مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 32
مذكرة المشروع التمهيدي :
1- هذان نصان ( 563 و 564 ) لا نظير لها في التقنين الحالي، وهما وإن كان حكمهما تمكن استفادته من القواعد العامة، يعالجان مسائل عملية يجدر أن تكون لها حلول تشريعية ( انظر التقنين الألماني م 453 و تقنين الالتزامات السويسري م 212 فقرة أولى والتقنين البولوني م 296 والتقنين البرازيلي م 1124 إلخ).
وقد تقدم أن الثمن يجب أن يكون نقداً، وتقدم كيف يحدد محل الالتزام ( أي الثمن هنا)، وبخاصة إذا وكل تحديده إلى شخص ثالث، فلم ير المشروع حاجة للعودة إلى ذلك، ولكن الذي عنى به هو بيان الحكم فيما إذا لم يتفق المتعاقدان على ثمن معين، بل اقتصرا على بيان الأسس التي يحدد بمقتضاها، فقرر أن بيان هذه الأسس كاف، وأورد تطبيقاً عملياً لذلك هو الاتفاق على أن يكون الثمن سعر السوق، فأخذ عن التقنيين الألماني والبولوني حلاً معقولاً هو أن الثمن ، عند الشك ، يكون هو سعر السوق في الزمان والمكان اللذين يجب فيهما تسليم المبيع، فإذا لم يكن في مكان التسليم سوق وجب الرجوع إلى سعر السوق في المكان الذي يقضي العرف بأن تكون أسعاره هي السارية.
2 - ثم عرض المشروع لحالة ما إذا لم يقم المتعاقدان بتحديد الثمن أو بتعيين أسس يحدد بمقتضاها، فقرر أنه إذا تبين من الظروف أن المتعاقدين ترکا تحديد الثمن إلى السعر المتداول في التجارة، كما يحصل عادة بين التجار، كان البيع صحيحاً، والثمن هو هذا السعر المتداول، فإذا كان بين المتعاقدين سابقة تعامل، وتبين من الظروف أنهما تركنا تحديد الثمن إلى السعر الذي جرى عليه التعامل بينهما، صح ذلك أيضاً، وفي الحالتين يكون المتعاقدان قد اتفقا ضمناً على جعل الثمن قابلا للتحديد، وهذا هو الحل الذي أورده التقنين البولوني (م 298) وقد أخذ به المشروع.
3- أما إذا لم يتفق المتعاقدان لا صراحة ولا ضمناً على تحديد الثمن، أو على جعله قابلا للتحديد بيان الأسس التي يحدد بمقتضاها، فإن البيع يكون باطلاً لفقده ركناً من أركانه.
1 ـ الثمن و إن كان يعتبر ركناً أساسياً فى عقود البيع إلا أنه وعلى ما يستفاد من نص المادتين 423 ، 424 من القانون المدنى - لا يشترط أن يكون الثمن معيباً بالفعل فى عقد البيع بل يكفى أن يكون قابلاً للتعيين بإتفاق المتعاقدين صراحة أو ضمناً على الأسس التى يحدد بمقتضاها فيما بعد .
(الطعن رقم 9867 لسنة 65 جلسة 2002/11/11)
(الطعن رقم 1051 لسنة 45 جلسة 1980/01/28 س 31 ع 1 ص 318 ق 64)
2 ـ أن مفاد نصوص المواد 418 ، 423 ، 424 من القانون المدنى – وعلى ما جلته مذكرة المشروع التمهيدى – أنه إذا لم يتفق المتعاقدان صراحة ولا ضمناً على تحديد الثمن أو على جعله قابلاً للتحديد ببيان الأسس التى يُحدد بمقتضاها ، فإن البيع يكون باطلاً لفقده ركناً أساسياً من أركانه .
(الطعن رقم 7201 لسنة 78 جلسة 2017/03/09)
3 ـ إذ كان البين من الاطلاع على العقد موضوع الدعوى أن الطاعن باع القدر المبين فيه متعاقداً مع نفسه بصفته ولياً شرعياً إنذاك على أولاده المطعون عليهم ، و أن دور والدتهم إقتصر على مجرد الإشارة إلى دفعها الثمن تبرعاً منها للقصر المشترين و أنها تتعهد بعدم مطالبتهم أو الرجوع عليهم مستقبلاً و كانت الدعوى الماثلة قد أقيمت من الطاعن بطلب بطلان التصرف الحاصل منه إلى أولاده بصوريته المطلقة ، إستناداً إلى إقرار صادر من الوالدة بأن ثمناً لم يدفع منها فى واقع الأمر ، فإن ما خلص إليه الحكم من أن هذه الأخيرة ليست من بين أطراف العقد ، و أنه لا علاقة لها بإحداث الأثر القانونى المراد من التصرف ، و أن الإقرار لا يتضمن إلا نفياً لواقعة سداد الثمن منها دون أن يعرض للتصرف فى حد ذاته ، و رتب على ذلك إفتقاد إمكان إثبات صورية العقد صورية مطلقة بغير كتابة ، فإن هذا الذى خلص إليه الحكم تحصيل سائغ تحتمله مستندات الدعوى و له مأخذه .
(الطعن رقم 669 لسنة 42 جلسة 1979/03/14 س 30 ع 1 ص 786 ق 144)
4 ـ لمحكمة الموضوع أن ترفض طلب التحقيق الذى يطلب منها كلما رأت أنها ليست فى حاجة إليه ، فإذا كانت محكمة الإستئناف قد إنتهت إلى أن العقد محل النزاع هو عقد بيع حقيقى إستوفى أركانه القانونية ، و من بينها الثمن ، أخذا بأقوال الشهود الذين سمعوا فى التحقيق الذى أجرته محكمة أول درجة ، و هو مما يدخل فى سلطة محكمة الموضوع فى تقدير أقوال الشهود ، فإنها بذلك تكون قد رفضت ضمنا طلب الإحالة إلى التحقيق لإثبات صورية الثمن ، لما تبينته من عدم الحاجة إليه إكتفاء بما هو بين يديها من عناصر الدعوى و التحقيقات التى تمت فيها ، و هو حقها الذى لا معقب عليها فيه .
(الطعن رقم 89 لسنة 37 جلسة 1972/03/07 س 23 ع 1 ص 298 ق 47)
5 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد استخلص فى حدود سلطته التقديرية من أقوال شهود الطرفين و من المستندات التى كانت بين يديه أن ثمن الأطيان موضوع عقد البيع هو مبلغ ... ... ... ... و أن المطعون ضده أوفى بهذا الثمن كاملاً و رتب على ذلك توافر ركن الثمن فى عقد البيع ، و إنتهى إلى صحته و نفاذه ، و كان إستخلاصه فى هذا المقام سائغاً ، فإن ما تثيره الطاعنة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً ، يخرج عن رقابة محكمة النقض .
(الطعن رقم 536 لسنة 41 جلسة 1975/06/25 س 26 ص 1287 ق 245)
6 ـ لئن كان الحكم المطعون فيه قد أورد فى أسبابه أن الثمن هو 410 جنيها خلافاً لما جاء فى العقد ، إلا انه لما كان الثابت من الحكم أن الثمن قد دفع إلى الطاعن - البائع - فلا يعدو هذا أن يكون خطأ مادياً إنزلق إليه الحكم لا يؤثر فى سلامة قضائه ، مما يكون معه النعى عليه فى هذا الخصوص غير منتج .
(الطعن رقم 391 لسنة 42 جلسة 1977/02/22 س 28 ع 1 ص 505 ق 96)
7 ـ إذا كان الظاهر من عقد البيع أنه وقع مقابل ثمن معين ، و كان منصوصاً فيه على أن البائع تبرع لولده المشترى بهذا الثمن و على أن المشترى إلتزم بتجهيز أختيه و بالإتفاق عليهما و على أمه بعد وفاة أبيه ، و إعتبرت المحكمة هذا العقد هبة مكشوفة ، فإنها لا تكون قد أخطأت فى تكييفه . فإن مجرد النص على أن الوالد تبرع بالثمن يكفى لإعتبار العقد هبة مكشوفة . أما ما إلتزم به الموهوب له فى ذيل هذا العقد من تجهيز أختيه و من الإنفاق عليهما و على والدته بعد وفاة أبيه فلا يعدو أن يكون مقابلاً للهبة و لا يخرج عقدها عن طبيعته .
(الطعن رقم 88 لسنة 15 جلسة 1946/05/22 س ع ع 5 ص 178 ق 83)
8 ـ لا يمنع من تنجيز التصرف عدم إستطاعة المتصرف إليهما دفع الثمن المبين بالعقد ذلك أن التصرف الناجز يعتبر صحيحاً سواء كان العقد فى الحقيقة بيعاً أو هبة مستتترة فى عقد بيع مستوفيا شكله القانونى .
(الطعن رقم 169 لسنة 33 جلسة 1968/02/13 س 19 ع 1 ص271 ق 40)
قابلية الثمن للتقدير
الأسس التي يقوم عليها التقدير :
وليس من الضروري أن يكون الثمن مقدراً ، بل يكفي كما قدمنا أن يكون قابلاً للتقدير، ما دامت الأسس التي يقوم عليها تقديره متفقاً عليها بين المتبايعين.
ويمكن تصور أسس مختلفة يقوم عليها تقدير الثمن، ذكر منها المشرع اثنين في المادتين 423 و 424 مدني السالفتي الذكر، ونضيف إليهما اثنين آخرين ، فنستعرض الأساس الأربعة الآتية : ( 1 ) أن يكون أساس تقدير الثمن هو الثمن الذي اشترى به البائع المبيع، ( 2 ) أن يكون الأساس هو سعر السوق، ( 3 ) أن يكون الأساس هو السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل بين المتبايعين، ( 4 ) أن يترك التقدير لأجنبي يتفق عليه المتعاقدان .
أساس التقدير الثمن الذي اشترى به البائع – المرابحة والتولية الاشتراك والوضيعة :
قد يتفق المتبايعان على أن يكون الأساس الذي يقوم عليه تقدير الثمن هو الثمن الذي اشترى به البائع، فيشتري المشتري بمثل ما اشترى البائع أو بأكثر أو بأقل وفي هذه الحالة يكون الثمن الذي اشترى به البائع المبيع أمراً جوهري لا بد من التثبت منه حتى يقدر على أساسه الثمن الذي اشترى به المشتري المبيع من البائع، وعلى البائع أن يبين هذا الثمن، وللمشتري أن يثبت أن الثمن الذي بينه البائع يزيد على الثمن الحقيقي وله أن يثبت ذلك بجميع طرق الإثبات ومن بينها البينة والقرائن.
وغني عن البيان أن الأمر في القانون المصري يتوقف على نية المتبايعين، فإن قصدا التأسيس على الثمن الأول بكل ما أحاطه من ملابسات على النحو المتقدم الذكر، وجب الاعتداد به الملابسات، ويترتب على ذلك أن البائع إذا كتم شيئاً منها كان هذا تدليساً وجاز إبطال البيع وإن قصدا مجرد التأسيس على الثمن الأول دون نظر إلى هذه الملابسات، وجب على المشتري قبول المبيع بحالته التي اشتراه بها وأن يدفع الثمن الأول أو أقل أو أكثر حسب الاتفاق، فإن دفع للبالغ ثمناً أكثر مما ارتضاه، سواء كان ذلك بغش من البائع أو بدون غش منه، كان له أن يرجع عليه بما دفعه زيادة على المقدار الذي ارتضاه ويجوز للمشتري أن يرجع على البائع بتعويض إذا وقع من البائع غش أو تقصير في بيان الثمن الأول .
أساس التقدير السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل بين المتبايعين : وقد لا يحدد المتبايعان ثمناً للمبيع، وسنرى أنهما إذا لم يحددا الثمن أصلاً كان البيع باطلاً لانعدام ركن من أركانه، ولكن قد يكون سكوتهما عن تحديد الثمن ينطوي تبعاً للظروف والملابسات التي أحاطت التعاقد، على اتفاق ضمني على أن يترك تحديد الثمن إلى السعر المتداول في التجارة، فهنا أيضاً يكون الثمن قابلاً للتقدير، بالرغم من أن المتبايعين لم يقدراه، ويرجع في تقديره إلى سعر السلعة المتداول بين التجار، سواء كان هذا السعر هو سعر البورصة أو سعر الأسواق المحلية في مكان تسلم المبيع أو غيره من الأمكنة والعبرة هنا ليست بقيمة المبيع في ذاته، بل بسعره المتداول في الأسواق، سواء كان هذا السعر أقل أو أكثر من قيمة المبيع الحقيقية وإذا لم يتبين للقاضي يوضوح السعر المتداول في الأسواق ، كان له أن يلجأ في تبينه إلى خبير من التجار .
وقد يظهر من الظروف والملابسات أن المتبايعين قد اتفقا اتفاقاً ضمنياً على أن يكون الثمن هو السعر الذي جرى عليه التعامل بينهما، فيرجع إلى هذا السعر في تحديد الثمن، فإذا كان بين المتبايعين سابق تعامل، بأن كان أحدهما قد اعتاد أن يورد للآخر سلعة معينة بسعر معين أو بسعر يتغير بتغير أسعار السوق، فاستمرار الأول في توريد السلعة للآخر دون ذكر الثمن يكون معناه أنهما متفقان ضمناً على أن يكون الثمن هو هذا السعر المعين أو السعر المتغير الذي جرى عليه التعامل بينهما.
