loading
المذكرة الإيضاحية

مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة :  135

مذكرة المشروع التمهيدي :

١- تبين هاتان المادتان مكان الوفاء بالثمن وزمانه :

أما المكان، فقد كانت القواعد العامة تقضي بأن يكون موطن المشتري وقت استحقاق الثمن، وهذا ما قرره المشروع فيما إذا لم يكن الثمن مستحقاً وقت تسليم المبيع، أما إذا كان مستحقاً في هذا الوقت، فإن البيع وهو عقد ملزم للجانبين يجب أن ينفذ جملة واحدة فيدفع الثمن وقت تسليم المبيع و في مكان هذا التسليم، كل هذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره، ويتضمن التقنين الحالي (م 328- 329/ 406 - 409) هذه الأحكام نفسها.

وأما الزمان ، فالثمن يستحق الدفع في الوقت الذي يسلم فيه المبيع، حتى تنفذ الالتزامات المتقابلة في وقت واحد، وقد سبق أن المبيع يسلم وقت تمام البيع ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغير ذلك، وقد يتفق المتعاقدان على أن يدفع الثمن بعد أو قبل تسليم المبيع، كأن يتفقا على أن يدفع الثمن حالاً بمجرد تمام البيع ولو كان تسليم المبيع مؤجلاً، أوعلى أن يدفع الثمن مؤجلاً على أقساط أو جملة واحدة ولوكان المبيع قد سلم في الحال، وقد يقضى العرف بأحكام أخرى فيتعين اتباعها، وهذه الأحكام تتفق مع أحكام التقنين الحالي (م 329/ 407 ) .

2- ويلاحظ أن الثمن إذا استحق طبقاً لما تقدم بيانه من القواعد يجوز للمشترى حبسه إذا وقع له تعرض من أجنبي يكون مبنياً على سبب قانوني، أو وجدت أسباب يخشى معها على المبيع أن يستحق (فلا يشترط وقوع التعرض فعلاً كما في ضمان التعرض)، أو كشف المشتري في المبيع عيباً يضمنه البائع، و حق الحبس هذا ليس إلا تطبيقاً للحق في الحبس وللدفع بعدم تنفيذ العقد وهما مقرران في القواعد العامة، ويبقى حق المشتري في حبس الثمن حتى ينقطع التعرض أو حتى يزول خطر الاستحقاق أو حتى يحسم النزاع المتعلق بالعيب، على أن هذا الحق يسقط بأحد أمرين :

(1) بأن يكون في العقد شرط يحرم المشتري منه فهو ليس من النظام العام، (ب) أو بأن يؤدى البائع كفيلاً للمشتري (و قد تكون الكفالة عينية) يضمن له ما عسى أن يترتب على ضمان التعرض أو الاستحقاق أو العيب من تعويض، وهذه الأحكام مطابقة لأحكام التقنين الحالي (م 331/ 411 - 412).

3 - ويتبين من كل ما تقدم أنه إذا لم يوجد اتفاق خاص أو عرف يكون المبيع مستحق التسليم وقت تمام البيع، والثمن مستحق الدفع في هذا الوقت أيضاً، ومن هذا الوقت كذلك يكون للبائع فوائد الثمن و للمشتري ثمرات المبيع.

الأحكام

1 ـأن الأصل فى تنفيذ الالتزام عملاً بمقتضى المادتين 347/2 , 456 من القانون المدنى ، أن يكون دفع الدين فى محل المدين ، إلا إذا أُتفق على خلاف ذلك ، فإن النص فى عقد البيع ، على الشرط الصريح الفاسخ ، عند تخلف المشترى عن سداد باقى الثمن أو قسط منه فى ميعاده مع عدم اشتراط أن يكون الوفاء فى موطن البائع، لا يعفى الأخير من السعى إلى موطن المشترى ، لاقتضاء القسط أو ما بقى من الثمن عند حلول أجله ، فإذا قام بذلك وامتنع المشترى عن السداد بدون حق ، اعتبر متخلفاً عن الوفاء وتحقق فسخ العقد بموجب الشرط ، أما إذا أبى البائع السعى إلى موطن المشترى عند حلول الأجل بغية تحقق الشرط عُدَّ ذلك بمثابة رفض لاستيفاء الثمن أو مــا حـــل منه دون مـــبرر فلا يرتب الشرط أثره فى هـذه الحالة .

(الطعن رقم 3244 لسنة 59 جلسة 1994/01/13 س 45 ع 1 ص 151 ق 32)
(الطعن رقم 437 لسنة 49 جلسة 1982/05/30 س 33 ع 1 ص 607 ق 110)

2 ـ يشترط لإستحقاق التعويض عن عدم تنفيذ الإلتزام أو التأخير فى تنفيذه وجود خطأ من المدين و لا يغنى عن توافر هذا الشرط أن يكون التعويض مقدراً فى العقد لأن هذا التقدير ليس هو السبب فى إستحقاق التعويض و إنما ينشأ الحق فى التعويض من عدم تنفيذ الإلتزام أو التأخير فى تنفيذه و إذ يبين من الحكم المطعون فيه أنه قضى برفض دعوى فسخ عقد البيع المرفوعة من الطاعنة على المطعون ضدهما إستناداً إلى أنهما قاما بدفع باقى الثمن فى الوقت المناسب مما مؤداه إنتفاء الخطأ فى حقهما وهو ما يكفى لحمل الحكم برفض طلب التعويض و لو كان مقدراً فى العقد فإن النعى على الحكم يكون على غير أساس .

(الطعن رقم 544 لسنة 48 جلسة 1979/01/25 س 30 ع 1 ص 385 ق 75)

3 ـ الحكم بصحة ونفاذ عقد البيع يقوم مقام التوقيع أمام الموثق على عقد البيع النهائى ويحل محله فى التسجيل . فإذا كان وفاء باقى الثمن معلق على التوقيع على العقد النهائى ، فإن اشتراط المشترى ألا يصرف للبائع باقى الثمن الذى أودعه حزانة المحكمة إلا بعد صدور حكم نهائى بصحة ونفاذ ذلك العقد هو إشتراط صحيح .

(الطعن رقم 163 لسنة 32 جلسة 1966/11/15 س 17 ع 4 ص 1688 ق 239)

4 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد استخلص فى حدود سلطته التقديرية من أقوال شهود الطرفين و من المستندات التى كانت بين يديه أن ثمن الأطيان موضوع عقد البيع هو مبلغ ... ... ... ... و أن المطعون ضده أوفى بهذا الثمن كاملاً و رتب على ذلك توافر ركن الثمن فى عقد البيع ، و إنتهى إلى صحته و نفاذه ، و كان إستخلاصه فى هذا المقام سائغاً ، فإن ما تثيره الطاعنة لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً ، يخرج عن رقابة محكمة النقض .

(الطعن رقم 536 لسنة 41 جلسة 1975/06/25 س 26 ص 1287 ق 245)

5 ـ لئن كان الحكم المطعون فيه قد أورد فى أسبابه أن الثمن هو 410 جنيها خلافاً لما جاء فى العقد ، إلا انه لما كان الثابت من الحكم أن الثمن قد دفع إلى الطاعن - البائع - فلا يعدو هذا أن يكون خطأ مادياً إنزلق إليه الحكم لا يؤثر فى سلامة قضائه ، مما يكون معه النعى عليه فى هذا الخصوص غير منتج .

(الطعن رقم 391 لسنة 42 جلسة 1977/02/22 س 28 ع 1 ص 505 ق 96)

6 ـ لا يشترط أن يكون المقابل فى عقد البيع - الثمن- متكافئاً مع قيمة المبيع ، بل كل ما يشترط فيه ألا يكون تافهاً . فالثمن البخس يصلح مقابلاً لإلتزامات البائع و إدعاء هذا الأخير بأنه باع بما دون القيمة على علم منه بذلك تخلصاً من تعرض الغير له فى الأطيان المبيعة و عجزه عن تسليمها لا يكفى لإبطال البيع إلا أن يكون قد شاب رضاءه إكراه مفسد له .

(الطعن رقم 96 لسنة 18 جلسة 1951/02/08 س 2 ع 2 ص 305 ق 59)

7 ـ إذا كان الظاهر من عقد البيع أنه وقع مقابل ثمن معين ، و كان منصوصاً فيه على أن البائع تبرع لولده المشترى بهذا الثمن و على أن المشترى إلتزم بتجهيز أختيه و بالإتفاق عليهما و على أمه بعد وفاة أبيه ، و إعتبرت المحكمة هذا العقد هبة مكشوفة ، فإنها لا تكون قد أخطأت فى تكييفه . فإن مجرد النص على أن الوالد تبرع بالثمن يكفى لإعتبار العقد هبة مكشوفة . أما ما إلتزم به الموهوب له فى ذيل هذا العقد من تجهيز أختيه و من الإنفاق عليهما و على والدته بعد وفاة أبيه فلا يعدو أن يكون مقابلاً للهبة و لا يخرج عقدها عن طبيعته .

(الطعن رقم 88 لسنة 15 جلسة 1946/05/22 س ع ع 5 ص 178 ق 83)

8 ـ لا تناقض بين أن ترى المحكمة إستعداد المشترى الجدى للوفاء بالثمن كافياً لرفض طلب فسخ البيع و بين أن تقضى عليه بأن يدفع مازال عالقاً بذمته من ثمن و ملحقات .

(الطعن رقم 121 لسنة 17 جلسة 1948/12/09 س ع ع 5 ص 679 ق 350)

9 ـ متى كان الحكم المطعون قد قضى بصحة ونفاذ عقد البيع المعقود بين المطعون عليها الأولى والمطعون عليه الثاني قبل أن يؤدي الأخير باقي الثمن خزانة المحكمة فإنه لا يكون للطاعن ثمة مصلحة فى النعي عليه بالخطأ فى تطبيق القانون لهذا السبب إذ أن المطالبة بباقي الثمن من شأن البائع وحده.

(الطعن رقم 152 لسنة 26 جلسة 1961/04/20 س 12 ع 1 ص 376 ق 51)

10 ـ متى كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى أن اتفاقا قد تم بين الطرفين على دفع الثمن جميعه نقداً فى ميعاد معين فإنه لا محل للرجوع إلى العرف لمعرفة ميعاد دفع الثمن والطريقة التي يدفع بها أو لبيان ما إذا كان يحق للبائع التحلل من الصفقة إذا لم يوف المشترى الثمن فى الميعاد ما دام أن القانون قد خوله هذا الحق بنص صريح بما قرره فى المادة 335 من القانون المدني القديم من أنه إذا اتفق فى بيع البضائع والأمتعة المنقولة على ميعاد لدفع الثمن ولاستلام المبيع كان البيع مفسوخاً حتماً إذا لم يدفع الثمن فى الميعاد المحدد بغير حاجة إلى تنبيه رسمي.

(الطعن رقم 328 لسنة 26 جلسة 1962/05/03 س 13 ع 1 ص 571 ق 86)

11 ـ متى كان الثابت أن المشترى دفع جزءا من ثمن المبيع عند تحرير عقد البيع و إتفق على سداد الباقى عند تحرير العقد النهائى وأن البائع تمسك أمام محكمة الموضوع بأن المشترى لم يوف كامل الثمن المستحق فى ذمته فإن الحكم يكون قد خالف القانون إذا قضى بصحة و نفاذ العقد دون أن يقيم الدليل على وفاء المشترى بكامل الثمن ، كما أنه يكون قد عاره قصور فى التسبيب إذا لم يرد على دفاع البائع فى هذا الخصوص.

(الطعن رقم 86 لسنة 23 جلسة 1957/04/25 س 8 ع 1 ص 451 ق 47)

12 ـ اذا كان الواقع فى الدعوى أن الطاعنة [ وزارة الصحة ] تعاقدت مع المطعون عليه الأخير هو و مورث باقى المطعون عليهم على توريد مسلى لمستشفياتها وأنهما وردا لها رسالة أولى وجد بعضها غير مطابق للمواصفات المتفق عليها فى عقد التوريد فرفضت الطاعنة قبولها و أخطرت مفتش صحة مدينة القاهرة بذلك فأمر بضبط الرسالة و أخطر النيابة العامة فاستصدرت أمرا من القضاء بتأييد هذا الضبط ، و أن المطعون عليهما إذ ارتضيا هذا الرفض قاما بتوريد كمية أخرى من المسلى بدلا من الرسالة الأولى قبلتها الطاعنة ، فإن الحكم المطعون فيه و قد ألزم الطاعنة بثمن ما ثبت من التحليل صلاحيته من المسلى موضوع الرسالة الأولى تأسيسا على أن تسليم المطعون عليهما لهذا القدر الذى ثبت صلاحيته يعتبر تسليما صحيحاً للشىء المبيع يوجب على المشترى أداء ثمنه المتفق عليه ، مع أن المسلى موضوع الرسالة الأولى قد استبدل به غيره ولم يعد هو المبيع الذى تلتزم الطاعنة بأداء ثمنة طبقا لعقد التوريد ، يكون وقد أسس قضاءه على هذا الفهم الخاطئ مخالفاً للقانون بما يستوجب نقضه .

