1- إن جريمة الحيازة بقصد الترويج وإن استلزمت فضلاً عن القصد الجنائي العام , قصدا خاصا هو نية دفع العملة المقلدة إلى التداول مما يتعين معه على الحكم استظهاره إلا أن المحكمة لا تلتزم بإثباته فى حكمها على استقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فإنه يكون متعينا حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت فى حق الطاعن أنه حاز بقصد الترويج العملات الورقية المقلدة المضبوطة وأورد على ذلك أدلة سائغة - من أقوال شاهد الإثبات واعتراف المتهم والمتعاملين معه وتقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعي من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها لما أورد فى تحصيله لواقعة الدعوى أنه والمتهمين الآخرين يروجون العملات المقلدة وكان الطاعن لا يدعي أن هناك هدفاً غير الترويج فى حيازته للعملات المضبوطة فإن منعاه فى هذا الشأن يكون غير سديد .
( الطعن رقم 11286 لسنة 67 ق - جلسة 1999/05/10 - س 50 ص 290 ق 68 )
2- من المقرر أن القصد الجنائي فى الجريمة التى دين الطاعنان بها يقتضى علم الجاني وقت ارتكاب الجريمة علما يقينيا بتوافر أركانها ، فإذا ما نازع المتهم فى توافر هذا القصد ، كان لزاما على المحكمة استظهاره استظهارا كافيا ، لما كان ذلك وكان الطاعنان قد انكرا علمهما بتقليد العملة المضبوطة وكان القدر الذى أورده الحكم فيما سلف بيانه - فى سبيل التدليل على توافر القصد الجنائي لدى الطاعنين ، لايكفى لتوافره ، لما كان ذلك فإن الحكم يكون معيباً بالقصور والفساد فى الاستدلال متعين النقض والإحالة بغير حاجه إلى بحث باقى أوجه الطعن .
( الطعن رقم 4714 لسنة 58 ق - جلسة 1989/02/07 - س 40 ص 199 ق 34 )
3ـ لما كان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أنه إعتبر الجرائم المسندة إلى الطاعن جريمة واحدة ، وفق أحكام المادة 32 من قانون العقوبات وعاقبه بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة عشر سنوات وهى عقوبة مقررة لجريمتى تقليد العملة وحيازة هذه العملة بقصد الترويج فإنه لا مصلحة للطاعن فيما يثيره بشأن جريمة الإتفاق الجنائي على تقليد العملة وترويجها و المعاقب عليها بعقوبة السجن ما دامت المحكمة قد دانته بجريمتى تقليد العملة وحيازتها بقصد ترويجها وأوقعت عليه عقوبة الأشغال المؤقتة المقررة لإحداهما عملاً بالمادة 32 من قانون العقوبات بوصف أن أيهما هى الجريمة الأشد بالنسبة إلى جريمة الإتفاق الجنائي فى شقيه ويكون منعاه فى غير محله . ولا يغير من ذلك ما ذهب إليه الحكم المطعون فيه أنه أوقع عقوبة جريمة الإتفاق الجنائي بوصفها الجريمة الأشد ، إذ أن خطأه فى تحديد الجريمة ذات العقوبة الأشد لا يبطله ولا يقتضى نقضه إكتفاء بتصحيح أسبابه - عملاً بالمادة 40 من القانون رقم 57 لسنة 1959 فى شأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض - على النحو السالف بيانه . لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غيرأساس متعيناً رفضه موضوعاً .
( الطعن رقم 5631 لسنة 52 ق - جلسة 1983/01/24 - س 34 ص 147 ق 25 )
4- متى كانت الواقعة المادية المبينة بأمر الإحالة كانت مطروحة بالجلسة، وهي ذاتها الواقعة التي اتخذها الحكم المطعون فيه أساساً للوصف الجديد، وكان التعديل هو أن الواقعة بالنسبة إلى الطاعن تكون جريمة حيازة أوراق مالية مقلدة متداولة قانوناً فى الخارج بقصد ترويجها، ولم يتعد التعديل إسناد واقعة مادية أو إضافة عناصر جديدة تختلف عن الواقعة الأولى، ذلك بأن الترويج فى واقع الأمر لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بقصد الترويج، فهو فى مدلوله القانوني الدقيق ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها، فإن التعديل فى الوصف الذي أجرته المحكمة لا يجافي التطبيق السليم فى شيء ولا يخول للطاعن حقاً فى إثارة دعوى الإخلال بحق الدفاع، ولا تلتزم المحكمة فى هذه الحالة تنبيه المتهم أو المدافع عنه إلى ما أجرته من تعديل الوصف .
( الطعن رقم 825 لسنة 45 ق - جلسة 1975/06/01 - س 26 ص 471 ق 109 )
5- لا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة وعلى إستقلال عن علم المتهم بتقليد الأوراق المالية التى يتعامل بها ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توفر هذا العلم لديه . ولما كان فيما أورده الحكم المطعون فيه من حضور الطاعن الإجتماعات المتعددة التى جرت فيها المساومة وعرض الأوراق المالية للبيع بثمن لا يعدو ثلث القيمة الحقيقة للأوراق الصحيحة ، ما يوفر علم الطاعن بتقليد هذه الأوراق ، وكان القول بتوافر علم المتهم بالتقليد هو من خصائص محكمة الموضوع تستقل به وتستخلصه من الوقائع والعناصر المطروحة عليها ، فإن النعى على الحكم بالقصور يكون غير سديد ويتعين رفضه .
( الطعن رقم 1064 لسنة 33 ق - جلسة 1963/11/11 - س 14 ع 3 ص 795 ق 143 )
(ملحوظة هامة: أصبح الإختصاص بنظر هذه الجرائم معقوداً للمحاكم الإقتصادية بموجب القانون رقم 120 لسنة 2008 الصادر في شأن إنشاء المحاكم الإقتصادية وتعديلاته.)
مركز الراية للدراسات القانونية
جنايات إدخال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في مصر أو إخراجها منها أو ترويجها أو حيازتها
نصت على هذه الجنايات المادة 203 من قانون العقوبات في قولها « يعاقب بالعقوبة المذكورة في المادة السابقة كل من أدخل بنفسه أو بواسطة غيره في مصر أو أخرج منها عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، وكذلك كل من روجها أو حازها بقصد الترويج أو التعامل بها » . والعلاقة وثيقة بين هذه الجنايات وجنايات تقليد أو تزييف أو تزوير العملة : فالأولى تفترض الأخيرة وتقع على متحصلاتها : فلا محل لجنايات إدخال العملة في مصر أو إخراجها منها أو ترويجها أو حيازتها إلا إذا إرتكبت قبل ذلك جناية تقليد عملة أو تزييفها أو تزويرها فأنتجت عملة غير صحيحة يمكن أن تكون موضوعاً للإدخال أو الإخراج أو الترويج أو الحيازة .
وتقوم هذه الجنايات على أركان ثلاثة : رکن مادی، وموضوع، ورکن معنوی .
الركن المادي :
الفعل الإجرامي في هذه الجنايات : تقوم هذه الجنايات بأحد أفعال أربعة : إدخال العملة غير الصحيحة في مصر، وإخراجها منها، وترويجها، وحيازتها بقصد ترويجها أو التعامل بها . ويكفي ارتكاب واحد فقط من هذه الأفعال لتقوم به الجناية تامة .
إدخال العملة غير الصحيحة في مصر أو إخراجها منها : يعني كل من هذين الفعلين جعل العملة غير الصحيحة تجتاز الحدود السياسية للإقليم المصرى دخولاً إليه أو خروجاً منه وعلة تجريم الفعل أن نقل العملة على هذا النحو يتيح وجودها في الإقليم الذي يمكن ترويجها فيه : فالعملة المصرية قد قلدت أو زيفت أو زورت في الخارج فيدخلها الجاني إلى مصر لترويجها فيها، أو العملة الأجنبية قد قلدت أو زيفت أو زورت في مصر فيخرجها الجاني منها كي يدخلها إلى حيث هي متداولة قانوناً : ولكن الجريمة تقوم كذلك بإدخال العملة الأجنبية غير الصحيحة إلى مصر أو بإخراج العملة المصرية غير الصحيحة من مصر .
وسواء لدى الشارع أن يرتكب الجاني فعله « بنفسه أو بواسطة غيره » . وأهمية النص على ذلك أن من اقتصر نشاطه على الاستعانة بغيره في تحقيق مادیات فعل الإدخال أو الإخراج، وذلك عن طريق إحدى وسائل الإشتراك، يعد - خلافاً للقواعد العامة - فاعلاً للجريمة .
الترويج : الترويج هو دفع العملة غير الصحيحة في التعامل والدفع في التعامل یعنی جعل الجاني العملة في سيطرة شخص آخر بحيث يستطيع أن يتصرف فيها وفق ما يريد، وهو في الغالب يطرحها بدوره في التداول وعلى هذا النحو، يعني الترويج صيرورة العملة موضوعاً للتداول بين أفراد المجتمع كافة دون أن يكون في وسع أحد - على وجه يقيني - التحكم في ذلك . وكل صور الدفع في التعامل سواء : فقد تدفع ثمناً لشراء شيء أو إستئجاره أو تستبدل بنقود ذات فئة أكبر أو أصغر أو يقدمها المروج إلى فقير تبرعاٍ وإحساناً ؛ بل أن الترويج يتحقق إذا سلمت النقود إلى شخص لكي تكون تأميناً أو ضماناً أو رهناً تحت يده، سواء اشترط عليه رد مثلها أو ردها عيناً ولا عبرة بكمية أو قيمة العملة التي انصب عليها الترويج : فتقوم الجريمة إذا انصب الفعل على قطعة نقدية واحدة من أدنى فئات العملة .
والأصل فيمن يتلقى النقود المزيفة أن يجهل عيوبها؛ ولكن إذا كان عالماً بعيوبها وقبلها مع ذلك قامت الجريمة كذلك، وفي الغالب يتلقاها نظیر مقابل قليل . وإذا ثبت أنه يستهدف معاونة المروج في مشروعه، بإعطاء هذه النقود المزيد من الدفع في التعامل، فإنه يسأل كشريك له .
وليس بشرط أن يكون المروج حائزاً للنقود التي يروجها : فمن الجائز أن تكون في حيازة غيره ويقتصر نشاطه على إبرام صفقات محلها هذه النقود .
ويتم الترويج بقبول العملة غير الصحيحة، فإن رفضها من عرضت عليه لإكتشافه عيبها سئل المتهم عن شروع؛ ولكن إذا اقترن العرض بالحيازة سئل عن الجريمة التامة في صورة الحيازة .
الحيازة : اعتبر الشارع مجرد حيازة العملة غير الصحيحة « بقصد الترويج أو التعامل بها » جريمة في ذاتها وعلة تجريم الحيازة خطورتها : ذلك أن من حاز العملة غير الصحيحة بقصد الترويج لن يتردد في دفعها إلى التداول لدى أول فرصة تتاح له، ومن ثم كانت الحيازة تمهيداً للترويج . وتفترض الحيازة فعلاً هو إكتساب الحيازة، ونتيجة هي حالة الحيازة . وكل أفعال إكتساب الحيازة سواء، فلا فرق بين فعل مشروع وفعل غير مشروع : فمن إكتسب حيازة هذه النقود عن طريق السرقة أو خيانة الأمانة وكان عالماً بعيبها يسأل عن هذه الجناية ويسأل عن هذه الجناية مرتهن النقود غير الصحيحة الذي يعلم بعيبها ولما كانت الجريمة مستمرة فإنه يستوي أن يتوافر « قصد الترويج » لحظة إكتساب الحيازة أو في وقت لاحق على ذلك .
والحيازة صورة للجناية متميزة عن الترويج : فكما لا يشترط أن يكون المروج حائزاً للنقود، فكذلك قد يحوز المتهم النقود بنية ترويجها دون أن يتاح له ذلك، كما لو ضبط قبل أن يروجها، وفي هذه الحالة يسأل عن جريمة تامة .
موضوع الجنايات :
تمهيد : موضوع هذه الجنايات هو العملة ذات التداول القانوني التي سبق تقليدها أو تزييفها أو تزويرها ويعني ذلك أن موضوع هذه الجنايات يفترض عنصرين : كونه عملة ذات تداول قانونی، وثبوت أن هذه العملة كانت موضوعاً لأحد أفعال التقليد أو التزييف أو التزوير .
والعنصر الأول قد سلف بيانه، ونشير إلى أنه تصلح موضوعاً لهذه الجنايات العملات التذكارية، ونقتصر على الإشارة إلى العنصر الثاني .
