو أتلفت أو أن يعدل بإختياره عن استعمالها، فالعدول الاختياري لا أثر له بعد إكتمال عناصر الركن المادي للجريمة .
ويقف فعل الجاني عند حد الشروع إذا بدأ في التقليد أو التزييف أو التزوير ثم أوقف فعله أو خاب أثره لأسباب خارجة عن إرادته . ومن أمثلة الجريمة الموقوفة أن يضبط الجاني بعد بدء التنفيذ وقبل إتمام النشاط المكون للركن المادي للجريمة أما الجريمة الخائبة فمثالها أن يتم الجاني نشاطه ولكن التزييف يكون من الوضوح بحيث لا يخدع الشخص العادي، إذ يعتبر نشاطه في هذه الحالة قد خاب أثره بسبب خارج عن إرادته هو عدم قدرته على إحكام التزييف .
الركن المعنوي :
جريمة التزييف جريمة عمدية، يتمثل الركن المعنوي فيها في القصد الجنائي، ولا يكفي لتحقق هذا الركن توافر القصد العام وإنما يجب أن يقوم إلى جانبه قصد خاص .
القصد العام :
يقوم القصد العام على عنصرين : العلم والإرادة، فيجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب فعل التقليد أو التزييف أو التزوير، مع علمه بأن هذا الفعل ينصب على عملة وطنية أو أجنبية متداولة قانوناً فإذا وقع منه هذا الفعل بإهمال كما إذا انسكب على العملة محلول كيميائي نتيجة إهمال المتهم فغير لونها بحيث اكتسبت لون عملة أكثر قيمة لا تقع الجريمة لإنتفاء القصد، كذلك ينتفي القصد إذا كان المتهم يعتقد أن العملة محل الفعل لم تعد متداولة قانوناً .
القصد الخاص :
يتمثل القصد الخاص في جريمة التزييف في نية ترويج العملة المزيفة أي نية إطلاق العملة في التداول على اعتبار أنها صحيحة وعلى ذلك ينتفى القصد الخاص فلا تقوم الجريمة إذا ثبت أن المتهم قد قام بالفعل لإجراء تجربة علمية أو لإثبات مهارته في التقليد أو لإشباع ميول فنية .
والقصد الخاص يجب أن يتوافر لحظة القيام بالفعل المكون للركن المادي، فإذا انتفى في ذلك الوقت لا تقوم الجريمة .
ويفترض توافر نية الترويج لدى المتهم الذي قام بفعل التقليد أو التزييف أو التزوير إذ الوضع الطبيعي أن من يقوم بهذا الفعل إنما يستهدف ترويج العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة، على أن هذا الافتراض قابل لإثبات العكس، فيستطيع المتهم أن يثبت إنتفاء هذه النية بجميع طرق الإثبات .
وغني عن البيان أن الباعث ليس عنصراً من عناصر القصد، وعلى ذلك يستوي في قيام الجريمة أن يكون الباعث عليها هو الإثراء غير المشروع أو الإضرار بمصلحة الدولة، ولا يكون للباعث من تأثير إلا في حدود سلطة القاضي التقديرية .
العقوبة :
يقرر المشرع لجريمة التقليد أو التزييف أو التزوير عقوبة السجن المشدد. وفضلاً عن ذلك يجب توقيع عقوبة المصادرة تطبيقاً للمادة 30 / 2 ع إذ أن العملة المزيفة تعتبر من الأشياء التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاتها . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 69 )
المسكوكات هي النقود المعدنية التي تحمل اسم سيد البلاد ويتبادلونها الناس في معاملاتهم .
وينقش على المسكوكات قيمة القطعة وتاريخ السنة التي سكت فيها ولا يدخل تحت لفظ المسكوكات. النقود الورقية ولا الأوسمة ولا النقود الأثرية القديمة التي إنقطع التعامل بها فأصبحت من التحف التاريخية .
والمسكوكات الزيوف هي التي اصطنعت تقليداً للمسكوكات الصحيحة - والمسكوكات المزورة هي المسكوكات التي كانت صحيحة في الأصل ثم أصابها التزوير .
أركان الجريمة :
توافر النموذج الإجرامي المبين بالمادة 202 عقوبات يتطلب توافر الأركان الآتية :
أولاً : وقوع فعل مادي من نوع معين هو التقليد أو التزييف أو التزوير .
ثانياً : أن يقع هذا الفعل على عملة صحيحة ورقية أو معدنية متداولة قانوناً في مصر أو في الخارج .
ثالثاً : أن يتوافر القصد الجنائي لدى الجاني وفيما يلي تفصيل لازم .
وقوع الفعل المادي :
الفعل المادي المنصوص عليه بالمادة 202 عقوبات قد يكون بالتقليد أو بالتزييف أو بالتزوير .
(أ) التقليد : المقصود بالتقليد :
التقليد هو صنع عملة تشبه العملة القانونية الصحيحة مهما كانت الطريقة التي إستخدمت في بلوغ هذا التشابه ولا يفرق بين التقليد المتقن وغير المتيقن فلا يشترط للعقاب أن يكون التقليد قد أتم بمهارة وحذف بل يكفي أن يكون مظهر القطعة المقلدة مشابهاً للعملة الصحيحة وأن يكون التقليد على صورة تؤدي إلى خديعة الناس ولو البسطاء منهم فيقبلون المسكوكات المقلدة في التعامل ويمثل لهم إمكان تداولها بحسبانها عملة صحيحة ويرجع إلى معيار الشخص المعتاد في تقدير مدى احتمال قبوله العملة المزيفة في التعامل فهو المعيار الذي يستعان به بين العملة المزيفة والعملة الصحيحة وهو أمر موضوعي يستقل به قاضي الموضوع ويلاحظ أنه يجب لتوافر التقليد أن يكون الشئ قد توافرت فيه الخصائص الرئيسية الخارجية للعملة المزيفة فلا جريمة إذا كانت العملة ظاهرة البطلان. ولا يصلح دفاعاً أن يبين الجاني أوجه الخلاف بين العملة المزيفة والعملة الصحيحة ذلك أن القاعدة المقررة في جرائم التقليد بأن العبرة هي بأوجه الشبه لا بأوجه الخلاف .