(الطعن رقم 284 لسنة 24 جلسة 1958/12/04 س 9 ع 1 ص 718 ق 93)

13 ـ متى كانت محكمة الموضوع إذ عرضت فى أسباب الحكم لبحث مدى قيام كل من الطرفين بإلتزامات عقد البيع بدأت بحث إلتزام البائع بالتسليم و انتهت إلى أنه عرض على المشترى المبيع عرضاً حقيقاً و نفت عنه شبهة التقصير فى الوفاء بهذا الإلتزام ثم عرضت لإلتزام المشترى بدفع الثمن فسجلت عليه تخلفه عن الوفاء بهذا الإلتزام المقابل على الرغم من عرض المبيع عليه عرضاً حقيقاً ، فإنه يكون غير منتج النعى على الحكم بأنه يجب الوفاء بالالتزامين فى وقت واحد و يكون غير صحيح القول بأن محكمة الموضوع رتبت على تقصير المشترى فى الوفاء بالتزامه إعفاء البائع من الوفاء بالتزامه المقابل .

(الطعن رقم 95 لسنة 24 جلسة 1958/03/13 س 9 ع 1 ص 204 ق 26)

14 ـ أنه إذا كان الدين الثابت فى ذمة المدين مبلغاً من المال و أراد أن يبرئ ذمته من هذا الدين بعرضه على دائنه حال المرافعة فيجب أن يكون هذا العرض منفردا دون غيرها و لا يغنى عن ذلك سحب شيك بقيمة الدين لأن الشيك و إن اعتبر فى الأصل أداة وفاء إلا أن مجرد سحبه لا يعتبر وفاءً ، مبرئا لذمة ساحبه و لا ينقض إلتزامه إلا بقيام المسحوب عليه بصرف قيمة الشيك للمستفيد . يستوى فى ذلك أن يكون المدين شخصا طبيعياً أو معنوياً .

(الطعن رقم 573 لسنة 56 جلسة 1990/06/06 س 41 ع 2 ص 256 ق 217)

شرح خبراء القانون

الثمن مستحق الدفع وقت تسليم المبيع :ي

خلص مما قدمناه في تحديد الوقت الذي يجب فيه الوفاء بالثمن أن الثمن يكون مستحق الدفع وقت تسليم المبيع في القروض الآتية :

( 1 ) إذا لم يحدد وقت لا لتسليم المبيع ولا لدفع الثمن، فعندئذٍ يكون تسليم المبيع واجباً وقت تمام البيع ، وفي هذا الوقت أيضاً يكون الثمن مستحق الدفع .

(2)إذا حدد وقت وأحد لكل من تسليم المبيع ودفع الثمن.

( 3 ) إذا حدد وقت معين لتسليم المبيع دون تحديد وقت ما لدفع الثمن، فعندئذٍ يكون الثمن مستحق الدفع في الوقت الذي يتم فيه تسليم المبيع .

ففي هذه الفروض جميعاً، ما دام الثمن يدفع في الوقت الذي يسلم فيه المبيع، فإنه يدفع أيضاً في المكان الذي يسلم فيه المبيع، حتى يكون تنفيذ الالتزامين المتقابلين في وقت واحد وفي مكان واحد  وقد قدمنا أن تسليم المبيع يكون في المكان الذي يوجد فيه عند تمام البيع، فإذا لم يكن للمبيع محل وجود ثابت وجب تسليمه في موطن البائع ويترتب على ذلك أنه في القروض السالف ذكرها –حيث يكون الثمن مستحق الدفع وقت تسليم المبيع –يجب دفع الثمن إما في المكن الذي يوجد فيه المبيع وقت تمام البيع إذا كان له محل وجود ثابت، وإما في موطن البائع إذا لم يكن للمبيع محل وجود ثابت، وبذلك يتم تسليم المبيع ودفع الثمن في وقت واحد وفي مكان واحد، وسواء دفع الثمن في المكان  الذي يوجد فيه المبيع أو دفع في موطن البائع، ففي القرضين يكون الحكم استثناء من القواعد العامة، وهي تقضي بأن يكون وفاء الالتزام –وهو هنا الثمن أي مبلغ من النقود - "في المكان الذي يوجد فيه موطن المدين وقت الوفاء أو في المكان الذي يوجد فيه مركز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال )م 347 / مدني) فهنا قد دفع الثمن، لا في موطن المدين وهو المشتري أو في مركز أعماله، بل دفع إما في مكان وجود المبيع وإما في موطن الدائن وهو البائع .

كل هذا بطبيعة الحال ما لم يوجد اتفاق أو عرف يخالفه .

 الثمن مستحق الدفع في وقت غير وقت تسليم المبيع :

ويكون الثمن مستحق الدفع في وقت غير وقت التسليم المبيع في الفرضين الآتيين :

( 1 ) إذا حدد وقت معين لدفع الثمن دون أن يحدد وقت ما لتسلم المبيع ففي هذا القرض يكون التسليم المبيع واجباً بمجرد تمام البيع، ويكون دفع الثمن واجباً في الوقت الذي حدد له .

( 2 ) إذا حدد وقت معين لدفع الثمن وحدد وقت آخر لتسليم المبيع، فيكون دفع الثمن وتسليم المبيع واجبين في وقتين مختلفين .

وعندئذٍ –في الفرضين المتقدمين –تنتفي الحكمة من جعل مكان دفع الثمن هو مكان تسليم المبيع، فقد كانت وحدة المكان ملحوظة عندما كان الوقت واحداً أيضاً حتى لا يسلم المبيع ويدفع الثمن في وقت واحد وفي مكانين مختلفين، أما الآن والثمن يدفع في وقت غير الوقت الذي يسلم فيه المبيع، فلم تعد هناك ضرورة في أن يدفع في المكان الذي يسلم فيه المبيع  ومن ثم وجب الرجوع في هذين الفرضين إلى القواعد العامة، وهي تقضي كما رأينا بأن دفع الثمن يكون في موطن المشتري أو في مركز أعماله وقت استحقاق الثمن، وهذا ما نصت عليه فعلاً الفقرة الثانية من المادة 456 مدني .(الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الرابع  الصفحة/ 1011)

إذا وجد اتفاق بين المتعاقدين على مكان الوفاء بثمن المبيع، تعين الوفاء بالثمن في هذا المكان، فإذا لم يوجد اتفاق، كان الوفاء في المكان الذي يحدده العرف، فإذا لم يوجد عرف فإنه يجب أن يتم الوفاء طبقاً لما تحدده المادة (456).

وهذه المادة قد فرقت في مكان الوفاء بالثمن بين حالتين : الحالة الأولى :

إذا كان الثمن مستحقاً وقت التسليم، سواء كان ذلك بناء على اتفاق أو عرف، يقضي بذلك، أم بناء على القاعدة التي تتضمنها المادة (1/ 457 مدني)، فيكون مكان الوفاء بالثمن هو المكان الذي يسلم فيه المبيع.

وفي هذا خروج على القاعدة العامة التي تنص عليها الفقرة الثانية من المادة (247) مدني، ومقتضاها أن يكون الوفاء في موطن المدين.

والحكمة في الخروج على القاعدة العامة أن البيع وهو عقد ملزم للجانبين يجب أن ينفذ جملة واحدة فيدفع الثمن وقت تسليم المبيع وفي مكان هذا التسليم، وهذا أوفى إلى تحقيق قصد المتعاقدين عند عدم إفصاحهما عنه صراحة .

 وإذا كان الثمن واجب الأداء فور العقد وبالتالي في مكان تسليم المبيع، ثم قام البائع - مجاملة للمشتري- بتسليمه المبيع دون أن يقبض الثمن، فلا يجوز أن يترتب على هذا إساءة إليه فيصبح الثمن واجب الأداء في موطن المشتري بل يظل واجب الوفاء في محل التسليم .

ولا ينطبق الحكم السابق إلا حيث يكون الوفاء بالثمن واجب الأداء للبائع نفسه، أما إذا اشترط البائع أن يقع الوفاء بالثمن لشخص غيره، فمعنى ذلك أن البائع يكون قد فصل ما بين تنفيذ التزامه بالتسليم والتزام المشتري بدفع الثمن، ولم يعد من الجائز افتراض أن الطرفين قد قصدا تنفيذهما معا جملة واحدة، ويجري تنفيذ كل منهما على انفراد، فيكون الوفاء بالثمن واجب الأداء عندئذٍ في موطن المشتري وهو المدين بالثمن، وذلك وفقاً للقواعد العامة.

 وإذا كان الثمن واجب الوفاء في الأصل وقت التسليم ثم تأجل ميعاد دفعه إما بنظرة ميسرة أو بأجل تفضل به البائع على المشتري، فإنه لا يجوز أن يترتب على ذلك الإضرار بالبائع بجعل الثمن واجب الوفاء في موطن المشتري، بل يظل هذا ملزماً بدفعه في المكان الذي تم تسليم المبيع فيه رغم قيامه بدفعه بعد التسليم .

الحالة الثانية :

إذا لم يكن الثمن مستحقاً وقت التسليم، فإن الوفاء بالثمن يكون واجباً فی المكان الذي يوجد فيه موطن المشتري وقت استحقاق الثمن، وهذا محض تطبيق القواعد العامة، يبرره انتفاء الحكمة التي أوجبت في الفرض السابق، ربط مكان الوفاء بالثمن بمكان التسليم  .

ويلاحظ أن المشرع لم يعرض لتعيين مكان الوفاء بالثمن في حالة ثالثة غير الحالتين السابقتين هي الحالة التي يكون فيها الثمن مستحقاً قبل الوقت المعين لتسليم المبيع، ولاشك في انطباق القاعدة العامة على هذه الحالة إذ لا تتوافر فيها الحكمة التي اقتضت الخروج على هذه القاعدة في الحالة الأولى، وإذن يكون وفاء الثمن في هذه الحالة في موطن المشتري كما في الحالة الثانية .(موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/  الخامس    الصفحة/   438)

تنص المادة 456 مدنی على أن يكون الثمن مستحق الوفاء في المكان الذي سلم فيه المبيع ، ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقتضي بغير ذلك، فإذا لم يكن الثمن مستحقاً وقت تسليم المبيع، وجب الوفاء به في المكان الذي يوجد فيه موطن المشتري و قت استحقاق الثمن» ( وكانت المادة 407/329 - 409 من التقنين الملغي تقضي بمثل ذلك ايضاً.

ويؤخذ من هذا النص أن المشرع يفرق بين الوفاء بالثمن الذي يستحق وقت تسليم المبيع وبين الوفاء بالثمن الذي يستحق بعد ذلك.

ففي الحالة الأخيرة طبق المشرع حكم القواعد العامة، فنص على أن الوفاء يكون في المكان الذي يوجد فيه موطن المشتري وقت استحقاق الثمن (المدة 456 فقرة ثانية وهي تطبيق للمادة 347فقرة ثانية)، غير أنه يلاحظ وجود فرق بين نص المادة 406 فقرة ثانية ونص المادة 347 فقرة ثانية التي تتضمن القاعدة العامة، إذ انتصر الأول على أن يقرر أن الوفاء يكون في المكان الذي يوجد فيه موطن المشتري في حين أن الثانی قرر أن الوفاء يكون في هذا المكان أو في المكان الذي يوجد فيه مرکز أعمال المدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال، ولكن هذا الفرق غير مقصود ويجب تفسير عبارة المادة 456 بما ورد في المادة 347 واعتبار وفاء المشتري بالثمن واجباً في المكان الذي يوجد فيه مرکز أعماله إذا كان البيع متعلقاً بهذه الأعمال، إذ تقضى المادة 41 مدني بأن «يعتبر الكان الذي يباشر فيه الشخص تجارة أو حرفة موطناً بالنسبة إلى إدارة الأعمال المتعلقة بهذه التجارة أو الحرفة»، فإذا اشترى المحامي أثاثاً أو أدوات كتابية لمكتبه وجبت مطالبته بالثمن في مكتبه لا في المكان الذي يقيم فيه عادة .

