مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الثالث، الصفحة : 139
مذكرة المشروع التمهيدي:
تؤثر الحوالة التي تنعقد بين المدين والمحال عليه في مصالح الدائن وهذه العلة تقتصر آثارها ولا تنفذ في حقه إلا إذا أقرها (المادة 444 فقرة 2).
وقد واجهت الفقرة الثانية من المادة 446 حالة من أحوال الإساءة أو التعسف في استعمال الحق في المادة 6 من المشروع، نعرض عند امتناع الدائن عن إقرار الحوالة، مع أن حقه يظل مكفول الوفاء بعد انعقادها، وفي هذه الحالة يعتبر امتناعه أو رفضه، كأن لم يكن، وتنفذ الحوالة رغم ذلك، وقد أخذ هذا الحكم عن الشريعة الإسلامية (مذهب المالكية) وهي تجري على إعماله، في نطاق أوسع كما سيأتي بيان ذلك .
وللدائن أن يلتزم السكوت، وقد عمد المشروع إلى إلزامه بإعلان إقراره أو رفضه، في أجل معقوله بدأ سريانه من وقت علمه بالحوالة، ويراعى أن المشروع قد آثر تطبيق القواعد العامة في انعقاد العقود في هذا الشأن على نقيض ما فعل تقنين الالتزامات السويسري (المادة 177 منه).
ولاستكمال أحكام نظام الحوالة هيأ المشروع للمدين والمحال عليه وسيلة لحث الدائن على قرار الحوالة أو رفضها لجعل لكليهما أن يعلن الحوالة للدائن، وأن يضرب له أجلاً للإفصاح عما يعتزم في شأنها، فإذا بقي على سكوته اعتبر ذلك بمثابة رفض الحوالة .
وتجيز الشريعة الإسلامية انعقاد الحوالة بين المدين الأصلي والغير، بيد أن مثل هذه الحوالة لا تترتب آثارها إلا عند إقرار الدائن لها.
والمشهور عند الحنفية هو ضرورة رضاء الدائن، ومن رأيهم أن قوله عليه السلام في الحديث, فإذا أحيل أحدكم على ملئ فليحتل، يفيد في ظاهره معنى الأمر، ولكنه أمر استحباب أو إباحة ، لأن المدينين رغم يسارهم قد تتفاوت ذمهم، في حسن القضاء والمطل، ولهذه العلة قد يحرص الدائن على عدم إبدال مدینه، ويضيف ابن الهمام إلى ذلك أن الدائن قد يصار إذا أجبر على استيفاء دينه من مدين لا يوفيه فتح القدير ج6 ص 347 والكاسانی ج6 ص16)، ولم يعرض مرشد الحيران لهذه الألة ، ولكن المادة 683 من المجلة نصت صراحة على أن, الحوالة التي أجريت بين المحيل والمحال عليه تعقد موقوفة على قبول المحال له .
والواقع أن تعاقد المدين والمحال عليه يعتبر، في اصطلاح الفقه الحنفي، عقداً موقوفاً، وهو بهذه المثابة غير لازم بالنسبة لكل من المتعاقدين (أنظر الكاساني، البدائع ، ج5 ص 178)، ولم يرد المشروع أن يلتزم حدود هذا التصوير، ولو أن له شبيهاً في أحكام التقنين الصيني في (المادة 302)
أما الحنابلة فلا يشترطون رضاء الدائن، و لمذهبهم في هذه الناحية طابع خاص، فن رأيهم - فيما عدا حالة الإعسار - أن الأمر المستفاد من الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه أم وجوب ينطوي على تكليف الدائن باستیفاء حقه من قبل تحمل الدين، مادام المدين الأصلي قد أحال عليه، ويعتبر الدائن وفقاً لهذا الرأي غير محق في الممانعة في اتفاق لا يضار منه، فإن فعل كان متعنتاً، وكان للقاضي أن يجبره على إمضاء حكم هذا الاتفاق، إن اقتضى الحال ذلك ( منصور ابن إدريس ، كشاف القناع ، ج 2 ص 187)
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المواد 444 و 446 و 447 من المشروع، فاقترح معالي السنهوري باشا نقل الفقرة الثانية من المادة 444 لتكون جزءاً من الفقرة الأولى من المادة 446 لأن هذا هو المكان المناسب، كما اقترح حذف الفقرة الأولى من المادة 446 لأنها مجرد تكرار للفقرة الثانية من المادة 444 الأصلية التي أدمجت في هذه المادة، وإدماج الفقرة الثانية في الفقرة الأولى تتمة للحكم المنصوص عليه في هذه الفترة، واقترح أيضاً إضافة عبارة، دون مبرر، بعد لفظ و للدائن لزيادة الإيضاح فلا يكون رفض الدائن تعسفياً واقترح إدماج المادة 447 کفقرة ثانية في المادة 446 للصلة الوثيقة مابين الحكمين - فوافقت اللجنة على كل ذلك، وأصبح نص المادة النهائي مايأتي :
1-تكون الحوالة نافذة في حق الدائن إلا إذا أقرها، على أنه لا يجوز للدائن دون مبرر أن يرفض الإقرار إذا كان حقه بعد الحوالة مكفول الوفاء .
2 - وإذا قام المحال عليه أو المدين الأصلي بإعلان الحوالة إلى الدائن وعين له أجلاً معقولاً ليقر الحوالة ثم انقضى الأجل دون أن يصدر الإقرار اعتبر سکوی الدائن رفضاً للحوالة.
وأصبح رقم المادة 328 في المشروع النهائي.
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 328.
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
حضر الجلسة الرابعة والعشرين تليت المادة 328 فاعترض سعادة الرئيس على هذه المادة ورفض قبول نظرية إجبار الدائن على قبول الجوالة ولو كان الحق بعد الحوالة مكفول الوفاء .
فرد معالي السنهورى باشا على هذا الاعتراض بأن هذه النظرية تتضمن قاعدة شرعية وردت في حديث شريف عن النبي :
, فإذا أحيل أحدكم على مليء فليحتل .
فقال سعادة الرئيس وشاركه في رأيه العشماوي باشا إن مجال تطبيق القاعدة الشرعية قد تغير الآن فأصبحت النفوس مليئة بالشر والمسكر فهناك أشخاص أغنياء لا يمكن التعامل معهم وبالتالي لا يمكن اقتضاء الحقوق منهم .
وعلى ذلك اقترح سعادته حذف عبارة، على أنه لا يجوز للدائن دون مبرر أن يرفض الإقرار إذا كان حقه بعد الحوالة مكفول الوفاء، من الفقرة الأولى .
ووافقت اللجنة على هذا الاقتراح وبذلك يصبح نص المادة كالآتي :
مادة 328 -1- لاتكون الحوالة ناقدة في حق الدائن إلا إذا أقرها .
2 - وإذا قام المحال عليه أو الدين الأصلي بإعلان الحوالة إلى الدائن وعين له أجلاً معقولاً ليقر الحوالة ثم انقضى الأجل دون أن يصدر الإقرار اعتبر سکوت الدائن رفضاً للحوالة .
تقرير اللجنة :
حذفت من الفقرة الأولى عبارة على أنه لا يجوز للدائن دون مبرر أن يرفض الإقرار إذا كان حقه بعد الحوالة مكفول الوفاء لأن هذه العبارة تفتح باب المنازعات، وقد تسبب أضراراً كبيرة للدائن الذي ارتضى أن يعامل المدين دون غيره لأسباب متعددة، رأت اللجنة أن من الأنسب لذلك كله سد هذا الباب، وهذا لا تكون حوالة المدين نافذة إلا إذا أقرها الدائن .
وأصبح رقم المادة 316 .
مناقشات المجلس :
وافق المجلس على المادة كما عدلتها اللجنة .
1 ـ مفاد المواد 315، 316، 321 من القانون المدني أن حوالة الدين تتحقق إما بإتفاق بين المدين الأصلي والمحال عليه الذي يصبح بمقتضاه مديناً بدلاً منه، ولا ينفذ فى مواجهة الدائن بغير إقراره، وإما بإتفاق بين الدائن والمحال عليه بغير رضاء المدين الأصلي.
(الطعن رقم 606 لسنة 43 جلسة 1978/04/19 س 29 ع 1 ص 1031 ق 204)
2 ـ تقرير وزارة التربية و التعليم إعانة مالية للمدارس الخاصة - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هو بمثابة هبة تمنحها الوزارة لهذه المدارس لاعتبارات تتصل بأداء رسالة التعليم فلا تلزم إلا طرفيها ولا يتأدى من تقريرها أو تخصيص جزء منها لسداد اشتراكات التأمين بمجرد تغيير شخص المدير بها، ولا ينبني على تعهد وزارة التربية والتعليم بسداد الاشتراكات انتقال الالتزام بها إلى هذه الوزارة طالما لم يتم الاتفاق فيما بين صاحب المدرسة الخاصة ووزارة التربية والتعليم على حوالة الدين إلى الأخيرة ولم تقر الطاعنة هذه الحوالة وفق ما تقضى به المادتان 315، 316 من القانون المدني.
(الطعن رقم 96 لسنة 48 جلسة 1983/11/07 س 34 ع 2 ص 1558 ق 304)
ويتبين من هذه النصوص أن إقرار الدائن للحوالة ضروري حتى تنفذ فى حقه.
فنبحث فى هذا الصدد مسائل أربعاً :
( 1 ) متى يصدر إقرار الدائن.
( 2 ) وكيف يصدر هذا الإقرار.
( 3 ) وإلى أى مدى يلتزم الدائن بإقرار الحوالة، وسنرى أنه حر فى الإقرار أو فى الرفض.
( 4 ) وما هو الأثر الذي يترتب على إقرار الدائن للحوالة أو على رفضه إياها.
متى بصدد إقرار الدائن : وإقرار الدائن كما رأينا ضرورى لنفاذ الحوالة فى حقه، حتى لا يتغير عليه المدين –وشخصه جوهري فى الدين - دون رضاه، والإقر إرادة منفردة تصدر من الدائن، ولا تنتج أثرها إلا إذا وصلت إلى علم من توجه إليه هذه الإرادة وفقاً للقواعد العامة، ونرى أنه يكفي أن يصل الإقرار إلى علم أي من المحال عليه أو المدين الأصلي لينتج أثره، ولا يجوز بعد ذلك لهذين الأخيرين أن يتفقا على العدول عن الحوالة أو التعديل فيها، ولكن قبول وصول الإقرار إلى علم أى منهما، يجوز لهما أن يتفقا معاً على أن يعدلوا عن الحوالة فلا يكون لها أثر حتى لو صدر إقرار الدائن بعد علمه بهذا العدول، ويجوز لهما كذلك أن يدخلا على الحوالة من التعديل ما يتفقان عليه .
ويصح أن يصدر الإقرار في أي وقت بعد انعقاد الحوالة، وليس من الضروري، فى التقنين المدني المصري، أن يتربص الدائن بإقراره حتى يعلنه المحال عليه أو المدين الأصلي بالحوالة، بل يجوز أن يقر الدائن الحوالة قبل أن يعلن بها، أما فى التقنين المدني الألماني فقد ورد نص صريح فى هذا الصدد يقضي بأن الدائن لا يجوز له أن يقر الحوالة إلا بعد أن يعلن بها، وذلك ليكون يبقى زمام الحوالة فى يد المدين الأصلي والمحال عليه، فيستطيعا أن يعدلا عنها أو يعدلا فيها قبل أن يعلناها للدائن.
إذن ليس فى التقنين المدني المصري بداية لميعاد صدور الإقرار إلا وقت انعقاد الحوالة، وكذلك ليس لهذا الميعاد نهاية، فيجوز للدائن أن يقر الحوالة فى أي وقت بعد انعقادها، على أنه يستطيع أي من المحال عليه أو المدين الأصلي أن يضع حداً لهذا الموقف غير المستقر، بأن يتولى إعلان الحوالة إلى الدائن ويعين له فى الوقت ذاته أجلاً معقولاً، يقدره هو تحت رقابة قاضي الموضوع، فإذا انقضى هذا الأجل دون أن يقر الدائن الحوالة، اعتبر سكوته رفضاً، وعند ذلك يبقى عقد الحوالة قائماً فى العلاقة ما بين المدين الأصلي والمحال عليه، منتجاً لالتزامات شخصية فيما بينهما، دون أن ينتقل الدين إلى ذمة المحال عليه فى العلاقة ما بينه وبين الدائن ، وسيأتي بيان ذلك.
كيف يكون الإقرار : والإقرار تعبير عن الإرادة، وليس له شكل خاص، فأي لفظ أو كتابة أو موقف يدل على رضاء الدائن بالحوالة يكفي، وقد يكون صريحاً كما يكون ضمنياً، ويكون إقرار الدائن للحوالة إقراراً ضمنياً إذا استوفى الدين أو جزءاً منه من المحال عليه دون تحفظ، أو قبل منه أي عمل آخر يقوم به على اعتبار أنه هو المدين.
ويثبت إقرار الدائن للحوالة بجميع الطرق، وفقاً للقواعد العامة، لأنه إرادة منفردة.
الدائن حر فى إقرار الحوالة أو فى رفضها : والقاعدة أن الدائن حر فى إقرار الحوالة أو رفضها، فإن أقرها انتقل بالنسبة إليه الدين من ذمة المدين الأصلى إلى ذمة المحال عليه كما سنرى، وإن رفضها بقى المدين الأصلى مديناً له كما كان ولم ينتقل الدين بالنسبة إلى الدائن من ذمة المدين الأصلى إلى ذمة المحال عليه، ولا شيء يجبر الدائن على إقرار الحوالة، مهما يكن المحال عليه مليئاً، حتى لو كان أكثر ملاءمة من المدين الأصلى ، أو كان له مال ظاهر أيسر فى التنفيذ عليه، فليس الدائن ملزماً أن يغير مدينه حتى إلى مدين أفضل، فهذا أمر يرجع تقديره إليه هو، وإذا رفض إقرار الحوالة فلابد أن يكون لديه من الأسباب ما يبرر فى نظره هذا الرفض، وهذا كاف ولا تعقيب عليه فى تقديره، بل هو لا يسأل عن أسباب رفضه.
وقد كان المشروع التمهيدى يتضمن حكماً يخالف هذا الحكم، فقد كانت المادة 446 من هذا المشروع تجري على الوجه الآتى : "
1 - إذا رفض الدائن الإقرار ، كانت الحوالة غير نافذة فى حقه .