ترك التقدير لأجنبي يتفق عليه المتبايعان :
وقد يترك المتبايعان تحديد الثمن لأجنبي يتفقان عليه عند البيع فيصح ذلك، لأن الثمن هنا وإن لم يقدره المتبايعان إلا أنهما جعلاه قابلاً للتقدير، وما يقدره الأجنبي ثمناً للمبيع ملزم لكل من البائع والمشتري ويكون هو الثمن، لأن الأجنبي مفوض من المتبايعين في تحديد الثمن فهو كيل عنهما في ذلك ويسري تقديره في حقهما والبيع يعتبر قد تم ، لا من وقت تقدير المفوض للثمن فحسب ، بل من وقت اتفاق المتبايعين على المفوض ففي هذا الوقت كان البيع مستكملاً لجميع عناصره ومنها الثمن إذ كان قابلاً للتقدير كما سبق القول، ويعتبر تقدير المفوض للثمن بمثابة شرط واقف لانعقاد البيع، فإذا تحقق الشرط بأن قدر المفوض الثمن اعتبر البيع قد تم من وقت العقد، ومن ثم تنتقل الملكية في المنقول المعين بالذات من وقت البيع، وفي العقار من وقت التسجيل ولو سجل العقد قبل تقدير المفوض للثمن وإذا لم يقم المفوض بتقدير الثمن لأي سبب، كأن امتنع عن ذلك ولو بغير عذر أو مات قبل أن يقدر الثمن أو تعذر عليه تقديره لعدم خبرته أو لأي سبب آخر، فإن الشرط الواقف لا يتحقق، ويعتبر البيع كأن لم يكن ولا يستطيع القاضي إجبار المفوض على تقدير الثمن كما لا يستطيع أن يعين شخصاً مكانه، أو أن يقوم بتقدير الثمن بنفسه ولكن يستطيع المتبايعان الاتفاق على شخص آخر يحل محل الأول، فإذا ما قدر المفوض الجديد الثمن اعتبر البيع قد تم من وقت تعيين هذا المفوض الجديد ولا يتأخر تمام البيع إلى وقت تقدير الثمن.
وقد يقتصر المتبايعان على أن يجعلا تقدير الثمن لمفوض يعينانه في المستقبل، فما داما لم يعينا هذا المفوض فإن الثمن لا يكون قابلاً للتقدير، ومن ثم لا يتم البيع، فإذا ما عيناه، تم البيع من وقت تعيينه معلقاً على شرط واقف هو تقديره للثمن وإذا امتنع، في الحالة التي نحن بصددها، أحد المتبايعين عن الاتفاق مع الآخر على تعيين المفوض، كان هذا إخلالاً بالتزامه من وجوب الاتفاق على تعيين مفوض، وكان مسئولاً عن التعويض وفقاً للمبادئ العامة، ولكن البيع لا يتم ما دام المفوض لم يعين ترك التبايعين الثمن غير مقدر وغير قابل للتقدير : أما إذا ترك المتبايعان الثمن غير مقدر وغير قابل للتقدير، فإن البيع لا يتم، إذ ينقصه ركن من أركانه وهو الثمن.(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع الصفحة/ 58)
قد لا يحدد المتبايعان ثمناً للمبيع فلا يبطل العقد إذا تبين من الظروف والملابسات أن هناك اتفاقًا ضمنياً على أن يترك تحديد الثمن للسعر المتداول في التجارة فيكون الثمن قابلاً للتقدير، فإذا لم يتبين للقاضي السعر التداول في الأسواق كان له أن يلجأ في ذلك لخبير من التجار وله أن يستند إلى الأسعار الواردة بالصحف، وقد يشير الإتفاق ضمناً إلى السعر السابق التعامل به فيما بين المتبايعين فيؤخذ به، وقد يترك تقدير الثمن لأجنبی مرتضيه المتبايعان فيلترها بتقديره لأنه مفوض ووكيل عنهما، ويتم البيع من وقت أفاق التي يعين على الرکن علی أساس أن التنذير بحد شرط واقفاً فإذا لم يتم هذا التقدير لأي سبب تخلف الشرط واعتبر البيع كأن لم يكن ولا يستطيع القاضي إجبار المفوض على تقدير الثمن أو تعيين مفوض آخر مكانه أو بتقدير الثمن بنفسه وأن تعدد المفوضون وجب اتفاقهم على التقدير ما لم يوجد إنفاق على أغلبية معينة ولا يجوز للقاضي تقدير الثمن بنفسه ولو عهد إليه المتبايعان بذلك إذ ليست مهمته تكملة العقود بل حسم الخلاف في عقود تمت وذلك مع خلاف في الرأي بالنسبة لقيام القاضي بتحليل الثمن، ويجوز الاتفاق على تعيين مفوض ثان أو أرجاء التعيين للمستقبل ويقدر المفوض الثمن بحسب السعر الجاري ويسرى هذا التقدير لو لم يكن عادة إلا إذا انطوى على غش فيبطل، وللمتبايعين تحديد حلين يلتزم المفوض بهما.
فإن لم يتضمن العقد تحديداً الثمن، ولكنه تضمن أسس تقديره،كان ذلك كافية لتقديره وفقاً للمادة 423 من القانون المدني.
الثمن الجدى :
لا يكون الثمن جدياً إذا كان صورياً ومتی ثبت ذلك فإن العقد لا يكون بيعاً إنما هبة مستترة في صورة بيع، فيصبح کهبة دون حاجة إلى ورقة رسمية وتثبيت الصورية إذا أبرأ البائع في عقد البيع نفسه المشتري من الثمن ويكون العقد هنا هبة مكشوفة لا مستترة فيجب لإنعقادها أن تكتب في ورقة رسمية وإلا بطلت ولا يقال أن البيع يكون باطلاً ويتحول إلى هبة صحيحة بل العقد هبة مكشوفة ولكن إذا تم عقد البيع وذکر به الثمن ثم بعد ذلك أبرأ البائع المشتري من الثمن أو وهبه إياه، فإن البيع يبقى صحيحاً ويجوز الأخذ بالشفعة فيه بالثمن المسمى.
الثمن التافه :
كما لا يتم البيع بالثمن الصوري ذاته لا يتم بالثمن التافه، وهو مبلغ يصل من التفاهة في عدم تناسبه مع قيمة البيع حداً يعتقد معه أن البائع لم يتعاقد للحصول على مثل هذا المقدار الضئيل، ويلحق به المرتب مدى الحياة إذا كان أقر من ريع المبيع فيكون العقد هية مكشوفة في الحالة الأخيرة وليست بيعاً.(المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السادس الصفحة/ 294)
لا يتطلب القانون المدني أن يكون تحديد الثمن، أو الأسس التي يقوم عليها صريحاً - على نحو ما تنص عليه المادة 423 - بل يجوز أن يكون هذا التحديد ضمنياً، إذا ما تبين من الظروف أن المتعاقدين قد نويا اعتماد السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل بينهما، فكثيراً ما يطلب أحد التجار من الآخر أن يرسل له كمية من سلعة معينة، فيرسلها الآخر دون ذكر الثمن، ويكون المفهوم ضمناً أن البيع بالسعر المتداول في التجارة بالنسبة لهذه السلعة، وقد تكون هناك معاملات سابقة بين البائع والمشترى، إذا اعتاد تاجر التجزئة أن يشتري بضائع من تاجر الجملة ويكون المفهوم أن الثمن هو الثمن الذي اشترى به البائع، بعد إضافة نسبة مئوية معينة إليه.
وعلى ذلك لا يلزم أن يتفق صراحة في كل مرة على الثمن، لأن المتعاقدين قصدا أن يتحدد الثمن على الأساس الذي يجري عليه التعامل بينهما.
وبالترتيب على ذلك فإن البيع يكون بالاتفاق الضمني على الثمن، على النحو السالف صحيحاً بمنأى عن البطلان.
إذا لم يتفق الطرفان صراحة على الثمن، أو على الأسس التي يحدد بمقتضاها فيما بعد، أو لم يتفقا على هذه الأسس ضمناً، فإن البيع يكون خالياً من الثمن وباطلاً لفقده ركناً من أركانه.(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ الخامس الصفحة/ 110)
تعيين الثمن أو الاسس التي يقوم عليها تعييناً ضمنياً :
ولا يشترط أن يكون تعيين الثمن أو تعيين الأسس التي تؤدي إلي تحديده تعييناً صريحاً، بل يجوز أن يكون تعييناً ضمنياً، وقد نصت المادة 424 علي أنه " اذا لم يحدد المتعاقدان ثمناً للمبيع، فلا يترتب علي ذلك بطلان البيع متى تبين من الظروف أن المتعاقدان قد نويا اعتماد السعر المتداول في التجارة أو السعر الذي جرى عليه التعامل بينهما ". فإذا اعتاد تاجر التجزئة مثلاً أن يطلب من تاجر الجملة كل يوم أو كل أسبوع قدراً معيناً من سلعة دون أن يحدد له الثمن هو الثمن الذي جرى به التعامل بينهما مادام البائع لم ينبه علي عميله برفع هذا الثمن .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السابع الصفحة/ 231)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / التاسع ، الصفحة / 29
إِبْهَامُ الثَّمَنِ
52 - إِذَا بَيَّنَ ثَمَنًا وَأَطْلَقَ، فَلَمْ يُبَيِّنْ نَوْعَهُ، كَمَا لَوْ قَالَ: بِكَذَا دِينَارًا، وَفِي بَلَدِ الْعَقْدِ أَنْوَاعٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ مُخْتَلِفَةٌ فِي الْقِيمَةِ مُتَسَاوِيَةٌ فِي الرَّوَاجِ، فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ مِقْدَارِ الثَّمَنِ. أَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُهَا أَرْوَجُ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَيَنْصَرِفُ إِلَى الأْرْوَجِ، كَمَا لَوْ قَالَ فِي الْكُوَيْتِ: بِعْتُكَ بِدِينَارٍ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالثَّمَنُ دَنَانِيرُ كُوَيْتِيَّةٌ، لأِنَّهَا أَرْوَجُ مِنْ غَيْرِهَا مِنَ الدَّنَانِيرِ الْمَوْجُودَةِ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ .
هَذَا وَتَفْصِيلُ أَحْكَامِ الثَّمَنِ تُنْظَرُ فِي (ثَمَنٍ).
خَامِسًا: تَحْدِيدُ الثَّمَنِ بِالنَّظَرِ إِلَى رَأْسِ الْمَالِ:
53 - تَحْدِيدُ الثَّمَنِ إِمَّا أَنْ يُعْلَمَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالإْشَارَةِ، وَهِيَ أَبْلَغُ طُرُقِ التَّعْرِيفِ، سَوَاءٌ بَيَّنَ الْمِقْدَارَ أَمْ لَمْ يُبَيِّنْ. كَمَا لَوْ بَاعَ سِلْعَةً بِصُرَّةٍ مِنَ الدَّنَانِيرِ، وَأَشَارَ إِلَيْهَا.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ غَائِبًا عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ، وَحِينَئِذٍ لاَ بُدَّ مِنْ بَيَانِ نَوْعِهِ وَوَصْفِهِ وَقَدْرِهِ.
ثُمَّ إِنَّ الثَّمَنَ إِمَّا أَنْ لاَ يُبْنَى عَلَى ثَمَنِ الشِّرَاءِ (رَأْسُ مَالِ الْبَائِعِ) أَوْ يُبْنَى عَلَى ذَلِكَ بِلاَ رِبْحٍ وَلاَ خَسَارَةٍ، أَوْ بِرِبْحٍ مَعْلُومٍ، أَوْ بِخَسَارَةٍ مَعْلُومَةٍ.
فَالأْوَّلُ، وَهُوَ مَا لاَ يُنْظَرُ فِيهِ إِلَى ثَمَنِ الشِّرَاءِ، هُوَ: بَيْعُ الْمُسَاوَمَةِ، وَهُوَ الأْغْلَبُ فِي الْبُيُوعِ.
أَمَّا النَّوْعُ الآْخَرُ فَهُوَ بَيْعُ الأْمَانَةِ. وَيَنْقَسِمُ إِلَى: تَوْلِيَةٍ، وَهُوَ الْبَيْعُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ . وَإِذَا كَانَ لِبَعْضِ الْمَبِيعِ بِنِسْبَتِهِ مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ فَهُوَ إِشْرَاكٌ. وَإِنْ كَانَ بِرِبْحٍ فَهُوَ مُرَابَحَةٌ. أَوْ بِخَسَارَةٍ فَهُوَ وَضِيعَةٌ . وَتَفْصِيلُ هَذِهِ الْبُيُوعِ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
أَحْكَامٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ
أَوَّلاً: الزِّيَادَةُ فِي الْمَبَيْعِ أَوِ الثَّمَنِ.
54 - يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَزِيدَ فِي الثَّمَنِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَكَذَلِكَ يَجُوزُ لِلْبَائِعِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْمَبِيعِ. عَلَى أَنْ يَقْتَرِنَ ذَلِكَ بِقَبُولِ الطَّرَفِ الآْخَرِ فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا، إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ، لأِنَّهُ إِذَا كَانَ هَالِكًا قُوبِلَتِ الزِّيَادَةُ بِمَعْدُومٍ، وَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ الْهَالِكِ - وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ - قُوبِلَتِ الزِّيَادَةُ بِمَا هُوَ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ.
وَلاَ فَرْقَ فِيمَا لَوْ كَانَتِ الزِّيَادَةُ بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ قَبْلَهُ، أَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.