سبق التقليد أو التزييف والتزوير : يعني هذا العنصر أن تكون العملة « مقلدة أو مزيفة أو مزورة »، أي سبق كونها موضوعاً لإحدى جنايات التقليد أو التزييف أو التزوير ولا يعني هذا العنصر وجوب أن تتوافر لهذه الجناية جميع أركانها، بما في ذلك ركنها المعنوي، وإنما يكفي ثبوت إرتكاب الفعل، وثبوت تعلقه بعملة ذات تداول قانوني، أي يكفي توافر الركن المادي والموضوع؛ أما الركن المعنوي فلا يشترط توافره . فإذا لم تتوافر لدى مقلد العملة أو مزيفها أو مزورها نية ترويجها، كما لو كان يستهدف الكشف عن مهارته في التقليد أو عرض العملة المزيفة في واجهة محله أو إبرازها للغير لإثبات ملاءته، ولكنها انتقلت إلى يد شخص روجها وهو عالم بتقليدها فهو مسئول عن جريمة الترويج، ولا يصلح دفاعاً له قوله « إن القصد لم يكن متوافراً لدى المقلد » .
الركن المعنوي :
هذه الجنايات جميعاً عمدية، فيتخذ ركنها المعنوي صورة القصد ولكن تثور الصعوبات لدى التساؤل عما إذا كان القانون يكتفي فيها بالقصد العام أم يتطلب قصداً خاصاً . ويبدو أنه ليس من الصحيح إعطاء إجابة واحدة على هذا التساؤل، ذلك أن هذه الجنايات متنوعة وتختلف من حيث مادياتها إختلافاً كبيراً وقد تطلب الشارع القصد الخاص صراحة في حالة الحيازة، إذ إشترط أن تكون بقصد الترويج أو التعامل، والقول ذاته يصدق على صورتي الإدخال في مصر أو الإخراج منها، أما جناية الترويج فإن منطق الأشياء يقتضي الاكتفاء بالقصد العام فيها، وسواء إكتفى الشارع بالقصد العام أم تطلب القصد الخاص، فإن القصد العام يبقى عنصراً مشتركاً بين جميع هذه الجنايات .
القصد العام : يتطلب القصد العام العلم والإرادة فيتعين أن يعلم المتهم بالموضوع الذي إنصب عليه فعله وماهية هذا الفعل : فيعلم أنه عملة ذات تداول قانونی، وأنها مقلدة أو مزيفة أو مزورة؛ أما إذا اعتقد أن موضوع فعله ليس عملة فظنه ميدالية مثلاً أو قد أبطل التعامل بها وهو ما يتصور إذا كانت أجنبية، فإن القصد لا يتوافر لديه . ويتعين أن يعلم بماهية فعله، فيدرك أن من شأنه إدخال العملة في مصر أو إخراجها منها أو دفعها في التعامل . ويجب أن تتجه إرادته إلى هذا الفعل : فمن ضبطت لديه عملة مزيفة دسها شخص في جيبه أو بين أمتعته أو وضعت بغير علمه في حقائبه التي اجتاز بها الحدود، فإن القصد لا يعد متوافراً لديه .
القصد الخاص : القصد الخاص غير متطلب في جناية الترويج : فإذا ثبت أن من دفع العملة غير الصحيحة في التعامل كان عالماً بعيبها واتجهت إلى ذلك إرادته، فالقصد متوافر لديه . أما إذا كانت الجناية هي إدخال العملة غير الصحيحة في مصر أو إخراجها منها أو حيازتها فالقصد العام غير كاف، وإنما يتعين أن يتوافر قصد خاص هو قصد الترويج أو التعامل . والوضع العادي أن يتوافر هذا القصد، ولكن إذا ثبت انتفاؤه فقد انتفى أحد أركان الجناية .
عقوبة جنايات التزييف :
تمهيد : وحد الشارع - من حيث العقاب - بين جميع الجنايات التي تنص عليها المواد 202 ، 202 مكرراً، 203 من قانون العقوبات، ونص بعد ذلك على سبب لتشديد عقوبتها (المادة 203 مكرراً من قانون العقوبات)، وقرر عذراً معفياً من العقاب (المادة 205 من قانون العقوبات)، وتنص على سبب لتخفيف عقوبة جناية الترويج (المادة 204 من قانون العقوبات) .
عقوبة جنايات التزييف في صورتها العادية : قرر الشارع عقوبة السجن المشدد لجميع الجنايات التي نصت عليها المواد 202 ، 202 مكرراً، 203 من قانون العقوبات وبالإضافة إلى هذه العقوبة، توقع عقوبة المصادرة الوجوبية على العملة غير الصحيحة التي كانت موضوعاً لهذه الجنايات، بإعتبار أنها من الأشياء « التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته » ( المادة 30 من قانون العقوبات، الفقرة الثانية ) . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ محمود نجيب حسني، الطبعة السابعة 2012 دار النهضة العربية، الصفحة : 197 )
يجب لقيام هذه الجريمة توافر أركان ثلاثة : ركن مادي ، ومحل الجريمة ، ثم ركن معنوی .
الركن المادي :
يتخذ الفعل المكون للركن المادي في جريمة المادة 203 إحدى صور ثلاثة : إدخال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في مصر أو إخراجها منها، وترويج العملة المذكورة، وأخيراً حيازتها بقصد الترويج أو التعامل .
أولاً : إدخال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في مصر أو إخراجها منها :
يجرم المشرع مجرد إدخال العملة المزيفة في مصر أو إخراجها منها، ويقصد بذلك نقل العملة المزيفة عبر حدود الإقليم المصرى ويكتفي المشرع بذلك لقيام الركن المادي في الجريمة فيستوي بعد ذلك أن يكون فعل الإدخال أو الإخراج منصباً على عملة أجنبية أو مصرية ما دامت متداولة قانوناً ؛ ويستوي أن يكون تزييف العملة قد تم في مصر أو في الخارج كذلك يستوي في نظر المشرع أن يكون الجاني هو نفسه الذي زيف العملة أو ساهم في ذلك أو أن يكون شخصاً آخر لا صلة له بالتزييف، كما لا يتطلب المشرع لوقوع الجريمة محل البحث أن يتبع الجانى فعل الإدخال أو الإخراج بفعل الترويج كذلك تتحقق الجريمة سواء قام الجاني بالفعل بنفسه أو بواسطة غيره. فيعتبر فاعلاً أصلياً للجريمة - خلافاً للقواعد العامة في المساهمة الجنائية - إذا ارتكب الفعل بواسطة شخص آخر، سواء كان هذا الشخص حسن النية أو كان سيء النية عالماً بأن العملة مزيفة .
ثانياً : ترويح العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة :
يقصد بترويج العملة إطلاقها في التداول، ولا يشترط أن يكون القائم بالترويج هو الذي قام بتقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها، فقد يقوم به شخص آخر لا صلة له بمرتكب التزييف، وهو ما يتحقق في حالة من يروج عملة سبق طرحها في التداول، إذا كان سيء النية عالماً بتزييفها .
وتحقق الفعل على هذا النحو تقوم به ماديات الجريمة، فتستوي بعد ذلك وسيلة الترويج، فقد تدفع العملة ثمناً لشراء شيء أو استئجاره أو على سبيل القرض أو الرهن أو في صورة تبرع أو صدقة كما تستوي الكمية التي يقوم الفاعل بترويجها، إذ يقع الترويج ولو أطلقت في التعامل قطعة نقدية واحدة مهما ضؤلت قيمتها كذلك تقع الجريمة سواء قام الجاني بفعل الترويج بنفسه أو إستعان بغيره في ذلك .
وتتم جريمة الترويج بقبول العملة في التعامل، فإذا لم تتم لسبب خارج عن إرادة الجاني، كما لو رفضها من عرضت عليه بعد إكتشاف أمرها، أو تظاهر بقبولها تمكيناً للسلطات من ضبط الجاني متلبساً، أو ضبط الجاني عند عرضها، فإن الفعل يقف عند حد الشروع، فيعاقب عليه بغير نص لأن الجريمة جناية (م 46 ع) . والغالب أن يكون الجاني حائزاً للعملة وقت إرتكاب الجريمة، ومع ذلك فمن المتصور أن تقع الجريمة دون أن يكون الجاني حائزاً لها، لا سيما وأن الجريمة، من ناحية، تتم بمجرد قبول العملة من الغير في التعامل ولو لم يتناولها بعد، ومن ناحية أخرى يعتبر الجانى فاعلاً إذا اقتصر نشاطه على الوساطة في الترويج ولو كانت العملة في حيازة غيره .
فإذا إقتصر فعل الجاني على الشروع في الترويج فإن وضعه يختلف بحسب ما إذا كان حائزاً للعملة وقت الترويج أو غير حائز لها. فإذا كانت في حيازته قامت بفعله جريمتان: جريمة الشروع في الترويج - وهذه يعاقب عنها بغير نص لأن الجريمة جناية (م 46 ع) - وجريمة حيازة العملة المزيفة، وعندئذ نكون بصدد تعدد معنوی تفرض القواعد العامة بصدده توقيع عقوبة الجريمة الأشد، وهي عقوبة حيازة العملة المزيفة أما إذا لم تكن العملة في حيازة الجاني فإن مسئوليته تقتصر على الشروع في الترويج .
ثالثاً : حيازة العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة بقصد الترويج أو التعامل بها :
يعاقب المشرع على مجرد حيازة العملة المزيفة ولو لم يكن الحائز هو الذي قلدها أو زيفها أو زورها، ولو لم يقم بترويجها ويقصد بالحيازة هنا الحيازة في المعنى الواسع الذي يمتد إلى مجرد وضع اليد العارضة على العملة ويسوي المشرع بين أن يحوز الجانى الشيء بنفسه أو بواسطة غيره، فتقع الجريمة إذا اقتصر الجاني على السيطرة على العملة بينما العملة في حوزة شخص آخر. وحينئذ يعتبر كل منهما فاعلاً أصلياً للجريمة، إذا توافر باقي أركانها .
ولا يغنى تجريم حيازة العملة عن تجريم إدخالها إلى مصر أو إخراجها منها أو ترويجها، إذ أن كلاً من هاتين الجريمتين قد تقع دون أن تكون العملة المزيفة في حيازة الجاني .
محل الجريمة :
يجب أن يقع الفعل المكون للركن المادي على عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة. والعملة لا تكون محلاً للتقليد أو التزييف أو التزوير إلا إذا كانت متداولة قانوناً في مصر أو في الخارج، سواء كانت عملة ورقية أو معدنية ويكفي لتحقق محل الجريمة على هذا النحو أن تتحقق فيه صفة العملة المزيفة ولو لم تقع بتقليدها أو تزييفها أو تزويرها جريمة التقليد أو التزييف أو التزوير لتخلف الركن المعنوي لدى الفاعل. فإذا قام شخص بفعل التقليد أو التزييف أو التزوير على سبيل المزاح أو لمجرد إثبات مهارته في ذلك، أي دون أن تتوافر لديه نية الترويج وقت إرتكاب الفعل، فإنه لا يسأل عن جريمة التزييف لتخلف الركن المعنوي للجريمة، ومع ذلك فإذا تولدت لديه بعد ذلك فكرة طرح هذه العملة في التداول فنفذ فكرته فإنه يسأل عن جريمة الترويج على الرغم من عدم مسئوليته عن جريمة التزييف كذلك إذا استولى شخص آخر على هذه العملة وروجها فإنه يسأل عن جريمة الترويج على الرغم من أن من قام بفعل التقليد أو التزييف أو التزوير لم يسأل لتخلف القصد الجنائي المطلوب في جريمة التزييف لديه .
الركن المعنوي :
هذه الجريمة عمدية، يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، فيجب أن يتوافر لدى الجاني القصد العام، وهو يتمثل في إرادة إرتكاب فعل إدخال العملة أو إخراجها أو ترويجها أو حيازتها مع العلم بأن محل هذا الفعل عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة . وبالإضافة إلى ذلك يتطلب المشرع توافر القصد الخاص صراحة في حالة الحيازة حيث يتطلب انصراف إرادة الجاني إلى عنصر آخر خارج عن نطاق الركن المادي هو ترويج العملة أو التعامل بها ويفرض المنطق القانوني تطلب ذات القصد في حالة إدخال العملة في مصر أو إخراجها منها أما الترويج فيكفي فيه القصد العام حيث تتجه إرادة الجاني إلى ذات العنصر المكون للركن المادي .