وأما إذا كان الثمن مستحقاً وقت تسليم البيع، وهو يكون كذلك إذا حدد في العقد وقت واحد لكل من تسليم المبيع ودفع الثمن، أو إذا لم يحدد وقت لأي منهما فيكونان مستحقين فوراً، أو إذا حدد وقت التسليم المبيع ولم يحدد وقت لدفع الثمن فيكون الثمن مستحقاً في الوقت المحدد لتسليم المبيع، فقد نص المشرع على أن يكون الوفاء بالثمن في المكان الذي يسلم فيه المبيع (المادة 456 فقرة أولى). وظاهر ان في هذا النص خروجاً على القواعد العامة التي تقضي بأن يكون الوفاء في موطن المدين وقت الوفاء أو في المكان الذي يوجد فيه مرکز أعمال الدين إذا كان الالتزام متعلقاً بهذه الأعمال ( المادة 2/347  مدني)، وحكمته الرغبة في أن الالتزامات المستحقة في وقت واحد يتم تنفيذها ما في مكان واحد، حتى لا يحدث خلاف على من يجب أن ينفذ أولاً وحتی لا يحتاج البائع والمشتري - والمفروض أنهما مجتمعان وقت تسليم المبيع في المكان الذي يجب فيه التسليم - إلى الاجتماع مرة اخرى في موطن المشتري .

ويلاحظ أن المشرع لم يعرض التعيين مكان الوفاء بالثمن في حالة ثالثة غير الحالتين السابقتين هي الحالة التي يكون فيها الثمن مستحقاً قبل الوقت المعين لتسليم المبيع، ولا شك في انطباق القاعدة العامة على هذه الحالة إذ لا تتوافر فيها الحكمة التي اقتضت الخروج على هذه القاعدة في الحالة السابقة، وإذن يكون وفاء الثمن في هذه الحالة في موطن المشتري كما في الحالة الأولى .

ويمكن القول إذن بوجوب التفرقة بين الأحوال التي يستحق فيها الثمن وقت التسليم والأحوال التي يكون فيها استحقاق الثمن في وقت سابق أو لاحق لوقت التسليم، وفي هذه الأحوال الأخيرة تطبق القواعد العامة، أما في الأحوال الأولى، فيكون الثمن مستحق الأداء في مكان تسليم المبيع خلافاً للقاعدة العامة .

وكل هذا ما لم يوجد اتفاق أو عرف يقضي بغيره .

وفي البيوع الدولية يترتب علي تعيين مكان الوفاء تعيين نوع النقد الذي يجب الوفاء به، فإذا كان الوفاء واجباً في مصر تعين أن يكون بالنقد المصري إلا إذا وجد اتفاق علي أن يكون الوفاء بنقد أجنبي بمراعاة أحكاام قانون تداول النقد الأجنبي، والقانومن المصري يشترط في ذلك أن يكون الوفاء بالنقد الأجنبي من طريق أحد المصارف المعتمدة لذلك ومن حساب معلوم المصدر قابل للتحويل (4 مكرر) .(الوافي في شرح القانون المدني، الدكتور/ سليمان مرقس، الطبعة الرابعة 1986 الجزء/ السابع الصفحة/593)

الفقة الإسلامي

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  التاسع   ، الصفحة / 38

 

الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُعَيَّنًا وَالآْخَرُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ:

64 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ: إِلَى أَنَّهُ يُطَالَبُ الْمُشْتَرِي بِالتَّسْلِيمِ أَوَّلاً، قَالَ الصَّاوِيُّ: لأِنَّ الْمَبِيعَ فِي يَدِ بَائِعِهِ كَالرَّهْنِ عَلَى الثَّمَنِ. وَتَوْجِيهُ ذَلِكَ أَنَّ حَقَّ الْمُشْتَرِي تَعَيَّنَ فِي الْمَبِيعِ، فَيَدْفَعُ الثَّمَنَ لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْبَائِعِ بِالْقَبْضِ، تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ: إِلَى أَنَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى التَّسْلِيمِ أَوَّلاً؛ لأِنَّ قَبْضَ الْمَبِيعِ مِنْ تَتِمَّاتِ الْبَيْعِ، وَاسْتِحْقَاقُ الثَّمَنِ مُرَتَّبٌ عَلَى تَمَامِ الْبَيْعِ، وَلِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِذَلِكَ  .

أَمَّا مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى إِخْلاَلِ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ الْحَالِّ، وَكَذَلِكَ الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ إِذَا حَلَّ أَجَلُهُ، فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ: إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُوسِرًا، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَدَاءِ الثَّمَنِ الْحَالِّ، كَمَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى أَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْفَسْخِ إِذَا كَانَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا، أَوْ كَانَ الثَّمَنُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ.

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْفَسْخِ، لأِنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّقَاضِي لِلْحُصُولِ عَلَى حَقِّهِ، وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ دَائِنٌ، كَغَيْرِهِ مِنَ الدَّائِنِينَ. وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَا لَمْ يَشْتَرِطْ لِنَفْسِهِ خِيَارَ النَّقْدِ، بِأَنْ يَقُولَ مَثَلاً: إِنْ لَمْ تَدْفَعِ الثَّمَنَ فِي مَوْعِدِ كَذَا فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا. وَاخْتُلِفَ فِي مُقْتَضَى هَذَا الشَّرْطِ، هَلْ هُوَ انْفِسَاخُ الْبَيْعِ، أَوِ اسْتِحْقَاقُهُ الْفَسْخَ بِاعْتِبَارِهِ فَاسِدًا؟ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّهُ يَفْسُدُ وَلاَ يَنْفَسِخُ وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ النَّقْدِ)

وَلِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَفْصِيلٌ - فِي حَالِ إِخْلاَلِ الْمُشْتَرِي بِأَدَاءِ الثَّمَنِ الْحَالِّ، لاَ لِلْفَلْسِ، بَلْ لِغِيَابِ مَالِهِ غَيْبَةً قَرِيبَةً فِي بَلَدِهِ، أَوْ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ - خُلاَصَتُهُ: الْحَجْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ الثَّمَنَ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مَالِهِ تَصَرُّفًا يَضُرُّ بِالْبَائِعِ. أَمَّا إِنْ كَانَ الْمَالُ غَائِبًا مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَأَكْثَرَ، فَإِنَّهُ لاَ يُكَلَّفُ الْبَائِعُ الصَّبْرَ إِلَى إِحْضَارِهِ، بَلْ يُحْجَرُ عَلَى الْمَبِيعِ وَمَالِ الْمُشْتَرِي كَمَا سَبَقَ. وَيَمْلِكُ الْبَائِعُ الْفَسْخَ فِي الأْصَحِّ  لِلشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ وَجْهٌ لِلْحَنَابِلَةِ، وَهَذَا فَضْلاً عَنْ حَقِّهِ فِي حَبْسِ مَبِيعِهِ حَتَّى يَقْبِضَ ثَمَنَهُ. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَجْهٌ بِأَنَّهُ: لاَ خِيَارَ لِلْبَائِعِ فِي الْفَسْخِ فِيمَا دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ، لأِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَاضِرِ. وَالْقَوْلُ الآْخَرُ لِلشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لَهُ الْفَسْخُ، بَلْ يُبَاعُ الْمَبِيعُ، وَيُؤَدَّى حَقُّهُ مِنَ الثَّمَنِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ  .

اشْتِرَاطُ التَّرَادِّ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الأْدَاءِ:

65 - مِمَّا يَتَّصِلُ بِمَا سَبَقَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ - مِنْ إِثْبَاتِ حَقِّ الْفَسْخِ إِذَا اشْتَرَطَهُ لِعَدَمِ الأْدَاءِ فِي الْمَوْعِدِ الْمُحَدَّدِ، وَهُوَ مَا يُسَمَّى (خِيَارَ النَّقْدِ) - تَصْرِيحُ الْمَالِكِيَّةِ بِمِثْلِهِ فِيمَا إِذَا قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ لِوَقْتِ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِالثَّمَنِ فِي وَقْتِ كَذَا، فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا، فَقَدْ جَاءَ فِي الْمُدَوَّنَةِ تَصْحِيحُ الْبَيْعِ وَبُطْلاَنُ الشَّرْطِ.

وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ قَوْلاَنِ آخَرَانِ: صِحَّةُ الْبَيْعِ وَالشَّرْطِ. وَفَسْخُ الْبَيْعِ  . وَتَفْصِيلُهُ فِي (خِيَارُ النَّقْدِ).

هَذَا وَإِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً، فَإِنَّ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ، وَلاَ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِيَ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلاَّ عِنْدَ حُلُولِ الأْجَلِ  . وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ مُنَجَّمًا. وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ فِي الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ لَيْسَ لِلْبَائِعِ حَبْسُ الْمَبِيعِ بِهِ، وَإِنْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ لِرِضَاهُ بِتَأْخِيرِهِ  .

أَمَّا إِذَا كَانَ بَعْضُ الثَّمَنِ مُعَجَّلاً وَبَعْضُهُ مُؤَجَّلاً، فَإِنَّ لِلْبَعْضِ الْمُعَجَّلِ حُكْمَ تَعْجِيلِ الثَّمَنِ كُلِّهِ، فَلاَ يُطَالِبُ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، إِلاَّ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْجُزْءِ الْمُعَجَّلِ مِنَ الثَّمَنِ.

وَلاَ بُدَّ فِي جَمِيعِ الأْحْوَالِ مِنْ أَنْ يَكُونَ الأْجَلُ مَعْلُومًا، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ الْبَيْعُ مَهْمَا طَالَ وَلَوْ إِلَى عِشْرِينَ سَنَةً. وَتَفْصِيلُهُ فِي (أَجَل).

وَقَدْ صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ أَهْلِ السُّوقِ عَلَى التَّقَاضِي، وَقَدْ عَرَفُوا قَدْرَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ. وَالتَّقَاضِي: تَأْخِيرُ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّيْنِ إِلَى مَدًى مُتَعَارَفٍ عَلَيْهِ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ.

وَمِنْ حَقِّ الْمُشْتَرِي إِذَا كَانَ الْمَبِيعُ مَعِيبًا، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَدَاءِ الثَّمَنِ، إِلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَ حَقَّهُ فِي الْعَيْبِ فَسْخًا أَوْ طَلَبًا لِلأْرْشِ أَوْ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُ الاِسْتِحْقَاقِ.

وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الدَّيْنِ الْحَالِّ، أَوِ الْمُؤَجَّلِ بِأَجَلٍ قَرِيبٍ إِلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ، وَأَخْذُ مُسَاوِي الثَّمَنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ لأِنَّهُ تَسْلِيفٌ أَوْ تَسْلِيفٌ مَعَ إِسْقَاطِ الْبَعْضِ وَهُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ. تَأْخِيرُ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ  .

وَأَجَازَ الْمَالِكِيَّةُ تَأْخِيرَ رَأْسِ الْمَالِ فِي حُدُودِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِشَرْطٍ  .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي عشر ، الصفحة / 316

التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّمْكِينِ مِنَ الْقَبْضِ:

4 - التَّسْلِيمُ، أَوِ الْقَبْضُ مَعْنَاهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: التَّخْلِيَةُ أَوِ التَّخَلِّي، وَهُوَ أَنْ يُخَلِّيَ الْبَائِعُ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي بِرَفْعِ الْحَائِلِ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، بِحَيْثُ لاَ يُنَازِعُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَهَذَا يَحْصُلُ بِالتَّخْلِيَةِ، فَيُجْعَلُ الْبَائِعُ مُسَلِّمًا لِلْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي قَابِضًا لَهُ، فَكَانَتِ التَّخْلِيَةُ تَسْلِيمًا مِنَ الْبَائِعِ، وَالتَّخَلِّي قَبْضًا مِنَ الْمُشْتَرِي. وَكَذَا هَذَا فِي تَسْلِيمِ الثَّمَنِ إِلَى الْبَائِعِ؛ لأِنَّ  التَّسْلِيمَ وَاجِبٌ، وَمَنْ عَلَيْهِ الْوَاجِبُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَبِيلُ الْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ، وَالَّذِي فِي وُسْعِهِ هُوَ التَّخْلِيَةُ وَرَفْعُ الْمَوَانِعِ .

وَالْقَبْضُ يَتِمُّ بِطَرِيقِ التَّخْلِيَةِ، وَهِيَ أَنْ يَتَمَكَّنَ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمَبِيعِ بِلاَ مَانِعٍ - أَيْ بِأَنْ يَكُونَ مُفْرَزًا وَلاَ حَائِلَ - فِي حَضْرَةِ الْبَائِعِ مَعَ الإْذْنِ لَهُ بِالْقَبْضِ .