وَحُكْمُ الزِّيَادَةِ أَنَّهَا تَعْدِيلٌ لِلْعَقْدِ السَّابِقِ وَلَيْسَتْ هِبَةً، وَلِذَا لاَ تَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ الْمَشْرُوطِ لِتَمَامِ الْهِبَةِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ. هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَ لُزُومِ الْبَيْعِ بِانْقِضَاءِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ لاَ تُلْحَقُ، بَلْ هِيَ فِي حُكْمِ الْهِبَةِ. وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُ ذَلِكَ .
ثَانِيًا: الْحَطُّ مِنَ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ
55 - يَجُوزُ لِلْمُشْتَرِي الْحَطُّ مِنَ الْمَبِيعِ، وَيَجُوزُ لِلْبَائِعِ الْحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ، إِذَا قَبِلَ الطَّرَفُ الآْخَرُ فِي مَجْلِسِ الْحَطِّ، وَيَسْتَوِي أَنْ يَكُونَ الْحَطُّ بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ قَبْلَهُ، فَلَوْ حَطَّ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعُ بَعْدَ الْقَبْضِ كَانَ لِلآْخَرِ حَقُّ الاِسْتِرْدَادِ لِلْمَحْطُوطِ.
وَلاَ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ حَطِّ الْبَائِعِ مِنَ الثَّمَنِ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ قَائِمًا؛ لأِنَّ الْحَطَّ إِسْقَاطٌ، وَلاَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ.
أَمَّا فِي حَطِّ الْمُشْتَرِي بَعْضَ الْمَبِيعِ عَنِ الْبَائِعِ، فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ دَيْنًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ لِيَقْبَلَ الْحَطَّ. أَمَّا لَوْ كَانَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ الْحَطُّ مِنَ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ؛ لأِنَّ الأْعْيَانَ لاَ تَقْبَلُ الإْسْقَاطَ (ر: إِبْرَاءٌ، وَإِسْقَاطٌ).
ثَالِثًا: آثَارُ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ.
56 - مِنَ الْمُقَرَّرِ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الزِّيَادَةَ وَالْحَطَّ يَلْتَحِقَانِ بِأَصْلِ الْعَقْدِ السَّابِقِ بِطَرِيقِ الاِسْتِنَادِ، مَا لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ مَانِعٌ. بِمَعْنَى أَنَّهُ تَثْبُتُ لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَبِيعِ حِصَّةٌ مِنَ الثَّمَنِ، كَمَا لَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُقَسَّمًا عَلَى الأْصْلِ وَالزِّيَادَةِ، وَكَذَلِكَ عَكْسُهُ إِذَا كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ.
وَمِنْ آثَارِ ذَلِكَ:
أ - إِذَا تَلِفَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ وَبَقِيَتِ الزِّيَادَةُ، أَوْ هَلَكَتِ الزِّيَادَةُ وَبَقِيَ الْمَبِيعُ، سَقَطَتْ حِصَّةُ الْهَالِكِ مِنَ الثَّمَنِ. وَهَذَا بِخِلاَفِ الزِّيَادَةِ النَّاشِئَةِ مِنَ الْمَبِيعِ نَفْسِهِ.
ب - لِلْبَائِعِ حَبْسُ جَمِيعِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَقْبِضَ الثَّمَنَ الأْصْلِيَّ وَالزِّيَادَةَ عَلَيْهِ.
ج - إِمْكَانُ الْبَيْعِ بِالأْمَانَةِ مِنْ مُرَابَحَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالثَّمَنِ بَعْدَ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ.
د - إِذَا اسْتُحِقَّ الْمَبِيعُ، وَقُضِيَ بِهِ لِلْمُسْتَحِقِّ؟، رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ مِنْ أَصْلٍ وَزِيَادَةٍ. وَكَذَلِكَ فِي الرُّجُوعِ بِالْعَيْبِ.
هـ - فِي الأْخْذِ بِالشُّفْعَةِ، يَأْخُذُ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ بَعْدَ الْحَطِّ. وَلَوْ زَادَ الْبَائِعُ شَيْئًا فِي الْمَبِيعِ يَأْخُذُ الشَّفِيعُ أَصْلَ الْعَقَارِ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ لاَ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ. وَهَذَا بِالاِتِّفَاقِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى مَا سَيَأْتِي.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: الزِّيَادَةُ وَالْحَطُّ يُلْحَقَانِ بِالْبَيْعِ، سَوَاءٌ أَحَدَثَ ذَلِكَ عِنْدَ التَّقَابُضِ أَمْ بَعْدَهُ.
وَالزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ تَكُونُ فِي حُكْمِ الثَّمَنِ الأْوَّلِ ، فَتُرَدُّ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ، وَعِنْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَيَجُوزُ حَطُّ كُلِّ الثَّمَنِ عَنِ الْمُشْتَرِي، أَيْ هِبَتُهُ لَهُ، وَلِلْحَطِّ أَثَرُهُ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ وَفِي الشُّفْعَةِ.
فَفِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ، يَقُولُ الدَّرْدِيرُ وَالدُّسُوقِيُّ: يَجِبُ بَيَانُ هِبَةٍ لِبَعْضِ الثَّمَنِ إِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً بَيْنَ النَّاسِ، بِأَنْ تُشْبِهَ عَطِيَّةَ النَّاسِ، فَإِنْ لَمْ تُعْتَدْ (أَيْ لَمْ تَجْرِ بِهَا عَادَةٌ) أَوْ وَهَبَ لَهُ جَمِيعَ الثَّمَنِ قَبْلَ النَّقْدِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَجِبِ الْبَيَانُ .
وَفِي الشُّفْعَةِ، يَقُولُ الشَّيْخُ عُلَيْشٌ: مَنِ اشْتَرَى شِقْصًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، ثُمَّ وَضَعَ عَنْهُ الْبَائِعُ تِسْعَمِائَةِ دِرْهَمٍ بَعْدَ أَخْذِ الشَّفِيعِ أَوْ قَبْلَهُ، فَإِنْ أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الشِّقْصِ بَيْنَ النَّاسِ مِائَةَ دِرْهَمٍ إِذَا تَغَابَنُوا بَيْنَهُمْ، أَوِ اشْتَرَوْا بِغَيْرِ تَغَابُنٍ، وُضِعَ ذَلِكَ عَنِ الشَّفِيعِ؛ لأِنَّ مَا أَظْهَرَا مِنَ الثَّمَنِ الأْوَّلِ إِنَّمَا كَانَ سَبَبًا لِقَلْعِ الشُّفْعَةِ.
وَإِنْ لَمْ يُشْبِهْ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ مِائَةً، قَالَ ابْنُ يُونُسَ: أَرَادَ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهُ ثَلاَثَمِائَةٍ أَوْ أَرْبَعَمِائَةٍ، لَمْ يَحُطَّ لِلشَّفِيعِ شَيْئًا، وَكَانَتِ الْوَضِيعَةُ هِبَةً لِلْمُبْتَاعِ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: إِنْ حَطَّ عَنِ الْمُبْتَاعِ مَا يُشْبِهُ أَنْ يُحَطَّ فِي الْبُيُوعِ وُضِعَ ذَلِكَ عَنِ الشَّفِيعِ وَإِنْ كَانَ لاَ يُحَطُّ مِثْلُهُ فَهِيَ هِبَةٌ، وَلاَ يَحُطُّ عَنِ الشَّفِيعِ شَيْئًا .
وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَالُوا: إِنَّ الزِّيَادَةَ أَوِ الْحَطَّ فِي الثَّمَنِ أَوِ الْمُثَمَّنِ، إِنْ كَانَتْ بَعْدَ لُزُومِ الْعَقْدِ بِانْقِضَاءِ الْخِيَارِ فَلاَ تُلْحَقُ بِهِ؛ لأِنَّ الْبَيْعَ اسْتَقَرَّ بِالثَّمَنِ الأْوَّلِ ، وَالزِّيَادَةَ أَوِ الْحَطَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَبَرُّعٌ، وَلاَ تُلْحَقُ بِالْعَقْدِ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ لُزُومِ الْعَقْدِ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ أَوْ خِيَارِ الشَّرْطِ، فَالصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ: أَنَّهُ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارَيْنِ جَمِيعًا، وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ؛ لأِنَّ الزِّيَادَةَ أَوِ الْحَطَّ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ تُلْتَحَقُ بِالْعَقْدِ، وَقِيسَ بِخِيَارِ الْمَجْلِسِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِجَامِعِ عَدَمِ الاِسْتِقْرَارِ. وَهَذَا أَحَدُ الأْوْجُهِ الَّتِي ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ.
وَفِي وَجْهٍ آخَرَ: لاَ يُلْحَقُ ذَلِكَ، وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي.
وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ: يُلْحَقُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ دُونَ خِيَارِ الشَّرْطِ، قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَالْقَفَّالُ.
أَمَّا أَثَرُ ذَلِكَ فِي الْعُقُودِ. فَفِي الشُّفْعَةِ تَلْحَقُ الزِّيَادَةُ الشَّفِيعَ كَمَا تَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ، وَلَوْ حُطَّ مِنَ الثَّمَنِ شَيْءٌ فَحُكْمُهُ كَذَلِكَ . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (شفعة).
وَفِي التَّوْلِيَةِ وَالإْشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ. جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ حُطَّ عَنِ الْمُوَلِّي - بِكَسْرِ اللاَّمِ الْمُشَدَّدَةِ - مِنَ الْبَائِعِ بَعْضُ الثَّمَنِ بَعْدَ التَّوْلِيَةِ أَوْ قَبْلَهَا، وَلَوْ بَعْدَ اللُّزُومِ، انْحَطَّ عَنِ الْمَوْلَى - بِفَتْحِ اللاَّمِ - إِذْ خَاصَّةُ التَّوْلِيَةِ - وَإِنْ كَانَتْ بَيْعًا جَدِيدًا - التَّنْزِيلُ عَلَى الثَّمَنِ الأْوَّلِ ، فَإِنْ حُطَّ جَمِيعُهُ انْحَطَّ أَيْضًا مَا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ لُزُومِ التَّوْلِيَةِ، وَإِلاَّ - بِأَنْ كَانَ قَبْلَ التَّوْلِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا وَقَبْلَ لُزُومِهَا - بَطَلَتْ لأِنَّهَا حَيْثُ بِيعَ مِنْ غَيْرِ ثَمَنٍ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ تَقَايَلاَ بَعْدَ حَطِّهِ بَعْدَ اللُّزُومِ، لَمْ يَرْجِعِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ .
وَالإْشْرَاكُ وَالْمُرَابَحَةُ كَالتَّوْلِيَةِ فِي ذَلِكَ. وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (مرابحة، تولية، إِشراك).
وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ جَاءَ فِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: لَوْ أَبْرَأَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ أَوْ كُلِّهِ، ثُمَّ رَدَّ الْمَبِيعَ بِعَيْبٍ، فَالأْوْجَهُ أَنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِي الإْبْرَاءِ مِنْ جَمِيعِ الثَّمَنِ بِشَيْءٍ، وَفِي الإْبْرَاءِ مِنْ بَعْضِهِ إِلاَّ بِالْبَاقِي.
وَلَوْ وَهَبَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، فَقِيلَ: يَمْتَنِعُ الرَّدُّ، وَقِيلَ: يَرُدُّ، وَيُطَالِبُ بِبَدَلِ الثَّمَنِ، وَهُوَ الأْوْجَهُ .
وَالْحَنَابِلَةُ كَالشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ جَاءَ فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: مَا يُزَادُ فِي ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ (خِيَارِ الْمَجْلِسِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ) يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ، فَيُخْبِرُ بِهِ فِي الْمُرَابَحَةِ وَالتَّوْلِيَةِ وَالإْشْرَاكِ كَأَصْلِهِ.
وَمَا يُوضَعُ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ مُثَمَّنٍ زَمَنَ الْخِيَارَيْنِ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ، فَيَجِبُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ كَأَصْلِهِ، تَنْزِيلاً لِحَالِ الْخِيَارِ مَنْزِلَةَ حَالِ الْعَقْدِ.
وَإِنْ حُطَّ الثَّمَنُ كُلُّهُ فَهِبَةٌ.
وَلاَ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ مَا زِيدَ أَوْ حُطَّ بَعْدَ لُزُومِهِ فَلاَ يَجِبُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ .
وَفِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ جَاءَ فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإْرَادَاتِ: يَأْخُذُ مُشْتَرٍ رَدَّ الْمَبِيعَ مَا دَفَعَهُ مِنْ ثَمَنٍ، أَوْ بَدَلِ مَا أَبْرَأَهُ الْبَائِعُ مِنْهُ، أَوْ بَدَلَ مَا وَهَبَ لَهُ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِهِ، كُلًّا كَانَ أَوْ بَعْضًا، لاِسْتِحْقَاقِ الْمُشْتَرِي بِالْفَسْخِ اسْتِرْجَاعَ جَمِيعِ الثَّمَنِ .
