مجموعة الأعمال التحضيرية للقانون المدني الجزء الرابع ، الصفحة : 299
الشركة
المذكرة الإيضاحية :
نظرة عامة :
يحرص المشروع في عرضه لقواعد الشركة على أن يتبع ترتيباً أقرب إلى المنطق من الترتيب الذي جرى عليه التقنين الحالى ، فهو يستعرض أحكامها في ستة أقسام تتناول الأحكام العامة ، وأركان عقد الشركة وإدارتها وآثارها فيما بين الشركاء و بالنسبة للغير وطرق إنتهائها، وأخيراً تصفيتها ثم قسمة الأموال .
وقد وجد المشروع هنا أيضاً السبيل واسعاً إلى التنقيح ، فأضاف نصوصاً جديدة و حذف نصوصاً لا فائدة منها ، وعدل أحكاماً معيبة أو مهمة .
أضاف نصوصاً جديدة في تقرير الشخصية القانونية للشركات وإجراءات نشرها (م 534 من المشروع) ووجوب توفر الشكل الكتابي في عقد الشركة (م 535 من المشروع) و حصة الشريك إذا لم تكن إلا عملاً (م 540 من المشروع)، أو ديوناً له في ذمة الغير (م 541 من المشروع) و احتساب الأغلبية العددية (م 546 من المشروع، وتحديد حقوق الدائنين الشخصيين للشركاء (م 553 من المشروع)، كذلك فيما يتعلق بطرق إنقضاء الشركة ، أضاف المشروع نصوصاً جديدة في إمتداد الشركة (م 554 من المشروع) ، وهلاك الشيء ( م 555 من المشروع، ووفاة أحد الشركاء (م 556 من المشروع) ، أو إنسحابه (م 557 من المشروع ) ، أو فصله (م 559 ) ، أما فيما يتعلق بتصفية الشركات و قسمتها، فإن المشروع أدخل تجديداً هاماً ، فهو خلافاً للتقنين الحالى - لا يعرض في باب الشركة إلا لتصفية الشركات وقسمة أموالها بين الشركاء ، أما القواعد العامة للقسمة فقد أوردها في باب الملكية على الشيوع (م 905 - 920 من المشروع، وقد تكلم في تصفية الشركة على انتهاء سلطة المديرين و بقاء شخصية الشركة (م 561 من المشروع) ، و تعيين المصفي (م 562 من المشروع، وتحديد سلطاته (م 563 من المشروع) ، وقسمة الصافي من أموال الشركة على الشركاء (م 564 من المشروع).
و حذف نصوصاً لا تعدو أن تكون مجرد تطبيق للقواعد العامة دون أن تكون في ذكرها فائدة ، من ذلك تعيين الحصة و بيان نوعها، ووجوب حصرها إذا كانت شاملة لكل أموال الشريك (م 422 / 514 مصری) ، وزمان الوفاء بالحصة (423/ 515 مصرى) ، وإحلال الشريك غيره محله في الشركة (م 441/ 538 مصری) ، وتعاقد الشريك أسمه مع أجنبي عن الشركة (م 442 / 539 مصری)، وعدم الإخلال بما هو منصوص عليه في قانون التجارة فيما يتعلق بمواد الشركات التجارية (م 447 / 544 مصری).
وعدل أحكاماً معيبة ، وحدد أحكاماً مهمة ، وأوجز في أحكام مسهبة ، من ذلك تعريفه لعقد الشركة تعريفاً يبرز عناصرها وخصائصها الأساسية ، ( قارن بين م 533 من المشروع، و م 419/ 511 مصرى ) ، وتحديده لحصص الشركاء ، و افتراض يساويها في القيمة وعدم جواز اقتصارها على ما يكون للشركاء من نفوذ أو على ما يتمتعون به من ثقة مالية ( قارن بين م 536 - 537 من المشروع و م 420 - 421 / 512 - 513 مصري )، وإلزام الشريك الذي يقدم حصته مبلغاً من النقود بفوائده من وقت استحقاقه بحكم القانون و دون حاجة إلى إنذار وبالتعويض التكميلي عند الإقتضاء حتى لو كان حسن النية ( قارن بين م 538 من المشروع و م 246 / 518 - 519 مصری ).
ومن ذلك أيضاً ضمان الشريك لحصته إذا كان مالاً أو مجرد الإنتفاع به ( قارن
بين م 539 من المشروع، و م 424 - 425 / 516 - 517 مصری ) ، ونصيب الشريك الذي يقدم حصته عملاً من أرباح الشركة ( قارن بين 542 من المشروع و م 431 / 525 مصرى ) ، وتحديد سلطات المديرين وحقوقهم ( قارن بين م 544 - 545 و 548 من المشروع و م 436 - 439/ 532 - 536 مصری)، وحقوق الشركاء غير المديرين ( قارن بين م 547 من المشروع، وم 440/ 537 مصری ) ، وتحديد درجة العناية الواجب على الشريك بذلها في رعاية مصالح الشركة قارن بين م 541 من المشروع و 428/ 521 مصری ) ، وبيان طرق انقضاء الشركة قارن بين م 554 من المشروع، وما بعدها ، وم 445 / 543 مصری ) ، وتقيد سلطة المصفي في بيع موجودات الشركة ( قارن بين م 563 من المشروع و م 450 / 547 مصری ).
مذكرة المشروع التمهيدي :
1 - يتميز هذا التعريف عن تعريف التقنين المصرى بأنه يبرز عناصر الشركة وخصائصها الأساسية ، فيذكر أنها تكوين رأس مال مشترك من مجموع حصص الشركاء بقصد تحقيق غرض اقتصادي ، وهو بذلك يميز الشركة عن الجمعية التي يقصد بها إعادة تحقيق غايات اجتماعية أو أدبية أو غيرها من الأغراض العامة التي لا شأن لها بالكسب المادي على أنه لما كانت بعض الجمعيات ، دون أن تقوم بعمليات صناعية أو تجارية ، ودون أن توزع أرباحاً بين أعضائها ، تسعى إلى تحقيق غرض اقتصادی ، کالجمعية الزراعية الملكية ، وإتحاد الصناعات (راجع تعريف الجمعية في المادة 86 من المشروع) ، فإن المشروع يبين في التحريف السابق أن الغرض من الشركة هو إستغلال رأس المال للحصول على ما يدره من الأرباح وتوزيعها بين الشركاء، والواقع أن الفقه والقضاء جرياً على أن توزيع الأرباح الناتجة عن العمل المشترك هو القصد الأساسي من قيام الشركة، كما أضاف المشروع عبارة « اقتسام الخسائر المحتملة »، لأن النية في الاشتراك و التعاون ، عن طريق قبول أخطار معينة واقتسام الخسائر التي قد تنتج عن العمل المشترك ، هي من صلب عقد الشركة .
2 - ويتبين من هذا التعريف أيضاً الأركان الموضوعية لعقد الشركة ، وهي على قسمين : الأركان العامة في كل العقود والأركان الخاصة بعقد الشركة، أما الأركان العامة ، فيجب أن تتوافر للشركة كل الأركان العادية للعقد : الرضاء ، و المحل ، والسبب ، وقد أوردت بعض التقنينات ( كالتقنين الفرنسي م 1833 ، والتقنين الإيطالي م 1698، والتقنين الهولندي م 1656 ، والتقنين الاسباني م 1666) نصوصا خاصة بهذه الأركان، لكن المشروع لم ير حاجة لإيراد مثل هذه النصوص لأنها ليست إلا تكراراً لا فائدة فيه للقواعد العامة والشركة ، كغيرها من العقود، تخضع من حيث تنظيم أركانها للمبادئ العامة الواردة في باب الإلتزامات .
أما الأركان الخاصة بالشركة فهي كما تبدو من التعريف : (أ) اجتماع شخصين فأكثر (ب) مساهمة كل منهم بحصة في رأس مال الشركة (ج) نية الإشتراك أو نية التعاون عن طريق قبول أخطار معينة (د) مساهمة كل شريك في الأرباح والخسائر.
المشروع في لجنة المراجعة
تليت المادة 689 من المشروع فأقرتها اللجنة على أصلها ، و أصبح رقمها 533.
في المشروع النهائي .
المشروع في مجلس النواب
وافق المجلس على المادة دون تعديل تحت رقم 533
المشروع في مجلس الشيوخ
مناقشات لجنة القانون المدني :
تليت المادة ، واقترح سعادة الرئيس أن يقال في مشروع مالي ، بدلاً من « في مشروع اقتصادي ، فوافقت اللجنة على هذا الإقتراح ، وأصبح رقمها 505 »
مناقشات المجلس
وافق المجلس على المادة ما عدلتها اللجنة
1- النص فى المادة الرابعة من القانون رقم 159 لسنة 1981 بإصدار قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة على أن " الشركة ذات المسئولية المحدودة هى شركة لا يزيد عدد الشركاء فيها على خمسين شريكاً لا يكون كل منهم مسئولاً إلا بقدر حصته .... " مفاده أن المشرع خرج عن الأصل العام المقرر فى الشركات مدنية أو تجارية على السواء وهو مسئولية الشريك فى ماله الخاص عن خسارة الشركة بأن جعل الشريك فى الشركة ذات المسئولية المحدودة لا يسأل عن ديونها إلا فى حدود حصته فى رأسمالها دون أمواله الخاصة ولذا فإن الضمان الوحيد للدائنين هو ذمة الشركة نفسها دون ذمم الشركاء الشخصية مما مؤداه أنه لا يجوز لدائنى الشركة أن يوجهوا مطالبهم للشركاء وأن يرجعوا عليهم بكل ما هو مستحق لهم فى ذمة الشركة . لما كان ذلك ، وكان الثابت من مدونات الحكم المطعون فيه أن الطاعن شريك فى شركة ذات مسئولية محدودة وأن الحكم المطعون فيه أجرى تصفية لحساب مديونية الشركة مع البنك المطعون ضده الأول واستنزل من المديونية قيمة الودائع الخاصة بالطاعن باعتبار أنها مقدمة ضماناً للوفاء بها وإذ ألزم الشركة والطاعن بباقى المديونية ودون أن يكون إلزام الطاعن فى حدود حصته فى رأسمال الشركة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبق القانون.
(الطعن رقم 325 لسنة 72 جلسة 2003/05/22 س 54 ع 1 ص 836 ق 144)
2- البين من استقراء نصوص المواد 4، 120، 121 من القانون رقم 159 لسنة 1981 بشأن شركات المساهمة والتوصية بالأسهم وذات المسئولية المحدودة أن الشارع أماز النوع الأخير من هذه الشركات بخاصية جواز أن يكون الشريك مديراً لها يمثلها فى تعاملها مع الغير وأن يتضمن عنوانها اسمه إلا أنها قصرت مسئوليته عن التزاماتها على قدر حصته فى رأس مالها دون أن تمتد إلى أمواله الخاصة مما مؤداه أن توقف هذا النوع من الشركات - متى كانت تباشر نشاطاً تجارياً قبل العمل بأحكام قانون التجارة رقم 17 لسنة 1999- عن سداد ديونها يترتب عليه أن يقتصر طلب شهر إفلاسها عليها وحدها باعتبارها شخصية معنوية مستقلة عن مديرها ولو اختصمت فى شخصه إذ تعد هي الأصلية فى الدعوى المقصودة بذاتها فى الخصومة دونه وذلك ما لم يكن هو المعنى بشخصه بجانبها نتيجة مباشرته نشاطاً تجارياً مستقلاً عنها على سبيل الاحتراف وتوقف عن سداد ديونه .
(الطعن رقم 389 لسنة 69 جلسة 2000/03/07 س 51 ع 1 ص 406 ق 73)
3- لئن كان النص فى الفقرة الأولى من المادة 142 من القانون المدني قطعي الدلالة على الأثر الرجعي للإبطال أو البطلان وعلى شموله العقود كافة، إلا أنه من المقرر بالنسبة لعقد المدة أو العقد المستمر والدوري التنفيذ كالشركة أنه يستعصى بطبيعته على فكرة الأثر الرجعي لأن الزمن مقصود فيه لذاته باعتباره أحد عناصر المحل الذي ينعقد عليه طالما أنها قد باشرت بعض أعمالها فعلا بأن اكتسب حقوقا والتزمت بتعهدات يتعذر الرجوع فيما نفذ منها، فإذا بطل أو أبطل عقد الشركة بعد ذلك فإن آثاره التي أنتجها من قبل تظل قائمة عمليا ولا يعد العقد باطلا إلا من وقت الحكم النهائي الصادر بالبطلان لا قبله ويعتبر البطلان هنا بمثابة إلغاء لعقد الشركة فى حقيقة الواقع فيكون للشركاء من بعد الحق فى تصفيتها اتفاقا أو قضاء لتوزيع ما أنتجته من ربح أو خسارة بينهم كل بحسب نصيبه .
(الطعن رقم 3661 لسنة 68 جلسة 1999/12/21 س 50 ع 2 ص 1295 ق 256)
4- إذا كان البين من شهادتى مأمورية ضرائب الخليفة المتقدمتين ضمن حافظة مستندات الطاعن أمام محكمة الاستئناف أن هذه المأمورية قامت بإجراء المحاسبة الضريبية عن استغلال صيدليتي التداعي عن سنوات النزاع ونازعهما الطاعن فيما اتنهت إليه من تقديرات فإن ذلك يقطع بأن الصيدليتين قد باشرتا نشاطهما فعلا مما لازمه عدم تطبيق فكرة الأثر الرجعي على عقدى الشركة عند القضاء ببطلانهما وإلى أحقية المطعون ضده الأول فى الحصول على نصيبه فيما يكون قد تحقق من أرباح خلال فترة مباشرة نشاطها وحتى وقت الحكم النهائي الصادر بالبطلان .
(الطعن رقم 3661 لسنة 68 جلسة 1999/12/21 س 50 ع 2 ص 1295 ق 256)
5- النص فى الفقرة الأولى من المادة السادسة من قانون الاستثمار رقم 230 لسنة 1989 الذي يحكم واقعة النزاع على أن تتمتع المشروعات الاستثمارية أياً كانت جنسية مالكيها أو محال أقامتهم بالضمانات والمزايا والإعفاءات المنصوص عليها فى هذا القانون ، ويكون لها بموافقة مجلس إدارة الهيئة الحق فى تملك الأراضي والعقارات اللازمة لإقامتها والتوسع فيها " يدل وعلى ما يبين من مذكرته الإيضاحية على أن المشرع ، رغبة منه فى ضمان تحقيق مصلحة مشتركة للاقتصاد القومي والمستثمر العربي والأجنبي وإفساح المجال لمشاركة رأس المال الوطني والخاص مع رؤوس الأموال العربية والأجنبية وتقديم حوافز مناسبة لتشجيع الاستثمار، استثنى المشروعات الاستثمارية الخاضعة لأحكام هذا القانون من تطبيق القانون رقم 15 لسنة 1963 بشأن حظر تملك الأجانب للأراضي الزراعية وما فى حكمها والقانون رقم 56 لسنة 1988 بتنظيم تملك غير المصريين للعقارات فأجاز لهذه المشروعات أياً كانت جنسية مالكيها تملك العقارات والأراضي اللازمة لإقامتها والتوسع فيها واشترط لذلك موافقة مجلس إدارة الهيئة العامة للاستثمار على هذا التملك بما مفاده بطلان التصرف الناقل للملكية إذا لم يسبقه صدور تلك الموافقة وهو بطلان متعلق بالنظام العام يجوز لكل ذي مصلحة التمسك به على المحكمة أن تقضى به من تلقاء ذاتها.
(الطعن رقم 6839 لسنة 66 جلسة 1998/05/16 س 49 ع 1 ص 413 ق 101)
6- النص فى المادة 505 من القانون المدني على أن "الشركة عقد بمقتضاه يلتزم شخصان أوأكثر بأن يساهم كل منهم فى مشروع مالي، بتقديم حصة من مال أومن عمل لاقتسام ما قد ينشأ عن هذا المشروع من ربح أومن خسارة" وفي المادة 509 من القانون ذاته على أن "لا يجوزأن تقتصر حصة الشريك على ما يكون له من نفوذ، أوعلى ما يتمتع به من ثقة مالية" يدل على أنه لابد أن يساهم كل شريك بحصة فى رأس مال الشركة، والحصة قد تكون نقوداً أوأوراقاً مالية أومنقولات أوعقارات أوحق انتفاع أوعملاً أو اسما تجارياً أو براءة اختراع أو ديناً فى ذمة الغير، وبصفة عامة كل ما يصلح أن يكون محلاً للالتزام يصح أن يكون حصة فى الشركة.
(الطعن رقم 128 لسنة 65 جلسة 1996/06/25 س 47 ع 2 ص 1025 ق 193)
7- لما كان الثابت فى الدعوى أن الطاعن والمطعون ضدهما الأول والثانية قد اتفقا فى العقد الابتدائى المؤرخ 81/2/3على تأسيس شركة مساهمة مصرية طبقا لأحكام القوانين النافذة وأحكام القانون رقم 43 لسنة 74 المعدل بالقانون رقم 32 لسنة 77 ولائحة التنفيذية والنظام الأساسى برأسمال مليون ونصف مليون جنيه مصرى يدفع منها 60% بالدولار الأمريكى وموزعة على أسهم تم الاكتتاب فيها من المؤسسين الشركاء الثلاثة وتم مراجعة العقد من الهيئة العامة موضوعيا فى 81/2/3 وقانونيا فى 81/2/3 وخلت الأوراق مما يشير إلى اتخاذ الإجراءات اللزمة لإكمال تأسيس الشركة وبالتالى لا تكون قد أصبح لها مركز قانونى ومن ثم فإنها تخضع لأحكام قانون الاستثمار المشار إليه مكملا فيما لم يرد فيه نص بالقانون رقم 159 لسنة 81 سالف البيان.
(الطعن رقم 1578 لسنة 55 جلسة 1993/07/19 س 44 ع 2 ص 856 ق 280)
8- إذ كان مؤدى نص المادة 54 من قانون التجارة وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن المشرع أعتبر الشركة الباطلة لعدم شهر ونشرعقدها قائمة فعلاً بين الشركاء فى الفترة من تكوينها إلى طلب البطلان قد إشترط أن تكون هذه الشركة قد باشرت بعض أعمالها فعلاً بان إكتسبت حقوقاً وإلتزاماته بتعهدات وذلك حتى يمكن القول بوجود كيان لها من الواقع ليصل الشركاء من ذلك إلى تصفية العمليات المشتركة فلا ينفرد بنتائجها من ربح أوخسارة أحدهم دون الباقين وهو ماأريد تفاديه بالإلتجاء إلى فكرة الشركة الفعلية أما إذا كانت الشركة لم تبدأ فى تنفيذها قبل أن يحكم ببطلانها لعدم إتخاذ إجراءات شهر ونشر عقدها ولم يكن قد زاولت أى عمل من أعمالها فإنه لا يكون قد توافر لها كيان من الواقع فى الفترة السابقة لطلب البطلان ولا يمكن بداهة إعتبارها شركة فعلية وتكون العلة من عدم تطبيق الأثر الرجعى للبطلان منتفية فى هذه الحالة.
(الطعن رقم 1198 لسنة 52 جلسة 1988/06/20 س 39 ع 2 ص 1059 ق 175)
9- قيام مستأجر العين بإشراك آخر معه فى النشاط المالى الذى يباشره فيها عن طريق تكوين شركة بينهما لايعدو أن يكون متابعة من جانب المستأجر للإنتفاع بالعين فيما أجرت من أجله بعد أن ضم إلى رأس ماله المستثمر فيها حصة لآخر على سبيل المشاركة فى إستغلال هذا المال المشترك دون أن ينطوى هذا بذاته على معنى تخلى المستأجر لتلك العين عن حقه فى الإنتفاع بها سواء كلها أو بعضها إلى شريكه فى المشروع المالى بأى طريق من طرق التخلى لإنتفاء مقتضى ذلك قانوناً .
(الطعن رقم 790 لسنة 56 جلسة 1987/03/16 س 38 ع 1 ص 392 ق 88)
10- الشركة عقد يلتزم بمقتضاه شخصان أوأكثر بأن يساهم كل منهم فى مشروع مالى بتقديم حصة من مال أومن عمل لإقتسام ما ينشأ من هذا المشروع من ربح أوخسارة مما مؤداه أن محل هذا العقد هو تكوين رأس مال مشترك من مجموع حصص الشركاء وذلك بقصد إستغلاله للحصول على ربح يوزع بينهم ولا رابطة بين هذا المؤدى وبين ما قد يكون من مباشرة الشركاء لنشاطهم المشترك فى عين يستأجرها أحدهم لإنتفاء التلازم بين قيام الشركة وبين وجود تلك العين أوتحقق ذلك النشاط فيها .
(الطعن رقم 790 لسنة 56 جلسة 1987/03/16 س 38 ع 1 ص 392 ق 88)
11- أنه وإن كان حق المساهم فى الأرباح حق إحتمالى لا يتأكد إلا بمصادقة الجمعية العمومية للمساهمين أويقوم مقامها على حصص الأرباح التى يقترح مجلس إدارة الشركة توزيعها إلا أنه لما كان حق المساهم فى الحصول على نصيب من أرباح الشركة هو من الحقوق الأساسية التى لا يجوز المساس بها وعلى ذلك فإن كل ما من شأنه أن يفقد المساهم حقه فيها أوفى نسبة عادلة منها أو تأخير صرفها إليه عن موعدها المعتاد يكون متعارضاً مع هذا الحق الأساسى وإذ كان الثابت مما سجله الحكم المطعون فيه أن الشركه الطاعنة حققت أرباحاً فى الفترة ما بين تأميم المضرب تأميماً نصفياً وتأميمه تأميماً كلياً وأنه حتى على فرض عدم صدور قرار من الجهة المختصة بالموافقة على توزيع هذه الأرباح فإنه يكون من حق المساهم وهو المطعون ضده أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بنصيبه فى هذه الأرباح بعد أن أممت الشركة تأميماً كلياً ويكون القضاء مختصاً بتحديد هذه الأرباح وفقاً لما يثبت لديه .
(الطعن رقم 421 لسنة 48 جلسة 1983/02/21 س 34 ع 1 ص 528 ق 116)
12- النص فى الفقرة الأخيرة من المادة 41 من القانون رقم 14 لسنة 1939 و المضافة بالقانون رقم 78 لسنة 1973 على أنه " فى تطبيق أحكام هذه المادة يعتبر فى حكم الممول الفرد الشركات القائمة أوالتى تقوم بين الأصول والفروع وبين الأزواج أو بين بعضهم البعض ، وتربط الضريبة فى هذه الحالة بإسم الأصل أو الزوج حسب الأحوال ، دون أن يحل ذلك بحق الغير الشريك فى التمتع بالإعفاء بالنسبة لحصته فى الأرباح ، وتعتبر أموال الشركة وأموال الأشخاص المكونين لها ضامنة لسداد الضرائب المستحقة ، ويجوز فى جميع الأحوال لصاحب الشأن إثبات جدية الشركة مما يدل على أن المقصود بعبارة "الشركات التى تقوم بين الأصول والفروع أوبين الأزواج أوبين بعضهم البعض " هو الشركات القائمه فعلاً فى تاريخ العمل بهذا القانون الأخير فى 23 من اغسطس سنة 1973 وما ينشأ منها فى تاريخ لاحق . ولما كان ذلك ، وكان إستناد الحكم فى توافر جدية الشركة إلى سابقة ربط الضريبة عليها بهذه الصفة إنما كان عن سنوات سابقة على صدور القانون رقم 78 لسنة 1973 الذى أضاف الفقرة الأخيرة إلى المادة 41 من القانون رقم 14 لسنة 1939 وهو ما لايصلح بذاته دليلاً على جدية الشركة وإذ كان ذلك وكان الحكم الإبتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وجرى فى قضائه على عدم أحقيه مصلحة الضرائب فى تطبيق حكم الفقرة الأخيرة من المادة 41 من القانون رقم 14 لسنة 1939 المضافه بالقانون رقم 78 لسنة 1973 إلا على الشركات المبينة بتلك المادة والتى تنشأ بعد صدور ذلك القانون ، وأن الشركات التى كانت قائمة وقت صدوره لا تحتاج فى إثبات جديتها إلى أكثر من ثبوت تاريخ عقودها ، إتخذ من ربط الضريبة على المطعون ضدهم كشركاء فى سنوات سابقة على صدور القانون المذكور قرينة على خدمة الشركة ، فإنه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه و شابه فساد فى الإستدلال .
(الطعن رقم 1129 لسنة 48 جلسة 1979/04/10 س 30 ع 2 ص 97 ق 203)
13- التقادم وإن كان ينقطع - طبقاً لنص المادة 384 من القانون المدني - بإقرار المدين بحق الدائن إقراراً صريحاً أو ضمناً، إلا أنه من المقرر أن الإقرار حجة قاصرة على المقر وحده ولا يؤخذ بها غيره. وإذ كان الثابت من الأوراق أن الطلب المؤرخ فى 20 ابريل سنة 1971 بمقاصة دين الضريبة فى دين مقابل وهو ما اعتبره الحكم إقراراً ضمنياً بالدين ينقطع به تقادم - والطلب المؤرخ فى 6 أكتوبر 1966 بتسوية الحساب والذي استخلص منه الحكم التنازل عن التمسك بالتقادم موقع عليهما من أحد الشركاء وحده، وكان مؤدى نص الفقرة الثانية من المواد 34 من القانون رقم 14 لسنة 1939 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن المشرع لم يعتد بالشخصية الإعتبارية لشركات التضامن أو التوصية، فلم يخضعها بهذا الوصف للضريبة كما أخضع الشركات المساهمة فى المادة 31 منه بل سوى فى حكم المادة 34 بين الشريك المتضامن فى هذه الشركات وبين الممول الفرد من حيث إخضاع كل منهما للضريبة فى حدود ما يعيبه من ربح، مما مقتضاه أن هذا الشريك يعتبر فى مواجهة مصلحة الضرائب هو الممول وهو المسئول شخصياً عن الضريبة، ونتيجة لذلك يكون على هذا الشريك عبء تقديم الإقرار عن أرباحه فى الشركة كما يجب أن توجه الإجراءات إليه شخصياً من مصلحة الضرائب، كل ذلك إلا إذا كان الشريك قد أناب أحد الشركاء أو الغير فى تقديم الإقرار عن الأرباح إلى مصلحة الضرائب فإن الإجراءات فى هذه الحالة يجوز أن توجه إلى هذا النائب بصفته، ولا ينال من ذلك النص فى الفقرة الرابعة من المادة 34 من القانون 14 لسنة 1939 التي أضيفت بالقانون رقم 146 لسنة 1950 والمعدلة بالقانون رقم 174 لسنة 1951 على أنه "ومع ذلك تبقى الضريبة المربوطة على الشريك ودينا على الشركة فى حدود ما كان يستحق على نصيبه فى ربح الشركة لو فرضت عليه الضريبة مستقبلاً" ذلك أن المشرع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - إنما هدف بإضافة هذه الفقرة إلى ضمان تحصيل الضريبة المستحقة على الشريك، مما لا يسوغ معه القول بأنه يجوز للشركة أو أحد الشركاء أن ينوب عن غيره من الشركاء المتضامنين فى الإقرار بدين الضريبة أو التنازل عن المتمسك بتقادم الإلتزام به، إذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وعول على الطلبين المقدمين من أحد الشركاء فى قضائه بعدم سقوط حق الطاعنة فى اقتضاء دين الضريبة من باقي الشركاء الطاعنين - وهم شركاء متضامنون فى شركة توصية - دون التحقق من نيابته عنهم فى تقديمها، فإنه يكون قاصر البيان.
(الطعن رقم 711 لسنة 45 جلسة 1978/03/07 س 29 ع 1 ص 700 ق 137)
14- تشترط المادة 27 من القانون رقم 26 لسنة 1954 بشأن الشركات المساهمة ملكية عضو مجلس الأدارة عددا من أسهم الشركة لا تقل قيمته عن ألف جنيه وذلك حتى تكون له مصلحة جديدة فى رعاية أموال الشركة وتوجب عليه إيداعها فى أحد البنوك ضمانا لإدارته وتغطية لمسئوليته عن أعماله طوال مدة عضويته بمجلس الإدارة وتقضى ببطلان أوراق الضد التى تصدر بالمخالفة لأحكامها ، وهذا البطلان مقررا لصالح الشركة صاحبة الضمان حماية لها ، ولا يجوز للغير أن يحتج فى مواجهتها بأنه المالك لأسهم الضمان دون عضو مجلس الأدارة الذى قدمها ، وتأكيداً لهذا المعنى وهدف المشرع فى تحقيق الضمان للشركة نص على عدم قابلية أسهم الضمان للتداول طوال مدة عضوية مقدمها بمجلس الإدارة ، إلا أن القول بعدم جواز الأحتجاج على الشركة صاحبة الضمان بأوراق الضد أو التصرفات التى يجريها عضو مجلس الأدارة بالمخالفة لأحكام المادة 27 المشار إليها لا يحول دون خضوع تلك التصرفات بين أطرافها للقواعد العامة .
(الطعن رقم 571 لسنة 44 جلسة 1978/01/16 س 29 ع 1 ص 208 ق 45)
15- إذ نص المشرع فى المادة 39 من القانون التجارى على أن ‘‘ تثبت ملكية الأسهم بقيدها فى دفاتر الشركة ، ويكون التنازل عن هذه الأسهم بكتابة فى الدفاتر المذكورة . . . ’’ إنما قصد بذلك حماية الشركة والغير من تعدد التصرفات التى قد تصدر من مالك السهم الإسمى لأكثر من متصرف إليه وما قد يترتب على ذلك من تراحم بينهم ، فجعل المناط فى ثبوت الملكية أوالتنازل سواء فى مواجهة الشركة أو الغير هو القيد فى دفاتر الشركة . وإذ كان الغير المقصود بالحماية فى تطبيق هذه المادة هو كل متصرف إليه بادر بإتخاذ إجراءات الشهر الواردة بها عن طريق قيد التصرف الصادر له كتابة فى دفاتر الشركة ، فلا تسرى فى مواجهته تصرفات المالك غير المقيدة و لو كانت سابقة على تصرفه ، وكانت أسهم الشركات المؤلمة لم تئول إلى الدولة عن طريق التصرف فيها من المالك وإنما آلت إليها ملكيتها جبراً على أصحابها بمقتضى قوانين التأميم ، مما لا مجال معه للتزاحم بين المتصرف إليهم ، فإنها لا تعتبر من الغير فى تطبيق أحكام المادة 39 من القانون التجارى ، وتسرى فى مواجهتها تصرفات مالك الأسهم الإسمية السابقة على التأميم و لو لم تتخذ بشأنها إجراءات الشهر المنصوص عليها فى تلك المادة .
(الطعن رقم 634 لسنة 42 جلسة 1976/06/21 س 27 ع 1 ص 1380 ق 262)
16- ضريبة الأرباح التجارية و الصناعية بالنسبة لشركات المحاصة تربط على الشريك الظاهر دون التفات إلى ما قد يكون هناك من شركاء مستترين ، أما عن مدى التزام بقية الشركاء بالضريبة المستحقة على نشاط الشركة قبل الشريك الظاهر و كيفية الوفاء بها فيرجع فيه إلى إتفاق الشركاء فى هذا الخصوص .
(الطعن رقم 151 لسنة 40 جلسة 1976/01/20 س 27 ع 1 ص 245 ق 58)
17- التصفية لا ترد على شركة المحاصة لانها لا تتمتع بالشخصية المعنوية و ليس لها رأس مال وفقا لما نصت عليه المادة 59 من قانون التجارة و إنما تنتهى هذه الشركة باتمام المحاسبة بين الشركاء لتعيين نصيب كل منهم فى الربح والخسارة .
(الطعن رقم 151 لسنة 40 جلسة 1976/01/20 س 27 ع 1 ص 245 ق 58)
18- إذ كانت شركة المحاصة قد أنشئت لإستغلال مصانع الطاعن وكان الحكم المطعون فيه قد أوضح أن التأميم قد أنصب على تلك المصانع وليس على الشركة وأن من آثاره إستحالة الإستمرار فى تنفيذ عقدها وإنفساخه وإنتهى إستناداً إلى ما جاء بتقرير الخبير إلى نفى الخسارة عنها وقضى تبعاً لذلك بإستحقاق المطعون ضده للحصة التى قدمها فيها وهو المبلغ المقضى به وكان عقد الشركة لم يحدد حداً أدنى لقيمة الحصص اللازمة لإمكان إستمرارها فى مزاولة نشاطها وكان تقدير ذلك من مسائل الواقع التى يستقل بها قاضى الموضوع فإن النعى على الحكم المطعون فيه بالخطأ فى تطبيق القانون ومخالفة الثابت فى الأوراق يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 361 لسنة 39 جلسة 1975/04/07 س 26 ع 1 ص 755 ق 148)
19- العبرة فى تحديد صفة الشركة هى بطبيعة العمل الرئيسى الذى تقوم به وبالغرض الذى تسعى إلى تحقيقه حسبما حددته فى عقد تأسيسها ، وإذ يبين مما أورده الحكم أنه إستخلص من عقد الشركة الطاعنة وباقى أوراق الدعوى أنها تقوم بالإتجار فى أدوات ولوازم المعمار وبأعمال ومقاولات البناء ومقاولات بيع الأراضى بصفتها وكيلة بالعمولة ، وهى أعمال تجارية بطبيعتها وتعتبر الشركة الطاعنة شركة تجارية لقيامها بهذه الأعمال ، لما كان ذلك فإن النعى يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 450 لسنة 38 جلسة 1974/11/19 س 25 ع 1 ص 1237 ق 210)
20- أن شركة التوصية البسيطة هى شركة تجارية ذات شخصية معنوية مستقلة عن أشخاص الشركاء فيها ومن مقتضى هذه الشخصية وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة أن يكون للشركة وجود مستقل عن الشركاء فتكون أموالها مستقلة عن أموالهم وتعتبر ضماناً عاماً لدائنيها وحدهم كما تخرج حصة الشريك فى الشركة عن ملكه وتصبح مملوكة للشركة ولا يكون له بعد ذلك إلا مجرد حقه فى نسبة معينة من الأرباح أو نصيب فى رأس المال عند قسمة الشركة
(الطعن رقم 28 لسنة 40 جلسة 1974/03/27 س 25 ع 1 ص 587 ق 94)
21- إذ كان الثابت أن الطاعن أقام الدعوى بالطعن فى قرار اللجنة بصفته مديراً للشركة ، وهى شركة تضامن و لم يرفعها عن نفسه وبصفته نائباً عن باقى الشركاء المتضامنين ، وهم الذين ربطت عليهم الضريبة ، ويتعين عليهم أن يطعنوا بأشخاصهم فى قرار اللجنة فإن أثر الطعن لا ينصرف إلى شخصه ، ولا إلى باقى الشركاء المتضامنين ، ولامحل للتحدى بأن هؤلاء الشركاء قد أنابوا الطاعن عنهم فى عقد الشركة لتمثيلهم أمام القضاء ، ذلك أنه لم يرفع الدعوى بصفته نائباً عنهم ، بل رفعها بصفته مديراً للشركة . وإذ إلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر ، وقضى بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة ، فإنه لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 174 لسنة 37 جلسة 1974/03/27 س 25 ع 1 ص 583 ق 93)
22- الأصل فى حصة الشريك فى شركات الأشخاص أنها غير قابلة للتنازل إلا بموافقة سائر الشركاء أخذاً بأن الشريك قد لوحظت فيه اعتبارات شخصية عند قبوله شريكاً ، إلا أنه مع ذلك يجوز له أن يتنازل عن حقوقه إلى الغير بدون موافقتهم وإذا وقع التنازل بغير الحصول على موافقة الشركاء فلا يحتج به عليهم ويبقى هذا التنازل قائماً بين طرفيه لأن الشريك إنما يتصرف فى حق من حقوقه الشخصية التى تتمثل فى نصيب فى الأرباح وفى موجودات الشركة عند تصفيتها ولكن لا يكون هذا التنازل نافذاً فى حق الشركة أوالشركاء ويبقى هذا الغير أجنبياً عن الشركة وهو ما نصت عليه المادة 441 من التقنين المدنى السابق ولكن التقنين المدنى الحالى لم يأت بنص مقابل لأن حكمه يتفق مع القواعد العامة .
(الطعن رقم 28 لسنة 40 جلسة 1974/03/27 س 25 ع 1 ص 587 ق 94)
23- المناط فى تكييف العقود وإعطائها الأوصاف القانونية الصحيحة هو ما عناه العاقدان فيها ، وإذ كان ما إنتهت إليه المحكمة من تكييف العقد بأنه ينطوى على عقد عمل وليس شركة لا خروج فيه على نصوص هذا العقد وتؤدى إليه عباراته وما إستخلصته المحكمة منها من قيام عنصر التبعية الذى يتمثل فى خضوع العامل لرب العمل وإشرافه ورقابته ، مما يتعارض وطبيعة عقد الشركة ، وكان لا يتنافى مع هذا التكييف تحديد أجر المطعون ضده بنسبة مئوية من صافى الأرباح ، إذ ليس ثمة ما يمنع من تحديد أجر العامل على هذه الصورة دون أن يغير ذلك من طبيعة عقد العمل ، وكان ما ورد فى أسباب الحكم الأخرى التى عيبتها الطاعنة لم يكن إلا إستطراداً زائداً من الحكم يستقيم بدونه ، مما يكون معه النعى على ما تضمنته هذه الأسباب الزائدة غير منتج ، فإن النعى على الحكم المطعون فيه بأنه أخطأ فى تكييف العقد بأنه عقد عمل يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 469 لسنة 37 جلسة 1973/03/03 س 24 ع 1 ص 372 ق 67)
24- يشترط لقيام الشركة أن توجد لدى الشركاء نية المشاركة فى نشاط ذى تبعة وأن يساهم كل شريك فى هذه التبعة بمعنى أن يشارك فى الربح والخسارة معا ومن ثم فإن فيصل التفرقة بين الشركة والقرض هو ما انتواه المتعاقدان وتوافر نية المشاركة وعدم توافرها لديهما . وتعرف هذه النية من مسائل الواقع التى يستقل بتقديرها قاضى الموضوع ولا معقب عليه فى ذلك متى أقام رأيه على أسباب سائغة . وإذ أستند الحكم المطعون فيه فى نفى نية المشاركة لدى العاقدين واعتبار العقد المبرم بينهما عقد قرض وليس شركة ، إلى ما تضمنته بنود هذا العقد من إشتراط المطعون ضده الحصول فى نهاية مدة العقد على ما دفعه لتمويل العمليات التى يقوم بها الطاعن كاملا مهما كانت نتيجة هذه العمليات وعدم تحميله شيئا من الإلتزامات التى تترتب عليها فى ذمة الطاعن للغير وإشتراطه أيضا أن يقدم له الطاعن شهريا قدرا معينا من المبلغ المدفوع ، وكان مؤدى كل ذلك نفى قيام نية المشاركة وتكييف العقد بأنه قرض ، ذلك أن المبلغ الواجب دفعه شهريا مهما كانت نتيجة العمليات التى يجريها الطاعن من ربح أو خسارة وإن وصف فى العقد بأنه من أرباح الشركة لا يمكن أن تكون حقيقية كذلك إذ الربح لايكون مؤكدا ولا معروفا مقداره سلفا وإنما هذا المبلغ هو فائدة مستورة فى صورة ربح ، فإن النعى على الحكم الخطأ فى تكييف العقد يكون على غير أساس .
(الطعن رقم 67 لسنة 34 جلسة 1967/06/22 س 18 ع 2 ص 1331 ق 202)
25- جرى قضاء محكمة النقض قبل العمل بالتقنين المدنى القائم على أن المادة 46 من قانون التجارة قد بينت الدليل الذى يقبل فى إثبات وجود شركة التضامن فأوجبت إثباتها بالكتابة ، وإذا كان حكم القانون فى ظل التقنين المدنى القديم الذى لم يكن يشترط الكتابة لانعقاد عقد الشركة هو عدم جواز إثبات شركة التضامن من أحد طرفيها بغير الكتابة فإنه لا يصح القول بأن التقنين المدنى القائم حين تشدد فجعل الكتابة شرطاً لانعقاد هذه الشركة قد عدل عن اشتراط الكتابة لإثباتها إذ أنه متى كانت الكتابة لازمة لوجود العقد فهى بالضرورة لازمة لإثباته لأن الإثبات مرتبط بالشكل ومن ثم تكون القاعدة فى إثبات شركة التضامن سواء فى التقنين المدنى الملغى أو التقنين القائم هى أنه فى حالة إنكار قيام هذه الشركة فانه لايجوز إثباتها فيما بين طرفيها بغير الكتابة أما فى العلاقة بين الشركاء والغير فانه وإن كان لا يجوز لهؤلاء الشركاء إثبات الشركة فى مواجهة الغير إلا بالكتابة فإن للغير أن يثبت قيامها بكافة طرق الإثبات .
(الطعن رقم 219 لسنة 31 جلسة 1966/01/27 س 17 ع 1 ص 182 ق 24)
26- عدم إستيفاء شركة التضامن من إجراءات الشهر والنشرلايترتب عليه بطلانها فيما بين الشركاء إلا إذا طلب ذلك أحدهم وحكم به وعندئذ يعتبر العقد موجوداً صحيحاً طوال الفترة السابقة على القضاء بالبطلان فيرجع إليه فى تنظيم العلاقة بين الشركاء وتسوية حقوقهم و إلتزاماتهم ، ذلك أن البطلان الناشىء عن عدم إتخاذ إجراءات الشهر والنشر لايقع بحكم القانون بل تظل الشركة قائمة بإعتبارها "شركة فعلية " ويسرى عقدها فى مواجهة الشركاء حتى يطلب بطلانها ويقضى به . وإذ رتب الحكم على قيام الشركة الفعلية مساءلة أحد الشركاء لعدم تنفيذه إلتزامه لنقل ملكية ما باعة من أرض لها وبيعه ذات الأرض لشركة أخرى قبلما يقضى ببطلان الشركة الأولى ، فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً .
(الطعن رقم 354 لسنة 30 جلسة 1965/11/09 س 16 ع 3 ص986 ق 155)
27- مفاد نص المادة 49 من قانون التجارة أن إستيفاء الإجراءات المتعلقة بشهر ونشر الشركة " شركة التضامن " ليس منوطاً بمديرالشركة وحده بل يجوز لكل من الشركاء القيام به . فإذا كان الحكم المطعون فيه قد قرر وهو بصدد مؤاخذه الطاعن على عدم قيامه بإجراءات الشهر والنشر بصفتة شريكاً إنه لا يفيد من إهماله للتخلص من إلتزامه قبل باقى الشركاء بنقل ملكية ما باعه من أرض إلى الشركة ومن مسؤليته عن التعويض بعد أن جعل تنفيذ الإلتزام عيناً متعذراً بتصرفه فى ذات الارض لشركة أخرى بعقد مسجل ، فإن الحكم لا يكون قد خالف القانون .
(الطعن رقم 354 لسنة 30 جلسة 1965/11/09 س 16 ع 3 ص 986 ق 155
ويمكن استخلاص مقومات الشركة من هذا التعريف فالشركة :
(1) عقد ومن يستلزم إشتراك شخصين أو أكثر . (2) يساهم فيه كل من الشركاء بحصة في رأس المال الشركة . (3) بنية الإشتراك والتعاون عن طريق قبول أخطار معينة . (4) ومع مساهمة كل شريك في الأرباح والخسائر .
فالشركة عقد مسمى ويقتضي كونها عقداً أن تكون لها أركان العقد المعتادة : التراضي والمحل والسبب ، وسيأتي بيان ذلك .
ولا بد من أن يشترك أكثر من شخص وأحد في الشركة شأنها في ذلك شأن أي عقد آخر إلا أن الشركة تختلف عن العقود الأخرى كالبيع والإيجار، في أن أطراف العقد فيها، ويمكن وهم الشركاء مصالحهم بعد تكوين الشركة متحدة غير متعارضة .
ولا بد أن يساهم كل شريك بحصة في رأس مال الشركة، وهي الحصة هي التي تحدد عادة نصيبه في أرباح الشركة وفي خسائرها، هذا لا يمنع بعد تحديد حصة الشريك في رأس المال، من أن يتبرع له سائر الشركاء بهذه الحصة فيعفونه من الوفاء بها، وتتضمن الشركة في هذه الحالة هبة مكشوفة أو مستورة على حسب الأحوال ، وسيأتي بيان ذلك أما الشركة التي لا يحدد فيها لكل شريك حصته من رأس المال ، سواء التزم الشريك بالوفاء بها كما يقع عادة أو تبرع له بها سائر الشركاء كما يقع نادراً ، فإنها تكون شركة باطلة .
والحصة قد تكون نقوداً أو أوراقاً مالية أو منقولات أو عقارات أو حق إنتفاع أو عملاً أو اسماً تجارياً أو شهادة إختراع أو ديناً في ذمة الغير، وكل ما يصلح أن يكون محلاً للإلتزام يصلح أن يكون حصة في الشركة ، وسيأتي بيان ذلك تفصيلاً وبديهي أنه ليس من الضروري أن تكون حصص الشركاء متساوية في القيمة أو متجانسة في النوع وتضم حصص الشركاء بعضها إلى بعض ، فتكون من مجموعها رأس المال الشركة، ورأس المال هذا يقوم بذاته مستقلاً عن أموال كل شريك ، وهو الذي يستثمر لتوزيع أرباحه أو خسائره على الشركاء .
وهذا عنصر نفسي من مقومات الشركة، فلا يكفي لقيام شركة أن يكون هناك مال مشترك بين عدد من الأشخاص يستغلونه جميعاً بحسب طبيعته ، فالشيوع يتحقق فيه هذا الوصف وليس بشركة .
وليس الفرق ما بين الشركة والشيوع ، كما كان يقال ، أن الشركة عقد والشيوع غير عقد ، فالشيوع قد يكون مصدره العقد كالشركة ولكن الشيوع ، سواء كان مصدره العقد أو الميراث أو غير ذلك ، مال مشترك لشركاء في الشيوع يستغلونه بحسب طبيعته، فإن كان داراً أو أرضاً سكنوها أو زرعوها أو أجروها ، وإن كان نقوداً أو أوراقاً مالية استولوا على فوائدها ، وإن كان منقولاً أجروه أو انتفعوا به بحسب طبيعته، أما الشركة فلا بد فيها من أن تكون عند الشركاء نية الإشتراك في نشاط ذي تبعة ، يأملون من وراثه الربح ولكن قد يعود عليهم بالخسارة ، ولا يقتصرون على مجرد استثمار مال مشترك بحسب طبيعته كما هي الحال في الشيوع ونية الإشتراك في نشاط ذي تبعة هي التي يطلق عليها عبارة أي نية تكوين شركة ، أو إدارة كل شريك في أن يتعاون مع الشركاء الآخرين في نشاط ينطوي على قد من المخاطرة .
ووجود هذه النية عند الشركاء يدل عليه بوجه خاص طبيعة النشاط الذي اشتركوا فيه ، وهو مسألة واقع يستقل بتقديرها قاضي الموضوع.
و يستتبع وجود نية الإشتراك في نشاط ذي تبعة يعود على الشركاء بالربح أو الخسارة ، أن يساهم كل شريك في تبعة هذا النشاط ، فيتقاسم الشركاء الأرباح ، ويوزعون فيما بينهم الخسائر، فإذا أعفي أحد الشركاء من تحمل الخسائر مع مقاسمته للأرباح ، أو حرم من مقاسمته للأرباح مع تحمله للخسائر ، كانت الشركة شركة الأسد وكانت باطلة، وفي هذا تقول الفقرة الأولي من المادة 515 مدني ، " إذا اتفق على أن أحد الشركاء لا يساهم في أرباح أو في خسائر ، كان عقد الشركة باطلاً " ، وسيأتي تفصيل ذلك، كذلك إذا اتفق على أن أحد الشركاء لا يساهم لا في الأرباح ولا في الخسائر ، بل يقتصر على إسترداد حصته بعد إنقضاء الشركة ، فإن هذا لا يكون شريكاً ، بل يكون قد قدم مالاً للشركة على سبيل القرض دون فائدة أو على سبيل القرض دون فائدة أو على سبيل العارية تبعاً لطبيعة هذا المال.
وهذه المساهمة في الأرباح وفي الخسائر هي التي تخرج من يقدم مالاً لتاجر ، على أن يشترك معه في الربح دون الخسارة ، عن أن يكون شريكاً، وإنما يكون مقرضاً ، أقرض التاجر المال بفائدة تتفاوت بتفاوت الأرباح ، ومن ثم يجب أن تسرى أحكام القرض فلا تزيد الفوائد في أية حال على 7 % وهذه المساهمة أيضاً هي التي تخرج العمال ، الذين يتقاضون فوق أجورهم تصيباً من أرباح المصنع الذي يعملون فيه ، عن أن يكونوا شركاء لصاحب المصنع ، فهم يشاركونه في الربح ولا يتحملون معه الخسارة .والنصيب من أرباح المصنع الذي يمنح للعامل جزءاً من أجراه ، فلا يخرج العامل على أن يكون أجيراً تسرى عليه أحكام عقد العمل فيجوز فصله ، ويستحق التعويض المقرر ، ولا يشارك في إدارة المصنع ، ولا يطلب حساباً عن هذه الإدارة ، ولا يكون مسئولاً عن ديون المصنع.