فَقَبْضُ الْعَقَارِ عِنْدَ الْجَمِيعِ - كَالأْرْضِ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَنَخْلٍ وَنَحْوِهِمَا - يَكُونُ بِالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْمَبِيعِ وَبَيْنَ الْمُشْتَرِي وَتَمْكِينِهِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، وَذَلِكَ بِتَسْلِيمِ الْمَفَاتِيحِ إِنْ وُجِدَتْ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ مِنَ الأْمْتِعَةِ، إِنْ كَانَ شِرَاءُ الْعَقَارِ لِلسَّكَنِ - عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ - وَقَبْضُ الْمَنْقُولِ كَالأْمْتِعَةِ، وَالأْنْعَامُ وَالدَّوَابُّ بِحَسَبِ الْعُرْفِ الْجَارِي بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ الإْطْلاَقِ، فَالثَّوْبُ قَبْضُهُ بِاحْتِيَازِهِ، وَالْحَيَوَانُ بِتَمْشِيَتِهِ مِنْ مَكَانِهِ، وَقَبْضُ الْمَوْزُونِ بِوَزْنِهِ، وَقَبْضُ الْمَكِيلِ بِكَيْلِهِ، إِذَا بِيعَا كَيْلاً وَوَزْنًا. وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: تَفْرِيغُهُ فِي أَوْعِيَةِ الْمُشْتَرِي، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ التَّفْرِيغِ فِي أَوْعِيَةِ الْمُشْتَرِي كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَهُمْ .

وَهَذَا: لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم  قَالَ: «إِذَا بِعْتَ فَكِلْ، وَإِذَا ابْتَعْتَ فَاكْتَلْ»  وَعَنِ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم  أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يُجْرَى فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» . وَإِنْ بِيعَ جُزَافًا فَقَبْضُهُ نَقْلُهُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ قَبْضُهُ بِالتَّخْلِيَةِ .

التَّسْلِيمُ فِي الْبَيْعِ:

5 - التَّسْلِيمُ فِي الْبَيْعِ يَكُونُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ؛ لأِنَّ  الْمَقْصُودَ مِنَ الْبَيْعِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِذَلِكَ .

 وَمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ أَوَّلاً، يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ نَوْعِ الْبَدَلَيْنِ، وَهُوَ كَالآْتِي: إِنْ كَانَ الْبَيْعُ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ، وَاخْتَلَفَا فِيمَنْ يُسَلِّمُ أَوَّلاً، يَجِبُ عَلَى الْعَاقِدَيْنِ التَّسْلِيمُ مَعًا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْمُعَاوَضَةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِلْمُسَاوَاةِ عَادَةً الْمَطْلُوبَةِ بَيْنَ الْعَاقِدَيْنِ؛ إِذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِالتَّقْدِيمِ أَوْلَى مِنَ الآْخَرِ، فَيُجْعَلُ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ يَقْبِضُ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا وَيُسَلِّمُ الآْخَرَ.

وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ إِنْ تَبَايَعَا دَيْنًا بِدَيْنٍ، كَمَا فِي عَقْدِ الصَّرْفِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَأَحَدِ قَوْلَيِ الشَّافِعِيَّةِ .

وَإِنْ كَانَ بَيْعَ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، فَيَجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ  تَسْلِيمُ الثَّمَنِ - أَيِ الدَّيْنِ أَوَّلاً - وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: وُجُوبُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوَّلاً، وَاسْتَثْنَى الْجَمِيعُ مِنْ ذَلِكَ أَمْرَيْنِ

أَوَّلُهُمَا: الْمُسْلَمُ فِيهِ لأِنَّهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ. وَالثَّانِي: الثَّمَنُ الْمُؤَجَّلُ، فَإِنْ كَانَ عَيْنًا أَوْ عَرَضًا بِعَرَضٍ جُعِلَ بَيْنَهُمَا عَدْلٌ - عِنْدَ الْجُمْهُورِ -، فَيَقْبِضُ مِنْهُمَا، ثُمَّ يُسَلِّمُ إِلَيْهِمَا، وَهَذَا قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ، لأِنَّ  تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِقْرَارُ الْبَيْعِ وَتَمَامُهُ، فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَوْلَى، سِيَّمَا مَعَ تَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ، وَتَعَلُّقِ حَقِّ الْبَائِعِ بِالذِّمَّةِ، وَتَقْدِيمُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْلَى لِتَأَكُّدِهِ. وَمَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُمَا يُسَلَّمَانِ مَعًا .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الثالث عشر ، الصفحة / 116

تَقَابُضٌ

التَّعْرِيفُ:

1 - التَّقَابُضُ: صِيغَةٌ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ فِي الْقَبْضِ. وَهُوَ فِي اللُّغَةِ: أَخْذُ الشَّيْءِ وَتَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ، وَيُقَالُ: قَبَضَ عَلَيْهِ بِيَدِهِ: ضَمَّ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ، وَقَبَضَ عَنْهُ يَدَهُ: امْتَنَعَ عَنْ إِمْسَاكِهِ .

وَيُسْتَعْمَلُ الْقَبْضُ لِتَحْصِيلِ الشَّيْءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ أَخْذٌ بِالْكَفِّ، نَحْوُ قَبَضْتُ الدَّارَ وَالأْرْضَ  مِنْ فُلاَنٍ أَيْ: حُزْتُهُمَا. قَالَ تَعَالَى : (وَالأْرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)  أَيْ فِي حَوْزِهِ، حَيْثُ لاَ تُمْلَكُ لأِحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَيُسْتَعْمَلُ الْقَبْضُ ضِدَّ الْبَسْطِ أَيْضًا.

وَالْقَبْضُ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: حِيَازَةُ الشَّيْءِ وَالتَّمَكُّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ مِمَّا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهُ بِالْيَدِ أَمْ لَمْ يُمْكِنْ .

 وَقَدْ غَلَبَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، التَّعْبِيرُ عَنِ الْقَبْضِ، بِالْحَوْزِ وَالْحِيَازَةِ.  

فَالتَّقَابُضُ أَنْ يَأْخُذَ كُلٌّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ الْعِوَضَ.

الأْلْفَاظُ  ذَاتُ الصِّلَةِ:

أ - التَّعَاطِي:

2 - التَّعَاطِي صِيغَةٌ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بِمَعْنَى حُصُولِ الإْعْطَاءِ مِنْ طَرَفَيْنِ .

وَمِنْهُ التَّعَاطِي فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ إِعْطَاءُ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ وَالتَّمْلِيكِ، وَإِعْطَاءُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ لِلْبَائِعِ دُونَ تَلَفُّظٍ بِإِيجَابٍ أَوْ قَبُولٍ .

 ب - التَّخْلِيَةُ:

3 - التَّخْلِيَةُ: مَصْدَرُ خَلَّى، وَمِنْ مَعَانِيهَا: التَّرْكُ، يُقَالُ: خَلَّيْتُ الشَّيْءَ وَتَخَلَّيْتُ عَنْهُ، وَمِنْهُ إِذَا تَرَكْتُهُ .

وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: تَمْكِينُ الشَّخْصِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ دُونَ حَائِلٍ وَإِذَا مَكَّنَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الْمَبِيعِ حَصَلَتِ التَّخْلِيَةُ .

وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّخْلِيَةِ وَالْقَبْضِ: أَنَّ الأْوَّلَ مِنْ طَرَفِ الْمُعْطِي، وَالثَّانِي مِنْ طَرَفِ الْقَابِضِ .

الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:

4 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ مِنَ الْمَجْلِسِ فِي الصَّرْفِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلي الله عليه سلم : « الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأْصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ»  أَيْ مُقَابَضَةً.

وَإِذَا بِيعَ الْمَالُ الرِّبَوِيُّ بِجِنْسِهِ اشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالْمُمَاثَلَةُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ جَازَ التَّفَاضُلُ، وَاشْتُرِطَ الْحُلُولُ وَالتَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ إِلاَّ إِنِ اتَّحَدَتْ عِلَّةُ الرِّبَا فِي الْعِوَضَيْنِ مِنْ كَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ .

وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ قَبْلَ التَّفَرُّقِ إِلاَّ فِي الصَّرْفِ، أَمَّا فِي غَيْرِهِ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ فَيَمْتَنِعُ النَّسَاءُ، وَلاَ يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّقَابُضُ. بَلْ يُكْتَفَى فِيهَا بِالتَّعْيِينِ، لأِنَّ  الْبَدَلَ فِي غَيْرِ الصَّرْفِ يَتَعَيَّنُ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَيَتَمَكَّنُ مِنَ التَّصَرُّفِ فِيهِ، فَلاَ يُشْتَرَطُ قَبْضُهُ، بِخِلاَفِ الْبَدَلِ فِي الصَّرْفِ، لأِنَّ  الْقَبْضَ شَرْطٌ فِي تَعْيِينِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَتَعَيَّنُ بِدُونِ الْقَبْضِ، إِذِ الأْثْمَانُ لاَ تَتَعَيَّنُ مَمْلُوكَةً إِلاَّ بِهِ، وَلِذَلِكَ كَانَ لِكُلٍّ مِنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ تَبْدِيلُهَا.  

5 - وَالتَّقَابُضُ الْمُعْتَدُّ بِهِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ فِي عَقْدِ الصَّرْفِ. هُوَ مَا كَانَ قَبْلَ الاِفْتِرَاقِ بِالأْبْدَانِ.

وَاسْتَثْنَى الْفُقَهَاءُ أَيْضًا مِنْ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِي الأْثْمَانِ، الثَّمَنَ  فِي عَقْدِ الصَّرْفِ لاِشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ.

وَإِنَّمَا جَازَ التَّصَرُّفُ فِي الأْثْمَانِ عَدَا الصَّرْفَ لأِنَّ هَا دُيُونٌ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهَا قَبْلَ الْقَبْضِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ (مِثْلُ الْمَهْرِ، وَالأْجْرَةِ، وَضَمَانِ الْمُتْلَفَاتِ وَغَيْرِهَا) لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما  قَالَ: «كُنْتُ أَبِيعُ الإْبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله عليه سلم وَهُوَ فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رُوَيْدَكَ أَسْأَلُكَ، إِنِّي أَبِيعُ الإْبِلَ بِالْبَقِيعِ، فَأَبِيعُ بِالدَّنَانِيرِ وَآخُذُ الدَّرَاهِمَ، وَأَبِيعُ بِالدَّرَاهِمِ وَآخُذُ الدَّنَانِيرَ، آخُذُ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، وَأُعْطِي هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه سلم:  (لاَ بَأْسَ أَنْ تَأْخُذَهَا بِسِعْرِ يَوْمِهَا، مَا لَمْ تَفْتَرِقَا وَبَيْنَكُمَا شَيْءٌ).

وَذَكَرَ الْفُقَهَاءُ جَوَازَ التَّصَرُّفِ فِي الأْثْمَانِ، وَاسْتَثْنَوُا الصَّرْفَ وَالسَّلَمَ، وَقَالُوا: لاَ يَجُوزُ فِيهِمَا التَّصَرُّفُ فِي الثَّمَنِ قَبْلَ الْقَبْضِ

أَمَّا الصَّرْفُ فَلأَنْ كُلًّا مِنْ بَدَلَيِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، فَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مَبِيعًا لاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَبِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ ثَمَنًا أَيْضًا لاَ يَصِحُّ لاِشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ فِي الصَّرْفِ، وَلِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه:  وَإِنِ اسْتَنْظَرَكَ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلاَ تُنْظِرْهُ .

وَأَمَّا السَّلَمُ: فَالْمُسْلَمُ فِيهِ لاَ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ، لأِنَّهُ مَبِيعٌ، وَرَأْسُ الْمَالِ (الثَّمَنُ) أُلْحِقَ بِالْمَبِيعِ الْمُعَيَّنِ فِي حُرْمَةِ الاِسْتِبْدَالِ شَرْعًا .

وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ (فِي الصَّرْفِ، وَالرِّبَا، وَالسَّلَمِ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الخامس عشر ، الصفحة / 40

اعْتبارُ مكان الْعقْد وزمنه عنْد دفْع الثّمن الْمُؤجّل:

24 - يُعْتبرُ الْبلدُ الّذي جرى فيه الْبيْعُ، لا بلدُ الْمُتبايعيْن.

فإنْ باع عيْنًا منْ رجُلٍ بأصْفهان بكذا من الدّنانير، فلمْ ينْقُد الثّمن حتّى وجد

الْمُشْتري ببُخارى، يجبُ عليْه الثّمنُ بعيار أصْفهان. فيُعْتبرُ مكانُ الْعقْد.