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الشُّفْعَةِ: يَسْتَحِقُّ الشَّفِيعُ الشِّقْصَ بِالثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْعَقْدُ، فَلَوْ تَبَايَعَا بِقَدْرٍ، ثُمَّ غَيَّرَاهُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ، ثَبَتَ ذَلِكَ التَّغْيِيرُ فِي حَقِّ الشَّفِيعِ؛ لأِنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ إِنَّمَا يَثْبُتُ إِذَا تَمَّ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِالثَّمَنِ الَّذِي هُوَ ثَابِتٌ حَالَ اسْتِحْقَاقِهِ، وَلأِنَّ زَمَنَ الْخِيَارِ بِمَنْزِلَةِ حَالَةِ الْعَقْدِ، وَالتَّغْيِيرُ يُلْحَقُ بِالْعَقْدِ فِيهِ، لأِنَّهُمَا عَلَى اخْتِيَارِهِمَا فِيهِ كَمَا لَوْ كَانَ التَّغْيِيرُ فِي حَالِ الْعَقْدِ. فَأَمَّا إِذَا انْقَضَى الْخِيَارُ وَانْبَرَمَ الْعَقْدُ، فَزَادَا أَوْ نَقَصَا لَمْ يُلْحَقْ بِالْعَقْدِ؛ لأِنَّ الزِّيَادَةَ بَعْدَهُ هِبَةٌ .
رَابِعًا: مَوَانِعُ الْتِحَاقِ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ فِي حَقِّ الْغَيْرِ
57 - يَمْتَنِعُ الْتِحَاقُ الزِّيَادَةِ بِالثَّمَنِ، أَوِ الْتِحَاقِ الْحَطِّ بِهِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا - إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الْتِحَاقِ الزِّيَادَةِ أَوِ الْحَطِّ بِالثَّمَنِ انْتِقَاصٌ مِنْ حَقِّ الْغَيْرِ ثَابِتٌ بِالْعَقْدِ، فَيُقْتَصَرُ حُكْمُ الاِلْتِحَاقِ عَلَى الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الْغَيْرِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الإْضْرَارِ بِهِ.
وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْمَانِعِ: أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا زَادَ فِي الثَّمَنِ، وَكَانَ الْمَبِيعُ عَقَارًا، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ الأْصْلِيِّ دُونَ الزِّيَادَةِ، سَدًّا لِبَابِ التَّوَاطُؤِ لِتَضْيِيعِ حَقِّ الشُّفْعَةِ.
أَمَّا الْحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ فَيُلْتَحَقُ لِعَدَمِ إِضْرَارِهِ بِالشَّفِيعِ، وَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ فِي الْمَبِيعِ.
الثَّانِي: إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى الاِلْتِحَاقِ بُطْلاَنُ الْبَيْعِ، كَمَا لَوْ شَمِلَ الْحَطُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ، لأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الإْبْرَاءِ الْمُنْفَصِلِ عَنِ الْعَقْدِ، وَبِذَلِكَ يَخْلُو عَقْدُ الْبَيْعِ مِنَ الثَّمَنِ، فَيَبْطُلُ.
وَمِنْ آثَارِ هَذَا الْمَانِعِ: أَنَّهُ لَوْ حَطَّ الْبَائِعُ كُلَّ الثَّمَنِ فِي الْعَقَارِ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ يَأْخُذُهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ الأْصْلِيِّ؛ لأِنَّ الْحَطَّ إِذَا اعْتُبِرَ إِبْرَاءً مُنْفَصِلاً تَرَتَّبَ عَلَيْهِ خُلُوُّ الْبَيْعِ عَنِ الثَّمَنِ، ثُمَّ بُطْلاَنُهُ، وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ حَقُّ الشَّفِيعِ، وَلِذَا يَبْقَى الْمَبِيعُ مُقَابَلاً بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِي حَقِّهِ، وَلَكِنْ يَسْقُطُ الثَّمَنُ عَنِ الْمُشْتَرِي بِالْحَطِّ، ضَرُورَةَ صِحَّةِ الإْبْرَاءِ فِي ذَاتِهِ، وَهَذَا إِنْ حَطَّ الثَّمَنَ بَعْدَ الْقَبْضِ، أَمَّا إِنْ حَطَّ قَبْلَهُ فَيَأْخُذُهُ الشَّفِيعُ بِالْقِيمَةِ .
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الخامس عشر ، الصفحة / 25
ثمنٌ
التّعْريفُ:
1 - الثّمنُ لُغةً: ما يُسْتحقُّ به الشّيْءُ. وفي الصّحاح: الثّمنُ ثمنُ الْمبيع، وفي التّهْذيب: ثمنُ كُلّ شيْءٍ قيمتُهُ.
قال الزّبيديُّ: قال شيْخُنا: اشْتُهر أنّ الثّمن ما يقعُ به التّراضي ولوْ زاد أوْ نقص عنْ الْواقع، والْقيمةُ ما يُقاومُ الشّيْء، أيْ: يُوافقُ مقْدارهُ في الْواقع ويُعادلُهُ.
وقال الرّاغبُ: الثّمنُ اسْمٌ لما يأْخُذُهُ الْبائعُ في مُقابلة الْمبيع، عيْنًا كان أوْ سلْعةً، وكُلُّ ما يُحصّلُ عوضًا عنْ شيْءٍ فهُو ثمنُهُ.
والثّمنُ هُو: مبيعٌ بثمنٍ .
وأمّا في الاصْطلاح فالثّمنُ، ما يكُونُ بدلاً للْمبيع ويتعيّنُ في الذّمّة، وتُطْلقُ الأْثْمانُ أيْضًا على الدّراهم والدّنانير .
الأْلْفاظُ ذاتُ الصّلة:
أ - الْقيمةُ:
2 - الْقيمةُ ما قُوّم به الشّيْءُ بمنْزلة الْمعْيار منْ غيْر زيادةٍ ولا نُقْصانٍ .
والثّمنُ ما تراضى عليْه الْمُتعاقدان سواءٌ زاد على الْقيمة أوْ نقص.
فالْفرْقُ بيْنها وبيْن الثّمن أنّ الْقيمة عبارةٌ عنْ ثمن الْمثْل، والثّمنُ الْمُتراضى عليْه قدْ يُساوي الْقيمة أوْ يزيدُ عنْها أوْ ينْقُصُ ويُنْظرُ تفْصيلُ أحْكام ثمن الْمثْل في (الْقيمةُ).
ب - السّعْرُ:
3 - السّعْرُ هُو الثّمنُ الْمُقدّرُ للسّلْعة، فالْفرْقُ بيْنهُ وبيْن الثّمن أنّ الثّمن هُو ما يتراضى عليْه الْعاقدان أمّا السّعْرُ فهُو ما يطْلُبُهُ الْبائعُ.
الثّمنُ منْ أرْكان عقْد الْبيْع:
4 - اتّفق الْمالكيّةُ والشّافعيّةُ والْحنابلةُ على أنّ الْمعْقُود عليْه (وهُو الثّمنُ والْمبيعُ) منْ أرْكان عقْد الْبيْع.
وذهب الْحنفيّةُ إلى أنّ رُكْن الْبيْع هُو الصّيغةُ فقطْ (الإْيجابُ والْقبُولُ) أمّا الثّمنُ فهُو أحدُ جُزْأيْ محلّ عقْد الْبيْع الّذي هُو (الْمبيعُ والثّمنُ) وليْس الْمحلُّ رُكْنًا عنْد الْحنفيّة.
وقال الْحنفيّةُ: إذا تفاسخ الْمُتبايعان بعْد قبْض الْعوضيْن، كان للْمُشْتري أنْ يحْبس الْمبيع حتّى يرُدّ الْبائعُ الّذي قبضهُ في مُقابلة الْمبيع، عرضًا كان أوْ نقْدًا، ثمنًا كان أوْ قيمةً؛
لأنّ الْمبيع مُقابلٌ به فيصيرُ محْبُوسًا به كالرّهْن. فكان لهُ ولايةُ أنْ لا يدْفع الْمبيع إلى أنْ يأْخُذ الثّمن من الْبائع.
وإنْ مات الْبائعُ في حالة التّفاسُخ فالْمُشْتري أحقُّ بحبْسه حتّى يسْتوْفي الثّمن؛ لأنّهُ يُقدّمُ عليْه حال حياته، فكذا يُقدّمُ على تجْهيزه بعْد وفاته .
شُرُوطُ الثّمن:
5 - اتّفق الْفُقهاءُ على وُجُوب تسْمية الثّمن في عقْد الْبيْع، وأنْ يكُون مالاً، وممْلُوكًا للْمُشْتري، ومقْدُور التّسْليم، ومعْلُوم الْقدْر والْوصْف، وإيضاحُ ذلك فيما يلي:
الشّرْطُ الأْوّلُ - تسْميةُ الثّمن:
6 - تسْميةُ الثّمن حين الْبيْع لازمةٌ، فلوْ باع بدُون تسْمية ثمنٍ كان الْبيْعُ فاسدًا؛ لأنّ الْبيْع مع نفْي الثّمن باطلٌ، إذْ لا مُبادلة حينئذٍ، ومع السُّكُوت عنْهُ فاسدٌ، كما ذكر الْحنفيّةُ .
فإذا بيع الْمالُ ولمْ يُذْكر الثّمنُ حقيقةً، كأنْ يقُول الْبائعُ للْمُشْتري: بعْتُك هذا الْمال مجّانًا أوْ بلا بدلٍ فيقُول الْمُشْتري: قبلْتُ، فهذا الْبيْعُ باطلٌ.
وإذا لمْ يُذْكر الثّمنُ حُكْمًا، كأنْ يقُول إنْسانٌ لآخر: بعْتُك هذا الْمال بالأْلْف الّتي لك في ذمّتي، فيقْبلُ الْمُشْتري، مع كوْن الْمُتعاقديْن يعْلمان أنْ لا ديْن، فالْبيْعُ في مثْل هذه الصُّورة باطلٌ أيْضًا، ويكُونُ الشّيْءُ هبةً في الصُّورتيْن.
وإذا كان الثّمنُ مسْكُوتًا عنْهُ حين الْبيْع فالْبيْعُ فاسدٌ وليْس بباطلٍ؛ لأنّ الْبيْع الْمُطْلق يقْتضي الْمُعاوضة، فإذا سكت الْبائعُ عن الثّمن كان مقْصدُهُ أخْذ قيمة الْمبيع، فكأنّهُ يقُولُ: بعْتُ ما لي بقيمته، وذكْرُ الْقيمة مُجْملةً يجْعلُ الثّمن مجْهُولاً فيكُونُ الْبيْعُ فاسدًا .
وبيْعُ التّعاطي صحيحٌ عنْد الْجُمْهُور لأنّ الثّمن والْمُثمّن معْلُومان فيه، والتّراضي قائمٌ بيْنهُما ولوْ لمْ تُوجدْ فيه صفةٌ.
وعنْد الْمالكيّة والشّافعيّة لا ينْعقدُ الْبيْعُ إلاّ بتسْمية الثّمن. قال ابْنُ رُشْدٍ في الْمُقدّمات عنْد الْكلام على الصّداق: الصّداقُ نحْلةٌ من اللّه تعالى فرضها للزّوْجات على أزْواجهنّ، لا عنْ عوضٍ، ولهذا لمْ يفْتقرْ عقْدُ النّكاح إلى تسْميةٍ، ولوْ كان الصّداقُ ثمنًا للْبُضْع حقيقةً لما صحّ النّكاحُ دُون تسْميةٍ، كالْبيْع الّذي لا ينْعقدُ إلاّ بتسْمية الثّمن. وفي الْمجْمُوع قال النّوويُّ: يُشْترطُ في صحّة الْبيْع أنْ يذْكُر الثّمن في حال الْعقْد، فيقُول: بعْتُك كذا بكذا، فإنْ قال: بعْتُك هذا، واقْتصر على هذا، فقال الْمُخاطبُ: اشْتريْتُ أوْ قبلْتُ لمْ يكُنْ هذا بيْعًا بلا خلافٍ، ولا يحْصُلُ به الْملْكُ للْقابل على الْمذْهب، وبه قطع الْجُمْهُورُ، وقيل: فيه وجْهان أصحُّهُما هذا، والثّاني: يكُونُ هبةً.
وقال السُّيُوطيُّ: إذا قال: بعْتُك بلا ثمنٍ، أوْ لا ثمن لي عليْك، فقال: اشْتريْتُ وقبضهُ فليْس بيْعًا، وفي انْعقاده هبةً قوْلا تعارُض اللّفْظ والْمعْنى، وإذا قال الْبائعُ: بعْتُك ولمْ يذْكُرْ ثمنًا، فإنْ راعيْنا الْمعْنى انْعقد هبةً، أوْ اللّفْظ فهُو بيْعٌ فاسدٌ.
وأمّا عنْد الْحنابلة فقدْ جاء في الإْنْصاف: يُشْترطُ معْرفةُ الثّمن حال الْعقْد على الصّحيح من الْمذْهب وعليْه الأْصْحابُ، واخْتار الشّيْخُ ابْنُ تيْميّة صحّة الْبيْع وإنْ لمْ يُسمّ الثّمن، ولهُ ثمنُ الْمثْل كالنّكاح.
الشّرْطُ الثّاني - كوْنُ الثّمن مالاً:
7 - ذهب الْحنفيّةُ إلى أنّهُ يُشْترطُ في الثّمن لانْعقاد الْبيْع: أنْ يكُون مالاً مُتقوّمًا.
لأنّ الْبيْع هُو مُبادلةُ الْمال بالْمال بالتّراضي.
والْمالُ هُو ما يميلُ إليْه الطّبْعُ ويُمْكنُ ادّخارُهُ لوقْت الْحاجة، والْماليّةُ إنّما تثْبُتُ بتموُّل النّاس كافّةً أوْ بعْضهمْ.