2 - على أنه لا يجوز للدائن أن يرفض الإقرار ، إذا كان حقه بعد الحوالة مكفول الوفاء " . وكان يستفاد من هذا الحكم أن الدائن إذا أحيل بعد الحوالة مكفول الوفاء " . وكان يستفاد من هذا الحكم أن الدائن إذا أحيل على شخص ملئ مقتدر بحيث يكون حقه مكفول الوفاء ، فليس له ان يرفض إقرار الحوالة ، وإلا كان متعسفاً فى استعمال حقه فى الرفض ، فيرد عليه قصده . ولا حاجة فى هذه الحالة لإقراره ، بل لا عبرة برفضه ، لتكون الحوالة نافذة في حقه . ولما عرض هذا النص على لجنة مجلس الشيوخ ، قام اعتراض على فكرة إجبار الدائن على إقرار الحوالة ولو كان الحق بعد الحوالة مكفول الوفاء ، فوافقت اللجنة على حذف النص.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد/ الأول ، الصفحة/651)
متى تمت الحوالة على نحو ما تقدم، فإن العلاقة الناشئة عنها تظل قائمة فيما بين طرفيها إلى أن يقرها الدائن، فإن أقرها نفذت في حقه، وإن أحال المدين الأصلي الدين إلى أكثر من شخص فإن الحوالة التي تنفذ هي التي يقرها الدائن أولاً، وليس للإقرار وقت معين وإنما يبدأ من تاريخ الاتفاق على الحوالة ولكن لكل من المدين الأصلي والمحال عليه إعلان الدائن بالحالة ويحددا له أولاً مناسباً ليقرها بحيث إذا انقضى هذا الأجل دون أن يقرها اعتبر ذلك رفضاً منه للحوالة وتظل علاقته بالمدين الاصلي فلا يكن له مطالبة المحال عليه لعدم نفاذ الحوالة كما يجوز للدائن إقرار الحوالة متى علم بها ولو قبل إعلانه بها، والإقرار إما أن يكون صريحاً وإما أن يكون ضمنياً كما إذا استوفى الدين أو جزء منه عن المحال عليه دون تحفظ، وليس للإقرار شکل خاص ويتحقق بمطالبة المال عليه أو بإنذاره أو بتوقيع الحجز على أمواله أو بخطاب مسجل أو غير مسجل أو شفاهة، وإن رفض الدائن الحوالة فلا يجوز له العودة إلى إقرارها.
والإقرار إرادة منفردة، يجب حتى تنتج أثرها أن تصل إلى علم المدين الاصلي أو المحال عليه، ومتى أقر الدائن الحوالة، نفذت في حقه بأثر رجعي منذ وقت انعقاد الحوالة راجع م 322، فلا يكون للمدين الأصلي والمحال عليه الرجوع في الحوالة أو تعديلها بمجرد وصول الإقرار لأيهما.
وقد تتم الحوالة باتفاق بين الدائن والمدين الأصلي والمحال عليه، فتنفذ الأحوال في هذه الحالة فور هذا الاتفاق.
ويترتب على نفاذ الحوالة، براءة ذمة المدين الأصلي من الدين فلا يكون للدائن إلا مطالبة المحال عليه، وتبرأ ذمة المدين الأصلى اعتباراً من تاريخ انعقاد الحوالة بحيث إذا أعسر المحال عليه بعد ذلك فلا يكون للدائن الرجوع على المدين الاصلي إذا برئت ذمته نهائياً «أنظر م 319، وينتقل الدين للمحال عليه بصفاته وضماناته ودفوعه، فيظل الشرط أو الأجل وأن كان الدين تجارياً فيظل كذلك وتسرى الفوائد بذات السعر أن كانت هناك فوائد ويظل التقادم سارياً بالنسبة له إلى أن يرد عليه وقف أو انقطاع، وينتقل الدين للمحال عليه من وقت انعقاد الحوالة .(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ الخامس ، الصفحة/ 215)
تنص المادة على أن: تتم حوالة الدين باتفاق بين المدين وشخص آخر يتحمل عنه الدين".
أي أن الحوالة تتم بإيجاب وقبول بين المدين والشخص الآخر الذي يتحمل الدين وتخضع هذه الحوالة كغيرها من العقود القواعد العامة في نظرية العقد ولذلك يشترط لانعقادها توافر أركان الاتفاق وشروط صحته.
فمن حيث التراضي ينبغي وجود تراض صادر عن ذي أهلية وخال من العيوب، ومن حيث المحل، فإنه ينبغي أن يتوافر في الدين المحال به الشروط القانونية الواجب توافرها في المحل طبقاً للقواعد العامة وترد الحوالة على جميع الديون أياً كان محلها، سواء كانت منجزة أو مؤجلة أو معلقة على شرط، بل يمكن أن ترد على الدين المستقبل.
أما من حيث السيب فإنه يجب أن يكون سبب التزام المحال عليه موجوداً، وأن يكون الباعث الدافع عليها مشروعاً.
ويصبح المحال عليه ملتزماً بهذا الاتفاق ولا يجوز له الرجوع فيه إلا باتفاق آخر بينه وبين المدين الأصلي شريطاً أن يتم هذا الرجوع قبل قبول الدائن الحوالة.
والحوالة قد تتم معاوضة وقد تتم مجاناً فهي تكون معاوضة في حالتين :
1- إذا كان المحال عليه مديناً للمحيل، وقد قصد بقبوله الحوالة أن ينقضي دينه مقابل وفائه بالدين المحال به.
2- إذا انصرفت نية المحال عليه إلى الرجوع على المحيل بما وفاه للدائن، وقد تتم الحوالة على سبيل التبرع، وذلك إذا لم يقصد المحال عليه بقبوله الحوالة إلا انقضاء دين عليه المحيل ولا الرجوع بما وفاء.
لا تنفذ الحوالة في حق الدائن إلا إذا أقرها - كما سنرى في البند التالي - ومن ثم فإنه قبل إقرار الدائن لها لا يكون لها ثمة أثر إلا في العلاقة ما بين طرفيها.
ومؤدى ذلك أن هذه الحوالة لا تغير في وضع المدين الأصلي إزاء الدائن، فيظل هذا المدين ملزماً بالوفاء إلى الدائن ولا يترتب على الحوالة التي تمت بينه وبين المدين الجديد إبراء ذمته من الدين ولا أن يصبح له حق في إحالة الدائن - إذا ما طالبه- إلى المدين الجديد وإلا حق طلب وقف هذه المطالبة لتجريد المدين الجديد.
أما في جانب المدين الجديد فإن هذه الحوالة تنشئ التزاماً إزاء المدين الأصلي بأن يفي للدائن في الوقت المناسب بين ذلك المدين ما لم يتفق في الحوالة على أن لا يلزم المدين الجديد بذلك إلا إذا أقر الدائن الحوالة.
وطالما أن الدائن لم يقر الحوالة التي تمت بهذه الصورة، لا يتعلق له حق بها، وتبقى هي ملكاً لطرفها، فيجوز لهما أن يعدلا فيها أو أن يعدلا عنها باتفاقهما دون أن يجوز للدائن الاعتراض على ذلك .
لا تنفذ الحوالة في حق الدائن إلا إذا أقرها، فإقرار الدائن ضروري لنفاذ الحوالة في حقه، فشخصية المدين جوهرية في نظر الدائن، ومن ثم فإنه لا يتغير إلا بإقراره، وإذن فلا يكفي إعلان الدائن بحوالة الدين، على عكس الحال في حوالة الحق حيث يكفي إعلان المدين، فالدائن لا يجبر على تغيير مدينه، بل إن الخيار له بين إقرار الحوالة أو رفضها.
على أنه إذا شاء الدائن أن يقر الحوالة، فإن إقراره لا يعتبر قبولاً ينعقد به عقد جديد يرتب آثاره من وقت الإقرار، بل إن إقرار الدائن يرد على عقد تم تكوينه باتفاق طرفيه المدين الأصلي والمحال عليه، ولذلك فالرأي السائد أن للإقرار أثراً رجعياً يستند إلى وقت انعقاد الحوالة.
ويصدر إقرار الدائن، بداهة بعد الحوالة ويعتبر تصرفاً قانونياً من جانب واحد، ويخضع من ثم للقواعد العامة في التصرف القانوني ولا ينتج أثره إلا بوصوله إلى علم الموجه إليه.
وإقرار الدائن للحوالة قد يكون صريحاً أو ضمنياً، ومن صور الإقرار الضمني أن يقبل الدائن من المحال عليه، مع علمه بالحوالة ودون تحفظ الوفاء ببعض الدين أو بالفوائد المستحقة عنه، ومن ذلك أيضاً أن يطالب الدائن المحال عليه بأداء الدين، أو أن يمنحه أجلاً للوفاء به.
ولا يشترط لصحة إقرار الدائن للحوالة أن يكون قد سبق إعلانه بها، بل اللدائن إذا ما علم بالحوالة أن يقرها ولو لم تكن قد أعلنت إليه بعد .
ولا يشترط في إقرار الدائن للحوالة شكل خاص، كما أنه ليس لهذا الإقرار موعد محدد فيستطيع الدائن أن يقر الحوالة في أي وقت مادامت قائمة لم يعدل عنها طرفاها.
أنه ليس لقبول الدائن للحوالة أجلاً معيناً، وأنه يجوز له قبولها في أي وقت طالما أن الحوالة قائمة لم يعدل عنها، غير أن المشرع رأى أن الدائن قد يتعسف في استعمال حقه في قبول الحوالة فيمتنع عن إقرارها فأجازت للمحال عليه أو المدين الأصلي إعلان الحوالة إلى الدائن، وتعيين أجل معقول ليقر الحوالة، فإذا انقضى الأجل دون أن يصدر الإقرار، اعتبر سكوت الدائن رفضاً للحوالة.
ولا يشترط أن يكون الإعلان رسمياً كما أن قاضي الموضوع هو الذي يفصل في معقولية الأجل المحدد إذا ما ثار نزاع في شأنه.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الرابع ، الصفحة/ 266)
إذا انعقدت الحوالة بالاتفاق بين الدين الأصلي والمدين الجديد دون قبول الدائن إياها لم يكن لها أثر إلا في العلاقة ما بين طرفيها.
ومؤدى ذلك أن هذه الحوالة ألا تغير في وضع المدين الأصلي ازاء الدائن، فيظل هذا المدين ملزما ًبالوفاء إلى الدائن ولا يترتب على الحوالة التي تمت بينه وبين الدين الجديد إبراء ذمته من الدين ولا أن يصبح له حق في احالة الدائن - اذا ما طالبه - إلى المدين الجديد ولا حق طلب وقف هذه المطالبة لتجريد المدين الجديد.
أما في جانب المدين الجديد فإن هذه الحوالة تنشئ التزاماً ازاء الدين الأصلي بأن يفي للدائن في الوقت المناسب دين ذلك المدين ما لم يتفق في الحوالة على أن لا يلزم الدين الجديد بذلك إلا اذا أقر الدائن الحوالة ( المادة 317 فقرة أولى) ، فحينئذٍ لا ينشأ هذا الالتزام إلا إذا تحقق ذلك الإقرار، ومعنى الوفاء في الوقت المناسب هو الوفاء وقت حلول أجل الدين لا قبله.
فإذا طالب الدائن المدين الأصي تعين على هذا أن يوفي الدين، ويكون له بعد ذلك أن يرجع على المدين الجديد بما وفى وبالفوائد والمصروفات وبالتعويض إن كان له مقتض، غير أنه يشترط في هذا الرجوع أن يكون الدين الأصلي قد وف أيضاً - أو على الأقل أن يكون مستعداً للوفاء - بما التزم به نحو المدين الجديد (المحال عليه) بمقتضى عقد الحوالة، وألا جاز للأخير دفع المطالبة الموجهة إليه بالدفع بعدم التنفيذ ( المادة 317 فقرة ثانية) .
وطالما أن الدائن لم يقر الحوالة التي تمت بهذه الصورة، لا يتعلق له حق بها، وتبقى هي ملكاً لطرفيها فيجوز لهما أن يعدلا فيها أو أن يعدلا عنها باتفاقهما دون أن يجوز للدائن الاعتراض على ذلك .
تنص المادة 316 على أن لا تكون الحوالة نافذة في حق الدائن إلا اذا أقرها، واذا قام المحال عليه أو المدين الأصلي بإعلان الحوالة إلى الدائن، وعين له أجلاً معقولاً ليقر الحوالة ثم انقضى الأجل دون أن يصدر الإقرار، اعتبر سكوت الدائن رفضاً للحوالة» .
والمقصود بنفاذ الحوالة في حق الدائن إمكان الاحتجاج عليه بآثارها وإجازة تمسكه بها على طرفيها، بمعنى أن انتقال الدين من المدين الأصلي إلى المدين الجديد يكون سارياً في مواجهة الدائن فتبرأ ذمة الأول ويصبح الثاني هو وحده المدين للدائن، وأن الدائن يجوز له أن يتمسك على المدين الجديد بهذه الحوالة فيطالبه بالدين دون أن يستطيع هذا إحالته على الدائن الأصلي.
ويبين من النص أنه يشترط في ترتب هذا الأثر على الحوالة التي تتم باتفاق المدين الأصلي والمدين الجديد القرار الدائن هذه الحوالة، والإقرار يتم بتعبير الدائن من موافقته على الحوالة ووصول هذا التعبير إلى علم المحيل أو المحال عليه سواء كان هذا التعبير صريحاً أو ضمنياً، ويعتبر وصول التعبير إلى موطن أحدهما قرينة على علمه به، وإلى أن يتم ذلك لا تبرأ ذمة المدين الأصلي من الدين ويجوز للمحيل والمحال عليه أن يعدلا عن الحوالة باتفاقهما فيمتنع بذلك على الدائن إقرارها أو مطالبة المدين الجديد بالدين.
ومن المقرر أن الدائن يجوز له إقرار الحوالة إذا أعلن بها أو علم بها قبل الإعلان، ويستوي أن يكون إعلان الدائن بالحوالة صادراً من الدين المحيل أو من المحال عليه، بل يجوز في القانون المصري أن يقر الدائن الحوالة بمجرد علمه بها ولو لم تعلن إليه ( المادة 314 / 1 مدني).