قال ابْنُ عابدين:

وتظْهرُ ثمرةُ ذلك إذا كانتْ ماليّةُ الدّينار مُخْتلفةً في الْبلديْن، وتوافق الْعاقدان على أخْذ قيمة الدّينار لفقْده أوْ كساده في الْبلْدة الأُْخْرى، فليْس للْبائع أنْ يُلْزمهُ بأخْذ قيمته الّتي في بُخارى إذا كانتْ أكْثر منْ قيمته الّتي في أصْفهان.

وهذا قوْلُ الْحنفيّة.

واعْتبارُ مكان الْعقْد قال به الْمالكيّةُ والشّافعيّةُ في الأْصحّ عنْدهُمْ.

وكما يُعْتبرُ مكانُ الْعقْد يُعْتبرُ زمنُهُ أيْضًا، فلا يُعْتبرُ زمنُ الإْيفاء؛ لأنّ الْقيمة فيه مجْهُولةٌ وقْت الْعقْد.

وفي الْبحْر عنْ شرْح الْمجْمع: لوْ باعهُ إلى أجلٍ مُعيّنٍ، وشرط أنْ يُعْطيهُ الْمُشْتري أيّ نقْدٍ يرُوجُ يوْمئذٍ كان الْبيْعُ فاسدًا .

تسْليمُ الثّمن:

33 - ذهب الْحنفيّةُ إلى أنّ منْ باع سلْعةً بسلْعةٍ أوْ ثمنًا بثمنٍ أيْ نقْدًا بنقْدٍ سُلّما معًا، لاسْتوائهما في التّعْيين في الأْوّل، وعدم التّعْيين في الثّاني؛ ولأنّ الْمُساواة في عقْد الْمُعاوضة مطْلُوبةٌ للْمُتعاقديْن عادةً، وتحْقيقُ الْمُساواة هاهُنا في التّسْليم معًا .

وبنحْو ذلك قال الْمالكيّةُ: فالْمعْقُودُ عليْه ثمنٌ ومُثمّنٌ، فالثّمنُ الدّنانيرُ والدّراهمُ وعدا ذلك مُثمّناتٌ، فإنْ وقع الْعقْدُ على دنانير بدنانير أوْ بدراهم، أوْ على دراهم بدنانير أوْ دراهم وتشاحّا في الإْقْباض لمْ يتعيّنْ على أحدهما وُجُوبُ التّسْليم قبْل الآْخر. وكذا إنْ وقع الْعقْدُ في شيْءٍ من الْمُثمّنات كعرضٍ بعرضٍ وتشاحّا في الإْقْباض. إلاّ أنّ الْعقْد يُفْسخُ بالتّراضي في الْقبْض في الصُّورة الأْولى (الصّرْفُ) ولا يُفْسخُ في الصُّورة الثّانية؛ لأنّ الْقبْض شرْطٌ في الصّرْف دُون الْمُقايضة.

وذهب الشّافعيّةُ إلى أنّ الثّمن إذا كان مُعيّنًا نقْدًا أوْ عرْضًا، يُجْبرُ الْبائعُ والْمُشْتري كلاهُما على التّسْليم في الأْظْهر؛ لاسْتواء الْجانبيْن، لأنّ الثّمن الْمُعيّن كالْمبيع في تعلُّق الْحقّ بالدّيْن، والتّسْليمُ واجبٌ عليْهما، فيُلْزمُ الْحاكمُ كُلًّا منْهُما إحْضار ما عليْه إليْه أوْ إلى عدْلٍ، ثُمّ يُسلّمُ كُلًّا ما وجب لهُ، والْخيرةُ في الْبداية إليْه.

ومُقابلُ الأْظْهر عدمُ إجْبارهما. أمّا إذا لمْ يكُن الثّمنُ عيْنًا بلْ في الذّمّة (الْبيْعُ الْمُطْلقُ) ففيه أرْبعةُ أقْوالٍ، الْمُقدّمُ منْها إجْبارُ الْبائع.

وبنحْو ذلك قال الْحنابلةُ: فإذا كان الثّمنُ عيْنًا أوْ عرْضًا، والْمبيعُ مثْلُهُ جُعل بيْن الْبائع والْمُشْتري عدْلٌ يقْبضُ منْهُما ويُسلّمُ إليْهما؛ لأنّهُ حقُّ الْبائع قدْ تعلّق بعيْن الثّمن، كما تعلّق حقُّ الْمُشْتري بعيْن الْمبيع فاسْتويا.

وعنْ أحْمد ما يدُلُّ على أنّ الْبائع يُجْبرُ على تسْليم الْمبيع أوّلاً .

34 - ومنْ باع سلْعةً حاضرةً بثمنٍ في الذّمّة، فقد اخْتلف الْفُقهاءُ فيمنْ يلْزمُهُ التّسْليمُ أوّلاً على اتّجاهاتٍ:

الأْوّلُ: يلْزمُ الْمُشْتري تسْليمُ الثّمن أوّلاً.

وهُو قوْلُ الْجُمْهُور (الْحنفيّةُ والْمالكيّةُ وأحدُ أقْوال الشّافعيّة)  . فللْبائع حقُّ حبْس الْمبيع حتّى يقْبض الثّمن إذا كان الثّمنُ حالًّا، وليْس للْمُشْتري أنْ يمْتنع منْ تسْليم الثّمن إلى الْبائع حتّى يقْبض الْمبيع، ومثْلُهُ عنْد الْحنفيّة إذا كان الثّمنُ نقْدًا مُعيّنًا لأنّهُ لا يتعيّنُ بالتّعْيين.

35 - واسْتدلُّوا بقوْله صلى الله عليه وسلم: «الدّيْنُ مقْضيٌّ»  

فقدْ وصف  - عليه الصلاة والسلام الدّيْن بكوْنه مقْضيًّا عامًّا أوْ مُطْلقًا، فلوْ تأخّر تسْليمُ الثّمن عنْ تسْليم الْمبيع لمْ يكُنْ هذا الدّيْنُ مقْضيًّا، وهذا خلافُ النّصّ.

واسْتدلُّوا بالْمعْقُول بأنّ الْعقْد يقْتضي الْمُساواة في تعيُّن حقّ كُلّ واحدٍ منْهُما،  وحقُّ الْمُشْتري قدْ تعيّن في الْمبيع، فيُسلّمُ هُو الثّمن أوّلاً، ليتعيّن حقُّ الْبائع فيه، كما تعيّن حقُّهُ في الْمبيع، إذْ الثّمنُ لا يتعيّنُ في هذه الصُّورة إلاّ بالْقبْض.

وصُورةُ هذا: أنْ يُقال للْبائع أحْضر الْمبيع ليُعْلم أنّهُ قائمٌ، فإذا حضر قيل للْمُشْتري: سلّم الثّمن أوّلاً.

36 - وبناءً على هذا الْقوْل ذهب الْحنفيّةُ إلى أنّهُ: لوْ باع بشرْط أنْ يدْفع الْمبيع قبْل نقْد الثّمن فسد الْبيْعُ، لأنّهُ لا يقْتضيه الْعقْدُ. وقال مُحمّدٌ: لا يصحُّ لجهالة الأْجل، حتّى لوْ سمّى الْوقْت الّذي يُسلّمُ فيه الْمبيع جاز. وإنْ كان الْمبيعُ غائبًا فللْمُشْتري أنْ يمْتنع منْ تسْليم الثّمن حتّى يُحْضر الْبائعُ الْمبيع؛  لأنّ تقْديم تسْليم الثّمن لتحقُّق الْمُساواة، وإذا كان الْمبيعُ غائبًا لا تتحقّقُ الْمُساواةُ بالتّقْديم، بلْ يتقدّمُ حقُّ الْبائع ويتأخّرُ حقُّ الْمُشْتري، حيْثُ يكُونُ الثّمنُ بالْقبْض عيْنًا مُشارًا إليْها والْمبيعُ ليْس كذلك؛ ولأنّ من الْجائز أنْ يكُون الْمبيعُ قدْ هلك وسقط الثّمنُ عن الْمُشْتري، فلا يُؤْمرُ بالتّسْليم إلاّ بعْد تسْليم الْمبيع، سواءٌ أكان الْمبيعُ في ذلك الْمصْر أمْ في موْضعٍ آخر بحيْثُ تلْحقُهُ الْمُؤْنةُ بالإْحْضار، والْمُشْتري إذا لقي الْبائع في غيْر مصْرهما، وطلب منْهُ تسْليم الْمبيع، ولمْ يقْدرْ عليْه، يأْخُذُ الْمُشْتري منْهُ كفيلاً أوْ يبْعثُ وكيلاً ينْقُدُ الثّمن لهُ ثُمّ يتسلّمُ الْمبيع.

لذلك فإنّ للْبائع حقّ حبْس الْمبيع حتّى يسْتوْفي الثّمن كُلّهُ، ولوْ بقي منْهُ درْهمٌ، إلاّ أنْ يكُون مُؤجّلاً؛ لأنّ حقّ الْحبْس لا يتجزّأُ، فكان كُلُّ الْمبيع محْبُوسًا بكُلّ جُزْءٍ منْ أجْزاء الثّمن.

فإذا كان الثّمنُ مُؤجّلاً، فليْس للْبائع حقُّ حبْس الْمبيع؛ لأنّهُ بالتّأْجيل أسْقط حقّهُ في الْحبْس.

ولوْ كان بعْضُهُ حالًّا وبعْضُهُ مُؤجّلاً، فلهُ حبْسُ الْمبيع إلى اسْتيفاء الْحالّ .

ولوْ أبْرأ الْمُشْتري منْ بعْض الثّمن كان لهُ حقُّ الْحبْس حتّى يسْتوْفي الْباقي، لأنّ الإْبْراء كالاسْتيفاء.

ولا يسْقُطُ حقُّ حبْس الْبائع للْمبيع، ولوْ أخذ بالثّمن كفيلاً أوْ رهن الْمُشْتري به رهْنًا؛ لأنّ هذا وثيقةٌ بالثّمن فلا يسْقُطُ حقُّهُ عنْ حبْس الْمبيع لاسْتيفاء الثّمن .

37 - الاتّجاهُ الثّاني: يلْزمُ الْبائع تسلُّمُ الْمبيع أوّلاً.

وهُو الْمذْهبُ عنْد الْحنابلة وأحدُ أقْوال الشّافعيّة، لأنّ حقّ الْمُشْتري في الْعيْن وحقّ الْبائع في الذّمّة، فيُقدّمُ ما يتعلّقُ بالْعيْن، وهذا كأرْش الْجناية مع غيْره من الدُّيُون.

ولأنّ ملْك الْبائع للثّمن مُسْتقرٌّ، لأمْنه منْ هلاكه ونُفُوذ تصرُّفه فيه بالْحوالة والاعْتياض، وملْكُ الْمُشْتري للْمبيع غيْرُ مُسْتقرٍّ، فعلى الْبائع تسْليمُهُ ليسْتقرّ .

38 - الاتّجاهُ الثّالثُ: أنْ يُسلّم الْبائعُ والْمُشْتري معًا.

وهُو أحدُ أقْوال الشّافعيّة.

فالْبائعُ والْمُشْتري إذا ترافعا إلى حاكمٍ يُجْبران؛ لأنّ التّسْليم واجبٌ عليْهما، فيُلْزمُ الْحاكمُ كُلًّا منْهُما بإحْضار ما عليْه إليْه، أوْ إلى عدْلٍ، فإنْ فعل سلّم الثّمن للْبائع والْمبيع للْمُشْتري، يبْدأُ بأيّهما شاء .

39 - الاتّجاهُ الرّابعُ: إذا اخْتلف الْبائعُ والْمُشْتري، وترافعا إلى حاكمٍ، فلا إجْبار أوّلاً، وعلى هذا يمْنعُهُما الْحاكمُ من التّخاصُم، فمنْ سلّم أُجْبر صاحبُهُ على التّسْليم، وهُو أحدُ أقْوال الشّافعيّة.

وذلك: لأنّ كُلًّا منْهُما ثبت في حقّه إيفاءٌ واسْتيفاءٌ ولا سبيل إلى تكْليف الإْيفاء .

وتردُ هذه الأْقْوالُ الأْرْبعةُ عنْد الشّافعيّة فيما إذا كان الثّمنُ حالًّا في الذّمّة بعْد لُزُوم الْعقْد.

40 - وقيّد الشّافعيّةُ الْحبْس بخوْف الْفوْت، فقالُوا: للْبائع حبْسُ مبيعه حتّى يقْبض ثمنهُ الْحالّ كُلّهُ إنْ خاف فوْتهُ بلا خلافٍ، وكذا للْمُشْتري حبْسُ الثّمن الْمذْكُور إنْ خاف فوْت الْمبيع بلا خلافٍ، لما في التّسْليم حينئذٍ من الضّرر الظّاهر.