(ب) التزييف :
ويكون التزييف بإنتقاص شئ من معدن العملة أو طلائها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى (م 202 فقرة ثانية) فهو إذن يقع على عملة في الأصل صحيحة ولكن الجاني ينقص منها أو يموه حقيقتها بطلاء يجعلها شبيهة بأخرى ويتم الإتفاق بأخذ جزء من العملة بواسطة مبرد أو أية آلة أخرى أو بإستعمال محلول كهربائي أو برفع وجهيها أو جزء من قبلها وصب معدن آخر أقل قيمة بينهما. أو في مكان الجزء المنتزع ويكون التمويه بطلاء عملة قليلة القيمة كالنحاس مثلاً بطبقة رقيقة من معدن كبيرة القيمة كالفضة أو الذهب أو بإستعمال مادة تعطيها هذا اللون أو ذاك. وعلى أية حال فإنه لا عبرة بالوسيلة التي يعمد إليها الجاني لإرتكاب التزييف سواء في انتقاص شيء من العملة أو طلائها بما يجعلها تشبه آخر وبطبيعة الحال فإن العملة تظل في حالة الطلاء محتفظة بقوتها وعلاماتها ولكنها تعتبر عند التعامل بها أداء غش وخداع لمن لايمعن النظر أو من لايميز أنواع العملة. أما نقص قيمتها فهو غش بالغ السبك وشره محيق لأن به فضلاً عن العدوان على حق الدولة نوع من السرقة ولأن ملاحظته تفوت على كثير من الناس .
والفرق بين التقليد والتزييف هو أن التقليد ينتج عملة غير صحيحة لم يكن بها من قبل وجود في حين يفترض التزييف عملة صحيحة أصلاً أدخل التشويه عليها والإضافة إلى ذلك فالتقليد متصور إزاء عملة معدنية أو ورقية في حين لايتصور التزييف إلا بالنسبة لعملة معدنية .
(ج) التزوير :
يراد بالتزوير تغيير الحقيقة في عملة كانت صحيحة في الأصل ذلك أن إصطناع عملة مقلدة يدخل في طريقة التقليد ومن قبيل التزوير أن يغير الفاعل في الرسم المنقوش أو في العلامات أو في الأرقام بطريقة من طرق التزوير المادي الواردة في القانون بالنسبة لتزوير المحررات أو بغيرها من الطرق فالقانون لم يحصر هنا طرق تزوير العملة. وقل بأنه بهذا المعنى العام للتزوير في العملة يمكن أن يقال بدخول التقليد فيه وكذلك التزييف بإنقاص قيمة العملة كما يدخل كل تغيير آخر ومن ذلك تغيير الرسم أو النقوش أو العلامات والأرقام لإعطاء عملة حقيقية مظهر عملة أخرى أكبر قيمة أو لإعطاء عملة قديمة مظهر عملة متداولة .
تمام الركن المادي :
يتم الركن المادي لهذه الجريمة بمجرد وقوع التزييف بأحد الأفعال سالفة الذكر ولو لم توضع بعد في التعامل فهناك انفصال تام بين جريمة التزييف من جهة وجريمة استعمال العملة المزيفة من جهة أخرى. ولا تلازم بين مسئولية الجاني عن الجريمتين فقد يقتصر نشاط الجاني على التزييف دون الإستعمال ولا يحول دون وقوع الفعل ألا يمس الجاني بفعله قيمة المعدن الذي طرأ عليه التزوير .
الركن الثاني : محل الفعل المادي :
يحمى القانون من التقليد وتغيير العملة مطلقاً أي سواء كانت معدنية أو ورقية صادرة من الحكومة أو من جهة أذن لها قانوناً بإصدار العملة وسيان كانت العملة مصرية أو أجنبية ولكن يشترط في جميع الأحوال أن تكون العملة متداولة قانوناً في مصر أو في الخارج ويكون للعملة صفة التداول القانوني متى كان الأشخاص مجبرين على قبولها في التعامل بكميات غير محدودة أو في حدود معينة ويعتبر من العملة الورقية أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً .
الركن الثالث : القصد الجنائي :
وهذه الجناية تتطلب لمسئولية مقارفها واستحقاقه العقاب أن يتوافر لديه القصد الجنائي وإذن يجب فضلاً عن ارتكاب الجاني أحد الأفعال المادية بإرادته أن يكون على علم بالواقع ولكن في هذه الجنايات لابد من توفر غاية معينة يستهدفها الجاني بفعله وعندئذ يكون القصد اللازم هو القصد الجنائي الخاص في جرائم التقليد والتزييف يجب أن يكون لدى الجاني غاية ترويج العملة غير الصحيحة سواء بنفسه أو بواسطة غيره. فإذا تبين عدم توفر هذه الغاية لديه كما لو كان يهدف من ذلك إلى أغراض ثقافية أو علمية أو صناعية أو تجارية فإن القصد الجنائي المطلوب في هذه الجرائم وفقاً للمادة 202 ينتفي لديه . وإن كان يصح أن يقع فعله تحت طائلة المادة 204 مكرراً (أ) عقوبات. غير أن هذه الغاية وهي ترويج العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة يجب أن تكون متوفرة لدي الجاني وقت إرتكاب أحد هذه الأفعال إذ القاعدة أن القصد الجنائي يجب أن يتعاصر مع الفعل المادي فإذا انتفت هذه الغاية في ذلك الوقت ثم طرأت بعد تمام أحد هذه الأفعال فإن القصد الجنائي لا يكون متوافراً لديه وبالتالي فإنه لا يعاقب في جناية منه ولكنه قد يعاقب على الترويج .
ومتى توافر القصد الجنائي الخاص فلا عبرة بالباعث الذي حدا بالجاني علي إرتكاب جريمته فيستوي أن يكون متمثلاً في مجرد تحقيق ربح شخصي له أو لغيره أوفي مجرد الإضرار بمصالح الدولة الإقتصادية أو السياسية. وعلى المحكمة استظهار القصد الخاص في جريمة التزييف إلا أنها لا تلتزم بإثباته في حكمها على إستقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فإنه يكون متعيناً حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها . (موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 3 )
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات : 224 ، 225 ، 226 ، 227
( مادة 453 ) :
في جميع الحالات المبينة في مواد هذا الفصل ، يقضى بمصادرة الأشياء المقلدة أو المزورة ، وكذا الآلات والأدوات المستعملة ، أو المعدة للإستعمال في التقليد أو التزوير .