ولا يشترط أن يتم الإعلان في شكل معين، فيمكن أن يكون بخطاب مؤدي عليه، وكما يكون صريحاً يصح أن يكون ضمنياً إذا كانت أفعال الدين أو المحال عليه قاطعة الدلالة على ذلك، فاذا صرح الحال عليه في مواجهة الدائن أنه سيدفع دين المرتهن بالكامل، فإن هذا يعتبر إعلاناً بالحوالة إذا دلت الظروف على أن المحال عليه يريد أن يلتزم کمدین شخصي في مواجهة الدائن.
والدها وإذا تلقى الدائن إعلاناً بالحوالة ثبت له الحق في إقرارها في أي وقت شاء، فلا يتعين عليه أن يستعمل خياره في فترة معينة، فيستطيع أن يقر الحوالة أو أن يرفضها ولو بعد مرور عدة سنوات على اعلانه بها.
فإذا كان للمدين أو للمحال عليه مصلحة في تعجيل تحديد موقف الدائن من إقرار الحوالة أو رفضها، فقد أجازت المادة 316/2 مدني لكل منهم أن يعلن الدائن بالحوالة محدداً له مدة معقولة ليجد إقراره قبل نهايتها، فإذا انتهت هذه المدة دون أن بيدي الدائن إقراره، عدا ذلك منه رفضاً للحوالة وذلك لأن الحوالة يحتمل أن تغير الدائن فلا يفرض فيه إقرارها ويكون حمل سكوته على أنه رفض أولى من حمله على أنه قبولـ والمقصود بأن تكون المدة التي تحدد لإقرار الدائن الحوالة خلالها معقولة هو تفادي تحديد مدة قصيرة لا تتيح للدائن تدبر أمره وإقرار الحوالة، فيعتبر عدم إقراره رفضاً للحوالة، فإذا هدد كل من طرفي الحوالة في إعلان الدائن مدة معقولة، فالعبرة في هذه الحالة بالمدة التي تنقضي أولاً، وإذا كانت المدة التي حددها أحد الطرفين غير معقولة بأن كانت طويلة جداً أو قصيرة جداً، فتكون العبرة بالمدة المعقولة التي حددها الطرف الآخر، وإذا كانت كلتا المادتين غیر معقولة، فيكون الحكم كما لو لم تحدد مدة ما، ويستطيع الدائن أن يقر الحوالة في أي وقت شاء.
وإقرار الدائن الحوالة يكون بإعلان إرادته بموافقته على حوالة الدين التي تمت بين الدين الأصلي والمحال عليه وقبوله نفاذ آثارها في حقه، ويستطيع الدائن أن يوجه الإقرار إلى أي من طرفي الحوالة سواء أكان الطرف الذي أعلنه بالحوالة أو الطرف الآخر.
ولا يتطلب القانون في إقرار المدائن أي شكل معين ما فيكفي فيه أي أخطار من الدائن لأحد المتعاقدين سواء المحيل أو المحال عليه بأنه يقر الحوالة التي تمت بينهما ويقبل آثارها.(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السادس الصفحة/ 659)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثامن عشر ، الصفحة / 183
رِضَا الْمُحَالِ:
35 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ رِضَا الْمُحَالِ لِلْمَعْنَى نَفْسِهِ الآْنِفِ فِي رِضَا الْمُحِيلِ، وَلأِنَّ الدَّيْنَ حَقُّهُ، فَلاَ يَنْتَقِلُ مِنْ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ إِلاَّ بِرِضَاهُ، إِذِ الذِّمَمُ تَتَفَاوَتُ يَسَارًا وَإِعْسَارًا، وَبَذْلاً وَمَطْلاً، وَتَتَأَثَّرُ بِذَلِكَ قِيمَةُ الدَّيْنِ نَفْسِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إِلَى إِلْزَامِهِ بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ.
وَاشْتَرَطَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ أَنْ يَكُونَ هَذَا الرِّضَا فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ، حَتَّى إِذَا كَانَ غَائِبًا عَنِ الْمَجْلِسِ ثُمَّ بَلَغَهُ خَبَرُ الْحَوَالَةِ فَأَجَازَهَا، لَمْ تَنْفُذِ الْحَوَالَةُ، لأِنَّهَا لَمْ تَنْعَقِدْ أَصْلاً إِذْ أَنَّ رِضَا الْمُحَالِ عِنْدَهُمَا رُكْنٌ فِي انْعِقَادِهَا. أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَيُكْتَفَى مِنْهُ بِمُجَرَّدِ الرِّضَا، أَيْنَمَا كَانَ وَلَوْ خَارِجَ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، فَيَكُونُ شَرِيطَةَ نَفَاذٍ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلاَ يُوجِبُونَ رِضَا الْمُحَالِ، إِلاَّ عَلَى احْتِمَالٍ ضَعِيفٍ عِنْدَهُمْ. بَلْ يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَى الْقَبُولِ، إِذَا كَانَ الْمُحَالُ عَلَيْهِ مَلِيئًا غَيْرَ جَاحِدٍ وَلاَ مُمَاطِلٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ: يُسْتَغْنَى بَتَاتًا عَنْ قَبُولِ الْمُحَالِ، فَإِنْ قَبِلَ فَذَاكَ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ فَلاَ بَأْسَ، وَالْحَوَالَةُ نَافِذَةٌ بِرَغْمِهِ.
قَالَ صَاحِبُ الإْنْصَافِ: فِي رِوَايَةٍ عَنِ الإْمَامِ أَحْمَدَ: لاَ يَبْرَأُ الْمُحِيلُ إِلاَّ بِرِضَا الْمُحَالِ. فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ، لَكِنْ تَنْقَطِعُ الْمُطَالَبَةُ بِمُجَرَّدِ الْحَوَالَةِ. وَقِيلَ: يَتَوَجَّهُ أَنَّ لِلْمُحَالِ مُطَالَبَةُ الْمُحِيلِ قَبْلَ إِجْبَارِ الْحَاكِمِ.
وَمَبْنَى الرِّوَايَتَيْنِ: أَنَّ الْحَوَالَةَ هَلْ هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ أَوْ تَقْبِيضٌ؟ فَإِنْ قُلْنَا: هِيَ نَقْلٌ لِلْحَقِّ، لَمْ يُعْتَبَرْ لَهَا قَبُولٌ. وَإِنْ قُلْنَا: هِيَ تَقْبِيضٌ، فَلاَ بُدَّ مِنَ الْقَبْضِ بِالْقَوْلِ، وَهُوَ قَبُولُهَا. فَيُجْبَرُ عَلَيْهِ الْمُحَالُ. ا هـ.
وَاسْتَدَلَّ الْحَنَابِلَةُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ: قَالَ صلي الله عليه وسلم : «مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ، وَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَتْبَعْ». وَيُفَسِّرُهُ لَفْظُ أَحْمَدَ وَابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: «وَمَنْ أُحِيلَ عَلَى مَلِيءٍ فَلْيَحْتَلْ». فَقَدْ أَمَرَ صلوات الله عليه الدَّائِنَ بِقَبُولِ الْحَوَالَةِ أَوِ الاِلْتِزَامِ بِمُقْتَضَاهَا، وَالأْمْرُ بِأَصْلِ وَضْعِهِ لِلْوُجُوبِ، وَلَيْسَ هُنَا مَا يَصْرِفُهُ عَنْ هَذَا الأْصْلِ.
كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْمَعْقُولِ: فَإِنَّ الدَّائِنَ الَّذِي يُهَيِّئُ لَهُ مَدِينُهُ مِثْلَ دَيْنِهِ عَدًّا وَنَقْدًا مِنْ يَدٍ أُخْرَى فَيَأْبَى أَنْ يَأْخُذَهُ، وَيُصِرُّ عَلَى أَنْ يَنْقُدَهُ إِيَّاهُ مَدِينُهُ بِالذَّاتِ، لاَ يَكُونُ إِلاَّ مُتَعَنِّتًا مُعَانِدًا.
لُزُومُ الْحَوَالَةِ:
100 - الْحَوَالَةُ عَقْدٌ لاَزِمٌ دُونَ خِلاَفٍ، وَلَكِنْ قَبُولُهَا لِلْخِيَارَاتِ مَحَلُّ اخْتِلاَفٍ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، فَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ يُقِرُّونَ أَنَّهَا لاَ تَقْبَلُ الْخِيَارَاتِ إِلاَّ أَنَّ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبَيْنِ مَنْ أَجَازَ فِيهَا خِيَارَ الْمَجْلِسِ - وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ صَاحِبُ «الْمُهَذَّبِ» مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: (لاَ يَجُوزُ خِيَارُ الشَّرْطِ فِيهِ - أَيْ عَقْدِ الْحَوَالَةِ) - لأِنَّهُ لَمْ يُبْنَ عَلَى الْمُغَابَنَةِ، فَلاَ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ. وَفِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَثْبُتُ، لأِنَّهُ بَيْعٌ، فَيَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَالصُّلْحِ.
الثَّانِي: (وَهُوَ الأْصَحُّ) لاَ يَثْبُتُ، لأِنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى الإْبْرَاءِ، وَلِهَذَا لاَ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، فَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فَهُوَ جَازِمٌ - كَمَا يَظْهَرُ مِنْ كَلاَمِهِ - بِعَدَمِ قَبُولِ الْحَوَالَةِ خِيَارَ الشَّرْطِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ يَشْتَرِطُونَ لِلُزُومِ الْحَوَالَةِ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَنْ عِوَضٍ مَالِيٍّ، فَإِذَا اخْتَلَّتِ الشَّرِيطَةُ لَمْ تَكُنِ الْحَوَالَةُ لاَزِمَةً، وَعَنْهُمْ فِي بَعْضِ تَفْسِيرَاتِ الْمَذْهَبِ، أَنَّ يَسَارَ الْمُحَالِ عَلَيْهِ كَذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِ لُزُومِ الْعَقْدِ.
101 - وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْحَوَالَةَ مِنَ الْعُقُودِ اللاَّزِمَةِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ فَسْخُهَا أَوْ إِبْطَالُهَا مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ يُشْرَطْ لَهُ الْخِيَارُ. وَمُدَّةُ خِيَارِ الشَّرْطِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَيَّةُ مُدَّةٍ تُعْلَمُ نِهَايَتُهَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ.
وَقَدْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ لِمَنْ يَجِبُ رِضَاهُ فِي الْحَوَالَةِ، وَهُوَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُحَالُ وَالْمُحَالُ عَلَيْهِ فَحَسْبُ، كَمَا يَتَبَادَرُ مِنْ كَلاَمِ بَعْضِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ الْحَنَفِيَّةُ: إِذَا شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُحَالِ أَوِ الْمُحَالِ عَلَيْهِ أَوْ كِلَيْهِمَا، فَبَدَا لِهَذَا أَوْ ذَاكَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الْعَقْدِ فَذَلِكَ لَهُ، لأِنَّ أَحَدَ الشَّخْصَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا قَدْ يَجْهَلُ صَاحِبُهُ بَعْضَ جَهَالَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ تَقَصِّي أَحْوَالِهِ يَبْدُو لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْحَوَالَةَ لَيْسَتْ فِي مَصْلَحَتِهِ فَيُرَاجِعُ نَفْسَهُ قَبْلَ فَوَاتِ الأْوَانِ.
وَقَدْ لاَ يَجْهَلُ، وَلَكِنْ تَتَغَيَّرُ حَتَّى فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ الْقَصِيرَةِ، ظُرُوفُ الْمُحَالِ عَلَيْهِ إِلَى أَسْوَأَ، أَوِ الْمُحِيلِ إِلَى أَفْضَلَ، أَوْ يَقَعُ التَّغَيُّرَانِ كِلاَهُمَا، فَيُؤْثِرُ الْمُحَالُ أَنْ يَعُودَ مِنْ حَيْثُ بَدَأَ.
أَمَّا الْمُحِيلُ فَشَرْطُ الْخِيَارِ لَهُ أَصَالَةً بَيِّنٌ جِدًّا، عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ طَرَفٌ فِي الْعَقْدِ، فَقَدْ يَأْنَفُ بَعْدَ شَيْءٍ مِنَ الرَّوِيَّةِ - أَنْ يَتَحَمَّلَ عَنْهُ فُلاَنٌ دَيْنَهُ، وَقَدْ يَكُونُ ذَا صِلَةٍ خَاصَّةٍ بِالْمُحَالِ عَلَيْهِ، وَيَعْلَمُ أَنَّ فِيهِ ضَعْفًا، وَأَنَّ مَكَانَ الْمُحَالِ سَيَثْقُلُ عَلَيْهِ فَتَأْخُذُهُ بِهِ رَأْفَةٌ، وَيُعِيدُ الدَّيْنَ إِلَى نَفْسِهِ كَرَّةً أُخْرَى، ثِقَةً بِأَنَّهُ أَقْدَرُ عَلَى مُعَالَجَةِ صَاحِبِهِ.
وَانْفِسَاخُ الْحَوَالَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لأِمْرٍ عَارِضٍ كَالتَّوَى وَمَوْتِ الْمُحِيلِ فِي الْحَوَالَةِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ مُطْلَقًا - عَلَى الْخِلاَفِ عِنْدَهُمْ - لَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْحُكْمِ عَلَيْهَا بِأَنَّهَا عَقْدٌ لاَزِمٌ (ر: ف 138، 141).
102 - وَقَدْ أَفَادَ ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الْبَحْرِ نَقْلاً عَنِ الْخُلاَصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ الْحَوَالَةَ عَلَى ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ: لاَزِمَةٍ وَجَائِزَةٍ وَفَاسِدَةٍ.
فَاللاَّزِمَةُ: أَنْ يُحِيلَ الْمَدِينُ دَائِنَهُ عَلَى آخَرَ وَيَقْبَلَ الْحَوَالَةَ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُقَيَّدَةً أَمْ مُطْلَقَةً.
وَالْجَائِزَةُ: أَنْ يُقَيِّدَهَا بِأَنْ يُعْطِيَ الْمُحَالَ عَلَيْهِ الْحَوَالَةَ مِنْ ثَمَنِ دَارِ نَفْسِهِ، فَلاَ يُجْبَرُ الْمُحَالُ عَلَيْهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَبِلَ الْحَوَالَةَ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ عِنْدَ الْحَصَادِ، فَإِنَّهُ لاَ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الْمَالِ قَبْلَ الأْجَلِ.