وعلى ذلك ينتفي الركن المعنوي إذا إنتفى القصد العام، ويتحقق ذلك إذا كانت إرادة المتهم لم تتجه إلى الفعل المكون للركن المادي للجريمة، كما لو دست العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في جيبه دون علمه، فحازها أو روجها أو أخرجها من مصر أو أدخلها إليها وهو لا يعلم حقيقة الأمر. كما ينتفي القصد العام ولو إتجهت إرادة المتهم إلى حيازة العملة أو ترويجها أو إدخالها إلى مصر أو إخراجها منها إذا كان يجهل أن فعله ينصب على عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة .
كذلك ينتفي الركن المعنوي إذا إنتفى القصد الخاص حيث يتطلبه المشرع في حالة إدخال العملة المزيفة إلى مصر أو إخراجها منها وفي حالة حيازة هذه العملة . وعلى ذلك ينتفي القصد الخاص إذا كان المتهم قد حاز العملة المزيفة أو أدخلها أو أخرجها وهو يعلم بأنها مقلدة أو مزيفة أو مزورة وإتجهت إرادته إلى ارتكاب الفعل ولكن نيته لم تتجه إلى ترويج العملة أو التعامل بها، كما لو ثبت أن حيازته للعملة المزيفة أو إدخالها إلى البلاد إنما كان بقصد تسليمها إلى السلطات .
العقوبة :
قرر المشرع الجريمة إدخال عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة إلی مصر أو إخراجها منها أو ترويج هذه العملة أو حيازتها بقصد الترويج أو التعامل بها ذات العقوبة التي قررها لجريمة التزييف، وهي السجن المشدد، ويجب فضلاً عن ذلك، توقيع عقوبة المصادرة بإعتبار العملة المزيفة التي هي محل الجريمة من الأشياء التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته، وذلك تطبيقاً للمادة 30/ 2 من قانون العقوبات . ( شرح قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتورة/ فوزية عبد الستار، الطبعة الرابعة 2017 دار النهضة العربية، الصفحة : 219 )
إدخال أو إخراج العملة المزيفة :
نصت المادة 203 عقوبات على معاقبةكل من أَدخل بنفسهِ أو بواسطة غيره في مصر أو أَخرج منها عُملة مُقلدَة أو مُزَيفة أو مُزَورة .
ويلاحظ من هذا النص أن القانون قد عاقب على مجرد إدخال العملة المزيفة في البلاد أو إخراجها منها، ولو لم يكن الجاني هو الذي ارتكب التزييف، كما لا يشترط أن يقوم الجاني بنفسه بإدخال العملة المزيفة أو إخراجها، بل يعد فاعلاً أصلياً - خروجاً من المشرع على قواعد الاشتراك - إذا ارتكب هذه الجريمة بواسطة الغير. ويستوي أن يكون الغير عالماً بتزييف العملة أو حسن النية، أو أن يكون في مصر أو خارجها .
وغني عن البيان أن القانون لا يتطلب لوقوع هذه الجريمة أن يكون التزييف قد وقع في مصر. كما يستوي أن يتم إدخال العملة المزيفة أو إخراجها بأية وسيلة، كحملها أو إرسالها بطريق البريد. فإذا حملها الجاني توافر في حقه تعدد معنوي بين هذه الجريمة وجريمة حيازة العملة المزيفة، بحيث إذا وقفت هذه الجريمة عند حد الشروع تعين معاقبته وفقاً لجريمة تامة هي حيازة العملة المزيفة بوصفها ذات العقوبة الأشد .
الترويج :
يتحقق الترويج بوضع العملة المزيفة في التعامل، وبهذا الفعل يتحقق غرض الجاني من إرتكاب جريمة التزييف. وإن كان التزوير والترويج يعدان معاً مشروعاً إجرامياً متكاملاً، فإن القانون قد فصل بينهما وعاقب كلاً منهما على حدة. ويترتب على ذلك أن كلاً من الجريمتين تختلف عن الأخرى، فلا يشترط فيمن روج أن يكون مساهماً في جريمة التزييف. وقد يقضي ببراءة المتهم بالتزييف لانتفاء القصد الجنائي أو بإنقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة دون أن يؤثر ذلك في سير الدعوى الجنائية عن جريمة الترويج. فإذا ارتكب الجاني التزييف والترويج معاً تعين توقيع عقوبة واحدة طبقاً للمادة 32 عقوبات، بإعتبار أن الجريمتين مرتبطتان إرتباطاً لا يقبل التجزئة .
وتفترض هذه الجريمة أن العملة التي وضعت في التعامل قد زيفت فعلاً، إلا أنه عند تقدير توافر التزييف يجب الاعتداد بمجرد الركن المادي في جريمة التزييف دون ركنها المعنوي. فمثلاً، إذا قلد شخص عملة ورقية لأحد الأغراض الثقافية أو العلمية - وهو ما يعد جنحة طبقاً للمادة 204 مكرراً (أولاً) - فإستعمل شخص آخر هذه العملة المقلدة بأن وضعها في التعامل، فإنه يتعين مساءلة هذا الأخير عن جريمة الترويج، على الرغم من عدم توافر جريمة التزييف في حق الأول. وهذا النظر هو ما استقر عليه الرأي في جريمة استعمال المحررات المزورة. وعلة ذلك هو استقلال جريمة الترويج عن جريمة التزييف، فكل من يرتكب هاتين الجريمتين يستمد إجرامه من فعله هو، بل إنه في الجريمة الواحدة لا يؤثر حسن نية أحد المساهمين في مسئولية من ساهم معه في الجريمة .
ويتم وضع العملة المزيفة في التعامل بمجرد قبولها أو أخذها من الغير، متی توافر له ما تحققه من حاجة اقتصادية، كما إذا قدمها الجاني مقابل شراء شيء، أو كضمان أو قرض. ولما كان قبول الغير للعملة ولو لم يتناولها بعد، يكفي وحده لإتمام جريمة الترويج، فإنه لا يشترط في الترويج أن يكون الفاعل حائزاً للعملة التي يروجها، فالوسيط في ترويج العملة يعد مروجاً ولو كانت العملة في حيازة غيره. ولا عبرة بعدم مشروعية الغرض من التعامل المزيف، فتقع الجريمة باستعمال العملة المزيفة في لعب القمار أو شراء المخدرات .
وتقف الجريمة عند حد الشروع إذا ضبط الجاني بعد وضع العملة المزيفة على مائدة قمار أو على منضدة تمهيداً لاستعمالها أو إذا تظاهر الغير بقبول العملة لضبط الجاني على أن من يرتكب شروعاً في ترويج يتعين مساءلته أيضاً عن جريمة تامة هي حيازة العملة المزيفة .
ولا يجوز الخلط بين المراد بالترويج والإستعمال، فبينما يقتضي الأول قبول العملة المزيفة في التعامل يكتفي بالنسبة للثاني بمجرد تقديم الشيء ولو لم يقبل. ويلاحظ أنه قبل صدور القانون رقم 68 لسنة 1956 بتعديل قانون العقوبات لم يكن التعامل بالعملة الورقية المزيفة معاقباً عليه إلا طبقاً للمادة 206 عقوبات التي تعاقب على مجرد الإستعمال، ولذا حكم أن جريمة إستعمال ورقة مالية مزيفة تتم بمجرد تقديمها إلى الغير ولو لم يقبلها .
ولا يشترط أن يقترن الترويج بطرق إحتيالية، وإلا إعتبر الجاني مرتكباً لجريمة نصب بالإضافة إلى الترويج، وتعين مساءلته عنها طبقاً للمادة 32/ 2 عقوبات .
حيازة عملة مزيفة بقصد الترويج أو التعامل :
عاقبت المادة 203 عقوبات كذلك على مجرد حيازة العملة المزيفة بقصد الترويج أو التعامل بها. ولا يشترط أن يكون الجاني محرزاً للعملة المزيفة، بل يكفي أن تتوافر لديه السيطرة القانونية عليها تاركاً للغير إحرازها لحسابه. وفي هذه الحالة يسأل كل من الحائز القانوني والمحرز المادي عن الجريمة بوصفهما فاعلين أصليين. ولا تغني هذه الجريمة عن جريمتي الترويج وإدخال العملة المزيفة للبلاد أو إخراجها منها، لأن كلا من هاتين الجريمتين الأخيرتين قد تقع بغض النظر عن حيازة العملة المزيفة .
الركن المعنوي :
القصد العام :
لا تقع جريمة التزييف بصورها الثلاث المتقدمة إلا إذا اتجهت إرادة الجاني إلى ارتكاب فعلها المادي مع العلم بجميع عناصره. فلا يتوافر هذا القصد إذا لم يعلم من ساهم في التزييف بأن ما يرد عليه الفعل عملة وطنية أو أجنبية، أو إذا لم يعلم من روج العملة المزيفة أو حازها بأمر تزييفها. كما لا يتوافر القصد العام ما لم تتجه إرادة الجاني إلى إرتكاب الفعل المادي ذاته، فلا جريمة على من يوزع العملة الزائفة تحت ضغط إكراه مادي أو أدبي .
والأصل في جرائم التزييف أن هذا القصد متوافر في حق الجاني من مجرد إرتكاب الفعل المادي ذاته الذي يشهد في ذاته بتوافر الإرادة والعلم، ما لم يثبت الجاني بكل السبل انتفاء هذا القصد. هذا بخلاف الحال في جرائم الإستعمال والحيازة، فإنه يتعين على سلطة الإتهام أن تثبت توافر هذا القصد في حق الجاني، لأن الأفعال المكونة لهذه الجرائم لا تفيد وحدها توافر القصد المذكور، بل يتعين التحقق من توافر العلم بتزييف العملة .
القصد الخاص :
لا صعوبة بالنسبة إلى جريمتي ترويج العملة المزيفة أو حيازتها، إذ يتعين بالنسبة إليه بناء على صریح نص المادة 203/ 2 عقوبات توافر قصد الترويج أو التعامل بالعملة المزيفة. وقد سكت نص المادتين 202 و 203/ 1 عقوبات عن ذكر مدى توافر القصد الخاص في جرائم التزييف وإدخال العملة في مصر أو إخراجها منها .
وقد حذا المشرع فى هذا المسلك حذو قانون العقوبات الإيطالى ( المادة 453 / 1 و 32 ) . وذهب مانزينى إلى الإكتفاء بالقصد العام فى هذه الحالة وعدم اشتراط قصد وضع العملة الزائفة فى التداول . لكننا نرى أنه إذا كان القانون قد ميز بين التزييف والتعامل بالعملة المزيفة، فإن ذلك كان لضرورة يجب أن تقدر بقدرها، وهذه الضرورة هي خطورة فعل التزييف ذاته. على أن ذلك لا يحول دون اعتبار هذا التزييف جزءاً في مشروع إجرامي واحد يهدف إلى التعامل بالنقود المزيفة، وأن هذا الجزء يجب أن يرتبط من الناحية النفسية بالجزء الآخر، ألا وهو التعامل ويصدق هذا القول على إدخال العملة المزيفة في البلاد أو إخراجها منها فهو ليس إلا مرحلة في مشروع إجرامي يهدف إلى التعامل بهذه العملة إما في الداخل أو الخارج .
لذا كان من المحتم أن تطلب توافر القصد الخاص في جميع أنواع جرائم التزييف، وهو دفع العملة الزائفة في التداول. ولا يشترط أن يهدف الجاني من جريمته أن يتعامل بنفسه بالعملة الزائفة، وإنما يكفي أن يهدف إلى وضعها في التعامل بين الجمهور ولو بواسطة الغير . فلا تقع الجريمة إذا اتجه قصد الجاني إلى مجرد إرضاء هوايته الفنية، ولكنه إذا ارتكب الركن المادي من جريمته لأحد الأغراض الثقافية أو العلمية أو الصناعية أو التجارية - وقعت في شأنه الجنحة المنصوص عليها في المادة 204 مكرراً عقوبات .
ومتى توافر القصد الخاص فلا عبرة بالباعث الذي حدا بالجاني لارتكاب جريمته، فيستوي أن يكون متمثلاً في مجرد تحقيق ربح شخصي له أو لغيره، أو في مجرد الإضرار بمصالح الدولة الإقتصادية أو السياسية .
للمحكمة أن تستخلص من جميع الوقائع الظروف مدى توافر القصد الجنائي في حدود سلطتها الموضوعية، وعليه أن تبين في حكمها أن المتهم كان يعلم بتزييف العملة وقت قبولها لها في التعامل حتى تستبعد توافر الظرف المخفف المشار إليه في المادة 204 كما سنبين فيما بعد، على أنه لا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة وعلى استقلال عن هذا العلم مادامت الوقائع كما أثبتها تفيد توافره لديه .