وإنّما الأْقْوالُ السّابقةُ فيما إذا لمْ يخف الْبائعُ فوْت الثّمن، وكذا الْمُشْتري إذا لمْ يخفْ فوْت الْمبيع، وتنازعا في مُجرّد الابْتداء بالتّسْليم؛ لأنّ الإْجْبار عنْد خوْف الْفوات بالْهرب، أوْ تمْليك الْمال لغيْره أوْ نحْو ذلك فيه ضررٌ ظاهرٌ.

أمّا الثّمنُ الْمُؤجّلُ فليْس للْبائع حبْسُ الْمبيع به، لرضاهُ بتأْخيره.

واسْتثْنى الشّافعيّةُ أيْضًا ما إذا كان الْبائعُ وكيلاً، أوْ وليًّا، أوْ ناظر وقْفٍ، أوْ الْحاكم في بيْع مال الْمُفْلس، فإنّهُ لا يُجْبرُ على التّسْليم بلْ لا يجُوزُ لهُ حتّى يقْبض الثّمن. فلا يأْتي إلاّ إجْبارُهُما أوْ إجْبارُ الْمُشْتري، ولوْ تبايع وليّان أوْ وكيلان لمْ يأْت سوى إجْبارهما.

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  العشرون ، الصفحة / 181

خِيَارُ النَّقْدِ

التَّعْرِيفُ

1 - سَبَقَ تَعْرِيفُ الْخِيَارِ. أَمَّا النَّقْدُ فَمِنْ مَعَانِيهِ لُغَةً: الإْعْطَاءُ وَالْقَبْضُ، يُقَالُ: نَقَدْتُ الرَّجُلَ الدَّرَاهِمَ، فَانْتَقَدَهَا بِمَعْنَى أَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا فَقَبَضَهَا.

وَخِيَارُ النَّقْدِ اصْطِلاَحًا هُوَ: (حَقٌّ يَشْتَرِطُهُ الْعَاقِدُ لِلتَّمَكُّنِ مِنَ الْفَسْخِ لِعَدَمِ النَّقْدِ) .

وَلَهُ صُورَتَانِ:

1 - التَّعَاقُدُ وَاشْتِرَاطُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا لَمْ يَنْقُدَ الثَّمَنَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلاَ عَقْدَ بَيْنَهُمَا. وَمُسْتَعْمِلُ الْخِيَارِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ هُوَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ كَانَتْ فَائِدَتُهُ الْكُبْرَى لِلْبَائِعِ. وَقَدْ وَصَفُوا هَذِهِ الصُّورَةَ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ (خِيَارِ الشَّرْطِ) لِلْمُشْتَرِي.

2 - التَّعَاقُدُ ثُمَّ قِيَامُ الْمُشْتَرِي بِالنَّقْدِ مَعَ الاِتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ إِذَا رَدَّ الْعِوَضَ فِي مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ فَلاَ عَقْدَ بَيْنَهُمَا. وَمُسْتَعْمِلُ الْخِيَارِ هُنَا هُوَ الْبَائِعُ، وَهُوَ وَحْدَهُ الْمُنْتَفِعُ بِالْخِيَارِ. وَهَذِهِ الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ ذَاتُ شَبَهٍ تَامٍّ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ مِمَّا جَعَلَ بَعْضَهُمْ يُدْخِلُ بَيْعَ الْوَفَاءِ فِي خِيَارِ النَّقْدِ، وَهُوَ قَوْلُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ بِكَذَا بِشَرْطِ أَنِّي مَتَى رَدَدْتُ إِلَيْكَ الثَّمَنَ فِي مَوْعِدِ كَذَا تَرُدَّ إِلَيَّ الْمَبِيعَ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ بِمَنْزِلَةِ اشْتِرَاطِ (خِيَارِ الشَّرْطِ) لِلْبَائِعِ .

مَشْرُوعِيَّتُهُ:

2 - أَثْبَتَ هَذَا الْخِيَارَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَالْحَنَفِيَّةُ، إِلاَّ زُفَرَ بْنَ الْهُذَيْلِ. وَقَالَ بِهِ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحُكِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ بِهِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَبُو إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ مُحْتَجًّا بِأَثَرِ عُمَرَ فِيهِ.

وَخَالَفَ فِي هَذَا الْخِيَارِ الشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ، وَزُفَرُ .

وَاسْتَدَلَّ مُثْبِتُو هَذَا الْخِيَارِ بِالْقِيَاسِ وَآثَارِ الصَّحَابَةِ وَوُجُوهٍ مِنَ الْمَعْقُولِ.

أَمَّا الْقِيَاسُ فَهُوَ مَقِيسٌ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ لاِتِّحَادِ الْعِلَّةِ بَيْنَهُمَا، وَهِيَ التَّرَوِّي. فَهَا هُنَا يَتَرَوَّى الْبَائِعُ أَيَحْصُلُ لَهُ الثَّمَنُ أَمْ لاَ. وَكَذَلِكَ يَتَرَوَّى الْمُشْتَرِي أَيُنَاسِبُهُ الْبَيْعُ أَمْ لاَ، فَيَسْتَرِدُّ مَا نَقَدَ (بِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَعَ الْبَائِعِ) .

وَأَمَّا آثَارُ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ، فَقَدْ رُوِيَ الأَْخْذُ بِهِ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ، وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي الْمُصَنَّفِ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ أَثْبَتَهُ، وَقَضَى بِهِ شُرَيْحٌ فِي وَاقِعَةٍ، وَأَنَّ الْمُشْتَرِيَ جَاءَ بِالثَّمَنِ مِنَ الْغَدِ فَاخْتَصَمَا إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ: أَنْتَ أَخْلَفْتَهُ . وَاحْتَجُّوا لَهُ مِنْ وُجُوهِ الْمَعْقُولِ بِدَاعِي الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، كَالْحَاجَةِ إِلَى خِيَارِ الشَّرْطِ، لِلتَّرَوِّي مِنَ الْمُشْتَرِي فِي مَعْرِفَةِ قُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْدِ، وَمِنَ الْبَائِعِ لِيَتَأَمَّلَ هَلْ يَصِلُ إِلَيْهِ الثَّمَنُ فِي الْمُدَّةِ تَحَرُّزًا عَنِ الْمُمَاطَلَةِ مِنَ الْعَاقِدِ الآْخَرِ .

وَاسْتَدَلَّ مَنْ لَمْ يُثْبِتْ هَذَا الْخِيَارَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطِ خِيَارٍ، بَلْ هُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ، لأِنَّهُ شَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَرْطًا مُطْلَقًا وَعَلَّقَ فَسْخَهُ عَلَى غَرَرٍ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ عَقَدَ بَيْعًا مَثَلاً بِشَرْطِ أَنَّهُ إِنْ قَدِمَ زَيْدٌ الْيَوْمَ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا. وَاحْتَجَّ زُفَرُ لِنَفْيِهِ بِقِيَاسٍ آخَرَ هُوَ أَنَّهُ بَيْعٌ شُرِطَتْ فِيهِ إِقَالَةٌ فَاسِدَةٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالشَّرْطِ، وَاشْتِرَاطُ الإْقَالَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبَيْعِ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ فَكَيْفَ بِاشْتِرَاطِ الْفَاسِدَةِ؟  

وَمَا ذَكَرَهُ زُفَرُ هُوَ الْقِيَاسُ، وَقَدْ ذَكَرَ الْكَاسَانِيُّ أَنَّ ثُبُوتَ خِيَارِ النَّقْدِ عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، فَهُوَ جَائِزٌ بِالاِسْتِحْسَانِ، وَوَجْهُ الاِسْتِحْسَانِ أَنَّ الْبَيْعَ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ النَّقْدِ هُوَ فِي مَعْنَى الْبَيْعِ الَّذِي فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ بِجَامِعِ التَّعْلِيقِ فِي كِلَيْهِمَا، كُلُّ مَا فِي الأْمْرِ اخْتِلاَفُ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُرُورَ الْمُدَّةِ دُونَ فَسْخٍ أَوْ مُرُورَهَا دُونَ نَقْدٍ. وَلاَ يُمْنَعُ ثُبُوتُهُ بِالْقِيَاسِ (أَوْ بِالدَّلاَلَةِ الَّتِي هِيَ أَقْوَى مِنْهُ) أَنَّهُ ثَبَتَ اسْتِحْسَانًا عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، فَالْمُرَادُ قِيَاسُهُ عَلَى خِيَارِ الشَّرْطِ وَكِلاَهُمَا ثَبَتَا عَلَى خِلاَفِ الْقِيَاسِ، أَيْ مُخَالِفَيْنِ لِلأْصُولِ الْعَامَّةِ الْقَاضِيَةِ بِلُزُومِ الْعَقْدِ كَأَصْلٍ ثَابِتٍ.

صَاحِبُ الْخِيَارِ:

3 - يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْخِيَارِ الْمُشْتَرِيَ أَوِ الْبَائِعَ بِحَسَبِ الصُّورَةِ الَّتِي اشْتُرِطَ فِيهَا، فَإِذَا ظَهَرَ بِعِبَارَةٍ (عَلَى أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إِذَا نَقَدَ فِي الْمُدَّةِ، وَإِلاَّ فَلاَ بَيْعَ) فَصَاحِبُهُ هُوَ الْمُشْتَرِي، لأِنَّهُ هُوَ الْمُتَمَكِّنُ مِنَ الْفَسْخِ بِعَدَمِ النَّقْدِ. وَأَمَّا إِنْ ظَهَرَ بِعِبَارَةِ (إِنْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ خِلاَلَ الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَالْبَيْعُ مَفْسُوخٌ) فَصَاحِبُ الْخِيَارِ هُوَ الْبَائِعُ، وَرَدُّهُ الثَّمَنَ تَصَرُّفٌ مِنْهُ بِالْفَسْخِ.

وَفَائِدَةُ الْبَائِعِ مِنْ هَذَا الْخِيَارِ أَكْثَرُ مِنَ الْمُشْتَرِي لأِنَّهُ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، أَمْ كَانَ الْبَائِعُ صَاحِبَ الْخِيَارِ، لاِنْتِفَاعِهِ بِحُصُولِ الْفَسْخِ إِذَا مَطَلَ الْمُشْتَرِي .

مُدَّةُ خِيَارِ النَّقْدِ:

4 - لَمْ تَتَّفِقَ الآْرَاءُ الْفِقْهِيَّةُ فِي مُدَّتِهِ، بَلِ اخْتَلَفَتْ، أُسْوَةً بِالْخِلاَفِ الْوَاقِعِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ؛ لأِنَّهُ فِي مَعْنَاهُ، مَعَ بَعْضِ الْمُغَايَرَةِ نَظَرًا لِثُبُوتِ خِيَارِ الشَّرْطِ بِالنَّصِّ وَثُبُوتِ هَذَا الْخِيَارِ بِالاِجْتِهَادِ، وَالآْرَاءُ فِي مُدَّتِهِ هِيَ:

1 - التَّفْوِيضُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ: فَلَهُمَا أَنْ يُحَدِّدَا الأْمَدَ الَّذِي يَرَيَانِ فِيهِ مَصْلَحَتَهُمَا، وَلَوْ زَادَ عَنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَحْدَهُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَقَدْ جَرَى عَلَى مُوجِبِ قَوْلِهِ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ، وَعَلَيْهِ الثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ.