وَالْفَاسِدَةُ: أَنْ يُقَيِّدَ فِيهَا الْمُحَالُ عَلَيْهِ بِالأْدَاءِ مِنْ ثَمَنِ دَارِ الْمُحِيلِ، لأِنَّهَا حَوَالَةٌ بِمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْوَفَاءِ بِهِ، وَهُوَ بَيْعُ دَارِ غَيْرِهِ، فَإِنَّ الْحَوَالَةَ بِهَذَا الشَّرْطِ لاَ تَكُونُ تَوْكِيلاً بِبَيْعِ دَارِ الْمُحِيلِ. (أَيْ لِكَيْ يَكُونَ بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ قَادِرًا عَلَى الْوَفَاءِ).
أثرُ الْحوالة في علاقة الْمُحال والْمُحال عليْه:
110 - اتّفق الْفُقهاءُ على أنّ الْحوالة تشْغلُ ذمّة الْمُحال عليْه بحقٍّ أنْشأتْهُ الْحوالةُ للْمُحال، وإن اخْتلفُوا في حقيقة هذا الاشْتغال: هلْ هُو انْتفاءُ الدّيْن، أو الْمُطالبةُ به، أوْ مُجرّدُ اشْتغال ذمّةٍ جديدةٍ دُون انْتقالٍ (كما في الْكفالة).
فالْمُهمُّ أنّ الْحوالة كما أحْدثتْ براءةً في ذمّة الْمُحيل على اخْتلافٍ في نوْع هذه الْبراءة ودرجتها، قدْ أحْدثتْ شُغْلاً في ذمّة الْمُحال عليْه.
ويتفرّعُ عنْ هذا الشُّغْل ما يلي:
أ - ثُبُوتُ ولايةٍ للْمُحال في مُطالبة الْمُحال عليْه:
111 - وهي مُطالبةٌ بديْنٍ ثابتٍ في ذمّة الْمُحال
عليْه (على الْمُصحّح في مذْهب الْحنفيّة منْ أنّ الْحوالة تنْقُلُ الدّيْن أيْضًا، لا الْمُطالبة وحْدها) أوْ هي مُطالبةٌ بديْنٍ ثابتٍ في ذمّة الْمُحيل بناءً على أنّها وثيقةٌ بالدّيْن ولا تنْقُلُ الدّيْن، سواءٌ أنقلت الْمُطالبة أمْ لا. وعلى كُلّ حالٍ فهذه الْولايةُ ليْستْ أثرًا مُباشرًا لصحّة الْحوالة بلْ بواسطة الأْثر السّابق: أعْني اشْتغال ذمّة الْمُحال عليْه بحقّ الْمُحال. (ومعْلُومٌ أنّهُ حين يكُونُ لهُ حقُّ مُطالبة الْمُحيل أيْضًا، بسبب اشْتراط عدم براءته، تكُونُ الْحوالةُ قدْ تجاوزتْ نطاقها وصارتْ كفالةً).
ثُمّ قدْ تسْقُطُ هذه الْولايةُ قبْل الإْيفاء - إمّا باخْتيار الْمُحال، وإمّا بغيْر اخْتياره.
فمن الْحالة الأُْولى - أنْ يُبرّئ الْمُحالُ الْمُحال عليْه إبْراء إسْقاطٍ، أوْ إبْراء اسْتيفاءٍ، وتُعْتبرُ هذه الأْخيرةُ إقْرارًا بالْوفاء.
ومن الْحالة الثّانية - أنْ يُقدّم الْمُحيلُ وفاء ديْنه، إذْ الْمُحالُ يُجْبرُ حينئذٍ على قبُول هذا الْوفاء.
وأمّا إجْبارُ الْمُحال على قبُول إيفاء ديْنه من الْمُحيل، فلمْ نجدْ أحدًا عدا الْمالكيّة، يُوافقُ عليْه بصريح الْعبارة أوْ ما يُشْبهُ صريحها، إلاّ إذا كان بسُؤالٍ من الْمُحال عليْه، لأنّهُ حينئذٍ نائبٌ عنْهُ في إقْباض الطّالب، أمّا الْمُبادرةُ التّلْقائيّةُ، فإنّ الْمُحيل يكُونُ بها مُتبرّعًا، حتّى إنّهُ لا يسْتحقُّ الرُّجُوع على أحدٍ - خلافًا للْحنفيّة - فهي منْهُ منّةٌ، ولا يُوجبُ أحدٌ قبُول الْمنن إذا اسْتثْنيْنا الْمالكيّة عنْد اللُّجُوء إلى الْقضاء: فهُمْ عنْدئذٍ فقطْ يُوافقُون الْحنفيّة على هذا الإْجْبار( ).
ب - ثُبُوتُ حقٍّ للْمُحال في مُلازمة الْمُحال عليْه:
112 - لا خلاف في هذا الْحقّ نفْسه، وإنْ كان قدْ يعْرضُ الْخلافُ في بعْض النّتائج الْمُترتّبة عليْه. فمن الْمُقرّر - مثلاً - أنّهُ إذا كان بالدّيْن أكْثرُ منْ ضامنٍ، وأُحيل عليْهمْ جميعًا، فإنّ للْمُحال - كما نصّ عليْه الشّافعيّةُ والْحنابلةُ - أنْ يُطالب كُلُّ واحدٍ منْهُمْ: إنْ شاء بجميع الدّيْن، وإنْ شاء ببعْضٍ منْهُ( ).
وإذنْ يتوجّهُ السُّؤالُ التّالي: إذا أحال الدّائنُ بديْنه على اثْنيْن كفلاهُ لهُ معًا، كما لوْ قال أحدُهُما: ضمنْتُ لك أنا، وهذا، ما لك على فُلانٍ، وقال الآْخرُ: نعمْ.
ففي الْمسْألة وجْهان: أحدُهُما: أنّهُ يُطالبُ كُلًّا منْهُما بجميع الدّيْن - ولنفْرض أنّهُ ألْفٌ - قياسًا على ما لوْ رهنا به بيْتهُما الْمُشْترك، فإنّ حصّة كُلٍّ منْهُما تكُونُ رهْنًا بجميع الأْلْف.
والثّاني: أنّهُ يُطالبُ كُلًّا منْهُما بخمْسمائةٍ لا غيْرُ، قياسًا على ما لو اشْتريا بيْتًا بألْفٍ، فإنّ الثّمن يكُونُ بيْنهُما مُناصفةً( ).
ج - عدمُ جواز امْتناع الْمُحال عليْه عن الدّفْع:
113 - يلُومُ الْمُحالُ عليْه بالأْداء إلى الْمُحال بمُقْتضى عقْد الْحوالة، وليْس لهُ الامْتناعُ سواءٌ أوقع الْتزامُ الدّفْع في الْحوالة بلفْظ الْحوالة أمْ بما في معْناها.
ويرى الْحنفيّةُ أنّهُ إذا تعلّل الْمُحالُ عليْه بعلّةٍ تُوجبُ براءة الْمُحيل، ليبْرأ هُو بذلك عن الدّفْع، فإنّهُ يُفرّقُ بيْن حالتيْن:
(الْحالةُ الأُْولى): حالةُ ادّعائه أمْرًا مُسْتنْكرًا، أوْ وُقُوفه موْقف الْمُتناقض.
وفي هذه الْحالة لا تُسْمعُ دعْواهُ، مثالُ ذلك: أنْ يزْعُم أنّ ديْن الْحوالة لا وُجُود لهُ أصْلاً على التّحْقيق، لأنّهُ ثمنُ خمْرٍ باعها مُسْلمٌ، أوْ لأنّهُ صداقُ امْرأةٍ نكاحُها فاسدٌ لكذا وكذا، فلا تُسْمعُ دعْواهُ، وإنْ كان معهُ بيّنةٌ لا تُقْبلُ، لأنّهُ أوّلاً يدّعي أمْرًا نُكْرًا ليْس بالظّاهر منْ شأْن الْمُسْلمين، ولأنّهُ ثانيًا مُتناقضٌ مع نفْسه: إذْ قبُولُهُ الْحوالة يُكذّبُ دعْواهُ.
(والْحالةُ الثّانيةُ): حالةُ عدم النّكارة والتّناقُض كليْهما.
وفي هذه الْحالة تُسْمعُ دعْواهُ، وتُقْبلُ بيّنتُهُ، لأنّهُ يدّعي مُشبّهًا، ويُبرْهنُ عليْه، مثالُ ذلك، أنْ يدّعي أنّ ديْن الْحوالة صداقُ امْرأةٍ كانتْ أبْرأتْ منْهُ زوْجها الْمُحيل، أوْ أنّ الزّوْج قدْ نقدها إيّاهُ بعْدُ، أوْ باعها به شيْئًا وأقْبضها.
وهكذا إذا كان الْمُحيلُ نفْسُهُ حاضرًا، وادّعى مُبرّئًا، ليبْرأ هُو أوّلاً، ثُمّ يبْرأ الْمُحالُ عليْه تبعًا، أعْني أنّهُ يكُونُ على النّحْويْن الآْنفيْن: إمّا مرْفُوضُ الدّعْوى، أوْ مقْبُولُ الْبيّنة( ).
___________________________________________________________________
الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الثالث المجلد/ الاول
انتقال الالتزام في الفقه الإسلامي : ويجدر بناء أن ننظر ، بعد هذه العجالة التاريخية ، ماذا كان موقف الفقه الإسلامي من انتقال الالتزام ، وما مدي التطور الذي بلغه في هذه المسألة ( ) .
يعرف الفقه الإسلامي الحوالة ، ومن أهم المميزات له في تنظيمها هو التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة ( ) . ويوجد في كل من الحوالتين دائن ومدين ثم أجنبي محال عليه ، وهذا الأجنبي المحال عليه هو الذي يتركز فيه التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة .
فإن كان هذا الأجنبي مدينا للمدين أو كان في يده له وديعة أو عين مغصوبة ، $ 421 $ وأراد المدين عن طريق الحوالة الوفاء بالدين الذي في ذمته للدائن بالحق الذي له في ذمة الأجنبي ، فهذه هي الحوالة المقيدة ( ) . وهل أقرب إلي أن تكون طريقا من طرق الوفاء بالدين من أن تكون حوالة بالمعني الدقيق . وتقرها المذاهب جميعا ، علي خلاف بينها في الصياغة القانونية سنذكره فيما يلي :
أما أن كان الأجنبي غير مدين للمدين ، أو كان مدينا ولكن لم تقيد الحوالة بهذا الدين في المذهب الحنفي ، فهذه هي الحوالة المطلقة . ويمكن في الحوالة المطلقة . أن نتصور أن المدين يريد أن يحيل دينه علي الأجنبي ، وهذه هي حوالة الدين بالمعني الدقيق ، ولا يسلم بها الفقه الإسلامي خلافا لما يقال عادة وهي عنده أقرب إلي أن تكون كفالة أو تجديداً ، من أن تكون حوالة للدين وقد قدمنا أن الكفالة في الفقه الإسلامي هي الأصل في التضامن ، والآن نراها الأصل أيضا في الحوالة . ويمكن كذلك في الحوالة المطلقة أن نتصور أن الدائن هو الذي يريد أن يحيل حقه للأجنبي ، وهذه هي حوالة الحق بالمعني الدقيق . وحوالة الحق أيضا لا يسلم بها الفقه الإسلامي بوجه عام ، خلافا لما يقال عادة . ذلك أن الحنفية والشافعية والحنابلة لا يسلمون بهذه الحوالة ، أما المالكية فيسلمون بها في حدود معينة .
وقبل أن نفصل ما أجملناه ، يحسن أن نشير إلي خطأين شائعين ينسبان إلي الفقه الإسلامي في خصوص الحوالة : ( أولا ) ما يرد ذكره عادة في الفقه والقضاء في مصر علي أنه حوالة الحق في الفقه الإسلامي إنما هو حوالة الدين لا حوالة الحق . ( ثانياً ) ليس صحيحاً أن الفقه الإسلامي عرف حوالة الدين ولم يعرف حواله الحق ، وإلا كان هذا بدعا في تطور القانون . فمن غير الطبيعي أن يعرف نظام قانوني حوالة الدين قبل أن يعرف حوالة الحق ، كما أنه من غير الطبيعي أن يسلم نظام قانوني بانتقال الدين بين الأحياء وهو لم يعترف بانتقاله بسبب الموت . فالفقه الإسلامي كان في توره طبيعيا كسائر النظم القانونية : $ 422 $ لم يعرف حوالة الدين ، لا بسبب الموت إذ الدين لا ينتقل إلي الورثة بل يبقي في التركة حتي تقوم بسداده ، ولا بين الأحياء إلا في صورة من صور الكفالة أو التجديد . وعرف حوالة الحق ، بسبب الموت حوالة كاملة إذ الحقوق الشخصية التي للتركة تنتقل إلي الورثة ، وبين الأحياء بقيود معينة وفي مذهب واحد هو المذهب المالكي ( ) .
والآن ننتقل الي تفصيل ما أجملناه ، في غير إطالة إذ لا يتسع المقام هنا للإسهاب . ونتناول حوالة الدين وهي المعنية بلفظ " الحوالة " في الفقه الإسلامي فإذا ذكرت الحوالة قصد بها حوالة الدين دون غيرها ، ثم حوالة الحق ولا يعرف الفقه الإسلامي هذا التعبير ويسمي حوالة الحق بيع الدين أو هبه الدين .
حوالة الدين : يختلف ، في حوالة الدين ، المذهب الحنفي عن المذاهب الثلاثة الأخري . علي أن التمييز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة ، وإن كان غير منصوص عليه إلا في فقه المذهب الحنفي ، لا يقل أهمية في المذاهب الثلاثية الأخري عنه في المذهب الحنفي ، بل لعله يزيد كما سنري .