والتّقوُّمُ يثْبُتُ بها وبإباحة الانْتفاع به شرْعًا. فما يكُونُ مُباح الانْتفاع بدُون تموُّل النّاس لا يكُونُ مالاً، كحبّة حنْطةٍ. وما يكُونُ مالاً بيْن النّاس، ولا يكُونُ مُباح الانْتفاع لا يكُونُ مُتقوّمًا، كالْخمْر. وإذا عُدم الأْمْران لمْ يثْبُتْ واحدٌ منْهُما كالدّم.
فالْمالُ أعمُّ من الْمُتقوّم؛ لأنّ الْمال ما يُمْكنُ ادّخارُهُ ولوْ غيْر مُباحٍ كالْخمْر، والْمُتقوّمُ ما يُمْكنُ ادّخارُهُ مع الإْباحة. فالْخمْرُ مالٌ غيْرُ مُتقوّمٍ، فلذا فسد الْبيْعُ بجعْلها ثمنًا، وإنّما لمْ ينْعقدْ أصْلاً بجعْلها مبيعًا؛ لأنّ الثّمن غيْرُ مقْصُودٍ بلْ وسيلةٌ إلى الْمقْصُود، إذْ الانْتفاعُ بالأْعْيان لا بالأْثْمان، ولهذا اشْتُرط وُجُودُ الْمبيع دُون الثّمن فبهذا الاعْتبار صار الثّمنُ منْ جُمْلة الشُّرُوط بمنْزلة آلات الصُّنّاع.
ومنْ هذا قال في الْبحْر: الْبيْعُ وإنْ كان مبْناهُ على الْبدليْن، لكنّ الأْصْل فيه الْمبيعُ دُون الثّمن، ولذا تُشْترطُ الْقُدْرةُ على الْمبيع دُون الثّمن، وينْفسخُ بهلاك الْمبيع دُون الثّمن .
والتّقوُّمُ في الثّمن شرْطُ صحّةٍ، وفي الْمبيع شرْطُ انْعقادٍ.
وذهب الْمالكيّةُ والشّافعيّةُ إلى أنّ منْ شرْط الثّمن:
أنْ يكُون مالاً طاهرًا، فلا يصحُّ ما نجاستُهُ أصْليّةٌ كجلْد الْميْتة والْخمْر لخبر الصّحيحيْن: «أنّهُ صلى الله عليه وسلم نهى عنْ ثمن الْكلْب، وقال: إنّ اللّه ورسُولهُ حرّم بيْع الْخمْر والْميْتة والْخنْزير والأْصْنام» . وقيس عليْها ما في معْناها. ولا يصحُّ ما هُو مُتنجّسٌ لا يقْبلُ التّطْهير كسمْنٍ ولبنٍ تنجّس. وأنْ يكُون مُنْتفعًا به انْتفاعًا شرْعيًّا ولوْ في الْمال كالْبهيمة الصّغيرة. فلا يصحُّ بيْعُ ما لا نفْع فيه، لأنّهُ لا يُعدُّ مالاً، كالْحشرات الّتي لا نفْع فيها.
وذهب الْحنابلةُ إلى أنّ منْ شُرُوط الْبيْع أنْ يكُون الثّمنُ مالاً.
والْمالُ شرْعًا: (ما يُباحُ نفْعُهُ مُطْلقًا، ويُباحُ اقْتناؤُهُ بلا حاجةٍ) فخرج: ما لا نفْع فيه أصْلاً كبعْض الْحشرات، وما فيه منْفعةٌ مُحرّمةٌ كالْخمْر، وما فيه منْفعةٌ مُباحةٌ للْحاجة كالْكلْب، وما فيه منْفعةٌ تُباحُ للضّرُورة كالْميْتة في حال الْمخْمصة، وخمْرٍ لدفْع لُقْمةٍ غصّ بها .
أنْواعُ الأْمْوال منْ حيْثُ الثّمنيّة:
8 - ذهب الْحنفيّةُ إلى أنّ الأْمْوال أرْبعةُ أنْواعٍ:
أ - ثمنٌ بكُلّ حالٍ، وهُو النّقْدان، صحبهُ الْباءُ أوْ لا، قُوبل بجنْسه أوْ بغيْر جنْسه؛ لأنّ الثّمن ما يثْبُتُ ديْنًا في الذّمّة عنْد الْعرب، كذا ذكرهُ الْفرّاءُ، والنُّقُودُ لا تُسْتحقُّ بالْعقْد إلاّ ديْنًا في الذّمّة، فكانتْ ثمنًا بكُلّ حالٍ.
ب - مبيعٌ بكُلّ حالٍ، كالدّوابّ ونحْوها من الأْعْيان غيْر الْمثْليّة والْعدديّات الْمُتفاوتة؛ لأنّ الْعُرُوض لا تُسْتحقُّ بالْعقْد إلاّ عيْنًا فكانتْ مبيعةً.
ج - ثمنٌ منْ وجْهٍ نظرًا إلى أنّها مثْليّةٌ فثبتتْ في الذّمّة فأشْبهت النّقْد، ومبيعٌ منْ وجْهٍ، نظرًا إلى الانْتفاع بأعْيانها فأشْبهت الْعُرُوض. وذلك كالْمثْليّات غيْر النّقْديْن من الْمكيل والْموْزُون والْعدديّ الْمُتقارب كالْبيْض. فإنّهُ إنْ كان مُعيّنًا في الْعقْد كان مبيعًا، وإنْ لمْ يكُنْ مُعيّنًا وصحبهُ الْباءُ، وقُوبل بالْمبيع فهُو ثمنٌ. وإنْ لمْ يصْحبْهُ حرْفُ الْباء ولمْ يُقابلْهُ ثمنٌ فهُو مبيعٌ.
لأنّ الْمكيل والْموْزُون غيْر النّقْديْن يُسْتحقُّ بالْعقْد عيْنًا تارةً، وديْنًا أُخْرى، فكان ثمنًا في حالٍ، مبيعًا في حالٍ.
د - ثمنٌ بالاصْطلاح، وهُو سلْعةٌ في الأْصْل كالْفُلُوس.
فإنْ كان رائجًا كان ثمنًا، وإنْ كان كاسدًا فهُو سلْعةٌ مُثمّنٌ. والْحاصلُ - كما قال الْحصْكفيُّ وابْنُ عابدين - إنّ الْمثْليّات تكُونُ ثمنًا إذا دخلتْها الْباءُ ولمْ تُقابلْ بثمنٍ، أيْ: بأحد النّقْديْن، سواءٌ تعيّنتْ أوْ لا. وكذا إذا لمْ تدْخُلْها الْباءُ، ولمْ تُقابلْ بثمنٍ وتعيّنتْ. وتكُونُ مبيعًا إذا قُوبلتْ بثمنٍ مُطْلقًا، أيْ: سواءٌ دخلتْها الْباءُ أوْ لا، تعيّنتْ أوْ لا. وكذا إذا لمْ تُقابلْ بثمنٍ ولمْ يصْحبْها الْباءُ ولمْ تُعيّنْ، كبعْتُك كُرّ حنْطةٍ بهذا الْعبْد.
وقال الْكاسانيُّ: الْفُلُوسُ الرّائجةُ إنْ قُوبلتْ بخلاف جنْسها فهي أثْمانٌ، وكذا إنْ قُوبلتْ بجنْسها مُتساويةً في الْعدد. وإنْ قُوبلتْ بجنْسها مُتفاضلةً في الْعدد فهي مبيعةٌ عنْد أبي حنيفة وأبي يُوسُف، وعنْد مُحمّدٍ هي أثْمانٌ على كُلّ حالٍ .
وقريبٌ منْهُ الأْصحُّ عنْد الشّافعيّة وهُو أنّ الثّمن النّقْدُ إنْ قُوبل بغيْره للْعُرْف، فإنْ كان الْعوضان نقْديْن أوْ عرضيْن فالثّمنُ ما الْتصقتْ به باءُ الثّمنيّة والْمُثمّنُ ما يُقابلُهُ.
وقال الْمالكيّةُ: إنّ كُلًّا من الْعوضيْن ثمنٌ للآْخر ومُثمّنٌ، ولا مانع منْ كوْن النُّقُود مبيعةً؛ لأنّ كُلًّا من الْعوضيْن مبيعٌ بالآْخر، لكنْ جرى الْعُرْفُ أنّهُ إذا كان أحدُ الْعوضيْن دنانير أوْ دراهم والْعوضُ الثّاني شيْئًا من الْمُثمّنات، عرضًا أوْ نحْوهُ، أنّ الثّمن هُو الدّنانيرُ والدّراهمُ وما عداهُما مُثمّناتٌ .
وذهب الْحنابلةُ إلى أنّ الثّمن يتميّزُ عن الْمُثمّن بباء الْبدليّة، ولوْ أنّ أحد الْعوضيْن نقْدٌ.
فما دخلتْ عليْه الْباءُ فهُو ثمنٌ، فدينارٌ بثوْبٍ: الثّمنُ الثّوْبُ، لدُخُول الْباء عليْه .
تعيُّنُ الثّمن بالتّعْيين:
9 - اخْتلف الْفُقهاءُ في تعيُّن الأْثْمان بالتّعْيين في الْعقْد على قوْليْن:
الْقوْلُ الأْوّلُ: إنّ النُّقُود لا تتعيّنُ بالتّعْيين، فإذا اشْترى بهذا الدّرْهم فلهُ دفْعُ درْهمٍ غيْره.
وهذا هُو مذْهبُ الْحنفيّة - إلاّ زُفر - وروايةٌ عنْ أحْمد وهُو مشْهُورُ مذْهب مالكٍ إلاّ إنْ كان الْعاقدُ منْ ذوي الشُّبُهات.
وللْحنفيّة تفْصيلٌ في تعيُّن الأْثْمان.
فالأْثْمانُ النّقْديّةُ الرّائجةُ لا تتعيّنُ بالتّعْيين في عُقُود الْمُعاوضات كالْبيْع والإْجارة.
أمّا في غيْر الْمُعاوضات كالأْمانة والْوكالة والشّركة والْمُضاربة والْغصْب فإنّها تتعيّنُ بالتّعْيين؛ لأنّها لمْ تكُنْ وسائل لغيْرها بلْ تكُونُ مقْصُودةً بالذّات، فإذا هلك رأْسُ مال أحد الشّريكيْن قبْل الشّراء وقبْل الْخلْط تنْفسخُ الشّركةُ.
أمّا إذا كانت الأْثْمانُ في الْمُعاوضات منْ غيْر النُّقُود، فإنّها تتعيّنُ بالتّعْيين؛ لأنّها إذا عُيّنتْ تكُونُ مبيعةً منْ وجْهٍ ومقْصُودةً بالذّات.
أمّا الْفُلُوسُ والدّراهمُ الّتي غالبُها الْغشُّ:
فإنْ كانتْ رائجةً فلا تتعيّنُ بالتّعْيين، لكوْنها أثْمانًا بالاصْطلاح، فما دام ذلك الاصْطلاحُ موْجُودًا لا تبْطُلُ الثّمنيّةُ، لقيام الْمُقْتضي. وإنْ كانتْ غيْر رائجةٍ فتتعيّنُ بالتّعْيين؛ لزوال الْمُقْتضي للثّمنيّة وهُو الاصْطلاحُ، وهذا لأنّها في الأْصْل سلْعةٌ، وإنّما صارتْ أثْمانًا بالاصْطلاح، فإذا تركُوا الْمُعاملة بها رجعتْ إلى أصْلها.
كما أنّ الْمالكيّة اسْتثْنوُا الصّرْف والْكراء ففيهما تتعيّنُ النُّقُودُ بالتّعْيين، ووجْهُ الْقوْل بأنّ الأْثْمان النّقْديّة وهي الذّهبُ والْفضّةُ لا تتعيّنُ بالتّعْيين في عُقُود الْمُعاوضات، أنّ الْمبيع في الأْصْل اسْمٌ لما يتعيّنُ بالتّعْيين، والثّمن في الأْصْل ما لا يتعيّنُ بالتّعْيين. فالْمبيعُ والثّمنُ من الأْسْماء الْمُتباينة الْواقعة على معانٍ مُخْتلفةٍ.
فالدّراهمُ والدّنانيرُ على هذا الأْصْل أثْمانٌ لا تتعيّنُ في عُقُود الْمُعاوضات في حقّ الاسْتحْقاق وإنْ عُيّنتْ، حتّى لوْ قال: بعْتُ منْك هذا الثّوْب بهذه الدّراهم أو بهذه الدّنانير كان للْمُشْتري أنْ يُمْسك الْمُشار إليْه ويرُدّ مثْلهُ.
ولكنّها تتعيّنُ في حقّ ضمان الْجنْس والنّوْع والصّفة والْقدْر، حتّى يجبُ عليْه ردُّ مثْل الْمُشار إليْه جنْسًا ونوْعًا وقدْرًا وصفةً، ولوْ هلك الْمُشارُ إليْه لا يبْطُلُ الْعقْدُ .
10 - والثّمنُ في اللُّغة اسْمٌ لما في الذّمّة، هكذا نُقل عن الْفرّاء، وهُو إمامٌ في اللُّغة، ولأنّ أحدهُما يُسمّى ثمنًا، والآْخر مبيعًا في عُرْف اللُّغة والشّرْع، واخْتلافُ الأْسامي دليلُ اخْتلاف الْمعاني في الأْصْل، إلاّ أنّهُ يُسْتعْملُ أحدُهُما مكان صاحبه توسُّعًا؛ لأنّ كُلّ واحدٍ منْهُما يُقابلُ صاحبهُ، فيُطْلقُ اسْمُ أحدهما على الآْخر لوُجُود معْنى الْمُقابلة، كما يُسمّى جزاءُ السّيّئة سيّئةً، وجزاءُ الاعْتداء اعْتداءً.