( مادة 455 ) :
يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تزيد على عشرة آلاف جنيه - كل من زور أو زيف أو قلد - بأية كيفية كانت - عملة ورقية أو معدنية متداولة قانوناً في مصر أو في دولة أخرى، بقصد إستعمالها في التداول بإعتبارها عملة صحيحة .
ويعد في حكم العملة الورقية السندات التي صدرت أو تصدر في مصر أو في دولة أخرى عن الحكومة أو المصرف ، بقصد تداولها كعوض أو بديل عن النقود .
ويعتبر تزييفاً للعملة المعدنية إنقاص شيء من قيمتها - بأية وسيلة كانت - أو طلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أكبر منها قيمة .
( مادة 460 ) :
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسة أمثال قيمة العملة ، أو بإحدى هاتين العقوبتين :
(أ) كل من أخذ بحسن نية عملة ورقية أو معدنية مزورة أو مزيفة أو مقلدة ، فإستعملها أو تعامل بها بعد علمه بعيبها .
(ب) كل من أدخل إلى مصر أو تداول أو إستعمل أو روج عملة ورقية أو معدنية بطل العمل بها مع علمه بذلك .
(ج) كل من إمتنع عن قبول العملة الوطنية في معاملاته بالقيمة الرسمية المقررة لها .
( مادة 462 ) :
فضلاً عن العقوبات المنصوص عليها في المواد السابقة ، يحكم بمصادرة العملات المزورة أو المزيفة أو المقلدة والأجهزة ، وغيرها من الأشياء التي إستعملت ، أو التي من شأنها أن تستعمل في التزوير أو التزييف أو التقليد .
تزييف وتزوير العملة الورقية والمعدنية ورفض التعامل بالعملة الوطنية
المواد من (455) - (464) :
تقابل مواد المشروع في عمومها المواد من (202) إلى (205) من القانون القائم ، مع ضبط صياغة النصوص الواردة في المشروع وإحكام عباراتها ، وأهم سمات مواد المشروع ما يلي :
1- لم تتضمن مواد المشروع المقابلة للمواد (202)، (204) مکرراً (أ)، (204) مکرراً (ب) من القانون الحالي ، ما كانت تنص عليه هذه المواد من إعتبار أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً في حكم العملة الورقية ، ذلك بأن هذه الأوراق هي في الواقع والقانون معاً، عملة ورقية تدخل في وضوح في حكم النص دون حاجة إلى الحكم الإعتباري المذكور ، وعلى هذا الأساس جاء نص المادة (455) من المشروع خالياً من العبارة تلك .
وقد استحدث في النص المذكور فقرة جديدة بموجبها تعد في حكم العملة الورقية السندات التي صدرت أو تصدر في مصر أو في دولة أجنبية أخرى ، عن الحكومة المصرية أو مصرف مصري ، بقصد تداولها كعوض أو بديل عن العقود ؛ لما تقوم به هذه السندات الصادرة بناء على طلب الحكومة المصرية ، أو مصرف له الحق في ذلك قانوناً ، كفاء وغناء عن النقود ، فلزم والحال كذلك أن تشملها الحماية الجنائية .
2- أورد المشروع نص المادة (456) الذي يقابل نص المادة (202) مکررا من القانون القائم ، والتي أضيفت بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ؛ حتى تشمل الحماية العملة الذهبية أو الفضية التذكارية المأذون بإصدارها قانوناً ؛ لما لهذه العملات من قيمة مرتفعة تجعلها محل إقتناء وتعامل بين الأفراد .
3- استحدث نص الفقرة (ب) من المادة (460) من المشروع لسد ثغرة ، فقد قصد به إسباغ الحماية الجنائية على من يقع فريسة التعامل في عملة بطل العمل بها ، فجرم كل من أدخل إلى مصر أو تداول أو إستعمل أو روج عملة ورقية أو معدنية بطل العمل بها ، متى كان يعلم بذلك ، إذ الجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال أو التقصير مقام العمد .
4- نقل المشروع في الفقرة (ج) من المادة (460) منه الحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (386) من القانون القائم ؛ لأنه يمثل الحماية الجنائية لعملة البلاد ، ومن ثم كان من المناسب أن تتضمنه نصوص هذا الفصل الخاصة بالعملة ورقية كانت أم معدنية ، أو أصبح النص بعد تعديله يعاقب بعقوبة الجنحة كل من إمتنع عن قبول العملة الوطنية في معاملاته بالقيمة الرسمية المقررة لها ، ومن البداهية أن المقصود بالنص العملة الصحيحة ، وكان حرياً بالمشروع لحماية تداول هذه العملة بعد إلغاء قاعدة الذهب ، وتحديد المشرع المصري سعراً إلزامياً للعملة الورقية - أن تقوم هذه العملة مقام الذهب ، وإذا كانت الحماية الجنائية في هذا الشأن القائمة حالياً ليست كافية ، إذ هي تعاقب من يمتنع عن قبول عملة البلاد بغرامة لا تتجاوز جنيها - فقد صار لزاماً لتأكيد جدية هذه الحماية لعملة البلاد أن يرتفع المشروع بالعقوبة إلى عقوبة الجنحة .
5- المادة (463) من المشروع تقابل المادة (204) مکرراً عقوبات ، المضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1983، وقد أبقى عليها المشروع دون تعديل .
6- المادة (464) من المشروع تعرض للإعفاء من العقاب ، بالنسبة لمن يبادر من الجناة بإبلاغ الجهات المختصة بالجريمة قبل قيامها ، أو قبل البدء في التحقيق ، إذا كانت الجريمة قد تمت ، والإعفاء في الحالة وجوبي ، ويمتد حكم هذا الإعفاء الوجوبي إذا مكن الجاني الجهة المختصة بعد بدء التحقيق وأثناء سريانه من ضبط باقي الجناة ، وكانت الفقرة الثانية من المادة (205) من القانون القائم تجعل هذه الحالة من حالات الإعفاء الجوازي ، وقد رأى المشروع - تشجيعاً منه لكشف الجريمة - أن يثيب الجاني ولو بعد بدء التحقيق وأثناء جریانه بالإعفاء من العقاب ، إذا كان إبلاغه مثمراً ، بأن أدى إلى ضبط باقي الجناة ، هذا ومن المفهوم أن حكم هذا النص لا يسري - شأنه شأن حالات الإعفاء للإبلاغ عن الجريمة - إلا في حالة تعدد الجناة فيها فاعلين كانوا أم شرکاء .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي عشر ، الصفحة / 260
التَّزْوِيرُ فِي النُّقُودِ وَالْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ :
التَّزْوِيرُ فِيهَا يَكُونُ بِالنَّقْصِ مِنْ مَقَادِيرِهَا، بِغِشِّهَا أَوْ تَغْيِيرِ أَوْزَانِهَا أَوْ أَحْجَامِهَا، كَأَنْ تُخْلَطَ دَنَانِيرُ الذَّهَبِ أَوْ دَرَاهِمُ الْفِضَّةِ بِمَعَادِنَ أُخْرَى كَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، رَغْبَةً فِي نَقْصِ مِقْدَارِ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ، أَوْ بِالنَّقْصِ مِنْ حَجْمِ الدِّينَارِ أَوِ الدِّرْهَمِ.