ونبدأ بالمذهب الحنفي : ففي هذه المذهب تتم الحوالة المطلقة برضاء الأطراف الثلاثة ، الدائن والمدين والمحال عليه . ويجوز أن تتم برضاء الدائن والمحال عليه دون المدين ( ) ، ولكن لا يرجع المحال عليه في هذه الحالة علي المدين ، إذا دفع الدين للدائن ، إلا إذا كانت الحوالة بأمر المدين . أما الحوالة المقيدة فلا بد فيها من رضاء الأطراف الثلاثة . وسواء كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة ، $ 423 $ فإن الدائن يرجع علي المحال عليه بالدين ، فهل انتقل الدين إلي ذمة المحال عليه بالحوالة؟ هنا تتضارب الآراء في المذهب الحنفي . فعند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ينتقل الدين من ذمة المدين إلي ذمة المحال عليه ، فلو أبرأ الدائن المحال عليه منن الدين صح ذلك ولو أبرأ المدين لا يصح ، ولكن الين يعود إلي ذمة المدين إذا توي عند المحال عليه . وعند محمد ، تنتقل المطالبة وحدها دون الدين من المدين إلي المحال عليه ، ويبقي الدين دون المطالبة في ذمة المدين . فلو أراد هذا أن يقضية للدائن ، لا يكون متبرعاً ، لأنه لا يزال مدينا ، ويجبر الدائن علي الاستيفاء . ولو أبرأ الدائن المحال عليه ، لا يرتد الإبراء بالرد ، لأن الدائن إنما أسقط المطالبة لا الدين ، ولا يرجع المحال عليه علي المدين ولو كانت الحوالة بأمره ، لأن الدائن لم يبريء المحال عليه من الدين بل من مجرد المطالبة . وإذا توي الدين عند المحال عليه ، عادت المطالبة إلي المدين واجتمعت عنده مع الدين فيرجع عليه الدائن بالدين نفسه ، ولو كان الدين قد انتقل إلي المحال عليه لما كان للدائن الرجوع بنفس الدين وإنما كان يرجع بالضمان . وعند زفر ، لا ينتقل الدين ولا المطالبة إلي ذمة المحال عليه ، بل تضم ذمة المحال عليه إلي ذمة المدين في المطالبة ، فيكون المحال عليه كفيلا للمدين .
ثم إن الدائن إذا طالب المحال عليه بالوفاء ، وجب هنا أن نميز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة . ففي الحوالة المطلقة ، إذا دفع المحال عليه الدين للدائن ، فإن لا يرجع علي المدين إلا إذا كانت الحوالة بأمره كما قدمنا ، ويرجع بالدين نفسه لا بما أدي . وهذا يدل إما علي أن الدين لا يزال باقيا في ذمة المدين كما يقول محمد ، فيرجع المحال عليه به . وإما علي أن الدين قد انتقل مع المطالبة إلي المحال عليه كما يقول أبو حنيفة وأبو يوسف ، فأداه المحال عليه وحل محل الدائن فيه ، فيرجع به علي المدين . وإما علي أن الدين والمطالبة لم ينتقلا عن المدين كما يقو زفر ، ولهذا يرجع المحال عليه بنفس الدين ، كما يرجع الكفيل في الكفالة بما كفل لا بما أدي . أما إذا توي الدين عند المحال عليه - بأن مات هذا مفلسا أو أفلس وهو حي أو جحد الحوالة ولم تكن هناك بينه - فإن الدائن يرجع علي المدين بنفس الدين ( ) . كما سبق القول . وفي الحوالة المقيدة يخصص $ 424 $ الحق الذي للمدين في ذمة المحال عليه لوفاء الدين المحال به ( ) ، دون أن ينتقل هذا الحق للدائن ، بل دون أن يكون رهنا عنده لسببين : ( 1 ) إذا أفلس المدين قبل أن يؤدي المحال عليه الدين للدائن ، فليس الدائن أحق من سائر غرماء المدين بالدين الذي خصص له وقيدت به الحوالة . وعند زفر الدائن أحق من سائر الغرماء ، لأن الدين صار له بالحوالة رهنا ( ) . ( 2 ) ولو توي هذا الدين $ 425 $ عند المحال عليه ( ) ، توي علي المدين لا علي الدائن ، ولا يسقط في مقابلته شيء من الدين المحال به ( ) . وهذان السببان يبينان أن الدين الذي تقيدت به الحوالة لا ينتقل إلي الدائن ولا يكون رهنا عنده .
هذه هي جملة أحكام حوالة الدين - المطلقة والمقيدة - في المذهب الحنفي ، أوجزناها متوخين إبراز المقومات الرئيسية لهذه الحوالة في هذا المذهب . ويبقي أن نضيف إلي ما قدمناها أن التأمينات التي كانت تكفل الدين المحال به وهو في ذمة المدين قبل الحوالة تنقضي بالحوالة عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، ولا تنتقل لتكفل الدين في ذمة المحال عليه ( ) . وننظر بعد ذلك في تأصيل حوالة الدين في $ 426 $ المذهب الحنفي ، أيفي التكييف القانوني الذي يساير المقومات الرئيسة السالفة الذكر . ونبادر إلي القول إن هذا التكييف لا يختلف باختلاف ما إذا كانت الحوالة مطلقة أو مقيدة . وسنراه في المذاهب الثلاثة الأخري يختلف في الحوالة المطلقة عنه في الحوالة المقيدة ، وهذا يؤكد ما سبق أن قررناه من أن التمييز بين الحوالة المطلقة والحوالة المقيدة قد تزيد أهميته في المذاهب الثلاثة الأخري عنها في المذهب الحنفي . وإنما يختلف التكييف في المذهب الحنفي باختلاف ما اعتبر انتقاله بالحوالة إلي المحال عليه ، هل هو الدين والمطالبة معا ، أو المطالبة وحدها ، أو أن المحال عليه لم ينتقل إليه بالحوالة لا الدين ولا المطالبة :
( ب ) وننتقل الآن ، في حوالة الدين ، إلي المذاهب الثلاثة الأخري ، المالكية والشافعية الحنابلة . وهنا يجب أن نميز ، منذ البداية ، بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة . وهذا تمييز جوهري لا تصرح به نصوص هذه المذاهب ، ويرجع ذلك في الغالي إلي أن الفرق بين هاتين الحوالتين كبير إلي حد أن إحداهما – وهي الحوالة المطلقة - ليست بحوالة أصلا كما سنري ، فلا تستحق هذه التسمية حتى لا تكون نوعا ثانياً إلي جانب الحوالة المقيدة . وهذا يعود بنا مرة أخري إلي تأكيد أهمية هذا التمييز في المذاهب الثلاثة .
ففي الحوالة المقيدة – أو الحوالة إطلاقا لأن الحوالة المطلقة لا تدعي في العادة حوالة في المذاهب الثلاثة – يشترط أن يكون للمدين دين في ذمة المحال عليه معادل في الجنس ومساو في المقدار للدين المحال به ، فيوفي المدين الدين الذي في ذمته للدائن بالدين الذي له في ذمة المحال عليه . ومن ثم وجب أن يكون الدين المحال به والدين الذي تقيدت به الحوالة متساويين ، كما قدمنا ، في الصفة $ 429 $ والمقدار ( ) ، فإن اختلفا في شيء من ذلك لم تصح الحوالة ( ) . ويشترط لانعقاد الحوالة المقيدة في المذاهب الثلاثة رضاء كل من الدائن والمدين ، أما رضاء المحال عليه فلا يشترط علي الأرجح ، لأن الدائن يستوفي الدين منه كما كان يستوفيه المدين فلا يتضرر المحال عليه بذلك . بل إن رضاء الدائن عند الحنابلة لا يشترط هو أيضا إذا كان المحال عليه مليئا ، فيكفي إذن عندهم في هذه الحالة إرادة المدين المنفردة . ومتي تمت الحوالة علي هذا النحو ، برئت ذمة المدين نحو الدائن ، وبرئت ذمة المحال عليه نحو المدين ، وصار المحال عليه مدينا للدائن . ولا تنتقل تأمينات الدين المحال به بل تنقضي ( ) ، مما يقطع $ 430 $ في أن هذا الدين قد انقضي ، فليس هو الذي قام في ذمة المحال عليه للدائن . كذلك لا ينتقل إلي الدائن الحق الذي كان للمدين في ذمة المحال عليه للأسباب الآتية : ( 1 ) لا تنتقل أيضا تأمينات هذا الحق لتكفل الحق الذي قام للدائن في ذمة المحال عليه ( ) . ( 2 ) لو كان حق المدين في ذمة المحال عليه قد انتقل إلي الدائن ، فقد كان ينبغي أن يكون للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع التي كان يدفع بها مطالبة المدين دون الدفوع المستمدة من علاقة المديونية ما بين المدين والدائن ، ولكن في بعض النصوص ما يصرح بعكس ذلك ( ) . ( 3 ) ولو كان هذا الحق $ 431 $ قد انتقل إلي الدائن ، وكان المحال عليه معسراً وقت الحوالة أو أعسر بعد ذلك ، فقد كان ينبغي أن يرجع الدائن علي المدين بالضمان ، ولكن الظاهر من النصوص أن المدين لا يضمن إعسار المحال عليه ( ) . ( 4 ) ولو كان مقدراً لهذا الحق أن ينتقل إلي الدائن ، ولكن لم يتمكن المدين من نقله ، كأن كان الحق ثمنا لمبيع استحق أو كان وديعة فهلكت ، فقد كان ينبغي أن يعتبر الدائن غير مستوف لدينه أو أن الحق لم ينتقل إليه ، فيبقي للدائن دينه في ذمة المدين ، ولكن هذا الحكم لا يظهر في وضوح من النصوص .
ويستوقف النظر علي كل حال أن الحوالة ، في المذاهب الثلاثة ، لا تكون إلا حيث يكون المدين دائنا في الوقت ذاته للمحال عليه بجنس ما عليه وبمقداره ( ) . $ 432 $ أليس من البديهي أن يقال في هذه الحالة إن المدين إنما يوفي ، عن طريق ما يسمي بالحوالة ، الدين الذي عليه للدائن بالحق الذي له في ذمة المحال عليه ، ثم يوفي بهذا الحق الذي استوفاه الدين الذي عليه للدائن ، يختصر هاتين العمليتين في عملية واحدة ، فيقضي الدين الذي عليه بالحق الذي له ، دون أن يستوفي شيئا من مدينة أو يوفي شيئا لدائنه ، بل يقتصر علي أن يحيل دائنه علي مدينة هذا هو الظاهر الواضح . ولكن علي أي أساس أجري المدين كل ذلك؟ لا نري أن المدين حول علي مدينة الدين الذي في ذمته للدائن ، لأن تأمينات هذا الدين لا تنتقل بل تنقضي كما قدمنا . وإنما هو وفي لدائنه ما عليه من الدين من طريق التجديد بتغيير المدين ، فانقضي الدين الأصلي ، وحل محله دين جديد استبدل فيه بنفسه المحال عليه ، ومن ثم لم تنتقل التأمينات إلي هذا الدين الجديد . ولا نري أن المدين حول لدائنه الحق الذي له في ذمة المحال عليه ، لأن تأمينات هذا الحق لا تنتقل بل تنقضي كما قدمنا ، وهذا إلي الأسباب الأخري التي سبق ذكرها والتي تدعو إلي القول بأن هذا الحق لم ينتقل . وإنما هو استوفي من المحال عليه حقه هذا عن طريق التجديد بتغيير الدائن ، فانقضي الحق الأصلي ، وحل محله حق جديد استبدل فيه بنفسه الدائن ، ومن ثم لم تنتقل التأمينات إلي هذا الحق الجديد . فهو باعتباره مدينا قد استبدل بنفسه مدينة ، وهو باعتباره دائنا قد استبدل بنفسه دائنه . وخرج علي هذا النحو عن المديونية والدائنية ، فأسقط كلا من الدين والحق . وأنشأ التزاما جديداً ، إذ وضع مدينة مكانه تجاه دائنه ، كما وضع دائنه مكانه تجاه مدينه ، واستطاع بهذا أن يصل بين مدينه ودائنه ، فيجعل الأول هو المدين للثاني في هذا الالتزام الجديد ( ) . $ 433 $ فالحوالة المقيدة في المذاهب الثلاثة هي إذن ، في نظرنا ، وفاء دين بحق ، عن طريق إسقاط كل من الدين والحق ، وإنشاء التزام جديد يستوفي به المدين الحق وبقي بالدين . فتنتهي إلي تجديد بتغيير الدائن بالنسبة إلي استيفاء الحق ، وإلي تجديد بتغيير المدين بالنسبة إلي الوفاء بالدين .
أما ما يمكن أن نسميه بالحوالة المطلقة في المذاهب الثلاثة ، حيث لا يكون للمدين دين في ذمة المحال عليه ، فهذه ليست حوالة أصلا ، حتي بالاسم ، فقد رأينا ان المذاهب الثلاثة لا تسميها حوالة . فإذا حول المدين دائنه علي أجنبي غير مدين له ، فهو إنما يجعل من هذا الأجنبي كفيلا له . فالحوالة هنا كفالة محضة لا تحوير فيها ، أو هي حمالة كما تقول المالكية ( ) . ولابد من رضاء الدائن والمدين والمحال عليه جميعا بهذا الحوالة . فإذا انعقدت ، اعتبر المحال عليه كفيلا للمدين ، وكان الدائن بالخيار إن شاء طالب المدين وإن شاء طالب المحال عليه ، ولا يتعين أن يطالب المحال عليه أولا كما يتعين ذلك في المذهب الحنفي فيما دعوناه بالكفالة المحورة ( ) .
$ 434 $ حوالة الحق : رأينا في حوالة الدين أن المذهب الحنفي يتميز عن المذاهب الثلاثة الأخري . أما هنا ، في حوالة الحق ، فالمذهب المالكي هو الذي يتميز عن المذاهب الثلاثة الأخري ، الحنفية والشافعية والحنابلة .