2 - التَّحْدِيدُ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ مَا يُقَارِبُهَا: وَلَيْسَ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنْ يَشْتَرِطَا مُدَّةً زَائِدَةً. فَالتَّحْدِيدُ بِالثَّلاَثِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبِهِ أَبِي يُوسُفَ (وَقَدْ خَالَفَ صَنِيعَهُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ لِتَفْرِيقِهِ بَيْنَهُمَا، لِوُرُودِ آثَارٍ فِيهِ بِمَا فَوْقَ الثَّلاَثِ، وَبَقِيَ خِيَارُ النَّقْدِ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ) وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ أَبِي ثَوْرٍ وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَأَمَّا التَّحْدِيدُ بِمَا يُقَارِبُ الثَّلاَثَ عَلَى أَنْ لاَ يُجَاوِزَ الْعِشْرِينَ يَوْمًا فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

هَذَا، وَإِنِ اشْتُرِطَ مَا يَزِيدُ عَنِ الثَّلاَثِ، عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، يُنْظَرُ إِنْ نَقَدَ فِي الثَّلاَثِ جَازَ، وَإِلاَّ فَسَدَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَنْفَسِخْ، كَمَا حَقَّقَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ، وَأَقَرَّ ذَلِكَ ابْنُ الْهُمَامِ وَابْنُ عَابِدِينَ. وَقَدْ جَعَلُوا ذَلِكَ قَيْدًا مُوَضِّحًا لِلْمُرَادِ مِنْ عِبَارَةِ (فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا) فِي صُورَتَيْ خِيَارِ النَّقْدِ، فَإِنَّهَا بِظَاهِرِهَا تَقْتَضِي الاِنْفِسَاخَ بَعْدَ النَّقْدِ أَوْ بِالرَّدِّ بَعْدَ النَّقْدِ، لَكِنَّهُمْ حَمَلُوا الْمُرَادَ عَلَى أَنَّهُ لِلْفَسَادِ، أَيْ يَسْتَحِقُّ الْفَسْخَ وَيُمْكِنُ انْقِلاَبُهُ صَحِيحًا إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ فَسَادُهُ، كَمَا فِي النَّقْدِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الأْيَّامِ الثَّلاَثَةِ .

سُقُوطُهُ وَانْتِقَالُهُ:

5 - خِيَارُ النَّقْدِ يُمَاثِلُ خِيَارَ الشَّرْطِ فِي أَسْبَابِ السُّقُوطِ وَأَحْكَامِهِ، وَكَذَلِكَ انْتِقَالُهُ، فَهُوَ لاَ يُورَثُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أُسْوَةً بِخِيَارِ الشَّرْطِ (أَصْلُهُ)  وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (خِيَارُ الشَّرْطِ).

صُورَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ خِيَارِ النَّقْدِ (بَيْعُ الْوَفَاءِ).

6 - جَعَلَ ابْنُ نُجَيْمٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ الْمَكَانَ الأْنْسَبَ لِبَحْثِ بَيْعِ الْوَفَاءِ هُوَ خِيَارُ النَّقْدِ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ بَيْعَ الْوَفَاءِ مِنْ أَفْرَادِ مَسْأَلَةِ خِيَارِ النَّقْدِ. لَكِنَّ صَاحِبَ الْحَاشِيَةِ عَلَى كِتَابِهِ ابْنَ عَابِدِينَ لَمْ يَرْتَضِ ذَلِكَ التَّعْلِيلَ حَيْثُ نَقَلَ عَنِ «النَّهْرِ» أَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِهِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ بِفَسَادِ بَيْعِ الْوَفَاءِ إِنْ زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ، لاَ عَلَى الْقَوْلِ بِصِحَّتِهِ، إِذْ خِيَارُ النَّقْدِ مُقَيَّدٌ بِثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَبَيْعُ الْوَفَاءِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِهَا، فَأَنَّى يَكُونُ مِنْ أَفْرَادِهِ؟  وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (بَيْعُ الْوَفَاءِ).

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء / الثامن والثلاوثون  ، الصفحة / 369

مَكَانُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ

5 - مُطْلَقُ عَقْدِ الْبَيْعِ يَقْتَضِي تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِيهِ حِينَئِذٍ  فَمَثَلاً لَوْ بَاعَ رَجُلٌ وَهُوَ فِي إِسْلاَمْبُولَ حِنْطَتَهُ الَّتِي فِي دِمَشْقَ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْحِنْطَةِ الْمَرْقُومَةِ فِي دِمَشْقَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَهَا فِي إِسْلاَمْبُولَ، أَيْ لاَ يُشْتَرَطُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ بَيَانُ الْمَكَانِ الَّذِي يُسَلَّمُ فِيهِ الْمَبِيعُ فَعَقْدُ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ الَّذِي لاَ يُبَيَّنُ فِيهِ مَكَانُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ يُسَلَّمُ فِيهِ الْمَبِيعُ إِلَى الْمُشْتَرِي فِي الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ فِيهِ الْمَبِيعُ حِينَ الْعَقْدِ لاَ فِي مَكَانِ عَقْدِ الْبَيْعِ حَتَّى إِذَا نَقَلَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بِلاَ إِذْنِ الْمُشْتَرِي مِنَ الْمَحَلِّ الَّذِي كَانَ فِيهِ حِينَ الْعَقْدِ إِلَى مَكَانٍ آخَرَ وَجَبَ عَلَيْهِ إِعَادَتُهُ إِلَى حَيْثُ كَانَ.

أَمَّا ثَمَنُ الْمَبِيعِ فَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا إِلَى الْحَمْلِ وَالْمَئُونَةِ فَيَجِبُ بَيَانُ مَكَانِ تَسْلِيمِهِ فِي بَيَانِ الْعَقْدِ.

وَيُعْتَبَرُ فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ مَكَانُ الْبَيْعِ فَإِذَا لَمْ يُبَيِّنِ الْبَائِعُ مَكَانَ الْمَبِيعِ وَلَمْ يَكُنِ الْمُشْتَرِي يَعْلَمُ وَكَانَ ظَاهِرًا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مَكَانِ الْعَقْدِ ثُمَّ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى مَكَانِهِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ إِلاَّ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَكُونُ مُخَيَّرًا خِيَارَ كَشْفِ الْحَالِ فَلَهُ فَسْخُ الْبَيْعِ وَتَرْكُ الْمَبِيعِ وَلَهُ قَبْضُهُ مِنْ حَيْثُ كَانَ حِينَ الْعَقْدِ بِكُلِّ الثَّمَنِ الْمُسَمَّى.

وَإِذَا بِيعَ مَالٌ عَلَى أَنْ يُسَلَّمَ فِي مَكَانِ كَذَا لَزِمَ تَسْلِيمُهُ فِي الْمَكَانِ الْمَذْكُورِ، مِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَبِيعَ شَخْصٌ حِنْطَةً مِنْ مَزْرَعَةٍ لَهُ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَهَا إِلَى الْمُشْتَرِي فِي دَارِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إِلَى الْمُشْتَرِي فِي دَارِهِ وَكَذَلِكَ إِذَا شَرَطَ تَسْلِيمَ الْمَبِيعِ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى مَئُونَةٍ فِي نَقْلِهِ إِلَى مَحَلٍّ مُعَيَّنٍ فَيَجِبُ تَسْلِيمُهُ هُنَاكَ وَإِنْ كَانَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِشَرْطِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي مَحَلٍّ  مُعَيَّنٍ .

الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي  1433 هـ - 2012 م   الجزء /  الحادي والأربعون ، الصفحة / 143

أُجْرَةُ النُّقَّادِ:

8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ تَكُونُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ نَاقِدِ الثَّمَنِ:

فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لأِنَّهُ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُ الْجَيِّدِ مِنَ الثَّمَنِ، وَالْجَوْدَةُ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ بِالنَّقْدِ كَمَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ بِالْوَزْنِ.

هَذَا إِذَا كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ، أَمَّا بَعْدَهُ فَعَلَى الْبَائِعِ.

وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهَا عَلَى الْبَائِعِ.

وَقَالَ الْحَنَابِلَةُ: أُجْرَةُ النُّقَّادِ عَلَى الْبَاذِلِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْبَائِعَ أَمِ الْمُشْتَرِيَ  وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي (بَيْع ف 58) وَ (ثَمَن ف 44).

________________________________________________________________

 كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له  (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية  1891 افرنجيه

(مادة 320)
الثمن هو ما تراضى عليه العاقدان سواء زاد على قيمة المبيع أو نقص.
والقيمة هي ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان.
(مادة 321)
يشترط لصحة العقد تعيين الثمن في العقد ومعلوميته عند المتعاقدين.
(مادة 322)
إذا كان الثمن حاضراً يعلم بمشاهدته والإشارة إليه وإن كان غائباً يعلم بوصفه وبيان قدره.

(مادة 329)
البيع المطلق الذي لم يذكر في عقده تأجيل الثمن أو تعجيله يجب فيه الثمن معجلاً ويدفع في الحال إلا إذا جرى عرف البلدة وعادتها أن يكون الدفع مؤجلاً أو مقسطاً بأجل معلوم فإن كان كذلك يلزم إتباع العرف والعادة الجارية.

(مادة 330)
يجوز للبائع أن يتصرف في الثمن قبضه وأن يحيل غريمه به على البائع سواء كان يتعين بالتعيين أم لا إنما إذا كان الثمن ديناً فالتصرف فيه بغير الحوالة لا يكون إلا بتمليكه لمن عليه الدين لا لغيره.
(مادة 331)
إذا اشترط المتبايعان في عقد البيع أن المشتري إن لم يؤد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما صح البيع والشرط فإن أدى المشتري الثمن في المدة المعينة لزم البيع وإن لم يؤده في المدة المعينة أو مات في أثنائها قبل أداء الثمن فسد البيع.

(مادة 332)
حكم البيع المنعقد صحيحاً لازماً أن يثبت في الحال ملك المبيع للمشتري وملك الثمن للبائع فينتقل ملك البيع للمشتري ولورثته إن مات قبل قبضه سواء كان المبيع منقولاً أو عقاراً أو جزأ شائعاً من المنقول أو العقار أو حقاً من حقوقه.

(مادة 333)
يترتب على عقد البيع الصحيح اللازم أمور
الأول: إلزام المشتري بدفع الثمن إن كان المبيع حاضراً والثمن من النقود وتأديته حالاً إن كان حالاً أو عند حلول الأجل إن كان مؤجلاً.
الثاني: إلزام البائع بعد قبضه الثمن الحال بتسليم المبيع للمشتري فلو كان الثمن مؤجلاً ولو بعد العقد ألزم البائع بتسليم المبيع قبل قبضه الثمن.
الثالث: ضمان البائع الثمن للمشتري أن استحق المبيع ببينة أو إقرار المتعاقدين أو هلك في يد البائع أو استهلك بغيره فعل المشتري أو بفعل أجنبي واختار المشتري فسخ البيع.
الرابع: ضمان المشتري ثمن المبيع إذا قبضه قبل دفع الثمن.
والبيع الصحيح هو البيع الجائز المشروع ذاتاً ووصفاً.

(مادة 370)
إذا مات المشتري مفلساً قبل قبض المبيع ودفع الثمن فالبائع أحق بحبسه إلى أن يستوفى الثمن من تركة المشتري أو يبيعه القاضي ويؤدي للبائع حقه من ثمنه فإن زاد الثمن عن حق البائع يدفع الزائد لباقي الغرماء وإن نقص ولم يعرف حق البائع بتمامه فيكون أسوة الغرماء فيما بقى له.

(مادة 387)
يجب على المشتري أن ينقد الثمن أولاً في بيع سلعة بنقد أن أحضر البائع السلعة ما لم يكن الثمن ديناً مؤجلاً على المشتري ولم يكن للمشتري في البيع خيار فلو كان الخيار للبائع فله أن يطالب المشتري بالثمن ولو أخذه لا يسقط خياره.

(مادة 388)
إذا بيعت سلعة بمثلها أو نقود بمثلها يسلم المبيع والثمن معاً.

(مادة 390)
يحل الثمن المؤجل بموت المشتري ولا يحل الثمن بموت البائع بل تنتظر ورثته أو غرماؤه حلول الأجل لاستيفاء الثمن أو الأقساط التي تكون باقية في ذمته المشتري.

(مادة 391)
إذا كان مكان أداء الثمن معيناً في العقد فإن كان مما له حمل ومؤنة صح التعيين ويلزم أداؤه في المكان المشترط أداؤه فيه وإن كان مما لا حمل له ولا مؤنة لا يصح التعيين ويجوز البيع.

(مادة 392)
لا يجوز بأي وجه كان للمشتري أن يحبس الثمن الحال بعد قبض المبيع إلا إذا استحق المبيع بالبينة وفسخ البيع قبل أداء الثمن.

(مادة 393)
إذا لم يدفع المشتري الثمن حالاً إن كان معجلاً أو عند حلول أجله إن كان مؤجلاً فلا يفسخ البيع بل يجبر المشتري على دفع الثمن فإن امتنع يباع من متاع المشتري ما يفي بالثمن بالمطلوب منه.
(مادة 394)
لا يجوز للقاضي أن يمهل المشتري في دفع الثمن للبائع ما لم يكن المشتري معسراً إلا يقدر على الوفاء فينتظر إلى الميسرة.