أَوْ أَنْ يُنْقِصَ مِنْ وَزْنِ الصَّنْجِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا فِي الْمَوَازِينِ، أَوْ حَجْمِ الْمِكْيَالِ، رَغْبَةً فِي زِيَادَةِ الرِّبْحِ وَتَقْلِيلِ الْمَبِيعِ الْمَوْزُونِ أَوِ الْمَكِيلِ.
وَالتَّزْوِيرُ فِي النُّقُودِ وَالْمَوَازِينِ وَالْمَكَايِيلِ مُحَرَّمٌ دَاخِلٌ فِي قوله تعالى : ( وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ).
وَدَاخِلٌ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» كَمَا أَنَّ فِيهِ إِفْسَادًا لِلنُّقُودِ، وَإِضْرَارًا بِذَوِي الْحُقُوقِ، وَإِغْلاَءَ الأْسْعَارِ، وَالنَّقْصَ مِنَ الصَّدَقَاتِ، وَانْقِطَاعَ مَا يُجْلَبُ إِلَى الْبِلاَدِ مِنْ حَوَائِجِ النَّاسِ.
وَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ وَظِيفَةِ الْمُحْتَسِبِ أَنْ يَتَفَقَّدَ عِيَارَ الْمَثَاقِيلِ وَالصَّنْجِ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُعَيِّرَ أَوْزَانَهَا وَيَخْتِمَهَا بِخَتْمِهِ، حَتَّى يَأْمَنَ تَزْوِيرَهَا وَتَغْيِيرَ مَقَادِيرِهَا.
كَمَا تَدْخُلُ فِي وَظِيفَتِهِ مُرَاقَبَةُ مَقَادِيرِ دَنَانِيرِ الذَّهَبِ وَدَرَاهِمِ الْفِضَّةِ وَزْنًا وَحَجْمًا. وَلاَ يَجُوزُ لِلإْمَامِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ، وَحُرْمَتُهُ فِي حَقِّ غَيْرِ الإْمَامِ أَشَدُّ، لأِنَّ الْغِشَّ فِيهَا يَخْفَى عَلَى النَّاسِ فَيَكُونُ الْغَرَرُ بِهَا أَكْبَرَ. بِخِلاَفِ الإْمَامِ؛ لأِنَّ مَا يَضْرِبُهُ مِنْ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ يُشْهَرُ وَيُعْرَفُ مِقْدَارُهُ.
كَمَا لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الإْمَامِ ضَرْبُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ غَيْرِ الْمَغْشُوشَةِ؛ لأِنَّهُ لاَ يُؤْمَنُ فِيهَا الْغِشُّ وَالْفَسَادُ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني عشر ، الصفحة / 283
تَقْلِيدُ الْمَسْكُوكَاتِ الزُّيُوفِ وَالْمُزَوَّرَةِ :
تَقْلِيدُ الْمَسْكُوكَاتِ الَّتِي فِي التَّدَاوُلِ وَالإْعَانَةِ عَلَى صَرْفِ الْعُمْلَةِ الْفَاسِدَةِ وَنَشْرُهَا جَرِيمَةٌ فِيهَا التَّعْزِيرُ. فَفِي (عِدَّةُ أَرْبَابِ الْفَتْوَى) فِي رَجُلٍ يَعْمَلُ السِّكَّةَ الْمَصْنُوعَةَ رِيَالاً وَذَهَبًا وَرُوبِيَّةً، وَفِي رَجُلٍ يَنْشُرُ هَذِهِ الْمَسْكُوكَاتِ الزَّائِفَةَ وَيُرَوِّجُهَا: أَنَّهُمَا يُعَزَّرَانِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العشرون ، الصفحة / 247
دَرَاهِمُ
التَّعْرِيفُ:
الدَّرَاهِمُ جَمْعُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ لَفْظٌ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّقْدِ ضُرِبَ مِنَ الْفِضَّةِ كَوَسِيلَةٍ لِلتَّعَامُلِ، وَتَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ وَأَوْزَانُهُ بِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ الَّتِي تَتَدَاوَلُهُ وَتَتَعَامَلُ بِهِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الدَّنَانِيرُ :
الدَّنَانِيرُ جَمْعُ دِينَارٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: دِينَارٌ أَصْلُهُ أَعْجَمِيٌّ غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ تَكَلَّمَتْ بِهِ فَصَارَ عَرَبِيًّا.
وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ الْمَضْرُوبَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْمِثْقَالِ.فَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنِ الدَّرَاهِمِ فِي أَنَّهَا مِنَ الذَّهَبِ فِي حِينِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنَ الْفِضَّةِ.
ب - النَّقْدُ :
لِلنَّقْدِ ثَلاَثَةُ مَعَانٍ فَيُطْلَقُ عَلَى الْحُلُولِ أَيْ خِلاَفِ النَّسِيئَةِ، وَعَلَى إِعْطَاءِ النَّقْدِ، وَعَلَى تَمَيُّزِ الدَّرَاهِمِ وَإِخْرَاجِ الزَّيْفِ مِنْهَا، وَمُطْلَقِ النَّقْدِ وَيُرَادُ بِهِ مَا ضُرِبَ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ.