ويخلص من كل ذلك أن الفقه الإسلامي لم يقر حوالة الدين بالمعني المفهوم في الفقه الغربي في أن مذهب من مذاهبه . وقد أقر حوالة الحق بشروط معينة في أحد مذاهبه ، وهو مذهب مالك ، دون المذاهب الأخري . فلم يكن الفقه $ 437 $ الإسلامي إذن بدعا في تطوره كما قدمنا ، ولم يقر حوالة الدين دون أن يقر حوالة الحق ، بل هو قد سار علي السنن المألوفة في التطور ، إذ بدأ بإقرار حوالة الحق بسبب الموت ، ثم بإقرار هذه الحوالة بين الأحياء ولكن في مذهب واحد من مذاهب . ثم وقف تطوره عند ذلك ، فلم يقر حوالة الحق بين الأحياء في المذاهب الأخري ، ولم يقر حوالة الدين أصلا لا بسبب الموت ولا بين الأحياء
( [1] ) ويذهب الأستاذ شفيق شحاته إلي أن الالتزام لا ينتقل ، في الواقع من الأمر ، من دائن إلي دائن أو من مدين إلي مدين ، بل الدائن أو المدين يستخلف شخصا آخر - دائنا أو مدينا - علي الالتزام . فهو يميز ، من ناحية التعبير ، ما بين انتقال الالتزام والاستخلاف عليه ، ففي الحالة الأولي ينتقل الالتزام إلي شخص جديد ، أما في الحالة الثانية فلا ينتقل الالتزام بل يستخلف شخص عليه شخصا آخر . ويقول في هذا المعني ما يأتي : " والواقع ان الذي وصلت إليه التشريعات الحديثة بعد تطور طويل هو إباحة الاستخلاف ما بين الأحياء في الحق الواحد ، كما يحدث تماما عند وفاة الشخص بالنسبة إلي مجموعة حقوقه . فالدائن الجديد يخلف الدائن القديم ، وكذلك المدين الجديد يخلف المدين القديم ، في الحق الشخصي . فلا ينشأ حق جديد ، ولا ينتقل الحق القديم إلي شخص جديد ، بل أن شخصا يحل محل آخر في نفس الحق ، من طريق ما يسمي خطأ في القوانين الوضعية بالحوالة " ( الأستاذ شفيق شحاته : حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 7 ) وقد يقتضي كل هذه الدقة ، فلا يقال إن الالتزام انتقل من شخص قديم إلي شخص جديد ، بل إن شخصا قديما استخلف عليه شخصا جديداً . ويوزان سالي بين العبارتين ، فيري العبارة الثانية أدق ، إذ يقول : " ان استبدال شخص بآخر ، فيما يتعلق بالالتزام ، هو الذي يعدل انتقال الالتزام . ولكن لفظ الاستخلاف أدق من لفظ الانتقال . فما دام الالتزام لصيقا بالشخص ، فنقله لا يعني إلا أن شخصا جديداً أصبحا هو صاحب الالتزام وخلف عليه من نقله . بل إن التعبير الصحيح ، ليس أن يقال أن شخصا قد استخلف علي حق الغير ، بل أن يقال إن شخصا خلف شخصا آخر فيما يتعلق بهذا الحق " ( سالي : بحث في النظرية العامة للالتزام في القانون الألماني فقرة 74 ص 64 ) . ومهما يكن من أمر ، فما لا شك فيه أن عندما يقال ان الالتزام انتقل من شخص إلي شخص آخر ، يكون المقصود دائما أن هذا الشخص الآخر قد خلف الشخص الأول علي هذا الالتزام . فالانتقال هنا معناه الاستخلاف ، واستعمال لفظ الانتقال أيسر من الناحية العلمية . علي أن الأستاذ شفيق شحاته أجاز في مكان آخر أن يقال " إن الحق وقد كان محله الشيء انتقل إلي شخص آخر وبقي محله نفس هذا الشيء " ( النظرية العامة للحق العيني ص 114 و ص115 وهامش رقم 1 في ص 115 ) . ويعترض الأساتذة بلانيول وريبير وبولانجية علي التمسك بهذا القدر من الدقة ، ويذهبون إلي أن الحق ، وبخاصة حق المليكة والحق الشخصي من ناحيته الإيجابية ، ينتقل فعلا من شخص إلي آخر ( بلانيول وريبير وبولانجيه 1 فقرة 2859 ) .
انظر في هذا الموضوع الدكتور صبحي المحصاني : انتقال الالتزام في القانون المدني اللبناني – النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية 2 ص 341 – ص 356 .
( [1] ) هذا التفريق بين الحوالة المقيدة والحوالة المطلقة مذكور في نصوص المذهب الحنفي دون نصوص المذاهب الأخري . ولكنه تفريق جوهري لتفهم الحوالة في الفقه الإسلامي في المذاهب جميعا لا في المذهب الحنفي وحده ، كما سنري .
( [1] ) وفي المذهب الحنفي لا تكون الحوالة مقيدة إلا إذا قيد المدين الحوالة بالدين الذي له في ذمة المحال عليه ، فإذا كان للمدين دين في ذمة المحال عليه ولم يقيد به الحوالة ، فإن الحوالة تكون مطلقة بالرغم من مديونية المحال عليه للمدين .
( [1] ) قارن الدكتور حسن الذنون ، وهو يقول : " والشريعة الإسلامية أقرت حوالة الدين دون حوالة الحق علي رأي معظم الفقهاء " ( أحكام الالتزام في القانون المدني العراقي فقرة 218 ص 207 ) .
( [1] ) أما إذا اتفق المدين مع المحال عليه علي الحوالة ، فان هذا لا يكفي ، بل لابد أيضا من قبول الدائن ، ولا تنعقد الحوالة إلا من وقت هذا القبول دون أثررجعي . ويشترط أيضا لانعقاد الحوالة بلوغ المحال عليه ، لأنه يعتبر في مقام المتبرع . أما المدين والدائن فيكفي فيهما التمييز لانعقاد الحوالة ، ويشترط لنفاذها الإجازة ، فإذا كان المميز هو الدائن اشترط في الإجازة أن يكون المحال عليه أكثر ملاءة من المدين .
ويعتمد المذهب الحنفي - ومعه سائر المذاهب - في مشروعية الحوالة علي حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : مطل الغني ظلم ، وإذا اتبع أحدكم علي ملي فليتبع .
( [1] ) ويرجع بنفس الدين لا بالضمان ، وسنري أن هذا يمكن حمله علي أن الحوالة تفسخ إذا توي الدين . ولكن قد يؤخذ هذا دليلا علي صحة قول محمد من أن الدين لا ينتقل بالحوالة ، بل يبقي في ذمة المدين ، وتعود المطالبة بالتوي فتجتمع مع الدين ، ومن ثم يرجع الدائن بنفس الدين علي المدين ، وقد سبقت الإشارة إلي ذلك .
( [1] ) ونصوص المذهب الحنفي لا تشترط التساوي ما بين الدين المحال به والدين المحال عليه ، أما نصوص المذاهب الثلاثة الأخري فتصرح بوجب هذا التساوي كما سنري .
وفي الحوالة المقيدة في الفقه الحنفي يخصص الدين المحال عليه للوفاء بالدين المحال به كما يخصص مقابل الوفاء ( Provision ) لدفع قيمة الكمبيالة . وقد عرف الفقه الإسلامي الكمبيالة فعلا ، وسماها " السفتجة " ، وبني أحكامها علي أساس الحوالة .
( [1] ) وقد أخذت " المجلة " بقول زفر في هذه المسألة ، إذا نصت المادة 692 منها علي ما يأتي : " ينقطع حق مطالبة المحيل بالمحال به في الحوالة المقيدة ، وليس للمحال عليه أن يعطي المحال به للمحيل فان أعطاه ضمن ، وبعد الضمان يرجع علي المحيل . ولو توفي المحيل قبل الأداء وكانت ديونه أزيد من تركته ، فليس لسائر الغرماء حق في المحال به " . ويقول الأستاذ سليم باز تعليقا علي هذا النص ما يأتي : " التعبير بالمحال به . . غير مصيب ، إذ المقصود هنا ما في يد المحال عليه أو في ذمته من العين والدين كما هو ظاهر . أما أن المحال له أحق من سائر الغرماء في ذلك ، فلم يظهر لي وجهه ، مع أن عامة كتب المذهب قد صرحت بأن المحال له أسوة للغرماء ، لأن العين التي للمحيل في يد المحال عليه والدين الذي له في ذمته لم يصر مملوكا للمحتال بعقد الحوالة ، لا يدا وهو ظاهر ، ولا رقبة لأن الحوالة ما وضعت للتمليك بل للنقل ، فيكون بين الغرماء بالأسوة . أما المرتهن فملك المرهون يدا وحبسا ، فيثبت له نوع اختصاص بالمرهون شرعا لم يثبت لغيره ، فلا يكون لغيره أن يشاركه فيه ( درر ) . أما لو كانت الحوالة مطلقة ، فالمحتال أسوة الغرماء عند الكل ( رد مختار ) . والظاهر أن جمعية المجلة لم تخالفهم إلا في الحوالة المقيدة فقط ، ولعلها أخذت بقول زفر ، فمان المحتال عنده أحق من سائر الغرماء ، لأن الدين صار له بالحوالة كالمرتهن بالرهن بعد موت الراهن ( مجمع الأنهر ) ، ( شرح المجلة للأستاذ سليم باز م 692 ص 379 ) . ولو أخذنا برأي زفر ، يكون الدين المحال عليه وهنا في الدين المحال به كما رأينا ، فلا تنتقل ملكية الدين المحال عليه إلي الدائن كما تنتقل في حوالة الحق بالمعني المفهوم في القوانين الغربية . ومن ثم لا تكون الحوالة في رأي زفر ، حتي بالنسبة إلي الدين المحال عليه ، حوالة حق ( انظر الأستاذ مصطفي الزرقا في الحقوق المدنية جزي 2 ص 30 في الهامش - الأستاذ أميل تيان في مقال له بمجلة كلية الحقوق ببيروت في حوالة الدين وحوالة الحق في الفقه الإسلامي علما وعملا - وقارن الأستاذ شفيق شحاته في حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 58 هامش رقم 3 ) .
( [1] ) أو لم يستوف الدائن الدين لأي سبب آخر ، كأن كان ثمن مبيع فاستحق أو كان وديعة فهلكت . ولكن الحوالة تبطل في هذه الحالة ، لأن الدين الذي قيدت به يعتبر سببا لها ، وقد انعدام فانعدمت .
( [1] ) ولو كان الدين الذي قيدت به الحوالة رهنا عند الدائن ، وتوي عند المحال عليه ، ليقسط الدين المحال به بقدر ما توي من الرهن ، لأن المرهون إذا هلك سقط من الدين ما يقابله .
( [1] ) أما عند محمد فتبقي التأمينات علي حالها تكفل الدين الباقي في ذمة المدين ، وقد قدمنا أن الحوالة عند محمد لا تنقل الدين وإنما تنقل المطالبة وحدها . وجاء في فتح الغدير : " فعند أبي يوسف ينتقل الدين والمطالبة ، وعند محمد تنتقل المطالبة لا الدين . قال وفائدة هذا الخلاف تظهر في مسألتين : إحداهما أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين ، فله أن يسترد الرهن عند أبي يوسف كما لو أبراه عنه ، وعند محمد لا يسترده كما لو أجل الدين بعد الرهن . . " ( فتح القدير جزء 5 ص 446 ) . وجاء في البحر الرائق : " لو أحال المشتري البائع بالثمن علي رجل ، لم يملك ( البائع ) حبس المبيع . وكذا لو أحال الراهن المرتهن ، لا يحبس ( المرتهن ) الرهن . ولو أحال الزوج المرأة بصداقها ، لم تحبس نفسها " ( البحر الرائق 6 ص 268 وما بعدها ) . وجاء في الزيلعي : " ثم اختلفوا في البراءة ، فقال أبو يوسف يبرأ عن الدين والمطالبة ، وقال محمد يبرأ عن المطالبة فقط ولا يبرأ عن الدين . وثمرة الخلاف تظهر في موضعين : أحدهما . . . والثاني أن الراهن إذا أحال المرتهن بالدين علي إنسان ، كان للراهن أن يسترد الرهن عند أبي يوسف كما لو أبراه عن الدين ، وعند محمد ليس له ذلك كما لو أجل الدين " ( الزيلعي 4 ص171 ) .
وكما أن التأمينات لا تنتقل لتكفل الدين في ذمة المحال عليه عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، كذلك نحسب أن الدفوع أيضا لا تنتقل . فليس للمحال عليه أن يتمسك ضد الدائن بالدفوع التي كان المدين يتمسك بها ضد الدائن ، بل ولا يجوز للمحال عليه أن يتمسك ضد الدائن بالدفوع المستمدة من علاقته هو بالمدين ، وهذا ما لم تكن الحوالة مقيدة وسقط الدين الذي تقيدت به أو هلكت الوديعة علي النحو الذي قدمناه . فيعتبر التزام المحال عليه نحو الدائن التزاما مجرداً ، فلا يتأثر لا بالعلاقة القائمة بين المدين والدائن ولا بالعلاقة القائمة بينه وبين المدين ، وإنما هي علاقة جديدة قامت بينه وبين الدائن مستقلة عن العلاقتين السالفتي الذكر . صحيح أن الدين الذي يقوم في ذمة المحال عليه للدائن يشارك الدين كان في ذمة المدن للدائن في صفته من حيث الحلول والتأجيل ، وقد جاء في المادة 896 من مرشد الحيران : " يتحول الدين علي المحتال عليه بصفته التي علي المحل . فإن كان الدين علي المحيل حالا ، تكون الحوالة به علي المحتال عليه حاله ، ويدفع المحتال عليه الدين المحال به معجلا . وإن كان الدين علي المحيل مؤجلا ، تكون الحوالة به علي المحتال عليه مؤجله ، ولا يلزم بالدفع إلا عند حلول الأجل . فلو مات المحيل بقي الأجل ، وإن مات المحتال عليه صار الدين حالا ويؤدي من التركة إن كان بها ما يفي بأدائه ، وإلا رجع المحتال بالدين أو بما بقي له منه علي المحيل ليؤديه عند حلول الأجل " . ولكن هذا لا يفيد أن المحال عليه يتمسك بالدفوع التي كان يتمسك بها المدين . للمحال عليه طبعا أن يتمسك بالدفوع المستمدة من عقد الحوالة ذاته إذ هو طرف فيه ، فإذا كان هذا العقد باطلا جاز له أن يتمسك ببطلانه . وله أيضا أن يتمسك بالدفوع التي يستمدها من علاقته هو بالدائن ، فله أن يتمسك ببطلانه . وله أيضا أن يتمسك بالدفوع التي يستمدها من علاقته هو بالدائن ، فله أن يتمسك باتحاد ذمته مع الدائن ، وأن يتمسك بالمقاصة بينه وبين الدائن . أما أن يتمسك بالمقاصة بين الدائن والمدين ، فإن جاز له ذلك فإنما يحمل علي أنه يتمسك بدفع مستمد من عقد الحوالة . ذلك أنه إذا كان الدين المحال به قد انقضي بالمقاصة بين الدائن والمدين قبل الحوالة ، فالحوالة باطلة ، لأن من شروط انعقادها أن يكون هناك دين قائم في ذمة المدين للدائن ، فتمسك المحال عليه بالمقاصة في هذه الحالة إنما هو تمسك ببطلان الحوالة ( قارن الدكتور صبحي المحمصاني في النظرية العامة للموجبات والعقود في الشريعة الإسلامية 2 ص 355 – انتقال الالتزام في القانون اللبناني ص 58 ) .