وعلى المحكمة كذلك استظهار القصد الخاص في جريمة التزييف، لكنها لا تلتزم بإثباته في حكمها على إستقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون، وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فإنه يكون متعیناً حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها . ( الوسيط في قانون العقوبات، القسم العام، الدكتور/ أحمد فتحي سرور، الطبعة السادسة الكتاب الأول 2016، الصفحة : 732 )
أركان الجريمة : الركن المادي :
أولاً : السلوك الإجرامي :
عدد المشرع صوراً مختلفة للسلوك تتمثل في الآتي :
1- إدخال أو الإخراج بأي فعل يملك مقومات تواجد العملة المزيفة في الإطار الإقليمي للدولة أو خارج هذا الإطار، وسواء كان هذا الإدخال أو الإخراج بواسطة الجاني نفسه أو بواسطة غيره، ويستوي أن يكون هذا الغير على علم بما يحمله من عملة مزيفة أم كان غير عالم بذلك، كما يستوي أيضاً أن يكون هذا الغير قد حقق الفعل تنفيذاً لإتفاق سابق مع من سلمه العملة وبالتالي يكون مساهماً في واقعة الترويج أم كان دوره مجرد نقل العملة وبالتالي يكون مساهماً في واقعة الترويج أم كان دوره مجرد نقل العملة وبالتالي يكون مساهماً في واقعة الترويج أم كان دوره مجرد نقل العملة المزيفة دون إتجاه إرادته إلى الترويج .
ولا يلزم لتوافر الإدخال أو الإخراج أن يتم عن طريق الحيازة المادية لها من قبل الجاني أو الوسيط، بل يكفي إرتكاب أي فعل من شأنه أن يؤدي إلى تلك النتيجة .
2- الترويج : ويقصد به دفع العملة المزيفة إلى دائرة التعامل بأي شكل كان من الشراء بها أو تغييرها أو إقراضها أو التبرع بها أو هبتها أو إيداعها في البنوك، وبعبارة واحدة يتحقق الترويج إما بالإنفاق وإما بوضع العملة المزيفة تحت تصرف أي شخص آخر مع إمكانية دفعها إلى التعامل ويلاحظ أن الترويج لا يفترض الحيازة، بل قد يرتكب الترويج بالرغم من أن حيازة العملة المزيفة متحققة بالنسبة لغير الجاني. ومع ذلك فقد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى أن الترويج في واقع الأمر لا يعدو أن يكون حيازة مصحوبة بقصد الترويج، فهو في مدلوله القانوني الدقيق ينطوي ضمناً على عنصر الحيازة إلى جانب دلالته الظاهرة عليها، ويستوي أن يكون التعامل يستند إلى سبب مشروع أو غير مشروع .
3- الحيازة بقصد الترويج أو التعامل بها . ويتحقق هذا السلوك بدخول العملة المزيفة في حوزة الجاني تحت أي شكل ولأي سبب وذلك بغرض دفعها إلى التعامل، وسواء أكان ذلك بمقابل أم بغير مقابل . ولذلك إذا كانت الحيازة لغرض آخر خلاف دفع العملة إلی التعامل أو الترويج فلا نكون بصدد الجريمة موضوع البحث ومثال ذلك الحيازة بقصد أي غرض ثقافي أو علمي أو استجابة لهواية معينة .
ويلاحظ أن الصور الثلاث السابقة للسلوك هي تبادلية وتقوم الجريمة عليها مجتمعة أو بتحقق إحداها. وعليه فلا نكون بصدد تعدد بين الجرائم إذا ما تحققت الصور الثلاث وإنما نكون بصدد جريمة واحدة .
ثانياً : الموضوع المادي للسلوك :
يجب أن ينصب فعل الإدخال أو الإخراج أو الترويج أو الحيازة بقصد الترويج أو التعامل على عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، مصرية كانت أو أجنبية مشابهة لعملة متداولة قانوناً في مصر أو الخارج، ولذلك إذا خرجت العملة من دائرة التعامل القانوني بعد واقعة التزييف انتفت الجريمة حتى ولو كان الجاني يرمي إلى الإحتيال بواسطتها على الغير ودفعها فعلاً إلى التعامل مستغلاً غفلة الغير. ففي هذه الحالة نكون بصدد جريمة نصب ولسنا بصدد جريمة ترويج عملة مزيفة .
ثالثاً : النتيجة غير المشروعة :
تتحقق النتيجة غير المشروعة في صورة سلوك الإدخال العملة المزيفة داخل أراضي الدولة، وفي حالة الإخراج بخروجها فعلاً من أراضي الدولة، وضبط الجريمة عند الحدود يتحقق به الشروع. وفي صورة الترويج تتحقق النتيجة بالإنفاق وقبول العملة المزيفة على أنها صحيحة، أو في وضعها تحت تصرف شخص آخر، وفي حالة الحيازة تتحقق النتيجة بدخول العملة في حوزة الجاني ولو لم يتوافر له وضع اليد المادي .
وتتم الجريمة بمجرد توافر خطر الإخلال بنظام تداول العملة قانوناً داخل الدولة، ويتحقق ذلك بحدوث النتيجة غير المشروعة لسلوك الإدخال أو الإخراج أو الترويج أو الحيازة بقصد الترويج أو التعامل بالعملة المزيفة .
الشروع متصور بالنسبة لسلوك الإدخال أو الإخراج، كما في حالة ضبط الجاني في الدائرة الجمركية، وأيضاً بالنسبة لسلوك الترويج ولسلوك الحيازة وذلك إذا ما حقق الجاني سلوكاً يملك في ذاته مقومات إحداث النتيجة إذا ما أوقف أو خاب لسبب خارج عن إرادة الجاني .
الركن المعنوي :
يقوم الركن المعنوي في جريمة الترويج على القصد الجنائي، فيلزم أن يكون الجاني عالماً بأن العملة التي يدخلها أو يخرجها أو ينفقها أو يروجها أو يحوزها هي عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، كما يلزم أن تتجه إرادته إلى تحقيق السلوك الإجرامي السابق بكل ما يحمل من مقومات الخطورة على نظام التداول القانوني للعملة الصحيحة، ولا يلزم توافر القصد الخاص بالنسبة للجريمة في حالة الإدخال أو الإخراج أو الترويج، أما في صورتها المتمثلة في الحيازة فيلزم أن تكون تلك الحيازة بهدف الترويج أو التعامل بها، ويكفى توافر ذلك الهدف دونما نظر إلى شكل التعامل أو الترويج ودونما نظر إلى المكان، أي سواء كان بالداخل أم بالخارج .
ويلزم إثبات علم الجاني وإرادته، فلا يكفي مجرد إثبات إرتكابه للواقعة موضوع التجريم وهي الإدخال أو الإخراج أو الترويج أو الحيازة، ولكن لا يلزم التحدث صراحة وإستقلالاً في الحكم على علم الجاني بتقليد أو بتزييف أو بتزوير العملة موضوع السلوك الإجرامي ما دامت الوقائع التي أثبتها الحكم تفيد توافر هذا العلم لديه . ( قانون العقوبات، القسم الخاص، الدكتور/ مأمون محمد سلامة، الطبعة الأولى 2017 الجزء الأول، الصفحة : 390 )
يجب لقيام هذه الجريمة توافر أركان ثلاثة : ركن مادي ، ومحل الجريمة ، ثم ركن معنوی .
الركن المادي :
يتخذ الفعل المكون للركن المادي إحدى صور ثلاثة : إدخال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في مصر أو إخراجها منها، وترويج العملة المذكورة، وأخيراً حيازتها بقصد الترويج أو التعامل .
أولاً : إدخال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في مصر أو إخراجها منها :
يجرم المشرع مجرد إدخال العملة المزيفة في مصر أو إخراجها منها، ويقصد بذلك نقل العملة المزيفة عبر حدود الإقليم المصرى ويكتفي المشرع بذلك لقيام الركن المادي في الجريمة فيستوي بعد ذلك أن يكون فعل الإدخال أو الإخراج منصباً على عملة أجنبية أو مصرية ما دامت متداولة قانوناً ؛ ويستوي أن يكون تزييف العملة قد تم في مصر أو في الخارج كذلك يستوي في نظر المشرع أن يكون الجاني هو نفسه الذي زيف العملة أو ساهم في ذلك أو أن يكون شخصاً آخر لا صلة له بالتزييف، كما لا يتطلب المشرع لوقوع الجريمة محل البحث أن يتبع الجانى فعل الإدخال أو الإخراج بفعل الترويج كذلك تتحقق الجريمة سواء قام الجاني بالفعل بنفسه أو بواسطة غيره. فيعتبر فاعلاً أصلياً للجريمة - خلافاً للقواعد العامة في المساهمة الجنائية - إذا ارتكب الفعل بواسطة شخص آخر، سواء كان هذا الشخص حسن النية أو كان سيء النية عالماً بأن العملة مزيفة .
ثانياً : ترويح العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة :
يقصد بترويج العملة إطلاقها في التداول، ولا يشترط أن يكون القائم بالترويج هو الذي قام بتقليد العملة أو تزييفها أو تزويرها، فقد يقوم به شخص آخر لا صلة له بمرتكب التزييف، وهو ما يتحقق في حالة من يروج عملة سبق طرحها في التداول، إذا كان سيء النية عالماً بتزييفها .
وتحقق الفعل على هذا النحو تقوم به ماديات الجريمة، فتستوي بعد ذلك وسيلة الترويج، فقد تدفع العملة ثمناً لشراء شيء أو استئجاره أو على سبيل القرض أو الرهن أو في صورة تبرع أو صدقة كما تستوي الكمية التي يقوم الفاعل بترويجها، إذ يقع الترويج ولو أطلقت في التعامل قطعة نقدية واحدة مهما ضؤلت قيمتها كذلك تقع الجريمة سواء قام الجاني بفعل الترويج بنفسه أو إستعان بغيره في ذلك .
وتتم جريمة الترويج بقبول العملة في التعامل، فإذا لم تتم لسبب خارج عن إرادة الجاني، كما لو رفضها من عرضت عليه بعد إكتشاف أمرها، أو تظاهر بقبولها تمكيناً للسلطات من ضبط الجاني متلبساً، أو ضبط الجاني عند عرضها، فإن الفعل يقف عند حد الشروع، فيعاقب عليه بغير نص لأن الجريمة جناية (م 46 ع) . والغالب أن يكون الجاني حائزاً للعملة وقت إرتكاب الجريمة، ومع ذلك فمن المتصور أن تقع الجريمة دون أن يكون الجاني حائزاً لها، لا سيما وأن الجريمة، من ناحية، تتم بمجرد قبول العملة من الغير في التعامل ولو لم يتناولها بعد .
فإذا إقتصر فعل الجاني على الشروع في الترويج فإن وضعه يختلف بحسب ما إذا كان حائزاً للعملة وقت الترويج أو غير حائز لها. فإذا كانت في حيازته قامت بفعله جريمتان: جريمة الشروع في الترويج - وهذه يعاقب عنها بغير نص لأن الجريمة جناية (م 46 ع) - وجريمة حيازة العملة المزيفة، وعندئذ نكون بصدد تعدد معنوی تفرض القواعد العامة بصدده توقيع عقوبة الجريمة الأشد، وهي عقوبة حيازة العملة المزيفة أما إذا لم تكن العملة في حيازة الجاني فإن مسئوليته تقتصر على الشروع في الترويج .
ثالثاً : حيازة العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة بقصد الترويج أو التعامل بها :
يعاقب المشرع على مجرد حيازة العملة المزيفة ولو لم يكن الحائز هو الذي قلدها أو زيفها أو زورها، ولو لم يقم بترويجها ويقصد بالحيازة هنا الحيازة في المعنى الواسع الذي يمتد إلى مجرد وضع اليد العارضة على العملة ويسوي المشرع بين أن يحوز الجانى الشيء بنفسه أو بواسطة غيره، فتقع الجريمة إذا اقتصر الجاني على السيطرة على العملة بينما العملة في حوزة شخص آخر. وحينئذ يعتبر كل منهما فاعلاً أصلياً للجريمة، إذا توافر باقي أركانها .
ولا يغنى تجريم حيازة العملة عن تجريم إدخالها إلى مصر أو إخراجها منها أو ترويجها، إذ أن كلاً من هاتين الجريمتين قد تقع دون أن تكون العملة المزيفة في حيازة الجاني .