(مادة 395)
إذا كان الثمن عيناً يجوز للبائع أن يتصرف فيه قبل أن يقبضه من المشتري ببيع أو هبة أو وصية أو غير ذلك.
(مادة 396)
إذا كان الثمن ديناً في ذمة المشتري فليس للبائع أن يتصرف فيه قبل قبضه ولا يملكه لأحد غير المشتري الثابت الدين في ذمته ما لم يسلطه على قبضه من المشتري فيقبضه منه أو يحيل عليه غريماً له ليأخذه منه أو يوصى به لأحد فإنه يصح تمليكه لغير المشتري في هذه الصور الثلاث.

(مادة 406)
إذا زادت قيمة المبيع عن ثمنه الذي اشتراه به المشتري فليس له حق في طلب شيء من البائع زائداً عن الثمن الذي أداه إياه.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مشروع تقنين الشريعة الإسلامية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه إعداد اللجنة التحضيرية لتقنين الشريعة الإسلامية بإشراف مجمع البحوث الإسلامية الطبعة التمهيدية 1392 هــ - 1972 م

مادة (84) : إذا كان الثمن عينا وتنازع البائعان في أيهما يسلم ما تحت يده قبل الآخر ، نصب الحاكم من يقبض منهما ويسلم المبيع ثم يسلم الثمن - 
إيضاح
إذا كان الثمن عينا أي معينة من نقد أو عرض وقال البائع لا أسلم المبيع حتى أقبض ثمنه وقال المشتري لا أسلم الثمن حتى أقبض المبيع نصب الحاكم بينهما عدلا يقبض منهما ، ثم يسلم إليها قطعة للنزاع لأنهما استويا في تعلق حقهما بين الثمن والمثمن . و يقوم . العدل بتسليم المبيع أولا، ثم الثمن لجريان المادة بذلك ولأن قبض البيع من نبات البيع في بعض الصور واستحقاق التمن مرتب على تمام البيع. 
وعن أحمد مايدل على أن البائع يجبر على تسليم المبيع أولا 
مادة (85) :
 (ا) إذا كان الثمن دينا أجبر البائع على تسليم المبيع. 
(ب) إذا كان الثمن حالا أجبر المشتري على دفعه إن كان معه ، فإن لم يكن معه وكان بالبلد أو خارجه دون مسافة قصر حجر الحاكم على المشتري في التصرف حتى يحضر الثمن ،أما إذا كان الثمن ببلد على مسافة قصر أو ظهر عسر المشتري فللبائع الفسخ في الحال . 
إيضاح 
(ا) إذا كان الثمن دينا فليس للبائع الامتناع عن تسليم المبيع سواء كان الدين حالا أو مؤجلا ، لأن حق المشتري تعلق بعين المبيع وحق البائع تعلق بالذمة فوجب تقديم ما تعلق بالعين كحق المرتهن على سائر الغرماء ، فان كان الدين مؤجلا فلا يطالب به حتى يحل أجله . 
(ب) إذا كان الثمن حالا أجبر المشتري على دفعه إن كان معه ، لأنه غنى ومطله ظلم . وإن لم يكن معه وكان في البلد أو خارجها دون مسافة قصر حجر الحاكم على المشتري في التصرف في المبيع وفي بقية ماله حتى يحضر الثمن كله ويسلمه للبائع وذلك لئلا يتعرف في ماله تعرفة يضر البائع . 
أما إذا كان الثمن يبلد على مسافة قصر فصاعدا أو ظهر عسر المشتري فللبائع الفسخ في الحال لأن في التأخير ضررا عليه . 

مادة (86) : 
(ا) للبائع فسخ العقد إذا أعسر المشتري ولو ببعض الثمن 
(ب) إذا ماطل المشتري الموسر في دفع الثمن ، حجر عليه الحاكم وليس للبائع الفسخ. 
(ج) للمشترى الفسخ إذا تعذر على البائع تسليم المبيع . 
إيضاح 
١- إذا أعسر المشتري ولو بعض الثمن فللبائع الفسخ في الحال، لأن في التأخير ضررا عليه ، وله الرجوع في عين ماله بعد الفسخ ، كما إذا باع لمفلس جاهل بالحجر عليه و معنى أن له الفسخ في الحال أنه لا يلزمه انتظار ثلاثة أيام لا أن المسخ يكون فورة . بل هو على التراخي كخيار العيب لأنه استدراك ظلامة . 
(ب) إذا كان المشتري موسرة مماطلا فليس للبائع الفسخ ، لأن ضرره بزول بحجر الحاكم عليه ووفائه من ماله . 
وفي رواية أن له الفسخ إذا كان المشتري مماطلا دفعا لضرر المحاصرة ، قال في الأنصاف وهو الصواب . خصوصا في زماننا هذا . 
(ج) إذا عجز البائع عن تسليم المبيع فا للمشتري الفسخ. 
كل موضع قلنا له الفسخ فانه ينفسخ بلا حكم حاكم ، وكل موضع قلنا يحجر عليه فذلك إلى الحاكم لأنه يحتاج لنظر واجتهاد .. 

مادة (۸۷) : إذا كان المشتري معسر وهرب قبل دفع الثمن البائع الفسخ. فإن كان موسر قضى الحاكم  من ماله إن وجد ، و إلا باع المبيع وقضى الثمن مع حفظ ما يتبقى منه . فإن لم تكف حصيلة المبيع كان المشتري مديناً بالباقي. 
إيضاح
 إذا هرب المشتري قبل دفع الثمن وهو معسر بالثمن أو بعضه فللبائع الفسخ في الحال ، كما لو لم يهرب . أما إذا كان موسر وهرب قبل دفع الثمن قضاه الحاكم من ماله إن وجد، وإلا باع. المبيع وقضي ثمنه وحفظ الباقي . لأن للحاكم ولاية مال الغائب فان لم يكف الثمن فالباقی في ذمة المشتري الهارب . 

مادة (۸۸) : إذا أحضر المشتري بعض الثمن فلا يملك أخذ ما يقابله من المبيع إن نقص بتجزئة . 
إيضاح 
إذا أحضر المشتري بعض الثمن فليس له أخذ ما يقابله من المبيع إذا كان المبيع ينقص بتجزئة ، كمصراعی باب. هذا إذا قلنا إن للبائع حبس المبيع على ثمنه لئلا يتصرف فيه ولا يقدر على باقي الثمن فبتضرر البائع بنقص مابقي بيده من المبيع. وإن قلنا بأن البائع ليس له حبس المبيع على ثمنه فللمشترى أخذ المبيع  

مادة (۸۹) : ما يحصل به قبض البيع 
 يحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أو عد أو ذرع بذلك مع حضور المستحق أو نائبه ، ويحصل قبض ما ينقل بنقله وما يتناول بتناوله وفي غير ما سبق بتخلية بين المبيع وبين المشتري بلا حائل . 
إيضاح 
يحصل قبض ما بيع بكيل أو وزن أعد أو ذرع بذلك، بشرط حضور مستحق أو نائبه لقيامه مقامه ، ولا يشترط نقله لما روی عمان مرفوعة ( إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاکتل ) رواه أحمد. 
ويحصل قبض ما ينقل كصبرة بيعت جزافا بنقل وفي حيوان بتمشيته ، وفها يتناول کدنانير ودراهم وكتب بتناول باليد. وفي غير المذكور كأرض و بناء وشجر بتخلية بائع بينه و بين مشتر بلا حائل . بان فتح له باب الدار أو يسلمه مفتاحها ولو كان بالدار متاع للبائع لأن القيض مطلق في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالخرز والتفرق ، والعرف في ذلك ماسبق . 

مادة (۹۲): 
(ا) إذا كان المبيع مما ينقل وكان مشاعا فلا يصح قبضه إلا بإذن الشريك ، فإن أبى الشريك الإذن للبائع في تسليم المبيع طلب من المشتري توكيل الشريك في قبضه ، فإن أبي المشتري أن يوكله أو أبي الشريك أن يتوكل نصب الحاكم من يقبض . 
(ب) إذا سلم البائع المبيع المشاع دون إذن الشريك ، فالبائع غاصب فإن كان المشتري عالما بذلك فالضمان عليه وإلا فعلى البائع. 
ایضاح
 إذا كان المبيع مما ينقل وكان مشاعة كنصف فرس مثلا فيشترط في القبض إذن الشريك . لأنه لا يمكن قبض البعض إلا بقبض الكل . فيسلم البائع الكل باذن شريكه إلى المشتري ويكون سهمه في يد القابض أمانة ، فإن أبي الشريك الإذن للبائع في تسليم الكل للمشتري ، قبل المشتري وكل الشريك في الفيض ليصل إلى مقصوده من قبض المبيع، فإن أبي المشتري أن يوكله ، أو أبي الشرك أن يتوكل نصب حاكم من يقبض البيع . 
(ب) إذا سلم البائع المبيع بعضه بلا إذن الشريك ، فالبائع غاصب لنصيب شريكه لتعديه عليه بتسليمه بلا إذن . فان تلف ضمنه المشتري إن كان عالما أن له فيه شريكا لم يأذن ، وإن لم يكن يعلم ذلك، أو لا يعلم وجوب الإذن فقرار الضمان على بائع لتقريره المشتري . 

مادة (94) : إذا كان المبيع لا يدخل في ضمان المشتري إلا بالقبض فلا يعتبر غصبه إياه قبضا له ، وكذلك غصب البائع الثمن غير المعين . 
إيضاح 
إذا كان البيع لا يدخل في ضمان المشتري إلا بالقبض ، كان كان مكيلا أو موزونة أو نحوها وغصبه المشتري فلا يعتبر نصبه إياه قبضة . وكذلك إذا كان الثمن غير معين وغصبه البائع فلا يعتبر ايضا قبضا له ، إلا مع المقاصة بان أتلفه أو تلف في يده وكان موافقة لما له على المشتري نوعة وقدرة فيتساقطان ، وكذا إن أرضي مشتر بجعله عوضا عما عليه من الثمن. 

مادة (99) : 
(1) لا يصح تصرف المشتري في المبيع قبل القبض فيما يأتي : 
١- المبيع بكيل ، أوعد ، أو وزن ، أو ذرع . 
۲ - المبيع بوصف أو رؤية متقدمة على العقد . 
٣- ما قبضة شرط لصحة عقده 
(ب) للمشتري التصرف قبل القبض فيما نص عليه في الفقرة السابقة بما يأتي . 
١- التصرف في المبيع بالعتق .
 ۲ - جعله مهر
 ٣- الخلع عليه .
 4 - الوصية به . 
إيضاح 
(ا) من اشترى شيئا بكيل . أو وزن ، أو عد أو ذرع، أو اشتراه بوصف ، او رؤية متقدمة على العقد ، أو اشترى ما قبضه شرط لصحة العقد ، كصرف وسلم وروى بربري لم يصح تصرفه في شيء مما تقدم قبل قبضه ، ولو لبائعه ، ولا الاعتياض عنه ، ولا إجارته ولا هبته ولو بلا عوض ، ولا رهنه ولو قبض ثمنه ، ولا الحولة عليه ، ولا الحوالة به ، لحديث : ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ) متفق عليه . وهو يشمل بيعه لبائعه وغيره . وكان الطعام مستعملا يومئذ غالبا فيما يكال وبوزن ، وقيس عليهما المعدود والمذروع الاحتياجهما لحق توفيه ، ولأنه من ضمان بائع . 
أما إذا بيع مكيل و نحوه جزافا كصبرة متعينة ، وثوب ، جاز التصرف فيه قبل قبضه نصا ، لقول ابن عمر: (مضت السنة أن ما أدركته الصفقة حيا مجموعا فهو من مال المشتري ، ولأن التعيين القبض . 
(ب) للمشتري التصرف قبل القبض فيا تقدم في الفقرة السابقة بما يأتي : 
1- التصرف في المبيع بالعتق .
 2 - جعله مهرا.
 3 - الخلع عليه لاغتفار الغرر فيه .
 4 - الوصية به ، لأنها ملحقة بالإرث . 

مادة (۱۰۳) إذا كان الثمن مما يحتاج لحق توفية وتصرف المشتري في المبيع قبل إقباض الثمن للبائع ، ثم تلف الثمن بآفة انفسخ العقد الأول دون الثاني ، وألزم المشتري الأول بقيمة المبيع ، وأخذ المشتري الثاني ما وقع عليه العقد . 
إيضاح
 من اشترى شيئا ، کشاة مثلا و تعرف فيه قبل إقباض الثمن بائع وكان الثمن مکیلا أو نحوه ( أي مما يحتاج لحق توفيه ) وتلف بآفة انفسخ العقد الأول فقط دون الثاني الذي وقع على الشاة ، لأنه كمال قبل فسخ العقد الأول ، لأن الفسخ رفع للعقد من حين الفسخ لامن أصله ، وغرم المشتري الأول قيمة المبيع لتعذر الرد ، وأخذ من المشتري الثاني ما وقع عليه العقد .