( [1] ) وفي الحوالة المقيدة تبرأ ذمة المحال عليه نحو المدين بقدر ما أدي من الدين للدائن .
( [1] ) ذلك أن المدين يضمن للدائن يسار المحال عليه ، بحيث تنفسخ الحوالة إذا توي الدين عنده . وهذا بخلاف المذاهب الثلاثة الأخري ، فسنري أن المدين لا يضمن يسار المحال عليه ، إلا في مذهب مالك حيث يعتبر المدين قد غر الدائن إذا كان المحال عليه مفلسا وقت الحوالة دون أن يعلم الدائن ذلك ويعلمه المدين .
( [1] ) وقد قدما أن التأمينات ، عند محمد ، تبقي علي حالها تكفل الدين الباقي في ذمة المدين ، خلافا لأبي حنيفة ولأبي يوسف : فتح القدير 5 ص 446 – الزيلعي 4 ص 171 – ويقضي المنطق ، عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، بأن تعود التأمينات إذا فسخت الحوالة بالتوي وعاد الدين إلي ذمة المدين الأصلي ، ولكن لا يوجد في نصوص المذهب الحنفي نص صريح في هذا المعني .
( [1] ) بل إن الدائن في الكفالة العادية يغلب أن يرجع أولا علي الكفيل ، لأنه يختار عادة لكفالة الدين من هو أكثر ملاءة من المدين الأصلي ، فيكون الرجوع علي الكفيل أيسر من الرجوع علي المدين . وهذا الذي يقع فعلا في الكفالة العادية يقع قانوناً في حوالة الدين . فالذي تتميز به حوالة الدين إذن هو أن المدين في الحوالة يأمن رجوع الدائن عليه قبل رجوعه علي الكفيل ، فالحوالة من هذا الوجه أقرب إلي أن تكون ضمانا للمدين منها ضمانا للدائن .
( [1] ) أو لعل حوالة الدين ، عند محمد ، هي ضرب من الأنابة القاصرة ( delegation imparfaite ) ، ينيب فيها المدين المحال عليه في الوفاء بالدين عن طريق نقل المطالبة إليه ، فيرجع الدائن ( المناب ) هنا أيضا علي المحال عليه ( المناب لديه ) أولا ، فإن توي الدين عنده رجع علي المدين ( المنيب ) .ويستوي في ذلك أن تكون الحوالة مطلقة أو مقيدة .
( [1] ) وهذا لا يمنع من أن يكون ما علي المدين للدائن أكثر أو أقل مما علي المحال عليه للمدين . فان كان أكثر ، جازت حوالة جزء منه يعادل في المقدار ما علي المحال عليه للمدين ، وإن كان أقل ، جازت حوالته علي جزء مما علي المحال عليه للمدين معادل له في المقدار . جاء في الشرح الصغير للدردير ( جزء 2 ص 143 ) : " وشرط لصحتها . . تساوي الدينين ، المحال به وعليه ، قدراً وصفة . فلا تصح حوالة بعشرة علي أكثر منها ولا أقل ، ولا بعشرة محمدية علي عشرة يزيدية ولا عكسه ، فليس المراد بالتساوي أن يكون ما علي المحيل مثل ما علي المحال عليه قدراً وصفة ، لأنه يجوز أن يحيل بعشرة علي عشرة من عشرين لي غريمة ، وأن يحيل بخمسة من عشرة علي خمسة علي غريمة " .
( [1] ) وتصرح المالكية بأن الحوالة ، في حالة تساوي الدينين ، هي " إحالة " الدين ، وليست بيع الدين بالدين . قال ابن جزي : " والشرط الثاني أن يكون الدين المحال به مساويا للمحال فيه في الصفة والمقدار ، فلا يجوز أن يكون أحدهما أقل أو أكثر ، أو أدني أو أعلي ، لأنه يخرج عن الأحالة إلي البيع ، فيدخله الدين بالدين " ( القوانين الفقهية ص 327 ) .أما عند الشافعية فالحوالة هي بيع دين بدين . جاء في المهذب : " لا تجوز الحوالة إلا علي دين يجوز بيعه . . لأن الحوالة بيع في الحقيقة ، لأن المحتال يبيع ماله في ذمة المحيل بما له في ذمة المحال عليه ، والمحيل يبيع ما له في ذمة المحال عليه بما عليه من الدين ، فلا تجوز إلا فيما يجوز بيعه " ( المهذب جزء أول ص 337 ) .
( [1] ) جاء في أسني المطالب شرح روض الطالب ( جزء 3 ص 232 ) : " لا يعتبر اتفاقهما في الرهن ولا الضمان ، بل لو أحاله بدين أو عي دين به رهن أو ضامن ، انفك الرهن وبريء الضامن ، لأن الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن والزوج بالصداق . ويفارق المحتال الوارث في نظيره من ذلك ، لأن الوارث خليفة مورثه فيما ثبت له من الحقوق " . وجاء في حاشية الشرقاوي علي شرح التحرير ( جزء 2 ص 26 ) . " فلو كان في أحد الدينين توثق برهن أو ضامن ، لم يؤثر ولم ينتقل الدين بصفة التوثق . بل يسقط التوثق ، لأحد الحوالة كالقبض بدليل سقوط حبس المبيع والزوجة فيما إذا أحال المشتري بالثمن والزوج بالصداق " وجاء في نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج ( جزء 3 ص394 ) : " إن أطلق الحوالة ولم يتعرض لتعلق حقه بالرهن ، فينبغي أن تصح وجها واحدا وينفك الرهن ، كما إذا كان له به ضامن فأحال عليه به من له دين لا ضامن به صحت الحوالة وبردي الضامن ، لأنها معارضة أو استيفاء وكل منهما ينقضي براءة الأصيل فكذلك يقتضي فك الرهن . فان شرط بقاء الرهن ، فهو شرط فاسد تبطل به الحوالة إن قارنها " .
( [1] ) جاء في الغرر البهية شرح البهجة الوردية ( جزء 3 ص 144 وما بعدها ) : " لو أحاله علي دين به رهن أو ضامن ، انفك الرهن وبريء الضامن ، لأن الحوالة كالقبض " . انظر ايضا ما قدمناه من النصوص : أسني المطالب شرح روض الطالب جزء 3 ص 232 - حاشية الشرقاوي علي شرح التحرير جزء 2 ص 26 - نهاية المحتاج إلي شرح المنهاج جزء 3 ص 394 .
( [1] ) أما أنه ليس للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع التي كان يدفع بها مطالبة المدين ما لم يكن الدين الذي في ذمته للمدين غير موجود أصلا ، فقد جاء في المهذب ( جزء أول ص 338 ص339 ) : " وإن أحال البائع رجلا علي المشتري بالألف ، ثم رد المشتري المبيع بعيب ، لم تبطل الحوالة وجها واحدا ، لأنه تعلق بالحوالة حق غير المتعاقدين وهو الأجنبي المحتال فيم يجز إبطاها . وإن أحال البائع علي المشتري رجلا بألف ، ثم اتفقا علي أن البعد كان حرا ، فإن كذبهما المحتال لم تبطل الحوالة . . فان أقاما علي ذلك بينة لم تسمع ، لأنهما كذبا البينة بدخولهما في البيع . وإن صدفهما المحتال بطلت الحوالة ، لأنه ثبتت الحرية وسقط الثمن فبطلت الحوالة " - وهناك خلاف فيما إذا كان يجوز للمحال عليه أن يدفع مطالبة الدائن بالدفوع المستمدة من علاقة المديونية ما بين الدائن والمدين ، فقد جاء في المهذب : " وإذا اشتري رجل من رجل شيئا بألف وأحال المشتري البائع علي رجل بالألف ، ثم وجد بالمبيع عيبا فرده ، فقد اختلف أصحابنا فيه فقال أبو علي الطبري لا تبطل الحوالة فيطالب البائع المحال عليه بالمال ، ويرجع المشتري علي البائع بالثمن ، لأنه تصرف في أحد عوضي البيع فلا يبطل بالرد بالعيب ، كما لو اشتري عبداً بثوب وقبضه وباعه ثم وجد البائع بالثوب عيبا فرده . وقال أبو اسحق تبطل الحوالة . . فلا يجوز للبائع مطالبة المحال عليه ، لأن الحوالة وقعت بالثمن ، فإذا فسخ البيع خرج المحال به عن أن يكون ثمنا ، فإذا خرج عن أن يكون ثمنا ولم يتعلق به حق غيرهما وجب أن تبطل الحوالة . . ويخالف هذا إذا اشتري عبداً وقبضه وباعه ، لأن العبد تعلق به حق غير المتبايعين وهو المشتري الثاني فلم يمكن إبطاله ، والحوالة لم يتعلق بها حق غيرهما فوجب إبطالها ( المهذب جزء أول ص 338 ) .
( [1] ) جاء في القوانين الفقهية لابن جزي : " فإذا وقعت الإحالة ، برئت بها ذمة المحيل من الدين الذي كان عليه للمحال ، وانتقل إلي طلب المحال عليه . ولا رجوع للمحال علي المحيل إن أفلس المحال عليه أو أنكر ، إلا أن يكون المحيل قد غر المحال لكونه يعلم فليس المحال عليه أو بطلان حقه قبله ولم يعلم المحال بذلك . وقال الشافعي لا يرجع علي المحيل ، غره أو لم يغره " ( القوانين الفقهية ص 327 ) . وجاء في المهذب : " إذا أحال بالدين ، انتقل الحق إلي المحال عليه وبرئت ذمة المحيل ، لأن الحوالة إما أن تكون تحويل حق أو بيع حق ، وأيهما كان وجب أن تبرأ من ذمة المحيل . وإن أحاله علي مليء فأفلس أو جحد الحق وحلف عليه ، ولم يرجع إلي المحيل ، لأنه انتقل حقه إلي مال يملك بيعه ، فسقط حقه من الرجوع ، كما لو أخذ بالدين سلعة ثم تلفت بعد القبض . وإن أحاله علي رجل بشرط أن مليء فبان أنه معسر ، فقد ذكر المزني أنه لا خيار له ، وأنكر أبو العباس هذا وقال له الخيار لأنه غره بالشرط فثبت له الخيار ، كما لو باعه عبدا بشرط أنه كاتب ثم بأن أنه ليس بكاتب . وقال عامة أصحابنا لا خيار له ، لأن الإعسار نقص ، فلو ثبت به الخيار لثبت من غير شرط كالعيب في المبيع ، ويخالف الكتابة فإن عدم الكتابة ليس بنقص وإنما هو عدم فضيلة ، فاختلف الأمر فيه بين أن يشرط وبين ألا يشرط " ( المهذب جزء أول ص 338 ) . وجاء في الأم للشافعي ( جزء 2 ص 203 ) : " اخبرنا الربيع بن سليمان قال اخبرنا الشافعي إملاء قال : والقول عندنا والله تعالي أعلم ما قال مالك بن أنس أن الرجل إذا أحال علي الرجل بحق له ، ثم أفلس المحال عليه أو مات ، لم يرجع المحال علي المحيل أبداً " . وجاء في المغني : " فإذا اجتمعت شروط الحوالة وصحت ، برئت ذمة المحيل في قول عامة الفقهاء . . . إذا ثبت أن الحق انتقل . فمتي رضي بها المحتال ولم يشترط اليسار ، لم يعد الحق إلي المحيل أبداً ، سواء أمكن استيفاء الحق أن تعذر لمطل أو فلس أو غير ذلك " ( المغني 5 ص58 ) .
( [1] ) بل ان الفقه المالكي يشترط فوق ذلك أن يكون الدين المحال به حالا ، فإذا لم يكن حالا وجب علي الأقل أن يكون الدين المحال عليه حالا وأن يقبضه المحال قبل التفرق ، وفي هذا ما يبرز في وضوح أن الحوالة ليست إلا وفاء دين بدين . جاء في الشرح الكبير للدردير ( جزء 3 ص 226 وما بعدها ) : " شرط صحة الحوالة . . حلول الدين المحال به ، وهو الذي علي المحيل لأنه إذا لم يكن حالات أدي إلي تعمير ذمة بذمي فيؤدي إلي بيع الدين بالدين . . إلأا أن يكون المحال عليه حالا ويقبضه قبل أن يتفرقا مثل الصرف فيجوز " .
( [1] ) ومما يؤيد أن الدين الذ قام في ذمة المحال عليه للدائن ليس هو نفس الدين الذي كان في ذمة المدين للدائن بل هو نظيره أي التزام جدي معادل له ، ما جاء في كشاف القناع بحل ألفاظ أبي شجاع ( جزء 2 ص48 ) : " وتبرأ بالحوالة الصحيحة ذمة المحيل عن دين المحتال ، ويسقط دينه عن المحال عليه ، ويلزم دين محتال محالا عليه أي يصير نظيره في ذمته " .
ويخلص من كل ذلك أن حوالة الدين في الفقه الإسلامي تدخل في منطقة الوفاء بالدين لا في منطقة بيعه أو انتقاله . ويقول ابن القيم نقلا عن ابن تيمية في هذا المعني : " إن الحوالة من جنس إيفاء الحق لا من جنس البيع ، فإن صاحب الحق إذا استوفي من المدين ما له كان هذا استيفاء ، فإذا أحاله علي غيره كان قد استوفي ذلك الدين عن الدين الذي في ذمة المحيل . . ووفاء الدين ليس هو البيع الخاص وإن كان فيه شوب المعارضة " ( إعلام الموقعين 1 ص341 ) .