محل الجريمة :
يجب أن يقع الفعل المكون للركن المادي على عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة. والعملة لا تكون محلاً للتقليد أو التزييف أو التزوير إلا إذا كانت متداولة قانوناً في مصر أو في الخارج، سواء كانت عملة ورقية أو معدنية ويكفي لتحقق محل الجريمة على هذا النحو أن تتحقق فيه صفة العملة المزيفة ولو لم تقع بتقليدها أو تزييفها أو تزويرها جريمة التقليد أو التزييف أو التزوير لتخلف الركن المعنوي لدى الفاعل. فإذا قام شخص بفعل التقليد أو التزييف أو التزوير على سبيل المزاح أو لمجرد إثبات مهارته في ذلك، أي دون أن تتوافر لديه نية الترويج وقت إرتكاب الفعل، فإنه لا يسأل عن جريمة التزييف لتخلف الركن المعنوي للجريمة، ومع ذلك فإذا تولدت لديه بعد ذلك فكرة طرح هذه العملة في التداول فنفذ فكرته فإنه يسأل عن جريمة الترويج على الرغم من عدم مسئوليته عن جريمة التزييف كذلك إذا استولى شخص آخر على هذه العملة وروجها فإنه يسأل عن جريمة الترويج على الرغم من أن من قام بفعل التقليد أو التزييف أو التزوير لم يسأل لتخلف القصد الجنائي المطلوب في جريمة التزييف لديه .
الركن المعنوي :
هذه الجريمة عمدية، يتخذ الركن المعنوي فيها صورة القصد الجنائي، فيجب أن يتوافر لدى الجاني القصد العام، وهو يتمثل في إرادة إرتكاب فعل إدخال العملة أو إخراجها أو ترويجها أو حيازتها مع العلم بأن محل هذا الفعل عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة . وبالإضافة إلى ذلك يتطلب المشرع توافر القصد الخاص صراحة في حالة الحيازة حيث يتطلب انصراف إرادة الجاني إلى عنصر آخر خارج عن نطاق الركن المادي هو ترويج العملة أو التعامل بها ويفرض المنطق القانوني تطلب ذات القصد في حالة إدخال العملة في مصر أو إخراجها منها أما الترويج فيكفي فيه القصد العام حيث تتجه إرادة الجاني إلى ذات العنصر المكون للركن المادي .
وعلى ذلك ينتفي الركن المعنوي إذا إنتفى القصد العام، ويتحقق ذلك إذا كانت إرادة المتهم لم تتجه إلى الفعل المكون للركن المادي للجريمة، كما لو دست العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في جيبه دون علمه، فحازها أو روجها أو أخرجها من مصر أو أدخلها إليها وهو لا يعلم حقيقة الأمر. كما ينتفي القصد العام ولو إتجهت إرادة المتهم إلى حيازة العملة أو ترويجها أو إدخالها إلى مصر أو إخراجها منها إذا كان يجهل أن فعله ينصب على عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة .
كذلك ينتفي الركن المعنوي إذا إنتفى القصد الخاص حيث يتطلبه المشرع في حالة إدخال العملة المزيفة إلى مصر أو إخراجها منها وفي حالة حيازة هذه العملة . وعلى ذلك ينتفي القصد الخاص إذا كان المتهم قد حاز العملة المزيفة أو أدخلها أو أخرجها وهو يعلم بأنها مقلدة أو مزيفة أو مزورة وإتجهت إرادته إلى ارتكاب الفعل ولكن نيته لم تتجه إلى ترويج العملة أو التعامل بها، كما لو ثبت أن حيازته للعملة المزيفة أو إدخالها إلى البلاد إنما كان بقصد تسليمها إلى السلطات .
العقوبة :
قرر المشرع الجريمة إدخال عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة إلی مصر أو إخراجها منها أو ترويج هذه العملة أو حيازتها بقصد الترويج أو التعامل بها ذات العقوبة التي قررها لجريمة التزييف، وهي السجن المشدد، ويجب فضلاً عن ذلك، توقيع عقوبة المصادرة بإعتبار العملة المزيفة التي هي محل الجريمة من الأشياء التي يعد صنعها أو استعمالها أو حيازتها أو بيعها أو عرضها للبيع جريمة في ذاته، وذلك تطبيقاً للمادة 30/ 2 من قانون العقوبات . ( الموسوعة الجنائية الحديثة في شرح قانون العقوبات، المستشار/ إيهاب عبد المطلب، الطبعة العاشرة 2016 المجلد الثالث، الصفحة : 82 )
الإدخال فى مصر أو الإخراج منها :
المفروض في هذه الجريمة أن يكون تزييف المسكوكات قد حصل في الخارج وإن كان من المتصور أن يكون قد حصل في البلاد وصدرت العملة إلى الخارج ثم أعيدت إليها بالتالي وإدخال العملة الزائفة أو المزورة إلى البلاد جريمة قائمة بذاتها ومستقلة عن جريمة التزييف. وينبني على ذلك أنه لايشترط أن يكون مدخل العملة إلى البلاد قد إشترك في التزييف أو على علم بمصدر العملة المزيفة بل يكفي فعلاً الإدخال إلى البلاد مع توافر القصد الجنائي هذا وقد سوى النص الحالى للمادة 203 بين إدخال العملة بالنفس أو بواسطة الغير بمعنى أن من يدخل العملة بواسطة غيره يعتبر فاعلاً أصلياًَ في الجريمة لا مجرد شريك فيها. كما سوى النص بين إدخال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة بالنفس أو بالواسطة وبين إخراجها من مصر إذا توافر القصد الجنائي ويستوي في جميع الأحوال أن تكون العملة مصرية أم أجنبية ورقية أم مصرفية متى كانت متداولة في مصر أو في الخارج .
وليس من شك أن مرتكب أحد هذين الفعلين ( الإدخال أو الإخراج) لايقل خطراً من مرتكب التقليد وما إليه وفي كثير من الأحوال يكون الجاني بجريمة الإدخال أو الإخراج من مصر حائزاً بقصد الترويج وعندئذ تطبق المادة 32 عقوبات .
الترويج :
يراد بالترويج وضع العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة في التعامل بأي طريقة كانت ولو بالإحسان بها ويكفي في الترويج أن يحصل التعامل بعملة واحدة. ولا فرق بين من يروج عملة لأول مرة وبين من يروج عملة سبق تداولها لها والترويج جناية مستقلة عن التقليد أو التزييف أو التزوير وإذا كان فاعل الترويج هو فاعل التقليد فإنه يعاقب على جريمة واحدة عملاً بالفقرة الثانية من المادة 32 من قانون العقوبات ويتم الترويج متى قبلت العملة في التعامل وقد لاتتحقق هذه النتيجة بسبب لا دخل لإرادة الفاعل فيه كأن يضبط وقت تقديم العملة أو يرفض الطرف الآخر قبول العملة بعد التحقق من تقليدها أو يتظاهر بقبولها لضبط الفاعل. في هذه الأحوال يعد الفعل شروعاً في ترويج ولكن الفاعل يعاقب على جريمة تامة هي حيازته للعملة المقلدة بقصد الترويج أو التعامل .
ويلاحظ أنه يعاقب على الترويج مهما كان عدد النقود التي وضعت في التعامل فإن قطعة واحدة تكفي .
كما يلاحظ أنه عند تقرير توافر التزييف يجب الاعتداد بمجرد الركن المادي في جريمة التزييف دون ركنها المعنوى فمثلاً إذا قلد شخص عملة ورقية لأحد الأغراض الثقافية أو العلمية- وهو ما يعد جنحة طبقاً للمادة 204 مكرر فاستعمل شخص آخر هذه العملة المقلدة بأن وضعها في التعامل فإنه يتعين مساءلة هذا الأخير عن جريمة الترويج على الرغم من عدم توافر جريمة التزييف في حق الأول وهذا النظر هو ما استقر عليه الرأي في جريمة إستعمال المحررات المزورة وعلة ذلك هو استقلال جريمة الترويج عن جريمة التزييف فكل من يرتكب هاتين الجريمتين يستمد إجرامه من فعله هو بل أنه في الجريمة الواحدة لا يؤثر حسن نية أحد المساهمين في مسئولية من ساهم معه في الجريمة .
الحيازة بقصد الترويج أو التعامل :
حيازة العملة تعتبر فعل تحضيري للترويج أو للتعامل في العملة المزيفة أو لإخراجها من البلاد ولكن المشرع المصرى- أسوة ببعض الشرائع الأجنبية - ارتأى اعتبارها جريمة قائمة بذاتها ذات طابع وقائي أو إحترازي فتدخل بالعقاب متى ثبت أن الحيازة كانت بقصد ترويج العملة المزيفة أو التعامل بها .
ويكفي لتوافر الجريمة أية صورة من الحيازة الكاملة أو الناقصة أو المادية ويدخل فيها الإحراز من باب أولى لأن كل محرز هو في نفس الوقت حائز ولكن ليس كل حائز يصح أن يعد محرزاً. وهذه النيابة مستمرة ومن ثم فإنه يستوي أن تتوافر قصد الترويج لحظة اكتساب الحيازة أو في وقت لاحق على ذلك. والحيازة صورة للجناية متميزة عن الترويج فكما لايشترط أن يكون المروج حائزاً للنقود فكذلك قد يحوز المتهم النقود بنية ترويجها دون أن يتاح له ذلك كما لو ضبط قبل أن يروجها وفي هذه الحالة يسأل عن جريمة تامة .
الركن المعنوي :
يتطلب القانون في جريمة الترويج أن يكون الجاني عالماً بتقليد أو تزييف العملة وقت تسلمها ثم تعامل بها على هذا الأساس فلا يرتكب جريمة من تسلم وتعامل بعملة غير صحيحة إذا كان وقت التسليم والتعامل معتقداً أن العملة صحيحة أما من قبل بحسن نية عملة مقلدة أي مزيفة أو مزورة ثم تعامل بها بعد علمه بعيبها فإنه يعاقب بالمادة 204 عقوبات أي بعقوبة الجنحة وقد روعي في هذا التخفيف قلة خطورة الفعل بالقياس إلى الترويج وسواء أكانت الجريمة ترويجاً أو كانت جنحة منطبقة على المادة 204 يجب أن ينصرف قصد الفاعل إلى طرح العملة في التداول فلا يرتكب أي الجريمتين من قصد بفعله مجرد المزاح .
أما في جناية إدخال العملة المقلدة أو المزيفة أو المزورة إلى البلاد أو إخراجها فلا بد من أن يكون الجاني عالماً بحقيقة تزويرها أو أنه يفعل ذلك بإرادته " وبغاية" طرحها في التداول بنفسه أو بواسطة غيره أو لحسابه وإن فعله هو التوطئة لهذه الغاية فمتى ثبت أنه كان يجهل حقيقة زيفها أو تقليدها أو تزويرها أو إنتفت لديه غاية طرحها للتعامل بها ولو بواسطة الغير أو لحسابه إنتفى لديه القصد الجنائي وإثبات القصد الجنائي يقع على عاتق سلطة الاتهام وتستخلصه المحكمة في كل حالة من الوقائع والظروف المحيطة بالواقعة والمطروحة في الدعوى وقولها في ذلك الفعل إلا إذا شاب قضاءها سوء الإستدلال أو أخطأت معنى القصد في القانون . ( موسوعة هرجة الجنائية، التعليق على قانون العقوبات، المستشار/ مصطفى مجدي هرجة، (دار محمود) المجلد الثالث، الصفحة : 14 )
جناية إدخال أو إخراج أو ترويج عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة أو حيازتها
- أركان الجريمة
إدخال العملة الزائفة في مصر أو إخراجها منها:
إدخال العملة الزائفة إلى مصر أو إخراجها منها يعني جعلها تجتاز الحدود السياسية للإقليم المصري لترويجها فيها.
وهذا يفيد في الغالب أنها قد زيفت في خارج مصر ثم أدخلت إليها، ولكن هذا ليس بشرط بل تتحقق الجريمة أيضا إذا كانت العملة قد صنعت في مصر وصدرت منه للخارج ثم أعيدت إليه ثانية.
وتقع الجريمة في حق كل من يدخل العملة الزائفة إلى مصر بالاتفاق مع من زيفها، ولكن النص يمكن أن ينطبق أيضا على من يدخلها إلى مصر للتعامل بها لحسابه الخاص بغير أن يكون في ذلك على اتفاق مع المزيف بشرط أن يكون عالما بتزييفها وأن يكون قد أدخلها بقصد ترويجها.
ولا يشترط أن يكون الجاني بنفسه قام بإدخال العملة الزائفة أو أخراجها، بل يعد فاعلا أصليا - خروجا من المشرع على قواعد الاشتراك - إذا ارتكب الجريمة بواسطة الغير ، ويستوي أن يكون عالما بتزييف العملة حسن النية، أو أن يكون في مصر أو خارجها .
الترويج :
ترويج الشيء يعني جعله منتشرا أو تعجيله، وروج أخبارا أي أشاعها والترويج في العملة يعني دفعها في التعامل، أي قيام الجاني بجعل العملة مطروحة للتداول بين الأشخاص.