الشركات المدنية : أما الشركات المدنية فتقوم لتحقيق أغراض تعود عليها بالربح المادي كما قدمنا ، ولكن المشروعات المالية التي تقوم بها الشركات المدنية لا تدخل في أعمال التجارة ، وهي الأعمال التي عددتها المادة الثانية من التقنين التجاري على سبيل الحصر ، وأهم هذه الأعمال هي شراء البضائع والسلع لأجل بيعها أو تأجيرها ، وعقود المقاولة المتعلقة بالمصنوعات والتجارة والنقل البري والبحري وعقود التوريد ومعاملات المصارف والأعمال المتعلقة بالكمبيالات والسندات والصرافة والسمسرة ، والمقاولات المتعلقة بإنشاء مبان متى كان المقاول متعهداً بتوريد الأدوات ، والأعمال المتعلقة بالسفن من إنشاء أو شراء أو بيع أو إيجار أو إقراض أو تأمين أو إستخدام للبحرين.
فإذا خرج عمل عن الأعمال التي عددها النص اعمالاً تجارية ، كان هذا العمل مدنياً، وإذا قامت شركة بهذا العمل كانت شركة مدنية ، وأهم الأعمال المدنية هي الأعمال المتعلقة بالعقارات وبالمحصولات الزراعية وبالمناجم وبالمقاولات الخاصة بالأراضي وبالأعمال الفنية والعلمية والرياضية إذا قصد منها تحقيق ربح مادي ، ومن ثم تكون الشركات التي تقوم بشراء الأراضي وبيعها واستغلالها، وبناء الدور وبيعها واستغلالها شركات مدنية، وكذلك الشركات التي تجمع الأراضي والعقارات من أصحابها لاستغلال وتوزيع أرباحها على الأعضاء، وتعد شركات مدنية أيضاً الشركات التي تقوم باستغلال المناجم وحفر الترع ، ولكن هذه الشركات تتخذ عادة الشكل التجاري والشركات التي تقوم بأعمال فنية أو علمية مأجورة بقصد توزيع الربح على الأعضاء ، كشركات التمثيل والغناء وإدارات المدارس ودور النشر والصحف والمجلات ، كل هذه تعتبر شركات مدنية.
الشركات التجارية : وأهم الشركات هي الشركات التجارية ، فهي تقوم بدور أساسي في الحياة الاقتصادية وهي قسمان ، شركات أشخاص وشركات أموال،
فشركات الأشخاص هي شركة التضامن وشركة التوصية وشركة المحاصة أما شركة التضامن فهي الشركة التي يعقدها شخصان أو أكثر بقصد الاتجار ، ويكون جميع الشركاء ملزمين بالتضامن عن جميع التزامات الشركة حتى في أموالهم الخاصة، وشركة التوصية هي الشركة التي تعقد بين شريك وأحد أو أكثر يكونون مسئولين بالتضامن كما في الشركة التضامن ، وبين شريك وأحد أو أكثر يكونون أصحاب حصص مالية فيها وخارجين عن الإدارة ولا يكونون مسئولين إلا في حدود حصصهم من رأس المال ويسمون موصين، وشركة المحاصة هي شركة تقوم ما بين الشركاء وحدهم ولا تكون شركة في حق الغير ، فمن عقد من الشركاء المحاصين عقداً مع الغير يكون مسئولاً عنه وحده دون غيره من الشركاء المحاصين ، ثم تقسم على الشركاء الأرباح والخسائر التي تنشأ من أعمالهم ، سواء حصلت منهم منفردين أو مجتمعين ، وذلك على حسب الشروط المتفق عليها في عقد الشركة وشركة التوصية على التحديد الذي قدمناه هي شركة أشخاص بالنسبة إلى الشركاء المتضامنين ، وشركة أموال بالنسبة إلى الشركاء الموصين ، وقد تكون حصص الشركاء الموصين في رأس المال أسهماً ، فتسمى الشركة عندئذ بشركة توصية بالأسهم ، وأهم شركات الأموال هي شركة المساهمة ، يقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة ، ويكون لكل شريك عدد من هذه الأسهم ، ويتفاوت الشركاء تفاوتاً كبيراً في عدد الأسهم التي يملكونها، وقد وضع القانون قيوداً كثيرة على تأسيس شركات المساهمة ، قصد بها حماية المساهمين وحماية المتعاملين مع هذه الشركات ولا يجوز تأسيس شركة المساهمة إلا بأمر يصدر من السلطة العامة .
وهذه القيود كثيراً ما تعوق الشركات من أن تتخذ صفة الشركة المساهمة ومن أن تنتفع بمزاياها ، وأهمها تحديد مسئولية كل شريك بالأسهم التي يملكها من رأس المال ، لذلك استحدث المشرع المصري ، بالقانون رقم 26 لسنة 1945 ، نوعاً من الشركات كانت الحاجة ماسة إليه ، سميت بالشركات ذات المسئولية المحدودة وقد أعفيت هذه الشركات من أكثر قيود شركات المساهمة ، مع استبقاء مزيتها الجوهرية وهي أن تكون مسئولية الشركاء مقصورة على مقدار الحصص التي يملكونها في هذه الشركة ، ولكن هذه الشركات يحيط بها قيدان أساسيان فلا يجوز أن يقل رأس مالها عن ألف جنيه ، ويقسم رأس المال إلى حصص متساوية لا تقل قيمة كل منها عن عشرين جنيهاً ، ولا يجوز أن يزيد عدد الشركاء فيها عن خمسين شريكاً ولا يقل عن اثنين فإن كان بين الشركاء زوجان يجب أن يكون عدد الشركاء ثلاثة على الأقل . (الوسيط في شرح القانون المصري للدكتور/ عبد الرازق السنهوري، الطبعة الثانية بتنقيح الدكتور/ مصطفى الفقي، دار النهضة العربية 1994 الجزء/ الخامس الصفحة/ 273)
الشركة عقد مسمی يلزم فيه التراضي والمحل والسبب ويجب أن يساهم كل شريك بحصة في رأس مالها والا كانت باطلة، وقد تكون الحصة نقوداً أو أوراقاً مالية أو منقولات أو عقارات أو عملاً ، ومن مجموع الحصص يتكون رأس المال ويقوم بذاته مستقلاً عن أموال كل شريك، ويجب أن تتوافر لدى الشركاء نية الاشتراك في نشاط ذي تبعة يأملون من ورائه الربح ولكن قد يعود عليهم بالخسارة وإذا انتفت هذه النية إنتفت تبعاً لها صفة الشريك كمن يقدم مالاً لتاجر على أن يشترك معه في الربح دون الخسارة فلا يكون شريكاً وإنما مقرضاً فتسري أحكام القرض فلا تزيد الفوائد على 7% كذلك يخرج العمال الذين يتقاضون نصيباً من الأرباح فوق أجورهم عن أن يكونوا شركاء لصاحب العمل لأنهم لا يتحملون معه الخسارة فتعتبر الأرباح في هذه الحالة جزءاً من أجر العامل، وليس ضرورياً أن تكون أرباح الشركة نقوداً فقد تتكون شركة لبناء عمارة تخصص لكل شريك شقة يسكنها، وقد يكون الغرض من بنائها تقسیم وحداتها بين الشركاء وفقا الحصة كل منهم في الشركة أو بيعها وتوزيع الثمن بين الشركاء .
الشركة، باعتبارها شخصاً إعتبارياً، تخضع للقواعد القانونية التي يخضع لها الشخص الطبيعي ، وبالتالي لا يجوز إشهار إفلاس الشركات المدنية إلا إذا حررت کمبيالة وتوقفت عن الوفاء بقيمتها، بإعتبار أن الكمبيالة عمل جاری بطبيعته يترتب على عدم الوفاء بقيمتها إشهار إفلاس محررها ولو لم يكن تاجراً
وقضت محكمة النقض بأن العبرة في تحديد صفة الشركة بطبيعة العمل الرئيسي لها وبغرضها، وأن الشركات المدنية لا تخضع لنظام الإفلاس ، نقض 4/1/1999 طعن 176 س 68 ق.
الشركات المدنية :
تتكون الشركات المدنية لتحقيق أغراض تعود عليها بالربح المادي ولا تدخل المشروعات التي تقوم بها في الأعمال التجارية المحددة في الفصل الأول من قانون التجارة على سبيل الحصر وأهمها شراء البضائع والسلع لأجل بيعها أو تأجيرها وعقود المقاولة المتعلقة بالمصنوعات والتجارة والنقل البري والبحري وعقود التوريد ومعاملات المصارف والأعمال المتعلقة بالكمبيالات والسندات والصرافة والسمسرة والمقاولات المتعلقة بإنشاء مبان متى كان المقاول متعهداً بتوريد الأدوات والاعمال المتعلقة بالسفن من إنشاء أو شراء أو بيع أو إيجار أو إقراض أو تأمين أو استخدام للبحرين، ومن ثم فإن أي عمل يخرج عن هذا الحصر يعد عملاً مدنياً وتكون الشركة التي تباشره شركة مدنية كشركات شراء الأراضي وبيعها واستغلالها وبناء الدور وبيعها واستغلالها واستغلال المناجم وحفر الترع وتربية المواشي وكذلك الشركة التي تتم بين مهندسين أو أطباء أو ممثلين أو خياطين أو غيرهم ممن يباشرون أعمالاً لا تعتبر أعمالاً تجارية كالتدريس وما يتعلق به من إنشاء مدرسة خاصة، وفيصل التفرقة هو موضوع العقد لا صفة الشركاء، فمتى كان موضوع العقد تجارياً كانت الشركة تجارية ولو كان الشركاء غير تجار، أما أن كان موضوع العقد مدنياً فتكون الشركة مدنية ولو كان أحد الشركاء تاجراً، وقد تتخذ شركة مدنية أحد أشكال الشركات التجارية كشركة مساهمة أو ذات مسئولية محدودة أو تضامن أو محاصة وفي هذه الحالة تبقى الشركة مدنية على أنه يجب اتباع الإجراءات والشروط وأعمال أحكام مسئولية الشركاء وفقاً لنوع كل شركة كما لو كانت الشركة تجارية فيجب شهرها وإلا كانت باطلة واعتبرت شركة واقع كما يجب أن تتخذ اسماً تجارياً للتوقيع به وتخضع لأحكام القانون 159سنة 1981 في شأن تأسيسها ورأس مالها وإدارتها وحلها ولكنها تظل خاضعة للقانون المدني من ناحية الإثبات والتقادم وسعر الفائدة كما تخضع للقضاء المدني ولا يجوز شهر إفلاسها أو إلزامها بإمساك دفاتر تجارية ولكن يسرى عليها قانون السجل التجاري وإذا اتخذت شكل شركة مساهمة سرت عليها ضرائب الأرباح التجارية والصناعية .
ولذلك تعين بيان أحكام الشركات على إختلاف أنواعها لأعمالها فيما لم يرد بشأنه نص في القانون المدني.
الشركات التجارية :
الشركات التجارية قسمان : شركات أشخاص وشركات أموال، وشركات الأشخاص في شركة التضامن وتتم بين شخصين أو أكثر بقصد الاتجار ويلتزم فيها جميع الشركاء بالتضامن حتى في أموالهم الخاصة، وشركة التوصية وتتم بين شريك أو أكثر يكونون مسئولين بالتضامن وبين شريك أو أكثر یكونون مسئولين في حدود حصصهم، وشركة المحاضة وتتم بين الشركاء وحدهم ولا تكون شركة في حق الغير إذ ليست لها شخصية معنوية فمن عقد من الشركاء المحاصين عقدا مع الغير يكون مسئولاً عنه وحده.
وأهم شركات الأموال في شركة المساهمة ويقسم رأسمالها لأسهم متساوية في القيمة ولكل شريك عدد من هذه الأسهم لا يكون مسئولاً إلا في حدودها.
التمييز في الأحكام بين الشركة المدنية والشركة التجارية :
أن يكون الشريك مسئولاً في الشركة المدنية عن ديون الشركة حتى في ماله الخاص ولكن من غير تضامن أما في الشركة التجارية فتارة يسأل في ماله الخاص بدون تضامن وتارة في حدود أسهمه . (ب) يختلف الشكل وإجراءات التكوين بالنسبة لكل من النوعين. (ج) تنقضي الشركة المدنية بموت الشريك أو الحجر عليه أو إعساره أو انسحابه ولا يقع ذلك غالباً في الشركة التجارية. (د) الشركة المدنية تخضع للقضاء المدني وتخضع الشركة التجارية للقضاء التجاري. (هـ) طرق الإثبات وسعر الفائدة. (و) مدة التقادم بالنسبة لالتزامات الشركة التجارية خمس سنوات من انتهاء الشركة بينما هي خمس عشرة سنة في الشركات المدنية، فإذا كانت الشركة تباشر أعمالاً بعضها مدنی وبعضها مجارى اتخذت صفتها تبعاً للأعمال الغالبة .
الشركاء المؤسسون :
الشركاء المؤسسون للشركة هم ذوو الشأن في انشائها الذين قاموا بدراسة الجدوى من تكوينها، ويبرومون كافة التصرفات باسمها وهي لم تزل محنت التأسيس، ويظل هؤلاء مسئولین شخصياً عن كافة الإلتزامات التي رتبتها هذه التصرفات حتى تتم إجراءات الشهر فتكسب الشركة الشخصية الاعتبارية وتنشأ لها بذلك ذمة مالية تنصب فيها الحقوق والالتزامات التي رتبتها التصرفات التي أبرمها مؤسسوها، وتتحدد بعد ذلك مسئولية الشركة والشركاء فيها بحسب وضع كل منهم، مفاد ذلك أن الشركة أن لم تشهر فإنها لا تكتسب الشخصية الاعتبارية، وبالتالي لا تكون لها ذمة مالية فلا تنتقل إليها الحقوق والالتزامات ويظل المؤسسون الذين قاموا بالتوقيع على هذه التصرفات هم وحدهم المسئولون عن الالتزامات المترتبة عليها باعتبارها التزامات شخصية حتى لو كان هناك مؤسسون غيرهم طالما لم يوقعوا على التصرفات التي أبرمت .
أما إذا أشهرت الشركة، كان الموقعون على عقدها شركاء فيها سواء كانوا مؤسسين أم غير مؤسسین، ويتحدد نطاق مسئولية كل منهم وفقاً لصفته في عقد الشركة، فان كان شريكاً متضامناً كان مسئولاً مع الشركة في كافة أمواله عن التزاماتها، أما أن كان شريكاً موصيا ًانحصرت مسئوليته في حصته في الشركة.
ولا يكون الشخص شريكاً إلا إذا كان له توقيع على عقد الشركة.
تكوين شركة لتشييد بناء :
أن من أركان عقد الشركة، التزام كل شريك بتقديم حصة في رأس المال المتفق عليه، وأن هذه الحصة قد تكون مبلغاً من النقود أو حصة عقارية أو القيام بعمل، حسبما يتضمنه عقد الشركة.
ويلتزم كل شريك بتقديم حصته فور التوقيع على العقد أو في الآجال أو المراحل التي ينص عليها العقد وإلا جاز إلزامه بذلك مع التعويض إن كان له مقتضى، ويقوم بالمطالبة الشريك القائم بأعمال الإدارة، فإن كان هو الذي أخل بتنفيذ إلتزامه ، جاز لأي من الشركاء مطالبته بتنفيذ إلتزامه.
ولا يقتصر الحق في رفع الدعوى بإلزام الشريك بتقديم حصته العقارية على الشركة وحدها، إنما يمتد هذا الحق إلى كل دائن لها، حتى إذا ما صدر حكم الإلزام وتم تسجيله، إنتقلت الحصة العقارية إلى الشركة وجاز للدائنين التنفيذ عليها وفقاً لإجراءات التنفيذ العقارى لامتناع التنفيذ عليها قبل إنتقال ملكيتها للشركة إذ لا توجد علاقة دائنية بين المدين بشخصه وبين دائني الشركة وعملاً بالمادة 511 من القانون المدني، يلتزم مالك الحصة العينية بما يلتزم به البائع من نقل ملكيتها إلى الشركة وعدم التعرض وإلا تحققت مسئوليته.
فإذا امتنع مالك الحصة العقارية عن تقديمها للشركة جاز إجباره على ذلك برفع دعوى بصحة ونفاذ عقد الشركة مع التسليم أو بالزامه بتقديمها على نحو ما تقدم، فإن تبين إستحالة تنفيذ هذا الإلتزام لقيام الشريك بالتصرف للغير في العقار تصرفا نافذا في حق الشركة، انفسخ عقد الشركة، وكان للفسخ في هذه الحالة أثر رجعي فيعود كل متعاقد إلى ما كان عليه قبل إبرام العقد، إذ طالما أن عقد الشركة لم يبدأ في تنفيذه، فإن فسخه أو بطلانه يكون له أثر رجعي، وينحصر حق الشركاء الآخرين في طلب التعويض وفقاً لقواعد المسئولية التقصيرية، أما أن كان قد بدء في تنفيذ العقد، فان فسخه أو بطلانه لا يكون له أثر رجعي، ويترتب بالتالي على إنحلاله قيام شركة واقع تنتقل إليها ملكية الحصة العقارية متى تم تسجيل الحكم بثبوت قيامها.
أما إذا كان الشريك مالك الحصة العقارية، قام بتنفيذ إلتزامه بتقديم العقار للشركة، فاز، قامت بتسجيل عقدها، انتقلت إليها ملكية الحصة العقارية، وهو ما يتطلب قيام هذا الشريك بالتصديق على توقيعه الذي تضمنه عقد الشركة، ومتى تم هذا التسجيل انتقلت ملكية تلك الحصة من الشريك الى الشركة، أما إذا امتنع عن القيام بإجراءات الشهر، وكان تنفيذ إلتزامه بنقل الملكية ما زال ممكناً، فإنه يجوز إجباره على ذلك برفع دعوى بصحة ونفاذ عقد الشركة، يرفعها الممثل القانوني للشركة، فإن كان هو مالك الحصة العقارية، جاز رفعها من أي من الشركاء بصفته شريكاً حتى تنصرف آثار الدعوى للشركة وهي الأصيلة في العقد المطلوب القضاء بصحته ونفاذه، ويجب تسجيل صحيفة الدعوى لقبولها على التفصيل الذي أوضحناه بالمادة 284 فيما تقدم، ومتی صدر الحكم وتم التأشير به في هامش تسجيل صحيفة الدعوى، انتقلت ملكية الحصة العقارية للشركة من تاريخ التأشير بالحكم وليس من تاريخ تسجيل الصحيفة وإنما يرتد أثر التأشير إلى تاريخ تسجيل الصحيفة إذا وجدت حقوق عينية ترتبت للغير على الحصة العقارية وترتب على ذلك عدم الإحتجاج على الشركة بالتسجيلات والقيود التي ترتبت على تلك الحصة بعد تسجيل صحيفة الدعوى حتى لو كانت قد تمت بعد التأشير بالحكم طالما أنها تمت بعد تسجيل الصحيفة إذ لا تحتاج الشركة بالحقوق التي ترتبت للغير بعد هذا التسجيل، ويلزم الشريك خاسر الدعوى مصاريفها، أما رسوم ومصاريف التسجيل فتتحملها الشركة وتكون ديناً في ذمتها للشريك الذي قام بسدادها ، كما يجوز رفع دعوى بثبوت قيام شركة فعلية في حالة بطلان عقدها .
تمسك مالك الحصة العقارية ببطلان الشركة :
إذا توافر سبب من الأسباب التي تؤدي الى بطلان الشركة، لعدم نشر عقدها أو عدم كتابته، جاز لكل شريك أن يتمسك به في مواجهة باقي الشركاء، إما بدعوى مبتدأة أو بطريق الدفع في دعوى قائمة ، وبالتالي يجوز للشريك مالك الحصة العقارية ، أن يتمسك ببطلان عقد الشركة في الدعوى المرفوعة عليه بصحته ونفاذه، وحينئذ يتعين على المحكمة التصدي لهذا الدفاع تمهيداً للقضاء في الدعوى، فإذا تحققت من توافر سبب البطلان، قضت برفض الدعوى دون حاجة للقضاء بطلان عقد الشركة، طالما طرح البطلان كدفاع في الدعوى ولم يقدم طلب عارض، فإن قدم طلب عارض تعين القضاء بالبطلان.
فإن كان عقد الشركة قد تم تسجيله، ترتب على ذلك إنتقال ملكية الحصة العقارية للشركة بموجب العقد الباطل، فإن لم تكن قد بدأت في مباشرة نشاطها وكان قد قضى ببطلان عقدها وحاز حكم البطلان قوة الأمر المقضى، توافر تلك الأثر الرجعي للبطلان، فيعود كل شريك الى الوضع الذي كان عليه قبل إبرام عقد الشركة، فسترد ملك الحصة العقارية حصته، ويشطب التسجيل المتعلق بها منی قضى بالشطب مع البطلان ، أما إن كانت الشركة قد باشرت نشاطها، فإن البطلان المقضي به لا يكون له أثر رجعى لاستحالة إعادة كل شريك إلى ما كان عليه قبل إبرام عقد الشركة، فتظل الحصص بما فيها الحصة العقارية مملوكة للشركة، ويترتب على البطلان إنحلال الشركة ودخولها في دور التصفية، وتتم التصفية وفقاً للشروط التي تضمنها عقد الشركة، باعتبار هذه الشروط قد تضمنت حلولاً عادلة ارتضاها الشركاء مما يتعين معه إتمام التصفية وفقاً لها على هذا الأساس، وليس على أساس القوة الإلزامية للعقد، فقد زالت تلك القوة بانحلال العقد ، فإن لم يتضمن العقد أسس التصفية، خضعت للقواعد التي نصت عليها المادة 534 وما بعدها من القانون المدني، مع مراعاة أنه فيما يتعلق بتصفية الشركات وقسمتها، فلم يعرض القانون المدني في باب الشركة إلا التصفية الشركات وقسمة أموالها بين الشركاء، أما القواعد العامة للقسمة فقد أوردها في باب الملكية على الشيوع عملاً بالمادة 537 منه.
ويجب للقضاء بحل الشركة وتصفيتها تبعاً للحكم ببطلانها، ألا يقصرالشريك طلباته على بطلان الشركة، وإنما يطلب أيضاً تصفيتها، وحينئذ تقضى المحكمة بطلان الشركة وتصفيتها، فان لم تطلب التصفية، تعين على المحكمة الوقوف عند حد البطلان، فإن قضت بالتصفية، تكون قد قضت بما لم يطلبه الخصوم، وحينئذ تتم التصفية رضاءً أو قضاءً بدعوى جديدة.
أما إن كان عقد الشركة لم يتم تسجيله، فإن ملكية الحصة العقارية تبقى للشريك لكن يظل التزامه بنقل ملكيتها للشركة قائماً، ويتوقف تنفيذ هذا الإلتزام في حالة تمسكه ببطلان عقد الشركة، على ما إذا كانت الشركة قد بدأت في مباشرة نشاطها أم أنها لم تبدأ فيه بعد، وما إذا كان مفوضاً في إدارة الشركة من عدمه، فإن كان مفوضاً سواء كان هو المنتدب للإرادة بنص خاص في عقد الشركة، أو كان منتدباً للإدارة بإتفاق لاحق لعقد الشركة، أو كان من الشركاء المنتدبين للإرادة، أو ثبت له الحق في الإدارة لخلو عقد الشركة من نص خاص على طريقة الإدارة إذ يعتبر كل شريك في هذه الحالة الأخيرة مفوضاً من باقى الشركاء في إدارة الشركة، ففي هذه الحالات يكون هذا الشريك ملزماً بإتمام إجراءات النشر، فإن أهمل في ذلك أعتبر هو المتسبب في بطلان الشركة، ويترتب على هذا الإهمال أن يمتنع عليه التمسك ببطلان الشركة، حتى لا يفيد من إهماله «أنظر بهذا المعنى نقض 22/3/1976 ، نقض 9/1/1965 فيما يلي»، كما تضمنا أن كل شريك متضامن يقع على عاتقه واجب نشر الشركة.
ومتى امتنع على الشريك مالك الحصة العقارية التمسك ببطلان عقد الشركة فإن العقد يكون صحيحاً نافذاً مما يتعين معه على المحكمة أن تقضي بصحته ونفاذه، سواء كانت الشركة قد بدأت في مباشرة نشاطها أم لم تكن قد بدأت فيه، إذ لا يثار إعمال الأثر الرجعي للبطلان طالما لم يقض به.
وقضت محكمة النقض بأنه متى كان الحكم المطعون فيه إذ قضى بصحة ونفاذ عقد الشركة المبرم بين الطاعن والمطعون عليها، ملتفتاً عن الدفع ببطلانه التوافر أركانه، فإن ما قرره يكون صحيح في القانون ، راجع نقض 16/10/1952 بالمادة 515 فيما يلي .
فإن كان الشريك مالك الحصة العقارية، غير مفوض في إدارة الشركة، ولم يندب لذلك وتضمن عقد الشركة من يقوم بأعمال الإدارة ولم يكن هذا الشريك من بين مديري الشركة، ولم تكن الشركة شركة تضامن، فلا يكون مسئولاً عن نشر الشركة، وبالتالي يجوز له التمسك ببطلانها في الدعوى التي ترفع عليه بصحة ونفاذ عقد الشركة وتسليم حصته، ومتى تحققت المحكمة من صحة هذا الدفع، فإنها لا تقضى ببطلان العقد لما يتطلبه ذلك من تقديم طلب عارض بتقرير بطلاته، وإنما تقصر قضاءها على رفض الدعوى، فإن كانت الشركة قد بدأت في مزاولة نشاطها في الواقع، يتعين على المدعي في دعوى صحة التعاقد، أن يعدل طلباته الى الحكم بثبوت قيام الشركة باعتبارها شركة فعلية منذ إنشائها وحتى القضاء نهائياً ببطلانها وحلها وتصفيتها وإذ يتعلق هذا الطلب العارض بنقل حق الملكية من الشريك الى الشركة، فإنه يتعين تسجيله بالحصول على صورة رسمية من محضر الجلسة الثابت به هذا الطلب وتسجيله وفقاً لإجراءات تسجيل صحيفة الدعوى ولا يغني عن ذلك سبق تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد، ويترتب على عدم التسجيل عدم قبول الطلب العارض، وقد صدر الحكم وتأشر به في هامش تسجيل الطلب العارض، انتقلت ملكية الحصة العقارية من تاريخ التأشير بالحكم وليس من تاريخ تسجيل الطلب العارض أو تسجيل صحيفة الدعوى، ولا يجوز تسجيل الطلب العارض إلا بعد شطب تسجيل صحيفة دعوى صحة التعاقد، ولذلك يتعين أن يقر من سجل تلك الصحيفة بتنازله عن تسجيلها ما لم يكن قد قضى بالشطب عند رفض الدعوى.
ويتحدد نطاق البطلان القضی به تبعا لما إذا كانت الشركة قد بدأت في نشاطها أم لم تكن قد بدأت، ففي الحالة الأولى، تنحل الشركة اعتباراً من تاريخ صيرورة حكم البطلان نهائياً دون أن يرتد أثره إلى الماضي لإنتفاء الأثر الرجعي للبطلان في هذه الحالة، إذ يعتبر العقد صحيحاً منتجاً لآثاره منذ إبرامه حتى يقضي نهائياً ببطلانه، وبالتالي تعتبر الشركة في هذه الفترة شركة واقع أو شركة فعلية تتوافر لها الشخصية الاعتبارية وتكون صالحة لاكتساب الحقوق وتدخل ذمتها كل حصص الشركاء بما فيها الحصة العقارية .
أما إن كانت الشركة لم تبدأ نشاطها، فيكون للبطلان أثر رجعي، فيعود الشركاء إلى ما كانوا عليه قبل التعاقد، ولا يتخلف عن البطلان شركة فعلية لأن مناط ذلك أن تكون الشركة قد باشرت نشاطاً فعلياً، كذلك لا يتخلف عن البطلان شركة فعلية إذا رجع لتخلف ركن من أركانها العامة أو الخاصة، وبالتالي يكون للبطلان أثر رجعي، ومتى جاز للشريك التمسك بالبطلان على نحو ما تقدم، جاز له رفع دعوى مبتدأة ببطلان الشركة وحلها وتصفيتها باعتبارها شركة واقع أو شركة فعلية مع إلزام مالك الحصة العقارية بتقديمها ويجب تسجيل الصحيفة، فتنتقل الملكية بالتأشير بالحكم.
تسجيل عقد الشركة :
ذلك أن حصة الشريك المتضامن أو الموصى إذا كانت ملكية عقار أو أي حق عینی آخر کجق انتفاع، فإن هذا الشريك يكون ملزماً بمجرد إبرام عقد الشركة بنقل ملكية الحصة إلى الشركة كشخص معنوي يغار أشخاص الشركاء ولا تنتقل هذه الحصة العقارية إلا بالتسجيل سواء كان ذلك فيما بين الشريك والشركة أو بالنسبة للغير لأن عقد الشركة في هذه الحالة يعتبر عقداً ناقلاً للملكية مما يوجب تسجيله حتى تنتقل الحصة العينية العقارية الى الشركة.
عقود المعارضة التي تبرمها شركة المساهمة :
إن النص في المادة 99 من القانون رقم 159 لسنة 1981 بإصدار قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة ينص على أن : «لا يجوز لأحد مؤسسي الشركة - خلال السنوات الخمس التالية لتأسيسها»، كما لا يجوز لأي عضو من أعضاء مجلس إدارتها في أي وقت أن يكون طرفا في أي عقد من عقود المعارضة التي تعرض على هذا المجلس لإقرارها إلا إذا رخصت الجمعية العامة مقدماً بإجراء هذا التصرف، ويعتبر باطلاً كل عقد يبرم على خلاف أحكام هذه المادة.
إذا تعاقد الشريك المتضامن غير المدير بأسم الشركة مع الغير في غير أغراضها قان تعاقده وأن لم يكن ملزماً للشركة إلا أنه يلزمه شخصيا قبل الغير الذي تعاقد معه.
يترتب على توافر الشخصية الاعتبارية للشركة، أن تكون هي الأصيل في مباشرة الإجراءات القضائية المعنية بها دون الممثل القانوني لها، وبالتالي لا ينال من صحة الإجراء إغفال أسم هذا الممثل أو الخطأ فيه طالما تضمن الإجراء اسم الشركة بما ينفي الجهالة عنها، وذلك على التفصيل الذي أوضحناه بموسوعة المرافعات، الجزء الأول، صفحة 222 وما بعدها، وثار الخلف في شأن الإعلان في حالة غلق مقر الشركة، فذهب رأي الى وجوب الإعلان للنيابة العامة بينما ذهب رأي آخر إلى إتمام الإعلان لجهة الإدارة. (المطول في شرح القانون المدني، المستشار/ أنور طلبة، المكتب الجامعي الحديث، الجزء/ السابع الصفحة/ 147)
الأركان الموضوعية
العامة لعقد الشركة
الشركة عقد مسمى، ويقتضى كونها عقدا أن تكون لها أركان العقد المعتادة وهي التراضي والمحل والسبب، ونعرض لها بإيجاز فيما يلي :
1 - التراضي :
يجب التكوين كل عقد، سواء أكان شركة أم غيرها حصول الرضاء من المتعاقدين ويحصل الرضاء المذكور من كل من المتعاقدين بما يدل على ذلك.
ويشترط أن يكون الرضاء شاملاً كل الشروط اللازمة لتكوين العقد ففي الشركة يجب أن يتناول أركان الشركة الأساسية وشروطها والغرض من تكوينها وحصص الشركاء فيها ومدة انعقادها إلخ، وإذا لم يشمل جميع ذلك لا ينعقد العقد، لأن الرضاء يعتبر معدوما.
ويجب أن يكون رضاء كل من المتعاقدين مطابقاً لرضاء الآخر تمام المطابقة ويقال لذلك توافق الإيجاب والقبول .
2 - المحل :
يجب أن يكون لعقد الشركة محل، شأن الشركة في ذلك شأن أي عقد آخر، ويجب أن يكون المحل موجوداً أو ممكناً، وأن يكون معيناً أو قابلاً للتعيين، وأن يكون قابلاً للتعامل فيه وبخاصة أن يكون مشروعاً .
ومحل الشركة هو رأس مالها مقسمة إلى حصص كل شريك حصة، كذلك يكون محلاً للشركة الأعمال التي تقوم بها لإستغلال رأس المال، فيجب أن تتوافر شروط المحل التي ذكرناها في كل ذلك، فإذا تخلف شرط منها كانت الشركة باطلة.
ويترتب على ذلك أن الشركة تكون باطلة إذا كانت حصص الشركاء مالاً لا يجوز التعامل فيه، وتكون باطلة إذا كانت الأعمال التي تباشرها الشركة طبقاً لعقد تأسيسها أعمالاً غير مشروعة، كتهريب الممنوعات أو الإتجار في الحشيش أو المخدرات، أو إدارة محل للدعارة، أو إدارته للمقامرة أو نشر كتب أو صور مخلة بالحياء.
3 - السبب :
السبب في التعهدات هو علتها، أي الباعث عليها، ولا يلتفت إلى الأسباب البعيدة التي قد توجد، بل إن سبب الإلتزام هو الباعث المباشر.
وفي عقود المبادلة - والشركة منها - يكون إلتزام كل عاقد سبباً في تعهد الآخر، ويشترط لصحة العقود أن تكون مبنية على سبب صحيح جائز قانوناً، فإذا كان سبب الشركة غير مشروع كانت الشركة باطلة كما ذكرنا في المحل.
ومثال ذلك أن تكون أعمال الشركة منحصرة في سلعة معينة بغرض الحصول على أكبر الكميات منها لاحتكار السلعة وإعلاء سعرها إستغلالاً لهذا الاحتكار، أو أن يكون الغرض من الأعمال التي تقوم بها الشركة المضاربة غير المشروعة.
4 - الأهلية اللازمة لإبرام عقد الشركة :
الأهلية اللازمة لإبرام عقد الشركة هي أهلية الإلتزام، أي أهلية الرشيد الذي بلغ من العمر إحدى وعشرين سنة ميلادية متمتعاً بقواه العقلية ولم يحجر عليه، وذلك لأن عقد الشركة يعد من قبيل التصرفات الدائرة بين النفع والضرر.
وعلى ذلك لا تكفي أهلية الإدارة لإبرام عقد الشركة.
إذا شاب رضاء أحد الشركاء وقت التعاقد عيب من عيوب الإرادة كغلط أو تدليس أو إكراه وقع العقد باطلاً والبطلان هنا نسبي مقرر لمصلحة الشريك الذي تعيب رضاؤه فلا يجوز طلب البطلان إلا من هذا الشريك وحده (م 138مدنی)، ويزول حقه في إبطال العقد بالإجازة الصريحة أو الضمنية (م 139 مدنی)، ويسقط الحق في طلب البطلان إذا لم يتمسك به الشريك خلال ثلاث سنوات من الوقت الذي ينكشف فيه الغلط أو التدليس أو الذي ينقطع فيه الإكراه، ولا يجوز التمسك بالبطلان على أية حال إذا انقضت خمس عشرة سنة من وقت تمام العقد (140 مدنی).
ولا يختلف حكم هذا البطلان عن البطلان المترتب على نقص الأهلية، فهو بطلان نسبي، يتمسك به ناقص الأهلية وحده، أو من يمثله، ويسقط الحق في طلبه بمرور الزمن المحدد بثلاث سنوات من يوم زوال سبب نقص الأهلية، أو بإجازة العقد من الشريك القاصر بعد بلوغ سن الرشد.
وإذا لم تتوافر شروط المحل والسبب – التي ذكرناها فيما سلف - في الشركة كان العقد باطلاً بطلاناً مطلقاً.
ولكل ذي مصلحة التمسك به، بل وللمحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها.
أثر القضاء ببطلان عقد الشركة :
إذا كانت الشركة التي قضى ببطلان عقدها لم تبدأ نشاطها، فإنه تطبق القاعدة العامة في البطلان، فيكون للبطلان أثر رجعي، إذ يعتبر عقد الشركة كأن لم يكن، ويعود المتعاقدون إلى الحالة التي كانوا عليها قبل العقد عملاً بالمادة 1/142 مدنی التي تقضي بأنه : "في حالتي إبطال العقد وبطلانه يعاد المتعاقدان إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد، فإذا كان هذا مستحيلاً جاز الحكم بتعويض معادل".
فمتى طلب الشريك البطلان وقضى له به، زالت عنه صفة الشريك، وتحلل من التزاماته قبل الشركة، واسترد حصته إن كان قد قدمها، وامتنع عليه الإشتراك في الأرباح، وتعين عليه ردها إن كان قد قبضها.
وإذا كانت الشركة من شركات الأشخاص ترتب على الحكم بالبطلان إنهيار العقد إلا بالنسبة للشريك الذي تعيب رضاؤه وحده، وإنما بالنظر إلى الشركاء جميعاً، لأن الشركة تقوم على الإعتبار الشخصي، فكل من الشركاء قد رضي بالدخول في الشركة على أساس اجتماع أشخاص باقي الشركاء بذواتهم .
أما إذا تعلق الأمر بشركة من الشركات التي تقوم على الإعتبار المالي فإن أثر البطلان يقتصر فقط على من شاب العيب رضاه، ويظل العقد صحيحاً منتجاً لآثاره التي تتمثل في خلق شخص معنوي هو الشركة، بالنسبة لباقي الشركاء.
إما إذا كانت الشركة قد بدأت نشاطها، فإنها تنحل إعتباراً من تاريخ صيرورة حكم البطلان نهائياً دون أن يرتد أثره إلى الماضي لانتفاء الأثر الرجعي للبطلان في هذه الحالة، إذ يعتبر العقد صحيحاً منتجاً لآثاره منذ إبرامه حتى يقضي نهائياً ببطلانه، وبالتالي تعتبر الشركة في هذه الفترة شركة واقع أو شركة فعلية تتوافر لها الشخصية الاعتبارية وتكون صالحة لاكتساب الحقوق وتدخل ذمتها كل حصص الشركاء بما فيها الحصة العقارية.
ذلك أن تطبيق القواعد العامة التي تقضي بالأثر الرجعي للبطلان على عقد الشركة يؤدي إلى تصدع مراكز مستقرة وإهدار لحقوق الغير الذي تعامل مع الشركة ولا يستقيم عملاً، خاصة أنه لا يمكن إنكار وجود شركة فعلية أو واقعية قبل الحكم ببطلانها وأنها تعاملت مع الغير بوصفها شخصاً معنوياً له کیان قائم بذاته، ونشأت عن ذلك حقوق لها والتزامات عليها وحققت أرباحاً ومنيت بخسائر، فإنكار كل ذلك إنكار للحقيقة والواقع، كما أن التسليم بالأثر الرجعي لبطلان الشركة يؤدي إلى أن يكون احتفاظ مديرها أو من تكون أموالها تحت يده بأرباحها دون سبب حق، وكذلك تحمله خسارتها بغير حق .
الأركان الخاصة للشركة
أن للشركة بجانب الأركان العامة، أركان خاصة يجب توافرها فيها، وهذه الأركان الخاصة هي :
- الركن الأول :
اجتماع شخصين فأكثر :
يشترط في الشركة اجتماع شخصين على الأقل .
وقد نصت على ذلك صراحة المادة 505 مدنی، مع أن كل عقد يفترض حتماً وجود طرفين على الأقل، ولم يكن هناك داع لذكر هذا الشرط، ومع ذلك فقد حرص المشرع على الإشارة إليه ليؤكد مبدأ وحدة الذمة في التشريع المصرى وهو يقضي بأن جميع أموال الشخص ضامنة للوفاء بديونه (م 1/234مدنی).
ويراعى أن شركة المساهمة لا تنشأ صحيحة إلا إذا كان عدد الشركاء المؤسسين لا يقل عن ثلاثة (م 1/8 من القانون رقم 159 لسنة 1981) بإصدار قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحددة.
الركن الثاني :
مساهمة كل شريك بحصة في رأس مال الشركة :
من الطبيعي أن يكون للشركة رأس مال لأنه الوسيلة إلى تحقيق غرضها وهو الكسب، ويجب أن يساهم كل الشركاء في تكوين رأس المال، ولا يعتبر شريكاً من يعفى من هذه المساهمة ولو تقرر له في العقد حق في الأرباح، ولا تعتبر علاقته بالشركاء الآخرين شركة بل عقداً آخر قد يكون هبة بالأرباح مثلاً .
ولا يلزم أن تكون الحصة التي يتعهد الشريك بتقديمها نقوداً فالأصل أن كل مال أو شيء له قيمة اقتصادية يجوز أن يكون حصة في رأس مال الشركة كالعمل أو حق لدى الغير.
ولا يلزم أن تكون الحصص كلها من نوع واحد، ولا متساوية، فيجوز أن تكون حصة البعض مالاً وحصة الآخرين عملاً ، وإذا لم يحدد رأس المال إجمالاً كانت حصة كل شريك مساوية لحصة الآخرين.
وإذا كانت الحصة مالاً، فإن هذا المال يكون عبارة عن كل عنصر في الذمة يقطعه الشريك من ماله الخاص ويدخل في رأس المال المشترك المملوك للشركة، فيشمل المنقولات المادية والعقارات والحقوق التي للشريك لدى الغير، وعموماً كل شيء يصلح أن يكون محلاً للإلتزام يصلح أن يكون حصة في الشركة.
- الركن الثالث :
نية الإشتراك أو نية التعاون عن طريق قبول أخطار معينة :
يعد توافر هذه النية عند الشركاء ركناً أساسياً في قيام الشركة، وهو عبارة عن إستقرار إرادتهم واتفاقهم على توحيد جهودهم لبلوغ هدف مشترك، وهو الغرض الذي ترمي الشركة إلى تحقيقه، ويلاحظ أن نية الاشتراك هذه أكثر ظهوراً في شركات الأشخاص منها في شركات الأموال، لكنها موجودة على كل حال.
وتوافر هذا الركن هو الذي يميز عقد الشركة عن العقود التي تشتبه به :
مثال ذلك من يقدم لشخص مبلغاً من النقود يستغله في عمل تجارى، ويشترط عليه أن يأخذ منه نصيباً من الأرباح يحدد نسبته فيه، ويستغنى بهذا عن أخذ فوائد ثابتة، هذا العقد لا يمكن اعتباره شركة لانعدام نية الإشتراك، والمقصود به هو القرض، كل ما في الأمر أن المقرض أراد أن يتفادى الاصطدام بالنصوص القانونية التي تحدد سعر الفائدة ب 7% كحد أقصى، وهو يريد أن يحصل على فوائد ربوية.
الركن الرابع : مساهمة كل شريك في الأرباح والخسائر :
يجب حتماً أن يكون الغرض من تكوين العقد والتعهد بتقديم الحصص هو استثمارها في مشروع مالی، ذي تبعة أى يحتمل الربح والخسارة، بقصد اقتسام الأرباح بين الشركاء ويقصد بالربح كل كسب نقدي أو مادي يضاف إلى ذمة الشركاء، وبهذا التعريف يخرج عن معنى الربح قصد دفع الخسارة التي تهدد الشركاء ، أو السعي إلى مجرد الاقتضاء بالحصول على منافع أو سلع بأقل من سعر السوق، فالربح کسب إيجابي يزيد من العنصر الإيجابي في ذمة الشركاء، فإذا لم يكن غاية العقد هو توزیع الربح على الشركاء لم يكن العقد شركة بل عقداً آخر كما سنرى.
والأصل أن يتأرجح مركز الشركة بين الكسب والخسارة ولا يستقر إلا عند إنتهائها وتصفيتها، ولكن جرى العرف على توزيع الأرباح عند نهاية كل سنة مالية في مواعيد دورية، ولهذا السبب قضى القانون بإلزام التاجر فرداً كان أو شركة بعمل جرد سنوى لمعرفة أصول وخصوم المتجر حتى يظهر المبلغ الذي يوزع كربح على الشركاء، بعد خصم الاحتياطي القانوني أو الاتفاقي، ولا يعتبر ربحاً جائزاً توزيعه إلا الزيادة في الأصول على الخصوم حسب قائمة الجرد والميزانية، أما إذا أسفر الجرد عن زيادة الخصوم على الأصول فمعنى ذلك أن رأس المال به عجز وتجب أولا إعادته إلى أصله ثم توزيع الربح بعد ذلك، ومتى وزع الربح توزيعاً صحيحاً في سنة فإنه لا يمكن إسترداده بعد ذلك من الشركاء، ولو منيت الشركة بخسارة فيما بعد، لأن كل سنة مستقلة عن الأخرى بحساباتها وميزانيتها، فالربح متى تم صحيحا فهو نهائی.
وتوزع الأرباح طبقاً لشروط العقد، و للأطراف حرية كبيرة في ذلك، فيجوز الاتفاق على أن تكون حصة كل منهم في الربح بنسبة مساهمته في رأس مال الشركة أو بنسبة نصيبه في الخسارة، أو على أن تكون الحصص كلها متساوية في الربح، وإذا لم تحدد هذه النسبة في العقد انطبق نص المادة 514 وهو يقضي بأنه إذا لم يبين في العقد نصيب كل من الشركاء في الربح والخسائر كان نصيب كل منهم في ذلك بنسبة حصته في رأس المال، فإذا اقتصر العقد على تعيين نصيب الشركاء في الربح وجب إعتبار هذا النصيب أيضاً في الخسارة، وكذلك الحال إذا اقتصر العقد على تعيين النصيب في الخسارة، وإذا كانت حصة أحد الشركاء مقصورة على عمله وجب أن يقدر نصيبه في الربح أو الخسارة تبعاً لما تفيده الشركة من هذا العمل، فإذا قدم عمله أو نقوداً أو أي شيء آخر كان له نصيب عن العمل وآخر عما قدمه فوقه.
قد يشتبه عقد الشركة ببعض العقود الأخرى، ومنها على سبيل المثال :
- عقد البيع .
- عقد القرض .
- عقد العمل .
- عقد المزارعة .
خصائص عقد الشركة .
1- الشركة من عقود التراضى :
ويترتب على كون الشركة من عقود التراضي ما يأتي :
أ) أنها تلزم المتعاقدين من وقت الإتفاق، كما أن الملكية في الأموال المعينة تنتقل فيها من ذلك الوقت أيضاً، مع مراعاة القواعد الخاصة بالتسجيل.
ب) أن مجرد الوعد بعقد الشركة بعد مدة معينة يكون صحيحاً وملزماً، متى كان هذا الوعد شاملاً لشروط الشركة، وإن لم ينفذ أحد الطرفين تعهده فإنه يكون ملزما بدفع تعويضات للطرف الآخر، وذلك لأن تنفيذ عقد الشركة يستلزم وجود الشركاء شخصيا فيها، والقاعدة أن كل إلتزام بعمل أو الإمتناع عنه يتحول إلى تعويض مالي عند عدم الوفاء، ويجب تطبيق هذه القاعدة في الحالة التي يكون فيها العمل مطلوباً إجراؤه من نفس شخص المتعهد لاعتبارات خاصة بحسب العقد، وعقد الشركة من العقود التي تراعى فيها مثل هذه الاعتبارات.
2 - عقد الشركة من عقود المعاوضة :
عقد الشركة من عقود المعاوضة، لأن كل شريك يقدم حصته في رأس المال، ويستولى في نظير تقديمه لهذه الحصة على نصيبه في أرباح الشركة.
ويترتب على كون الشركة من عقود المعاوضة أنه إذا لم يلتزم أحد المتعاقدين بتقديم حصة في رأس المال لا يكون العقد شركة، بل يكون عقداً آخر، ويكون صحيحاً إذا توافرت فيه الشروط القانونية اللازمة لصحة ذلك العقد، فإن لم تتوافر فيه شروط أي عقد كان باطلاً .
ويصح أن تتضمن الشركة تبرعاً مكشوفاً أو تبرعاً مستتراً أو تبرعاً غير مباشر.
3 - الشركة عقد ملزم للجانبين :
ويترتب على كون الشركة عقد ملزم للجانبين أنه إذا لم يقم أحد الشركاء بتنفيذ التزامه كتقديم حصته في الشركة أنه يجوز لأي شريك آخر طلب فسخ عقد الشركة عملاً بالمادة 157 مدنی.
وأنه لا يجوز للشريك الذي لم ينفذ إلتزامه أن يطالب الشريك الآخر بتنفيذ إلتزامه هو.
الشركة من العقود المحددة :
الشركة من العقود المحددة أي المحققة وليست من العقود الإحتمالية، لأن الشريك يعرف وقت العقد قدر ما يعطي وقدر ما أخذ، ولا ينال من ذلك إحتمال خسارة الشريك، لأن إحتمال الخسارة لا يجعل من العقد عقداً إحتمالياً .
انطباق أحكام الشركات الواردة بالتقنين المدني على الشركات المدنية والتجارية :
وردت أحكام الشركات بالتقنين المدني في المواد (505 – 537)، وهذه الأحكام تسري على كافة الشركات سواء أكانت مدنية أم تجارية، ما لم يرد نص خاص في مسألة معينة.
ولذلك تنص المادة 19 من قانون التجارة الصادر في 13 نوفمبر سنة 1883 - والتي أبقي عليها قانون التجارة الجديد على أن : "الشركات التجارية المعتبرة قانوناً ثلاثة أنواع" :
النوع الأول : شركة التضامن.