وإذا كان الثّمنُ اسْمًا لما في الذّمّة لمْ يكُنْ مُحْتملاً للتّعْيين بالإْشارة، فلمْ يصحّ التّعْيينُ حقيقةً في حقّ اسْتحْقاق الْعيْن، فجُعل كنايةً عنْ بيان الْجنْس الْمُشار إليْه ونوْعه وصفته وقدْره، تصْحيحًا لتصرُّف الْعاقل بقدْر الإْمْكان. ولأنّ التّعْيين غيْرُ مُفيدٍ؛ لأنّ كُلّ عوضٍ يُطْلبُ من الْمُعيّن في الْمُعاوضات يُمْكنُ اسْتيفاؤُهُ منْ مثْله، فلمْ يكُن التّعْيينُ في حقّ اسْتحْقاق الْعيْن مُفيدًا فيلْغُو في حقّه، ويُعْتبرُ في بيان حقّ الْجنْس والنّوْع، والصّفة والْقدْر؛ لأنّ التّعْيين في حقّه مُفيدٌ.
ولأنّهُ يجُوزُ إطْلاقُ الدّراهم والدّنانير في الْعقْد، فلا تتعيّنُ بالتّعْيين فيه، كالْمكْيال والصّنْجة.
ويسْتثْني الْحنفيّةُ والْمالكيّةُ منْ هذا الْحُكْم الصّرْف فتتعيّنُ الدّراهمُ والدّنانيرُ بالتّعْيين فيه لاشْتراط الْقبْض فيه في الْمجْلس واسْتثْنى بعْضُهُمْ أيْضًا الْكراء .
الْقوْلُ الثّاني: الأْثْمانُ تتعيّنُ بالتّعْيين:
11 - فيتعيّنُ الْمُشارُ إليْه، حتّى يسْتحقّ الْبائعُ على الْمُشْتري الدّراهم الْمُشار إليْها، كما في سائر الأْعْيان الْمُشار إليْها، ولوْ هلك قبْل الْقبْض يبْطُلُ الْعقْدُ، كما لوْ هلك سائرُ الأْعْيان، ولا يجُوزُ اسْتبْدالُهُ.
وهُو قوْلُ الشّافعيّة والأْظْهرُ عنْد الْحنابلة وزُفر من الْحنفيّة .
ووجْهُ هذا الْقوْل:
أنّ الْمبيع والثّمن يُسْتعْملان اسْتعْمالاً واحدًا - فهُما من الأْسْماء الْمُترادفة الْواقعة على مُسمًّى واحدٍ، وإنّما يتميّزُ أحدُهُما عن الآْخر في الأْحْكام بحرْف الْباء - قال تعالى: - ولا تشْترُوا بآياتي ثمنًا قليلاً - سمّى تعالى الْمُشْترى وهُو الْمبيعُ ثمنًا، فدلّ على أنّ الثّمن مبيعٌ، والْمبيع ثمنٌ.
ولهذا جاز أنْ يُذكّر الشّراءُ بمعْنى الْبيْع، يُقالُ: شريْتُ الشّيْء بمعْنى بعْتُهُ، قال تعالى: - وشروْهُ بثمنٍ بخْسٍ دراهم - أيْ: وباعُوهُ؛
ولأنّ ثمن الشّيْء قيمتُهُ، وقيمة الشّيْء ما يقُومُ مقامهُ. ولهذا سُمّي قيمةً لقيامه مقام غيْره. والثّمنُ والْمُثمّنُ كُلُّ واحدٍ منْهُما يقُومُ مقام صاحبه، فكان كُلُّ واحدٍ منْهُما ثمنًا ومبيعًا. دلّ على أنّهُ لا فرْق بيْن الثّمن والْمبيع في اللُّغة.
والْمبيعُ يحْتملُ التّعيُّن بالتّعْيين فكذا الثّمنُ، إذْ هُو مبيعٌ.
ولأنّ الثّمن عوضٌ في عقْدٍ، فيتعيّنُ بالتّعْيين كسائر الأْعْواض .
ما يحْصُلُ به التّعْيينُ:
12 - يحْصُلُ التّعْيينُ بالإْشارة، سواءٌ أضمّ إليْها الاسْم أمْ لا، كقوْله: بعْتُك هذا الثّوْب بهذه الدّراهم، أوْ بهذه فقطْ، منْ غيْر ذكْر الدّراهم.
أوْ بعْتُك هذا بهذا منْ غيْر تسْمية الْعوضيْن.
ويحْصُلُ التّعْيينُ أيْضًا بالاسْم كبعْتُك داري بموْضع كذا، أوْ بما في يدي أوْ كيسي من الدّراهم أوْ الدّنانير، وهُما يعْلمان ذلك .
الشّرْطُ الثّالثُ: أنْ يكُون الثّمنُ الْمُعيّنُ ممْلُوكًا للْمُشْتري:
13 - يُشْترطُ أنْ يكُون الثّمنُ الْمُعيّنُ ممْلُوكًا للْمُشْتري. وهذا محلُّ اتّفاقٍ بيْن الْفُقهاء، وملْكُ الْمُشْتري يكُونُ وقْت الْعقْد ملْكًا تامًّا، لا حقّ لغيْره فيه . لقوْله صلى الله عليه وسلم لحكيم بْن حزامٍ: «لا تبعْ ما ليْس عنْدك» ، وهُو يُفيدُ أنْ يكُون الْمبيعُ ممْلُوكًا لبائعه. والثّمنُ الْمُعيّنُ مثْلُ الْمبيع في هذا الْحُكْم .
الشّرْطُ الرّابعُ: أنْ يكُون الثّمنُ الْمُعيّنُ مقْدُور التّسْليم:
14 - يُشْترطُ في الثّمن الْمُعيّن أنْ يكُون مقْدُور التّسْليم، وهذا مُتّفقٌ عليْه بيْن الْفُقهاء؛ لأنّ ما لا يُقْدرُ على تسْليمه شبيهٌ بالْمعْدُوم، والْمعْدُومُ لا يصحُّ أنْ يكُون ثمنًا. فلا يصحُّ أنْ يكُون الطّيْرُ في الْهواء ثمنًا، وكذا الْجملُ الشّاردُ الّذي لا يُقْدرُ على تسْليمه . لحديث أبي هُريْرة رضي الله عنه قال: «نهى رسُولُ اللّه صلى الله عليه وسلم عنْ بيْع الْحصاة وعنْ بيْع الْغرر» قال الْماورْديُّ: والْغررُ ما تردّد بيْن مُتضادّيْن أغْلبُهُما أخْوفُهُما. وقيل: ما انْطوتْ عنّا عاقبتُهُ... والْمبيعُ ومثْلُهُ الثّمنُ الْمُعيّنُ إذا لمْ يُقْدرْ على تسْليمه داخلٌ في الْغرر الْمنْهيّ عنْهُ .
الشّرْطُ الْخامسُ: معْرفةُ الْقدْر والْوصْف في الثّمن:
15 - قال الْحنفيّةُ: الثّمنُ إمّا أنْ يكُون مُشارًا إليْه أوْ غيْر مُشارٍ إليْه.
فإنْ كان مُشارًا إليْه فلا حاجة إلى معْرفة مقْداره وصفته في جواز الْبيْع.
(والْقدْرُ: كخمْسة أوْ عشْرة دراهم أوْ أكْرارُ حنْطةٍ . والصّفةُ: كعشْرة دنانير كُويْتيّةٍ أوْ أُرْدُنيّةٍ، وكذا حنْطةٌ بُحيْريّةٌ أوْ صعيديّةٌ).
فإذا قال: بعْتُك هذه الصُّبْرة من الْحنْطة بهذه الدّراهم الّتي في يدك وهي مرْئيّةٌ لهُ فقبل جاز ولزم؛ لأنّ الإْشارة أبْلغُ طُرُق التّعْريف، وجهالةُ وصْفه وقدْره بعْد ذلك لا تُفْضي إلى الْمُنازعة الْمانعة من التّسْليم والتّسلُّم اللّذيْن أوْجبهُما عقْدُ الْبيْع فلا يمْنعُ الْجواز؛ لأنّ الْعوضيْن حاضران.
وهذا بخلاف الرّبويّ إذا بيع بجنْسه، حيْثُ لا يجُوزُ جُزافًا؛ لاحْتمال الرّبا لأنّ عدم تحقُّق التّماثُل يُعْتبرُ بمثابة الْعلْم بالتّفاضُل، وبخلاف رأْس مال السّلم، حيْثُ لا يجُوزُ إذا كان من الْمُقدّرات، إلاّ أنْ يكُون معْرُوف الْقدْر عنْد أبي حنيفة .
ووافق الْحنابلةُ الْحنفيّة في ذلك قال ابْنُ قُدامة: (ولا فرْق بيْن الأْثْمان والْمُثمّنات في صحّة بيْعها جُزافًا).
فَذَهَبُوا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ إِذَا عُقِدَ عَلَى ثَمَنٍ بِوَزْنِ صَنْجَةٍ وَمِلْءِ كَيْلٍ مَجْهُولَيْنِ عُرْفًا، وَعَرَفَهُمَا الْمُتَعَاقِدَانِ بِالْمُشَاهَدَةِ، كَبِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِوَزْنِ هَذَا الْحَجَرِ فِضَّةً، أَوْ بِمِلْءِ هَذَا الْوِعَاءِ أَوْ الْكِيسِ دَرَاهِمَ.
وَذَهَبُوا أَيْضًا إِلَى صِحَّةِ الْبَيْعِ بِصُبْرَةٍ مُشَاهَدَةٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ دَرَاهِمَ وَنَحْوِهَا، وَلَوْ لَمْ يَعْلَمَا كَيْلَهَا وَلاَ وَزْنَهَا وَلاَ عَدَّهَا .
وَنَحْوُ هَذَا الْقَوْلِ مَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ، قَالَ الشِّيرَازِيُّ: إِنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا جَازَ لأَِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ لأَِنَّهُ يُجْهَلُ قَدْرُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ ذَهَبُوا إِلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ النَّقْدِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ جُزَافًا إِذَا كَانَ مَسْكُوكًا، وَكَانَ التَّعَامُلُ بِهِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْعَدَدِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْوَزْنِ، لِقَصْدِ أَفْرَادِهِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ النَّقْدُ مَسْكُوكًا سَوَاءٌ تَعَامَلُوا بِهِ وَزْنًا أَوْ عَدَدًا جَازَ بَيْعُهُ جُزَافًا، لِعَدَمِ قَصْدِ آحَادِهِ .
16 - أَمَّا إِنْ كَانَ الثَّمَنُ غَيْرَ مُشَارٍ إِلَيْهِ فَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ؛ لأَِنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إِلَى النِّزَاعِ الْمَانِعِ مِنَ التَّسْلِيمِ وَالتَّسَلُّمِ، فَيَخْلُو الْعَقْدُ عَنِ الْفَائِدَةِ، وَكُلُّ جَهَالَةٍ تُفْضِي إِلَيْهِ يَكُونُ مُفْسِدًا.
وَالصِّفَةُ إِذَا كَانَتْ مَجْهُولَةً تَتَحَقَّقُ الْمُنَازَعَةُ فِي وَصْفِهَا، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأَْدْوَنِ، وَالْبَائِعُ يَطْلُبُ الأَْرْفَعَ. فَلاَ يَحْصُلُ مَقْصُودُ شَرْعِيَّةِ الْعَقْدِ، وَهُوَ دَفْعُ الْحَاجَةِ بِلاَ مُنَازَعَةٍ.
فَالْعِلْمُ بِالثَّمَنِ عِلْمًا مَانِعًا مِنَ الْمُنَازَعَةِ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ عِنْدَهُمْ .
17 - وَبِنَاءً عَلَى هَذَا صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّهُ.
أ - لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِقِيمَتِهِ. فَإِذَا بَاعَهُ بِقِيمَتِهِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّهُ جَعَلَ ثَمَنَهُ قِيمَتَهُ، وَالْقِيمَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ تَقْوِيمِ الْمُقَوِّمِينَ، فَكَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً.
ب - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِمَا حَلَّ بِهِ، أَوْ بِمَا تُرِيدُ، أَوْ تُحِبُّ، أَوْ بِرَأْسِ مَالِهِ، أَوْ بِمَا اشْتَرَاهُ، أَوْ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَى فُلاَنٌ. فَإِنْ عَلِمَ الْمُشْتَرِي بِالْقَدْرِ فِي الْمَجْلِسِ فَرَضِيَهُ انْقَلَبَ جَائِزًا.
- وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ إِلاَّ دِينَارًا، أَوْ بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلاَّ دِرْهَمًا.
- وَكَذَا لاَ يَجُوزُ بِمِثْلِ مَا يَبِيعُ النَّاسُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْئًا لاَ يَتَفَاوَتُ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ .
- وَكَذَا إِذَا بَاعَ بِحُكْمِ الْمُشْتَرِي، أَوْ بِحُكْمِ فُلاَنٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَدْرِي بِمَاذَا يَحْكُمُ فُلاَنٌ فَكَانَ الثَّمَنُ مَجْهُولاً.