ويستوي دفع العملة الزائفة لاستخدامها في الشراء، أو لاستبدالها بنقود أخرى، والفرض هنا أن الشخص الذي تلقى العملة الزائفة لا يعلم بتزييفها، أما إذا علم بذلك وتداولها فإنه يرتكب ذات الجريمة.
ولا يلزم أن يكون الجاني حائزاً بنفسه الأوراق التي يتعامل بها إذ يكفي أن تكون الحيازة لغيره ما دام هو يعلم أن هذه الأوراق مقلدة سواء كان علمه قبل أو أثناء العرض للتعامل.
فمتى كان الحكم قد أثبت في حق الطاعنين اتفاقهم مع باقي المتهمين على استعمال أوراق النقد المقلدة - التي كانت في حوزة أحدهم - ووجودهم جميعاً على مسرح الجريمة وقت مقارفتها واتحاد نيتهم على تحقيق النتيجة التي وقعت واتجاه نشاطهم الإجرامي إلى ذلك، فإن هذا وحده يكفي لتضامنهم في المسئولية الجنائية باعتبارهم فاعلين أصليين. وليس بلازم أن يحدد الحكم الأفعال التي أتاها كل منهم على حدة.
ولا يعيب الحكم عدم تحدثه صراحة وعلى استقلال عن علم المتهم بتقليد الأوراق المالية التي يتعامل بها ما دامت الوقائع كما أثبتها تفيد توفر هذا العلم لديه . ولما كان فيما أورده الحكم المطعون فيه من حضور الطاعن الاجتماعات المتعددة التي جرت فيها المساومة وعرض الأوراق المالية للبيع بثمن لا يعدو ثلث القيمة الحقيقية للأوراق الصحيحة، ما يوفر علم الطاعن بتقليد هذه الأوراق ، وكان القول بتوافر علم المتهم بالتقليد هو من خصائص محكمة الموضوع تستقل به وتستخلصه من الوقائع والعناصر المطروحة عليها، فإن النعي على الحكم بالقصور يكون غير سديد ويتعين رفضه، ويتم الترويج بقبول العملة الزائفة، فإن رفضها من عرضت عليه لاكتشافه عيبها سئل المتهم عن شروع ولكن إذا اقترن العرض بالحيازة سئل عن الجريمة التامة في صورة الحيازة.
وجريمة التزييف تستقل عن جريمة الترويج، فلا يشترط فيمن روج أن يكون مساهماً في جريمة التزييف، وقد يقضى ببراءة المتهم بالتزييف لانتفاء القصد الجنائي أو بانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة دون أن يؤثر ذلك في سير الدعوى الجنائية عن جريمة الترويج، فإذا ارتكب الجاني التزييف والترويج معا تعين توقيع عقوبة واحدة طبقا للمادة 32 عقوبات باعتبار أن الجريمتين مرتبطتان ارتباطا لا يقبل التجزئة.
ولا يشترط أن يقترن الترويج بطرق احتيالية، وإلا اعتبر الجاني مرتكبا لجريمة نصب بالإضافة إلى الترويج، وتعين مساءلته عنها طبقاً للمادة 32 / 2 عقوبات.
- الحيازة :
اعتبر المشرع مجرد حيازة العملة الزائفة أو التعامل بها جريمة في ذاتها لأن الحيازة في هذه الحالة تعتبر تمهيد للترويج.
ولا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً للعملة المقلدة المضبوطة أن يكون محرزا للعملة المضبوطة، بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للعملة المقلدة شخصاً غيره ولا يلزم أن يتحدث الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه.
ويكفي للعقاب على حيازة عملة ورقية مقلدة والشروع في ترويجها مع العلم بذلك أن تكون هناك مشابهة بين الصحيح وغير الصحيح، ولا يشترط أن يكون التقليد متقنا بحيث ينخدع به حتى المدقق، بل يكفي أن يكون بين الورقة المزورة والورقة الصحيحة من التشابه ما تكون به مقبولة في التداول وأن يكون على نحو من شأنه أن يخدع الناس، وإذ كان الحكم قد أثبت نقلاً عن تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير أن الأوراق التي عوقب الطاعن من أجل حيازتها والشروع في ترويجها سواء المحلية أو الأجنبية مزيفة بطريق الطبع من إكليشيهات مصطنعة وأن تزييفها قد تم بحيث يمكن أن تجوز على بعض الفئات من الناس يتقبلونها في التداول على أنها أوراق صحيحة، فإن عدم تعرض الحكم لأوجه الشبه بين العملة الصحيحة والعملة المزيفة المضبوطة لا يؤثر في سلامته ما دامت المحكمة قد قدرت أن من شأن ذلك التقليد أن يخدع الناس. ·
لا يلزم أن يكون المتهم حائزا بنفسه :
من المقرر أن مجرد تقديم ورقة مالية مقلدة لشخص وعرضها عليه - مقابل شراء سلعة ما - وقبول هذا العرض من جانبه يعد استعمالاً يقع تحت طائلة المادة 206 من قانون العقوبات، ولا يلزم أن يكون الجاني وقت ذلك حائزا بنفسه الأوراق التي يتعامل بها بل يكفي أن تكون الحيازة لغيره ما دام هو يعلم أن هذه الأوراق مقلدة وهو ما أثبت الحكم قيامه في حق الطاعن - سواء كان علمه قبل أو أثناء العرض للتعامل، فإن ما يثيره الطاعن بشأن عدم ضبط الورقة المالية المقلدة بحوزته يكون غير سديد. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.
- لا يشترط لاعتبار الجاني حائزاً أن يكون محرزاً للعملة المقلدة:
لا يشترط لاعتبار الجاني حائزا للعملة المقلدة المضبوطة أن يكون محرزا ،لها ، بل يكفي لاعتباره كذلك أن يكون سلطانه مبسوطاً عليها ولو لم تكن في حيازته المادية أو كان المحرز للعملة شخصا آخر، ولا يلزم أن يتحذ الحكم استقلالاً عن هذا الركن بل يكفي أن يكون فيما أورده الحكم من وقائع وظروف ما يكفي للدلالة على قيامه.
الركن المعنوي للجريمة
- القصد العام
هذه الجريمة من الجرائم العمدية التي يقوم الركن المعنوي فيها على القصد الجنائي العام بعنصريه العلم والإرادة، فيلزم علم الجاني بأن التزييف وارد على عملة وطنية أو أجنبية ، وأنها مزيفة، ثم تتجه إرادته إلى إتيان السلوك المادي المكون للجريمة.
ويتوفر القصد الجنائي العام لدى الجاني من مجرد ارتكاب الفعل المادي مع العلم بعناصر الجريمة.
- القصد الخاص
توجب المادة 302 / 2 عقوبات توافر قصد جنائي خاص هو قصد الترويج أو التعامل بالعملة الزائفة، ولا عبرة بالباعث على ارتكاب الجريمة. وجريمة الحيازة بقصد الترويج وإن استلزمت فضلاً عن القصد الجنائي العام. قصداً خاصاً هو نية دفع العملة المقلدة إلى التداول مما يتعين معه على الحكم استظهاره إلا أن المحكمة لا تلتزم بإثباته في حكمها على استقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون وذلك ما لم تكن محل منازعة من الجاني فإنه يكون متعيناً حينئذ على الحكم بيانها صراحة وإيراد الدليل على توافرها وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت في حق الطاعن أنه حاز بقصد الترويج العملة الورقية المقلدة المضبوطة وأورد على ذلك أدلة سائغة من أقوال الشهود واعتراف المتهمين والمتعاملين معهم من الناس من شأنها أن تؤدي إلى ما رتبه عليها لما أورد في تحصيله لواقعة الدعوى أنه والمتهمين الثالث والخامس يروجون العملة المقلدة وكان الطاعن لا يدعي أن هناك هدفاً غير الترويج من حيازته للعملة المضبوطة فإن منعاه في هذا الشأن يكون غير سديد.
من المقرر أن جريمة الحيازة بقصد الترويج وإن استلزمت فضلاً عن القصد الجنائي العام قصداً خاصاً هو نية دفع العملة المقلدة إلى التداول مما يتعين معه على الحكم استظهاره، إلا أن المحكمة لا تلتزم بإثباته في حكمها على استقلال متى كان ما أوردته عن تحقق الفعل المادي يكشف بذاته عن توافر تلك النية الخاصة التي يتطلبها القانون، وذلك ما لم يكن محل منازعة من الجاني.
- حيازة العملة بغير قصد من القصود المسماة غير مؤثم:
لما كانت المادة 202 من قانون العقوبات تنص على أنه: "يعاقب بالسجن المشدد كل من قلد أو زيف أو زور بأية كيفية عملة ورقية أو معدنية متداولة قانوناً في مصر أو في الخارج. ويعتبر تزييفا انتقاص شيء من معدن العملة أو اطلاؤها بطلاء يجعلها شبيهة بعملة أخرى أكثر منها قيمة، ويعتبر في حكم العملة الورقية أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً، كما نصت المادة 202 مكرر على أنه : "يعاقب بالعقوبة المذكورة في المادة السابقة كل من قلد أو زيف أو زور بأية كيفية عملة وطنية تذكارية ذهبية أو فضية مأذون بإصدارها قانوناً، ويعاقب بذات العقوبة كل من قلد أو زيف أو زور عملة تذكارية أجنبية متى كانت الدولة صاحبة العملة المزيفة تعاقب على تزييف العملة التذكارية المصرية" كذلك نصت المادة 203 على أنه يعاقب بالعقوبة المذكورة في المادة السابقة كل من أدخل بنفسه أو بواسطة غيره في مصر أو أخرج منها عملة مقلدة أو مزيفة أو مزورة، كذلك كل من روجها أو حازها بقصد الترويج أو التعامل بها".
لما كان ذلك، وكان يبين من نص المادتين سالفتي الذكر ومن استقراء نصوص المواد 203 مكرر، 204، 204 / 1، 2 مكرر ، 204 مكرر . ثانياً وثالثاً الواردة بالباب الخامس عشر المسكوكات الزيوف والمزورة من قانون العقوبات أن الشارع اشترط للعقاب على جريمة إحراز العملة المقلدة بالإضافة إلى القصد الجنائي العام توافر قصود خاصة أوردها على سبيل الحصر لم يؤثم فيها واقعة إحراز العملة المقلدة بغير قصد من القصود المسماة بنصوص أحكامه.
- تسبيب سائغ لحيازة عملة أجنبية مقلدة وترويجها :
لما كان الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما يجعل في أن أحد المصادر السرية للرائد .... الضابط بالإدارة العامة لمكافحة التزييف والتزوير أبلغه بأن المتهم الأول" الذى سبقت محاكمته "عرض عليه أن يروج له كمية من الدولارات الأمريكية المقلدة من فئة مائه دولار أمريكي فطلب إليه مسايرته، وفى يوم الحادث تقابل الضابط مع المتهم المذكور وتحادثا حول السعر وإبراز الضابط له ورقة من فئة المائة جنية وطلب إليه معاينة الأوراق المالية المقلدة فعرض عليه المتهم المذكور عشر ورقات مالية فئة المائة دولار أمريكي مقلدة فقام بضبطه وتفتيشه فعثر معه على مبلغ ألف وثمانمائة دولار أمريكي أخرى مقلدة يجيب بنطاله الأيمن وأقر له هذا المتهم بأنه تحصل على تلك الأوراق من المتهم الثاني- سبقت محاكمته - وبعد استئذان النيابة العامة وبإرشاد المتهم الأول" قام بضبط هذا المتهم الذى قرر بأنه تحصل على تلك الأوراق من المتهم الرابع -سبقت محاكمته بسعر خمسة وستين جنيها مصريا صحيحة للورقة الواحدة فئة المائة دولار أمريكي وأن المتهم الماثل " الطاعن "حضر إليه بمدينة القنطرة وأخيرة بأن لدية عميلاً يرغب في شراء كمية من الدولارات المقلدة فقام بإعطائه خمسة آلاف امريكي مقلدة مقابل حصوله منه على ألفى جنية تحت الحساب وانه علم بعد ذلك أن المتهم الماثل قام بتسليم الأوراق المقلدة للمتهم الأول ثم أورد الحكم مؤدى تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير والذى انتهى إلى أن الأوراق المالية المضبوطة فئة مائه دولار أمريكي مقلدة أوراق مزيفة أساليب التزييف الكلى بطريقة الطبع وإنها مزيفة بطريق لا بأس بها يمكن أن ينخدع بها الشخص غير المعتاد التعامل بأوراق النقد الأجنبي وقد دلل الحكم على ثبوت الواقعة لدية على هذه الصورة في حق الطاعن بما ينتجها من وجوه الأدلة التي أستقاها من معينها الصحيح من الأوراق بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجرائم التي دان الطاعن بها وتؤدى إلى ما رتبه الحكم عليها.