ج - الْفُلُوسُ :
الْفُلُوسُ جَمْعُ فَلْسٍ، وَتُطْلَقُ الْفُلُوسُ وَيُرَادُ بِهَا مَا ضُرِبَ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَصَارَتْ عُرْفًا فِي التَّعَامُلِ وَثَمَنًا بِاصْطِلاَحِ النَّاسِ.
د - سِكَّةٌ :
السَّكُّ: تَضْبِيبُ الْبَابِ أَوِ الْخَشَبِ بِالْحَدِيدِ. وَالسِّكَّةُ: حَدِيدَةٌ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ، وَهِيَ الْمَنْقُوشَةُ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى أَثَرِهَا وَهِيَ النُّقُوشُ الْمَاثِلَةُ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْقِيَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ الْوَظِيفَةُ فَصَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا فِي عُرْفِ الدُّوَلِ، وَتُسَمَّى الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ سِكَّةً.
الدِّرْهَمُ الإْسْلاَمِيُّ وَكَيْفِيَّةُ تَحْدِيدِهِ وَتَقْدِيرِهِ:
كَانَتِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ قَبْلَ الإْسْلاَمِ مُتَعَدِّدَةً مُخْتَلِفَةَ الأْوْزَانِ، وَكَانَتْ تَرِدُ إِلَى الْعَرَبِ مِنَ الأْمَمِ الْمُجَاوِرَةِ فَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا، لاَ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ بَلْ بِأَوْزَانٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَجَاءَ الإْسْلاَمُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى هَذِهِ الأْوْزَانِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ».
وَلَمَّا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى تَقْدِيرِ الدِّرْهَمِ فِي الزَّكَاةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ وَزْنٍ مُحَدَّدٍ لِلدِّرْهَمِ يُقَدَّرُ النِّصَابُ عَلَى أَسَاسِهِ، فَجُمِعَتِ الدَّرَاهِمُ الْمُخْتَلِفَةُ الْوَزْنِ وَأُخِذَ الْوَسَطُ مِنْهَا، وَاعْتُبِرَ هُوَ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَزِنُ الْعَشَرَةُ مِنْهُ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ، فَضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ الإْسْلاَمِيَّةُ عَلَى هَذَا الأْسَاسِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فُقَهَاءَ وَمُؤَرِّخِينَ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَهْدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ هَذَا التَّحْدِيدُ، فَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ أَمْ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ الأْمْرُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي ضُرِبَ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ هُوَ أَسَاسَ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ وَالْمُؤَرِّخِينَ أَثْبَتُوا أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْوَضْعِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الإْجْمَاعُ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ، بَلْ أَصَابَهُ تَغْيِيرٌ كَبِيرٌ فِي الْوَزْنِ وَالْعِيَارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَصَارَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ نَقْدِهِمْ بِمَعْرِفَةِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقَادِيرِهَا الشَّرْعِيَّةِ إِلَى أَنْ قِيلَ: يُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ.
وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ اضْطِرَابٌ فِي مَعْرِفَةِ الأْنْصِبَةِ، وَهَلْ تُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ؟ وَأَصْبَحَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ غَايَةً تَمْنَعُ هَذَا الاِضْطِرَابَ. وَإِلَى عَهْدٍ قَرِيبٍ لَمْ يَصِلِ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَتَّى أَثْبَتَ الْمُؤَرِّخُ عَلِيُّ بَاشَا مُبَارَكٌ - بِوَاسِطَةِ اسْتِقْرَاءِ النُّقُودِ الإْسْلاَمِيَّةِ الْمَحْفُوظَةِ فِي دُورِ الآْثَارِ بِالدُّوَلِ الأْجْنَبِيَّةِ - أَنَّ دِينَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَزِنُ 4،25. جِرَامٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَزْنُ الدِّرْهَمِ. 2،975 جِرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِعْيَارًا فِي اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ زَكَاةٍ، وَدِيَةٍ، وَتَحْدِيدِ صَدَاقٍ، وَنِصَابِ سَرِقَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
مَنْ يَتَوَلَّى ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ :
ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَظِيفَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلدَّوْلَةِ، إِذْ بِهَا يَتَمَيَّزُ الْخَالِصُ مِنَ الْمَغْشُوشِ بَيْنَ النَّاسِ فِي النُّقُودِ عِنْدَ الْمُعَامَلاَتِ، وَيُتَّقَى الْغِشُّ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ عَلَيْهَا بِالنُّقُوشِ الْمَعْرُوفَةِ.وَقَدْ قَالَ الإْمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لاَ يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إِلاَّ فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، لأِنَّ النَّاسَ إِنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ، فَقَدْ مَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ مِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ لِلنَّوَوِيِّ: يُكْرَهُ لِلرَّعِيَّةِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً، لأِنَّ ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ مِنْ شَأْنِ الإْمَامِ.
وَذَكَرَ الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ السُّلْطَانِ فَعَاقَبَهُ وَسَجَنَهُ وَأَخَذَ حَدِيدَهُ فَطَرَحَهُ فِي النَّارِ، وَحَكَى الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَخَذَ رَجُلاً يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ، قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: فَرَأَيْتُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ شُيُوخِنَا حَسَّنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ.
حُكْمُ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ إِلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ، لأِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَسَادِ فِي الأْرْضِ وَيُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ».
وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الإْمَامِ أَحْمَدَ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ وَرِوَايَةِ حَرْبٍ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ - فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَْرْضِ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الدَّرَاهِمِ تُقَطَّعُ فَقَالَ: لاَ، «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ»، وَقِيلَ لَهُ: فَمَنْ كَسَرَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ فَعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو يَعْلَى: وَقَوْلُهُ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ لاَ مَأْثَمَ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ إِلَى أَنَّ كَسْرَهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَفَصَّلَ قَوْمٌ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ. إِنْ كَسَرَهَا لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهُ لَهُ، وَإِنْ كَسَرَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ لَهُ، لأِنَّ إِدْخَالَ النَّقْصِ عَلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ سَفَهٌ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَالَ الْبَلَدِ فَقَالَ: إِنَّ كَرَاهَةَ الْقَطْعِ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى بَلَدٍ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَلاَ يَنْفُقُ الْمَقْطُوعُ مِنَ الدَّرَاهِمِ نَفَاقَ الصَّحِيحِ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَطْعَ السِّكَّةِ مَانِعًا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إِلاَّ أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ، وَقَالَ عَنْهُ الْعُتْبِيُّ: لاَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً.