النوع الثاني : شركة التوصية.
النوع الثالث : شركة المساهمة.
وتتبع في هذه الشركات الأصول العمومية المبينة في القانون المدني والشروط المتفق عليها بين الشركاء.
- الشركات المدنية والشركات التجارية :
لم يرد نص سواء في قانون التجارة الصادر سنة 1883 أو في قانون التجارة الجديد يضع معيارا للتفرقة بين الشركات المدنية والشركات التجارية.
إلا أن المتفق عليه فقهاً أن التفرقة بين الشركات المدنية والشركات التجارية تقوم على نفس معيار التفرقة بين التاجر وغير التاجر، أي إلى طبيعة نشاطها وما تقوم به من أعمال، فإن كانت الشركة تحترف القيام بالأعمال التجارية اعتبرت شركة تجارية كإحترافها شراء منقولات بقصد بيعها وتحقيق ربح أو إحترافها القيام بعمليات الصرف أو البنوك أو أعمال التجارة البحرية أو عمليات الصناعة والإنشاءات العقارية، أما لو كان الغرض من تكوين الشركة يعد بحسب القانون عملاً مدنياً فإنها تعتبر شركة مدنية، كالشركة التي تقوم بزراعة الأرض وبيع حاصلاتها، أو ببناء عقارات بقصد تأجيرها، أو إستغلال مصادر الثروة الطبيعية كالمحاجر والمناجم، وكذلك الشركات التي تتكون من عدد من أصحاب المهن الحرة كالمحامين أو المحاسبين أو الأطباء الإدارة مكتب محاماة أو محاسبة أو عيادة طبية.
وكذلك لم يحدد التقنين المدنى شكلاً معيناً للشركة المدنية كما فعل قانون التجارة بالنسبة للشركات التجارية. وعلى ذلك يجوز للشركة المدنية أن تتخذ شكلاً لم يرد بالقانون التجاري، كأن تتحدد مسئولية الشريك عن ديون الشركة بنسبة معينة وتكون حصته غير قابلة للتداول فلا يكون هناك تضامن بين الشركاء وليس هناك واحد منهم مسئول عن كل ديون الشركة ومع ذلك تكون هذه الشركة شركة أشخاص، وهذا الشكل ممنوع على الشركة التجارية وجائز للشركة المدنية.
- اتخاذ الشركة المدنية أحد أشكال الشركات التجارية :
طالما لم يحدد القانون المدنى شكلا معينا للشركات المدنية - كما فعل قانون التجارة بالنسبة للشركات التجارية كما ذكرنا سلفا- فإنه لا يوجد ثمة ما يمنع الشركات المدنية من أن تتخذ أحد الأشكال التي نظمها قانون التجارة للشركات التجارية وهي شركات التضامن، شركات التوصية البسيطة، شركات المساهمة، شركات التوصية بالأسهم الشركات ذات المسئولية المحدودة.
وفي هذه الحالة تصبح الشركة تجارية بالرغم من أن نشاطها مدنی وتخضع لأحكام قانون التجارة ومنها القيد في السجل التجاري وإمساك الدفاتر التجارية وشهر الإفلاس.
وهذا حكم مستحدث في قانون التجارة الجديد رقم 17 لسنة 1999 إذ نصت المادة العاشرة منه على أن: "يكون تاجراً.
1 - كل من يزاول على وجه الاحتراف باسمه ولحسابه عملاً تجارياً .
2 - كل شركة تتخذ أحد الأشكال المنصوص عليها في القوانين المتعلقة بالشركات أياً كان الغرض الذي أنشئت الشركة من أجله".
والشركات التجارية على أشكال ستة، إلا أنه يمكن رد هذه الأشكال إلى ثلاث مجموعات رئيسية، نعرض لها فيما يلي:
أولاً : شركات الأشخاص :
وهي الشركات التي تقوم على الاعتبار الشخصي والثقة المتبادلة بين الشركاء، وتلعب فيها شخصية الشريك دوراً رئيسياً، بحيث لا يجوز له التنازل عن حصته إلا بقيود معينة، وبحيث تنتهي الشركة إذا ما طرأ على شخصيته ما يؤدي إلى إنعدامها فعلاً وقانوناً كالوفاة، أو إلى اهتزاز الثقة فيها كالإفلاس أو الإعسار أو الحجر مثلاً .
ويدخل تحت هذه المجموعة من الشركات شركة التضامن والتوصية البسيطة والمحاصة .
(أ) شركة التضامن :
وهي التي يكون فيها الشركاء متضامنين لجميع تعهداتها ولو لم يحصل وضع الإمضاء عليها إلا من أحدهم إنما يشترط أن يكون هذا الإمضاء بعنوان الشركة (م22 من قانون التجارة القديم).
ويكون اسم واحد من الشركاء أو أكثر عنواناً للشركة .
لا يجوز بعد إنعقاد الشركة فرض شريك آخر إلا إذا أصر الشركاء على غير ذلك :
(ب) شركة التوصية البسيطة :
هي الشركة التي تعقد بين شريك واحد أو أكثر مسئولین ومتضامين وبين شريك واحد أو أكثر يكونون أصحاب أموال فيها وخارجين عن الإدارة ويسمون موصين (م 23).
وهؤلاء الشركاء لا يسألون عن ديون الشركة إلا في حدود الحصة التي قدمها كل منهم.
وتكون إدارة هذه الشركة بعنوان ويلزم أن يكون هذا العنوان اسم واحد أو أكثر من الشركاء المسئولين المتضامنين.
ولا يجوز أن يدخل في عنوان الشركة اسم واحد من الشركاء الموصين أي أرباب المال الخارجين عن الإدارة والشركاء الموصون لا يلزمهم من الخسارة إلا بقدر المال الذي دفعوه أو الذي كان يلزمهم دفعه إلى الشركة ولا يجوز لهم أن يعملوا عملاً متعلقاً بإدارة الشركة ولو بناءً على توكيل (م 28).
وإذا أذن لأحد الشركاء الموصين بدخول اسمه في عنوان الشركة خلافاً لما هو منصوص عليه في المادة 26 فيكون ملزوماً على وجه التضامن بجميع ديون وتعهدات الشركة.
وإذا عمل أي واحد من الشركاء الموصين عملاً متعلقاً بإدارة الشركة يكون ملزوماً على وجه التضامن بديون الشركة وتعهداتها التي تنتج من العمل الذي أجراه، ويجوز أن يلزم الشريك المذكور على وجه التضامن بجميع تعهدات الشركة أو بعضها على حسب عدد وجسامة أعماله وعلى حسب ائتمان الغير له بسبب تلك الأعمال.
وإذا أبدى أحد الشركاء الموصين نصائح أو أجرى تفتيشاً أو ملاحظة فلا يترتب على ذلك إلزامه بشيء .
(ج) شركة المحاصة :
شركات المحاصة هي شركات ليس لها رأس مال ولا عنوان شركة ، وتختص هذه الشركات بعمل واحد أو أكثر من الأعمال التجارية وتراعي في ذلك العمل وفي الإجراءات المتعلقة به وفي الحصص التي تكون لكل واحد من الشركاء في الأرباح الشروط التي يتفقون عليها .
ومن عقد من المحاصين عقداً مع الغير يكون مسئولاً له دون غيره والحقوق والواجبات التي لبعض الشركاء على بعض في هذه الشركات تكون قاصرة على قسمة الأرباح بينهم أو الخسارة التي تنشأ عن أعمال الشركة سواء حصلت منهم منفردين أو مجتمعين على حسب شروطهم.
ويجوز إثبات وجود شركات المحاصة بإبراز الدفاتر والخطابات.
ولا يلزم في شركات المحاصة التجارية إتباع الإجراءات المقررة للشركات الأخرى.
ثانياً : شركات الأموال :
وهي الشركات التي تقوم على الإعتبار المالي، ولا إعتداد فيها بالاعتبار الشخصي لكل شريك، وتضم هذه المجموعة الشركات المساهمة ونعرض لتعريفها فيما يلي .
- شركات المساهمة :
شركة المساهمة هي شركة ينقسم رأس مالها إلى أسهم متساوية القيمة يمكن تداولها على الوجه المبين في القانون.
وتقتصر مسئولية المساهم على أداء قيمة الأسهم التي اكتتب فيها ولا يسأل عن ديون الشركة إلا في حدود ما اكتتب فيه من أسهم.
ويكون للشركة اسم تجاري يشتق من الغرض من إنشائها، ولا يجوز للشركة أن تتخذ من أسماء الشركاء أو اسم أحدهم عنواناً .
ثالثاً : الشركات ذات الطبيعة المختلطة :
وهي الشركات التي يمتزج فيها الاعتبار الشخصي بالاعتبار المالي، وينضوي تحت لواء هذه المجموعة .
شركة التوصية بالأسهم :
شركة التوصية بالأسهم هي شركة يتكون رأس مالها من حصة أو أكثر يملكها شريك متضامن أو أكثر. وأسهم متساوية القيمة يكتتب فيها مساهم أو أكثر، ويمكن تداولها على الوجه المبين في القانون رقم 159 لسنة 1981.
ويسأل الشريك أو الشركاء المتضامنون عن إلتزامات الشركة مسئولية غير محدودة مع الشريك المساهم فلا يكون مسئولاً إلا في حدود قيمة الأسهم التي اكتتب فيها.
ويتكون عنوان الشركة من اسم واحد أو أكثر من أسماء الشركاء المتضامنين دون غيرهم (م 3 من القانون رقم 159 لسنة 1981 ) .
ويدبر الشركة مدير أو مديرون من بين الشركاء أو غيرهم.
ويعين الشركاء المدير الأجل معين أو دون تعيين أجل.
ويعتبر المديرون المعينون في عقد تأسيس الشركة من الشركاء أو غيرهم دون بيان أجل معلوم، معينين لمدة بقاء الشركة مالم ينص العقد على غير ذلك (م 120).
2 - الشركة ذات المسئولية المحدودة :
هي شركة لا يزيد عدد الشركاء فيها على خمسين شريكاً لا يكون كل منهم مسئولاً إلا بقدر حصته.
يترتب على التفرقة بين نوعي الشركة التجارية والمدنية آثار كثيرة هامة ينتج معظمها من التفرقة بين التاجر وغير التاجر، وتجمل أهمها فيما يأتي :
1 - تخضع الشركة المدنية للقواعد المتعلقة بالشركات الواردة بالقانون المدني في المواد 505 إلى 537 وحدها، وأهمها تحديد مسئولية الشركاء عن ديون الشركة بنسبة نصيب كل منهم في خسائر الشركة ولكن بلا تضامن فيما بينهم (مادتان 523، 524)، أما الشركة التجارية فتخضع للقواعد الواردة في القانون التجاري في المواد من 19 إلى 65 والقوانين المعدلة لها.
ثم تخضع كذلك للقواعد المنصوص عليها بالقانون المدني فيما لم يرد فيه نص في القوانين التجارية، وإذا وجد تعارض بين النصوص يقدم الحكم الوارد بالقانون التجاري على ما ورد بالقانون المدني لأن القانون التجاري قانون خاص .
2 - حدد المشرع أشكال الشركات التجارية على سبيل الحصر بحيث إذا كان موضوع الشركة تجارياً وجب أن تتخذ أحد الأشكال القانونية وإلا كانت باطلة بمعنى أنه لا ينشأ عنها شخص معنوي مستقل عن الشركاء، أما الشركة المدنية فليس لها شكل محدد وكل ما في الأمر أن المشرع حدد في المادة 523 مدنی مسئولية الشركاء فيها عن ديون الشركة بنسبة نصيب كل منهم في خسائرها ما لم يتفق على نسبة أخرى، بلا تضامن بينهم إلا إذا اتفقوا على التضامن (524 مدنی)، ويجوز مع ذلك للشركة المدنية أن تتخذ شكلاً من الأشكال الواردة في القانون التجاري، إذ ليس هناك ما يمنع من ذلك، وقد أشارت إليه المادة 524 مدنی عندما قررت جواز الاتفاق في عقد الشركة على التضامن بين الشركاء في أداء ديون الشركة.
3 - تعتبر الشركة التجارية تاجرة وبالتالي تخضع لأحكام التجار، ومنها ضرورة مسك دفاتر منتظمة، والقيد في السجل التجاري، وتعرضها لإشهار إفلاسها.
أما الشركة المدنية فلا تلزم بشيء من ذلك إلا إذا ورد به نص صريح كما هو الشأن بإلتزام الشركات المدنية بالقيد في السجل التجارى (م 2 من القانون رقم 34 لسنة 1976 في شأن السجل التجارى).
4- تنشأ شخصية الشركة بمجرد إبرام عقدها سواء كانت شركة مدنية أو تجارية، ولكن لا يحتج بهذه الشخصية على الغير إلا إذا تمت إجراءات الشهر والإعلان المقررة قانوناً (م 506 مدني)، وهذه الإجراءات منصوص عليها في القانون التجاری، فلا يحتج بشخصية الشركة التجارية إلا بعد اتخاذ هذه الإجراءات، أما الشركة المدنية فيحتج بشخصيتها على الغير بمجرد تكوين عقد الشركة لأن المشرع لم ينظم إجراءات خاصة لشهر الشركات المدنية.
5- تتحدد مسئولية الشريك في الشركة المدنية بنسبة نصيبه في الخسارة ولو جاوز هذا النصيب قدر الحصة التي قدمها في رأس مال الشركة ودون تضامن بين الشركاء (مادتان 52، 524 مدنی)، أما مسئولية الشريك في الشركة التجارية فتختلف بحسب شكل الشركة.
6 - تنقضى الشركات المدنية بموت أحد الشركاء أو بالحجر عليه أو بإعساره أو بإفلاسه (المادة 528 من القانون المدني الجديد)، وكذلك في شركات التضامن وفی شركات التوصية بالنسبة إلى الشركاء المتضامنين والسبب في ذلك هو أن شخصية الشركاء ملحوظة في تكوين الشركة، أما موت أحد الشركاء الموصين في شركات التوصية أو أحد المساهمين في شركات المساهمة أو الحجر عليه أو إعساره أو إفلاسه فلا تنقضي به الشركة.
7 - الشركات التجارية فقط هي التي يجوز شهر إفلاسها.
8 - تتقادم الدعاوى التي يرفعها الغير الذي تعامل مع الشركة ضد الشركاء في الشركات التجارية بمضي خمس سنين من تاريخ إنتهاء مدة الشركة (م 65 تجاری)، بينما لا تسقط هذه الدعوى بالنسبة للشركاء في شركة مدنية إلا بمضي 15 سنة).
- وجوب اتخاذ أحد أشكال الشركات التجارية :
يجب أن تتخذ الشركة التجارية أحد الأشكال التي نص عليها القانون وإلا اعتبرت شركة باطلة، فأشكال الشركات التجارية واردة في القانون على سبيل الحصر.
وقد ربط المشرع التجاري بين شكل الشركة وبين مسئولية الشركاء، وذلك من باب التسهيل على الغير الذي يتعامل مع الشركة إذ من مصلحته أن يعرف حقوقه ضد الشركة والشركاء وسبيله إلى ذلك هو الإطمئنان إلى شكل الشركة أما بالنسبة للشركة المدنية فإن الشركاء أن ينظموا مسئوليتهم عن ديون الشركة كما يشاءون ولا تبدو أهمية الشكل الذي تتخذه الشركة المدنية في هذا الخصوص. (موسوعة الفقه والقضاء والتشريع، المستشار/ محمد عزمي البكري، الجزء/ السادس الصفحة/ 207)
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والعشرون ، الصفحة / 33
شَرِكَةُ الْعَقْدِ
تَعْرِيفُهَا
1 - عَرَّفَ الْحَنَفِيَّةُ شَرِكَةَ الْعَقْدِ بِأَنَّهَا: «عَقْدٌ بَيْنَ الْمُتَشَارِكِينَ فِي الأْصْلِ وَالرِّبْحِ» كَذَا نَقَلُوهُ عَنْ صَاحِبِ الْجَوْهَرَةِ.
وَقَيْدُ «الْمُتَشَارِكِينَ فِي الأْصْلِ » يُخْرِجُ الْمُضَارَبَةَ؛ لأِنَّ التَّشَارُكَ فِيهَا بَيْنَ الْعَامِلِ وَرَبِّ الْمَالِ إِنَّمَا هُوَ فِي الرِّبْحِ، دُونَ الأْصْلِ ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ .
وَعَرَّفَ الْحَنَابِلَةُ شَرِكَةَ الْعَقْدِ بِأَنَّهَا. «اجْتِمَاعٌ فِي تَصَرُّفٍ»، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لاَ يَشْمَلُ الْمُضَارَبَةَ، الَّتِي هِيَ عِنْدَهُمْ مِنْ أَقْسَامِ الشَّرِكَةِ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ تَعْرِيفُ بَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا: «عَقْدٌ يَثْبُتُ بِهِ حَقٌّ شَائِعٌ فِي شَيْءٍ لِمُتَعَدِّدٍ».
وَعَرَّفَهَا ابْنُ عَرَفَةَ بِقَوْلِهِ: بَيْعُ مَالِكِ كُلٍّ بَعْضَهُ بِبَعْضِ كُلِّ الآْخَرِ، مُوجِبُ صِحَّةِ تَصَرُّفِهِمَا فِي الْجَمِيعِ .
وَشَرِكَةُ الْعَقْدِ بِأَنْوَاعِهَا الثَّلاَثَةِ (أَمْوَالٌ وَأَعْمَالٌ وَوُجُوهٌ) جَائِزَةٌ سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَنَانًا أَمْ مُفَاوَضَةً.
دَلِيلُ مَشْرُوعِيَّةِ الشَّرِكَةِ:
2 - ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ شَرِكَةِ الْعَنَانِ: بِالْكِتَابِ، وَالسُّنَّةِ، وَالإْجْمَاعِ ، وَالْمَعْقُولِ:
أ - الْكِتَابُ: قوله تعالي : (وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ) .
وَالْخُلَطَاءُ هُمُ الشُّرَكَاءُ. وَلَكِنَّ هَذَا إِلَى شَرِكَةِ الْمِلْكِ أَدْنَى. ثُمَّ هُوَ قَوْلُ دَاوُدَ لِبَيَانِ شَرِيعَتِهِ، وَلاَ يَلْزَمُ اسْتِمْرَارُهَا. كَذَا قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ - عَلَى خِلاَفِ قَاعِدَةِ الْحَنَفِيَّةِ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا: فَلَعَلَّهُ تَسَاهَلَ فِيهِ لأِنَّهُ عِلاَوَةٌ فِي الرَّدِّ.
ب - (السُّنَّةُ):
1 - الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - يَرْفَعُهُ إِلَى النَّبِيِّ ، صلي الله عليه وسلم : (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: أَنَا ثَالِثُ الشَّرِيكَيْنِ، مَا لَمْ يَخُنْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَإِذَا خَانَهُ خَرَجْتُ مِنْ بَيْنِهِمَا).
(2)حَدِيثُ «السَّائِبِ بْنِ أَبِي السَّائِبِ
الْمَخْزُومِيِّ، أَنَّهُ كَانَ شَرِيكَ النَّبِيِّ فِي أَوَّلِ الإْسْلاَمِ فِي التِّجَارَةِ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ، قَالَ النَّبِيُّ ، صلي الله عليه وسلم : مَرْحَبًا بِأَخِي وَشَرِيكِي، لاَ يُدَارِي وَلاَ يُمَارِي» .
(3)حَدِيثُ أَبِي الْمِنْهَالِ عِنْدَ أَحْمَدَ: «أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ، وَالْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ، كَانَا شَرِيكَيْنِ، فَاشْتَرَيَا فِضَّةً بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ ، صلي الله عليه وسلم فَأَمَرَهُمَا أَنَّ مَا كَانَ بِنَقْدٍ فَأَجِيزُوهُ، وَمَا كَانَ بِنَسِيئَةٍ فَرُدُّوهُ» وَهُوَ بِمَعْنَاهُ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَفِي لَفْظِهِ: «مَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ فَخُذُوهُ وَمَا كَانَ نَسِيئَةً فَرُدُّوهُ» .
وَفِيهِ تَقْرِيرٌ صَرِيحٌ. وَهَذَا مِثْلُ وَاحِدٍ مِنْ تَقْرِيرَاتٍ كَثِيرَةٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهَا عَلَى الْجُمْلَةِ؛ لأِنَّ أَكْثَرَ عَمَلِ الْقَوْمِ، فِي صَدْرِ الدَّعْوَةِ، كَانَ التِّجَارَةَ وَالْمُشَارَكَةَ فِيهَا، وَلِذَا يَقُولُ الْكَمَالُ: إِنَّ التَّعَامُلَ بِالشَّرِكَةِ مِنْ لَدُنِ النَّبِيِّ ، صلي الله عليه وسلم وَهَلُمَّ جَرَّا، مُتَّصِلٌ لاَ يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِثْبَاتِ حَدِيثٍ بِعَيْنِهِ، وَهُوَ قَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ: أَنَّهُ ، صلي الله عليه وسلم بُعِثَ وَالنَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهَا فَقَرَّرَهُمْ عَلَيْهَا .
ج - الإْجْمَاعُ: فَقَدْ كَانَ النَّاسُ وَمَا زَالُوا، يَتَعَامَلُونَ بِهَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، وَفُقَهَاءُ الأْمْصَارِ شُهُودٌ، فَلاَ يَرْتَفِعُ صَوْتٌ بِنَكِيرٍ .
د - الْمَعْقُولُ: فَإِنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ طَرِيقٌ مِنْ طُرُقِ اسْتِثْمَارِ الْمَالِ وَتَنْمِيَتِهِ، تَمَسُّ إِلَيْهِ حَاجَةُ النَّاسِ، قَلَّتْ أَمْوَالُهُمْ أَوْ كَثُرَتْ، كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ مَلْمُوسٌ، حَتَّى لَقَدْ كَادَتِ الشَّرِكَاتُ التِّجَارِيَّةُ الْكُبْرَى، الَّتِي يَسْتَحِيلُ عَادَةً عَلَى تَاجِرٍ وَاحِدٍ تَكْوِينُهَا، أَنْ تَكُونَ طَابِعَ هَذَا الْعَصْرِ الَّذِي نَعِيشُ فِيهِ. هَذَا مِنْ جَانِبٍ، وَمِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ، لَيْسَ فِي تَطْبِيقِ شَرِكَةِ الْعَنَانِ شَيْءٌ يَنْبُو بِشَرْعِيَّتِهَا: فَمَا هِيَ فِي حَقِيقَةِ الأْمْرِ سِوَى ضَرْبٍ مِنَ الْوَكَالَةِ إِذْ حَلَّ شَرِيكٌ وَكِيلٌ عَنْ شَرِيكِهِ. وَالْوَكَالَةُ لاَ نِزَاعَ فِي شَرْعِيَّتِهَا إِذَا انْفَرَدَتْ، فَكَانَتْ مِنْ وَاحِدٍ لآِخَرَ، فَكَذَا إِذَا تَعَدَّدَتْ، فَكَانَتْ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ: أَعْنِي أَنَّهُ وُجِدَ الْمُقْتَضِي وَانْتَفَى الْمَانِعُ - كَمَا يَقُولُونَ، وَإِذَا كَانَتْ تَتَضَمَّنُ وَكَالَةً فِي مَجْهُولٍ، فَهَذَا شَيْءٌ يُغْتَفَرُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ؛ لأِنَّهُ تَبَعٌ لاَ مَقْصُودٌ، وَالشَّيْءُ يُغْتَفَرُ فِيهِ تَبَعًا مَا لاَ يُغْتَفَرُ اسْتِقْلاَلاً.
وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ مِنْ شَرِكَةِ الأْمْوَالِ فَلَيْسَ فِي جَوَازِهَا نَصٌّ ثَابِتٌ وَإِنَّمَا أَجَازَهَا الْحَنَفِيَّةُ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ ، صلي الله عليه وسلم قَالَ: «فَاوِضُوا، فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ» وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ. وَقَدْ يُحْتَجُّ فِي جَوَازِهَا بِالْبَرَاءَةِ الأْصْلِ يَّةِ: فَالأْصْلُ الْجَوَازُ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْمَنْعِ - وَلاَ دَلِيلَ .
3 - وَمَنَعَهَا الشَّافِعِيَّةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ فِي مَجْهُولٍ، وَالْكَفَالَةَ بِمَجْهُولٍ لِمَجْهُولٍ، وَكِلاَهُمَا بَاطِلٌ عَلَى انْفِرَادٍ، فَمَا تَضَمَّنَهُمَا مَعًا أَشَدُّ بُطْلاَنًا.
4 - وَأَمَّا شَرِكَتَا الأْعْمَالِ وَالْوُجُوهِ فَتَجُوزُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ، وَكَذَا الْمَالِكِيَّةُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ خَاصَّةً.
وَيُسْتَدَلُّ لِلْجَوَازِ بِمَا يَلِي:
أَوَّلاً - بِالْبَرَاءَةِ الأْصْلِ يَّةِ: فَالأْصْلُ فِي الْعُقُودِ كُلِّهَا الصِّحَّةُ، حَتَّى يَقُومَ دَلِيلُ الْفَسَادِ، وَلاَ دَلِيلَ.
ثَانِيًا - أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إِلَيْهِمَا، وَتَصْحِيحُهُمَا مُمْكِنٌ بِطَرِيقِ التَّوْكِيلِ الضِّمْنِيِّ مِنْ كُلِّ شَرِيكٍ لِشَرِيكِهِ، لِيَقَعَ تَصَرُّفُ كُلِّ وَاحِدٍ وَالرِّبْحُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَيْهِ لِلْجَمِيعِ، فَلاَ مَعْنَى لِلْحُكْمِ بِبُطْلاَنِهِمَا.
وَأَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنَّ شَرِكَةَ الأْعْمَالِ : وَشَرِكَةَ الْوُجُوهِ؛ بَاطِلَتَانِ لِعَدَمِ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ فِيهِمَا وَلِلْغَرَرِ فِي شَرِكَةِ الأْعْمَالِ وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى بُطْلاَنِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لأِنَّ هَا مِنْ بَابِ الضَّمَانِ بِجُعْلٍ وَمِنْ بَابِ السَّلَفِ الَّذِي يَجُرُّ نَفْعًا وَسَمَّوْهَا شَرِكَةَ الذِّمَمِ .
تَقْسِيمُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ مَحَلِّهَا:
5 - تَنْقَسِمُ الشَّرِكَةُ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إِلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ:
1- شَرِكَةُ أَمْوَالٍ.
2 - شَرِكَةُ أَعْمَالٍ.
3 - شَرِكَةُ وُجُوهٍ.
ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا كَانَ رَأْسُ مَالِ الشَّرِكَةِ نُقُودًا، كَانَتْ شَرِكَةَ أَمْوَالٍ، وَإِنْ كَانَ الْعَمَلَ لِلْغَيْرِ كَانَتْ شَرِكَةَ أَعْمَالٍ، (شَرِكَةَ صَنَائِعَ)، وَتُسَمَّى أَيْضًا شَرِكَةَ أَبْدَانٍ .
وَتُسَمَّى كَذَلِكَ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ: لأِنَّ التَّقَبُّلَ قَدْ يَكُونُ مِمَّنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِأَيِّ عَمَلٍ لِلْغَيْرِ سِوَى التَّقَبُّلِ نَفْسِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ تَحْصُلُ بِهِ هَذِهِ الشَّرِكَةُ؛ لأِنَّهُ مُلْزِمٌ لِشَرِيكِهِ الْقَادِرِ، فَهُمَا شَرِيكَانِ بِالتَّقَبُّلِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ مَا تَقُومُ الشَّرِكَةُ عَلَيْهِ مَا لِلشَّرِيكَيْنِ أَوْ لِلشُّرَكَاءِ مِنْ وَجَاهَةٍ عِنْدَ النَّاسِ وَمَنْزِلَةٍ تَصْلُحُ لِلاِسْتِغْلاَلِ، فَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ وُجُوهٍ. وَلِعَدَمِ رَأْسِ الْمَالِ فِيهَا، وَغَلَبَةِ وُقُوعِهَا بَيْنَ الْمُعْدِمِينَ - تُسَمَّى: شَرِكَةَ الْمَفَالِيسِ.
هَذَا عَلَى الإْجْمَالِ. أَمَّا التَّفْصِيلُ:
6 - فَشَرِكَةُ الأْمْوَالِ : عَقْدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ، عَلَى أَنْ يَتَّجِرُوا فِي رَأْسِ مَالٍ لَهُمْ، وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ. سَوَاءٌ عُلِمَ مِقْدَارُ رَأْسِ الْمَالِ عِنْدَ الْعَقْدِ أَمْ لاَ؛ لأِنَّهُ يُعْلَمُ عِنْدَ الشِّرَاءِ، وَسَوَاءٌ شَرَطُوا أَنْ يُشْرَكُوا جَمِيعًا فِي كُلِّ شِرَاءٍ وَبَيْعٍ، أَمْ شَرَطُوا أَنْ يَنْفَرِدَ كُلُّ وَاحِدٍ بِصَفَقَاتِهِ، أَمْ أَطْلَقُوا. وَلَيْسَ حَتْمًا أَنْ يَقَعَ الْعَقْدُ بِلَفْظِ التِّجَارَةِ، بَلْ يَكْفِي مَعْنَاهَا: كَأَنْ يَقُولَ الشَّرِيكَانِ: اشْتَرَكْنَا فِي مَالِنَا هَذَا، عَلَى أَنْ نَشْتَرِيَ وَنَبِيعَ، وَنَقْسِمَ الرِّبْحَ مُنَاصَفَةً.
7 - وَأَمَّا شَرِكَةُ الأْعْمَالِ : فَهِيَ: أَنْ يَتَعَاقَدَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلُوا نَوْعًا مُعَيَّنًا مِنَ الْعَمَلِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ لَكِنَّهُ عَامٌّ، وَأَنْ تَكُونَ الأْجْرَةُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَذَلِكَ كَالْخِيَاطَةِ، وَالصِّبَاغَةِ، وَالْبِنَاءِ، وَتَرْكِيبِ الأْدَوَاتِ الصِّحِّيَّةِ أَوْ كُلِّ مَا يُتَقَبَّلُ، فَلاَ بُدَّ مِنَ التَّعَاقُدِ قَبْلَ التَّقَبُّلِ فَلَوْ تَقَبَّلَ ثَلاَثَةُ أَشْخَاصٍ عَمَلاً، دُونَ تَعَاقُدٍ سَابِقٍ عَلَى الشَّرِكَةِ، لَمْ يَكُونُوا شُرَكَاءَ: وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُ الْعَمَلِ، فَإِنْ قَامَ بِالْعَمَلِ كُلِّهِ أَحَدُهُمْ كَانَ مُتَبَرِّعًا بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَلاَ يَسْتَحِقُّ - قَضَاءً - سِوَى ثُلُثِ الأْجْرَةِ.
وَلاَ بُدَّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ التَّقَبُّلُ حَقًّا لِكُلِّ شَرِيكٍ وَإِنْ وَقَعَ الاِتِّفَاقُ عَلَى أَنْ يُبَاشِرَهُ مِنْهُمْ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ، وَيَعْمَلَ الآْخَرُ. وَلِذَا يَقُولُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمُحِيطِ: «لَوْ قَالَ صَاحِبُ الدُّكَّانِ أَنَا أَتَقَبَّلُ، وَلاَ تَتَقَبَّلْ أَنْتَ، وَأَطْرَحُ عَلَيْكَ تَعْمَلُ بِالنِّصْفِ، لاَ يَجُوزُ» وَمِنْ هُنَا يَقُولُ ابْنُ عَابِدِينَ: الشَّرْطُ عَدَمُ نَفْيِ التَّقَبُّلِ عَنْ أَحَدِهِمَا، لاَ التَّنْصِيصُ عَلَى تَقَبُّلِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَلاَ عَلَى عَمَلِهِمَا؛ لأِنَّهُ إِذَا اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ أَحَدُهُمَا وَيَعْمَلَ الآْخَرُ، بِلاَ نَفْيٍ، كَانَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا التَّقَبُّلُ وَالْعَمَلُ، لِتَضَمُّنِ الشَّرِكَةِ الْوَكَالَةَ. هَذَا قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ، وَمِثْلُهُ فِي الْجُمْلَةِ لِلْحَنَابِلَةِ، لَكِنَّهُمْ أَضَافُوا الاِشْتِرَاكَ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ .
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ شَرِكَةَ الأْبْدَانِ نَوْعَانِ:
النَّوْعُ الأْوَّلُ: شَرِكَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِبَعْضِ الأْعْمَالِ ، دُونَ بَعْضٍ، كَنِجَارَةٍ، أَوْ حِدَادَةٍ، اتَّفَقَ الْعَمَلاَنِ أَمِ اخْتَلَفَا.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: شَرِكَةٌ مُطْلَقَةٌ، لَمْ تُقَيَّدْ بِذَلِكَ: كَأَنْ يَتَّفِقَا عَلَى الاِشْتِرَاكِ فِي أُجْرَةِ مَا يَعْمَلاَنِهِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ .
8 - وَأَمَّا شَرِكَةُ الْوُجُوهِ: فَهِيَ أَنْ يَتَعَاقَدَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ، بِدُونِ ذِكْرِ رَأْسِ مَالٍ، عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا نَسِيئَةً وَيَبِيعَا نَقْدًا، وَيَقْتَسِمَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ ضَمَانِهِمَا لِلثَّمَنِ .
وَكَذَلِكَ هِيَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَابْنِ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، إِذْ جَعَلاَ الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى قَدْرِ الْمِلْكِ، لِئَلاَّ يَلْزَمَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ. وَلَكِنَّ جَمَاهِيرَهُمْ جَعَلُوا الرِّبْحَ فِيهَا عَلَى مَا تَشَارَطَ الشَّرِيكَانِ، كَشَرِكَةِ الْعَنَانِ: لأِنَّ فِيهَا مِثْلَهَا عَمَلاً وَغَيْرَهُ، سِيَّمَا مَعَ مُلاَحَظَةِ تَفَاوُتِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَهَارَةِ التِّجَارِيَّةِ، وَالْوَجَاهَةِ عِنْدَ النَّاسِ. بَلْ نَظَرَ ابْنُ قُدَامَةَ إِلَى مَآلِ أَمْرِهَا، فَأَنْكَرَ خُلُوَّهَا مِنَ الْمَالِ.
9 - وَأَمَّا الْمُضَارَبَةُ: فَسَيَأْتِي تَعْرِيفُهَا وَأَحْكَامُهَا فِي بَحْثِهَا الْخَاصِّ بِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. (انْظُرْ: مُضَارَبَةٌ).
تَقْسِيمُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ التَّسَاوِي وَالتَّفَاوُتِ
10 - وَالْمُرَادُ التَّسَاوِي وَالتَّفَاوُتُ فِي أُمُورٍ خَمْسَةٍ:
1) رَأْسُ مَالِ الشَّرِكَةِ: الشَّامِلُ لِكُلِّ مَالٍ لِلشَّرِيكَيْنِ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ (نُقُودٌ).
2 ) كُلُّ تَصَرُّفٍ تِجَارِيٍّ فِي رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ.
3) الرِّبْحُ.
(4) كَفَالَةُ مَا يَلْزَمُ كُلًّا مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ.
5 ) أَهْلِيَّةُ التَّصَرُّفِ .
وَتَنْقَسِمُ شَرِكَةُ الْعَقْدِ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إِلَى قِسْمَيْنِ:
(1) شَرِكَةُ مُفَاوَضَةٍ. (2) شَرِكَةُ عَنَانٍ.
27 -َشَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ: الَّتِي يَتَوَافَرُ فِيهَا تَسَاوِي الشُّرَكَاءِ فِي هَذِهِ الأْمُورِ الْخَمْسَةِ ، مِنْ ابْتِدَاءِ الشَّرِكَةِ إِلَى انْتِهَائِهَا؛ لأِنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ مِنَ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَسْخُهَا مَتَى شَاءَ، فَأُعْطِيَ دَوَامُهَا حُكْمَ ابْتِدَائِهَا، وَشُرِطَتْ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ أَيْضًا .
وَسَيَأْتِي فِي الشَّرَائِطِ شَرْحُ هَذِهِ الأْمُورِ الْخَمْسَةِ فِي بَيَانٍ وَافٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَشَرِكَةُ الْعَنَانِ (بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا) هِيَ الَّتِي لاَ يُوجَدُ فِيهَا هَذَا التَّسَاوِي: بِأَنْ لَمْ يُوجَدْ أَصْلاً، أَوْ وُجِدَ عِنْدَ الْعَقْدِ وَزَالَ بَعْدَهُ: كَأَنْ كَانَ الْمَالاَنِ مُتَسَاوِيَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ ثُمَّ ارْتَفَعَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَنْقَلِبُ عَنَانًا بِمُجَرَّدِ (هَذَا الاِرْتِفَاعِ) وَهَلْ تَبْطُلُ الْكَفَالَةُ؟.. الظَّاهِرُ نَعَمْ؛ لأِنَّ هَا كَفَالَةٌ لِمَجْهُولٍ، فَلاَ تَصِحُّ إِلاَّ ضِمْنًا، وَالْعَنَانُ لاَ تَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ، فَتَكُونُ فِيهَا مَقْصُودَةً وَهِيَ مَقْصُودَةٌ لاَ تَصِحُّ لِمَجْهُولٍ، لَكِنَّ الَّذِي فِي الْخَانِيَّةِ هُوَ الصِّحَّةُ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّهَا فِي الشَّرِكَةِ تَبَعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَوْ صَرَّحَ بِهَا .
وَلَمْ يَشْتَرِطِ الْمَالِكِيَّةُ الْمُسَاوَاةَ فِي هَذِهِ الأْمُورِ الْخَمْسَةِ لِصِحَّةِ الْمُفَاوَضَةِ. بَلْ كُلُّ مَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ طَبِيعَتَيْ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ وَشَرِكَةِ الْعَنَانِ، أَنَّ كُلًّا مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ يُطْلِقُ التَّصَرُّفَ لِشَرِيكِهِ وَلاَ يُحْوِجُهُ إِلَى مُرَاجَعَتِهِ وَأَخْذِ مُوَافَقَتِهِ فِي كُلِّ تَصَرُّفٍ مِنْ تَصَرُّفَاتِهِ لِلشَّرِكَةِ، بِخِلاَفِ الْعَنَانِ، فَإِنَّهَا لاَ بُدَّ فِيهَا مِنْ ذَلِكَ .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَلِلْمُفَاوَضَةِ عِنْدَهُمْ مَعْنَيَانِ: أَحَدُهُمَا: الشَّرِكَاتُ الأْرْبَعُ مُجْتَمِعَةً: الْعَنَانُ، وَالْمُضَارَبَةُ، وَالأْبْدَانُ، وَالْوُجُوهُ: فَإِذَا فَوَّضَ كُلٌّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ لِصَاحِبِهِ الْمُضَارَبَةَ وَتَصَرُّفَاتِ سَائِرِ هَذِهِ الشَّرِكَاتِ صَحَّتِ الشَّرِكَةُ؛ لأِنَّ هَا مَجْمُوعُ شَرِكَاتٍ صَحِيحَةٍ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَاهُ، وَالْخَسَارَةُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ.
ثَانِيهُمَا: أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا. وَهَذَا صَحِيحٌ أَيْضًا لَكِنْ بِشَرِيطَةِ أَنْ لاَ يُدْخِلاَ فِيهِ كَسْبًا نَادِرًا وَلاَ غَرَامَةً - وَإِلاَّ اخْتُصَّ كُلُّ شَرِيكٍ بِمَا يَسْتَفِيدُهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ عَمَلِهِ، وَبِمَا يَلْزَمُهُ مِنْ ضَمَانَاتٍ فَكُلُّ نَفْسٍ (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) .
مِثَالُ الْكَسْبِ النَّادِرِ. اللُّقَطَةُ وَالرِّكَازُ وَالْمِيرَاثُ.
وَمِثَالُ الْغَرَامَاتِ: مَا يَلْزَمُ بِكَفَالَةٍ، أَوْ غَصْبٍ، أَوْ جِنَايَةٍ، أَوْ تَلَفِ عَارِيَّةً .
وَهَذَا النَّوْعُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْحَنَابِلَةُ تَسَاوِيَ الْمَالَيْنِ، وَلاَ تَسَاوِيَ الشَّرِيكَيْنِ فِي أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ.
تَقْسِيمُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ بِاعْتِبَارِ
الْعُمُومِ وَالْخُصُوصِ
11 - يَقْسِمُ الْحَنَفِيَّةُ الشَّرِكَةَ بِهَذَا الاِعْتِبَارِ إِلَى:
1( مُطْلَقَةٌ.
2) مُقَيَّدَةٌ.
فَالْمُطْلَقَةُ: هِيَ الَّتِي لَمْ تُقَيَّدْ بِشَرْطٍ جَعْلِيٍّ أَمْلَتْهُ إِرَادَةُ شَرِيكٍ أَوْ أَكْثَرَ: بِأَنْ تُقَيَّدَ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَتَاجِرِ دُونَ شَيْءٍ، وَلاَ زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ، وَلاَ مَكَانٍ دُونَ مَكَانٍ، وَلاَ بِبَعْضِ الأْشْخَاصِ دُونَ بَعْضٍ إِلَخْ.. كَأَنِ اشْتَرَكَ الشَّرِيكَانِ فِي كُلِّ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ وَأَطْلَقَا فَلَمْ يَتَعَرَّضَا لأِكْثَرَ مِنْ هَذَا الإْطْلاَقِ بِشِقَّيْهِ: الزَّمَانِيِّ وَغَيْرِهِ يَكُونُ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ. أَمَّا فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فَلاَ بُدَّ مِنَ الإْطْلاَقِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، كَمَا هُوَ صَرِيحُ الْهِدَايَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُقَيَّدَةً بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ . وَالإْطْلاَقُ الزَّمَانِيُّ احْتِمَالٌ مِنَ احْتِمَالاَتِهَا، وَلَيْسَ بِحَتْمٍ.
وَالْمُقَيَّدَةُ: هِيَ الَّتِي قُيِّدَتْ بِذَلِكَ: كَالَّتِي تُقَيَّدُ بِبَعْضِ الأْشْيَاءِ أَوِ الأْزْمَانِ أَوِ الأْمْكِنَةِ، كَأَنْ تُقَيَّدَ بِالْحُبُوبِ أَوِ الْمَنْسُوجَاتِ أَوِ السَّيَّارَاتِ أَوِ الْبِقَالاَتِ، أَوْ تُقَيَّدَ بِمَوْسِمِ قُطْنِ هَذَا الْعَامِ، أَوْ بِبِلاَدِ هَذِهِ الْمُحَافَظَةِ. وَالتَّقْيِيدُ بِبَعْضِ الْمَتَاجِرِ دُونَ بَعْضٍ، لاَ يَتَأَتَّى فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، أَمَّا التَّقْيِيدُ بِبَعْضِ الأْوْقَاتِ دُونَ بَعْضٍ فَيَكُونُ فِيهَا وَفِي الْعَنَانِ.
وَتَنَوُّعُ الشَّرِكَةِ إِلَى مُطْلَقَةٍ وَمُقَيَّدَةٍ، بِمَا فِيهَا الْمُقَيَّدَةُ بِالزَّمَانِ، يُوجَدُ فِي سَائِرِ الْمَذَاهِبِ الْفِقْهِيَّةِ، وَمِمَّا يَنُصُّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ، أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْيِيدُ تَصَرُّفِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَإِطْلاَقُ تَصَرُّفِ الآْخَرِ. إِلاَّ أَنَّهُ حُكِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْفِقْهِ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يُعَيَّنَ لِكُلِّ شَرِيكٍ نِطَاقُ تَصَرُّفِهِ، وَيَحْتَمِلُ كَلاَمُ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ إِبْطَالَ الشَّرِكَةِ بِالتَّأْقِيتِ، وَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ عِنْدَهُمْ أَيْضًا صِحَّةُ الشَّرِكَةِ مَعَ عَدَمِ لُزُومِ الأْجَلِ .
شَرِكَةُ الْجَبْرِ:
12 - هَذَا نَوْعٌ انْفَرَدَ الْمَالِكِيَّةُ بِإِثْبَاتِهِ، وَتَمَسَّكُوا فِيهِ بِقَضَاءِ عُمَرَ. وَحَدَّهَا بَعْضُهُمْ بِأَنَّهَا: «اسْتِحْقَاقُ شَخْصٍ الدُّخُولَ مَعَ مُشْتَرِي سِلْعَةٍ لِنَفْسِهِ مِنْ سُوقِهَا الْمُعَدِّ لَهَا، عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ» وَسَيَتَّضِحُ بِاسْتِعْرَاضِ شَرَائِطِهَا: فَقَدْ ذَكَرُوا لَهَا سَبْعَ شَرَائِطَ:
ثَلاَثَةً خَاصَّةً بِالسِّلْعَةِ وَهِيَ:
1 ( أَنْ تُشْتَرَى بِسُوقِهَا الْمُعَدِّ لِبَيْعِهَا - لاَ بِدَارٍ اتِّفَاقًا، وَلاَ بِزُقَاقٍ، نَافِذٍ أَوْ غَيْرِ نَافِذٍ، عَلَى الْمُعْتَمَدِ.
2 ( أَنْ يَكُونَ شِرَاؤُهَا لِلتِّجَارَةِ، وَيُصَدَّقُ الْمُشْتَرِي فِي نَفْيِ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ - إِلاَّ أَنْ تُكَذِّبَهُ قَرَائِنُ الأْحْوَالِ: كَكَثْرَةِ مَا يَدَّعِي شِرَاءَهُ لِلْقِنْيَةِ أَوِ الْعُرْسِ مَثَلاً.
3) أَنْ تَكُونَ التِّجَارَةُ الْمَقْصُودَةُ بِالشِّرَاءِ فِي نَفْسِ بَلَدِ الشِّرَاءِ، لاَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَلَوْ جِدُّ قَرِيبٍ .
وَثَلاَثَةً خَاصَّةً بِالشَّرِيكِ الْمُقْحَمِ:
1( أَنْ يَحْضُرَ الشِّرَاءَ.
2( أَنْ لاَ يُزَايِدَ عَلَى الْمُشْتَرِي.
3) أَنْ يَكُونَ مِنْ تُجَّارِ السِّلْعَةِ الْمُشْتَرَاةِ.
وَاعْتَمَدُوا أَنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تُجَّارِ هَذَا السُّوقِ.
وَشَرِيطَةً وَاحِدَةً فِي الشَّارِيَ: أَنْ لاَ يُبَيِّنَ لِمَنْ حَضَرَ مِنَ التُّجَّارِ أَنَّهُ يُرِيدُ الاِسْتِئْثَارَ بِالسِّلْعَةِ، وَلاَ يَقْبَلَ الشَّرِكَةَ فِيهَا، فَمَنْ شَاءَ أَنْ يُزَايِدَ فَلْيَفْعَلْ.
فَإِذَا تَوَافَرَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ جَمِيعُهَا ثَبَتَ حَقُّ الإْجْبَارِ عَلَى الشَّرِكَةِ لِمَنْ حَضَرَ مِنَ التُّجَّارِ، مَهْمَا طَالَ الأْمَدُ - مَا دَامَتِ السِّلْعَةُ الْمُشْتَرَاةُ بَاقِيَةً. وَيُسْجَنُ الشَّارِي حَتَّى يَقْبَلَ الشَّرِكَةَ إِذَا امْتَنَعَ مِنْهَا. وَهُنَاكَ احْتِمَالٌ آخَرُ بِسُقُوطِ هَذَا الْحَقِّ بِمُضِيِّ سَنَةٍ كَالشُّفْعَةِ.
أَمَّا الشَّارِي، فَلَيْسَ لَهُ مَعَ تَوَافُرِ الشَّرَائِطِ إِجْبَارُ مَنْ حَضَرَ مِنَ التُّجَّارِ عَلَى مُشَارَكَتِهِ فِي السِّلْعَةِ لِسَبَبٍ مَا - كَتَحَقُّقِ الْخَسَارَةِ أَوْ تَوَقُّعِهَا - إِلاَّ إِذَا قَالُوا لَهُ أَثْنَاءَ السَّوْمِ:
أَشْرِكْنَا، فَأَجَابَ: بِنَعَمْ أَوْ سَكَتَ.
وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ كَلاَمِهِمْ تَنْزِيلُ قَوْلِ التُّجَّارِ: أَشْرِكْنَا - مَعَ إِجَابَةٍ بِنَعَمْ - مَنْزِلَةَ حُضُورِهِمُ الشِّرَاءَ: فَلاَ يَضِيرُ إِذَنِ انْصِرَافُهُمْ قَبْلَ إِتْمَامِ الصَّفْقَةِ. بِخِلاَفِ مَا إِذَا خَرَجَ بِالصَّمْتِ عَنْ «لاَ وَنَعَمْ» إِلاَّ أَنَّ مِنْ حَقِّهِمْ حِينَئِذٍ أَنْ يُحَلِّفُوهُ: مَا اشْتَرَى عَلَيْهِمْ .
صِيغَةُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ:
13 - تَنْعَقِدُ الشَّرِكَةُ بِالإْيجَابِ وَالْقَبُولِ: مِثَالُ ذَلِكَ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ فِي الأْمْوَالِ : أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لآِخَرَ: شَارَكْتُكَ فِي أَلْفِ دِينَارٍ مُنَاصَفَةً، عَلَى أَنْ نَتَّجِرَ بِهَا وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَنَا مُنَاصَفَةً كَذَلِكَ: وَيُطْلِقُ، أَوْ يُقَيِّدُ الاِتِّجَارَ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ - كَتِجَارَةِ الْمَنْسُوجَاتِ الصُّوفِيَّةِ، أَوِ الْمَنْسُوجَاتِ مُطْلَقًا، فَيَقْبَلُ الآْخَرُ.
وَمِثَالُهُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فِي الأْمْوَالِ : أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لآِخَرَ - وَهُمَا حُرَّانِ بَالِغَانِ مُسْلِمَانِ أَوْ ذِمِّيَّانِ - شَارَكْتُكَ فِي كُلِّ نُقُودِي وَنَقْدِكَ (وَنَقُودُ هَذَا تُسَاوِي نُقُودَ ذَاكَ) عَلَى أَنْ نَتَّجِرَ بِهَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ عَنِ الآْخَرِ بِدُيُونِ التِّجَارَةِ، فَيَقْبَلُ الآْخَرُ.
14 - وَتَقُومُ دَلاَلَةُ الْفِعْلِ مَقَامَ دَلاَلَةِ اللَّفْظِ . فَلَوْ أَنَّ شَخْصًا مَا أَخْرَجَ جَمِيعَ مَا يَمْلِكُ مِنْ نَقْدٍ، وَقَالَ لآِخَرَ: أَخْرِجْ مِثْلَ هَذَا وَاشْتَرِ، وَمَا رَزَقَ اللَّهُ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ بَيْنَنَا عَلَى التَّسَاوِي أَوْ لَكَ فِيهِ الثُّلُثَانِ وَلِيَ الثُّلُثُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمِ الآْخَرُ، وَلَكِنَّهُ أَخَذَ وَأَعْطَى وَفَعَلَ كَمَا أَشَارَ صَاحِبُهُ - فَهَذِهِ شَرِكَةُ عَنَانٍ صَحِيحَةٌ. وَمِثْلُ ذَلِكَ يَجِيءُ أَيْضًا فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: كَأَنْ يُخْرِجَ هَذَا كُلَّ مَا يَمْلِكُ مِنَ النُّقُودِ، وَيَقُولَ لِصَاحِبِهِ الَّذِي لاَ يَمْلِكُ مِنَ النُّقُودِ إِلاَّ مِثْلَ هَذَا الْقَدْرِ: أَخْرِجْ مِثْلَ هَذَا، عَلَى أَنْ نَتَّجِرَ بِمَجْمُوعِ الْمَالَيْنِ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَنَا عَلَى سَوَاءٍ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا كَفِيلٌ عَنِ الآْخَرِ بِدُيُونِ التِّجَارَةِ، فَلاَ يَتَكَلَّمُ صَاحِبُهُ هَذَا، وَإِنَّمَا يَفْعَلُ مِثْلَ مَا أَشَارَ. هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ.
15 - وَالاِكْتِفَاءُ بِدَلاَلَةِ الْفِعْلِ، هُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. إِذْ هُمْ لاَ يَعْتَبِرُونَ فِي الصِّيغَةِ هُنَا إِلاَّ مَا يَدُلُّ عَلَى الإْذْنِ عُرْفًا، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلِ الأَْلْفَاظِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا - كَالْكِتَابَةِ وَإِشَارَةِ الأْخْرَسِ الْمُفْهِمَةِ.
وَلِذَا يَنُصُّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُ اثْنَيْنِ لِلآْخَرِ: شَارِكْنِي، فَرَضِيَ بِالسُّكُوتِ، كَفَى، وَأَنَّهُ يَكْفِي خَلْطُ الْمَالَيْنِ، أَوِ الشُّرُوعُ فِي أَعْمَالِ التِّجَارَةِ لِلشَّرِكَةِ. كَمَا يَنُصُّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي أَنْ يَتَكَلَّمَا فِي الشَّرِكَةِ، ثُمَّ يُحْضِرَا الْمَالَ عَنْ قُرْبٍ، وَيَشْرَعَا فِي الْعَمَلِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تُغْنِي دَلاَلَةُ الْفِعْلِ عَنِ اللَّفْظِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، لأِنَّ الأَْصْلَ حِفْظُ الأْمْوَالِ عَلَى أَرْبَابِهَا، فَلاَ يَنْتَقِلُ عَنْهُ إِلاَّ بِدَلاَلَةٍ لَهَا فَضْلُ قُوَّةٍ - حَتَّى لَقَدْ ضَعَّفَ الشَّافِعِيَّةُ وَجْهًا عِنْدَهُمْ بِانْعِقَادِ الشَّرِكَةِ بِلَفْظِ: اشْتَرَكْنَا - لِدَلاَلَتِهِ عُرْفًا عَلَى الإْذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، وَرَأَوْا أَنْ لاَ كِفَايَةَ فِيهِ حَتَّى يَقْتَرِنَ بِالإْذْنِ فِي التَّصَرُّفِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ - لاِحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ إِخْبَارًا عَنْ شَرِكَةٍ مَاضِيَةٍ، أَوْ عَنْ شَرِكَةِ مِلْكٍ قَائِمَةٍ لاَ تَصَرُّفَ فِيهَا. وَهُمْ يُصَحِّحُونَ انْعِقَادَهَا شَرِكَةَ عَنَانٍ بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ، إِذَا اقْتَرَنَ بِنِيَّةِ الْعَنَانِ، وَإِلاَّ فَلَغْوٌ، إِذْ لاَ مُفَاوَضَةَ عِنْدَهُمْ: وَغَايَةُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لَفْظُهَا عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ كِنَايَةَ عَنَانٍ - بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْعُقُودِ بِالْكِنَايَاتِ .
وَمِثَالُ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فِي التَّقَبُّلِ: أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لآِخَرَ وَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ - شَارَكْتُكَ فِي تَقَبُّلِ جَمِيعِ الأْعْمَالِ ، أَوْ فِي هَذِهِ الْحِرْفَةِ (خِيَاطَةً، أَوْ نِجَارَةً، أَوْ حِدَادَةً، مَثَلاً) عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَ كُلٌّ مِنَّا الأْعْمَالَ، وَأَنْ أَكُونَ أَنَا وَأَنْتَ سَوَاءً فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَفِي الرِّبْحِ وَالْخُسْرَانِ، وَفِي أَنَّ كُلًّا كَفِيلٌ عَنِ الآْخَرِ فِيمَا يَلْزَمُهُ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ، فَيَقْبَلُ الآْخَرُ. فَإِذَا وَقَعَ التَّعَاقُدُ مَعَ اخْتِلاَلِ قَيْدٍ مِمَّا وَرَدَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ، فَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَنَانٍ - إِلاَّ أَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ مِنْ أَهْلِ الْوَكَالَةِ كَمَا لاَ يَخْفَى .
16 - وَمِثَالُ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فِي الْوُجُوهِ: أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لآِخَرَ - وَكِلاَهُمَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ - شَارَكْتُكَ عَلَى أَنْ نَتَّجِرَ أَنَا وَأَنْتَ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً وَالْبَيْعِ نَقْدًا، مَعَ التَّسَاوِي فِي كُلِّ شَيْءٍ نَشْتَرِيهِ وَفِي ثَمَنِهِ وَرِبْحِهِ، وَكَفَالَةِ كُلِّ مَا يَلْزَمُ الآْخَرَ مِنْ دُيُونِ التِّجَارَةِ وَمَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، فَيَقْبَلُ الآْخَرُ.
وَإِذَا اخْتَلَّ شَيْءٌ مِمَّا وَرَدَ فِي هَذِهِ الصِّيغَةِ مِنْ قُيُودٍ، فَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَنَانٍ - إِلاَّ أَنَّهُ لاَ بُدَّ فِيهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ مِنْ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ مِنْ أَهْلِ الْوَكَالَةِ، وَأَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ ضَمَانِهِمَا الثَّمَنَ، كَمَا سَيَجِيءُ فِي الشَّرَائِطِ بَيَانُهُ.
وَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ فَاوَضْتُكَ فَقَبِلَ كَفَى؛ لأِنَّ لَفْظَهَا عَلَمٌ عَلَى تَمَامِ الْمُسَاوَاةِ فِي أَمْرِ الشَّرِكَةِ، فَإِذَا ذَكَرَاهُ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا إِقَامَةً لِلَّفْظِ مَقَامَ الْمَعْنَى .
شُرُوطُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ:
الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ:
17 - وَهِيَ تِلْكَ الَّتِي لاَ تَخُصُّ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ الرَّئِيسِيَّةِ الثَّلاَثَةِ (شَرِكَةِ الأْمْوَالِ ، وَشَرِكَةِ الأْعْمَالِ ، وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ).
وَهَذِهِ الشُّرُوطُ الْعَامَّةُ تَتَنَوَّعُ أَنْوَاعًا:
النَّوْعُ الأْوَّلُ: فِي كُلٍّ مِنْ شَرِكَتَيِ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ.
أَوَّلاً - قَابِلِيَّةُ الْوَكَالَةِ:
18 - وَيُمْكِنُ تَفْسِيرُهَا بِأَمْرَيْنِ:
1( قَابِلِيَّةُ التَّصَرُّفِ الْمُتَعَاقَدِ عَلَيْهِ لِلْوَكَالَةِ، لِيَتَحَقَّقَ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ الاِشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ؛ لأِنَّ سَبِيلَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلاً عَنْ صَاحِبِهِ فِي نِصْفِ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ، وَأَصِيلاً فِي نِصْفِهِ الآْخَرِ - وَإِلاَّ فَالأْصِيلُ فِي الْكُلِّ يَخْتَصُّ بِكُلِّ رِبْحِهِ، وَالْمُتَصَرِّفُ عَنِ الْغَيْرِ لاَ يَتَصَرَّفُ إِلاَّ بِوِلاَيَةٍ أَوْ وَكَالَةٍ، وَالْفَرْضُ أَنْ لاَ وِلاَيَةَ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْوَكَالَةُ . فَالاِحْتِشَاشُ وَالاِحْتِطَابُ وَالاِصْطِيَادُ وَالتَّكَدِّي، أَعْمَالٌ لاَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهَا، لِعَدَمِ قَبُولِهَا الْوَكَالَةَ، إِذِ الْمِلْكُ فِيهَا يَقَعُ لِمَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ - وَهُوَ الآْخِذُ: شَأْنَ الْمُبَاحَاتِ كُلِّهَا، فَقَدْ جَعَلَ الشَّارِعُ سَبَبَ الْمِلْكِ فِيهَا هُوَ سَبْقَ الْيَدِ .
2) أَهْلِيَّةُ كُلِّ شَرِيكٍ لِلتَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ؛ لأِنَّهُ وَكِيلٌ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ، أَصِيلٌ فِي الآْخَرِ، فَلاَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ مِنَ الصَّبِيِّ غَيْرِ الْمَأْذُونِ فِي التِّجَارَةِ، وَالْمَعْتُوهِ الَّذِي لاَ يَعْقِلُ .
19 - وَهَذَا الشَّرْطُ بِشِقَّيْهِ مَوْضِعُ وِفَاقٍ . لأِنَّ الْجَمِيعَ مُطْبِقُونَ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ. وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ يَقَعُ فِي طَرِيقِ التَّطْبِيقِ: فَمَثَلاً:
أ - الْمُبَاحَاتُ: لاَ يَرَاهَا الْحَنَفِيَّةُ مِمَّا يَقْبَلُ الْوَكَالَةَ، بَيْنَمَا هِيَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ مِمَّا يَقْبَلُهَا. وَلِذَا مَثَّلَ الْمَالِكِيَّةُ لِشَرِكَةِ الأْبْدَانِ بِشَرِكَةِ الصَّيَّادِينَ فِي الصَّيْدِ، وَالْحَفَّارِينَ فِي الْبَحْثِ عَنِ الْمَعَادِنِ - كَشَرِكَاتِ النَّفْطِ الْقَائِمَةِ الآْنَ، وَأَبْرَزَ الْحَنَابِلَةُ الشَّرِكَةَ فِي تَحْصِيلِ الْمُبَاحَاتِ، حَتَّى جَعَلُوهَا نَوْعًا مُتَمَيِّزًا مِنْ شَرِكَةِ الأْعْمَالِ .
ب - شَرِكَةُ وَلِيِّ الْمَحْجُورِ: وَيَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَحْجُورِ الشَّرِكَةَ فِي مَالِ مَحْجُورِهِ، لأِنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُضَارِبَ بِهَذَا الْمَالِ، مَعَ أَنَّ الْمُضَارِبَ يَذْهَبُ بِجُزْءٍ مِنْ نَمَائِهِ، فَأَوْلَى أَنْ تَجُوزَ الشَّرِكَةُ حَيْثُ يَكُونُ رِبْحُهُ كُلُّهُ مُوَفَّرًا عَلَيْهِ. وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ تَقْرِيرُهُمْ أَنَّهُ إِذَا مَاتَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، وَوَرِثَهُ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي الشَّرِكَةِ إِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ - وَمِنْ شَرِيطَتِهَا أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ الْمُتَصَرِّفُ أَمِينًا: فَلَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ هَذِهِ الأْمَانَةِ، وَضَاعَ الْمَالُ، كَانَ الضَّمَانُ عَلَى الْوَلِيِّ، لِتَقْصِيرِهِ بِعَدَمِ الْبَحْثِ .
ثُمَّ لاَ يَخْفَى أَنَّ اعْتِبَارَ الأْهْلِيَّتَيْنِ: أَهْلِيَّةِ التَّوْكِيلِ، وَأَهْلِيَّةِ التَّوَكُّلِ، إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ يَكُونُ الْعَمَلُ لِكِلاَ الشَّرِيكَيْنِ. أَمَّا إِذَا كَانَ لأِحَدِهِمَا فَحَسْبُ - وَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ - فَالشَّرِيطَةُ هِيَ أَهْلِيَّةُ الآْذِنِ لِلتَّوْكِيلِ، وَأَهْلِيَّةُ الْمَأْذُونِ لِلتَّوَكُّلِ: وَلِذَا يَنُصُّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الآْذِنُ أَعْمَى، وَإِنْ كَانَ لاَ بُدَّ أَنْ يُوَكِّلَ فِي خَلْطِ الْمَالَيْنِ، أَمَّا الْمَأْذُونُ فَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَصِيرًا .
ثَانِيًا - أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مَعْلُومًا بِالنِّسْبَةِ:
20 - أَيْ أَنْ تَكُونَ حِصَّةُ كُلِّ شَرِيكٍ مِنَ الرِّبْحِ مُحَدَّدَةً بِجُزْءٍ شَائِعٍ مِنْهُ مَعْلُومِ النِّسْبَةِ إِلَى جُمْلَتِهِ: كَنِصْفِهِ. فَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ لِلشَّرِيكِ حِصَّةٌ فِي الرِّبْحِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ مِقْدَارٍ، كَانَ عَقْدًا فَاسِدًا، لأِنَّ الرِّبْحَ هُوَ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ فَتَفْسُدُ بِجَهَالَتِهِ، كَالْعِوَضِ وَالْمُعَوَّضِ فِي الْبَيْعِ وَالإْجَارَةِ. وَكَذَلِكَ إِذَا عُلِمَ مِقْدَارُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي الرِّبْحِ، وَلَكِنْ جُهِلَتْ نِسْبَتُهَا إِلَى جُمْلَتِهِ: كَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ؛ لأِنَّ هَذَا قَدْ يُؤَدِّي إِلَى خِلاَفِ مُقْتَضَى الْعَقْدِ - أَعْنِي الاِشْتِرَاكَ فِي الرِّبْحِ، فَقَدْ لاَ يَحْصُلُ مِنْهُ إِلاَّ مَا جُعِلَ لأِحَدِ الشُّرَكَاءِ، فَيَقَعُ مِلْكًا خَاصًّا لِوَاحِدٍ، لاَ شَرِكَةَ فِيهِ لِسِوَاهُ. بَلْ قَالُوا إِنَّ هَذَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ لأِنَّ الْمَشْرُوطَ إِذَا كَانَ هُوَ كُلَّ الْمُتَحَصِّلِ مِنَ الرِّبْحِ، تَحَوَّلَتِ الشَّرِكَةُ إِلَى قَرْضٍ مِمَّنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا مِنَ الرِّبْحِ، أَوْ إِبْضَاعٍ مِنَ الآْخَرِ.
فَإِذَا جُعِلَ لِلشَّرِيكِ أَجْرٌ مَعْلُومُ الْمِقْدَارِ مِنْ خَارِجِ مَالِ الشَّرِكَةِ: كَخَمْسِينَ أَوْ مِائَةِ دِينَارٍ كُلَّ شَهْرٍ، فَقَدْ نَقَلُوا فِي الْهِنْدِيَّةِ عَنِ الْمُحِيطِ أَنَّ الشَّرِكَةَ صَحِيحَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ .
21 - وَهَذَا الشَّرْطُ مَوْضِعُ وِفَاقٍ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ إِجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنْ لاَ شَرِكَةَ مَعَ اشْتِرَاطِ مِقْدَارٍ مُعَيَّنٍ مِنَ الرِّبْحِ - كَمِائَةٍ - لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ سَوَاءٌ اقْتَصَرَ عَلَى اشْتِرَاطِ هَذَا الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ لأِحَدِهِمَا ، أَمْ جُعِلَ زِيَادَةً عَلَى النِّسْبَةِ الْمَشْرُوطَةِ لَهُ مِنَ الرِّبْحِ، أَمِ انْتَقَصَ مِنْ هَذِهِ النِّسْبَةِ؛ لأِنَّ ذَلِكَ فِي الأْحْوَالِ كُلِّهَا قَدْ يُفْضِي إِلَى اخْتِصَاصِ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ، وَهُوَ خِلاَفُ مَوْضُوعِ الشَّرِكَةِ، أَوْ - كَمَا عَبَّرَ الْحَنَفِيَّةُ - قَاطِعٌ لَهَا.
وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، مَا لَوْ شُرِطَ لأِحَدِهِمَا رِبْحُ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُبْهَمَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الشَّرِكَةِ - كَهَذَا الثَّوْبِ أَوْ أَحَدِ هَذَيْنِ الثَّوْبَيْنِ - أَوْ رِبْحُ سَفْرَةٍ كَذَلِكَ - كَهَذِهِ السَّفْرَةِ إِلَى بَارِيسَ، أَوْ هِيَ أَوِ الَّتِي تَلِيهَا إِلَى لَنْدَنَ - أَوْ رِبْحُ هَذَا الشَّهْرِ أَوْ هَذِهِ السَّنَةِ.
وَنَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا، أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلآْخَرِ: لَكَ رِبْحُ النِّصْفِ؛ لأِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَسْتَأْثِرَ وَاحِدٌ بِشَيْءٍ مِنَ الرِّبْحِ، زَاعِمًا أَنَّهُ مِنْ عَمَلِهِ فِي النِّصْفِ الآْخَرِ. خِلاَفًا لِمَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ رِبْحَ النِّصْفِ هُوَ نِصْفُ الرِّبْحِ
النَّوْعُ الثَّانِي: فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ خَاصَّةً:
فَتَنْعَقِدُ عَنَانًا إِذَا اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهُ:
أَوَّلاً: أَهْلِيَّةُ الْكَفَالَةِ:
22 - وَهَذَا شَرْطُ الْحَنَفِيَّةِ فِي كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ، لأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةِ الْكَفِيلِ عَنْ صَاحِبِهِ فِيمَا يَجِبُ مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا، كَالاِقْتِرَاضِ إِذْ كُلُّ مَا يَلْزَمُ أَحَدَهُمَا مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ يَلْزَمُ الآْخَرَ.
فَمَنْ لَمْ تَتَوَافَرْ فِيهِ شُرُوطُ هَذِهِ الأْهْلِيَّةِ - مِنْ بُلُوغٍ وَعَقْلٍ - لَمْ تَصِحَّ مِنْهُ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ: وَلَوْ فَعَلَهَا الصَّغِيرُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ؛ لأِنَّ الْمَانِعَ ذَاتِيٌّ، إِذْ هُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعَاتِ وَلأِنَّ الْكَفَالَةَ الْمَقْصُودَةَ هُنَا هِيَ كَفَالَةُ كُلِّ شَرِيكٍ جَمِيعَ مَا يَلْزَمُ الآْخَرَ مِنَ الدُّيُونِ الآْنِفَةِ الذِّكْرِ. وَمِنْ هُنَا يَمْنَعُ مُحَمَّدٌ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ مِنَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ، وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ - كَالْمُرْتَدِّ - لأِنَّ كَفَالَتَهُ إِنَّمَا تَكُونُ فِي حُدُودِ ثُلُثِ تَرِكَتِهِ، وَالْكَفَالَةُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ غَيْرُ مَحْدُودَةٍ.
وَأَمَّا الَّذِينَ وَافَقُوا الْحَنَفِيَّةَ فِي أَصْلِ الْقَوْلِ بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، وَخَالَفُوهُمْ فِي التَّفْصِيلِ - وَهُمُ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - فَلَمْ يَبْنُوهَا عَلَى الْكَفَالَةِ، وَاكْتَفَوْا بِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْوَكَالَةِ: فَلَيْسَ عَلَى الشَّرِيكِ فِيهَا عِنْدَهُمْ ضَمَانُ غَرَامَاتٍ لَزِمَتْ شَرِيكَهُ دُونَ أَنْ يَأْذَنَ هُوَ فِي أَسْبَابِهَا .
23 - ثَانِيًا - يَشْتَرِطُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ التَّسَاوِيَ فِي أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ: فَتَصِحُّ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْكَبِيرَيْنِ، اللَّذَيْنِ يَعْتَنِقَانِ دِينًا وَاحِدًا - كَمُسْلِمَيْنِ وَنَصْرَانِيَّيْنِ - أَوْ مَا هُوَ فِي حُكْمِ الدِّينِ الْوَاحِدِ - كَذِمِّيَّيْنِ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كِتَابِيًّا وَالآْخَرُ مَجُوسِيًّا، إِذِ الْكُفْرُ كُلُّهُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ .
وَلاَ تَصِحُّ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ، وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَأْذُونًا فِي التِّجَارَةِ، وَلاَ بَيْنَ بَالِغٍ وَصَبِيٍّ، وَلاَ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ، لاِخْتِلاَلِ هَذِهِ الشَّرِيطَةِ - إِذِ الْمَمْلُوكُ وَالصَّبِيُّ مَحْجُورٌ عَلَيْهِمَا، بِخِلاَفِ الْحُرِّ الْبَالِغِ، وَالْكَافِرُ يَسَعُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ وَيَبِيعَهَا، وَلاَ كَذَلِكَ الْمُسْلِمُ.
أَمَّا أَبُو يُوسُفَ فَيَكْتَفِي بِالتَّسَاوِي فِي أَهْلِيَّةِ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، وَلاَ يَعْتَدُّ بِتَفَاوُتِ الأَْهْلِيَّةِ فِيمَا عَدَاهُمَا، وَلِذَا فَهُوَ يُصَحِّحُ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ - قِيَاسًا عَلَى الْمُفَاوَضَةِ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ وَالْمَجُوسِيِّ، فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِرَغْمِ التَّفَاوُتِ فِي أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، بَعْدَ التَّسَاوِي فِي أَهْلِيَّةِ الْوَكَالَةِ وَالْكَفَالَةِ، وَلاَ يَرَى أَبُو يُوسُفَ فَرْقًا، إِلاَّ مِنْ حَيْثُ الْكَرَاهَةُ، فَإِنَّهُ يَكْرَهُ الشَّرِكَةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ؛ لأِنَّ الْكَافِرَ لاَ يَهْتَدِي إِلَى وُجُوهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الإْسْلاَمِ ، وَإِنِ اهْتَدَى فَإِنَّهُ لاَ يَتَحَرَّزُ مِنْ غَيْرِهَا كَالرِّبَا وَمَا إِلَيْهِ، فَيَتَوَرَّطُ الْمُسْلِمُ بِمُشَارَكَتِهِ فِي كُلِّ مَا لاَ يَحِلُّ .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ كَرَاهَةَ الشَّرِكَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَنَفَوْا الْكَرَاهَةَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يَتَصَرَّفَ الْكَافِرُ إِلاَّ بِحُضُورِ شَرِيكِهِ الْمُسْلِمِ؛ لأِنَّ ارْتِكَابَهُ الْمَحْظُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ لِلشَّرِكَةِ يُؤْمَنُ حِينَئِذٍ. ثُمَّ مَا لاَ يَحْضُرُهُ مِنْهَا شَرِيكُهُ الْمُسْلِمُ، وَتَبَيَّنَ وُقُوعُهُ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ مِنَ الْوُجْهَةِ الإْسْلاَمِ يَّةِ - كَعُقُودِ الرِّبَا، وَشِرَاءِ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ - فَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ - مَعَ فَسَادِهِ - يَكُونُ فِيهِ الضَّمَانُ عَلَى الْكَافِرِ. وَمَا لَمْ يَتَبَيَّنْ فَالأْصْلُ فِيهِ الْحِلُّ. وَاحْتَجُّوا لِلْجَوَازِ بِأَنَّهُ صلوات الله عليه عَامَلَ أَهْلَ خَيْبَرَ - وَهُمْ يَهُودٌ - بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَهَذِهِ شَرِكَةٌ، وَابْتَاعَ طَعَامًا مِنْ يَهُودِيٍّ بِالْمَدِينَةِ، وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ، وَمَاتَ وَهِيَ مَرْهُونَةٌ - وَهَذِهِ مُعَامَلَةٌ. وَلاَ يَبْدُو فِي كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ خِلاَفٌ عَنْ هَذَا، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِذَا شَكَّ الشَّرِيكُ الْمُسْلِمُ فِي عَمَلِ شَرِيكِهِ الْكَافِرِ بِالرِّبَا اسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالرِّبْحِ، وَإِذَا شَكَّ فِي عَمَلِهِ بِالْخَمْرِ اسْتُحِبَّ لَهُ التَّصَدُّقُ بِالْجَمِيعِ .
ثَالِثًا - أَنْ لاَ يُشْتَرَطَ الْعَمَلُ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ:
24 - فَلَوْ شُرِطَ الْعَمَلُ عَلَى أَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ . لأِنَّ هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا يُنَافِي طَبِيعَةَ الْمُفَاوَضَةِ مِنَ الْمُسَاوَاةِ فِيمَا يُمْكِنُ الاِشْتِرَاكُ فِيهِ مِنْ أُصُولِ التَّصَرُّفَاتِ. وَلِلْمَالِكِيَّةِ شَيْءٌ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا، إِذْ شَرَطُوا - فِي شَرِكَةِ الأْمْوَالِ مُطْلَقًا - أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، أَيْ عَمَلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَالِهِ: إِنْ كَانَ لَهُ النِّصْفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَعَلَيْهِ النِّصْفُ فِي الْعَمَلِ، أَوِ الثُّلُثَانِ فَعَلَيْهِ الثُّلُثَانِ، وَهَكَذَا بِحَيْثُ إِذَا شَرَطَ خِلاَفَ ذَلِكَ: كَأَنْ جُعِلَ ثُلُثَا الْعَمَلِ أَوْ ثُلُثُهُ عَلَى الشَّرِيكِ بِالنِّصْفِ، كَانَتِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً، وَالرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ: وَيَرْجِعُ كُلٌّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الآْخَرِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ عِنْدَهُ مِنْ أُجْرَةٍ. أَمَّا إِذَا وَقَعَتِ الزِّيَادَةُ فِي الْعَمَلِ تَبَرُّعًا مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ دُونَ أَنْ تَكُونَ مَشْرُوطَةً عَلَيْهِ، فَلاَ بَأْسَ، إِذْ ذَلِكَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ وَإِحْسَانٌ .
شُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِشَرِكَةِ الأْمْوَالِ مُطْلَقًا:
أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ أَمْ شَرِكَةَ عَنَانٍ:
25 - الشَّرْطُ الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ عَيْنًا، لاَ دَيْنًا: لأِنَّ التِّجَارَةَ الَّتِي بِهَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الشَّرِكَةِ وَهُوَ الرِّبْحُ، لاَ تَكُونُ بِالدَّيْنِ. فَجَعْلُهُ رَأْسَ مَالِ الشَّرِكَةِ مَنَافٍ لِمَقْصُودِهَا .
26 - الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مِنَ الأْثْمَانِ:
سَوَاءٌ أَكَانَ مِنَ النَّقْدَيْنِ، أَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ الْمَضْرُوبَيْنِ، أَمِ الْفُلُوسِ النَّافِقَةِ أَمِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ غَيْرِ الْمَضْرُوبَيْنِ . إِذَا جَرَى بِهَا التَّعَامُلُ وَعَلَى هَذَا اسْتَقَرَّ الْفِقْهُ الْحَنَفِيُّ.
وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا - وَهِيَ مَا عَدَا النَّقْدَيْنِ مِنَ الأْعْيَانِ - لاَ تَصْلُحُ رَأْسَ مَالِ شَرِكَةٍ وَلاَ حِصَّةَ فِيهِ لِشَرِيكٍ . وَلَوْ كَانَتْ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا أَوْ عَدَدِيًّا مُتَقَارِبًا، فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَعَهُ أَبُو يُوسُفَ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ.
وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ وَجَمَاهِيرُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى التَّفْرِقَةِ بَيْنَ نَوْعَيْنِ مِنَ الْعُرُوضِ:
النَّوْعُ الأْوَّلُ: الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ وَالْعَدَدِيُّ الْمُتَقَارِبُ.
وَالثَّانِي: سَائِرُ الْعُرُوضِ.
وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى: فَرَّقُوا بَيْنَ الْمِثْلِيِّ، وَالْمُتَقَوَّمِ: فَمَنَعُوا انْعِقَادَ الشَّرِكَةِ فِي النَّوْعِ الثَّانِي بِإِطْلاَقٍ، وَأَجَازُوهَا فِي النَّوْعِ الأْوَّلِ ، بَعْدَ الْخَلْطِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ، ذَهَابًا إِلَى أَنَّ هَذَا النَّوْعَ لَيْسَ مِنَ الْعُرُوضِ الْمَحْضَةِ، وَإِنَّمَا هُوَ عَرْضٌ مِنْ وَجْهٍ - لأِنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ - لأِنَّهُ يَصِحُّ الشِّرَاءُ بِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ، شَأْنَ الأْثْمَانِ: فَنَاسَبَ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ بِكِلاَ الشَّبَهَيْنِ، كُلٌّ فِي حَالٍ - فَأُعْمِلَ الشَّبَهُ بِالْعُرُوضِ قَبْلَ الْخَلْطِ، وَمُنِعَ انْعِقَادُ الشَّرِكَةِ فِيهِ حِينَئِذٍ، وَالشَّبَهُ بِالأْثْمَانِ بَعْدَهُ، فَصُحِّحَتْ إِذْ ذَاكَ الشَّرِكَةُ فِيهِ؛ لأِنَّ شَرِكَةَ الْمِلْكِ تَتَحَقَّقُ بِالْخَلْطِ، فَيُعْتَضَدُ بِهَا جَانِبُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا قُصِرَ التَّصْحِيحُ عَلَى حَالَةِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ؛ لأِنَّ الْخَلْطَ بِغَيْرِ الْجِنْسِ - كَخَلْطِ الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ، وَالزَّيْتِ بِالسَّمْنِ - يُخْرِجُ الْمِثْلِيَّ عَنْ مِثْلِيَّتِهِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى جَهَالَةِ الأْصْلِ وَالرِّبْحِ وَالْمُنَازَعَةِ عِنْدَ الْقِسْمَةِ، لِمَكَانِ الْحَاجَةِ إِلَى تَقْوِيمِهِ إِذْ ذَاكَ لِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ وَالتَّقْوِيمُ حَزْرٌ وَتَخْمِينٌ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْمُقَوِّمِينَ، بِخِلاَفِ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ مِثْلُهُ.
وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى اشْتِرَاطِ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ مِنَ النَّقْدِ الْمَضْرُوبِ. بِأَيَّةِ سِكَّةٍ، وَيُصَرِّحُ ابْنُ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ بِأَنْ لاَ تَسَامُحَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْغِشِّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي حُدُودِ الْقَدْرِ الضَّرُورِيِّ الَّذِي لاَ غِنَى لِصِنَاعَةِ النَّقْدِ عَنْهُ .
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ عِنْدَهُمْ إِذَا أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّرَكَاءِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً.
كَمَا تَصِحُّ إِذَا أَخْرَجَ أَحَدُهُمَا ذَهَبًا وَفِضَّةً وَأَخْرَجَ الثَّانِي مِثْلَ ذَلِكَ. وَتَصِحُّ أَيْضًا عِنْدَهُمْ بِعَيْنٍ مِنْ جَانِبٍ وَعَرْضٍ مِنَ الآْخَرِ، أَوْ بِعَرْضٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا سَوَاءٌ اتَّفَقَا فِي الْجِنْسِ أَوِ اخْتَلَفَا. وَلاَ تَصِحُّ عِنْدَهُمْ بِذَهَبٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَفِضَّةٍ مِنَ الْجَانِبِ الآْخَرِ، وَلَوْ عَجَّلَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا أَخْرَجَهُ لِصَاحِبِهِ، وَذَلِكَ لاِجْتِمَاعِ شَرِكَةٍ وَصَرْفٍ، وَلاَ تَصِحُّ بِطَعَامَيْنِ وَإِنِ اتَّفَقَا فِي الْقَدْرِ وَالصِّفَةِ .
وَذَهَبَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إِلَى تَصْحِيحِ الشَّرِكَةِ بِالْعُرُوضِ مُطْلَقًا، وَيَعْتَمِدُ فِي الْقِسْمَةِ قِيمَتَهَا عِنْدَ الْعَقْدِ. وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، اعْتَمَدَهَا مِنْ أَصْحَابِهِ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، إِذْ لَيْسَ فِي تَصْحِيحِهَا بِالْعُرُوضِ عَلَى هَذَا النَّحْوِ إِخْلاَلٌ بِمَقْصُودِ الشَّرِكَةِ - فَلَيْسَ مَقْصُودُهَا إِلاَّ جَوَازَ تَصَرُّفِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَالَيْنِ، ثُمَّ اقْتِسَامَ الرِّبْحِ، وَهَذَا كَمَا يَكُونُ بِالأْثْمَانِ، يَكُونُ بِغَيْرِهَا. وَاسْتَأْنَسُوا لِذَلِكَ بِاعْتِبَارِ قِيمَةِ عُرُوضِ التِّجَارَةِ عِنْدَ تَقْدِيرِ نِصَابِ زَكَاتِهَا .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ حَاضِرًا:
27 - اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ أَنْ يَكُونَ رَأْسُ الْمَالِ حَاضِرًا، قَالَ الْكَاسَانِيُّ: إِنَّمَا يُشْتَرَطُ الْحُضُورُ عِنْدَ الشِّرَاءِ لاَ عِنْدَ الْعَقْدِ لأِنَّ هَذَا كَافٍ فِي حُصُولِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ الاِتِّجَارُ ابْتِغَاءَ الرِّبْحِ: وَلِذَا فَالَّذِي يَدْفَعُ أَلْفًا إِلَى آخَرَ، عَلَى أَنْ يَضُمَّ إِلَيْهَا مِثْلَهَا، وَيَتَّجِرَ وَيَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا، يَكُونُ قَدْ عَاقَدَهُ عَقْدَ شَرِكَةٍ صَحِيحَةٍ، إِذَا فَعَلَ الآْخَرُ ذَلِكَ - وَإِنْ كَانَ هَذَا الآْخَرُ لاَ يَسْتَطِيعُ إِشْرَاكَهُ فِي الْخَسَارَةِ إِلاَّ إِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ فَعَلَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ.
هَكَذَا قَرَّرَهُ الْكَاسَانِيُّ، وَالْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ، وَجَارَاهُمَا ابْنُ عَابِدِينَ وَعِبَارَةُ الْهِنْدِيَّةِ، عَنِ الْخَانِيَّةِ وَخِزَانَةِ الْمُفْتِينَ، أَنَّ الشَّرْطَ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ حَاضِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ أَوْ عِنْدَ الشِّرَاءِ. فَلاَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِمَالٍ غَائِبٍ فِي الْحَالَيْنِ: عِنْدَ الْعَقْدِ وَعِنْدَ الشِّرَاءِ .
وَاشْتَرَطَ الْحَنَابِلَةُ حُضُورَ الْمَالَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ قِيَاسًا لِذَلِكَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ، وَيَرَوْنَ أَنَّ حُضُورَ الْمَالَيْنِ عِنْدَ الْعَقْدِ هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ مَعْنَى الشَّرِكَةِ، إِذْ يُتِيحُ الشُّرُوعَ فِي تَصْرِيفِ أَعْمَالِهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَلاَ يَتَرَاخَى بِمَقْصُودِهَا، لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِذَا عُقِدَتِ الشَّرِكَةُ بِمَالٍ غَائِبٍ أَوْ دَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، وَأُحْضِرَ الْمَالُ وَشَرَعَ الشَّرِيكَانِ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ تَصَرُّفَ الشُّرَكَاءِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ تَنْعَقِدُ بِهَذَا التَّصَرُّفِ نَفْسِهِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَسَّرَ الْخَرَشِيُّ كَلاَمَ خَلِيلٍ بِمَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ حُضُورِ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ مَا هُوَ بِمَثَابَةِ حُضُورِهِ - إِلاَّ أَنَّهُ قَصَرَ ذَلِكَ عَلَى رَأْسِ مَالٍ هُوَ نَقْدٌ: فَذَكَرَ أَنَّهُ إِذَا غَابَ نَقْدُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ لاَ تَصِحُّ، إِلاَّ إِنْ كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً، وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعِ الاِتِّفَاقُ عَلَى الْبَدْءِ فِي أَعْمَالِ التِّجَارَةِ قَبْلَ حُضُورِهِ. فَإِذَا كَانَتْ غَيْبَتُهُ بَعِيدَةً، أَوْ قَرِيبَةً وَاتَّفَقَ عَلَى الشُّرُوعِ فِي التِّجَارَةِ قَبْلَ حُضُورِهِ، أَوْ غَابَ النَّقْدَانِ كِلاَهُمَا (نَقْدَا الشَّرِيكَيْنِ) وَلَوْ غَيْبَةً قَرِيبَةً، فَإِنَّ الشَّرِكَةَ حِينَئِذٍ لاَ تَكُونُ صَحِيحَةً، وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّ الْبُعْدَ بِمَسِيرَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ حَدَّهُ بِمَسِيرَةِ عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَاسْتَقَرَّ بِهِ الْخَرَشِيُّ. وَلَكِنَّ الْخَرَشِيَّ أَشَارَ إِلَى تَفْسِيرٍ آخَرَ، يَجْعَلُ هَذَا الشَّرْطَ شَرْطَ لُزُومٍ، لاَ شَرْطَ صِحَّةٍ .
الشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْخَلْطُ
28 - لاَ يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ وَلاَ الْحَنَابِلَةُ فِي شَرِكَةِ الأْمْوَالِ خَلْطَ الْمَالَيْنِ. أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَالصَّوَابُ أَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَيْسَ بِشَرْطِ صِحَّةٍ أَصْلاً، بَلْ وَلاَ بِشَرْطِ لُزُومٍ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَمَعَهُ أَكْثَرُهُمْ؛ لأِنَّ الشَّرِكَةَ تَلْزَمُ عِنْدَهُمْ - خِلاَفًا لاِبْنِ رُشْدٍ - بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، أَيْ بِمُجَرَّدِ تَمَامِ الصِّيغَةِ، وَلَوْ بِلَفْظِ: «اشْتَرَكْنَا» أَوْ مَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى أَيَّةَ دَلاَلَةٍ: قَوْلِيَّةً أَوْ فِعْلِيَّةً. وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطُ ضَمَانِ الْمَالِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ: فَمَا تَلِفَ قَبْلَهُ، إِنَّمَا يَتْلَفُ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ. وَالشَّرِكَةُ مَاضِيَةٌ فِي الْبَاقِي - فَمَا اشْتُرِيَ بِهِ فَلِلشَّرِكَةِ وَفْقَ شُرُوطِ عَقْدِهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْمَالِ الْبَاقِي هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِتَلَفِ مَالِ شَرِيكِهِ، وَلَمْ يُرِدْ شَرِيكُهُ مُشَارَكَتَهُ، أَوِ ادَّعَى هُوَ أَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ - فَإِنَّهُ يَكُونُ لِشَارِيهِ خَاصَّةً، عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْخَلْطِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ خَاصٌّ بِالْمِثْلِيَّاتِ أَمَّا الْعُرُوضُ الْقِيَمِيَّةُ، فَلاَ يَتَوَقَّفُ ضَمَانُهَا عَلَى خَلْطِهَا، كَمَا أَنَّ الْخَلْطَ، لَيْسَ حَتْمًا أَنْ يَكُونَ حَقِيقِيًّا بِحَيْثُ لاَ يَتَمَيَّزُ الْمَالاَنِ - فِيمَا قَرَّرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ، وَجَرَى عَلَيْهِ الأْكْثَرُونَ ، بَلْ يَكْفِي الْخَلْطُ الْحُكْمِيُّ: بِأَنْ يُجْعَلَ الْمَالاَنِ فِي حَوْزِ شَخْصٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي حَوْزِ الشَّرِيكَيْنِ مَعًا - كَأَنْ يُوضَعَ الْمَالاَنِ مُنْفَصِلَيْنِ فِي دُكَّانٍ وَبِيَدِ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ مِفْتَاحٌ لَهُ أَوْ يُوضَعَ كُلُّ مَالٍ فِي حَافِظَةٍ عَلَى حِدَةٍ، وَتُسَلَّمَ الْحَافِظَتَانِ إِلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ إِلَى صَرَّافِ مَحَلِّهِمَا أَوْ أَيِّ أَمِينٍ يَخْتَارَانِهِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِذَا لَمْ يُخْلَطِ الْمَالاَنِ فَلاَ شَرِكَةَ. وَكَذَلِكَ إِذَا خُلِطَا وَبَقِيَا مُتَمَيِّزَيْنِ - لاِخْتِلاَفِ الْجِنْسِ كَنُقُودِ بَلَدَيْنِ بِسِكَّتَيْنِ أَوْ نُقُودٍ ذَهَبِيَّةٍ وَفِضِّيَّةٍ، أَوِ الْوَصْفِ كَنُقُودٍ قَدِيمَةٍ وَجَدِيدَةٍ لأِنَّ بَقَاءَ التَّمَايُزِ يَجْعَلُ الْخَلْطَ كَلاَ خَلْطَ. وَإِذَنْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَالشَّرِيكَيْنِ رِبْحُ مَالِهِ وَوَضِيعَتُهُ، أَيْ خَسَارَتُهُ، وَإِذَا هَلَكَ أَحَدُ الْمَالَيْنِ قَبْلَ الْخَلْطِ هَلَكَ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ فَحَسْبُ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الآْخَرِ بِشَيْءٍ، وَهُمْ لاَ يَعْتَدُّونَ بِالْخَلْطِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ يَتَسَامَحُ إِذَا وَقَعَ الْخَلْطُ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ انْفِضَاضِ مَجْلِسِهِ: فَيَحْتَاجُ الشَّرِيكَانِ إِلَى تَجْدِيدِ الإْذْنِ فِي التَّصَرُّفِ بَعْدَ الْخَلْطِ الْمُتَرَاخِي وَمِنَ الْبَيِّنِ بِنَفْسِهِ أَنَّ الْمَالَ يَرِثُهُ اثْنَانِ أَوْ يَشْتَرِيَانِهِ أَوْ يُوهَبُ لَهُمَا، يَكُونُ بِطَبِيعَتِهِ مَخْلُوطًا أَبْلَغَ خَلْطٍ، وَلَوْ كَانَ مِنَ الْعُرُوضِ الْقِيَمِيَّةِ .
شُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فِي الأْمْوَالِ :
وَهِيَ شُرُوطٌ إِذَا اخْتَلَّتْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ عَنَانًا
29 - الشَّرْطُ الأْوَّلُ: اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ الْمُسَاوَاةَ فِي رَأْسِ الْمَالِ وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءً وَانْتِهَاءً فَلاَ بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْمُسَاوَاةِ مَا دَامَتِ الشَّرِكَةُ فِي رَأْسِ الْمَالِ قَائِمَةً كَأَلْفِ دِينَارٍ مِنْ هَذَا، وَأَلْفِ دِينَارٍ مِنْ ذَاكَ؛ لأِنَّ الشَّرِكَةَ عَقْدٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فَسْخُهُ مَتَى شَاءَ، فَصَارَتْ كَالْمُتَجَدِّدَةِ كُلَّ سَاعَةٍ، وَالْتَحَقَ اسْتِمْرَارُهَا بِابْتِدَائِهَا فِي اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ بِمُقْتَضَى اسْمِهَا (مُفَاوَضَةٌ) فَإِذَا اتَّفَقَ، بَعْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى التَّسَاوِي، أَنْ مَلَكَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَوِ صَدَقَةً، مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ - وَهُوَ الأْثْمَانُ - وَقَبَضَهُ، فَإِنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَبْطُلُ، وَتَنْقَلِبُ عَنَانًا لِفَوَاتِ الْمُسَاوَاةِ. أَمَّا إِذَا مَلَكَ مَا لاَ تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالْعُرُوضِ، عَقَارِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا، وَكَالدُّيُونِ فَإِنَّ هَذَا لاَ يُنَافِي الْمُسَاوَاةَ فِيمَا يَصْلُحُ رَأْسَ مَالٍ لِلشَّرِكَةِ، فَلاَ يُنَافِي اسْتِمْرَارَ الْمُفَاوَضَةِ إِلاَّ إِذَا قَبَضَ الدُّيُونَ أَثْمَانًا فَحِينَئِذٍ تَحْصُلُ الْمُنَافَاةُ وَتَبْطُلُ الْمُفَاوَضَةُ. وَتَتَحَوَّلُ عَنَانًا .
وَلاَ يُخِلُّ بِهَذِهِ الْمُسَاوَاةِ - فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - اخْتِلاَفُ النَّوْعِ: كَنُقُودٍ ذَهَبِيَّةٍ لِهَذَا وَفِضِّيَّةٍ لِذَاكَ، إِذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ، فَإِذَا زَادَتْ قِيمَةُ حِصَّةِ أَحَدِهِمَا خَرَجَتِ الشَّرِكَةُ عَنِ الْمُفَاوَضَةِ إِلَى الْعَنَانِ - إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ قَدْ طَرَأَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ بِالْحِصَّتَيْنِ، أَوْ إِحْدَاهُمَا. لأِنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْحَالَةِ الأْولَى: قَدِ انْتَقَلَتْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إِلَى مَا اشْتُرِيَ بِهِ، فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِي رَأْسِ الْمَالِ شَرِكَةٌ وَتَفَاوُتٌ، وَفِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ تَكُونُ الْحِصَّةُ الْبَاقِيَةُ كَأَنَّهَا بَيْنَهُمَا؛ لأِنَّ نِصْفَ ثَمَنِ مَا اشْتُرِيَ مُسْتَحَقٌّ عَلَى صَاحِبِهَا، وَقَلَّمَا يَتَّفِقُ الشِّرَاءُ بِالْحِصَّتَيْنِ جَمِيعًا، فَاقْتَضَى الاِسْتِحْسَانُ، تَفَادِيًا لِلْحَرَجِ، إِلْحَاقَهَا بِالْحَالَةِ الأْولَى: وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فَسَادَ الْمُفَاوَضَةِ فِيهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ لاَ يَشْتَرِطُونَ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي رَأْسِ الْمَالِ لِصِحَّةِ الْمُفَاوَضَةِ .
الشَّرْطُ الثَّانِي: شُمُولُ رَأْسِ الْمَالِ لِكُلِّ مَا يَصْلُحُ لَهُ مِنْ مَالِ الشَّرِيكَيْنِ:
30 - وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الأْثْمَانَ وَحْدَهَا هِيَ الصَّالِحَةُ لِذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، إِذَا كَانَتْ عَيْنًا لاَ دَيْنًا، حَاضِرَةً لاَ غَائِبَةً - سَوَاءٌ أَكَانَتْ أَثْمَانًا بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ أَمْ بِجَرَيَانِ التَّعَامُلِ.
فَإِذَا كَانَ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ آثَرَ بَقَاءَهُ خَارِجَ رَأْسِ الْمَالِ - وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِيَدِهِ، كَأَنْ كَانَ وَدِيعَةً عِنْدَ غَيْرِهِ - فَالشَّرِكَةُ عَنَانٌ، لاَ مُفَاوَضَةَ لِعَدَمِ صِدْقِ اسْمِهَا إِذْ ذَاكَ.