- إغفال الاطلاع على العملة المقلدة يبطل الحكم:
إغفال المحكمة الاطلاع على الأوراق موضوع الدعوى عند نظرها، يعيب إجراءات المحاكمة ويوجب نقض الحكم، لأن تلك الأوراق هي من أدلة الجريمة التي ينبغي عرضها على بساط البحث والمناقشة الشفهية بالجلسة.
- بالعقوبة:
- عقوبة هذه الجريمة هي السجن المشدد.
- المصادرة
- مصادرة أوراق العملة المقلدة المضبوطة أمر وجوبي يقتضيه النظام العام لتعلقه بشيء خارج بطبيعته عن دائرة التعامل، ومن ثم فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل القضاء بمصادرة أوراق العملة المقلدة المضبوطة يكون معيباً بالخطأ في تطبيق القانون. (موسوعة المُري في الجرائم الاقتصادية، للمستشار بهاء المُري رئيس محكمة الجنايات، دار روائع القانون للنشر والتوزيع، الطبعة الرابعة 2023، الكتاب الأول، الصفحة 185)
قوانين الشريعة الإسلامية على المذاهب الأربعة، إعداد لجنة تقنين الشريعة الاسلامية بمجلس الشعب المصري، قانون العقوبات، الطبعة الأولى 2013م – 1434هـ، دار ابن رجب، ودار الفوائد، الصفحات: 224 ، 225 ، 226 ، 227
( مادة 453 ) :
في جميع الحالات المبينة في مواد هذا الفصل ، يقضى بمصادرة الأشياء المقلدة أو المزورة ، وكذا الآلات والأدوات المستعملة ، أو المعدة للإستعمال في التقليد أو التزوير .
يعاقب بالسجن المؤقت وبغرامة لا تزيد على خمسة آلاف جنيه كل من - حاز بقصد الترويج ، أو تداول ، أو روج ، أو أدخل إلى مصر ، أو أخرج منها - سواء بنفسه أو بواسطة غيره - عملة ورقية أو معدنية مزورة أو مزيفة أو مقلدة مع علمه بذلك .
( مادة 459 ) :
يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات - كل من صنع أو أسهم في صنع، أو أصلح أو حاز أو أدخل إلى مصر جهازا أو آلة أو مادة، أو غير ذلك من شأنه أن يستعمل لتزوير أو تزييف أو تقليد العملة المشار إليها في المادة (455) من هذا القانون ، وذلك عن علم وبغير مبرر مقبول .
( مادة 460 ) :
يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة، وبغرامة لا تزيد على خمسة أمثال قيمة العملة ، أو بإحدى هاتين العقوبتين :
(أ) كل من أخذ بحسن نية عملة ورقية أو معدنية مزورة أو مزيفة أو مقلدة ، فاستعملها أو تعامل بها بعد علمه بعيبها .
(ب) كل من أدخل إلى مصر أو تداول أو استعمل أو روج عملة ورقية أو معدنية بطل العمل بها مع علمه بذلك .
(ج) كل من امتنع عن قبول العملة الوطنية في معاملاته بالقيمة الرسمية المقررة لها .
( مادة 462 ) :
فضلاً عن العقوبات المنصوص عليها في المواد السابقة ، يحكم بمصادرة العملات المزورة أو المزيفة أو المقلدة والأجهزة ، وغيرها من الأشياء التي إستعملت ، أو التي من شأنها أن تستعمل في التزوير أو التزييف أو التقليد .
تزييف وتزوير العملة الورقية والمعدنية ورفض التعامل بالعملة الوطنية
المواد من (455) - (464) :
تقابل مواد المشروع في عمومها المواد من (202) إلى (205) من القانون القائم ، مع ضبط صياغة النصوص الواردة في المشروع وإحكام عباراتها ، وأهم سمات مواد المشروع ما يلي :
1- لم تتضمن مواد المشروع المقابلة للمواد (202)، (204) مکرراً (أ)، (204) مکرراً (ب) من القانون الحالي ، ما كانت تنص عليه هذه المواد من إعتبار أوراق البنكنوت المأذون بإصدارها قانوناً في حكم العملة الورقية ، ذلك بأن هذه الأوراق هي في الواقع والقانون معاً، عملة ورقية تدخل في وضوح في حكم النص دون حاجة إلى الحكم الإعتباري المذكور ، وعلى هذا الأساس جاء نص المادة (455) من المشروع خالياً من العبارة تلك .
وقد استحدث في النص المذكور فقرة جديدة بموجبها تعد في حكم العملة الورقية السندات التي صدرت أو تصدر في مصر أو في دولة أجنبية أخرى ، عن الحكومة المصرية أو مصرف مصري ، بقصد تداولها كعوض أو بديل عن العقود ؛ لما تقوم به هذه السندات الصادرة بناء على طلب الحكومة المصرية ، أو مصرف له الحق في ذلك قانوناً ، كفاء وغناء عن النقود ، فلزم والحال كذلك أن تشملها الحماية الجنائية .
2- أورد المشروع نص المادة (456) الذي يقابل نص المادة (202) مکررا من القانون القائم ، والتي أضيفت بالقانون رقم (29) لسنة 1982 ؛ حتى تشمل الحماية العملة الذهبية أو الفضية التذكارية المأذون بإصدارها قانوناً ؛ لما لهذه العملات من قيمة مرتفعة تجعلها محل إقتناء وتعامل بين الأفراد .
3- استحدث نص الفقرة (ب) من المادة (460) من المشروع لسد ثغرة ، فقد قصد به إسباغ الحماية الجنائية على من يقع فريسة التعامل في عملة بطل العمل بها ، فجرم كل من أدخل إلى مصر أو تداول أو إستعمل أو روج عملة ورقية أو معدنية بطل العمل بها ، متى كان يعلم بذلك ، إذ الجريمة عمدية لا يقوم فيها الإهمال أو التقصير مقام العمد .
4- نقل المشروع في الفقرة (ج) من المادة (460) منه الحكم الوارد في الفقرة الثالثة من المادة (386) من القانون القائم ؛ لأنه يمثل الحماية الجنائية لعملة البلاد ، ومن ثم كان من المناسب أن تتضمنه نصوص هذا الفصل الخاصة بالعملة ورقية كانت أم معدنية ، أو أصبح النص بعد تعديله يعاقب بعقوبة الجنحة كل من إمتنع عن قبول العملة الوطنية في معاملاته بالقيمة الرسمية المقررة لها ، ومن البداهية أن المقصود بالنص العملة الصحيحة ، وكان حرياً بالمشروع لحماية تداول هذه العملة بعد إلغاء قاعدة الذهب ، وتحديد المشرع المصري سعراً إلزامياً للعملة الورقية - أن تقوم هذه العملة مقام الذهب ، وإذا كانت الحماية الجنائية في هذا الشأن القائمة حالياً ليست كافية ، إذ هي تعاقب من يمتنع عن قبول عملة البلاد بغرامة لا تتجاوز جنيها - فقد صار لزاماً لتأكيد جدية هذه الحماية لعملة البلاد أن يرتفع المشروع بالعقوبة إلى عقوبة الجنحة .
5- المادة (463) من المشروع تقابل المادة (204) مکرراً عقوبات ، المضافة بالقانون رقم (29) لسنة 1983، وقد أبقى عليها المشروع دون تعديل .
6- المادة (464) من المشروع تعرض للإعفاء من العقاب ، بالنسبة لمن يبادر من الجناة بإبلاغ الجهات المختصة بالجريمة قبل قيامها ، أو قبل البدء في التحقيق ، إذا كانت الجريمة قد تمت ، والإعفاء في الحالة وجوبي ، ويمتد حكم هذا الإعفاء الوجوبي إذا مكن الجاني الجهة المختصة بعد بدء التحقيق وأثناء سريانه من ضبط باقي الجناة ، وكانت الفقرة الثانية من المادة (205) من القانون القائم تجعل هذه الحالة من حالات الإعفاء الجوازي ، وقد رأى المشروع - تشجيعاً منه لكشف الجريمة - أن يثيب الجاني ولو بعد بدء التحقيق وأثناء جریانه بالإعفاء من العقاب ، إذا كان إبلاغه مثمراً ، بأن أدى إلى ضبط باقي الجناة ، هذا ومن المفهوم أن حكم هذا النص لا يسري - شأنه شأن حالات الإعفاء للإبلاغ عن الجريمة - إلا في حالة تعدد الجناة فيها فاعلين كانوا أم شرکاء .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / العشرون ، الصفحة / 247
دَرَاهِمُ
التَّعْرِيفُ :
الدَّرَاهِمُ جَمْعُ دِرْهَمٍ، وَهُوَ لَفْظٌ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ النَّقْدِ ضُرِبَ مِنَ الْفِضَّةِ كَوَسِيلَةٍ لِلتَّعَامُلِ، وَتَخْتَلِفُ أَنْوَاعُهُ وَأَوْزَانُهُ بِاخْتِلاَفِ الْبِلاَدِ الَّتِي تَتَدَاوَلُهُ وَتَتَعَامَلُ بِهِ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ :
أ - الدَّنَانِيرُ :
2 - الدَّنَانِيرُ جَمْعُ دِينَارٍ، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ: دِينَارٌ أَصْلُهُ أَعْجَمِيٌّ غَيْرَ أَنَّ الْعَرَبَ تَكَلَّمَتْ بِهِ فَصَارَ عَرَبِيًّا.
وَالدِّينَارُ اسْمٌ لِلْقِطْعَةِ مِنَ الذَّهَبِ الْمَضْرُوبَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِالْمِثْقَالِ.فَهِيَ تَخْتَلِفُ عَنِ الدَّرَاهِمِ فِي أَنَّهَا مِنَ الذَّهَبِ فِي حِينِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنَ الْفِضَّةِ.
ب - النَّقْدُ.
لِلنَّقْدِ ثَلاَثَةُ مَعَانٍ فَيُطْلَقُ عَلَى الْحُلُولِ أَيْ خِلاَفِ النَّسِيئَةِ، وَعَلَى إِعْطَاءِ النَّقْدِ، وَعَلَى تَمَيُّزِ الدَّرَاهِمِ وَإِخْرَاجِ الزَّيْفِ مِنْهَا، وَمُطْلَقِ النَّقْدِ وَيُرَادُ بِهِ مَا ضُرِبَ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا النَّاسُ.
ج - الْفُلُوسُ :
الْفُلُوسُ جَمْعُ فَلْسٍ، وَتُطْلَقُ الْفُلُوسُ وَيُرَادُ بِهَا مَا ضُرِبَ مِنَ الْمَعَادِنِ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَصَارَتْ عُرْفًا فِي التَّعَامُلِ وَثَمَنًا بِاصْطِلاَحِ النَّاسِ.
د - سِكَّةٌ :
السَّكُّ: تَضْبِيبُ الْبَابِ أَوِ الْخَشَبِ بِالْحَدِيدِ. وَالسِّكَّةُ: حَدِيدَةٌ قَدْ كُتِبَ عَلَيْهَا، وَيُضْرَبُ عَلَيْهَا الدَّرَاهِمُ، وَهِيَ الْمَنْقُوشَةُ ثُمَّ نُقِلَ إِلَى أَثَرِهَا وَهِيَ النُّقُوشُ الْمَاثِلَةُ عَلَى الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، ثُمَّ نُقِلَ إِلَى الْقِيَامِ عَلَى ذَلِكَ، وَهِيَ الْوَظِيفَةُ فَصَارَ عَلَمًا عَلَيْهَا فِي عُرْفِ الدُّوَلِ، وَتُسَمَّى الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ سِكَّةً.
الدِّرْهَمُ الإْسْلاَمِيُّ وَكَيْفِيَّةُ تَحْدِيدِهِ وَتَقْدِيرِهِ :
كَانَتِ الدَّرَاهِمُ الْمَضْرُوبَةُ قَبْلَ الإْسْلاَمِ مُتَعَدِّدَةً مُخْتَلِفَةَ الأْوْزَانِ، وَكَانَتْ تَرِدُ إِلَى الْعَرَبِ مِنَ الأْمَمِ الْمُجَاوِرَةِ فَكَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهَا، لاَ بِاعْتِبَارِ الْعَدَدِ بَلْ بِأَوْزَانٍ اصْطَلَحُوا عَلَيْهَا، وَجَاءَ الإْسْلاَمُ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى هَذِهِ الأْوْزَانِ كَمَا جَاءَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : «الْوَزْنُ وَزْنُ أَهْلِ مَكَّةَ، وَالْمِكْيَالُ مِكْيَالُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ».