وَقَالَ سَحْنُونُ: لَيْسَ قَطْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِجُرْحَةٍ.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا الاِخْتِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا قَطَعَهَا وَهِيَ وَازِنَةٌ فَرَدَّهَا نَاقِصَةً وَالْبَلَدُ لاَ تَجُوزُ فِيهِ إِلاَّ وَازِنَةٌ، وَهِيَ تَجْرِي فِيهِ عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ، فَانْتَفَعَ بِمَا قَطَعَ مِنْهَا، وَيُنْفِقُهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَتُجْرَى مَجْرَى الْوَازِنَةِ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَكَانَ التَّبَايُعُ بِهَا بِالْمِيزَانِ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ التَّبَايُعَ بِهَا لَيْسَ بِجُرْحَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
أَمَّا قَطْعُ الدَّرَاهِمِ لِصِيَاغَتِهَا حُلِيًّا لِلنِّسَاءِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الرَّجُلُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ حُلِيًّا لِبَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ.
وَقَدْ مَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ أَنْ تُقْطَعَ لِلصِّيَاغَةِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يَصُوغُ مِنْهَا - قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، فِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنْ يَشْتَرِي تِبْرًا مَكْسُورًا بِالْفِضَّةِ.
إِنْفَاقُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِنْفَاقِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ.
فَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ وَلاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا خَاصَّةً لأِنَّهُ رَضِيَ بِجِنْسِ الزُّيُوفِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لاَ يَعْلَمُ لاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيِّدِ مِنْ نَقْدِ تِلْكَ الْبَلَدِ، لأِنَّهُ لَمْ يَرْضَ إِلاَّ بِهِ إِذَا كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِحَالِهَا.
وَيُجِيزُ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ تُبَاعَ لِمَنْ لاَ يَغُشُّ بِهَا النَّاسَ بَلْ لِمَنْ يُكَسِّرُهَا وَيَجْعَلُهَا حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.
فَإِنْ بَاعَ لِمَنْ يَغُشُّ بِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ.
وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ إِنْ عُلِمَ مِعْيَارُ الْفِضَّةِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ صَحَّتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً، وَفِي الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، لأِنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ، وَلِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا.. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إِمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إِلاَّ إِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلاَ يُكْرَهُ إِمْسَاكُهَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الْغِشُّ يَخْفَى لَمْ يَجُزِ التَّعَامُلُ بِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (صَرْفٌ، رِبًا، غِشٌّ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الرابع والعشرون ، الصفحة / 91
زُيُوفٌ
التَّعْرِيفُ :
الزُّيُوفُ لُغَةً: النُّقُودُ الرَّدِيئَةُ، وَهِيَ جَمْعُ زَيْفٍ، وَهُوَ فِي الأْصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ وُصِفَ بِالْمَصْدَرِ، فَيُقَالُ: دِرْهَمٌ زَيْفٌ، وَدَرَاهِمُ زُيُوفٌ، وَرُبَّمَا قِيلَ: زَائِفَةٌ. قَالَ بَعْضُهُمْ: الزُّيُوفُ هِيَ الْمَطْلِيَّةُ بِالزِّئْبَقِ الْمَعْقُودِ بِمُزَاوَجَةِ الْكِبْرِيتِ وَتُسَكُّ بِقَدْرِ الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ لِتَلْتَبِسَ بِهَا. وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ بَاعَ نُفَايَةَ بَيْتِ الْمَالِ وَكَانَتْ زُيُوفًا وَقَسِّيَّةً. أَيْ رَدِيئَةً.
وَالتَّزْيِيفُ لُغَةً: إِظْهَارُ زَيْفِ الدَّرَاهِمِ.
وَلاَ يَخْرُجُ اصْطِلاَحُ الْفُقَهَاءِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَقَدْ أَصْبَحَ لِلزُّيُوفِ فِي الْعَصْرِ الْحَاضِرِ مَعْنًى آخَرَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الْجِيَادُ :
- الْجِيَادُ لُغَةً: جَمِيعُ جَيِّدَةٍ، وَالدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ مَا كَانَ مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ تَرُوجُ فِي التِّجَارَاتِ وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَهُمَا التَّضَادُّ.
ب- النَّبَهْرَجَةُ :
التَّبَهْرُجُ وَالْبَهْرَجُ: الرَّدِيءُ مِنَ الشَّيْءِ، وَدِرْهَمٌ نُبَهْرَجٌ، أَوْ بَهْرَجٌ، أَوْ مُبَهْرَجٌ أَيْ رَدِيءُ الْفِضَّةِ، وَهُوَ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَقِيلَ هُوَ: مَا ضُرِبَ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ.
ج- السَّتُّوقَةُ :
وَهِيَ صُفْرٌ مُمَوَّهٌ بِالْفِضَّةِ نُحَاسُهَا أَكْثَرُ مِنْ فِضَّتِهَا.
د- الْفُلُوسُ :
الْفُلُوسُ جَمْعُ فَلْسٍ، وَهُوَ قِطْعَةٌ مَضْرُوبَةٌ مِنَ النُّحَاسِ يُتَعَامَلُ بِهَا.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِهَا :
- يَجُوزُ التَّعَامُلُ بِدَرَاهِمَ زُيُوفٍ أَيْ «مَغْشُوشَةٍ» وَإِنْ جَهِلَ قَدْرَ غِشِّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ لَهَا قِيمَةٌ إِنِ انْفَرَدَتِ الْفِضَّةُ أَمْ لاَ، اسْتُهْلِكَتْ فِيهَا أَمْ لاَ، وَلَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَلاَ يَضُرُّ اخْتِلاَطُهَا بِالنُّحَاسِ؛ لأِنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا، وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَتَعَامَلُونَ بِدَرَاهِمِ الْعَجَمِ؛ لأِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَضْرِبْ نُقُودًا وَلاَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، رضي الله عنهم، وَكَانُوا إِذَا زَافَتْ عَلَيْهِمْ أَتَوْا بِهَا إِلَى السُّوقِ وَقَالُوا: مَنْ يَبِيعُنَا بِهَذِهِ، وَسُئِلَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي دَرَاهِمَ يُقَالُ لَهَا: الْمُسَيَّبِيَّةُ عَامَّتُهَا مِنْ نُحَاسٍ، إِلاَّ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا مِنَ الْفِضَّةِ فَقَالَ: إِذَا كَانَ شَيْئًا اصْطَلَحُوا عَلَيْهِ أَرْجُو أَلاَّ يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ؛ وَلأِنَّهُ لاَ تَغْرِيرَ فِيهِ وَلاَ يُمْنَعُ النَّاسُ مِنْهُ، لأِنَّهُ مُسْتَفِيضٌ فِي سَائِرِ الأْعْصَارِ جَارٍ بَيْنَهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَتَعَارَفِ النَّاسُ عَلَى التَّعَامُلِ بِهَا فَلاَ يَجُوزُ.
ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ :
- يُكْرَهُ لِلإْمَامِ ضَرْبُ نُقُودٍ زَائِفَةٍ، كَمَا يُكْرَهُ لِلأْفْرَادِ اتِّخَاذُهَا، أَوْ إِمْسَاكُهَا؛ لأِنَّهُ قَدْ يَتَعَامَلُ بِهَا مَنْ لاَ يَعْرِفُ حَالَهَا فَيَظُنُّهَا جَيِّدَةً وَلِخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
وَمَنِ اجْتَمَعَتْ عِنْدَهُ زُيُوفٌ فَلاَ يُمْسِكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيَصُوغُهَا، وَلاَ يَبِيعُهَا لِلنَّاسِ، إِلاَّ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهَا لِلْمُشْتَرِي؛ لأِنَّهُ رُبَّمَا خَلَطَهَا بِدَرَاهِمَ جَيِّدَةٍ، وَيُعَامِلَ مَنْ لاَ يَعْرِفُهَا فَيَكُونُ تَغْرِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَإِدْخَالاً لِلضَّرَرِ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَحْمَدُ: لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَغُرَّ بِهَا الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ أَقُولُ إِنَّهَا حَرَامٌ.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي لِلإْمَامِ أَنْ يَأْخُذَ الزُّيُوفَ لِبَيْتِ الْمَالِ مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ وَمِنْ أَهْلِ الأْرَاضِي الْخَرَاجِيَّةِ.
وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَكْسِرُ الزُّيُوفَ وَهُوَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْقَوْلِ الأْظْهَرِ عِنْدَهُمْ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ زَائِفٍ بِدِرْهَمٍ جَيِّدٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ وَلاَ بِعَرَضٍ؛ لأِنَّ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ إِلَى إِدْخَالِ الْغِشِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يُرِيقُ اللَّبَنَ الْمَشُوبَ بِالْمَاءِ، تَأْدِيبًا لِصَاحِبِهِ، فَإِجَازَةُ شِرَائِهِ إِجَازَةٌ لِغِشِّهِ وَإِفْسَادٌ لأِسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِخَبَرِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا».
وَقَدْ نَهَى عُمَرُ رضي الله عنه عَنْ بَيْعِ نُفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ، وَكَانَتْ زُيُوفًا؛ وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ - وَهُوَ الْفِضَّةُ - مَجْهُولٌ، فَأَشْبَهَ تُرَابَ الصَّاغَةِ، وَاللَّبَنُ الْمَشُوبُ بِالْمَاءِ.
وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَيُعَلِّلُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مَنْعَ بَيْعِ الدَّرَاهِمِ الْجَيِّدَةِ بِالدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ بِأَنَّهُ مِنْ رِبَا الْفَضْلِ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ التَّمَاثُلِ مَعَ وَحْدَةِ الْجِنْسِ فِي الْعِوَضَيْنِ.
ستوقة
التَّعْرِيفُ :
السَّتُّوقَةُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا مَعَ تَشْدِيدِ التَّاءِ -: مَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْغِشُّ مِنَ الدَّرَاهِمِ.
قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنِ الْفَتْحِ: السَّتُّوقَةُ هِيَ الْمَغْشُوشَةُ غِشًّا زَائِدًا، وَهِيَ تَعْرِيبُ «سي توقه» أَيْ ثَلاَثُ طَبَقَاتٍ، طَبَقَتَا الْوَجْهَيْنِ فِضَّةً وَمَا بَيْنَهُمَا نُحَاسٌ وَنَحْوُهُ.
وَفِي التتارخانية: أَنَّ السَّتُّوقَةَ هِيَ مَا يَكُونُ الطَّاقُ الأْعْلَى فِضَّةً وَالأْسْفَلُ كَذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا صُفْرٌ، وَلَيْسَ لَهَا حُكْمُ الدَّرَاهِمِ.
وَالْحَنَفِيَّةُ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ اسْتِعْمَالاً لِهَذَا اللَّفْظِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ- الدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ :
الدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ فِضَّةٌ خَالِصَةٌ تَرُوجُ فِي التِّجَارَاتِ وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
ب- الزُّيُوفُ :
الزُّيُوفُ النُّقُودُ الرَّدِيئَةُ، يَرُدُّهَا بَيْتُ الْمَالِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُهَا التُّجَّارُ.
وَكَذَلِكَ النَّبَهْرَجُ وَالْبَهْرَجُ: الرَّدِيءُ مِنَ الشَّيْءِ، وَدِرْهَمٌ نُبَهْرَجٌ أَوْ بَهْرَجٌ أَوْ مُبَهْرَجٌ أَيْ رَدِيءُ الْفِضَّةِ، وَهُوَ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ، وَقِيلَ: هُوَ مَا ضُرِبَ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ.
وَالزُّيُوفُ أَجْوَدُ، وَبَعْدَهَا النَّبَهْرَجَةُ، وَبَعْدَهُمَا السَّتُّوقَةُ، وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الزَّغْلِ الَّتِي نُحَاسُهَا أَكْثَرُ مِنْ فِضَّتِهَا.