أَمَّا مَا خَرَجَ عَنْ هَذَا النَّمَطِ، فَلاَ يَضِيرُ الْمُفَاوَضَةَ أَنْ يَخْتَصَّ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ مِنْهُ بِمَا شَاءَ لأِنَّهُ لاَ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ، فَأَشْبَهَ اخْتِصَاصَ أَحَدِهِمَا بِزَوْجَةٍ أَوْ أَوْلاَدٍ، فَلْيَحْتَفِظْ لِنَفْسِهِ بِمَا أَحَبَّ مِنَ الْعُرُوضِ (بِالْمَعْنَى الشَّامِلِ لِلْمِثْلِيِّ - عَلَى مَا فِيهِ مِنْ نِزَاعِ مُحَمَّدٍ - وَالْعَقَارِ)، أَوِ الدُّيُونِ أَوِ النُّقُودِ الْغَائِبَةِ - مَا دَامَتْ كَذَلِكَ. فَإِذَا قَبَضَ الدَّيْنَ نُقُودًا، أَوْ حَضَرَتِ النُّقُودُ الْغَائِبَةُ - تَحَوَّلَتِ الْمُفَاوَضَةُ إِلَى عَنَانٍ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ اشْتِرَاطِ اسْتِمْرَارِ الْمُسَاوَاةِ .
الشَّرْطُ الثَّالِثُ: إِطْلاَقُ التَّصَرُّفِ لِكُلِّ شَرِيكٍ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ التِّجَارَةِ:
31 - وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. فَيَتَّجِرُ كُلُّ شَرِيكٍ فِي أَيِّ نَوْعٍ أَرَادَ، قَلَّ أَوْ كَثُرَ، سَهُلَ أَوْ عَسُرَ، رَخُصَ أَوْ غَلاَ. حَتَّى لَوْ أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ تَشَارَطَا عَلَى أَنْ يَتَقَيَّدَا هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا بِبَعْضِ أَنْوَاعِ التِّجَارَاتِ - كَأَنْ لاَ يَتَّجِرَا فِي الْحَاصِلاَتِ الزِّرَاعِيَّةِ، أَوِ الآْلاَتِ الْمِيكَانِيكِيَّةِ، أَوْ أَنْ يَتَّجِرَ أَحَدُهُمَا فِي هَذِهِ دُونَ تِلْكَ، وَالآْخَرُ بِالْعَكْسِ - لَمْ تَكُنِ الشَّرِكَةُ مُفَاوَضَةً، بَلْ عَنَانًا؛ لأِنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَقْتَضِي تَفْوِيضَ الرَّأْيِ فِي كُلِّ مَا يَصْلُحُ لِلاِتِّجَارِ فِيهِ، وَعَدَمَ التَّقْيِيدِ بِنَوْعٍ دُونَ نَوْعٍ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ.
وَشَرْطُ إِطْلاَقِ التَّصَرُّفِ لِكِلاَ الشَّرِيكَيْنِ غَيْرُ مُقَرَّرٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، لأِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُنَوِّعُونَ الْمُفَاوَضَةَ إِلَى عَامَّةٍ لَمْ تُقَيَّدْ بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَتَاجِرِ دُونَ نَوْعٍ، وَخَاصَّةٍ - بِخِلاَفِهَا. كَمَا أَنَّ الْحَنَابِلَةَ يَئُولُ كَلاَمُهُمْ إِلَى مِثْلِ هَذَا، لأِنَّ هُمْ - وَإِنْ كَانُوا يُقِرُّونَ مِنْهَا نَوْعًا شَامِلاً لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ - فَإِنَّهُمْ يُقَرِّرُونَ نَوْعًا آخَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَيِّدَ فِيهِ الشُّرَكَاءُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِقُيُودٍ بِعَيْنِهَا .
شُرُوطٌ خَاصَّةٌ بِشَرِكَةِ الأْعْمَالِ :
32 - الشَّرْطُ الأْوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَحَلُّهَا عَمَلاً: لأِنَّ الْعَمَلَ هُوَ رَأْسُ الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الأْعْمَالِ - فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَمَلٌ، لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ. وَلَكِنْ يَكْفِي لِتَحَقُّقِ هَذَا الْعَمَلِ أَنْ يَتَعَاقَدَا عَلَى التَّقَبُّلِ: سَوَاءٌ أَجَعَلاَ التَّقَبُّلَ لِكِلَيْهِمَا أَمْ لأِحَدِهِمَا عَمَلِيًّا، وَإِنْ كَانَ لِلآْخَرِ أَيْضًا نَظَرِيًّا أَيْ مِنْ حَقِّهِ (بِمُقْتَضَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ) أَنْ يَتَقَبَّلَ الأْعْمَالَ الْمُتَّفَقَ عَلَى تَقَبُّلِ نَوْعِهَا - إِذْ كُلُّ شَرِيكٍ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ وَكِيلٌ عَنْ شَرِيكِهِ فِي هَذَا التَّقَبُّلِ، وَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ الْعَمَلَ الْمُتَقَبَّلَ - لَكِنَّهُ، لأِمْرٍ مَا، تَرَكَ التَّقَبُّلَ لِشَرِيكِهِ، فَرُبَّمَا كَانَ ذَلِكَ أَجْدَى عَلَى الشَّرِكَةِ وَالشَّرِيكَيْنِ. حَتَّى لَوْ أَنَّهُ شَاءَ بَعْدَ هَذَا التَّرْكِ، أَنْ يُمَارِسَ حَقَّهُ فِي التَّقَبُّلِ، لَمْ يَكُنْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ، فَإِذَا تَقَبَّلَ الْعَمَلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بَعْدَ قِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقَامَ بِهِ وَحْدَهُ - كَأَنْ تَقَبَّلَ الثَّوْبَ لِلْخِيَاطَةِ، وَقَطَعَهُ وَخَاطَهُ - فَالأْجْرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ مُنَاصَفَةً، إِنْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ مُفَاوَضَةً، وَعَلَى مَا اتَّفَقَا إِنْ كَانَتْ عَنَانًا. ذَلِكَ أَنَّ التَّقَبُّلَ وَقَعَ عَنْهُمَا - إِذْ شَطْرُهُ عَنِ الشَّرِيكِ الآْخَرِ بِطَرِيقِ الْوَكَالَةِ - وَصَارَ الْعَمَلُ مَضْمُونًا عَلَيْهِمَا بَعْدَ التَّقَبُّلِ: فَانْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِهِ إِعَانَةُ مُتَبَرِّعٍ بِهَا بِالنِّسْبَةِ لِمَا كَانَ مِنْهُ عَلَى شَرِيكِهِ، وَالْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ .
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي خَلَتْ مِنْ عَمَلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ: شَرِكَةُ قِصَارَةٍ يَتَّفِقُ فِيهَا الشَّرِيكَانِ أَنْ يُقَدِّمَ أَحَدُهُمَا آلَةَ الْقِصَارَةِ، وَيَقُومَ الآْخَرُ بِالْعَمَلِ كُلِّهِ: تَقَبُّلاً وَإِنْجَازًا - وَلاَ شَأْنَ لِلأْوَّلِ بَعْدُ، إِلاَّ فِي اقْتِسَامِ الرِّبْحِ. وَلِفَسَادِ هَذِهِ الشَّرِكَةِ، تَكُونُ الأْجْرَةُ لِلْعَامِلِ؛ لأِنَّ هَا اسْتُحِقَّتْ بِعَمَلِهِ، وَعَلَيْهِ لِصَاحِبِ الآْلَةِ أُجْرَةُ مِثْلِ آلَتِهِ.
وَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى فَسَادِ هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ - كَالْحَنَابِلَةِ - بِصِحَّةِ شَرِكَةِ الْقِصَارَةِ - وَغَيْرِهَا مِنْ سَائِرِ الصِّنَاعَاتِ - عَلَى أَنْ يَعْمَلَ الشَّرِيكَانِ بِآلَةِ أَحَدِهِمَا، فِي بَيْتِ الآْخَرِ - وَتَكُونَ الأْجْرَةُ بَيْنَهُمَا؛ لأِنَّ هَا بَدَلٌ عَنِ الْعَمَلِ، لاَ عَنْ آلَتِهِ وَمَكَانِهِ: وَكُلُّ مَا فِي الأْمْرِ ، أَنَّ أَحَدَهُمَا أَعَانَ مُتَبَرِّعًا بِنِصْفِ الآْلَةِ، وَأَعَانَ الآْخَرُ بِنِصْفِ الْمَكَانِ، نَعَمْ إِنْ فَسَدَتِ الشَّرِكَةُ قُسِمَ مَا حَصَلَ لَهُمَا عَلَى قَدْرِ أَجْرِ عَمَلِهِمَا، وَأَجْرِ الدَّارِ وَالآْلَةِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا قَدَّمَهُ كُلُّ شَرِيكٍ، نَصَّ عَلَيْهِ الْحَنَابِلَةُ .
33 - وَكَوْنُ الشَّرِيكِ فِي شَرِكَةِ الأْعْمَالِ ، يَسْتَحِقُّ حِصَّتَهُ فِي الرِّبْحِ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ، هُوَ مَبْدَأٌ مُقَرَّرٌ أَيْضًا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. عَلَى أَنَّ مِنْهُمْ - كَابْنِ قُدَامَةَ - مَنْ يُبْدِي احْتِمَالَ أَنْ يُحْرَمَ مِنْ حِصَّتِهِ فِي الرِّبْحِ مَنْ يَتْرُكُ الْعَمَلَ بِلاَ عُذْرٍ، لإِخْلاَلِهِ بِمَا شَرَطَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَمِمَّا قَرَّرَهُ الْمَالِكِيَّةُ - وَإِنْ لَمْ يُصَرِّحُوا بِأَنَّ فِيهِ فَسْخًا لِلشَّرِكَةِ - أَنَّ الشَّرِيكَ يَخْتَصُّ بِمَا يَتَقَبَّلُهُ مِنْ أَعْمَالِ الشَّرِكَةِ - بَعْدَ طُولِ مَرَضِ شَرِيكِهِ، أَوْ طُولِ غَيْبَتِهِ - ضَمَانًا، وَعَمَلاً، وَأُجْرَةَ عَمَلٍ. بِخِلاَفِ مَا تَقَبَّلَهُ فِي حُضُورِهِ صَحِيحًا أَوْ بَعْدَ غَيْبَتِهِ أَوْ مَرَضِهِ لِفَتْرَةٍ وَجِيزَةٍ .
34 - أَمَّا الآْلَةُ، فَإِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَعْتَبِرُونَهَا مُتَمِّمَةً لِلْعَمَلِ. فَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ مُسَاوِيَةً لِحِصَّةِ الشَّرِيكِ فِي الْعَمَلِ: بِحَيْثُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ تَقْدِيمَ ثُلُثَيِ الآْلَةِ عَلَى حِينِ أَنَّ حِصَّتَهُ فِي الْعَمَلِ هِيَ الثُّلُثُ أَوِ النِّصْفُ، دُونَ أَنْ يَحْسِبَ حِسَابَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ - فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الشَّرِكَةَ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ الرِّبْحِ وَالْعَمَلِ نَظَرًا إِلَى تَكْمِلَةِ الاِعْتِبَارِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ التَّجَاوُزُ عَنْ فَرْقٍ يَسِيرٍ يَتَبَرَّعُ بِهِ فِي الْعَقْدِ، أَمَّا التَّبَرُّعُ بَعْدَ الْعَقْدِ، فَلاَ حَدَّ لَهُ. فَكَيْفَ إِذَا قَدَّمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ آلَةَ الْعَمَلِ كُلَّهَا مَجَّانًا فِي الْعَقْدِ؟ عَلَى أَنَّ غَيْرَ سَحْنُونٍ وَصَحْبِهِ - مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - لاَ يَكْتَفُونَ بِهَذَا. بَلْ يَشْتَرِطُونَ أَنْ تَكُونَ الآْلَةُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ مِلْكٍ: إِمَّا مِلْكَ عَيْنٍ، أَوْ مِلْكَ مَنْفَعَةٍ، أَوْ مِلْكَ عَيْنٍ مِنْ جَانِبٍ وَمِلْكَ مَنْفَعَةٍ مِنَ الآْخَرِ - كَمَا إِذَا كَانَتْ مِلْكًا لأِحَدِهِمَا وَلَكِنَّهُ أَجَّرَ لِشَرِيكِهِ حِصَّةً مِنْهَا تُسَاوِي حِصَّتَهُ فِي الْعَمَلِ، أَوْ كَانَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا آلَةٌ هِيَ مِلْكٌ لَهُ خَاصٌّ، إِلاَّ أَنَّهُمَا تَكَارَيَا بَعْضَ هَذِهِ بِبَعْضِ تِلْكَ فِي حُدُودِ النِّسْبَةِ الْمَطْلُوبَةِ. بَلْ إِنَّ ابْنَ الْقَاسِمِ لَيُحَتِّمُ أَنْ يَكُونَا فِي ضَمَانِ الآْلَةِ سَوَاءً: فَلاَ يَسُوغُ أَنْ تَكُونَ بَيْنَهُمَا بِمِلْكِ رَقَبَةٍ لأِحَدِهِمَا ، وَمِلْكِ مَنْفَعَةٍ لِلآْخَرِ.
وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةُ يُوَافِقُونَ عَلَى الْحُكْمِ بِالْفَسَادِ فِي حَالَةِ اشْتِرَاطِ الْعَمَلِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ. لَكِنِ اخْتَارَ ابْنُ قُدَامَةَ الصِّحَّةَ، وَقَالَ: إِنَّهُ قِيَاسُ نَصِّ أَحْمَدَ وَالأَْوْزَاعِيِّ فِيمَنْ دَفَعَ دَابَّتَهُ إِلَى آخَرَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا. وَجَرَى عَلَيْهِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ .
وَالشَّافِعِيَّةُ يُطْلِقُونَ الْقَوْلَ بِالْفَسَادِ: سَوَاءٌ اشْتُرِطَ الْعَمَلُ عَلَى الْجَمِيعِ أَمْ عَلَى بَعْضٍ دُونَ بَعْضٍ؛ لأِنَّ هَذِهِ أَمْوَالٌ مُتَمَايِزَةٌ فَلاَ يُمْكِنُ أَنْ تَجْمَعَهَا شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ. فَتُطَبَّقُ أَحْكَامُ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ .
35 - الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ الْمُشْتَرَكُ فِيهِ يُمْكِنُ اسْتِحْقَاقُهُ بِعَقْدِ الإْجَارَةِ: كَالنِّسَاجَةِ وَالصِّبَاغَةِ وَالْخِيَاطَةِ وَكَالصِّيَاغَةِ وَالْحِدَادَةِ وَالنِّجَارَةِ، وَكَتَعْلِيمِ الْكِتَابَةِ أَوِ الْحِسَابِ أَوِ الطِّبِّ أَوِ الْهَنْدَسَةِ أَوِ الْعُلُومِ الأْدَبِيَّةِ - وَكَذَلِكَ، عَلَى مَا أَفْتَى بِهِ الْمُتَأَخِّرُونَ اسْتِحْسَانًا تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ وَالْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَسَائِرِ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ - وَإِنْ كَانَ الأْصْلُ فِيهَا عَدَمُ صِحَّةِ الإْجَارَةِ عَلَيْهَا كَسَائِرِ الْقُرَبِ.
أَمَّا مَا لاَ يُسْتَحَقُّ بِعَقْدِ الإْجَارَةِ، فَلاَ تَصِحُّ فِيهِ شَرِكَةُ الأْعْمَالِ . وَهَذَا يَنْتَظِمُ جَمِيعَ الْمَحْظُورَاتِ الشَّرْعِيَّةِ: كَالنِّيَاحَةِ عَلَى الْمَوْتَى، وَالأْغَانِي الْخَلِيعَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ بِالأْنْغَامِ الْمُخِلَّةِ بِصِحَّةِ الأْدَاءِ - كَمَا يَنْتَظِمُ جَمِيعَ الْقُرَبِ - عَدَا مَا اسْتَثْنَاهُ الْمُتَأَخِّرُونَ لِلضَّرُورَةِ، لِئَلاَّ تَضِيعَ الْعُلُومُ الشَّرْعِيَّةُ، أَوْ تَتَعَطَّلَ الشَّعَائِرُ الدِّينِيَّةُ: كَالإْمَامَةِ وَالأْذَانِ وَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ . فَلاَ يَصِحُّ التَّعَاقُدُ عَلَى إِنْشَاءِ شَرِكَةِ وُعَّاظٍ تَعِظُ النَّاسَ وَتُذَكِّرُهُمْ بِالأْجْرَةِ ، وَكَذَلِكَ لاَ تَصِحُّ شَرِكَةُ الشُّهُودِ؛ لأِنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ مَحْظُورَاتِ الشَّرْعِ إِنْ كَانَتْ زُورًا، وَمِنَ الْقُرُبَاتِ أَوِ الْفَرَائِضِ إِنْ كَانَتْ حَقًّا - سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ التَّحَمُّلُ وَالأْدَاءُ، عَلَى مَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مَوْضِعِهِ .
شَرْطٌ خَاصٌّ بِشَرِكَةِ الْوُجُوهِ:
36 - اشْتَرَطَ الْحَنَفِيَّةُ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِنِسْبَةِ ضَمَانِهِمَا الثَّمَنَ: وَضَمَانُهُمَا الثَّمَنَ إِنَّمَا هُوَ بِنِسْبَةِ حِصَصِهِمَا فِيمَا يَشْتَرِيَانِهِ مَعًا، أَوْ كُلٌّ عَلَى انْفِرَادٍ. وَمِقْدَارُ هَذِهِ الْحِصَصِ يَتْبَعُ الشَّرْطَ الَّذِي وَقَعَ التَّشَارُطُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَقْدِ الشَّرِكَةِ. فَمِنَ الْجَائِزِ الْمَشْرُوعِ أَنْ يَتَعَاقَدَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا يَشْتَرِيَانِهِ أَوْ يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا بَيْنَهُمَا مُنَاصَفَةً، أَوْ عَلَى التَّفَاوُتِ الْمَعْلُومِ أَيَّمَا كَانَ - كَأَنْ يَكُونَ لأِحَدِهِمَا الثُّلُثُ أَوِ الرُّبُعُ، أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ، وَلِلآْخَرِ الثُّلُثَانِ أَوِ الثَّلاَثَةُ الأْرْبَاعُ إِلَخْ. وَإِذْ كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ عَلَى التَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ هُنَا أَنْ تَكُونَ عَلَى التَّسَاوِي فِي حِصَصِ الْمُشْتَرِي وَثَمَنِهِ أَيْضًا.
فَإِذَا شُرِطَ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ فِي الرِّبْحِ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مِمَّا عَلَيْهِ مِنَ الضَّمَانِ فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ لاَ أَثَرَ لَهُ، وَيَظَلُّ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ ضَمَانِهِمَا؛ لأِنَّهُ لاَ يُوجَدُ فِي هَذِهِ الشَّرِكَةِ سَبَبٌ لاِسْتِحْقَاقِ الرِّبْحِ سِوَى الضَّمَانِ، فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ. ذَلِكَ أَنَّ الرِّبْحَ إِنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ أَوِ الْعَمَلِ أَوِ الضَّمَانِ، كَمَا سَيَجِيءُ فِي الأْحْكَامِ ، وَلاَ مَالَ هُنَا وَلاَ عَمَلَ، فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بِسَبَبِ الضَّمَانِ، وَإِذَنْ تَكُونُ قِسْمَتُهُ بِحَسَبِهِ. لِئَلاَّ يَلْزَمَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ.
وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّ الرِّبْحَ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ؛ لأِنَّ الشَّرِيكَيْنِ شَرِكَةَ وُجُوهٍ يَتَّجِرَانِ، وَالتِّجَارَةُ عَمَلٌ يَتَفَاوَتُ كَيْفًا، كَمَا يَتَفَاوَتُ كَمًّا، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الْقَائِمِينَ بِهِ نَشَاطًا وَخِبْرَةً - فَالْعَدَالَةُ أَنْ تُتْرَكَ الْحُرِّيَّةُ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ لِيُقَدِّرَا كُلَّ حَالَةٍ بِحَسَبِهَا: حَتَّى إِذَا اقْتَضَتِ التَّفَاوُتَ فِي الرِّبْحِ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا مِنْ حَرَجٍ فِي التَّشَارُطِ عَلَيْهِ وَفْقَ مَا يَرَيَانِ. نَظِيرُهُ، لِنَفْسِ هَذَا الْمُدْرَكِ، شَرِكَاتُ الْعَنَانِ الأْخْرَى، وَالْمُضَارَبَةِ، إِذْ يَكْفِي فِيهِمَا أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَ مُسْتَحِقِّيهِ بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ، عَلَى التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاوُتِ - بَالِغًا مَا بَلَغَ هَذَا التَّفَاوُتُ .
أَحْكَامُ الشَّرِكَةِ وَالآْثَارُ الْمُتَرَتِّبَةُ عَلَيْهَا:
أَوَّلاً - أَحْكَامٌ عَامَّةٌ
أ - الاِشْتِرَاكُ فِي الأْصْلِ وَالْغَلَّةِ:
37 - حُكْمُ شَرِكَةِ الْعَقْدِ صَيْرُورَةُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَمَا يُسْتَفَادُ بِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا (أَيِ الْعَاقِدَيْنِ) .
ب - عَدَمُ لُزُومِ الْعَقْدِ:
38 - وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ غَيْرِ الْمَالِكِيَّةِ. فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِفَسْخِ الشَّرِكَةِ، رَضِيَ الآْخَرُ أَمْ أَبَى، حَضَرَ أَمْ غَابَ، كَانَ نُقُودًا أَمْ عُرُوضًا.
لَكِنَّ الْفَسْخَ لاَ يَنْفَدُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ مِنْ حِينِ عِلْمِ الآْخَرِ بِهِ، لِمَا فِيهِ مِنْ عَزْلِهِ عَمَّا كَانَ لَهُ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ بِمُقْتَضَى عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَهُوَ عَزْلٌ قَصْدِيٌّ آثَرَهُ الْفَاسِخُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلاَ يُسَلَّطُ عَلَى الإْضْرَارِ بِغَيْرِهِ.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَلَمْ يَشْتَرِطُوا عِلْمَ الشَّرِيكِ بِالْفَسْخِ، كَمَا فِي عَزْلِ الْوَكِيلِ .
نَعَمْ شَرَطَ الطَّحَاوِيُّ، وَأَيَّدَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - وَمَعَهُمَا ابْنُ رُشْدٍ الْمَالِكِيُّ وَحَفِيدُهُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ - أَنْ يَكُونَ الْمَالُ نَاضًّا لاَ عُرُوضًا، وَإِلاَّ فَالشَّرِكَةُ بَاقِيَةٌ، وَالْفَسْخُ لاَغٍ. إِلاَّ أَنَّ هَذَا الْبَعْضَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يُلْغُونَ الْفَسْخَ، وَإِنَّمَا يُوقِفُونَهُ إِلَى النُّضُوضِ: فَيَظَلُّ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَهُمُ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ مِنْ أَجْلِ نُضُوضِهِ - حَتَّى يَتِمَّ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَيْ تَصَرُّفٍ آخَرَ، كَالرَّهْنِ أَوِ الْحَوَالَةِ أَوِ الْبَيْعِ بِغَيْرِ النَّقْدِ الَّذِي يَنِضُّ بِهِ الْمَالُ .
وَيُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ الْفَسْخِ، أَنْ يَقُولَ الشَّرِيكُ لِشَرِيكِهِ: لاَ أَعْمَلُ مَعَكَ فِي الشَّرِكَةِ. فَإِذَا تَصَرَّفَ الآْخَرُ فِي مَالِ الشَّرِكَةِ بَعْدَ هَذَا، فَهُوَ ضَامِنٌ لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ فِي هَذَا الْمَالِ عِنْدَ الْفَسْخِ: مِثْلاً فِي الْمِثْلِيِّ، وَقِيمَةً فِي الْمُتَقَوِّمِ .
39 - وَبِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّضُوضِ، إِذَا اتَّفَقَ أَنْ كَانَ الْمَالُ عُرُوضًا عِنْدَمَا انْتَهَتِ الشَّرِكَةُ، فَإِنَّ لِلشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَفْعَلاَ مَا يَرَيَانِهِ: مِنْ قِسْمَتِهِ، أَوْ بَيْعِهِ وَقِسْمَةِ ثَمَنِهِ. فَإِنِ اخْتَلَفَا، فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ، وَآثَرَ الآْخَرُ الْبَيْعَ، أُجِيبَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ؛ لأِنَّ هَا تُحَقِّقُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا مَا يَسْتَحِقُّهُ أَصْلاً وَرِبْحًا، دُونَ حَاجَةٍ إِلَى تَكَلُّفِ مَزِيدٍ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ. وَمِنْ هُنَا يُفَارِقُ الشَّرِيكُ الْمُضَارِبَ، إِذِ الْمُضَارِبُ إِنَّمَا يَظْهَرُ حَقُّهُ بِالْبَيْعِ. فَإِذَا طَلَبَهُ أُجِيبَ إِلَيْهِ. هَكَذَا قَرَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ - عَدَا ابْنَ رُشْدٍ وَحَفِيدَهُ وَمَنْ تَابَعَهُمَا - فَعِنْدَهُمْ أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ عَقْدٌ لاَزِمٌ.
وَيَسْتَمِرُّ هَذَا اللُّزُومُ إِلَى أَنْ يَنِضَّ الْمَالُ، أَوْ يَتِمَّ الْعَمَلُ الَّذِي تُقُبِّلَ، وَقَدِ اسْتَظْهَرَ بَعْضُ الْحَنَابِلَةِ الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ أَيْضًا بِلُزُومِ شَرِكَةِ الأْعْمَالِ بَعْدَ التَّقَبُّلِ .
ج - يَدُ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ:
40 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ يَدَ الشَّرِيكِ يَدُ أَمَانَةٍ بِالنِّسْبَةِ لِمَالِ الشَّرِكَةِ، أَيًّا كَانَ نَوْعُهَا.
لأِنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ مَالٌ مَقْبُوضٌ بِإِذْنِ مَالِكِهِ، لاَ لِيَسْتَوْفِيَ بَدَلَهُ، وَلاَ يَسْتَوْثِقَ بِهِ .
وَالْقَاعِدَةُ فِي الأْمَانَاتِ أَنَّهَا لاَ تُضْمَنُ إِلاَّ بِالتَّعَدِّي أَوِ التَّقْصِيرِ، وَإِذَنْ فَمَا لَمْ يَتَعَدَّ الشَّرِيكُ أَوْ يُقَصِّرْ، فَإِنَّهُ لاَ يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ، وَلَوْ ضَاعَ مَالُ الشَّرِكَةِ أَوْ تَلِفَ. وَيُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ، وَضَيَاعِ الْمَالِ أَوْ تَلَفِهِ كُلًّا أَوْ بَعْضًا، وَدَعْوَى دَفْعِهِ إِلَى شَرِيكِهِ .
41 - وَمِنَ النَّتَائِجِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى أَمَانَةِ الشَّرِيكِ، وَقَبُولِ قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ فِي مِقْدَارِ الرِّبْحِ وَالْخَسَارَةِ، وَالذَّاهِبِ وَالْمُتَبَقِّي، أَنَّهُ - كَسَائِرِ الأْمَنَاءِ، مِثْلُ الْوَصِيِّ وَنَاظِرِ الْوَقْفِ - لاَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَدِّمَ حِسَابًا مُفَصَّلاً. فَحَسْبُهُ أَنْ يَقُولَ عَلَى الإْجْمَالِ: لَمْ يَبْقَ عِنْدِي مِنْ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ إِلاَّ كَذَا، أَوْ تَجَشَّمْتُ مِنَ الْخَسَارَةِ كَذَا، أَوْ لَمْ أُصِبْ مِنَ الرِّبْحِ إِلاَّ كَذَا. فَإِنْ قُبِلَ مِنْهُ فَذَاكَ، وَإِلاَّ حَلَفَ، وَلاَ مَزِيدَ.
هَكَذَا أَفْتَى قَارِئُ الْهِدَايَةِ، وَأَطْلَقَ الْفَتْوَى وَلَكِنَّهُمْ قَيَّدُوهَا مِنَ النَّاحِيَةِ الْقَضَائِيَّةِ - بِمَا إِذَا كَانَ الأْمِينُ مَعْرُوفًا بِالأْمَانَةِ فِي وَاقِعِ الأْمْرِ ، وَإِلاَّ فَإِنَّهُ يُطَالَبُ بِالتَّفْصِيلِ وَيُهَدِّدُهُ الْقَاضِي إِنْ لَمْ يَفْعَلْ. بَيْدَ أَنَّهُ إِنْ أَصَرَّ عَلَى الإْجْمَالِ فَلاَ سَبِيلَ عَلَيْهِ وَرَاءَ يَمِينِهِ .
وَهَكَذَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ، إِذْ يَنُصُّونَ عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ إِذَا ادُّعِيَتْ عَلَيْهِ خِيَانَةٌ فَالأْصْلُ عَدَمُهَا .
وَمِنَ التَّعَدِّي: مُخَالَفَةُ نَهْيِ شَرِيكِهِ: فَإِنَّ كُلَّ مَا لِلشَّرِيكِ فِعْلُهُ مِنْ كَيْفِيَّاتِ التَّصَرُّفِ إِذَا نَهَاهُ عَنْهُ شَرِيكُهُ امْتَنَعَ عَلَيْهِ - فَإِذَا خَالَفَهُ ضَمِنَ حِصَّةَ شَرِيكِهِ: كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: لاَ تَرْكَبِ الْبَحْرَ بِمَالِ التِّجَارَةِ، فَرَكِبَ، أَوْ لاَ تَبِعْ إِلاَّ نَقْدًا، فَبَاعَ نَسِيئَةً .
وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْحَنَابِلَةُ: إِذْ يَقُولُونَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ بَيْعُ النَّسِيئَةِ فَبَاعَهُ، كَانَ الْبَيْعُ بَاطِلاً؛ لأِنَّهُ وَقَعَ بِلاَ إِذْنٍ - إِلاَّ إِذَا جَرَيْنَا عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْفُضُولِيِّ مَوْقُوفٌ، فَيَكُونُ مَوْقُوفًا، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْخِرَقِيِّ - مِنْهُمُ الصِّحَّةَ مَعَ الضَّمَانِ - إِلاَّ أَنَّهُ ضَمَانُ الثَّمَنِ، بِخِلاَفِهِ فِي قَوْلِ الْبُطْلاَنِ، فَإِنَّهُ ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمَانُ هُوَ ضَمَانَ الْقِيمَةِ عَلَى كُلِّ حَالٍ - لأِنَّهُ لَمْ يَفُتْ مِنَ الْمَالِ سِوَاهَا .
وَمِنَ التَّعَدِّي أَنْ يَحْمِلَ نَصِيبَ شَرِيكِهِ حَتَّى يَمُوتَ، فَإِنْ مَاتَ دُونَ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَ نَصِيبِ شَرِيكِهِ: هَلِ اسْتَوْفَاهُ شَرِيكُهُ، أَوْ ضَاعَ، أَوْ تَلِفَ بِتَعَدٍّ، أَوْ بِدُونِهِ، أَمْ لاَ؟ وَهَلْ هُوَ عَيْنٌ عِنْدَهُ أَمْ عِنْدَ غَيْرِهِ أَمْ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ؟ فَإِنَّهُ إِذَنْ يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فِي مَالِ تَرِكَتِهِ - إِلاَّ إِذَا عَرَفَهُ الْوَارِثُ، وَبَرْهَنَ عَلَى مَعْرِفَتِهِ إِيَّاهُ، وَبَيَّنَ بِمَا يَنْفِي ضَمَانَهُ. وَهَذَا هُوَ مُفَادُ قَوْلِ ابْنِ نُجَيْمٍ فِي الأْشْبَاهِ: «وَمَعْنَى مَوْتِهِ مُجَهِّلاً، أَنْ لاَ يُبَيِّنَ حَالَ الأْمَانَةِ، وَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ وَارِثَهُ لاَ يَعْلَمُهَا».
وَقَدْ عَبَّرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَنِ التَّجْهِيلِ الْمَذْكُورِ بِتَرْكِ الإْيصَاءِ. لَكِنَّهُمْ فِيهِ أَشَدُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: إِذْ لاَ يُعْفِي الشَّرِيكَ مِنَ الضَّمَانِ عِنْدَهُمْ أَنْ يُوصِيَ إِلَى وَارِثِهِ بِمَا لَدَيْهِ لِشَرِيكِهِ، بَلْ لاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْوَصِيَّةُ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِلَى أَمِينٍ مَعَ الإْشْهَادِ عَلَيْهَا .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَكَالْحَنَفِيَّةِ إِلاَّ أَنَّهُمْ يُسْقِطُونَ الضَّمَانَ بِمُضِيِّ عَشْرِ سِنِينَ، وَيَقُولُونَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رَدَّ الْمَالَ، إِذَا كَانَ أَخَذَهُ بِدُونِ بَيِّنَةِ تَوْثِيقٍ
د - اسْتِحْقَاقُ الرِّبْحِ:
42 - لاَ يُسْتَحَقُّ الرِّبْحُ إِلاَّ بِالْمَالِ أَوِ الْعَمَلِ أَوِ الضَّمَانِ؛ فَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ، لأِنَّهُ نَمَاؤُهُ فَيَكُونُ لِمَالِكِهِ. وَمِنْ هُنَا اسْتَحَقَّهُ رَبُّ الْمَالِ فِي رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ. وَهُوَ يُسْتَحَقُّ بِالْعَمَلِ حِينَ يَكُونُ الْعَمَلُ: سَبَبَهُ: كَنَصِيبِ الْمُضَارِبِ فِي رِبْحِ الْمُضَارَبَةِ، اعْتِبَارًا بِالإْجَارَةِ .
وَيُسْتَحَقُّ بِالضَّمَانِ كَمَا فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ. لِقَوْلِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» أَوِ «الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ» أَيْ مَنْ ضَمِنَ شَيْئًا فَلَهُ غَلَّتُهُ. وَلِذَا سَاغَ لِلشَّخْصِ أَنْ يَتَقَبَّلَ الْعَمَلَ مِنَ الأْعْمَالِ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ - وَيَتَعَهَّدَ بِإِنْجَازِهِ لِقَاءَ أَجْرٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ يَتَّفِقَ مَعَ آخَرَ عَلَى الْقِيَامِ بِهَذَا الْعَمَلِ بِأَجْرٍ أَقَلَّ مِنَ الأْجْرِ الأْوَّلِ ، وَيَرْبَحَ هُوَ فَرْقَ مَا بَيْنَهُمَا حَلاَلاً طَيِّبًا - لِمُجَرَّدِ أَنَّهُ ضَمِنَ الْعَمَلَ، دُونَ أَنْ يَقُومَ بِهِ: وَعَسَى أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ مَالٌ أَصْلاً.
فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ أَحَدُ هَذِهِ الأْسْبَابِ الثَّلاَثَةِ، الَّتِي لاَ يُسْتَحَقُّ الرِّبْحُ إِلاَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا، لَمْ يَكُنْ ثَمَّ سَبِيلٌ إِلَيْهِ. وَلِذَا لاَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَقُولَ شَخْصٌ لآِخَرَ: تَصَرَّفْ فِي مَالِكِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِي، أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَنَا - فَإِنَّ هَذَا عَبَثٌ مِنَ الْعَبَثِ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْفِقْهِ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْمَالِ دُونَ مُزَاحِمٍ .
43 - وَفِي شَرِكَتَيِ الأْمْوَالِ (الْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ) مَالٌ وَعَمَلٌ عَادَةً. وَالرِّبْحُ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ دَائِمًا عَلَى التَّسَاوِي كَمَا عَلِمْنَاهُ. أَمَّا فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ: فَالرِّبْحُ بِحَسَبِ الْمَالَيْنِ، إِذَا رَأَى الشَّرِيكَانِ إِغْفَالَ النَّظَرِ إِلَى الْعَمَلِ، وَلَهُمَا أَنْ يَجْعَلاَ لِشَرْطِ الْعَمَلِ قِسْطًا مِنَ الرِّبْحِ يَسْتَأْثِرُ بِهِ - زَائِدًا عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ فِي الرِّبْحِ بِمُقْتَضَى حِصَّتِهِ فِي رَأْسِ الْمَالِ - مَنْ شُرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ فِي الشَّرِكَةِ: لِئَلاَّ يَكُونَ قَدِ اسْتَحَقَّهُ بِلاَ مَالٍ وَلاَ عَمَلٍ وَلاَ ضَمَانٍ: سَوَاءٌ أَشَرَطَ عَلَى شَرِيكِهِ أَنْ يَعْمَلَ أَيْضًا أَمْ لاَ، وَسَوَاءٌ عَمِلَ هُوَ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ أَمْ لاَ؛ لأِنَّ الْمَنَاطَ هُوَ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ، لاَ وُجُودُهُ.
وَمِنْ هُنَا كَانَ سَائِغًا فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ أَنْ يَتَسَاوَى الْمَالاَنِ وَيَتَفَاضَلَ الشَّرِيكَانِ فِي الرِّبْحِ، وَأَنْ يَتَفَاضَلَ الْمَالاَنِ وَيَتَسَاوَى الرِّبْحَانِ - عَلَى نَحْوِ مَا وَضَعْنَا لاَ بِإِطْلاَقٍ، وَلاَ حِينَ لاَ يُتَعَرَّضُ لِشَرْطِ الْعَمَلِ: وَإِلاَّ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَالرِّبْحُ بِحَسَبِ الْمَالَيْنِ. أَمَّا الْخَسَارَةُ فَهِيَ أَبَدًا بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ لأِنَّ هَا جُزْءٌ ذَاهِبٌ مِنَ الْمَالِ، فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ.
وَقَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ: اعْلَمْ أَنَّهُمَا إِذَا شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا: إِنْ تَسَاوَيَا مَالاً وَتَفَاوَتَا رِبْحًا، جَازَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلاَثَةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا، وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ. وَإِنْ شَرَطَاهُ عَلَى أَحَدِهِمَا: فَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا جَازَ، وَيَكُونُ مَالُ الَّذِي لاَ عَمَلَ لَهُ بِضَاعَةٌ عِنْدَ الْعَامِلِ، لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ، وَإِنْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِلْعَامِلِ - أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ - جَازَ أَيْضًا عَلَى الشَّرْطِ. وَيَكُونُ مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ مُضَارَبَةً، وَلَوْ شَرَطَا الرِّبْحَ لِلدَّافِعِ - أَكْثَرَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ - لاَ يَصِحُّ الشَّرْطُ، وَيَكُونُ مَالُ الدَّافِعِ عِنْدَ الْعَامِلِ بِضَاعَةً: لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رِبْحُ مَالِهِ - وَالْوَضِيعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا أَبَدًا .
44 - وَقَاعِدَةُ الرِّبْحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ - كَالْخَسَارَةِ - لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ - فَلَوْ وَقَعَ التَّشَارُطُ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ كَانَ الْعَقْدُ نَفْسُهُ بَاطِلاً .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: فَالرِّبْحُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ خِلاَفُهُ، فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى الشَّرْطِ . وَتَفَرَّدَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِي الْحَنَابِلَةِ بِمُوَافَقَةِ الْحَنَفِيَّةِ تَمَامَ الْمُوَافَقَةِ: فَالرِّبْحُ عِنْدَهُمْ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ إِلاَّ أَنْ تُشْتَرَطَ الزِّيَادَةُ لِعَامِلٍ فَيَصِحُّ الشَّرْطُ حِينَئِذٍ .
وَيُضِيفُ الْمَالِكِيَّةُ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ أَيْضًا بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ. وَإِلاَّ فَسَدَتِ الشَّرِكَةُ: كَمَا لَوْ كَانَتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا فِي رَأْسِ الْمَالِ مِائَةً، وَحِصَّةُ الآْخَرِ مِائَتَيْنِ، وَتَعَاقَدَا عَلَى التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ. فَإِنْ وَضَعَا هَذِهِ الشَّرِكَةَ مَوْضِعَ التَّنْفِيذِ، اسْتَحَقَّ الشَّرِيكُ بِالثُّلُثِ الرُّجُوعَ عَلَى الآْخَرِ بِسُدُسِ عَمَلِهِ، أَيْ بِأُجْرَةِ مِثْلِ ذَلِكَ. نَعَمْ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِشَيْءٍ مِنَ الْعَمَلِ، أَوْ بِالْعَمَلِ كُلِّهِ .
أَمَّا فِي الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، فَهُمْ مُصَرِّحُونَ بِأَنَّ الْعَمَلَ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَاحِدٍ: عَلَى مَعْنَى أَنْ يَأْذَنَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ لِلآْخَرِ فِي التَّصَرُّفِ، دُونَ الْعَكْسِ - فَيَتَصَرَّفَ الْمَأْذُونُ فِي جَمِيعِ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَلاَ يَتَصَرَّفَ الآْذِنُ إِلاَّ فِي مَالِ نَفْسِهِ - إِنْ شَاءَ - وَلاَ يَصِحُّ أَنْ يَشْتَرِطَ عَلَيْهِ عَدَمَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ، بَلْ إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لَيُبْطِلُ الْعَقْدَ نَفْسَهُ - لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَجْرِ عَلَى الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ. أَمَّا أَنْ يَتَعَهَّدَ هُوَ بِأَنْ لاَ يَعْمَلَ وَيَشْرِطَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَالْحَنَابِلَةُ يُصَحِّحُونَ اشْتِرَاطَ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ مَقْصُورًا عَلَى أَحَدِهِمَا: ثُمَّ إِنْ جُعِلَتْ لَهُ لِقَاءَ عَمَلِهِ زِيَادَةٌ فِي الرِّبْحِ عَمَّا يَسْتَحِقُّهُ بِحِصَّتِهِ فِي الْمَالِ، فَإِنَّهَا تَكُونُ شَرِكَةَ عَنَانٍ وَمُضَارَبَةٍ، وَإِنْ جُعِلَ الرِّبْحُ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، دُونَ زِيَادَةٍ، لَمْ تَكُنْ شَرِكَةً، بَلْ تَكُونُ إِبْضَاعًا، وَإِنْ جُعِلَتِ الزِّيَادَةُ لِغَيْرِ الْعَامِلِ، بَطَلَ الشَّرْطُ فِي الأْصَحِّ - أَيْ وَكَانَتْ إِبْضَاعًا أَيْضًا، كَمَا هُوَ قَضِيَّةُ كَلاَمِهِمْ إِلاَّ أَنَّ فِي كَلاَمِ ابْنِ قُدَامَةَ التَّصْرِيحَ بِأَنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ تَقْتَضِي الاِشْتِرَاكَ فِي الْعَمَلِ .
أَحْكَامٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْمُفَاوَضَةِ وَالْعَنَانِ:
45 - أَوَّلاً: صِحَّتُهُمَا مَعَ اخْتِلاَفِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَوَصْفِهِ:
وَمَتَى اتَّفَقَ فِي تَقْدِيرِ بَعْضِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ تَسَاوِي الْمَالَيْنِ، فَهَذَا كَافٍ لِتَتَحَقَّقَ الشَّرِيطَةُ الْمَطْلُوبَةُ.
وَلاَ يَشْتَرِطُ الْحَنَفِيَّةُ فِي الْمُفَاوَضَةِ وَلاَ فِي الْعَنَانِ اتِّحَادَ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ وَلاَ وَصْفِهِ. فَتَصِحَّانِ مَعَ اخْتِلاَفِ جِنْسِ الْمَالَيْنِ - سَوَاءٌ قَدَّرَا عَلَى التَّسَاوِي أَمْ عَلَى التَّفَاوُتِ، مَهْمَا تَكُنْ دَرَجَةُ هَذَا التَّفَاوُتِ، أَمْ لَمْ يُقَدِّرَا عِنْدَ الْعَقْدِ (وَتَصِحُّ) بِخِلاَفِ الْجِنْسِ: كَدَنَانِيرَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَدَرَاهِمَ مِنَ الآْخَرِ، وَبِخِلاَفِ الْوَصْفِ: كَبِيضٍ وَسُودٍ - وَإِنْ تَفَاوَتَتْ قِيمَتُهَا .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِاشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ - دُونَ الْوَصْفِ، فِي النُّقُودِ خَاصَّةً، وَهَذَا عِنْدَ جَمَاهِيرِهِمْ خِلاَفًا لأِشْهَبَ وَسَحْنُونٍ.
46 - ثَانِيًا: صِحَّتُهُمَا مَعَ عَدَمِ خَلْطِ الْمَالَيْنِ:
وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
47 - ثَالِثًا: صِحَّتُهُمَا مَعَ عَدَمِ تَسْلِيمِ الْمَالَيْنِ:
لاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْمُفَاوَضَةِ أَوِ الْعَنَانِ، أَنْ يُخَلِّيَ كُلُّ شَرِيكٍ بَيْنَ مَالِهِ وَشَرِيكِهِ، بِخِلاَفِ الْمُضَارَبَةِ - إِذْ تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى تَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَى الْمُضَارِبِ كَمَا سَيَجِيءُ.
48 - رَابِعًا: لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ نَقْدًا وَنَسِيئَةً.
لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مُسَاوَمَةً وَمُرَابَحَةً وَتَوْلِيَةً وَمُوَاضَعَةً، وَكَيْفَ رَأَى الْمَصْلَحَةَ لأِنَّ هَذَا عَادَةُ التُّجَّارِ، وَلَهُ أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ وَيَقْبِضَهُمَا وَيُخَاصِمَ بِالدَّيْنِ وَيُطَالِبَ بِهِ وَيُحِيلَهُ وَيَحْتَالَ وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ فِيمَا وَلِيَهُ هُوَ، وَفِيمَا وَلِيَ صَاحِبُهُ، وَأَمَّا الْبَيْعُ نَسِيئَةً فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ نَسِيئَةً لِجَرَيَانِ عَادَةِ التُّجَّارِ بِهَذَا وَذَاكَ كَيْفَمَا اتَّفَقَ، وَلَيْسَ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ مَا يَمْنَعُ مِنْ تَحْكِيمِ هَذِهِ الْعَادَةِ. ذَلِكَ أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْعَقْدُ مِنَ الإْذْنِ فِي التَّصَرُّفِ، وَقَعَ مُطْلَقًا، كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ. وَلَوْ تَشَارَطَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ عَلَى أَنْ يَبِيعَا نَقْدًا لاَ نَسِيئَةً، أَوْ نَسِيئَةً لاَ نَقْدًا، أَوْ - فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ - أَنْ يَبِيعَ أَحَدُهُمَا نَقْدًا وَالآْخَرُ نَسِيئَةً، كَانَا عَلَى شَرْطِهِمَا. بَلْ لَوْ تَرَاضَيَا عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْقُيُودِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَجَبَ الاِلْتِزَامُ بِذَلِكَ، وَكَذَا لَوْ نَهَى أَحَدُهُمَا شَرِيكَهُ - فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ - أَنْ يَبِيعَ عَلَى نَحْوٍ مِنَ الأْنْحَاءِ بِعَيْنِهِ - كَأَنْ نَهَاهُ أَنْ يَبِيعَ نَسِيئَةً، أَوْ عَنْ أَنْ يَبِيعَ نَقْدًا، لاَمْتَنَعَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا نُهِيَ عَنْهُ - حَتَّى لَوْ أَنَّهُ خَالَفَ، لَكَانَ ضَامِنًا حِصَّةَ شَرِيكِهِ. وَلِذَا أَفْتَى ابْنُ نُجَيْمٍ فِي الَّذِي يَبِيعُ نَسِيئَةً بَعْدَ مَا نَهَاهُ شَرِيكُهُ، بِأَنَّ بَيْعَهُ هَذَا نَافِذٌ فِي حِصَّةِ نَفْسِهِ، مَوْقُوفٌ عَلَى الإْجَازَةِ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ: بِحَيْثُ يَبْطُلُ إِنْ لَمْ يُجِزْ. أَيْ ثُمَّ يَكُونُ فِي الْفَوَاتِ الضَّمَانُ .
وَعَلَى وِزَانِ الْبَيْعِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً، يُقَالُ فِي الشِّرَاءِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً، فَإِنَّهُمَا لاَ يَخْتَلِفَانِ مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ، وَإِنِ اخْتَلَفَا مِنْ نَاحِيَةٍ أُخْرَى: إِذْ إِنَّهُ فِي الْمُفَاوَضَةِ يَكُونُ الشِّرَاءُ دَائِمًا لِلشَّرِكَةِ - فِيمَا عَدَا الْحَاجَاتِ الْخَاصَّةَ لِكِلاَ الشَّرِيكَيْنِ. أَمَّا فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ، فَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ دَائِمًا، كَمَا سَيَجِيءُ. نَعَمْ فِي فَتَاوَى قَاضِيخَانْ: أَنَّهُ لَوِ اشْتَرَى أَحَدُ شَرِيكَيِ الْمُفَاوَضَةِ طَعَامًا نَسِيئَةً - أَيْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ - فَإِنَّ الثَّمَنَ يَكُونُ عَلَيْهِمَا، بِخِلاَفِ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ أَحَدُ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ - إِذْ يَكُونُ الثَّمَنُ عَلَيْهِ خَاصَّةً، وَأَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدُ شَرِيكَيِ الْمُفَاوَضَةِ طَعَامَهُ بِعَقْدِ سَلَمٍ، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَقْدًا جَائِزًا عَلَى شَرِيكِهِ.
وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - كَالْحَنَفِيَّةِ، فِي أَنَّ لِكُلِّ شَرِيكٍ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ نَقْدًا وَنَسِيئَةً - إِلاَّ أَنَّهُمْ لاَ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ . وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى عَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ نَسِيئَةً؛ لِمَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ، وَتَعْرِيضِ أَمْوَالِ الشَّرِكَةِ لِلضَّيَاعِ - مَا لَمْ يَأْذَنْ سَائِرُ الشُّرَكَاءِ وَأَقْوَى الاِحْتِمَالَيْنِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، إِذَا وَقَعَ الإْذْنُ فِي مُطْلَقِ نَسِيئَةٍ أَوْ بِصِيغَةِ عُمُومٍ: كَبِعْ كَيْفَ شِئْتَ - أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الأْجَلِ الْمُتَعَارَفِ، لاَ غَيْرِهِ كَعَشْرِ سِنِينَ .
49 - خَامِسًا: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُوَكِّلَ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ: كَاسْتِئْجَارِ أَجِيرٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَرَبَةٍ أَوْ صَانِعٍ أَوْ بَيْطَارٍ - لِشَيْءٍ مِنْ تِجَارَتِهِمَا، وَكَالإْنْفَاقِ فِي مَصَالِحِ الشَّرِكَةِ.
عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِلشَّرِيكِ الآْخَرِ أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ الَّذِي وَكَّلَهُ شَرِيكُهُ، مَتَى مَا شَاءَ، شَأْنَ وَكِيلِ الْوَكِيلِ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ حَقُّ التَّوْكِيلِ بِدُونِ إِذْنِ شَرِيكِهِ؛ لأِنَّهُ إِنَّمَا ارْتَضَى تَصَرُّفَهُ هُوَ. وَقَاعِدَتُهُمْ: «أَنَّ مَنْ لاَ يَعْمَلُ إِلاَّ بِإِذْنٍ لاَ يُوَكِّلُ إِلاَّ بِإِذْنٍ».
50 - سَادِسًا: لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَعْمَلُ لِلشَّرِكَةِ: سَوَاءٌ فِي إِصْلاَحِ مَالِهَا - كَعِلاَجِ دَوَابِّهَا، وَتَرْكِيبِ آلاَتِهَا - أَمْ فِي حِرَاسَتِهِ وَحِفْظِهِ، أَمْ فِي الاِتِّجَارِ بِهِ، أَمْ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، وَيَمْضِي ذَلِكَ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لأِنَّ عَادَةَ التُّجَّارِ قَدْ جَرَتْ بِالاِسْتِئْجَارِ - فِي كُلِّ مَا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى تِجَارَاتِهِمْ .
51 - سَابِعًا: الشَّرِيكُ الَّذِي يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِمَنْ تَكُونُ أُجْرَتُهُ؟ تَكُونُ أُجْرَتُهُ لِلشَّرِكَةِ، مَا لَمْ يَكُنْ قَدْ أَجَّرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ، فَحِينَئِذٍ تَكُونُ بِهِ خَاصَّةً. وَكَالْخَدْمَةِ فِي الْعَنَانِ مَا هُوَ بِمَعْنَاهَا.
أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، فَهَذَا هُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلُوهُ عَنِ التتارخانية - إِذْ تَقُولُ: وَلَوْ أَجَّرَ أَحَدُ الْمُتَفَاوِضَيْنِ نَفْسَهُ، لِحِفْظِ شَيْءٍ، أَوْ خِيَاطَةِ ثَوْبٍ، أَوْ عَمَلٍ مِنَ الأْعْمَالِ ، فَالأْجْرُ بَيْنَهُمَا. وَكَذَلِكَ كُلُّ كَسْبٍ اكْتَسَبَهُ أَحَدُهُمَا، فَالأْجْرُ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ آجَرَ نَفْسَهُ لِلْخِدْمَةِ. فَالأْجْرُ لَهُ خَاصَّةً وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْبَدَائِعِ، وَقَدْ عَلَّلَ الْكَاسَانِيُّ اسْتِثْنَاءَ الْخِدْمَةِ بِأَنَّ: الشَّرِيكَ فِيهَا إِنَّمَا يَمْلِكُ التَّقَبُّلَ عَلَى نَفْسِهِ، دُونَ شَرِيكِهِ، بِخِلاَفِهِ فِيمَا عَدَاهَا - فَإِذَا الْتَزَمَ بِالْخِدْمَةِ وَقَامَ بِهَا، فَقَدْ وَفَّى بِمَا لَزِمَهُ خَاصَّةً، فَتَكُونُ الأْجْرَةُ كَذَلِكَ لَهُ خَاصَّةً، وَإِذَا تَقَبَّلَ عَمَلاً مَا غَيْرَ الْخِدْمَةِ، وَالْتَزَمَ بِهِ، فَإِنَّ هَذَا التَّقَبُّلَ وَالاِلْتِزَامَ يَكُونُ عَلَى كِلاَ الشَّرِيكَيْنِ؛ لأِنَّهُ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ - فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَمَلِ الْمُلْتَزَمِ، وَقَعَ الْعَمَلُ عَنْهُمَا: وَكَانَ الَّذِي عَمِلَ مُتَبَرِّعًا بِحِصَّةِ شَرِيكِهِ فِيهِ، فَتَكُونُ الأْجْرَةُ بَيْنَهُمَا .
وَلَيْسَ لِشَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ وَلاَ لِشَرِيكِ الْعَنَانِ، أَنْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ تِجَارَتِهِمَا، ثُمَّ يَخْتَصَّ بِأُجْرَتِهِ - إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ إِذْنًا صَرِيحًا؛ لأِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يُغَيِّرَ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ، دُونَ صَرِيحِ الرِّضَا مِنْ شَرِيكِهِ - كَمَا قَرَّرَهُ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ وَغَيْرُهُ.
وَالْمُقَرَّرُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، أَنَّ الشَّرِيكَ يَخْتَصُّ بِأُجْرَةِ عَمَلِهِ خَارِجَ الشَّرِكَةِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ عَمَلِهَا - كَمَا لَوْ أَخَذَ مَالاً يُضَارِبُ بِهِ فِي نَفْسِ نَوْعِ تِجَارَةِ الشَّرِكَةِ (الْمَنْسُوجَاتُ مَثَلاً) غَايَةُ مَا هُنَاكَ، أَنَّهُ إِذَا شُغِلَ بِذَلِكَ عَنِ الْعَمَلِ فِي الشَّرِكَةِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ إِذْنِ شَرِيكِهِ - حَتَّى يَكُونَ هَذَا الإْذْنُ بِمَثَابَةِ التَّبَرُّعِ لَهُ بِعَمَلِهِ ذَاكَ. وَإِلاَّ كَانَ لِهَذَا الشَّرِيكِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ مَا عَمِلَ عَنْهُ .
52 - ثَامِنًا: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَدْفَعَ مَالَ الشَّرِكَةِ إِلَى أَجْنَبِيٍّ مُضَارَبَةً؛ لأِنَّ الْمُضَارَبَةَ أَضْعَفُ مِنَ الشَّرِكَةِ، وَالأْقْوَى يَسْتَتْبِعُ الأْضْعَفَ. وَإِنَّمَا كَانَتِ الْمُضَارَبَةُ أَضْعَفَ. لأِنَّ الْخَسَارَةَ فِيهَا يَخْتَصُّ بِهَا رَبُّ الْمَالِ، وَهِيَ فِي الشَّرِكَةِ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، وَفِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ لَيْسَ لِلْمُضَارِبِ شَيْءٌ مِنَ الرِّبْحِ، أَمَّا فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ فَالرِّبْحُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا، ثُمَّ مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ الاِشْتِرَاكُ فِي الأْصْلِ وَالرِّبْحِ، وَمُقْتَضَى الْمُضَارَبَةِ الاِشْتِرَاكُ فِي الرِّبْحِ دُونَ الأْصْلِ .
إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَزِيدُونَ لِجَوَازِ الْمُضَارَبَةِ قَيْدَ اتِّسَاعِ الْمَالِ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الَّذِينَ لاَ يُجِيزُونَ لِلشَّرِيكِ التَّوْكِيلَ وَالاِسْتِئْجَارَ لِلتِّجَارَةِ بِدُونِ إِذْنِ شَرِيكِهِ إِلَى مَنْعِهِ مِنْ دَفْعِ مَالِ الشَّرِكَةِ إِلَى أَجْنَبِيٍّ مُضَارَبَةً.
53 - تَاسِعًا: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُودِعَ مَالَ الشَّرِكَةِ؛ لأِنَّ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فِي عُهْدَةِ حَارِسٍ يَسْتَأْجِرُهُ لِحِفْظِهِ، فَلأَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ بِدُونِ أَجْرٍ أَجْدَرُ وَأَوْلَى. عَلَى أَنَّ الإْيدَاعَ مِنْ مَصَالِحِ التِّجَارَةِ، إِذْ تُتَّقَى بِهِ السَّرِقَاتُ، وَأَخْطَارُ الطَّرِيقِ وَغَيْرِ الطَّرِيقِ .
أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ، فَلاَ يَرَوْنَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُودِعَ - إِلاَّ إِذَا دَعَتْ إِلَى ذَلِكَ حَاجَةٌ بِهِ، إِذِ الْمَالُ قَدْ يَضِيعُ بِالإْيدَاعِ. حَتَّى لَوْ أَنَّهُ أَوْدَعَ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ، فَضَاعَ الْمَالُ ضَمِنَهُ .
54 - عَاشِرًا: ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ دُونَ إِذْنِ شَرِيكِهِ إِذَا أَمِنَ الطَّرِيقَ لأِنَّ الْمَفْرُوضَ أَنَّ الشَّرِكَةَ أُطْلِقَتْ، وَلَمْ تُقَيَّدْ بِمَكَانٍ. فَالإْذْنُ بِالتَّصَرُّفِ الصَّادِرُ فِي ضِمْنِهَا لِكُلِّ شَرِيكٍ هُوَ عَلَى هَذَا الإْطْلاَقِ، إِذْ لاَ يَخْرُجُ الْمُطْلَقُ عَنْ إِطْلاَقِهِ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، وَلاَ دَلِيلَ، وَيَسْتَوِي بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ قَرِيبَ الشُّقَّةِ أَوْ بَعِيدَهَا، وَأَنْ يَكُونَ الْمَالُ خَفِيفَ الْمَحْمَلِ أَوْ ثَقِيلَهُ - عَلَى خِلاَفٍ فِي كُلٍّ مِنْ هَذَا وَذَاكَ .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَأَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّرِيكِ أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الشَّرِكَةِ إِلاَّ بِإِذْنٍ صَرِيحٍ أَوْ عُرْفِيٍّ أَوْ ضَرُورَةٍ. وَمِنَ الإْذْنِ الْعُرْفِيِّ، مَا لَوْ عُقِدَتِ الشَّرِكَةُ عَلَى ظَهْرِ سَفِينَةٍ، ثُمَّ اسْتَمَرَّتِ الرِّحْلَةُ إِلَى الْمَقْصِدِ. وَمِنَ الضَّرُورَةِ، جَلاَءُ أَهْلِ الْبَلَدِ عَنْهُ لِكَارِثَةٍ، أَوْ فِرَارًا مِنْ زَحْفِ الْعَدُوِّ الْقَاهِرِ. فَإِذَا خَالَفَ الشَّرِيكُ، فَسَافَرَ سَفَرًا غَيْرَ مَسْمُوحٍ بِهِ، كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ، لَوْ ضَاعَ الْمَالُ - لَكِنَّهُ لَوْ بَاعَ شَيْئًا مَضَى بَيْعُهُ: دُونَ أَيِّ تَنَافٍ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ ثُبُوتِ ضَمَانِهِ . وَكَذَا الْمَالِكِيَّةُ فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ. أَمَّا شَرِيكُ الْمُفَاوَضَةِ فَلَيْسَ مُقَيَّدًا إِلاَّ بِرِعَايَةِ الْمَصْلَحَةِ .
55 - حَادِيَ عَشَرَ: يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُقَايِلَ فِيمَا بِيعَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ: سَوَاءٌ أَكَانَ هُوَ الْبَائِعَ أَمْ شَرِيكَهُ. لأِنَّ الإْقَالَةَ شِرَاءٌ فِي الْمَعْنَى، وَهُوَ يَمْلِكُ شِرَاءَ مَا بَاعَهُ، أَوْ بَاعَهُ شَرِيكُهُ .
وَهَذَا أَيْضًا هُوَ مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - وَلَوْ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الإْقَالَةَ فَسْخٌ: عَلَى أَحَدِ احْتِمَالَيْنِ - اعْتِبَارًا بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ. إِلاَّ أَنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِالْمَصْلَحَةِ - كَمَا لَوْ خِيفَ عَجْزُ الْمُشْتَرِي عَنِ الْوَفَاءِ بِالثَّمَنِ، أَوْ تَبَيَّنَ وُقُوعُ غَبْنٍ عَلَى الشَّرِكَةِ .
56 - ثَانِيَ عَشَرَ: لَيْسَ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ إِتْلاَفُ مَالِ الشَّرِكَةِ أَوِ التَّبَرُّعُ بِهِ: لأِنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّرِكَةِ التَّوَصُّلُ إِلَى الرِّبْحِ. فَمَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ إِذْنٌ صَرِيحٌ مِنَ الشَّرِيكِ الآْخَرِ، لاَ يَمْلِكُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَهَبَ، أَوْ يُقْرِضَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا . إِذِ الْهِبَةُ مَحْضُ تَبَرُّعٍ، وَالإْقْرَاضُ تَبَرُّعٌ ابْتِدَاءً؛ لأِنَّهُ إِعْطَاءُ الْمَالِ دُونَ تَنَجُّزِ عِوَضٍ فِي الْحَالِ. فَإِذَا فَعَلَ، فَلاَ جَوَازَ لِفِعْلِهِ عَلَى شَرِيكِهِ إِلاَّ بِإِذْنٍ صَرِيحٍ، وَإِنَّمَا يَنْفُذُ فِي حِصَّةِ نَفْسِهِ لاَ غَيْرُ.
57 - إِلاَّ أَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ أَدْخَلُوا بَعْضَ الْمُسْتَثْنَيَاتِ عَلَى امْتِنَاعِ الْهِبَةِ: إِذْ أَجَازُوهَا فِي اللَّحْمِ وَالْخُبْزِ وَالْفَاكِهَةِ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مِمَّا يَتَهَادَاهُ النَّاسُ، وَيَتَسَامَحُونَ فِيهِ. جَاءَ فِي الْهِنْدِيَّةِ: «لَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِنْ مَالِ الْمُفَاوَضَةِ، وَيَتَّخِذَ دَعْوَةً مِنْهُ. وَلَمْ يُقَدَّرْ بِشَيْءٍ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُنْصَرِفٌ إِلَى الْمُتَعَارَفِ: وَهُوَ مَا لاَ يَعُدُّهُ التُّجَّارُ سَرَفًا ».
كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَمِدُوا طَرِيقَةَ أَبِي يُوسُفَ فِي عَدَمِ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ هِبَةِ الشَّرِيكِ الَّذِي تَوَلَّى الْبَيْعَ، لِثَمَنِ مَا بَاعَ. أَوْ إِبْرَائِهِ مِنْهُ، وَبَيْنَ هِبَةِ الشَّرِيكِ الآْخَرِ أَوْ إِبْرَائِهِ. وَرَأَوْا خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ أَنَّ الَّذِي تَوَلَّى الْبَيْعَ، لَوْ وَهَبَ الْمُشْتَرِيَ ثَمَنَ مَا بَاعَهُ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، نَفَذَ عَلَى شَرِيكِهِ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ، كَوَكِيلِ الْبَيْعِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ حَيْثُ يَنْفُذُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ مُوَكِّلُهُ .
58 - وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا. إِلاَّ أَنَّهُمْ يُقَيِّدُونَ الإْبْرَاءَ الْمَسْمُوحَ بِهِ بِكَوْنِهِ حَطًّا مِنْ بَعْضِ الثَّمَنِ، وَيُطْلِقُونَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَيَسْتَوِي أَنْ يَقَعَ مِنْ مُتَوَلِّي الْعَقْدِ أَوْ مِنَ الشَّرِيكِ الآْخَرِ. كَمَا أَنَّهُمْ يَضْبِطُونَ التَّبَرُّعَاتِ الْمَسْمُوحَ بِهَا لِلشَّرِيكِ عَلَى الْعُمُومِ بِمَا يُقِرُّهُ الْعُرْفُ وَفْقَ مَا يَتَنَاسَبُ مَعَ الْمَرْكَزِ الْمَالِيِّ لِلشَّرِكَةِ. وَهَذَا مَبْدَأٌ عَامٌّ يَنْتَظِمُ الْهَدَايَا، وَالْمَآدِبَ، وَالْعَوَارِيَّ إِذَا اسْتَأْلَفَ النَّاسَ تَرْغِيبًا لَهُمْ فِي التَّعَامُلِ مَعَ الشَّرِكَةِ. وَلِلْحَنَابِلَةِ نَحْوٌ مِنْهُ. إِلاَّ أَنَّهُمْ أَقَلُّ تَوَسُّعًا فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَكْثَرُ تَقَيُّدًا بِمُرَاعَاةِ فَائِدَةِ الشَّرِكَةِ .
59 - ثَالِثَ عَشَرَ: لَيْسَ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الآْخَرِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ: لأِنَّ الْعَقْدَ بَيْنَهُمَا عَلَى التِّجَارَةِ، وَالزَّكَاةُ لَيْسَتْ مِنْهَا. ثُمَّ إِنَّهَا بِدُونِ إِذْنِ رَبِّ الْمَالِ لاَ تَقَعُ الْمَوْقِعَ، لِعَدَمِ صِحَّتِهَا بِدُونِ نِيَّةٍ، فَتُلْتَحَقُ بِالتَّبَرُّعَاتِ، وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ التَّبَرُّعَ بِمَالِ شَرِيكِهِ. فَإِذَا أَذِنَ لَهُ شَرِيكُهُ فَذَاكَ .
60 - رَابِعَ عَشَرَ: لَيْسَ لأِحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يَخْلِطَ مَالَ الشَّرِكَةِ بِمَالٍ لَهُ خَاصٍّ دُونَ إِذْنِ شَرِيكِهِ: لأِنَّ الْخَلْطَ يَسْتَتْبِعُ إِيجَابَ حُقُوقٍ، وَقُيُودًا عَلَى حُرِّيَّةِ التَّصَرُّفِ. فَلاَ يُسَلَّطُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَيْهِ، لِئَلاَّ يَتَجَاوَزَ حُدُودَ مَا رَضِيَ بِهِ صَاحِبُ الْمَالِ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
61 - تَنْبِيهٌ: الإْذْنُ الْعَامُّ مِنَ الشَّرِيكِ - كَقَوْلِهِ لِشَرِيكِهِ: تَصَرَّفْ كَمَا تَرَى - يُغْنِي غَنَاءَ الإْذْنِ الْخَاصِّ فِي كُلِّ مَا هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا يَقَعُ فِي التِّجَارَةِ كَالرَّهْنِ وَالاِرْتِهَانِ وَالسَّفَرِ، وَالْخَلْطِ بِالْمَالِ الْخَاصِّ، وَشَرِكَةِ الْمَالِ مَعَ أَجْنَبِيٍّ. فَمَنْ مَنَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ بِالإْذْنِ، كَفَى فِيهِ عِنْدَهُ الإْذْنُ الْعَامُّ.
وَلَكِنَّ هَذَا الإْذْنَ الْعَامَّ لاَ غَنَاءَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْهِبَةِ، وَالْقَرْضِ، وَكُلُّ مَا يُعَدُّ إِتْلاَفًا لِلْمَالِ، أَوْ تَمْلِيكًا لَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ. بَلْ لاَ بُدَّ مِنَ الإْذْنِ الصَّرِيحِ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ، لِيَنْفُذَ عَلَى الشَّرِكَةِ. صَرَّحَ بِهَذَا الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ
أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ بِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ:
62 - تَتَلَخَّصُ هَذِهِ الأْحْكَامُ فِي أَنَّ شَرِيكَيِ الْمُفَاوَضَةِ شَخْصٌ وَاحِدٌ حُكْمًا فِي أَحْكَامِ التِّجَارَةِ وَتَوَابِعِهَا - وَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ حَقِيقَةً وَالسِّرُّ فِي هَذَا، أَنَّ شَرِكَةَ الْمُفَاوَضَةِ تَتَضَمَّنُ وَكَالَةً وَكَفَالَةً، إِذْ كُلٌّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فِيهَا وَكِيلٌ عَنِ الآْخَرِ فِيمَا يَجِبُ لَهُ، وَكَفِيلٌ عَنْهُ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ . وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا الأْصْلِ الْعَامِّ، فُرُوعٌ وَنَتَائِجُ شَتَّى:
63 - أَوَّلاً: كُلُّ مَا اشْتَرَاهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ إِلاَّ حَوَائِجَهُ وَحَوَائِجَ أَهْلِهِ الأْسَاسِيَّةَ: أَمَّا أَنَّ كُلَّ مَا اشْتَرَاهُ فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ، فَذَلِكَ أَنَّ مُقْتَضَى عَقْدِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ فِي كُلِّ مَا يَصِحُّ الاِشْتِرَاكُ فِيهِ، وَتَدْخُلُهُ عُقُودُ التِّجَارَةِ. وَمِنْ ذَلِكَ الإْجَارَةُ؛ لأِنَّ هَا شِرَاءُ مَنْفَعَةٍ: فَمَا اسْتَأْجَرَهُ أَحَدُهُمَا فَهُوَ لِلشَّرِكَةِ أَيْضًا. نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَنَفِيَّةُ .
وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْحَوَائِجِ الأْسَاسِيَّةِ؛ فَلأِنَّ الْعُرْفَ قَاضٍ بِاسْتِثْنَائِهَا. إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ هَذِهِ تَبِعَةٌ تَقَعُ عَلَى عَاتِقِ كُلِّ شَرِيكٍ لِخَاصَّةِ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، دُونَ أَنْ يَتَحَمَّلَ مَعَهُ شَرِيكُهُ فِي ذَلِكَ غُرْمًا، وَالْمَشْرُوطُ عُرْفًا، كَالْمَشْرُوطِ بِصَرِيحِ الْعِبَارَةِ. فَيَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْحَوَائِجِ الأْسَاسِيَّةِ مُشْتَرِيهَا - وَإِنْ كَانَتْ، عِنْدَ غَضِّ النَّظَرِ عَنْ هَذِهِ الْقَرِينَةِ، مِمَّا يَنْتَظِمُهُ عَقْدُ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، إِذْ هِيَ مِنْ نَوْعِ مَا يُتَّجَرُ فِيهِ، وَيَقْبَلُ الشَّرِكَةَ. وَمِنَ الْحَاجَاتِ الأْسَاسِيَّةِ - وَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً لِلشَّرِكَةِ، إِذْ شِرَاءُ الْمَنَافِعِ مِمَّا يَقْبَلُهَا - بَيْتٌ يُسْتَأْجَرُ لِلسُّكْنَى، وَعَرَبَةٌ أَوْ سَفِينَةٌ أَوْ طَائِرَةٌ أَوْ دَابَّةٌ تُسْتَأْجَرُ لِلرُّكُوبِ أَوِ الْحَمْلِ مِنْ أَجْلِ الْمَصْلَحَةِ الْخَاصَّةِ: كَالْحَجِّ، وَقَضَاءِ وَقْتِ الإْجَازَاتِ بَعِيدًا عَنِ الْعَمَلِ، وَحَمْلِ الأْمْتِعَةِ الْخَاصَّةِ. وَفَرْقٌ آخَرُ فَإِنَّ الْحَاجَاتِ الأْسَاسِيَّةَ يَتَحَمَّلُ مُشْتَرِيهَا ثَمَنَهَا كُلَّهُ، لِمَكَانِ اخْتِصَاصِهِ بِهَا - وَلِذَا، لَوْ أَدَّى ثَمَنَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ كَانَ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ فِي هَذَا الثَّمَنِ.
64 - وَيَرَى مُتَأَخِّرُو الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ نَفَقَةَ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ الْخَاصَّةَ بِهِ شَخْصِيًّا - مِنْ أَجْلِ طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، وَلِبَاسِهِ، وَتَنَقُّلاَتِهِ - تُلْغَى مُطْلَقًا، وَلاَ تَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ إِذَا أَنْفَقَهَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. سَوَاءٌ تَسَاوَتْ حِصَّتَا الشَّرِيكَيْنِ، وَنَفَقَاتُهُمَا، وَسِعْرُ بَلَدَيْهِمَا - إِنِ اخْتَلَفَا - أَمْ لاَ. ثُمَّ عَلَّلُوا ذَلِكَ بِأَنَّهَا نَفَقَاتٌ يَسِيرَةٌ عَادَةً، أَوْ دَاخِلَةٌ فِي التِّجَارَةِ .
أَمَّا نَفَقَةُ أُسْرَةِ الشَّرِيكِ فَيُشْتَرَطُ لإِلْغَاءِ حِسَابِهَا أَنْ تَتَقَارَبَ الأْسْرَتَانِ عَدَدَ أَفْرَادٍ، وَمُسْتَوًى اجْتِمَاعِيًّا، وَإِلاَّ دَخَلَتْ فِي الْحِسَابِ: فَأَيُّهُمَا أَخَذَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَوْقَ نِسْبَةِ حِصَّتِهِ، رَجَعَ عَلَيْهِ شَرِيكُهُ بِحِصَّتِهِ فِيمَا أَنْفَقَ وَالشَّرِيكُ الْمُفَاوِضُ مُصَدَّقٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَلِعِيَالِهِ. فِيمَا يَلِيقُ، مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْكِسْوَةِ، دُونَ سَائِرِ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ .
إِقْرَارُ الشَّرِيكِ بِدَيْنٍ عَلَى شَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ
65 - ثَانِيًا: مَا لَزِمَ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ فِي الْمُفَاوَضَةِ مِنْ دَيْنِ التِّجَارَةِ، أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا. يَلْزَمُ الآْخَرَ، وَيَكْفِي إِقْرَارُهُ بِالدَّيْنِ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ لُزُومُهُ لِلْمُقِرِّ بِمُقْتَضَى إِقْرَارِهِ، ثُمَّ لُزُومُهُ لِشَرِيكِهِ بِمُقْتَضَى كَفَالَتِهِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
66 - وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالإْقْرَارِ بِالدَّيْنِ أَثْنَاءَ قِيَامِ الشَّرِكَةِ. أَمَّا فِي الإْقْرَارِ بِعَيْنٍ - كَوَدِيعَةٍ وَرَهْنٍ - أَوْ بِدَيْنٍ لَكِنْ بَعْدَ انْتِهَاءِ الشَّرِكَةِ، فَإِنَّمَا تَلْزَمُ الْمُقِرَّ حِصَّتُهُ مِنَ الْعَيْنِ أَوِ الدَّيْنِ: ثُمَّ هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِحِصَّةِ شَرِيكِهِ مُجَرَّدُ شَاهِدٍ. وَلِلْمُقَرِّ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ هَذَا الشَّاهِدِ، وَيَسْتَحِقُّ حِصَّةَ الشَّرِيكِ أَيْضًا .
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فِي شَرِكَةِ الْعَنَانِ، قَوْلٌ بِقَبُولِ إِقْرَارِ الشَّرِيكِ بِالدَّيْنِ وَالْعَيْنِ عَلَى الشَّرِكَةِ، مَا دَامَتْ قَائِمَةً، وَمِنْهُمْ مَنِ اخْتَارَهُ فَيَجِيءُ بِالأْوْلَى فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ .
67 - ثَالِثًا: حُقُوقُ الْعَقْدِ الَّذِي يَتَوَلاَّهُ أَحَدُهُمَا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ، مُسْتَوِيَةٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمَا. بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْمُفَاوَضَةِ .
مِثَالُ ذَلِكَ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الاِسْتِحْقَاقِ، وَالْمُطَالَبَةُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوِ الثَّمَنِ، وَقَبْضُهُمَا وَإِقْبَاضُهُمَا: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ كُلُّهُ لَهُمَا أَمْ عَلَيْهِمَا. فَإِذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لِلشَّرِكَةِ، وَأَرَادَ أَنْ يُمَارِسَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْحُقُوقِ، لِقِيَامِ سَبَبِهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَنْ يَكُونَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ، بَلْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ أَيْضًا، وَكَذَلِكَ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الشِّرَاءِ .
وَالَّذِي يَشْتَرِي سِلْعَةً مِنْ سِلَعِ الشَّرِكَةِ ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا، يَكُونُ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى أَيِّ الشَّرِيكَيْنِ شَاءَ، وَإِذَا اسْتَحَقَّتْ عِنْدَهُ لآِخَرَ - كَأَنْ تَبَيَّنَ أَنَّهَا مَغْصُوبَةٌ أَوْ مَسْرُوقَةٌ - كَانَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِثَمَنِهَا، الَّذِي دَفَعَهُ، أَيَّهُمَا شَاءَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي بَاشَرَ عَقْدَ الْبَيْعِ، أَوْ تَوَلَّى قَبْضَ الثَّمَنِ. كَمَا أَنَّ لَهُ عِنْدَ بِدَايَةِ الصَّفْقَةِ أَنْ يُطَالِبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا بِتَسْلِيمِ السِّلْعَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي بَاعَهَا. وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَقْبِضَ الثَّمَنَ، وَيَقُومَ بِالتَّسْلِيمِ الْمَطْلُوبِ، أَوْ يَقْبِضَهُ أَحَدُهُمَا وَيُسَلِّمَ الآْخَرُ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَمَّا لَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ أَشْيَائِهِ الْخَاصَّةِ وَآجَرَهُ، فَحُقُوقُ الْعَقْدِ خَاصَّةٌ بِهِ. فَلَيْسَ لِلَّذِي يَشْتَرِي مِنْهُ مَثَلاً أَنْ يُطَالِبَ شَرِيكَهُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، وَلاَ لِهَذَا الشَّرِيكِ أَنْ يُطَالِبَ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ .
68 - رَابِعًا: تَصَرُّفُ الْمُفَاوِضِ نَافِذٌ عَلَيْهِ وَعَلَى شَرِيكِهِ فِي كُلِّ مَا يَعُودُ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ نَفْعُهُ: سَوَاءٌ أَكَانَ مِنْ أَعْمَالِ التِّجَارَةِ وَمُلْحَقَاتِهَا أَمْ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ.
وَهَذَا الْحُكْمُ مَوْضِعُ وِفَاقٍ بَيْنَ الْقَائِلِينَ بِالْمُفَاوَضَةِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُجَافِي الْمَصْلَحَةَ يَقُومُ بِهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، بِلاَ إِذْنٍ سَابِقٍ مِنْ شَرِيكِهِ، يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهُ عَلَى الشَّرِكَةِ، عَلَى إِجَازَتِهِ اللاَّحِقَةِ. فَإِنْ لَمْ يُجِزْ، نَفَذَ عَلَى الْمُتَصَرِّفِ وَحْدَهُ، وَضَمِنَ حَقَّ شَرِيكِهِ. فَلَوْ أَنَّهُ مَثَلاً وَلَّى بِأَصْلِ الثَّمَنِ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا صَفْقَةً عَقَدَهَا هُوَ أَوْ شَرِيكُهُ يُقَدَّرُ رِبْحُهَا بِخَمْسِينَ فِي الْمِائَةِ: فَإِنَّ شَرِيكَهُ إِنْ لَمْ يُجِزْهُ، يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِالْمِائَةِ - إِنْ كَانَتِ الشَّرِكَةُ بِالنِّصْفِ - لأِنَّ الْمُحَابَاةَ كَالتَّبَرُّعِ. إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الدَّافِعُ إِلَى هَذِهِ الْمُحَابَاةِ تَأَلُّفَ عَمِيلٍ ذِي خَطَرٍ لِمُصْلِحَةِ الشَّرِكَةِ .
69 - خَامِسًا: بَيْعُ الْمُفَاوِضِ مِمَّنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ صَحِيحٌ نَافِذٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَيْ عَلَى الشَّرِكَةِ. وَلاَ تَأْثِيرَ هُنَا لِتُهْمَةِ الْمُحَابَاةِ؛ لأِنَّ الْمُتَفَاوِضِينَ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ. بِخِلاَفِ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ، فَإِنَّ غَايَتَهَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا وَكِيلٌ عَنِ الآْخَرِ - وَمَوَاضِعُ التُّهْمَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ الْوَكَالاَتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إِلاَّ إِذَا قِيلَ لِلْوَكِيلِ: عَامِلْ مَنْ شِئْتَ، فَيَصِحُّ التَّعَامُلُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ. وَيَكْتَفِي الصَّاحِبَانِ بِإِيجَابِ مِثْلِ الْقِيمَةِ لِتَصْحِيحِ التَّعَامُلِ الَّذِي لَمْ يَبْلُغْهُ، بِكُلِّ حَالٍ .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَصَرُّفَ الشَّرِيكِ الْمُفَاوِضِ يَنْفُذُ بِلاَ إِذْنِ شَرِيكِهِ إِذَا كَانَ فِي حُدُودِ مَصْلَحَةِ الشَّرِكَةِ فَلاَ بَأْسَ لَدَيْهِمْ إِذَنْ بِالْبَيْعِ فِي مَوْضِعِ تُهْمَةِ الْمُحَابَاةِ. مَا دَامَتِ الْمُحَابَاةُ لَمْ تَثْبُتْ فِعْلاً .
مُشَارَكَةُ الْمُفَاوِضِ لِشَخْصٍ ثَالِثٍ
70 - لِلْمُفَاوِضِ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عَنَانٍ: وَيَنْفُذَ ذَلِكَ عَلَى شَرِيكِهِ، أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. لأِنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ دُونَ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ، فَلاَ مَحْذُورَ فِي أَنْ تَصِحَّ فِي ضِمْنِهَا، وَتَقَعُ تَبَعًا لَهَا - كَمَا صَحَّتِ الْمُضَارَبَةُ تَبَعًا لِلشَّرِكَةِ مُطْلَقًا: بِأَنْ يُضَارِبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَالِثًا بِمَالِ الشَّرِكَةِ. وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الصَّاحِبَيْنِ.
وَمُقْتَضَى تَعْلِيلِهِ هَذَا أَنْ لاَ تَصِحَّ شَرِكَةُ الْمُفَاوَضَةِ تَبَعًا لِشَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: أَيْ أَلاَّ يَصِحَّ لأِحَدِ شَرِيكَيِ الْمُفَاوَضَةِ - بِدُونِ إِذْنِ شَرِيكِهِ - أَنْ يُفَاوِضَ ثَالِثًا؛ لأِنَّ الشَّيْءَ لاَ يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَرَى عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ . وَاعْتَمَدَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ - إِلاَّ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا عَدَمَ صِحَّةِ الْمُفَاوَضَةِ مِنَ الْمُفَاوِضِ بِأَنَّهَا تَنْعَقِدُ عَنَانًا، وَمَا يَخُصُّ الَّذِي أَحْدَثَهَا - وَلَوْ مَعَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ - مِنْ رِبْحِهَا، يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ الأْوَّلِ .
وَلَمْ يَرَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ مَانِعًا مِنْ أَنْ يُفَاوِضَ الْمُفَاوِضُ أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ فَلَمْ يَجْعَلْ لِلْمُفَاوِضِ أَنْ يُفَاوِضَ، وَلاَ أَنْ يُشَارِكَ شَرِكَةَ عَنَانٍ؛ لأِنَّهُ فِي كِلَيْهِمَا تَغْيِيرُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ الَّذِي تَمَّتْ بِهِ الشَّرِكَةُ الأْولَى - إِذْ يُوجِبُ لِلشَّرِيكِ الْجَدِيدِ حَقًّا فِي مَالِ الشَّرِكَةِ لَمْ يَكُنْ، وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بِدُونِ تَرَاضِي الشُّرَكَاءِ .
وَظَاهِرُ كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ وِفَاقُ أَبِي حَنِيفَةَ . أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ جَعَلُوا لِلْمُفَاوِضِ أَنْ يُفَاوِضَ، أَوْ يَعْقِدَ أَيَّةَ شَرِكَةٍ أُخْرَى - فِي بَعْضِ مَالِ الشَّرِكَةِ، لاَ فِي جَمِيعِهِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْبَعْضُ عَلَى التَّعْيِينِ لاَ عَلَى الشُّيُوعِ: كَمَا لَوْ أَفْرَدَ مِائَةَ دِينَارٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَجَاءَ الأْجْنَبِيُّ بِمِائَةِ دِينَارٍ مِثْلِهَا، وَجَعَلاَ يَتَّجِرَانِ فِي الْمِائَتَيْنِ جَمِيعًا، وَلاَ شَأْنَ لِهَذَا الأْجْنَبِيِّ بِسَائِرِ مَالِ الشَّرِكَةِ الأْولَى .
أَحْكَامٌ خَاصَّةٌ بِشَرِكَةِ الْعَنَانِ:
71 - أَوَّلاً - لَيْسَ كُلُّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ يَكُونُ لِلشَّرِكَةِ: لأِنَّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَيْسَ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ رَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ، لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهَا شَيْئًا مَا بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ. بَلْ يَكُونُ مَا يَشْتَرِيهِ حِينَئِذٍ لِنَفْسِهِ، أَوْ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ بِطَرِيقٍ مَشْرُوعٍ خَارِجَ الشَّرِكَةِ. وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِلشَّرِكَةِ لأِنَّهُ نَوْعٌ مِنَ الاِسْتِدَانَةِ، وَاسْتِدَانَةُ شَرِيكِ الْعَنَانِ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِمَا فِيهَا مِنْ تَجَاوُزِ مِقْدَارِ رَأْسِ الْمَالِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ .
كَذَلِكَ الشَّرِيكُ الَّذِي كُلُّ مَا بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ عُرُوضٌ (غَيْرُ نَقْدٍ) أَوْ مَعَهَا نَاضٌّ لاَ يَفِي بِالثَّمَنِ، لاَ تَمْضِي لِلشَّرِكَةِ صَفْقَتُهُ الْمُشْتَرَاةُ بِالنَّقْدِ (أَعْنِي الأْثْمَانَ ) وَأَيْضًا الشَّرِيكُ الَّذِي يَشْتَرِي لِلشَّرِكَةِ نَوْعًا آخَرَ غَيْرَ النَّوْعِ الَّذِي انْحَصَرَتْ فِيهِ تِجَارَةُ الشَّرِكَةِ بِمُقْتَضَى عَقْدِهَا - لاَ يَكُونُ لِلشَّرِكَةِ شَيْءٌ مِمَّا اشْتَرَاهُ: كَالَّذِي يَشْتَرِي أُرْزًا، وَتِجَارَةُ الشَّرِكَةِ إِنَّمَا هِيَ فِي الْقُطْنِ، أَوْ بِالْعَكْسِ .
وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ شَرِيكُ الْعَنَانِ بِلاَ إِذْنٍ خَاصٍّ مِنْ شَرِيكِهِ لاَ يَكُونُ لِلشَّرِكَةِ إِلاَّ بِثَلاَثِ شَرَائِطَ
1) أَنْ يَكُونَ بِيَدِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ مَا يَكْفِي لِسَدَادِ ثَمَنِ مَا اشْتَرَاهُ.
2)أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي بِيَدِهِ نَاضًّا، لاَ عُرُوضًا، إِذَا اشْتَرَى بِنُقُودٍ.
3) أَنْ يَكُونَ مَا اشْتَرَاهُ مِنْ جِنْسِ تِجَارَةِ الشَّرِكَةِ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا أَسْلَفْنَا شَرِيطَةٌ رَابِعَةٌ.
4( أَنْ لاَ يَكُونَ شَرِيكُهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ صَرَاحَةً فِي الاِخْتِصَاصِ بِالسِّلْعَةِ.
فَإِذَا تَوَافَرَتْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ الأْرْبَعُ ، وَقَعَ الشِّرَاءُ لِلشَّرِكَةِ، وَلَوِ ادَّعَى الشَّرِيكُ أَنَّهُ إِنَّمَا اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، أَوْ حَتَّى أَشْهَدَ بِذَلِكَ عِنْدَ شِرَائِهِ؛ لأِنَّهُ لاَ يَسْتَطِيعُ إِخْرَاجَ نَفْسِهِ مِنَ الْوَكَالَةِ دُونَ عِلْمِ شَرِيكِهِ. هَذَا مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ .
72 - وَلاَ تُوجَدُ مِثْلُ هَذِهِ الشَّرَائِطِ فِي الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، عَدَا قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ، هُنَا وَفِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ، يَرْفُضُ ادِّعَاءَ الشَّرِيكِ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ - وَلَكِنَّهُمُ اعْتَمَدُوا فِيهِمَا تَصْدِيقَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ فِي الْعَنَانِ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ أَمِينٌ يَدَّعِي مُمْكِنًا لاَ يُعْلَمُ إِلاَّ مِنْ قِبَلِهِ، وَلَوْلاَ إِمْكَانُ تَصْرِيحِهِ بِنِيَّتِهِ عِنْدَ الشِّرَاءِ وَالإْشْهَادِ عَلَى ذَلِكَ، لَصُدِّقَ بِلاَ يَمِينٍ، بَلْ عِبَارَةُ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ - وَلَوْ رَابِحًا، وَفِي دَعْوَى الشِّرَاءِ لِلشَّرِكَةِ - وَلَوْ خَاسِرًا. إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُصَدَّقُ عِنْدَهُمْ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ لِلشَّرِكَةِ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ حِصَّتَهُ وَحْدَهَا بِعَيْبٍ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ، فَلاَ يُمَكَّنُ مِنْ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ. نَعَمْ إِنْ صَدَّقَهُ الْبَائِعُ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ لِلشَّرِكَةِ، كَانَ لَهُ، عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ، وَرَدُّ حِصَّتِهِ وَحْدَهَا؛ لأِنَّهُ - بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا - أَصِيلٌ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى حِصَّةِ شَرِيكِهِ وَكِيلٌ، فَكَانَ عَقْدُهُ الْوَاحِدُ بِمَثَابَةِ عَقْدَيْنِ أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ الشَّرِيكَ فِي دَعْوَى الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فِي الشَّرِكَاتِ عَدَا شَرِكَةِ الْجَبْرِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ. وَإِنَّمَا نَصُّوا عَلَيْهِ فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ - وَقَصَرُوهُ فِيهَا عَلَى مَا يَلِيقُ بِالشَّرِيكِ وَأَهْلِهِ: مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ، دُونَ سَائِرِ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ وَالْحَيَوَانِ .
73 - ثَانِيًا: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي يَلْزَمُ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ لاَ يُؤْخَذُ بِهِ الآْخَرُ: لأِنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ تَنْعَقِدُ عَلَى الْوَكَالَةِ لاَ غَيْرُ، إِلاَّ إِذَا صُرِّحَ فِيهَا بِالتَّضَامُنِ - كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَانِيَّةِ، وَإِنْ اسْتَظْهَرَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ بُطْلاَنَ الْكَفَالَةِ حِينَئِذٍ؛ لأِنَّ هَا كَفَالَةٌ لِمَجْهُولٍ، وَالْكَفَالَةُ الصَّرِيحَةُ لاَ تَصِحُّ لَهُ .
74 - وَمَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ عَدَمُ قَبُولِ إِقْرَارِ شَرِيكِ الْعَنَانِ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ عَلَى الشَّرِكَةِ؛ لأِنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التِّجَارَةِ لاَ غَيْرُ، وَالإْقْرَارُ لَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ - وَإِنَّمَا يُقْبَلُ عَلَى نَفْسِهِ فِي حِصَّتِهِ هُوَ وَحْدَهُ . هَكَذَا أَطْلَقُوهُ، مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ بِيَدِهِ أَوْ لاَ - إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الدَّيْنُ مِنْ تَوَابِعِ التِّجَارَةِ، كَثَمَنِ شَيْءٍ اشْتُرِيَ لِلشَّرِكَةِ، وَكَأُجْرَةِ دَلاَّلٍ وَحَمَّالٍ وَمُخَزِّنٍ وَحَارِسٍ، لأِنَّهُ إِذْنٌ كَتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ، أَوْ إِقْبَاضِ الثَّمَنِ. وَهَذَا التَّفْصِيلُ - لَيْسَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْحَنَابِلَةُ رُبَّمَا لِلإْجَابَةِ عَمَّا تَعَلَّقَ بِهِ الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ - فِي ذَهَابِهِ إِلَى قَبُولِ إِقْرَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الشَّرِكَةِ مُطْلَقًا - إِذْ يَقُولُ: «إِنَّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَلاَ يُسَلِّمَ الثَّمَنَ فِي الْمَجْلِسِ، فَلَوْ لَمْ يُقْبَلْ إِقْرَارُهُ بِالثَّمَنِ لَضَاعَتْ أَمْوَالُ النَّاسِ، وَامْتَنَعُوا مِنْ مُعَامَلَتِهِ» وَحَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الإْنْصَافِ، وَقَالَ إِنَّهُ الصَّوَابُ .
75 - ثَالِثًا - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ الَّذِي يَتَوَلاَّهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ، قَاصِرَةٌ عَلَيْهِ: لأِنَّهُ مَا دَامَ الْفَرْضُ أَنْ لاَ كَفَالَةَ، فَإِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ إِنَّمَا تَكُونُ لِلْعَاقِدِ. فَإِذَا بَاعَ أَحَدُهُمَا شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ أَوْ آجَرَهُ، فَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْبِضُ الثَّمَنَ أَوِ الأُْجْرَةَ، وَيُطَالِبُ بِتَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ، وَيُخَاصِمُ عِنْدَ الْخِلاَفِ: فَتُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ يُقِيمُهَا. وَتُطْلَبُ مِنْهُ الْيَمِينُ أَوْ يَطْلُبُهَا. أَمَّا شَرِيكُهُ فَهُوَ وَالأْجْنَبِيُّ سَوَاءٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذِهِ الْحُقُوقِ: لَيْسَ لَهُ وَلاَ عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ.
وَكَذَلِكَ فِي حَالَةِ مَا إِذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا شَيْئًا لِلشَّرِكَةِ أَوِ اسْتَأْجَرَهُ: فَإِنَّهُ، دُونَ شَرِيكِهِ، هُوَ الَّذِي تَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْمُطَالَبَةُ بِالثَّمَنِ أَوِ الأْجْرَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُطَالِبُ بِالتَّسْلِيمِ وَيَتَوَلَّى الْقَبْضَ، وَتَقَعُ الْخُصُومَةُ فِي ذَلِكَ لَهُ وَعَلَيْهِ. ثُمَّ إِذَا دَفَعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ فِيمَا دَفَعَ؛ لأِنَّهُ وَكِيلُ هَذَا الشَّرِيكِ فِيمَا يَخُصُّهُ مِنَ الصَّفْقَةِ.
وَهَكَذَا عِنْدَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَعِنْدَ الرُّجُوعِ بِالاِسْتِحْقَاقِ: إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلَّذِي تَوَلَّى الْعَقْدَ أَوْ عَلَيْهِ. وَلاَ شَأْنَ لِلشَّرِيكِ الآْخَرِ فِيهِ .
76 - وَالرَّهْنُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ، وَالاِرْتِهَانُ بِهِ، مِنْ تَوَابِعِ حُقُوقِ الْعَقْدِ؛ لأِنَّ الرَّهْنَ بِمَثَابَةِ الإْقْبَاضِ ، وَالاِرْتِهَانَ بِمَثَابَةِ الْقَبْضِ. فَبِدُونِ إِذْنِ الْعَاقِدِ - كَالْمُشْتَرِي فِي حَالَةِ الرَّهْنِ، وَالْبَائِعِ فِي حَالَةِ الاِرْتِهَانِ - لاَ يَجُوزُ لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْهَنَ أَوْ يَرْتَهِنَ، وَلَوْ كَانَ قَدْ شَارَكَ فِي الْعَقْدِ الَّذِي أَوْجَبَ الدَّيْنَ. ذَلِكَ لأِنَّ فِي الرَّهْنِ تَوْفِيَةَ دَيْنِ الشَّرِيكِ الآْخَرِ مِنْ مَالِهِ - إِذْ فَرْضُ الْكَلاَمِ فِي رَهْنِ عَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ الشَّرِكَةِ - وَلاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ أَنْ يُوَفِّيَ دَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ مَالِ ذَلِكَ الْغَيْرِ بِدُونِ إِذْنِهِ، وَفِي الاِرْتِهَانِ اسْتِيفَاءُ حِصَّةِ الشَّرِيكِ الآْخَرِ الَّتِي وَجَبَتْ لَهُ بِمُقْتَضَى عَقْدِهِ هُوَ - اسْتِقْلاَلاً أَوْ مُشَارَكَةً - وَذَلِكَ لاَ يَمْلِكُهُ غَيْرُهُ بِدُونِ إِذْنِهِ أَيْضًا .