وَلَمَّا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى تَقْدِيرِ الدِّرْهَمِ فِي الزَّكَاةِ كَانَ لاَ بُدَّ مِنْ وَزْنٍ مُحَدَّدٍ لِلدِّرْهَمِ يُقَدَّرُ النِّصَابُ عَلَى أَسَاسِهِ، فَجُمِعَتِ الدَّرَاهِمُ الْمُخْتَلِفَةُ الْوَزْنِ وَأُخِذَ الْوَسَطُ مِنْهَا، وَاعْتُبِرَ هُوَ الدِّرْهَمُ الشَّرْعِيُّ، وَهُوَ الَّذِي تَزِنُ الْعَشَرَةُ مِنْهُ سَبْعَةَ مَثَاقِيلَ مِنَ الذَّهَبِ، فَضُرِبَتِ الدَّرَاهِمُ الإْسْلاَمِيَّةُ عَلَى هَذَا الأْسَاسِ، وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فُقَهَاءَ وَمُؤَرِّخِينَ، لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعَهْدِ الَّذِي تَمَّ فِيهِ هَذَا التَّحْدِيدُ، فَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، وَقِيلَ إِنَّ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَمَّ فِي عَهْدِ عُمَرَ أَمْ فِي عَهْدِ بَنِي أُمَيَّةَ فَإِنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ الَّذِي اسْتَقَرَّ الأْمْرُ عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي ضُرِبَ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ وَكَانَ هُوَ أَسَاسَ التَّقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ.
لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ وَالْمُؤَرِّخِينَ أَثْبَتُوا أَنَّ الدِّرْهَمَ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَبْقَ عَلَى الْوَضْعِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الإْجْمَاعُ فِي عَهْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ، بَلْ أَصَابَهُ تَغْيِيرٌ كَبِيرٌ فِي الْوَزْنِ وَالْعِيَارِ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَصَارَ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ يَسْتَخْرِجُونَ الْحُقُوقَ الشَّرْعِيَّةَ مِنْ نَقْدِهِمْ بِمَعْرِفَةِ النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَقَادِيرِهَا الشَّرْعِيَّةِ إِلَى أَنْ قِيلَ: يُفْتَى فِي كُلِّ بَلَدٍ بِوَزْنِهِمْ.
وَنَشَأَ مِنْ ذَلِكَ اضْطِرَابٌ فِي مَعْرِفَةِ الأْنْصِبَةِ، وَهَلْ تُقَدَّرُ بِالْوَزْنِ أَوْ بِالْعَدَدِ؟ وَأَصْبَحَ الْوُصُولُ إِلَى مَعْرِفَةِ الدِّينَارِ الشَّرْعِيِّ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ غَايَةً تَمْنَعُ هَذَا الاِضْطِرَابَ. وَإِلَى عَهْدٍ قَرِيبٍ لَمْ يَصِلِ الْفُقَهَاءُ إِلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ حَتَّى أَثْبَتَ الْمُؤَرِّخُ عَلِيُّ بَاشَا مُبَارَكٌ - بِوَاسِطَةِ اسْتِقْرَاءِ النُّقُودِ الإْسْلاَمِيَّةِ الْمَحْفُوظَةِ فِي دُورِ الآْثَارِ بِالدُّوَلِ الأْجْنَبِيَّةِ - أَنَّ دِينَارَ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ يَزِنُ 4،25. جِرَامٍ مِنَ الذَّهَبِ، وَبِذَلِكَ يَكُونُ وَزْنُ الدِّرْهَمِ. 2،975 جِرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ.
وَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِعْيَارًا فِي اسْتِخْرَاجِ الْحُقُوقِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ زَكَاةٍ، وَدِيَةٍ، وَتَحْدِيدِ صَدَاقٍ، وَنِصَابِ سَرِقَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
مَنْ يَتَوَلَّى ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ :
ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَظِيفَةٌ ضَرُورِيَّةٌ لِلدَّوْلَةِ، إِذْ بِهَا يَتَمَيَّزُ الْخَالِصُ مِنَ الْمَغْشُوشِ بَيْنَ النَّاسِ فِي النُّقُودِ عِنْدَ الْمُعَامَلاَتِ، وَيُتَّقَى الْغِشُّ بِخَتْمِ السُّلْطَانِ عَلَيْهَا بِالنُّقُوشِ الْمَعْرُوفَةِ.وَقَدْ قَالَ الإْمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ: لاَ يَصْلُحُ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ إِلاَّ فِي دَارِ الضَّرْبِ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ، لأِنَّ النَّاسَ إِنْ رُخِّصَ لَهُمْ رَكِبُوا الْعَظَائِمَ، فَقَدْ مَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ مِنَ الضَّرْبِ بِغَيْرِ إِذْنِ السُّلْطَانِ لِمَا فِيهِ مِنَ الاِفْتِيَاتِ عَلَيْهِ.
وَفِي الرَّوْضَةِ لِلنَّوَوِيِّ: يُكْرَهُ لِلرَّعِيَّةِ ضَرْبُ الدَّرَاهِمِ وَإِنْ كَانَتْ خَالِصَةً، لأِنَّ ضَرْبَ الدَّرَاهِمِ مِنْ شَأْنِ الإْمَامِ.
وَذَكَرَ الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أُتِيَ بِرَجُلٍ يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ السُّلْطَانِ فَعَاقَبَهُ وَسَجَنَهُ وَأَخَذَ حَدِيدَهُ فَطَرَحَهُ فِي النَّارِ، وَحَكَى الْبَلاَذُرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ أَخَذَ رَجُلاً يَضْرِبُ عَلَى غَيْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ فَأَرَادَ قَطْعَ يَدِهِ ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ، قَالَ الْمُطَّلِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: فَرَأَيْتُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ مِنْ شُيُوخِنَا حَسَّنُوا ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ.
حُكْمُ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ وَقَطْعِهَا، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ إِلَى كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ مُطْلَقًا، لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِ حَاجَةٍ، لأِنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْفَسَادِ فِي الأْرْضِ وَيُنْكَرُ عَلَى فَاعِلِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ نَهَى عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ الْجَائِزَةِ بَيْنَهُمْ».
وَالْكَرَاهَةُ عِنْدَ الإْمَامِ أَحْمَدَ لِلتَّحْرِيمِ عَلَى مَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَرِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ وَرِوَايَةِ حَرْبٍ - وَقَدْ سُئِلَ عَنْ كَسْرِ الدَّرَاهِمِ - فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي مِنَ الْفَسَادِ فِي الأَْرْضِ وَكَرِهَهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً. لَكِنَّهُ صَرَّحَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ، قَالَ أَبُو طَالِبٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الدَّرَاهِمِ تُقَطَّعُ فَقَالَ: لاَ، «نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَسْرِ سِكَّةِ الْمُسْلِمِينَ»، وَقِيلَ لَهُ: فَمَنْ كَسَرَهُ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ قَدْ فَعَلَ مَا نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَبُو يَعْلَى: وَقَوْلُهُ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، مَعْنَاهُ لاَ مَأْثَمَ عَلَيْهِ.
وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفُقَهَاءُ الْعِرَاقِ إِلَى أَنَّ كَسْرَهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ.
وَفَصَّلَ قَوْمٌ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ. إِنْ كَسَرَهَا لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهُ لَهُ، وَإِنْ كَسَرَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ كُرِهَ لَهُ، لأِنَّ إِدْخَالَ النَّقْصِ عَلَى الْمَالِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ سَفَهٌ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ حَالَ الْبَلَدِ فَقَالَ: إِنَّ كَرَاهَةَ الْقَطْعِ مَحْمُولٌ عِنْدِي عَلَى بَلَدٍ لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْقَطْعُ، وَلاَ يَنْفُقُ الْمَقْطُوعُ مِنَ الدَّرَاهِمِ نَفَاقَ الصَّحِيحِ.
وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ قَطْعَ السِّكَّةِ مَانِعًا مِنَ الشَّهَادَةِ، وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ: إِلاَّ أَنْ يُعْذَرَ بِجَهْلٍ، وَقَالَ عَنْهُ الْعُتْبِيُّ: لاَ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً.
وَقَالَ سَحْنُونُ: لَيْسَ قَطْعُ الدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ بِجُرْحَةٍ.
قَالَ بَعْضُ الشُّيُوخِ: وَهَذَا الاِخْتِلاَفُ إِنَّمَا هُوَ إِذَا قَطَعَهَا وَهِيَ وَازِنَةٌ فَرَدَّهَا نَاقِصَةً وَالْبَلَدُ لاَ تَجُوزُ فِيهِ إِلاَّ وَازِنَةٌ، وَهِيَ تَجْرِي فِيهِ عَدَدًا بِغَيْرِ وَزْنٍ، فَانْتَفَعَ بِمَا قَطَعَ مِنْهَا، وَيُنْفِقُهَا بِغَيْرِ وَزْنٍ فَتُجْرَى مَجْرَى الْوَازِنَةِ، فَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ ذَلِكَ جُرْحَةٌ، وَلَوْ قَطَعَهَا وَكَانَ التَّبَايُعُ بِهَا بِالْمِيزَانِ فَلاَ خِلاَفَ أَنَّ التَّبَايُعَ بِهَا لَيْسَ بِجُرْحَةٍ، وَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَذَلِكَ مَكْرُوهٌ.
أَمَّا قَطْعُ الدَّرَاهِمِ لِصِيَاغَتِهَا حُلِيًّا لِلنِّسَاءِ، فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْطَعَ الرَّجُلُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ حُلِيًّا لِبَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ.
وَقَدْ مَنَعَ الإْمَامُ أَحْمَدُ أَنْ تُقْطَعَ لِلصِّيَاغَةِ، قَالَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ - وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الرَّجُلِ يَقْطَعُ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ يَصُوغُ مِنْهَا - قَالَ: لاَ تَفْعَلْ، فِي هَذَا ضَرَرٌ عَلَى النَّاسِ، وَلَكِنْ يَشْتَرِي تِبْرًا مَكْسُورًا بِالْفِضَّةِ.
إِنْفَاقُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ :
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إِنْفَاقِ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ.
فَأَجَازَ الْحَنَفِيَّةُ الشِّرَاءَ بِالدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ وَلاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا، بَلْ يَتَعَلَّقُ بِجِنْسِ تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا خَاصَّةً لأِنَّهُ رَضِيَ بِجِنْسِ الزُّيُوفِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لاَ يَعْلَمُ لاَ يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِجِنْسِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَيِّدِ مِنْ نَقْدِ تِلْكَ الْبَلَدِ، لأِنَّهُ لَمْ يَرْضَ إِلاَّ بِهِ إِذَا كَانَ لاَ يَعْلَمُ بِحَالِهَا.
وَيُجِيزُ الْمَالِكِيَّةُ ذَلِكَ بِشَرْطِ أَنْ تُبَاعَ لِمَنْ لاَ يَغُشُّ بِهَا النَّاسَ بَلْ لِمَنْ يُكَسِّرُهَا وَيَجْعَلُهَا حُلِيًّا أَوْ غَيْرَهُ.
فَإِنْ بَاعَ لِمَنْ يَغُشُّ بِهِ فُسِخَ الْبَيْعُ.
وَفِي مُغْنِي الْمُحْتَاجِ إِنْ عُلِمَ مِعْيَارُ الْفِضَّةِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ صَحَّتِ الْمُعَامَلَةُ بِهَا مُعَيَّنَةً، وَفِي الذِّمَّةِ اتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ مَجْهُولاً فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، أَصَحُّهَا الصِّحَّةُ مُطْلَقًا، لأِنَّ الْمَقْصُودَ رَوَاجُهَا وَهِيَ رَائِجَةٌ، وَلِحَاجَةِ الْمُعَامَلَةِ بِهَا.. ثُمَّ قَالَ: وَمَنْ مَلَكَ دَرَاهِمَ مَغْشُوشَةً كُرِهَ لَهُ إِمْسَاكُهَا بَلْ يَسْبِكُهَا وَيُصَفِّيهَا، قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ: إِلاَّ إِنْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ مَغْشُوشَةً فَلاَ يُكْرَهُ إِمْسَاكُهَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الْغِشُّ يَخْفَى لَمْ يَجُزِ التَّعَامُلُ بِهَا رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ: الْمَنْعُ وَالْجَوَازُ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي: (صَرْفٌ، رِبًا، غِشٌّ).