18 - ج - وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ أَيْضًا بِأَنَّهُ وَإِنْ بَاعَهُ بِمَا يَنْقَطِعُ السِّعْرُ بِهِ، أَوْ بِمِثْلِ مَا بَاعَ بِهِ فُلاَنٌ، وَهُمَا لاَ يَعْلَمَانِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ.
د - وَإِنْ بَاعَهُ سِلْعَةً بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ذَهَبًا وَفِضَّةً لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّهُ مَجْهُولٌ، لأَِنَّ مِقْدَارَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الأَْلْفِ مَجْهُولٌ، أَشْبَهَ مَا لَوْ قَالَ بِمِائَةٍ بَعْضُهَا ذَهَبٌ؛ وَلأَِنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ .
هـ - وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الشَّيْءِ بِرَقْمِهِ، وَالْمُرَادُ الثَّمَنُ لاَ يَعْلَمُ بِهِ الْمُشْتَرِي حَتَّى يَنْظُرَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ.
وَهَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَالرَّقْمُ: عَلاَمَةٌ يُعْلَمُ بِهَا مِقْدَارُ مَا وَقَعَ الْبَيْعُ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ.
وَالْبَيْعُ بِالرَّقْمِ فَاسِدٌ؛ لأَِنَّ فِيهِ زِيَادَةَ جَهَالَةٍ تَمَكَّنَتْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ، وَهِيَ جَهَالَةُ الثَّمَنِ؛ لأَِنَّهَا بِرَقْمٍ لاَ يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي، فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْقِمَارِ، لِلْخَطَرِ الَّذِي فِيهِ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ كَذَا وَكَذَا.
وَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ فِي الْمَجْلِسِ جَازَ الْعَقْدُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ الْعِلْمِ بَطَلَ.
وَكَانَ الإِْمَامُ شَمْسُ الأَْئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَقُولُ: وَإِنْ عَلِمَ بِالرَّقْمِ فِي الْمَجْلِسِ لاَ يَنْقَلِبُ ذَلِكَ الْعَقْدُ جَائِزًا، وَلَكِنْ إِنْ كَانَ الْبَائِعُ دَائِمًا عَلَى ذَلِكَ الرِّضَا وَرَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي فِي الْمَجْلِسِ يَنْعَقِدُ بَيْنَهُمَا عَقْدَ ابْتِدَاءٍ بِالتَّرَاضِي.
وَوَرَدَ فِي الْمُغْنِي لاِبْنِ قُدَامَةَ: (قَالَ أَحْمَدُ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيعَ بِالرَّقْمِ. وَمَعْنَاهُ: أَنْ يَقُولَ: بِعْتُكَ
هَذَا الثَّوْبَ بِرَقْمِهِ، وَهُوَ الثَّمَنُ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مَعْلُومًا لَهُمَا حَالَ الْعَقْدِ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ، وَكَرِهَهُ طَاوُسٌ
وَلَنَا أَنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ ذَكَرَ مِقْدَارَهُ، أَوْ مَا لَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا بِمَا اشْتَرَيْتُهُ بِهِ وَقَدْ عَلِمَا قَدْرَهُ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا لَهُمَا أَوْ لأَِحَدِهِمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّ الثَّمَنَ مَجْهُولٌ .
إِذَنْ فَالْحُكْمُ بِجَوَازِهِ هُنَا بِنَاءٌ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ الثَّمَنَ مَعْلُومٌ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا حَسَبَ التَّفْسِيرِ الْمُتَقَدِّمِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ، وَلاَ خِلاَفَ عِنْدَئِذٍ.
و - بَيْعُ صُبْرَةِ طَعَامٍ، كُلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ:
19 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
الْقَوْلُ الأَْوَّلُ: لاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ. وَهُوَ قَوْلُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ؛ بِحُجَّةِ: أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَبْلَغَ الثَّمَنِ وَالْمُثَمَّنِ حَالَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا يَعْلَمُ بَعْدَ الْكَيْلِ .
الْقَوْلُ الثَّانِي: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي قَفِيزٍ وَاحِدٍ، إِلاَّ أَنْ يُسَمِّيَ جُمْلَةَ قُفْزَانِهَا. وَهُوَ قَوْلُ الإِْمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ، بِحُجَّةِ: أَنَّ صَرْفَ اللَّفْظِ إِلَى الْكُلِّ مُتَعَذِّرٌ؛ لِجَهَالَةِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ جَهَالَةً تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لأَِنَّ الْبَائِعَ يَطْلُبُ تَسْلِيمَ الثَّمَنِ أَوَّلاً، وَالثَّمَنُ غَيْرُ مَعْلُومٍ، فَيَقَعُ النِّزَاعُ. وَإِذَا تَعَذَّرَ الصَّرْفُ إِلَى الْكُلِّ صُرِفَ إِلَى الأَْقَلِّ، وَهُوَ مَعْلُومٌ، إِلاَّ أَنْ تَزُولَ الْجَهَالَةُ فِي الْمَجْلِسِ بِتَسْمِيَةِ جَمِيعِ الْقُفْزَانِ أَوْ بِالْكَيْلِ فِي الْمَجْلِسِ فَيَجُوزُ، لأَِنَّ سَاعَاتِ الْمَجْلِسِ بِمَنْزِلَةِ سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ: يَجُوزُ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ، أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا قَدْرَ قُفْزَانِهَا حَالَ الْعَقْدِ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ .
وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:
1 - أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ لإِِشَارَتِهِ إِلَى مَا يُعْرَفُ مَبْلَغُهُ بِجِهَةٍ لاَ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَعَاقِدَيْنِ، وَهُوَ كَيْلُ الصُّبْرَةِ، فَجَازَ كَمَا لَوْ بَاعَ مَا رَأْسُ مَالِهِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ، لِكُلِّ ثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمٌ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْلَمُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يُعْلَمُ بِالْحِسَابِ، كَذَا هَاهُنَا.
2 - أَنَّ الْمَبِيعَ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَالثَّمَنَ مَعْلُومٌ قَدْرَ مَا يُقَابِلُ كُلَّ جُزْءٍ مِنَ الْمَبِيعِ فَصَحَّ كَالأَْصْلِ الْمَذْكُورِ، وَالْغَرَرَ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ؛ لأَِنَّ مَا يُقَابِلُ كُلَّ صَاعٍ مَعْلُومُ الْقَدْرِ حِينَئِذٍ. فَغَرَرُ الْجَهَالَةِ يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيلِ. كَمَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ بِالْجُمْلَةِ، فَإِذَا جَازَ بِالْعِلْمِ بِالْجُمْلَةِ جَازَ بِالْعِلْمِ بِالتَّفْصِيلِ أَيْ: لاَ يَضُرُّ الْجَهْلُ بِحَمَلَةِ الثَّمَنَ لأَِنَّهُ مَعْلُومٌ بِالتَّفْصِيلِ، وَالْغَرَرُ مُرْتَفِعٌ بِهِ، كَمَا إِذَا بَاعَ بِثَمَنٍ مُعَيَّنٍ جُزَافًا.
3 - لأَِنَّ إِزَالَةَ الْجَهَالَةِ بِيَدِهِمَا، فَتَرْتَفِعُ بِكَيْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَمَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مَانِعٍ .
وَانْظُرْ أَيْضًا (بَيْعُ الْجُزَافِ).
ز - لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِثَمَنٍ مَعْلُومِ الصِّفَةِ:
20 - لِذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ:
مَنْ أَطْلَقَ الثَّمَنَ فِي الْبَيْعِ عَنْ ذِكْرِ الصِّفَةِ دُونَ الْقَدْرِ، كَأَنْ قَالَ: اشْتَرَيْتُ بِعَشْرَةِ دَرَاهِمَ، وَلَمْ يَقُلْ بُخَارِيَّةً أَوْ سَمَرْقَنْدِيَّةً، وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى غَالِبِ نَقْدِ الْبَلَدِ، أَيْ يَنْصَرِفُ إِلَى الْمُتَعَامَلِ بِهِ فِي بَلَدِهِ.
وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ.
وَحُجَّةُ هَذَا الْقَوْلِ:
أَنَّ الْمَعْلُومَ بِالْعُرْفِ كَالْمَعْلُومِ بِالنَّصِّ، لاَ سِيَّمَا إِذَا كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِهِ .
وَيَبْنِي الْحَنَفِيَّةُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَنَّهُ إِنْ كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي الْمَالِيَّةِ كَالذَّهَبِ الْمِصْرِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ، فَإِنَّ الْمِصْرِيَّ أَفْضَلُ فِي الْمَالِيَّةِ مِنَ الْمَغْرِبِيِّ، وَكَانَتْ مُتَسَاوِيَةً فِي الرَّوَاجِ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، لأَِنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ مُفْضِيَةٌ إِلَى الْمُنَازَعَةِ، فَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ دَفْعَ الأَْنْقَصِ مَالِيَّةً، وَالْبَائِعُ يُرِيدُ أَخْذَ الأَْعْلَى، فَيَفْسُدُ الْبَيْعُ إِلاَّ أَنْ تُرْفَعَ الْجَهَالَةُ بِبَيَانِ أَحَدِهِمَا فِي الْمَجْلِسِ وَيَرْضَى الآْخَرُ؛ لاِرْتِفَاعِ الْمُفْسِدِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ.
- وَإِذَا كَانَتِ النُّقُودُ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأَْرْوَجِ.
- وَإِذَا كَانَتْ مُخْتَلِفَةً فِي الرَّوَاجِ مُسْتَوِيَةً فِي الْمَالِيَّةِ صَحَّ الْبَيْعُ وَانْصَرَفَ إِلَى الأَْرْوَجِ أَيْضًا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ.
- أَمَّا إِذَا اسْتَوَتْ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ، وَإِنَّمَا الاِخْتِلاَفُ فِي الاِسْمِ كَالْمِصْرِيِّ وَالدِّمَشْقِيِّ، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ وَيَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي فِي أَنْ يُؤَدِّيَ أَيَّهُمَا شَاءَ؛ لأَِنَّهُ لاَ مُنَازَعَةَ فِيهَا .
فَالْحَاصِلُ:
أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لأَِنَّ النُّقُودَ إِمَّا أَنْ تَسْتَوِيَ فِي الرَّوَاجِ وَالْمَالِيَّةِ مَعًا، أَوْ تَخْتَلِفَ فِيهِمَا، أَوْ يَسْتَوِيَ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ.
وَالْفَسَادُ فِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ: وَهِيَ: الاِسْتِوَاءُ فِي الرَّوَاجِ وَالاِخْتِلاَفُ فِي الْمَالِيَّةِ، وَالصِّحَّةُ فِي الثَّلاَثِ الْبَاقِيَةِ.
وَهَذِهِ الصُّورَةُ الْفَاسِدَةُ ذَكَرَهَا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: إِنْ تَعَدَّدَتِ السِّكَكُ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ يُبَيِّنْ، فَإِنْ اتَّحَدَتْ رَوَاجًا قَضَاهُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ قَضَاهُ مِنَ الْغَالِبِ إِنْ كَانَ، وَإِلاَّ فَسَدَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْبَيَانِ.
وَعِبَارَةُ الشِّرْبِينِيِّ الشَّافِعِيِّ: إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا أَوْ غَلَبَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَتِ الْقِيمَةُ اشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا لاِخْتِلاَفِ الْغَرَضِ بِاخْتِلاَفِهِمَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِنْ بَاعَ بِدِينَارٍ مُطْلَقٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ وَلاَ مَوْصُوفٍ وَفِي الْبَلَدِ نُقُودٌ مُخْتَلِفَةٌ مِنَ الدَّنَانِيرِ كُلُّهَا رَائِجَةٌ لَمْ يَصِحَّ الْبَيْعُ .
__________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 320)
الثمن هو ما تراضى عليه العاقدان سواء زاد على قيمة المبيع أو نقص.
والقيمة هي ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان.
(مادة 321)
يشترط لصحة العقد تعيين الثمن في العقد ومعلوميته عند المتعاقدين.
(مادة 322)
إذا كان الثمن حاضراً يعلم بمشاهدته والإشارة إليه وإن كان غائباً يعلم بوصفه وبيان قدره.
(مادة 323)
إذا تعدد نوع مسكوكات الذهب والفضة في بلدة واختلفت ماليتها مع الاستواء في رواجها يلزم أن يبين في العقد نوع الثمن منها وإلا فسد العقد إنما إذا بين بعد ذلك في المجلس ورضي به الآخر ينقلب العقد صحيحاً لارتفاع المفسد قبل تقرره.
(مادة 324)
إذا بين وصف الثمن في العقد لزم المشتري أن يؤديه من صنف النقود الموصوفة.
(مادة 325)
يعتبر الثمن في مكان العقد وزمنه لا في زمن الإيفاء.
(مادة 326)
يصح البيع بثمن حال ومؤجل إلى أجل معلوم طويلاً كان أو قصراً.
ويجوز اشتراط تقسيط الثمن إلى أقساط معلومة تدفع في مواعيد معينة ويجوز الاشتراط بأنه إن لم يوف القسط في ميعاده يتعجل كل الثمن.
(مادة 327)
يعتبر ابتداء الأجل من وقت تسليم المبيع في بيع لا خيار فيه بثمن مؤجل لا من وقت العقد.
إذا كانت مدة منكرة لا معينة فلو فيه خيار فذ سقوط الخيار.
وللمشتري بثمن مؤجل إلى سنة منكرة أجل سنة ثانية مد تسلم لمنع البائع السلعة عن المشتري سنة الآجل المنكرة فلو معينة أو لم يمتنع البائع من التسليم فلا يثبت له الأجل في غيره.