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنْ لَيْسَ لأِحَدِ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِفِعْلِ شَيْءٍ فِي الشَّرِكَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ شَرِيكِهِ وَمَعْرِفَتِهِ .
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَيَقُولُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي: «وَلَهُ (أَيْ: لِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ) أَنْ يَقْبِضَ الْمَبِيعَ وَالثَّمَنَ، وَيَقْبِضَهُمَا، وَيُخَاصِمَ فِي الدَّيْنِ، وَيُطَالِبَ بِهِ، وَيُحِيلَ وَيَحْتَالَ، وَيَرُدَّ بِالْعَيْبِ: فِيمَا وَلِيَهُ هُوَ، وَفِيمَا وَلِيَ صَاحِبُهُ.. لأِنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لاَ تَخُصُّ الْعَاقِدَ».
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى جَوَازِ انْفِرَادِ أَحَدِ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ بِالرَّدِّ بِالْعَيْبِ .
77 - مَا يَنْفُذُ فِيهِ تَصَرُّفُ شَرِيكِ الْعَنَانِ عَلَى شَرِيكِهِ:
رَابِعًا - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ نَفَاذَ تَصَرُّفِ شَرِيكِ الْعَنَانِ عَلَى شَرِيكِهِ يَخْتَصُّ بِالتِّجَارَةِ: فَإِذَا غَصَبَ شَرِيكُ الْعَنَانِ شَيْئًا أَوْ أَتْلَفَهُ، فَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِضَمَانِهِ، وَلاَ يَشْرَكُهُ فِيهِ شَرِيكُهُ. بِخِلاَفِ مَا إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِلشَّرِكَةِ - شِرَاءً صَحِيحًا - وَهُوَ يَمْلِكُ الْحَقَّ فِي شِرَائِهِ بِمُقْتَضَى عَقْدِهَا، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ شِرَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ، وَعَلَى شَرِيكِهِ: وَلَهُ الرُّجُوعُ عَلَى هَذَا الشَّرِيكِ بِحِصَّتِهِ فِي الثَّمَنِ لَوْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ. بَلْ لَوْ كَانَ الشِّرَاءُ فَاسِدًا، فَتَلِفَ عِنْدَهُ مَا اشْتَرَاهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَتَحَمَّلُ ضَمَانَهُ وَحْدَهُ، بَلْ يَشْرَكُهُ فِيهِ شَرِيكُهُ، عَلَى النِّسْبَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فِي رَأْسِ مَالِ تِجَارَتِهِمَا.
أَمَّا أَبُو يُوسُفَ، فَإِنَّهُ يَكْتَفِي، لِنَفَاذِ تَصَرُّفِ شَرِيكِ الْعَنَانِ عَلَى شَرِيكِهِ بِعَوْدِ نَفْعِهِ عَلَى مَالِ الشَّرِكَةِ، كَشَرِيكِ الْمُفَاوَضَةِ.
وَقَدْ ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ: أَنَّ الْعَارِيَّةَ يَسْتَعِيرُهَا أَحَدُ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ لِغَرَضٍ مِنْ أَغْرَاضِهِ الْخَاصَّةِ - كَحَمْلِ طَعَامِ أَهْلِهِ - تَكُونُ خَاصَّةً بِهِ . فَيَضْمَنُ شَرِيكُهُ لَوِ اسْتَعْمَلَهَا. بِخِلاَفِ مَا لَوِ اسْتَعَارَهَا مِنْ أَجْلِ الشَّرِكَةِ - كَحَمْلِ سِلْعَةٍ مِنْ سِلَعِهَا - فَإِنَّهَا تَكُونُ عَارِيَّةً مُشْتَرَكَةً، كَمَا لَوْ كَانَا اسْتَعَارَاهَا مَعًا: حَتَّى لَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا الآْخَرُ مِثْلَ تِلْكَ السِّلْعَةِ فَتَلِفَتْ، فَلاَ ضَمَانَ .
78 - بَيْعُ شَرِيكِ الْعَنَانِ بِأَقَلَّ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ:
نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَ لاَ يَبِيعُ وَلاَ يَشْتَرِي بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ. فَإِنْ فَعَلَ صَحَّ الْعَقْدُ فِي نَصِيبِهِ خَاصَّةً، وَلِلْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعِ الْخِيَارُ. إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكُ قَدِ اشْتَرَى بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، فَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِي الْجَمِيعِ، وَيَقَعُ الشِّرَاءُ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً، لاَ لِلشَّرِكَةِ . وَقَالُوا لَيْسَ لِلشَّرِيكِ الْبَيْعُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ إِذَا كَانَ ثَمَّ رَاغِبٌ بِأَكْثَرَ - حَتَّى إِنَّهُ لَوْ بَاعَ فِعْلاً، ثُمَّ ظَهَرَ هَذَا الرَّاغِبُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ وَإِلاَّ انْفَسَخَ تِلْقَائِيًّا .
79 - مُشَارَكَةُ شَرِيكِ الْعَنَانِ لِغَيْرِ شَرِيكِهِ:
لَيْسَ لأِحَدِ شَرِيكَيِ الْعَنَانِ أَنْ يُشَارِكَ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ: لاَ مُفَاوَضَةً وَلاَ عَنَانًا. لأِنَّ الشَّيْءَ لاَ يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ، فَكَيْفَ بِمَا هُوَ فَوْقَهُ. لَكِنَّهُ إِذَا كَانَ لاَ يَمْلِكُ أَنْ يُشَارِكَ، فَإِنَّهُ يَمْلِكُ أَنْ يُوَكِّلَ: فَإِذَا شَارَكَ بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ، وَلَكِنْ لاَ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلاَنِ الشَّرِكَةِ بُطْلاَنُ الْوَكَالَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِهَا، إِذْ لاَ يَلْزَمُ مِنْ بُطْلاَنِ الأْخَصِّ بُطْلاَنُ الأْعَمِّ. هَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
80 - وَكَلاَمُ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَامٌّ فِي مَنْعِ دَفْعِ شَيْءٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ إِلَى أَجْنَبِيٍّ لِيَعْمَلَ فِيهِ، دُونَ إِذْنِ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ - وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ خِدْمَةً لِلشَّرِكَةِ وَلَوْ بِلاَ مُقَابِلٍ: وَهُوَ الإْبْضَاعُ؛ لأِنَّ الرِّضَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ إِنَّمَا وَقَعَ قَاصِرًا عَلَى يَدِ الشَّرِيكِ وَتَصَرُّفِهِ هُوَ، دُونَ تَصَرُّفِ أَحَدٍ سِوَاهُ . فَهُوَ شَبِيهٌ بِمَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنَ الشَّرِكَةِ وَيُحِلُّ غَيْرَهُ مَحَلَّهُ.
أَحْكَامُ شَرِكَتَيِ الأْعْمَالِ وَالْوُجُوهِ:
81 - هَاتَانِ الشَّرِكَتَانِ لاَ تَخْرُجَانِ عَنْ أَنْ تَكُونَا مُفَاوَضَةً أَوْ عَنَانًا. فَتُطَبَّقُ فِيهِمَا أَحْكَامُ الْمُفَاوَضَةِ فِي الأْمْوَالِ - إِنْ كَانَتَا مِنْ قَبِيلِ الْمُفَاوَضَةِ، وَأَحْكَامُ الْعَنَانِ فِي الأْمْوَالِ - إِنْ كَانَتَا مِنْ قَبِيلِ الْعَنَانِ. وَإِذَا أُطْلِقَتْ أَيَّتُهُمَا فَهِيَ عَنَانٌ، كَمَا هُوَ الأْصْلُ دَائِمًا .
إِلاَّ أَنَّ شَرِكَةَ الْعَنَانِ فِي الأْعْمَالِ تَأْخُذُ دَائِمًا حُكْمَ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الأْولَى: تَقَبُّلُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ مُلْزِمٌ لَهُمَا عَلَى التَّضَامُنِ كَمَا لَوْ كَانَا شَخْصًا وَاحِدًا - وَإِنْ لَمْ يَلْزَمْ أَحَدًا مِنْهُمَا أَنْ يَعْمَلَ بِنَفْسِهِ، مَا لَمْ يَشْرِطْ ذَلِكَ صَاحِبُ الْعَمَلِ. فَبِدُونِ هَذَا الشَّرْطِ يَسْتَوِي أَنْ يَعْمَلَهُ هُوَ، أَوْ يَعْمَلَهُ شَرِيكُهُ، أَوْ غَيْرُهُمَا - كَأَنْ يَسْتَأْجِرَا، هُمَا أَوْ أَحَدُهُمَا، مَنْ يَقُومُ بِهِ. إِذِ الْمَشْرُوطُ مُطْلَقُ الْعَمَلِ أَمَّا مَعَ هَذَا الشَّرْطِ مِنْ صَاحِبِ الْعَمَلِ فَيُتْبَعُ الشَّرْطُ، لَكِنْ تَظَلُّ الْمَسْأَلَةُ كَمَا هِيَ مِنْ حَيْثُ إِلْزَامُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى التَّضَامُنِ: فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ لاَ يُعْفِي مَنْ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِ مِنَ الْمُطَالَبَةِ، بِحُكْمِ الضَّمَانِ. نَعَمْ هُوَ يُفِيدُ تَقْيِيدَ حَقِّ مُطَالَبَتِهِ - مَا دَامَ لَيْسَ هُوَ الْمُتَقَبِّلَ - بِمُدَّةِ اسْتِمْرَارِ الشَّرِكَةِ، وَأَمَّا إِذَا خَلاَ التَّقَبُّلُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ، فَإِنَّ الضَّمَانَ يَسْتَمِرُّ بَعْدَ انْحِلاَلِ الشَّرِكَةِ.
وَيَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الأْصْلِ أَنَّ:
1) لِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَنْ يُطَالِبَ بِهِ كَامِلاً أَيَّ الشَّرِيكَيْنِ شَاءَ.
2) لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُطَالِبَ صَاحِبَ الْعَمَلِ بِالأْجْرَةِ كَامِلَةً.
3) تَبْرَأُ ذِمَّةُ صَاحِبِ الْعَمَلِ مِنَ الأْجْرَةِ بِدَفْعِهَا إِلَى أَيِّ الشَّرِيكَيْنِ شَاءَ. وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: مَا تَلِفَ، أَوْ تَعَيَّبَ، مِمَّا يَعْمَلُ فِيهِ الشَّرِيكَانِ، بِسَبَبِ أَحَدِهِمَا - فَضَمَانُهُ عَلَيْهِمَا. وَلِصَاحِبِ الْعَمَلِ أَنْ يُطَالِبَ بِهَذَا الضَّمَانِ أَيَّهُمَا شَاءَ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ .
وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّ الضَّمَانَ الْمُشْتَرَكَ مُقَيَّدٌ بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطِ الْمُتَسَبِّبِ فِيهِ، وَإِلاَّ اقْتَصَرَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ .
82 - أَمَّا فِيمَا عَدَا هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ، فَعَنَانُ شَرِكَةِ الأْعْمَالِ كَعَنَانِ غَيْرِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَلِذَا يَنُصُّونَ عَلَى اخْتِلاَفِ حُكْمِ الإْقْرَارِ فِي شَرِكَةِ الأْعْمَالِ بِاخْتِلاَفِ نَوْعَيْهَا مِنْ مُفَاوَضَةٍ وَعَنَانٍ. ذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا أَقَرَّ شَرِيكُ الأْعْمَالِ بِدَيْنٍ مَا مِنْ ثَمَنِ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ - كَصَابُونٍ أَوْ أَيِّ مُنَظِّفٍ آخَرَ أَوْ غَيْرِ مُنَظِّفٍ - أَوْ مِنْ أَجْرِ عُمَّالٍ أَوْ أُجْرَةِ دُكَّانٍ عَنْ مُدَّةٍ مَضَتْ، وَكَذَّبَهُ شَرِيكُهُ، فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ عَلَى شَرِيكِهِ إِذَا كَانَتْ شَرِكَةَ مُفَاوَضَةٍ، وَلاَ يُصَدَّقُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ إِذَا كَانَتْ شَرِكَةَ عَنَانٍ. ذَلِكَ أَنَّ الْمُقِرَّ يَلْزَمُهُ إِقْرَارُهُ، ثُمَّ لاَ يُؤْخَذُ شَرِيكُهُ بِهَذَا الإْقْرَارِ إِلاَّ إِذَا كَانَ كَفِيلاً لَهُ: وَهُوَ كَذَلِكَ فِي الْمُفَاوَضَةِ، وَلاَ كَفَالَةَ فِي الْعَنَانِ، إِذَا أُطْلِقَتْ عَنِ التَّقْيِيدِ بِهَا. أَمَّا الإْقْرَارُ بِالدَّيْنِ قَبْلَ اسْتِهْلاَكِ الْمَبِيعِ أَوْ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الإْجَارَةِ، فَمَاضٍ عَلَى الشَّرِكَةِ بِإِطْلاَقٍ لاَ فَرْقَ بَيْنَ عَنَانٍ وَمُفَاوَضَةٍ.
كَذَلِكَ لَوِ ادَّعَى مُدَّعٍ شَيْئًا مِمَّا يَعْمَلاَنِ فِيهِ، كَثَوْبٍ، فَأَقَرَّ بِهِ أَحَدُهُمَا وَأَنْكَرَ الآْخَرُ - لاَ يُصَدَّقُ الْمُقِرُّ عَلَى صَاحِبِهِ إِلاَّ فِي الْمُفَاوَضَةِ، خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ الَّذِي تَرَكَ هُنَا الْقِيَاسَ إِلَى الاِسْتِحْسَانِ وَقَالَ: إِنَّ إِقْرَارَهُ مَاضٍ عَلَى الشَّرِكَةِ فِي الْعَنَانِ أَيْضًا، إِلْحَاقًا لَهَا بِالْمُفَاوَضَةِ فِي مَحَلِّ الْعَمَلِ، كَمَا أُلْحِقَتْ بِهَا فِي التَّضَامُنِ وَالأْجْرَةِ .
وَالْمَالِكِيَّةُ يَقُولُونَ: فِي شَرِيكَيِ الأْعْمَالِ : إِنَّهُمَا كَشَخْصٍ وَاحِدٍ . فَمُقْتَضَى هَذَا الأْصْلِ الْعَامِّ قَبُولُ أَقَارِيرِ كُلٍّ مِنْهُمَا، وَنَفَاذُهَا عَلَيْهِمَا بِإِطْلاَقٍ: لاَ فَرْقَ بَيْنَ عَنَانٍ وَمُفَاوَضَةٍ، وَلاَ بَيْنَ دَيْنٍ وَعَيْنٍ، وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ، فَإِنَّمَا يُمْضُونَ عَلَيْهِمَا إِقْرَارَ أَحَدِهِمَا إِذَا كَانَ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ؛ لأِنَّ الْيَدَ لَهُ، وَإِلاَّ فَلاَ؛ لاِنْتِفَاءِ الْيَدِ .
قِسْمَةُ الْكَسْبِ بَيْنَ شَرِيكَيِ الْعَمَلِ وَتَحَمُّلُهُمَا الْخَسَارَةَ:
83 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ كَسْبَ الشَّرِكَةِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى مَا شَرَطَا فِي عَنَانِ شَرِكَةِ الأْعْمَالِ ، دُونَ نَظَرٍ إِلَى اتِّسَاقِ الشَّرْطِ أَوْ عَدَمِ اتِّسَاقِهِ مَعَ شَرْطِ الْعَمَلِ عَلَى كِلاَ الشَّرِيكَيْنِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَعْلِيلُ ذَلِكَ، وَتَوْجِيهُ مُخَالَفَتِهِ لِقِسْمَةِ الرِّبْحِ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ.
وَهَذَا أَصْلٌ مُطَّرِدٌ سَوَاءٌ عَمِلَ الشَّرِيكَانِ أَمْ أَحَدُهُمَا، وَسَوَاءٌ كَانَ امْتِنَاعُ الْمُمْتَنِعِ عَنِ الْعَمَلِ لِعُذْرٍ - كَسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ - أَمْ لِغَيْرِهِ، كَكَسَلٍ وَتَعَالٍ؛ لأِنَّ الْعَامِلَ مُعِينٌ لِلآْخَرِ، وَالشَّرْطُ مُطْلَقُ الْعَمَلِ. وَلِذَا لاَ مَانِعَ مِنَ الاِسْتِئْجَارِ عَلَيْهِ، أَوْ حَتَّى الاِسْتِعَانَةِ الْمَجَّانِيَّةِ . فَإِذَا لَمْ يَتَعَرَّضَا لِشَرْطِ الْعَمَلِ بِنِسْبَةٍ مُعَيَّنَةٍ، فَهُوَ عَلَى نِسْبَةِ الرِّبْحِ الَّتِي تَشَارَطَاهَا؛ لأِنَّ هَذَا هُوَ الأْصْلُ، فَلاَ يُعْدَلُ عَنْهُ إِلاَّ بِنَصٍّ صَرِيحٍ: أَمَّا الْخَسَارَةُ (الْوَضْعِيَّةُ) فِي شَرِكَةِ الأْعْمَالِ ، فَلاَ تَكُونُ إِلاَّ بِقَدْرِ ضَمَانِ الْعَمَلِ: أَيْ بِقَدْرِ مَا شُرِطَ عَلَى كِلاَ الشَّرِيكَيْنِ مِنَ الْعَمَلِ، كَمَا أَنَّ الْخَسَارَةَ فِي شَرِكَةِ الأْمْوَالِ دَائِمًا بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ، إِذِ الْعَمَلُ هُنَا كَالْمَالِ هُنَاكَ. وَلِذَا لَوْ تَشَارَطَا عَلَى أَنْ يَكُونَ عَلَى أَحَدِهِمَا ثُلُثَا الْعَمَلِ وَعَلَى الآْخَرِ الثُّلُثُ فَحَسْبُ، وَالْخَسَارَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ - فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْخَسَارَةِ، وَهِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى النِّسْبَةِ الَّتِي تَشَارَطَاهَا فِي الْعَمَلِ نَفْسِهِ .
وَيَنُصُّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ حَالَةَ الإْطْلاَقِ تُحْمَلُ عَلَى التَّسَاوِي فِي الْعَمَلِ وَالأْجْرَةِ : كَالْجِعَالَةِ، إِذْ لاَ مُرَجِّحَ .
أَمَّا جَمَاهِيرُ الْمَالِكِيَّةِ، فَيَتَحَتَّمُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَ شَرِيكَيِ الأْعْمَالِ بِقَدْرِ عَمَلَيْهِمَا، وَلاَ يُتَجَاوَزُ إِلاَّ عَنْ فَرْقٍ يَسِيرٍ. هَذَا فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ - أَمَّا بَعْدَهُ، فَلاَ حَرَجَ عَلَى مُتَبَرِّعٍ إِنْ تَبَرَّعَ، وَلَوْ بِالْعَمَلِ كُلِّهِ. فَإِذَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى تَفَاوُتِ النِّسْبَةِ بَيْنَ الْعَمَلَيْنِ وَالنِّسْبَةِ بَيْنَ الرِّبْحَيْنِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا، فَإِنَّهُ يَكُونُ عَقْدًا فَاسِدًا - عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: وَيَرْجِعُ كِلاَ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا عَمِلَ عَنْهُ . لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَقْرِنُونَ هَذَا التَّشَدُّدَ بِالتَّسَامُحِ فِي رِبْحِ مَا يَعْمَلُهُ الشَّرِيكُ، فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ عَمَلِ الشَّرِكَةِ - إِذْ يَجْعَلُونَهُ لَهُ خَاصَّةً، كَمَا فَعَلُوا فِي شَرِكَةِ الأْمْوَالِ .
84 - تَنْبِيهٌ: لَيْسَ مِنْ شَرَائِطِ شَرِكَةِ الأْعْمَالِ اتِّحَادُ نَوْعِ الْعَمَلِ وَلاَ مَكَانُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، خِلاَفًا لِزُفَرَ - فِي رِوَايَةِ تَصْحِيحِهِ شَرِكَةَ التَّقَبُّلِ. لأِنَّ الْمَقْصُودَ بِالشَّرِكَةِ وَهُوَ تَحْصِيلُ الرِّبْحِ، يَتَأَتَّى مَعَ اتِّحَادِ نَوْعِ الْعَمَلِ وَمَعَ اخْتِلاَفِهِ كَمَا يَتَأَتَّى مَعَ وَحْدَةِ الْمَكَانِ وَمَعَ تَعَدُّدِهِ .
85 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو الْخَطَّابِ، مِنَ الْحَنَابِلَةِ، يَشْتَرِطُونَ اتِّحَادَ نَوْعِ الْعَمَلِ وَإِنْ كَانَ الْمَالِكِيَّةُ يُنَزِّلُونَ تَلاَزُمَ الْعَمَلَيْنِ وَتَوَقُّفَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآْخَرِ، مَنْزِلَةَ اتِّحَادِهِمَا: كَإِعْدَادِ الْخُيُوطِ وَنَسْجِهَا، وَسَبْكِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَصِيَاغَتِهِمَا. بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يَشْتَرِطُ تَسَاوِيَ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَرَجَةِ إِجَادَةِ الصَّنْعَةِ أَوِ الْعَمَلِ. وَالسِّرُّ فِي هَذَا التَّشَدُّدِ كُلِّهِ، هُوَ الْفِرَارُ مِنْ أَنْ يَأْكُلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ثَمَرَةَ كَدِّ الآْخَرِ وَنِتَاجَ عَمَلِهِ. وَقَدْ أَلْزَمَهُمُ ابْنُ قُدَامَةَ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا أَتَقَبَّلُ وَأَنْتَ تَعْمَلُ، صَحَّتِ الشَّرِكَةُ، مَعَ اخْتِلاَفِ الْعَمَلَيْنِ .
86 - أَمَّا اتِّحَادُ الْمَكَانِ فَإِنَّ اشْتِرَاطَهُ هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ. وَلَكِنَّ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ اعْتَمَدُوا خِلاَفَهُ، وَأَوَّلُوا مَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ رَوَاجُ الْعَمَلِ فِي الْمَكَانَيْنِ لَيْسَ وَاحِدًا - حَذَرًا مِنْ أَنْ يَأْكُلَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ كَسْبَ الآْخَرِ، أَوْ عَلَى مَا إِذَا كَانَ الْعَمَلُ فِي أَحَدِ الْمَكَانَيْنِ مُسْتَقِلًّا عَنْهُ فِي الآْخَرِ: بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ لاَ يَتَعَاوَنَانِ فِيمَا يَتَقَبَّلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَكَانِ عَمَلِهِ، أَوْ كَمَا يَقُولُونَ: «إِذَا لَمْ تُجْلَ يَدُ أَحَدِهِمَا فِيمَا هُوَ بِيَدِ الآْخَرِ» وَنَصُّوا عَلَى إِهْدَارِ النَّظَرِ إِلَى الصَّنْعَةِ إِذَا كَانَ الْمَقْصُودُ هُوَ التِّجَارَةَ .
الشَّرِكَةُ الْفَاسِدَةُ:
87 - الشَّرِكَةُ الْفَاسِدَةُ: هِيَ الَّتِي لَمْ تَتَوَافَرْ فِيهَا إِحْدَى شَرَائِطِ الصِّحَّةِ - كَأَهْلِيَّةِ التَّوْكِيلِ وَالتَّوَكُّلِ، وَقَابِلِيَّةِ الْمَحَلِّ لِلْوَكَالَةِ، وَكَوْنِ الرِّبْحِ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ .
وَقَدْ ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ أَمْثِلَةً لِلشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ. فَمِنْ ذَلِكَ:
88 - أَوَّلاً: الشَّرِكَةُ فِي تَحْصِيلِ الْمُبَاحَاتِ الْعَامَّةِ: كَالشَّرِكَةِ فِي الاِحْتِطَابِ، وَالاِحْتِشَاشِ، وَالاِصْطِيَادِ، وَاسْتِقَاءِ الْمَاءِ، وَاجْتِنَاءِ الثِّمَارِ الْجَبَلِيَّةِ، وَاسْتِخْرَاجِ مَا فِي بَطْنِ الأْرْضِ الْمُبَاحَةِ مِنْ نَفْطٍ، أَوْ مَعْدِنٍ خِلْقِيٍّ كَالذَّهَبِ وَالْحَدِيدِ وَالنُّحَاسِ أَوْ كَنْزٍ جَاهِلِيٍّ، وَصُنْعِ لَبِنٍ أَوْ آجُرٍّ مِنْ طِينٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ، فَهَذِهِ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ هَا تَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ، وَالْمَحَلُّ هُنَا غَيْرُ قَابِلٍ لِلْوَكَالَةِ: فَإِنَّ الَّذِي تَسْبِقُ يَدُهُ إِلَى الْمُبَاحِ يَمْلِكُهُ، مَهْمَا يَكُنْ قَصْدُهُ، فَلاَ يُمْكِنُ تَوْكِيلُهُ فِي أَخْذِهِ لِغَيْرِهِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الطِّينُ - وَمِثْلُهُ سَهْلَةُ الزُّجَاجِ مَمْلُوكًا، فَاشْتَرَكَ اثْنَانِ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَاهُ، وَيَطْبُخَاهُ وَيَبِيعَاهُ - فَهَذِهِ شَرِكَةٌ صَحِيحَةٌ.
89 - وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، فَقَدْ صَحَّحُوا الشَّرِكَةَ فِي تَحْصِيلِ الْمُبَاحَاتِ بِإِطْلاَقٍ .
90 - ثَانِيًا: يَقَعُ كَثِيرًا أَنْ تَكُونَ دَابَّةٌ أَوْ عَرَبَةٌ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَيُسَلِّمَهَا أَحَدُهُمَا إِلَى الآْخَرِ، عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَهَا وَيَعْمَلَ عَلَيْهَا، وَيَكُونَ لَهُ ثُلُثَا الرِّبْحِ، وَلِلَّذِي لاَ يَعْمَلُ الثُّلُثُ فَحَسْبُ. وَهِيَ شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ عَقِيلٍ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ؛ لأِنَّ رَأْسَ مَالِهَا مَنْفَعَةٌ، وَالْمَنْفَعَةُ مُلْحَقَةٌ بِالْعُرُوضِ . فَيَكُونُ الدَّخْلُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةِ مِلْكِهِمَا، وَلِلَّذِي كَانَ يَعْمَلُ أُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَلاَ يُشْبِهُ الْعَمَلَ فِي الْمُشْتَرَكِ حَتَّى نَقُولَ: لاَ أَجْرَ لَهُ لأِنَّ الْعَمَلَ فِيمَا يُحْمَلُ وَهُوَ لِغَيْرِهِمَا.
91 - وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ شَبِيهَةٌ بِمَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ أَوِ الْعَرَبَةِ تَكُونُ لِوَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ، فَيَدْفَعُهَا إِلَى آخَرَ لِيَعْمَلَ عَلَيْهَا، وَالأْجْرَةُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا، وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ وَالأْوْزَاعِيُّ عَلَى صِحَّتِهَا، اعْتِبَارًا بِصِحَّةِ الْمُزَارَعَةِ عِنْدَهُمَا. وَهَكَذَا كُلُّ عَيْنٍ تَنْمِي بِالْعَمَلِ فِيهَا يَصِحُّ دَفْعُهَا بِبَعْضِ نَمَائِهَا. وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَاسِدٌ؛ لِشِدَّةِ الْغَرَرِ وَالْجَهَالَةِ: فَمَعَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى فَسَادِ هَذَا كُلِّهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَمِنَ الْحَنَابِلَةِ، ابْنُ عَقِيلٍ، دُونَ تَرَدُّدٍ، وَالْقَاضِي فِي بَعْضِ احْتِمَالاَتِهِ . وَقَدْ يُسْتَأْنَسُ لَهُمْ بِحَدِيثِ النَّهْيِ «عَنْ قَفِيزِ الطَّحَّانِ» يَعْنِي: طَحْنَ كَمِّيَّةٍ مِنَ الْحَبِّ بِشَيْءٍ مِنْ طَحِينِهَا وَإِذَنْ فَمِثْلُ ذَلِكَ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ، لاَ مَحْمَلَ لَهُ سِوَى ذَلِكَ: فَيَكُونُ الرِّبْحُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّةِ أَوِ الْعَرَبَةِ لِصَاحِبِهِمَا؛ لأِنَّ الْعِوَضَ إِنَّمَا اسْتُحِقَّ بِالْحَمْلِ الَّذِي وَقَعَ مِنْهُمَا، وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ إِلاَّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ. وَقَدْ كَانَ أَقْرَبُ مَا يَخْطِرُ بِالْبَالِ لِتَصْحِيحِهِ إِلْحَاقَهُ بِالْمُضَارَبَةِ - وَلَكِنَّ الْمُضَارَبَةَ لاَ تَكُونُ فِي الْعُرُوضِ ثُمَّ هِيَ تِجَارَةٌ، وَالْعَمَلُ هُنَا لَيْسَ مِنَ التِّجَارَةِ فِي شَيْءٍ.
92 - رَابِعًا: وَكَثِيرًا مَا يَقَعُ أَيْضًا فِي شَرِكَاتِ الْبَهَائِمِ، أَنْ يَكُونَ لِرَجُلٍ بَقَرَةٌ، فَيَدْفَعَهَا إِلَى آخَرَ لِيَتَعَهَّدَهَا بِالْعَلَفِ وَالرِّعَايَةِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الْكَسْبُ الْحَاصِلُ بَيْنَهُمَا بِنِسْبَةٍ مَا كَنِصْفَيْنِ. وَهَذِهِ أَيْضًا شَرِكَةٌ فَاسِدَةٌ: لاَ تَدْخُلُ فِي شَرِكَةِ الأْمْوَالِ ، إِذْ لَيْسَ فِيهَا أَثْمَانٌ يُتَّجَرُ بِهَا، وَلاَ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ، أَوِ الْوُجُوهِ، كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. وَالْكَسْبُ الْحَاصِلُ إِنَّمَا هُوَ نَمَاءُ مِلْكِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ - وَهُوَ صَاحِبُ الْبَقَرِ. - فَيَكُونُ لَهُ، وَلَيْسَ لِلآْخَرِ إِلاَّ قِيمَةُ عَلَفِهِ وَأُجْرَةُ مِثْلِ عَمَلِهِ.
وَمِثْلُ ذَلِكَ دُودُ الْقَزِّ، يَدْفَعُهُ مَالِكُهُ إِلَى شَخْصٍ آخَرَ، لِيَتَعَهَّدَهُ عَلَفًا وَخِدْمَةً، وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ الدَّجَاجَةُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَيْضُهَا نِصْفَيْنِ - مَثَلاً - قَالُوا: وَالْحِيلَةُ أَنْ يَبِيعَ نِصْفَ الأْصْلِ أَوْ ثُلُثَهُ مَثَلاً بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، مَهْمَا قَلَّ، فَمَا حَصَلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ.
93 - وَقَدْ عَرَفْنَا نَصَّ أَحْمَدَ وَالأْوْزَاعِيِّ فِي ذَلِكَ، وَقَضِيَّتُهُ تَصْحِيحُ هَذِهِ الشَّرِكَاتِ كُلِّهَا - شَأْنَ كُلِّ عَيْنٍ تَنْمِي بِالْعَمَلِ فِيهَا. كَمَا عَرَفْنَا أَنَّ جَمَاهِيرَ أَهْلِ الْعِلْمِ لاَ يُوَافِقُونَهُمَا - حَتَّى قَالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: عَلَى الْقَادِرِ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ بَالِغِ الضَّرَرِ .
94 - بَيْدَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ ذَكَرُوا هُنَا فَرْعًا يُشْبِهُ الاِتِّجَاهَ الْحَنْبَلِيَّ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يُصَحِّحُونَ الشَّرِكَةَ بَيْنَ اثْنَيْنِ، يَأْتِي أَحَدُهُمَا بِطَائِرٍ ذَكَرٍ، وَيَأْتِي الآْخَرُ بِطَائِرٍ أُنْثَى - كِلاَهُمَا مِنْ نَوْعِ الطُّيُورِ الَّتِي يُشْرَكُ ذُكُورُهَا وَإِنَاثُهَا فِي الْحَضَانَةِ، كَالْحَمَامِ - وَيُزَوِّجَانِ هَذِهِ لِهَذَا، عَلَى أَنْ تَكُونَ فِرَاخُهُمَا بَيْنَهُمَا عَلَى سَوَاءٍ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا نَفَقَةُ طَائِرِهِ - إِلاَّ أَنْ يَتَبَرَّعَ بِهَا الآْخَرُ - وَضَمَانُهُ إِذَا هَلَكَ. وَالْعِلَّةُ - كَمَا يُشْعِرُ سِيَاقُهُمْ - أَنَّ هَذِهِ أَعْيَانٌ تَنْمِي مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ التِّجَارَةِ، فَتُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ مَا يَنْمِي بِالتِّجَارَةِ .
أَحْكَامُ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ:
95 - أَوَّلاً: أَنَّهَا لاَ تُفِيدُ الشَّرِيكَ مَا تُفِيدُهُ الشَّرِكَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ تَصَرُّفَاتٍ هَكَذَا قَرَّرَهُ الْحَنَفِيَّةُ.
وَلَمَّا كَانَتِ الشَّرِكَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَتْ عَقْدًا مُسْتَقِلًّا، بَلْ وَكَالَةٌ كَسَائِرِ الْوَكَالاَتِ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: تَنْفُذُ تَصَرُّفَاتُ الشَّرِيكَيْنِ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ؛ لِبَقَاءِ الإْذْنِ، وَمِثْلُهُ لِلْحَنَابِلَةِ .
96 - ثَانِيًا: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ فِي الشَّرِكَةِ الَّتِي لَهَا مَالٌ يَكُونُ دَخْلُهَا لِلْعَامِلِ وَحْدَهُ. فَفِي الشَّرِكَةِ لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ مِنَ الْمُبَاحَاتِ الْعَامَّةِ - إِذَا أَخَذَهُ أَحَدُهُمَا، وَلَمْ يَعْمَلِ الآْخَرُ شَيْئًا لإِعَانَتِهِ، فَهُوَ لِلَّذِي أَخَذَهُ؛ لأِنَّهُ الَّذِي بَاشَرَ سَبَبَ الْمِلْكِ، وَلاَ شَيْءَ لِشَرِيكِهِ. وَإِذَا أَخَذَاهُ مَعًا، فَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ؛ لأِنَّ هُمَا اشْتَرَكَا فِي مُبَاشَرَةِ سَبَبِ الْمِلْكِ، فَإِذَا بَاعَاهُ - وَقَدْ عُلِمَتْ نِسْبَةُ مَا حَصَلَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا، بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فِي الْقِيَمِيِّ كَالْحَطَبِ وَالْحَشِيشِ، وَمِعْيَارِ الْمِثْلِ فِي الْمِثْلِيِّ كَكَيْلِ الْمَاءِ وَوَزْنِ الْمَعْدِنِ - فَالثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ، وَإِنْ جُهِلَتِ النِّسْبَةُ، فَدَعْوَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُصَدَّقَةٌ فِي حُدُودِ النِّصْفِ؛ لأِنَّ هَا إِذَنْ لاَ تُخَالِفُ الظَّاهِرَ - إِذْ هُمَا حَصَّلاَهُ مَعًا، وَكَانَ بِأَيْدِيهِمَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا فِيهِ سَوَاءٌ. أَمَّا دَعْوَى أَحَدِهِمَا فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ، فَلاَ تُقْبَلُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ؛ لأِنَّ هَا خِلاَفُ الظَّاهِرِ.
وَإِذَا أَخَذَ الشَّيْءَ الْمُبَاحَ أَحَدُهُمَا، وَأَعَانَهُ الآْخَرُ بِمَا لاَ يُعْتَبَرُ أَخْذًا - عَمَلاً كَانَ أَمْ غَيْرَهُ - كَأَنْ قَلَعَهُ، وَجَمَعَهُ الآْخَرُ، أَوْ قَلَعَهُ وَجَمَعَهُ وَرَبَطَهُ هُوَ، وَحَمَلَهُ الآْخَرُ، أَوِ اسْتَقَى الْمَاءَ، وَقَدَّمَ الآْخَرُ الْمَزَادَةَ أَوِ الْفِنْطَاسَ أَوِ الْبَغْلَ أَوِ الْعَرَبَةَ لِحَمْلِهِ - فَهُوَ كُلُّهُ لِلَّذِي أَخَذَهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِلَّذِي أَعَانَ، بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، إِلاَّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ أَوْ مِثْلِ آلَتِهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ؛ لأِنَّهُ اسْتَوْفَى مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ .
97 - وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ يُوَافِقُونَ فِي حَالَةِ انْفِرَادِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِالْعَمَلِ. أَمَّا فِي حَالَةِ وُقُوعِ الْعَمَلِ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فَإِنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ ثَلاَثِ حَالاَتٍ .
1) تَمَايُزُ الْعَمَلَيْنِ. فَيَكُونُ لِكُلٍّ كَسْبُهُ.
2) اخْتِلاَطُ الْعَمَلَيْنِ، لَكِنْ بِحَيْثُ لاَ تَلْتَبِسُ نِسْبَةُ أَحَدِهِمَا إِلَى الآْخَرِ. فَالْكَسْبُ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ.
3) اخْتِلاَطُ الْعَمَلَيْنِ، بِحَيْثُ تَلْتَبِسُ نِسْبَتُهُمَا. وَهُنَا يُخَالِفُونَ الْحَنَفِيَّةَ، وَيُبْدُونَ احْتِمَالَيْنِ:
الاِحْتِمَالُ الأْوَّلُ: التَّسَاوِي فِي الْكَسْبِ؛ لأِنَّهُ الأْصْلُ. وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ كَلاَمِ الْمَالِكِيَّةِ.
الاِحْتِمَالُ الثَّانِي: تَرْكُهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا.
وَهُنَاكَ مَوْضِعُ خِلاَفٍ آخَرُ: فَإِنَّ الْمُبَاحَاتِ الَّتِي يُحَصِّلُهَا أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى انْفِرَادٍ - فِي حَالَةِ الشَّرِكَةِ لِتَحْصِيلِ الْمُبَاحَاتِ - تَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ، مَا دَامَ الْفَرْضُ أَنَّهُ قَدْ حَصَّلَهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ النِّيَابَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمُبَاحَاتِ: وَهُوَ مَا عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الرِّبْحَ فِي حَالَةِ عَمَلِ الشَّرِيكَيْنِ، يُقْسَمُ بِالتَّسَاوِي، إِذِ الْفَرْضُ أَنَّ سَبَبَ الاِسْتِحْقَاقِ، وَهُوَ الْعَمَلُ، مُشْتَرَكٌ، ثُمَّ يَرْجِعُ كُلُّ شَرِيكٍ عَلَى شَرِيكِهِ بِأُجْرَةِ مَا عَمِلَ لَهُ: أَيْ بِنِصْفِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي الشَّرِكَةِ الثُّنَائِيَّةِ، وَثُلُثَيْ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي الشَّرِكَةِ الثُّلاَثِيَّةِ، وَثَلاَثَةِ أَرْبَاعِ أُجْرَةِ عَمَلِهِ فِي الشَّرِكَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَهَكَذَا دَوَالَيْكَ. إِلاَّ أَنَّ الشَّرِيفَ أَبَا جَعْفَرٍ، مِنْهُمْ، يَذْهَبُ فِي شَرِكَةِ الأْمْوَالِ إِلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الشَّرِكَةِ الصَّحِيحَةِ وَالْفَاسِدَةِ فِي قِسْمَةِ الرِّبْحِ: فَإِنْ شَرَطَا شَيْئًا فَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ؛ لأِنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ يَصِحُّ عَلَى الْجَهَالَةِ، فَيَثْبُتُ الْمُسَمَّى فِي فَاسِدِهِ كَالنِّكَاحِ .
98 - وَشَرِكَةُ الْوُجُوهِ، هِيَ، عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، مِنْ قَبِيلِ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي لاَ مَالَ فِيهَا، وَلَهَا عِنْدَهُمْ ثَلاَثُ صُوَرٍ:
الصُّورَةُ الأْولَى: أَنْ يَتَّفِقَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ يَكُونُ الآْخَرُ شَرِيكًا لَهُ فِيهِ، وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا.
وَمِنَ الْمَالِكِيَّةِ مَنْ يُمَيِّزُ هَذِهِ الصُّورَةَ بِاسْمِ شَرِكَةِ الذِّمَمِ .
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ مَا يَشْتَرِيهِ كُلٌّ مِنْهُمَا يَكُونُ لِنَفْسِهِ خَاصَّةً، لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ مَا يَشْتَرِيَانِهِ مَعًا، يَكُونُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا شَرِكَةَ مِلْكٍ، حَسَبَ شُرُوطِ الْعَقْدِ.
وَلَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَقُولُونَ: بَلْ - بِرَغْمِ الْفَسَادِ - يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَا يَشْتَرِيَانِهِ مَعًا أَوْ يَشْتَرِيهِ أَحَدُهُمَا - عَلَى مَا شَرَطَاهُ .
وَيُلاَحَظُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، عَلَى هَذَا التَّصْوِيرِ، إِنَّمَا يَبْنِي عَلَى خُلُوِّ الْمَسْأَلَةِ مِنْ تَوْكِيلِ كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ الآْخَرَ فِي الشِّرَاءِ لَهُ. فَلَوْ وُجِدَ هَذَا التَّوْكِيلُ، فَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ جِدًّا مِنَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى أَنَّ الشَّرِكَةَ تَكُونُ شَرِكَةَ عَنَانٍ صَحِيحَةً بِشَرْطِ بَيَانِ النِّسْبَةِ الَّتِي يَكُونُ عَلَيْهَا الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا - إِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُ الْمَالَيْنِ: وَإِذَنْ فَمَا يَخُصُّ الشَّرِيكَ الَّذِي لَمْ يَتَوَلَّ الشِّرَاءَ مِنَ الثَّمَنِ، يَكُونُ دَيْنًا عَلَيْهِ .
أَمَّا التَّوْكِيلُ - أَوِ الإْذْنُ - بِشِرَاءِ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ لَهُمَا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ، فَهَذَا صَحِيحٌ، وَيُؤَدِّي إِلَى شَرِكَةِ مِلْكٍ لاَ خَفَاءَ بِهَا عِنْدَ الْجَمِيعِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَيَاهُ مَعًا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا، قَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَلاَ يُطَالِبُ الْبَائِعُ كُلَّ شَرِيكٍ إِلاَّ بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ، مَا لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الضَّمَانَ عَنْ شَرِيكِهِ، وَالَّذِي اعْتَمَدَهُ الشَّافِعِيَّةُ فِي مِثْلِهِ تَنْزِيلُ الْوَكِيلِ مَنْزِلَةَ الضَّامِنِ .
الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَّفِقَ وَجِيهٌ وَخَامِلٌ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ الْوَجِيهُ وَيَبِيعَ الْخَامِلُ. وَفِيهَا يَكُونُ مَا يَشْتَرِيهِ الْوَجِيهُ لَهُ خَاصَّةً. وَالْخَامِلُ لَيْسَ إِلاَّ عَامِلَ جِعَالَةٍ فَاسِدَةٍ لِجَهَالَةِ الْعِوَضِ، فَيَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ مِثْلِ عَمَلِهِ عَلَى الْوَجِيهِ - كَمَا قَرَّرَهُ الشَّافِعِيَّةُ .
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَلَمْ يَخْتَلِفِ الْحُكْمُ الَّذِي أَعْطَوْهُ لِهَذِهِ الصُّورَةِ عَنِ الَّذِي أَعْطَوْهُ لِلصُّورَةِ الأْولَى - إِلاَّ بِالنَّصِّ عَلَى رُجُوعِ كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الآْخَرِ بِمَا عَمِلَ عَنْهُ. وَقَدْ نَازَعَ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَمَالَ إِلَى تَصْحِيحِ الشَّرِكَةِ.
الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَعْمَلَ الْوَجِيهُ لِلْخَامِلِ فِي مَالِهِ، دُونَ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَالَ إِلَيْهِ، أَوْ تَقْتَصِرَ مُهِمَّةُ الْوَجِيهِ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَالَ الْخَامِلِ، وَلَوْ أَسْلَمَهُ إِلَيْهِ،
وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ بِشِقَّيْهَا مُضَارَبَةٌ فَاسِدَةٌ، إِمَّا لِكَوْنِ رَأْسِ الْمَالِ لَيْسَ نَقْدًا، وَإِمَّا لِعَدَمِ تَسْلِيمِهِ لِلْمُضَارِبِ.
فَيَكُونُ لِلْمُضَارِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ لاَ غَيْرُ وَلَمْ يَعْرِضِ الْمَالِكِيَّةُ لِلشِّقِّ الأْوَّلِ مِنَ التَّصْوِيرِ، وَهُمْ فِي الشِّقِّ الثَّانِي مُوَافِقُونَ عَلَى أَنَّهُ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ سَمَّوْهَا جُعْلاً وَزَادُوا أَنَّ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ، لِمَكَانِ الْغِشِّ، إِنْ كَانَتِ السِّلْعَةُ قَائِمَةً - وَإِلاَّ فَعَلَيْهِ الأَْقَلُّ مِنْ ثَمَنِهَا، وَقِيمَتِهَا .
99 - ثَالِثًا: حَيْثُ الْمَالُ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ وَفَسَدَتِ الشَّرِكَةُ لأِيِّ سَبَبٍ فَالدَّخْلُ لَهُ وَلِلآْخَرِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ: عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ؛ لأِنَّ الدَّخْلَ نَمَاءُ الْمِلْكِ، كَمَا قَالُوهُ فِي الْمُزَارَعَةِ الْفَاسِدَةِ: إِذْ يَتْبَعُ الزَّرْعُ الْبَذْرَ.
فَلَوْ عَهِدَ شَخْصٌ يَمْلِكُ بُيُوتًا أَوْ عَرَبَاتٍ أَوْ دَوَابَّ إِلَى آخَرَ لِيَقُومَ عَلَى تَأْجِيرِهَا، وَتَكُونَ الأْجْرَةُ بَيْنَهُمَا - فَلَيْسَ لِهَذَا الآْخَرِ إِلاَّ أُجْرَةُ مِثْلِهِ، وَالدَّخْلُ كُلُّهُ لِلْمَالِكِ. كَمَا أَنَّهُ لَوِ احْتَاجَ شَخْصٌ يُرِيدُ أَنْ يَبِيعَ بِضَاعَتَهُ فِي السُّوقِ إِلَى عَرَبَةٍ أَوْ دَابَّةٍ تَنْقُلُهَا، فَلَمْ يَقْبَلْ صَاحِبُ الْعَرَبَةِ أَوِ الدَّابَّةِ أَنْ يُعْطِيَهُ إِيَّاهَا إِلاَّ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ فَإِنَّ هَذَا الشَّرْطَ يَكُونُ لَغْوًا، وَالشَّرِكَةُ فَاسِدَةٌ، وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْبِضَاعَةِ؛ لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الدَّابَّةِ أَوِ الْعَرَبَةِ إِلاَّ أُجْرَةُ مِثْلِهَا، لاِسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ .
100 - وَعِنْدَ غَيْرِ الْحَنَفِيَّةِ كَذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ الرِّبْحَ تَبَعٌ لِلْمَالِ . وَلِذَا يَقُولُ الشَّافِعِيَّةُ: لَوْ أَنَّ ثَلاَثَةً اشْتَرَكُوا، أَحَدُهُمْ بِمَالِهِ، وَالثَّانِي بِشِرَاءِ سِلْعَةٍ بِهَذَا الْمَالِ، وَالثَّالِثُ بِبَيْعِ هَذِهِ السِّلْعَةِ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمْ يَكُونُ الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ لِكُلٍّ مِنْ شَرِيكَيْهِ سِوَى أُجْرَةِ مِثْلِ عَمَلِهِ .