( [1] ) يؤيد ذلك النصوص الآتية : جاء في الخطاب ( جزء 5 ص 91 ) : " قال في المدونة وإذا أحالك علي من ليس قبله دين ، فليست حوالة وهي حمالة " . وجاء في الخرشي ( جزء 6 ، 17 ) : " ومن شروطها ثبوت دين للمحيل في ذمة المحال عليه ، وإلا كانت حمالة عند الجمهور " . وجاء في المهذب ( جزء أول ص 337 ) : " ولا تجوز الحوالة إلا علي من له عليه دين ، لأنابينا أن الحوالة بيع ما في الذمة بما في الذمة ، فإذا أحال علي من لا دين له عليه كان بيع معدوم فلم تصح . ومن أصحابنا من قال تصح إذا رضي المحال عليه ، لأنه تحمل دين يصح إذا كان عليه مثله فيصح وأن لم يكن عليه مثله كالضمان . فعلي هذا يطالب المحيل بتخليصه ، كما يطالب الضامن المضمون عنه بتخليصه . فإن قضاه بإذنه رجع علي المحيل . وإن قضاه بغير إذنه لم يرجع " .
( [1] ) ويخلص من ذلك أن الحوالة المطلقة في المذاهب الثلاثة تختلف في طبيعتها عن الحوالة المقيدة ، فالأولي كفالة محضة ، والثانية تجديد بتغيير المدين وتجديد بتغيير الدائن . أما في المذاهب الحنفي ، فالحوالة المطلقة لا تختلف في طبيعتها عن الحوالة المقيدة ، كلتاهما إما تجديد بتغيير المدين إذا قلنا بانتقال المطالبة والدين جميعا ، وإما كفالة محورة إذا قلنا بانتقال المطالبة وحدها دون الدين ، وإما كفالة محضة إذا قلنا بعدم انتقال أي من الدين والمطالبة . وإنما تزيد الحوالة المقيدة علي الحوالة المطلقة ، في المذهب الحنفي ، بوجود دين في ذمة المحال عليه للمدين يخصص لوفاء الدين المحال به علي قول الأئمة الثلاثة ، أو يكون مرهونا فيه علي قول زفر .
( [1] ) وقد جاء في المدونة : " قلت أرايت أن وهبت لرجل دينا لي عليه كيف يكون قبضه ، قال إذا قال قد قبلت فذلك جائز له ، وهذا قبض لأن الدين عليه ، وهذا قول مالك ، وإذا قبل سقط . قلت فإن وهبت لرجل دينا علي رجل آخر ، قال مالك إذا أشهد له ، وجمع بينه وبين غريمه ، ودفع إليه ذكر الحق ، فهو قد قبض . قلت فإن لم يكن كتب عليه ذكر حق كيف يصنع ، قال إذا أشهد له وأحاله عليه فهذا قبض في قول مالك . قلت فإن كان الغريم غائبا ، فوهب لرجل ماله علي غريمه وأشهد له بذلك ودفع إليه ذكر الحق وأحاله عليه ، أيكون هذا قبضا في قول مالك ، قال نعم . قلت أرايت الدين إذا كان علي الرجل وهو بأفريقية وأنا بالفساط ، فوهبت ذلك الدين الذي لي بأفريقية لرجل معي بالفسطاط ، وأشهدت له ، وقل أتري ذلك جائزاً ، قال نعم . قلت لم أجزته في قول مالك ، قال لأن الديون هكذا تقبض ، وليس هو شيئا بعينه يقبض ، إنما هو دين علي رجل فقبضه أن يشهد له ويقبل الموهوب له الهبة " ( المدونة الكبري جزء 15 ص 126 - 127 ) .
( [1] ) وقد جاء في شرح التاودي للتحفة : " وإنما يجوز بيع الدين لغير من هو عليه ، مع حضور المدين وإقراره وإن كان عليه بينه ، لأنه قد يطعن فيها أو يدعي القاضء فيكون من شراء ما فيه خصومة وهو ممنوع علي المشهور . وأجاز ابن القاسم في سماع موسي بن معاوية شراء الدين علي الغائب . . مع تعجيل الثمن وإلا كان من بيع الدين بالدين ، وكونه ليس طعام من يبيع فإن كان الدين طعام من يبيع لم يجز لما تقدم من منع بيع طعام المعاوضة قبل قبضة . وبيعه بغير جنس مرعي : فإن بيع بجنسه لم يجز ، لأنه الشأن في الدين أن يباع بأقل فيكون سلفا بمنفعة . وسادس الشروط ألا يكون المشتري عدوا للمدين يقصد بالشراء إعناته ، وإلا رد البيع وفسخ " ( التاودي علي التحفة 2 ص47 ) .
ونري من هذا النص إنه لا يشترط لجواز بيع الدين لغير من هو عليه رضا المدين ، ولكن يجب مع ذلك توافر الشروط الآتية : ( 1 ) ألا يكون الدين حقا متنازعاً فيه ، لأن شراء ما فيه خصومة ممنوع . ( 2 ) ألا يكون الدين طعاما في ذمة المدين ، لأن بيع الطعام قبل قبضه ممنوع . ( 3 ) ألا يكون الثمن من جنس الدين ، إذ المشتري يشتري الدين المؤجل عادة بأقل من قيمته فيكون سلفا بمنفعة ويداخله الربا . ( 4 ) أن يعجل الثمن ، وإلا كان من بيع للدين بالدين وهذا غير جائز . ( 5 ) ألا يكون المشتري خصما للمدين ، وإلا كان في هذا إعنات للمدين بتسليط خصمه عليه . ( انظر في ذلك أيضا المدونة الكبري 9 ص 128 - ص130 ) . ويبدو أن بيع الدين من غير المدين في المذهب المالكي ، بالشروط المتقدمة الذكر ، أقرب إلي أن يكون وفاء مع الحلول أو وفاء للدين بمقابل صادراً من غير المدين . فالأجنبي يتقدم إلي الائن ويوفيه دينه أو يوفيه مقابلا من غير جنس الدين ، ويرجع بالدين علي المدين . ولو كان هذا بيعا لأمكن تأجيل الثمن ، فمن المسلم أن البيع يجوز تأجيل الثمن فيه ، ولأمكن الأجنبي ، بدلا من الوفاء بالدين أو بمقابل الدين في الحال ، وهذا هو التعجيل بالثمن ، أن يبقيه دينا في ذمته . ولكن المقطوع به في مذهب مالك أنه لا يجوز بيع الدين من غير المدين بثمن مؤجل .
( [1] ) وقد جاء في شرح التاودي للتحفة : " وإذا بيع الدين أو وهب أو تصدق به ، وكان فيه رهن أو حميل ، لم يدخل واحد منهما إلا بالشرط ، مع حضور الحميل وإقراره بالحمالة ، وإن لم يرض بالتحمل لمن ملكه . ( تنبيه ) من بيع الدين المسألة الملقبة عند العامة بقلب الرهن ، وهي أن يكون بيد رهن في دين مؤجل ، ويحتاج إلي دينه فيبيعه بما يباع به . ويحل المشتري للدين محل بائعه في حوز الرهن ، والمنفعة إن كانت المنفعة جعلت له ، والبيع للرهن بالتفويض الذي جعل للبائع المرتهن ، وغير ذلك . ويكتب في ظهر وثيقة الدين أو في طرتها . فإن سكتا عن الرهن يدخل ، وإن اختلفا في اشتراطه حلفا وفسخ . وحيث دخل فللرهن جعله تحت يد أمين إن لم تشترط منفعته أو اشترطت والحقه ضرر ، وإلا فلا كلام له " ( التاودي علي التحفة 2 ص48 ) .
( [1] ) والحنفية تجيز بيع الدين ممن عليه الدين : إما بثمن معجل ، ويبدو أن هذا أقرب إلي أن يكون وفاء للدين بمقابل . وإما بثمن مؤجل ، ويبدو أن هذا أقرب إلي أن يكون تجديداً بتغيير محل الدين .
أما الشافعية ففي أحد قولين في مذهبهم أنه يجوز بيع الدين من غير المدين ، بشرط قبض الدين والثمن في المجلس . وهذا لا يعدو أن يكون بيعا محضا ، عجل فيه الثمن وسلم المبيع . فالبائع تقدم إلي الدائن بسلعته ، وباعها منه بثمن معادل للدين ، ووكله الدائن ( المشتري ) في قبض هذا الدين . فقبض البائع الدين من المدين ، واحتجزه ثمنا ، وسلم المبيع إلي المشتري ، وذلك كله في مجلس البيع .
وأما الحنابلة فلا يجيزون بيع الدين من غير المدين . ويجيزون بيعه من المدين بثمن معجل –وهذا وفاء بمقابل - لا بثمن مؤجل . غير أن ابن تيمية وتلميذه ابن القيم يذهبان إلي جواز بيع الدين بالدين ولو بثمن مؤجل ( إعلام الموقعين 1 ص 340 - ص341 ) ، ولا يمنعان إلا ابتداء الدين بالدين ، أي أن يكون المبيع دينا مؤجلاً في الذمة ويكون الثمن كذلك دينا مؤجلاً في الذمة ، كبيع مقدار من القمح مؤجل التسليم في مبلغ من النقود مؤجل الدفع . وهذا يخرج عن منطقة بيع الدين بالدين .
( [1] ) فيحتال علي حوالة الحق بأحد طريقين : ( 1 ) يوكل الدائن من يريد أن يحول له حقه في قبض هذا الحق من المدين ثم يهبه إياه ، وهو الطريق الذي كان القانون الروماني يلجأ إليه . ولكن يستطيع الموكل ، في هذه الحالة ، عزل الوكيل قبل قبض الدين . ( 2 ) يقر الدائن لمن يريد أن يحول له حقه بأن الحق له . وهذا الإقرار مقصور علي العلاقة فيما بين المقر والمقر له ، أما المدين فلا يطالب بالدفع للمقر له . ولذلك يصحب الإقرار توكيل من الدائن للمقر له بقبض الدين ، أو يصدق المدين علي الإقرار فيسري في حقه ( انظر في ذلك الأستاذ شفيق شحاته في حوالة الحق في قوانين البلاد العربية ص 62 - ص 64 . أما ما يذكره الأستاذ شفيق شحاته في ص 57 – ص61 من المسائل التي يستدل بها علي جواز حوالة الحق في الفقه الحنفي ، فيبدو لنا أن التعامل فيها إنما يقع علي حوالة الدين لا علي حوالة الحق ، فتجري أحكام حوالة الدين علي الوجه الذي أسلفناه في هذا المذهب ، أو أن الحوالة في هذه المسائل إنما قصد بها التوكيل بقبض الدين وهذا مألوف في المذهب الحنفي كما قدمنا : انظر في هذا المعني الأستاذ عيسوي أحمد عيسوي مجلة الأزهر 27 ص 1014 – ص 1018 و ص 116 - ص 1120 ) .
( [1] ) انظر في الحوالة بوجه عام في الفقه الإسلامي في مذاهبه الأربعة : البدائع 6 ص15 - ص 19 – فتح القدير 5 ص 443 – ص 452 - الزيلعي 4 ص 171 – ص 175 - الفتاوي الهندية 3 ص 295 – ص 306 - ابن عابدين 4 ص446 – ص459 - بداية المجتهد 2 ص 250 - 252 - الخرشي 6 ص 16 - ص 21 - الخطاب 5 ص 90 – ص 96 - القوانين الفقهية لابن جزي ص 327 - المهذب 1 ص 338 ص 339 - المغني ( الطبعة الثالثة ) 4 ص 521 – ص534 .
والذي يخلص من كل ذلك أن حوالة الدين هي إما تجديد أو كفالة محورة أو كفالة محضة في المذهب الحنفي ، وهي تجديد للدين بتغيير المدين وبتغير الدائن في المذاهب الأخري . فلم يسلم الفقه الإسلامي أصلا بانتقال الدين ، لا فيما بين الأحياء ولا بسبب الموت ، لا عن طريق الخلافة الخاصة ولا عن طريق الخلافة العامة . وإنما سلم بانتقال الحق بسبب الموت ، عن طريق الخلافة العامة في الميراث ، وعن طريق الخلافة الخاصة في الوصية بالدين . ولا يكاد يسلم بانتقال الحق فيما بين الأحياء إلا عن طريق الحيلة في المذهب الحنفي ، وإلا في كثير من التردد فذ مذهب مالك . ولا عجب في ذلك ، فهذا هو السير الطبيعي في تطور الحالة . أما تسليمه بانتقال الحق بسبب الموت ، فيبدو أن ذلك قد قام علي فكرة الخلافة : خلافة الوارث للمورث وخلافة الموصي له للموصي . وهي خلافة لا تتحقق عنده إلا بالموت ، فيختفي شخص السلف ويحل محله شخص الخلف .
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفورله )محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية(بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 772)
يشترط لصحة الحوالة رضا الكل أي المحيل والمحتال والمحتال عليه ولا يشترط حضور المحتال عليه بل لو كان غائباً في بلد آخر فأحيل عليه ثم بلغه فقبل الحوالة راضياً لا مكرهاً صحت الحوالة والتزم للمحتال بالدين المحال به وما لم يرض بقبول الحوالة فلا ينتقل الدين في ذمته ولا يلزم به ولا يكون للمحتال حق في مطالبته.
إنما لا يشترط رضا المحتال عليه في صورة واحدة وهي ما إذا استدانت زوجته النفقة عليه بأمر القاضي فإن لها في هذه الصورة أن تحيل عليه بلا رضاه ويكون ملزوماً بالدين للمحتال.
(مادة 773)
يشترط لصحة الحوالة أن يكون المحيل مديوناً للمحتال وإلا فهي وكالة ولا يشترط أن يكون المحتال عليه مديوناً للمحيل بل إذا رضى بالحوالة صحت والتزم بالدين للمحتال ولو لم يكن المحتال عليه مديوناً للمحيل.
(مادة 796)
إذا وهب المحتال الدين للمحتال عليه وقبل الهبة فقد ملك الدين فإن كان مديوناً للمحيل سقط عنه الدين قصاصاً وإن لم يكن مديوناً للمحيل كان له ولورثته الحق في مطالبته به.
(مادة 797)
لا يصح إبراء المحتال المحيل من الدين ولا هبته منه.
مجلة الأحكام العدلية
مادة (683) الحوالة الموقوفة
الحوالة التي أجريت بين المحيل والمحال عليه تنعقد موقوفة على قبول المحال له. مثلاً لو قال أحدٌ لآخر خذ عليك حوالة ديني الذي بذمتي لفلان وقبل ذلك المحال عليه ذلك تنعقد الحوالة موقوفة فإذا قبلها المحال له تنفذ.