(مادة 329)
البيع المطلق الذي لم يذكر في عقده تأجيل الثمن أو تعجيله يجب فيه الثمن معجلاً ويدفع في الحال إلا إذا جرى عرف البلدة وعادتها أن يكون الدفع مؤجلاً أو مقسطاً بأجل معلوم فإن كان كذلك يلزم إتباع العرف والعادة الجارية.
(مادة 406)
إذا زادت قيمة المبيع عن ثمنه الذي اشتراه به المشتري فليس له حق في طلب شيء من البائع زائداً عن الثمن الذي أداه إياه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م
مادة (25) :
إذا اتفق المتعاقدان فيما بينهما على ثمن ، أو عقدا سراً بثمن ، ثم عقدا علانية بثمن أكثر من الأول ، فالثمن هو الأول في الصورتين .
إيضاح
لو أسر المتعاقدان تمنا بأن اتفقا سرا أن الثمن مائة مثلا بلا عقد .
تم عقداه بثمن آخر ، فالثمن هو الأول الذي أسراه بلا عقد : وهو المائة لأن المشتري إنما دخل عليه فقط فلم يلزمه الزائد.
وإن عقداه سراً بتمن : كعثرة ، وعقداه علانية شمن آخر أكثر منه اثنی عشر ، أخذ المشتري بالثمن الأول دون الزائد کالتی قبلها وأولى . لأنه إذا أخذ بالأول . فما إذا اتفقا عليه بلا عقد ، فأولى أن يؤخذ به فيما إذا عقداه . وفي التنقيح الأظهر أن الثمن هو الثاني إن كان في مدة خيار وإلا فالأول. انتهى . وقال في المنتهى : أنه الأصح . واستدل له في شرحه بما يأتي، إن الزيادة في مدة الخيارين في الثمن أو المثمن ملحقة به. ويجاب عنه بأن الزيادة هناك مرادة ، وهنا غير مرادة باطنة ، وإنما أظهرت تجملا.
مادة (36) :
بيع الحاضر للبادی باطل و حرام بخمسة شروط .
الأول : أن يحضر البادى لبيع سلعته .
الثاني : أن يريد بيعها بسعر يومها.
الثالث : أن يكون جاهلا بسعر البلد الذي قدم إليه .
الرابع : أن يقصده حاضر عارف بالسعر .
الخامس : أن يكون بالناس حاجة إلى السلعة .
إيضاح
البادي : هو المقيم في البادية والمراد به هنا من يدخل البلد من غير أهلها ولو غير بدوى . والمراد بيع الحاضر للبادي أن يكون له مسار . وإنما بطل البيع وحرم أقول أنس رضي الله عنه -: «نهينا أن يبيع حاضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه ، الحكمة فيه أنه لو ترك القادم ببيع سلعته اشتراها الناس منه برخص. فإذا تولى الحاضر أي من هو من أهل البلد لم يعها إلا بغلاء فيحصل الضرر للناس ، وقد نصت المادة على أن البطلان إنما يتحقق بخمسة شروط : فإذا فقد شرط من هذه الشروط الخمسة صح البيع ولم يحرم لانتفاء علة النهي . إذ لو قدم البادي لا لبيع سلمته ، أو لبيعها لا بسعر يومها ، أو كان عالما بالسعر ، أو لم تكن بالناس حاجة إليها لم يتحقق الضرر ، وإذا لم يقصده الحاضر بل لهده البادى و طلب منه بيعها فليس للحاضر دخل في الضرر .
ولايكره للحاضر أن يشير على البادی بلا مباشرة للبيع ، ويجب على من عرف السعر ان يخبر من استخبره عنه لوجوب النصيحة .
و بطلان بيع الحاضر للبادى هو الراجع لحديث أنس السابق ولما رواه جابر عن النبي صلي الله عليه وسلم " لا يبع حاضر لباد دعو الناس يرزق الله بعضهم من بعض ، ( رواه مسلم) وروى أن الإمام أحمد سئل عن بيع الحاضر للبادى قال لا بأس به . فقيل له فالحبر الذي جاء بالنهي قال كان ذلك مرة . فظاهر هذا أن النهي اختص بأول الإسلام لما كان عليهم من الضيق في ذلك .
والمذهب الأول لعموم النهي ، و ما ثبت في حقهم يثبت في حقنا مالم يقم على اختصامهم به دلیل .
وأما الشراء البادي فيصح بلا حرمة ، لعدم تحقق علة المنع .
مادة (۳۹) :
التسعير حرام ، ويكره الشراء به ، وإن هدد من خالفه حرم البيع وبطل .
إيضاح
التسعير : منع الناس البيع بزيادة على من يقدره الإمام أو نائبه ، وهو حزام لحديث أنس قال: غلا السعر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : يارسول الله ، غلا السعر فسعر لنا فقال : ( إن الله هو المسعر القابض الباسط الرزاق إلي لأرجو أن ألقى الله وليس أحد يطلبني بمظلمة من دم ولا مال ، ( رواه أبو داود ).
ووجه الأستدلال من وجهين الأول : أن الرسول لم يسعر وقد سألوه ذلك ولو جاز لأجابهم إليه .
الثاني : أنه علل بكونه مظلمة ، والظل حرام ، ولأنه ماله فلم يجز منعه من بيعه بما تراضي عليه المتبايعان .
وقال بعض الأصحاب : التسعير سبب الغلاء لأن الجالبين إذا بلغهم ذلك لم يقدموا بسلعهم بداً يكرهون على بيعها فيه بغير مايريدون .
ومن عنده البضاعة يمتنع عن يمها ويكتمها و يطلبها أهل الحاجة إليها فلا يجدونها إلا قليلا ، فيرفعون في ثمنها ليصلوا إليها فتفلوا الأسعار ، ويحمل الضرر بالجانبين ، جانب الملاك في منعهم من بيع أملاكهم ، وجانب المشتري في منعه إلى الوصول إلى غرضه فيكون حراماً .
ويحرم قول الامام لبائع غير محتكر : يع كالناس لأنه إلزام له بما لا يلزمه ، وأوجب الشيخ تقي الدين الزام السوقة المعارضة من المثل لأنها مصلحة عامة لحق الله تعالى فهي أولى من تكميل الحرية ، وكره الإمام أحمد البيع والشراء من مكان الزم الناس بما فيه لا الشراء من اشتري منه .
مادة (۸۱) :
(1) إذا اختلف المتبايعان أو ورثهما في قدر الثمن ، أو في جنسه، ولا بينة لأحدهما ثبت لها الخيار بعد أن يتحالفا .
(ب) إذا رضى أحد العاقدين بعد أن تحالفا بقول الآخر لزم العقد ، وکذا إذا نكل أحدهما.
إيضاح
القسم السادس :
(۱) من أقسام الخيار خيار يثبت لاختلاف المتبايعين أو ورثتهما واختلاف أحد المتبايعين وورثة الآخر في قدر الثمن ، بأن قال البائع أو وارثه الثمن مائة فقال : المشتري او وارثه إلى تسعون ولم يكن لأحدهما بينة ، أو كان لكل منهما بينة با ادعاه وتساقطتا لتعارضهما ، وكذا إذا اختلفا في جنس الثمن ، بأن قال احدهما أنه عقد بنقد و قال الآخر بل بعرض ، او قال أحدها أنه عقد بذهب و قال الآخر بل بفضة فإذا اختلفا في القدر او في الجنس على هذا النحو تحالفا . لأن كلا منهما مدع ومدعى عليه صورة وكذا حكما لما بينهما ، فإن كان الخلاف بين المتباينين ، حاف البائع أولا ما بعته كذا وإنما بعته بكذا ، ثم حلف مشتر ما اشتريه بكذا و إنما اشتريته بكذا ، لأن كلا منهما مدع ومنكر فلم تتوجه اليمين إلى أحدهما وحده .
فإذا تحالفا كان لكل منهما الخيار . ولاينفسح العقد بنفس التحالف لانه عقد صحيح فلا ينفسخ باختلافهما وتعارضهما في الحجة .كما لو أقاما بينة . بل لا بد من تصريح أحدهما بالفسخ.
أما إذا كان الخلاف بين أحد العاقدين وورثة الآخر. أو بين ورثتهما قبل أن يتحالف العاقدان وأراد الورثة التحالف. فإن كان الوارث حضر العقد و علمه حلف على البت . لأنه الأصل في الأيمان . أما إن كان الوارث لا يعلم قدر الثمن سواء حضر العقد أولا : حلف على في العلم لأنه على فعل الغير . فإن فعلا ذلك كان لكل منهما الفسخ.
(ب) إذا رضى أحد العاقدين بعد التحالف بقول صاحبه : أقر العقد ، لأن من رضي بقول صاحبه : فقد حصل له ما ادعاه فلم يملك خيارا، وكذا إذا رضى ورثتهما أو رضي بعض الورثة ولم يرض الباقون . لأن إسقاط أحد الورثة لخياره إسقاط لخيار الباقين كما مر في خيار العيب .
وإن نكل أحد العاقدين عن اليمين سقط خياره ولزم العقد بقول صاحبه ، وكذا إذا نكل أحد الورثة . لأن الورثة يقومون مقامهما في أخذ مالها وإرت حقوقهما . فكذلك فيما يلزمهما أو يصير لما . ولأنها يمين في المال فقام الوارث فيها مقام المورث كالمبين في الدعوى .
مادة (۸۲) :
1- إذا اختلف المتبايعان في قدر المبيع ، أو في عينه القول قول البائع بيمينه .
۲- إذا اختلف المتبايعان في صفة الثمن المسمى في العقد أخذ نقد البلد، فإن تعدد النقد أخذ غالبه رواجا ، فإذا استوت النقود في الرواج أخذ الوسط .
إيضاح
(ا) إذا اختلف المتبايعان في قدر البيع، فقال المشتري مثلا : بعتني هذين القفزين بثمن واحد ، فقال البائع : بل بعتك احدهما وحده ، فالقول قول البائع . لأنه منكر للبيع في الثاني والأصل عدمه والبيع تعدد بتعدد المبيع ، فالمدعي شراء عينين بدعی عقدين أنكر البائع أحدها بخلاف الاختلاف في الثمن .
وكذا إذا اختلفا في عين البيع فقال المشتري بعتني هذه الدابة ، بل بعتك هذه فالقول قول البائع أيضا بيمينه ، لأنه غارم . وورثة كل منهما بمنزلة فما تقدم.
(ب) إذا اختلف المتبايعان في صفة من اتفقا على تمدينه في العقد أخذ نقد البلد التي وقع فيها العقد إن لم يكن بها إلا نقد واحد وادعاء أحدهما ، فيقضي له به عملا بالقرينة ، فإن كان في البلد نقود اختلفت رواجا أخذ غالبها رواجا ، لأن الظاهر وقوع العتد به الغليته ، فإذا استوت النقود في الرواج أخذ الوسط تسوية بين حقهما، لأن العدول عنه ويل على أحدهما وعلى مدعي نقد البلد أو غاليه رواجا او الوسط اليمين .
مادة (۸۳) :
1- إذا فسخ العقد بعد قبض الثمن ، واختلف المتبايعان في قدره ، فالقول قول البائع بيمينه .
۲- إذا تلف المبيع واختلف المتبايعان في قدر الثمن قبل قبضه ، تحالفا وفسخ العقد ويلزم المشترى قيمة المبيع أو مثله والقول قوله في قدره وقيمته وصفته .
ایضاح
1- إذا اختلف المتبايعان في قدر المن بعد قبضه وفسخ العقد با قالة أو رد بعيب أو نحوه، فالقول قول البائع بيمنه ، لأن البائع منكر لما يدعيه المشتري بعد انفساخ العقد ، فأشبه ما لو اختلفا في القبض .
۲ - إذا تلف المبيع وتحالف المتبايعان لاختلافهما في قدر الثمن وفسخ العقد رجعة إلى قيمة المبيع إن كان متقومة ، أو إلى مثله إن كان مثلية لتعذر رد العين . فيأخذ المشتري من البائع الثمن إن كان قد أقبضه له، ويأخذ البائع من المشتري القيمة أو المثل لأنه فوت عليه المبيع . فإن ساوى الثمن القيمة تقاصا وتساقطا ، لأنه لا فائدة في أخذه ثم رده . فإن كان أحدهما اقل وهما من جنس واحد سقط الأقل . ومثله من من الأكثر ويبقى الزائد يطالب به صاحبه ، ويقل قول المشتري في قيمة السلعة التالفة بعد التناسخ وفي صفتها وقدرها لأنه غارم .
مادة (۱۰۳) إذا كان الثمن مما يحتاج لحق توفية وتصرف المشتري في المبيع قبل إقباض الثمن للبائع ، ثم تلف الثمن بآفة انفسخ العقد الأول دون الثاني ، وألزم المشتري الأول بقيمة المبيع ، وأخذ المشتري الثاني ما وقع عليه العقد .
إيضاح
من اشترى شيئا ، کشاة مثلا و تعرف فيه قبل إقباض الثمن بائع وكان الثمن مکیلا أو نحوه ( أي مما يحتاج لحق توفيه ) وتلف بآفة انفسخ العقد الأول فقط دون الثاني الذي وقع على الشاة ، لأنه كمال قبل فسخ العقد الأول ، لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لامن أصله ، وغرم المشتري الأول قيمة المبيع لتعذر الرد ، وأخذ من المشتري الثاني ما وقع عليه العقد .