الْمُعَامَلَةُ بِالسَّتُّوقَةِ :
يَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ جَوَازَ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ. وَيَشْتَرِطُ الْمَالِكِيَّةُ لِجَوَازِ بَيْعِ الْمَغْشُوشِ أَنْ يُبَاعَ لِمَنْ يَكْسِرُهُ أَوْ لاَ يَغُشُّ بِهِ بَلْ يَتَصَرَّفُ بِهِ بِوَجْهٍ جَائِزٍ، كَتَحْلِيَةٍ أَوْ تَصْفِيَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَيُكْرَهُ بَيْعُ الْمَغْشُوشِ عِنْدَهُمْ لِمَنْ لاَ يُؤْمَنُ أَنْ يَغُشَّ بِهِ بِأَنْ شَكَّ فِي غِشِّهِ، وَيَفْسَخُ بَيْعُهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَغُشُّ بِهِ، فَيَجِبُ رَدُّهُ عَلَى بَائِعِهِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي، وَالْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ: بِتَحْرِيمِ الْمُعَامَلَةِ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَبِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه نَهَى عَنْ بَيْعِ نُفَايَةِ بَيْتِ الْمَالِ، وَلأِنَّ الْمَقْصُودَ فِيهِ مَجْهُولٌ أَشْبَهَ تُرَابَ الصَّاغَةِ.
وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ - وَهُوَ مَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ - إِلَى كَرَاهَةِ الْمُعَامَلَةِ بِالسَّتُّوقَةِ لأِنَّ الْمُعَامَلَةَ بِهَا دَاعِيَةٌ إِلَى إِدْخَالِ الْغِشِّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ كَانَ عُمَرُ يَفْعَلُ بِاللَّبَنِ أَنَّهُ إِذَا غُشَّ طَرَحَهُ فِي الأْرْضِ أَدَبًا لِصَاحِبِهِ، فَإِجَازَةُ الْمُعَامَلَةِ بِالسَّتُّوقَةِ إِجَازَةٌ لِغِشِّ الدَّرَاهِمِ وَإِفْسَادٍ لأِسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَنْبَغِي أَنْ يُعَاقِبَ صَاحِبَ الدِّرْهَمِ السَّتُّوقِ إِذَا أَنْفَقَهُ وَهُوَ يَعْرِفُهُ. وَقَالَ الْكَاسَانِيُّ: هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ - أَبُو يُوسُفَ - احْتِسَابٌ حَسَنٌ فِي الشَّرِيعَةِ.
بَيْعُ السَّتُّوقَةِ بِالْجِيَادِ :
لاَ يَجُوزُ بَيْعُ السَّتُّوقَةِ بِالْجِيَادِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَيَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِذَا كَانَتِ الْجِيَادُ أَكْثَرَ مِنَ الْفِضَّةِ فِي السَّتُّوقَةِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ جَوَازَ بَيْعِ مَغْشُوشٍ بِخَالِصٍ. أَمَّا عَلَى الأْظْهَرِ فَهُمْ لاَ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمَغْشُوشِ بِخَالِصٍ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ.
وَلِلتَّفْصِيلِ (ر: صَرْفٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الأربعون ، الصفحة / 34
نَبَهْرَجة
التَّعْرِيفُ :
- النَّبَهْرَجُ وَالنَّبَهْرَجَةُ لَفْظَانِ مُعَرَّبَانِ، قَالَ ابْنُ الأْعْرَابِيِّ: الْبَهْرَجُ الدِّرْهَمُ الْمُبْطَلُ السِّكَّةِ، وَكُلُّ مَرْدُودٍ عِنْدَ الْعَرَبِ بَهْرَجٌ وَنَبَهْرَجٌ، وَالْبَهْرَجُ الْبَاطِلُ وَالرَّدِيءُ مِنَ الشَّيْءِ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: النَّبَهْرَجَةُ الدِّرْهَمُ الزَّيْفُ الرَّدِيءُ، أَوْ مَا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ مَا ضُرِبَ فِي غَيْرِ دَارِ السُّلْطَانِ.
الألفاظ ذات الصلة :
أ - الْجِيَاد :
الْجِيَادُ جَمْعُ جَيِّدٍ، وَالدَّرَاهِمُ الْجِيَادُ: مَا كَانَتْ مِنِ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ: تَرُوجُ فِي التِّجَارَاتِ وَتُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
وَالصِّلَة بَيْنَهُمَا التَّضَادُّ.
ب - السَّتُّوقَةُ :
السَّتُّوقَةُ: دَرَاهِمُ صُفْرٌ مُمَوَّهَةٌ بِالْفِضَّةِ نُحَاسُهَا أَكْثَرُ مِنْ فِضَّتِهَا.
وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: السَّتُّوقَةُ: مَا غَلَبَ عَلَيْهِ غِشُّهُ مِنَ الدَّرَاهِمِ.
وَالصِّلَةُ بَيْنَهُمَا هِيَ الْغِشُّ الزَّائِدُ فِي كُلٍّ، وَالسَّتُّوقَةُ أَرْدَأُ مِنَ النَّبَهْرَجِ.
الأْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالنَّبَهْرَجَةِ:
التَّعَامُلُ بِالنَّبَهْرَجَةِ:
- النَّبَهْرَجَةُ مِنَ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةُ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ الدَّرَاهِمِ: إِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهَا هُوَ الْفِضَّةَ فَهِيَ كَالدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ؛ لأِنَّ الْغِشَّ فِيهَا مُسْتَهْلَكٌ فَتُجْرَى فِيهَا أَحْكَامُ الدَّرَاهِمِ الْخَالِصَةِ، فَيَجُوزُ التَّعَامُلُ بِهَا مَغْشُوشَةً وَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ غِشِّهَا، وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ؛ لأِنَّ مَا غَلَبَتْ فِضَّتُهُ عَلَى غِشِّهِ تَنَاوَلَهُ اسْمُ الدِّرْهَمِ مُطْلَقًا، وَالشَّرْعُ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ بِاسْمِ الدَّرَاهِمِ.
وَإِنْ غَلَبَ الْغِشُّ فَلَيْسَ كَالْفِضَّةِ فَيُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً أَوْ نَوَى التِّجَارَةَ اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ نِصَابًا مِنْ أَدْنَى الدَّرَاهِمِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ - وَهِيَ الَّتِي غَلَبَتْ فِضَّتُهَا - وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِلاَّ فَلاَ.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَثْمَانًا رَائِجَةً لاَ مَنْوِيَّةً لِلتِّجَارَةِ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهَا مِنِ الْفِضَّةِ يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَهُوَ نِصَابُ الْفِضَّةِ أَوْ تَكُونَ مَنْوِيَّةً لِلتِّجَارَةِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي (زُيُوف ف 6 - 8).