101 - رَابِعًا: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمَالُ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فَالدَّخْلُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ الْمَالَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَتْ حِصَّةُ كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي رِبْحِ شَرِكَةِ أَمْوَالٍ حِصَّةً مَجْهُولَةً. وَكَمَا لَوْ كَانَ لأِحَدِ اثْنَيْنِ شَاحِنَةٌ وَلِلآْخَرِ سَيَّارَةُ رُكُوبٍ، فَاتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُؤَجِّرَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ وَمَا يَخُصُّ الآْخَرَ، وَمَا حَصَلَ مِنَ الدَّخْلِ بَيْنَهُمَا عَلَى سَوَاءٍ، أَوْ بِنِسْبَةٍ مَعْلُومَةٍ - فَإِنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ فَاسِدَةٌ، إِذْ خُلاَصَتُهَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَالَ لِلآْخَرِ: بِعْ مَنَافِعَ هَذَا الشَّيْءِ الَّذِي تَمْلِكُهُ، وَمَنَافِعَ هَذَا الَّذِي أَمْلِكُهُ، عَلَى أَنْ يَكُونَ ثَمَنُ هَذِهِ وَتِلْكَ قِسْمَةً بَيْنَنَا بِنِسْبَةِ كَذَا - وَلَيْسَ هَذَا إِلاَّ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ مِنْ مَالِ الْغَيْرِ، دُونَ عَمَلٍ وَلاَ ضَمَانٍ، وَالرِّبْحُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِمَالٍ أَوْ عَمَلٍ أَوْ ضَمَانٍ: لَكِنْ إِذَا وُضِعَتْ هَذِهِ الشَّرِكَةُ الْفَاسِدَةُ مَوْضِعَ التَّنْفِيذِ فَإِنْ أَجَّرَا السَّيَّارَتَيْنِ كُلٌّ مِنْهُمَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَجْرُ مِلْكِهِ وَإِنْ أَجَّرَا السَّيَّارَتَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً، بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَهِيَ إِجَارَةٌ صَحِيحَةٌ، وَالأْجْرَةُ الْمُتَحَصِّلَةُ إِنَّمَا تُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مِثْلِ أُجْرَةِ مَا يَمْلِكُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا - كَمَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ . لاَ عَلَى مَا تَشَارَطَا؛ لأِنَّ الشَّرْطَ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ لَغْوٌ، لاَ اعْتِدَادَ بِهِ .
102 - وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي أَخَذَهُ هَذَا الْقِسْمُ (حَيْثُ الْمَالُ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ) كَقَاعِدَةٍ عَامَّةٍ، هُوَ مَذْهَبُ جَمَاهِيرِ أَهْلِ الْعِلْمِ. فَقَدْ أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَقَالُوا: يَرْجِعُ كُلُّ شَرِيكٍ عَلَى شَرِيكِهِ الآْخَرِ بِأُجْرَةِ مِثْلِ مَا عَمِلَ لَهُ - إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُتَبَرِّعًا.
غَيْرَ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ وَاقِفُونَ أَبَدًا مَعَ أَصْلِهِمُ الَّذِي أَصَّلُوهُ فِي الْمُزَارَعَةِ - كَمَا أَسْلَفْنَاهُ وَجَرَوْا عَلَى سُنَنِهِ كُلَّمَا كَانَ لَهُ مَجَالٌ: وَلِذَا نَجِدُهُمْ يَقُولُونَ - فِيمَا لَوِ اشْتَرَكَ ثَلاَثَةٌ: أَحَدُهُمْ بِدَارِهِ، وَالثَّانِي بِدَابَّتِهِ، وَالثَّالِثُ بِرَحَاهُ، عَلَى أَنْ يَتَوَلَّى عَمَلَ الطَّحْنِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ، وَلْيَكُنْ صَاحِبَ الدَّابَّةِ - أَنَّ الْغَلَّةَ كُلَّهَا تَكُونُ لِلَّذِي انْفَرَدَ بِالْعَمَلِ، وَعَلَيْهِ لِلآْخَرَيْنِ أُجْرَةُ مِثْلِ مَا قَدَّمُوا . وَهُوَ مَسْلَكٌ لاَ يَكَادُ يَسْلُكُهُ سِوَاهُمْ. وَمِثَالُ ذَلِكَ مَسْأَلَةُ الشَّاحِنَةِ وَسَيَّارَةِ الرُّكُوبِ، إِذَا انْفَرَدَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ بِالْعَمَلِ.
ثُمَّ قَدْ يَقَعُ الْخِلاَفُ أَيْضًا مِنَ الآْخَرَيْنِ فِي طَرِيقِ التَّطْبِيقِ: فَقَدْ نَصَّ الْحَنَابِلَةُ كَمَا ذَكَرَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي مَسْأَلَةِ الدَّابَّتَيْنِ، عَلَى أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ لَوْ تَقَبَّلاَ عَمَلَ شَيْءٍ مَعْلُومٍ إِلَى مَكَانٍ مَعْلُومٍ فِي ذِمَّتِهِمَا، ثُمَّ حَمَلاَ عَلَى الدَّابَّتَيْنِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا، فَإِنَّهَا تَكُونُ شَرِكَةً صَحِيحَةً، وَالأْجْرَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ مَعَ أَنَّ أُصُولَ الْحَنَابِلَةَ لاَ تُسَاعِدُهُ، إِذْ لاَ بُدَّ عِنْدَهُمْ لِلصِّحَّةِ مِنْ عَقْدِ تَقَبُّلٍ عَامٍّ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ سَابِقٍ عَلَى هَذَا التَّقَبُّلِ الَّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ عَلَى أَنَّ ابْنَ قُدَامَةَ عَادَ فَأَبْدَى احْتِمَالَ تَصْحِيحِ الشَّرِكَةِ عَلَى شَرْطِهَا - حَتَّى فِي حَالَةِ مَا إِذَا أَجَّرَ الشَّرِيكَانِ الدَّابَّتَيْنِ إِجَارَةَ عَيْنٍ قِيَاسًا عَلَى صِحَّةِ الشَّرِكَةِ عِنْدَهُمْ فِي تَحْصِيلِ الْمُبَاحَاتِ .
مُلْحَقٌ:
103 - فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ، كَيْفَ يُطَالِبُ الْبَائِعُ بِثَمَنِ مَا بَاعَهُ مِنْ أَحَدِ شَرِيكَيْهَا - إِذَا غَابَ أَحَدُهُمَا وَحَضَرَ الآْخَرُ؟
يَقُولُ الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الأْحْوَالَ ثَلاَثَةٌ:
الْحَالَةُ الأْولَى: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ فَسَادَ الشَّرِكَةِ: فَلاَ يَكُونُ لَهُ حَقُّ مُطَالَبَةِ الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ إِلاَّ بِحِصَّتِهِ فِي الثَّمَنِ.
الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِالشَّرِكَةِ، وَلاَ يَعْلَمُ بِفَسَادِهَا: وَحِينَئِذٍ يَكُونُ لَهُ حَقُّ مُطَالَبَةِ الشَّرِيكِ الْحَاضِرِ، بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ.
الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَكُونَ لاَ يَعْلَمُ بِالشَّرِكَةِ نَفْسِهَا: وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ إِنْ كَانَ الشَّرِيكُ الْحَاضِرُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ، طَالَبَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لأِنَّهُ لَمْ يَتَعَاقَدْ مَعَهُ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِغَيْرِهِ فِي النِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ الَّذِي اشْتَرَى مِنْهُ، فَإِنَّمَا يُطَالِبُهُ بِحِصَّةٍ فِي الثَّمَنِ لاَ غَيْرُ، لأِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ إِلاَّ مُقَابِلَ هَذِهِ الْحِصَّةِ مِنَ السِّلْعَةِ.
هَكَذَا حَكَوْهُ عَنِ اللَّخْمِيِّ وَالَّذِي ذَكَرَهُ الْخَرَشِيُّ خِلاَفُهُ، فَانْظُرْهُ إِنْ شِئْتَ.
أَسْبَابُ انْتِهَاءِ الشَّرِكَةِ:
الأْسْبَابُ الْعَامَّةُ:
أَسْبَابُ الاِنْتِهَاءِ الْعَامَّةِ هِيَ الَّتِي لاَ تَخُصُّ شَرِكَةً دُونَ شَرِكَةٍ، بَلْ تَجِيءُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَاتِ وَهِيَ:
104 - أَوَّلاً - فَسْخُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ، وَقَدْ سَلَفَ الْكَلاَمُ عَلَى هَذَا، عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى عَدَمِ لُزُومِ الْعَقْدِ.
105 - ثَانِيًا: نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ إِنْكَارَ أَحَدِهِمَا الشَّرِكَةَ بِمَثَابَةِ فَسْخِهَا، حَتَّى إِنَّهُ لَوْ وَقَعَ، لاَمْتَنَعَ عَلَى الشَّرِيكِ الآْخَرِ، بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ، وَعَلَى الْمُنْكِرِ نَفْسِهِ التَّصَرُّفُ فِي حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. فَإِذَا تَصَرَّفَ فِيهَا كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهَا، كَالْغَاصِبِ وَلَهُ رِبْحُهَا وَعَلَيْهِ خَسَارَتُهَا، لأِنَّهُ تَصَرَّفَ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحِبِهَا - وَإِنْ كَانَ لاَ يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ . وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ - خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ عَلَى الْبُطْلاَنِ بِالإْنْكَارِ فِي الْوَكَالَةِ، إِذَا كَانَ الإْنْكَارُ مُتَعَمَّدًا وَلاَ يَرْمِي بِهِ إِلَى غَرَضٍ آخَرَ - كَصِيَانَةِ مَالِ الْوَكَالَةِ مِنْ أَنْ تَنَالَهُ يَدُ ظَالِمٍ غَاشِمٍ - وَالشَّرِكَةُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ إِلاَّ وَكَالَةً.
106 - ثَالِثًا: جُنُونُ أَحَدِهِمَا جُنُونًا مُطْبِقًا . وَهُوَ لاَ يَصِيرُ مُطْبِقًا إِلاَّ بَعْدَ أَنْ يَسْتَمِرَّ شَهْرًا أَوْ سَنَةً كَامِلَةً - عَلَى خِلاَفٍ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ . فَلاَ تَنْتَهِي الشَّرِكَةُ إِلاَّ إِذَا مَضَتْ هَذِهِ الْمُدَّةُ بَعْدَ ابْتِدَائِهِ.
وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ؛ لأِنَّ هَا تَعْتَمِدُ الْوَكَالَةَ وَلاَ تَنْفَكُّ عَنْهَا، وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِالْجُنُونِ الْمُطْبِقِ، لِسَلْبِهِ الأْهْلِيَّةَ.
وَيَعُودُ هُنَا فِي تَصَرُّفِ الشَّرِيكِ الآْخَرِ فِي حِصَّةِ الْمَجْنُونِ مَا سَلَفَ فِي الإْنْكَارِ وَنَصَّ عَلَى هَذَا الْمُبْطِلِ أَيْضًا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ دُونَ تَقْيِيدٍ بِمُدَّةٍ .
107 - رَابِعًا: مَوْتُ أَحَدِهِمَا: لأِنَّ الْمَوْتَ مُبْطِلٌ لِلْوَكَالَةِ، وَالْوَكَالَةُ الضِّمْنِيَّةُ جُزْءٌ مِنْ مَاهِيَّةِ الشَّرِكَةِ لاَ تَنْفَكُّ عَنْهَا ابْتِدَاءً وَلاَ بَقَاءً، ضَرُورَةَ الْحَاجَةِ إِلَى ثُبُوتِ وَاسْتِمْرَارِ وِلاَيَةِ التَّصَرُّفِ لِكِلاَ الشَّرِيكَيْنِ عَنِ الآْخَرِ، مُنْذُ قِيَامِ الشَّرِكَةِ إِلَى انْتِهَائِهَا. إِلاَّ أَنَّ بُطْلاَنَ الشَّرِكَةِ فِي الأْمْوَالِ بِالْمَوْتِ، لاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الشَّرِيكِ بِهِ؛ لأِنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ غَيْرُ مَقْصُودٍ لاَ يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ، إِذْ بِمُجَرَّدِ الْمَوْتِ يَنْتَقِلُ شَرْعًا مِلْكُ مَالِ الْمَيِّتِ إِلَى وَرَثَتِهِ، فَلاَ يُمْكِنُ إِيقَافُ مَا نَفَّذَهُ الشَّرْعُ .
وَإِنَّمَا تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ بِالْمَوْتِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى شَرِيكٍ وَاحِدٍ لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الشَّرِكَةِ بِالضَّرُورَةِ، أَمَّا إِذَا كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ شَرِيكٍ، فَإِنَّ شَرِكَةَ الْبَاقِينَ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ بَاقِيَةٌ .
وَنَصَّ عَلَى هَذَا الْمُبْطِلِ أَيْضًا الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ .
108 - وَيُقَرِّرُ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّ لِلْوَارِثِ الرَّشِيدِ الْخِيَارَ بَيْنَ الْقِسْمَةِ وَاسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ، وَأَنَّ عَلَى وَلِيِّ الْوَارِثِ غَيْرِ الرَّشِيدِ، أَوْ وَلِيِّ الشَّرِيكِ الَّذِي انْتَهَتِ الشَّرِكَةُ بِجُنُونِهِ، أَنْ يَخْتَارَ مِنْ هَذَيْنِ الأْمْرَ يْنِ أَصْلَحَهُمَا لِمَحْجُورِهِ. نَعَمْ إِنْ كَانَ عَلَى التَّرِكَةِ دَيْنٌ، أَوْ فِيهَا وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ، تَوَقَّفَ جَوَازُ اسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ عَلَى قَضَائِهِمَا - وَلَوْ مِنْ خَارِجِ التَّرِكَةِ، لأِنَّ هُمَا يَتَعَلَّقَانِ بِالتَّرِكَةِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ، وَالْمَرْهُونُ لاَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ فِيهِ.
وَالْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنُ بِمَثَابَةِ الْوَارِثِ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ، وَيُعْتَبَرُ كَأَحَدِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ التَّعَدُّدِ. وَفِي اسْتِئْنَافِ الشَّرِكَةِ يَكْتَفِي الشَّافِعِيَّةُ بِصِيغَةِ التَّقْرِيرِ - وَإِنْ كَانَ فِي بَعْضِ عِبَارَاتِهِمْ مَا يُفِيدُ قَصْرَ هَذَا الاِكْتِفَاءِ عَلَى مَا إِذَا كَانَ مَالُ الشَّرِكَةِ عُرُوضًا .
109 - خَامِسًا: ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بِلِحَاقِ أَحَدِهِمَا بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا تَنْتَهِي بِهِ الشَّرِكَةُ لأِنَّهُ بِهَذَا يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، وَالْقَضَاءُ بِهِ عِنْدَهُمْ مَوْتٌ حُكْمِيٌّ. بَلْ يَرَى أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ بِالْقَضَاءِ الْمَذْكُورِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ هَذَا الْمَوْتَ الْحُكْمِيَّ كَانَ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ فَإِذَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ بِهَذَا السَّبَبِ، ثُمَّ عَادَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا، فَلاَ جَدْوَى بِالنِّسْبَةِ لِلشَّرِكَةِ: فَقَدْ بَطَلَتْ وَقُضِيَ الأْمْرُ .
أَمَّا الرِّدَّةُ بِدُونِ هَذَا الْقَضَاءِ - سَوَاءٌ اقْتَرَنَتْ بِاللِّحَاقِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَمْ لاَ - فَإِنَّمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا إِيقَافُ الشَّرِكَةِ: حَتَّى إِذَا رَجَعَ الْمُرْتَدُّ إِلَى الإْسْلاَمِ عَادَتْ سِيرَتَهَا الأْولَى، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ، تَبَيَّنَ بُطْلاَنُهَا مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ .
110 - سَادِسًا: مُخَالَفَةُ شُرُوطِ الْعَقْدِ: كَمَا لَوْ تَجَاوَزَ الشَّرِيكُ حُدُودَ الْمَكَانِ الَّذِي قُيِّدَتْ بِهِ إِلاَّ أَنَّ الْبُطْلاَنَ يَكُونُ بِمِقْدَارِ الْمُخَالَفَةِ كُلِّيًّا أَوْ جُزْئِيًّا، فَمِثَالُ الْمُخَالَفَةِ الْكُلِّيَّةِ مَا لَوْ نَهَى أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الآْخَرَ عَنِ الْخُرُوجِ بِالْبِضَاعَةِ، فَخَرَجَ بِهَا. وَمِثَالُ الْمُخَالَفَةِ الْجُزْئِيَّةِ: أَنْ يَبِيعَ نَسِيئَةً وَلاَ يُجِيزَهُ شَرِيكُهُ، فَيَبْطُلَ الْبَيْعُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ، وَيَنْفُذَ فِي حِصَّةِ الْبَائِعِ - وَفِي هَذِهِ الْحِصَّةِ تَبْطُلُ الشَّرِكَةُ حِينَئِذٍ.
111 - أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلاَ يُرَتِّبُونَ عَلَى مُخَالَفَةِ شُرُوطِ الْعَقْدِ، بَلْ وَطَبِيعَتِهِ، إِلاَّ إِعْطَاءَ الشَّرِيكِ الآْخَرِ حَقَّ رَدِّ التَّصَرُّفِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الْمُخَالَفَةُ، وَتَضْمِينَ الْمُخَالِفِ - إِنْ ضَاعَ الْمَالُ بِسَبَبِ مُخَالَفَتِهِ. فَقَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ فِيمَا إِذَا اسْتَبَدَّ بِالتَّصَرُّفِ شَرِيكُ الْعَنَانِ؛ لأِنَّ هَا تَقْتَضِي عَدَمَ اسْتِبْدَادِ شَرِيكٍ بِالتَّصَرُّفِ لِلشَّرِكَةِ، دُونَ مُرَاجَعَةِ شَرِيكِهِ وَكَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ تَصَرُّفِ الشَّافِعِيَّةِ بِإِزَاءِ بَيْعِ الشَّرِيكِ نَسِيئَةً دُونَ إِذْنِ شَرِيكِهِ، بِاعْتِبَارِهِ عِنْدَهُمْ لاَ يَسْتَمِدُّ حَقَّ الْبَيْعِ نَسِيئَةً مِنْ طَبِيعَةِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ .
112 - سَابِعًا: ذَكَرَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ مِنَ الْمُبْطِلاَتِ. طُرُوَّ الْحَجْرِ عَلَى أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِسَفَهٍ. وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ الْحَجْرَ لِلْفَلَسِ إِلاَّ أَنَّهُ مُبْطِلٌ جُزْئِيٌّ بِالنِّسْبَةِ لِلْفَلَسِ: بِمَعْنَى أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ مِنَ الْمُفَلِّسِ بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ أَيُّ تَصَرُّفٍ سَلَبَهُ الْحَجْرُ إِيَّاهُ. وَمِنْ قَوَاعِدِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فِي الذِّمَّةِ يَنْفُذَانِ مِنَ الْمُفَلِّسِ. أَمَّا السَّفِيهُ، فَلاَ يَصِحُّ لَهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ إِلاَّ فِي الْوَصِيَّةِ وَالتَّدْبِيرِ. فَعَلَى هَذَا إِذَا بَاعَ الْمُفَلِّسُ أَوْ شَرِيكُهُ شَيْئًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ نَفَذَ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْمُفَلِّسِ وَإِذَا اشْتَرَى الْمُفَلِّسُ لِلشَّرِكَةِ فِي ذِمَّتِهِ نَفَذَ عَلَيْهَا عِنْدَهُمْ .
الأْسْبَابُ الْخَاصَّةُ:
113 - أَوَّلاً: هَلاَكُ الْمَالِ فِي شَرِكَةِ الأْمْوَالِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: وَصُورَتُهُ أَنْ يَهْلِكَ الْمَالاَنِ، أَعْنِي مَالَ كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ: سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الشِّرَاءِ بِمَالِ الشَّرِكَةِ أَمْ بَعْدَهُ، أَوْ يَهْلِكَ مَالُ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ. وَالشِّقُّ الثَّانِي مِنَ التَّرْدِيدِ لاَ يُتَصَوَّرُ إِلاَّ إِذَا كَانَ مَالُ هَذَا الأْحَدِ مُتَمَيِّزًا مِنْ مَالِ الآْخَرِ؛ لاِخْتِلاَفِ الْجِنْسِ، أَوْ لِعَدَمِ الاِخْتِلاَطِ. أَمَّا إِذَا كَانَ الْمَالاَنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَقَدْ خُلِطَا، فَإِنَّ مَا يَهْلِكُ مِنْهُمَا يَهْلِكُ عَلَى الشَّرِيكَيْنِ كِلَيْهِمَا - إِذْ لاَ يُمْكِنُ الْقَطْعُ بِأَنَّ الَّذِي هَلَكَ هُوَ مَالُ هَذَا دُونَ ذَاكَ، وَمَا بَقِيَ فَعَلَى الشَّرِكَةِ. وَالسِّرُّ فِي بُطْلاَنِ الشَّرِكَةِ بِهَلاَكِ الْمَالِ، أَنَّهُ عِنْدَمَا يَهْلِكُ مَالُ الشَّرِكَةِ كُلُّهُ يَكُونُ قَدْ هَلَكَ مَحَلُّ الْعَقْدِ الْمُتَعَيَّنُ لَهُ، وَالْعَقْدُ يَبْطُلُ بِفَوَاتِ مَحَلِّهِ، كَالْبَيْعِ إِذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ. وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْهَالِكُ هُنَا مَحَلًّا لِلْعَقْدِ. لأِنَّ الأْثْمَانَ - وَإِنْ كَانَتْ لاَ تَتَعَيَّنُ فِي الْمُعَاوَضَاتِ لِئَلاَّ تَخْرُجَ عَنْ طَبِيعَةِ الثَّمَنِيَّةِ، وَتَصِيرَ سِلْعَةً مَقْصُودَةً بِذَاتِهَا - فَإِنَّهَا تَتَعَيَّنُ فِي غَيْرِهَا، كَالْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ - مِنْ كُلِّ عَقْدٍ لاَ يَكُونُ بِإِزَائِهَا فِيهِ عِوَضٌ. وَهَذِهِ هِيَ طَبِيعَةُ الشَّرِكَةِ .
فَإِذَا بَطَلَتِ الشَّرِكَةُ بِهَلاَكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ قَبْلَ الشِّرَاءِ، فَالْمَالُ الآْخَرُ خَالِصٌ لِصَاحِبِهِ، وَمَا يَشْتَرِيهِ بِهِ بَعْدُ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً لاَ سَبِيلَ لِمَنْ هَلَكَ مَالُهُ عَلَيْهِ، لاَ مِنْ طَرِيقِ الشَّرِكَةِ، لِمَا عُلِمَ مِنْ بُطْلاَنِهَا، وَلاَ مِنْ طَرِيقِ الْوَكَالَةِ الَّتِي كَانَتْ فِي ضِمْنِهَا؛ لأِنَّ بُطْلاَنَ الشَّرِكَةِ يَسْتَتْبِعُ بُطْلاَنَهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِلَفْظِ الْوَكَالَةِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مَا يَشْتَرِيهِ صَاحِبُ الْمَالِ الْبَاقِي مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ؛ لأِنَّ الْوَكَالَةَ الصَّرِيحَةَ لاَ تَبْطُلُ بِبُطْلاَنِ الشَّرِكَةِ . وَيَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّةٍ مِنَ الثَّمَنِ. لَكِنَّهَا إِذَنْ شَرِكَةُ مِلْكٍ، إِذْ لاَ عَقْدَ شَرِكَةٍ بَيْنَهُمَا.
114 - وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ هَلاَكَ أَحَدِ الْمَالَيْنِ عَلَى الشَّرِكَةِ بِإِطْلاَقٍ، وَالْبَاقِي بِلاَ هَلاَكٍ لِلشَّرِكَةِ كَذَلِكَ؛ لأِنَّ هُمْ يَحْكُمُونَ بِاشْتِرَاكِ الْمَالَيْنِ بِمُجَرَّدِ عَقْدِ الشَّرِكَةِ، وَيَقُولُونَ إِنَّ الْمَالَ يُقْسَمُ بِكَلِمَةٍ، كَمَا فِي الْخَرْصِ، فَلاَ غَرْوَ أَنْ يُشْتَرَكَ فِيهِ بِكَلِمَةٍ، كَمَا فِي الشَّرِكَةِ. فَإِذَا كَانَتِ الشَّرِكَةُ بِالْمَالِ مُنَاصَفَةً، اقْتَضَى مُجَرَّدُ عَقْدِهَا ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِكُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ فِي نِصْفِ مَالِ صَاحِبِهِ وَتَوَسَّطَ الْمَالِكِيَّةُ فِي مُعْتَمَدِهِمْ، فَقَالُوا: إِنَّ هَلاَكَ أَحَدِ الْمَالَيْنِ قَبْلَ خَلْطِهِمَا، وَلَوْ خَلْطًا حُكْمِيًّا، يَكُونُ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِهِ خَاصَّةً، لاَ مِنْ ضَمَانِ الشَّرِكَةِ - وَمَعَ ذَلِكَ تَبْقَى الشَّرِكَةُ: بِحَيْثُ يَكُونُ مَا يُشْتَرَى بِالْمَالِ الْبَاقِي لَهَا، وَعَلَى الشَّرِيكِ الَّذِي تَلِفَ مَالُهُ حِصَّتُهُ فِي الثَّمَنِ - إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاءُ بَعْدَ عِلْمِ الْمُشْتَرِي بِهَلاَكِ الْمَالِ الآْخَرِ وَلَمْ يُرِدْهُ لِلشَّرِكَةِ الشَّرِيكُ الَّذِي هَلَكَ مَالُهُ، أَوْ أَرَادَهُ وَلَكِنِ ادَّعَى الآْخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ لِنَفْسِهِ:
فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِصَاحِبِ الْمَالِ الْبَاقِي وَحْدَهُ .
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، فَلَمْ أَرَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ كَلاَمًا صَرِيحًا. وَلَكِنَّ مُقْتَضَى جَعْلِهِمُ الْخَلْطَ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ بُطْلاَنُ الشَّرِكَةِ، بِهَلاَكِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ فِيمَا عَدَاهُ أَوْ هَلاَكُ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا .
115 - ثَانِيًا: فَوَاتُ التَّسَاوِي فِي شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ: سَوَاءٌ كَانَ الْفَائِتُ هُوَ التَّسَاوِي فِي رَأْسِ الْمَالِ، أَمْ فِي أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ، وَإِذَا بَطَلَتِ الْمُفَاوَضَةُ بِهَذَا أَوْ ذَاكَ، انْقَلَبَتْ عَنَانًا، لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعَنَانِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ .
ثَالِثًا: انْتِهَاءُ الْمُدَّةِ فِي الشَّرِكَةِ الْمُؤَقَّتَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْقِيتَ صَحِيحٌ عِنْدَ سَائِرِ الْفُقَهَاءِ عَدَا الطَّحَاوِيِّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ.
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / السادس والثلاوثون ، الصفحة / 113
ج - شَرِكَةُ الأْمْوَالِ
6 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الشَّرِكَةِ أَنْ تَكُونَ الأْمْوَالُ الْمَخْلُوطَةُ (رَأْسُ الْمَالِ) مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، حَتَّى إِنَّ أَكْثَرَهُمُ اشْتَرَطَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الأْمْوَالُ مِنَ الأْثْمَانِ.
قَالَ فِي الدُّرِّ: لاَ تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِغَيْرِ النَّقْدَيْنِ، وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ وَالتِّبْرُ وَالنُّقْرَةُ إِنْ جَرَى التَّعَامُلُ بِهَا، وَعَلَى ذَلِكَ فَالْعُرُوضُ لاَ تَصْلُحُ أَنْ تَكُونَ مَالَ شَرِكَةٍ وَلَوْ كَانَتْ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ كَالْمَكِيلاَتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةِ قَبْلَ الْخَلْطِ بِجِنْسِهِ، وَكَذَلِكَ بَعْدَهُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَرِيبٌ مِنْهُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ مِنَ اخْتِصَاصِ الشَّرِكَةِ بِالنَّقْدِ الْمَضْرُوبِ .
وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ - جَوَازُ عَقْدِ الشَّرِكَةِ فِي غَيْرِ النَّقْدَيْنِ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ، كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ الاِخْتِلاَطِ بِجِنْسِهِ وَعَلَّلَهُ الشِّرْبِينِيُّ بِقَوْلِهِ: لأِنَّهُ إِذَا اخْتَلَطَ بِجِنْسِهِ ارْتَفَعَ التَّمْيِيزُ فَأَشْبَهَ النَّقْدَيْنِ .
وَلِلْمَالِكِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (شَرِكَةٌ ف 44).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الحادي والأربعون ، الصفحة / 183
مَا يَجِبُ فِيهِ النُّقُودُ وَلاَ يَجُوزُ الْعَرْضُ:
رَأْسُ مَالِ شَرِكَةِ الْعَقْدِ:
28 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَعْلِ الْعُرُوضِ رَأْسَ مَالٍ فِي شَرِكَةِ الْعَقْدِ:
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَعَامَّةُ الْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الأْثْمَانِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَرْضًا وَلَوْ كَانَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا؛ لأِنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الرُّجُوعَ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِمِثْلِهِ، فَلَوْ كَانَ عَرْضًا تَعَذَّرَ رُجُوعُ كُلٍّ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ إِلَى حَقِّهِ بِيَقِينٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَرْضُ الْمِثْلِيُّ رَأْسَ مَالِ شَرِكَةٍ، وَيُرْجَعُ عِنْدَ الْمُفَاصَلَةِ بِمِثْلِهِ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: تَجُوزُ الشَّرِكَةُ بِالْعُرُوضِ إِلاَّ إِذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ طَعَامًا مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا فَلاَ تَجُوزُ، (ر: شَرِكَة الْعَقْدِ ف 44).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثالث عشر ، الصفحة / 125
تَقَبُّلٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّقَبُّلُ مَصْدَرُ تَقَبَّلَ أَيْ تَكَفَّلَ، وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ الاِلْتِزَامُ وَالتَّعَهُّدُ، يُقَالُ: تَقَبَّلْتُ الْعَمَلَ مِنْ صَاحِبِهِ إِذَا الْتَزَمْتُهُ بِعَقْدٍ. وَمِنْهُ الْقَبَالَةُ بِالْفَتْحِ اسْمُ الْمَكْتُوبِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا يَلْتَزِمُهُ الإْنْسَانُ مِنْ عَمَلٍ وَدَيْنٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِالْكَسْرِ: الْعَمَلُ، وَالْقَبِيلُ الْكَفِيلُ، وَالْقُبَالَةُ الْكَفَالَةُ . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ لِلتَّقَبُّلِ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ.
وَاسْتُعْمِلَ التَّقَبُّلُ فِي الاِصْطِلاَحِ أَيْضًا بِمَعْنَى التَّعَهُّدِ وَالاِلْتِزَامِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الْمَجَلَّةِ أَنَّ: (التَّقَبُّلَ تَعَهُّدُ الْعَمَلِ وَالْتِزَامُهُ)
وَأَطْلَقَهُ الْفُقَهَاءُ غَالِبًا عَلَى نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ فِيمَا إِذَا اتَّفَقَ اثْنَانِ فَأَكْثَرُ عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلاَ عَمَلاً مِنَ الْخِيَاطَةِ أَوِ الْقِصَارَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا، وَيَكُونُ الْكَسْبُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا. وَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ شَائِعَةٌ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ أَكْثَرَ مِنَ الْمَذَاهِبِ الأْخْرَى، وَتُسَمَّى أَيْضًا شَرِكَةَ الأْعْمَالِ وَشَرِكَةَ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةَ الأْبْدَانِ .
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْكَفَالَةُ:
2 - الْكَفَالَةُ فِي اللُّغَةِ: الضَّمُّ وَالتَّحَمُّلُ وَالاِلْتِزَامُ وَفِي الاِصْطِلاَحِ ضَمُّ ذِمَّةٍ إِلَى ذِمَّةٍ أُخْرَى فِي الْمُطَالَبَةِ بِشَيْءٍ مِنْ نَفْسٍ أَوْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ.
فَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْكَفَالَةِ وَالتَّقَبُّلِ أَنَّ التَّقَبُّلَ يَتَضَمَّنُ الْكَفَالَةَ، لَكِنَّهَا قَدْ تَكُونُ بِالأْمْوَالِ بِخِلاَفِ التَّقَبُّلِ الَّذِي يَخُصُّ الأْعْمَالَ فَقَطْ.
ب - الاِلْتِزَامُ:
3 - الاِلْتِزَامُ مَصْدَرُ الْتَزَمَ، وَأَصْلُهُ مِنَ اللُّزُومِ بِمَعْنَى الثُّبُوتِ وَالدَّوَامِ، يُقَالُ: أَلْزَمْتُهُ الْمَالَ وَالْعَمَلَ وَغَيْرَهُ فَالْتَزَمَهُ. فَالاِلْتِزَامُ بِالشَّيْءِ قَبُولُهُ وَاعْتِنَاقُهُ سَوَاءٌ أَكَانَ بِإِرَادَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ بِإِرَادَتَيْنِ، عَلَى عَمَلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلَى ذَلِكَ فَهُوَ أَعَمُّ مِنَ التَّقَبُّلِ وَالْكَفَالَةِ .
(ر: الْتِزَامٌ).
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
4 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - عَلَى جَوَازِ شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ (شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ) فِي الأْعْمَالِ الَّتِي تَصْلُحُ فِيهَا الْوَكَالَةُ، لأِنَّ هَا قِسْمٌ مِنْ شَرِكَةِ الْعَقْدِ فَيُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ وَكِيلاً لِلآْخَرِ. وَمَا يَتَقَبَّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنَ الْعَمَلِ يَصِيرُ فِي ضَمَانِهِمَا يُطَالَبَانِ بِهِ، وَيَلْزَمُهُمَا عَمَلُهُ، وَلَوْ مَرِضَ أَحَدُهُمَا أَوْ سَافَرَ أَوِ امْتَنَعَ عَمْدًا بِلاَ عُذْرٍ فَالآْخَرُ مُطَالَبٌ بِالْعَمَلِ، وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ، لأِنَّ الْعَمَلَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمَا. كَمَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمُطَالَبَةَ بِالأْجْرَةِ، فَتَبْرَأُ ذِمَّةُ مَنْ يَدْفَعُ الأْجْرَةَ لأِحَدِهِمَا، وَإِنْ تَلِفَتِ الأْجْرَةُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فَهِيَ مِنْ ضَمَانِهِمَا، تَضِيعُ عَلَيْهِمَا مَعًا.
5 - وَاسْتَدَلُّوا لِجَوَازِهَا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَحْصِيلُ الْمَالِ بِالتَّوْكِيلِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّرِيكَيْنِ قَدْ يَسْتَحِقَّانِ الرِّبْحَ بِالاِشْتِرَاكِ مِنْ أَحَدِهِمَا بِالْعَمَلِ وَمِنَ الآْخَرِ بِالْمَالِ كَمَا فِي الْمُضَارَبَةِ، وَقَدْ يَسْتَحِقَّانِهِ بِالْمَالِ فَقَطْ كَمَا فِي سَائِرِ الشَّرِكَاتِ، فَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّاهُ بِالْعَمَلِ فَقَطْ. وَلأِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي سَائِرِ الأْمْصَارِ يَعْقِدُونَ هَذِهِ الشَّرِكَةَ وَيَتَعَامَلُونَ بِهَا.
وَقَدْ رُوِيَ «عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : (اشْتَرَكْتُ أَنَا وَسَعْدٌ وَعَمَّارٌ يَوْمَ بَدْرٍ، فَلَمْ أَجِئْ أَنَا وَعَمَّارٌ بِشَيْءٍ، وَجَاءَ سَعْدٌ بِأَسِيرَيْنِ)، وَمِثْلُ هَذَا لاَ يَخْفَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلي الله عليه سلم وَقَدْ أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ.
6 - وَلاَ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّقَبُّلِ وَشَرِكَةِ الأْعْمَالِ اتِّحَادُ الْمَكَانِ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُونَهَا: وَهُمْ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، لأِنَّ الْمَعْنَى الْمُجَوِّزَ لِشَرِكَةِ التَّقَبُّلِ مِنْ كَوْنِ الْمَقْصُودِ تَحْصِيلَ الرِّبْحِ لاَ يَخْتَلِفُ بَيْنَ كَوْنِ الْعَمَلِ فِي دَكَاكِينَ أَوْ دُكَّانٍ .
كَمَا لاَ يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الرِّبْحِ أَوِ الْعَمَلِ، وَلاَ اتِّحَادُ الصَّنْعَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
فَيَصِحُّ بِالْمُنَاصَفَةِ أَوِ الثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَمَا يَصِحُّ أَنْ يَعْمَلَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الآْخَرِ، اتَّفَقَتْ صَنْعَتُهُمَا كَخَيَّاطِينَ، أَوِ اخْتَلَفَتْ كَخَيَّاطٍ وَقَصَّارٍ أَوْ صَبَّاغٍ، وَكَاشْتِرَاكِ حَدَّادٍ وَنَجَّارٍ وَخَيَّاطٍ، لأِنَّ هُمُ اشْتَرَكُوا فِي مَكْسَبٍ مُبَاحٍ فَصَحَّ كَمَا لَوِ اتَّفَقَتِ الصَّنَائِعُ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: جَازَتِ الشَّرِكَةُ بِالْعَمَلِ إِنِ اتَّحَدَ، كَخَيَّاطِينَ، أَوْ تَلاَزَمَ بِأَنْ تَوَقَّفَ عَمَلُ أَحَدِهِمَا عَلَى عَمَلِ الآْخَرِ، كَنَسْجٍ وَإِصْلاَحِ غَزْلٍ بِتَهْيِئَةٍ لِلنَّسْجِ، وَكَأَنْ يُفَوَّضَ أَحَدُهُمَا لِطَلَبِ اللُّؤْلُؤِ، وَالثَّانِي يُمْسِكُ عَلَيْهِ وَيَجْذِبُ، وَبِشَرْطِ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ بِأَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِقَدْرِ عَمَلِهِ مِنَ الْغَلَّةِ، أَوْ يَتَقَارَبَا فِي الْعَمَلِ وَحَصَلَ التَّعَاوُنُ بَيْنَهُمَا .
7 - وَكَمَا تَصِحُّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ فِي الصَّنَائِعِ وَنَحْوِهَا، تَصِحُّ كَذَلِكَ فِي تَمَلُّكِ الْمُبَاحَاتِ مِنَ الاِحْتِشَاشِ، وَالاِصْطِيَادِ، وَالاِحْتِطَابِ، وَالتَّلَصُّصِ عَلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَصِحُّ التَّقَبُّلُ وَشَرِكَةُ الأْعْمَالِ فِي الْمُبَاحَاتِ مِنَ الصَّيْدِ وَالْحَطَبِ، وَمَا يَكُونُ فِي الْجِبَالِ مِنَ الثِّمَارِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الْوَكَالَةِ فِيهَا، لأِنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ فِي الْمُبَاحَاتِ الأْخْذُ وَالاِسْتِيلاَءُ، فَإِنْ تَشَارَكَا فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُنْفَرِدًا كَانَ الْمَأْخُوذُ مِلْكًا لَهُ خَاصَّةً .
8 - هَذَا، وَصَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِبُطْلاَنِ شَرِكَةِ الأْبْدَانِ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَالِ فِيهَا، وَلِمَا فِيهَا مِنَ الْغَرَرِ، إِذْ لاَ يَدْرِي الشَّرِيكُ أَنَّ صَاحِبَهُ يَكْسِبُ أَمْ لاَ، وَلأِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَمَيِّزٌ بِبَدَنِهِ وَمَنَافِعِهِ، فَيَخْتَصُّ بِفَوَائِدِهِ، كَمَا لَوِ اشْتَرَكَا فِي مَاشِيَتِهِمَا وَهِيَ مُتَمَيِّزَةٌ وَيَكُونُ الدَّرُّ وَالنَّسْلُ بَيْنَهُمَا .
وَلِلتَّفْصِيلِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (شَرِكَةٌ).
الموسوعة الفقهية إصدار وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت الطبعة الأولي 1433 هـ - 2012 م الجزء / الثاني والعشرون ، الصفحة / 83
رِبْحٌ
التَّعْرِيفُ:
1 - الرِّبْحُ وَالرَّبَحُ وَالرَّبَاحُ لُغَةً النَّمَاءُ فِي التِّجَارَةِ، وَيُسْنَدُ الْفِعْلُ إِلَى التِّجَارَةِ مَجَازًا، فَيُقَالُ: رَبِحَتْ تِجَارَتُهُ، فَهِيَ رَابِحَةٌ، وَمِنْهُ قوله تعالي : ( فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ).
قَالَ الأْزْهَرِيُّ: رَبِحَ فِي تِجَارَتِهِ إِذَا أَفْضَلَ فِيهَا، وَأَرْبَحَ فِيهَا: صَادَفَ سُوقًا ذَاتَ رِبْحٍ، وَأَرْبَحْتُ الرَّجُلَ إِرْبَاحًا: أَعْطَيْتُهُ رِبْحًا.
وَبِعْتُهُ الْمَتَاعَ وَاشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ مُرَابَحَةً: إِذَا سَمَّيْتُ لِكُلِّ قَدْرٍ مِنَ الثَّمَنِ رِبْحًا.
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عَنْ ذَلِكَ.
الأْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
النَّمَاءُ:
2 - النَّمَاءُ الزِّيَادَةُ، وَكُلُّ شَيْءٍ عَلَى وَجْهِ الأْرْضِ إِمَّا نَامٍ أَوْ صَامِتٌ، فَالنَّامِي مِثْلُ النَّبَاتِ وَالأْشْجَارِ، وَالصَّامِتُ كَالْحَجَرِ وَالْجَبَلِ، وَالنَّمَاءُ فِي الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ مَجَازٌ، وَفِي الْمَاشِيَةِ حَقِيقَةٌ؛ لأِنَّ هَا تَزِيدُ بِتَوَالُدِهَا. وَالنَّمَاءُ قَدْ يَكُونُ بِطَبِيعَةِ الشَّيْءِ أَوْ بِالْعَمَلِ. فَالنَّمَاءُ أَعَمُّ مِنَ الرِّبْحِ.
الْغَلَّةُ:
3 - تُطْلَقُ الْغَلَّةُ عَلَى الدَّخْلِ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ رَيْعِ الأْرْضِ أَوْ أُجْرَتِهَا، أَوْ أُجْرَةِ الدَّارِ وَاللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ» قَالَ ابْنُ الأْثِيرِ: هُوَ كَحَدِيثِهِ صلي الله عليه وسلم. الآْخَرِ: «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ».
وَاسْتِغْلاَلُ الْمُسْتَغَلاَّتِ، أَخْذُ غَلَّتِهَا، وَأَغَلَّتِ الضَّيْعَةُ أَعْطَتِ الْغَلَّةَ فَهِيَ مُغِلَّةٌ: إِذَا أَتَتْ بِشَيْءٍ وَأَصْلُهَا بَاقٍ.
الْحُكْمُ الإْجْمَالِيُّ:
4 - الرِّبْحُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا، أَوْ غَيْرَ مَشْرُوعٍ أَوْ مُخْتَلَفًا فِيهِ.
فَالرِّبْحُ الْمَشْرُوعُ هُوَ مَا نَتَجَ عَنْ تَصَرُّفٍ مُبَاحٍ كَالْعُقُودِ الْجَائِزَةِ، مِثْلِ الْبَيْعِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ وَغَيْرِهَا فَالرِّبْحُ النَّاتِجُ عَنْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الْمُبَاحَةِ حَلاَلٌ بِالإْجْمَاعِ مَعَ مُرَاعَاةِ أَنَّ لِكُلِّ عَقْدٍ مِنْ هَذِهِ الْعُقُودِ قَوَاعِدَ وَشَرَائِطَ شَرْعِيَّةً لاَ بُدَّ مِنْ مُرَاعَاتِهَا.
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (بَيْعٌ، شَرِكَةٌ، مُرَابَحَةٌ).
وَالرِّبْحُ غَيْرُ الْمَشْرُوعِ: هُوَ مَا نَتَجَ عَنْ تَصَرُّفٍ مُحَرَّمٍ كَالرِّبَا وَالْقِمَارِ وَالتِّجَارَةِ بِالْمُحَرَّمَاتِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ).
وَقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأْصْنَامِ» (ر: رِبًا، أَشْرِبَةٌ، بَيْعٌ).
وَأَمَّا الرِّبْحُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، فَمِنْهُ مَا نَتَجَ عَنِ التَّصَرُّفِ فِيمَا كَانَ تَحْتَ يَدِ الإْنْسَانِ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ كَالْمُودَعِ، أَمْ يَدَ ضَمَانٍ كَالْغَاصِبِ وَخِلاَفِهِ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَقْوَالٍ:
فَالْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ لاَ يَطِيبُ لِمَنْ تَصَرَّفَ فِي الْمَغْصُوبِ أَوِ الْوَدِيعَةِ، هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلاَفًا لأِبِي يُوسُفَ. وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ حَصَلَ التَّصَرُّفُ فِي ضَمَانِهِ وَمِلْكِهِ. أَمَّا الضَّمَانُ فَظَاهِرٌ؛ لأِنَّ الْمَغْصُوبَ دَخَلَ فِي ضَمَانِ الْغَاصِبِ، وَأَمَّا الْمِلْكُ؛ فَلأِنَّهُ يَمْلِكُهُ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ إِذَا ضُمِّنَ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّصَرُّفَ حَصَلَ فِي مِلْكِهِ وَضَمَانِهِ، لَكِنَّهُ بِسَبَبٍ خَبِيثٍ؛ لأِنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ فَسَبِيلُهُ التَّصَدُّقُ بِهِ، إِذِ الْفَرْعُ يَحْصُلُ عَلَى وَصْفِ الأْصْلِ، وَأَصْلُهُ «حَدِيثُ الشَّاةِ حَيْثُ أَمَرَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم بِالتَّصَدُّقِ بِلَحْمِهَا عَلَى الأْسْرَى».
وَأَمَّا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَظْهَرِ فَالرِّبْحُ لِمَنْ تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ؛ لأِنَّ هَا لَوْ تَلِفَتْ لَضَمِنَهَا، وَقَالَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: لَوِ اتَّجَرَ الْغَاصِبُ فِي الْمَالِ الْمَغْصُوبِ فَالرِّبْحُ لَهُ فِي الأَظْهَرِ، فَإِذَا غَصَبَ دَرَاهِمَ وَاشْتَرَى شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ وَنَقَدَ الدَّرَاهِمَ فِي ثَمَنِهِ وَرَبِحَ رَدَّ مِثْلَ الدَّرَاهِمِ؛ لأِنَّ هَا مِثْلِيَّةٌ إِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا أَخَذَهُ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهُ بِعَيْنِهِ، أَمَّا إِذَا اشْتَرَى بِعَيْنِهِ فَالْجَدِيدُ بُطْلاَنُهُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: الرِّبْحُ لِصَاحِبِ الْوَدِيعَةِ أَوْ مَالِكِ الْمَغْصُوبِ.
قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا غَصَبَ أَثْمَانًا فَاتَّجَرَ بِهَا أَوْ عُرُوضًا فَبَاعَهَا وَاتَّجَرَ بِثَمَنِهَا فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ وَالسِّلَعُ الْمُشْتَرَاةُ لَهُ. وَقَالَ الشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ الشِّرَاءُ بِعَيْنِ الْمَالِ فَالرِّبْحُ لِلْمَالِكِ، قَالَ الشَّرِيفُ: وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِهِ.
وَإِنِ اشْتَرَاهُ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَ الأْثْمَانَ فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْغَاصِبِ؛ لأِنَّهُ اشْتَرَى لِنَفْسِهِ فِي ذِمَّتِهِ، فَكَانَ الشِّرَاءُ لَهُ، وَالرِّبْحُ لَهُ، وَعَلَيْهِ بَدَلُ الْمَغْصُوبِ، وَهَذَا قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ؛ لأِنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، فَكَانَ لَهُ، كَمَا لَوِ اشْتَرَى لَهُ بِعَيْنِ الْمَالِ، وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ، وَإِنْ حَصَلَ خُسْرَانٌ فَهُوَ عَلَى الْغَاصِبِ؛ لأِنَّهُ نَقْصٌ حَصَلَ فِي الْمَغْصُوبِ.
الرِّبْحُ فِي الْمُضَارَبَةِ:
5 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ تَحْدِيدَ النِّسْبَةِ فِي قِسْمَةِ الرِّبْحِ مِنْ أَرْكَانِ صِحَّةِ عَقْدِ الْقِرَاضِ (الْمُضَارَبَةِ) وَيَكُونُ بَيْنَ الْمَالِكِ وَالْعَامِلِ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ عَلَيْهِ مِنَ التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاضُلِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلْعَامِلِ نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ، أَوْ رُبُعُهُ، أَوْ خُمُسُهُ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ، أَيْ يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَشْرِطَ لِنَفْسِهِ ثُلُثَيِ الرِّبْحِ، أَوْ ثُلُثَهُ، أَوْ رُبُعَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ النِّسَبِ، كَثِيرَةً كَانَتْ أَوْ قَلِيلَةً، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَلَوْ قَالَ الْمَالِكُ لِلْعَامِلِ: خُذْ هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي، أَوْ قَالَ: كُلُّهُ لَكَ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي الرَّاجِحِ عِنْدَهُمْ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ رِعَايَةً لِلَّفْظِ؛ لأِنَّ الْمُضَارَبَةَ تَقْتَضِي كَوْنَ الرِّبْحِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا، فَإِذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالرِّبْحِ انْتَفَى مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَفَسَدَ.
وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ: يَكُونُ مُضَارَبَةً صَحِيحَةً فِي الصُّورَتَيْنِ؛ لأِنَّهُمَا دَخَلاَ فِي التَّرَاضِي فَإِذَا شَرَطَ لأِحَدِ هِمَا الرِّبْحَ فَكَأَنَّهُ وَهَبَ الآْخَرَ نَصِيبَهُ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْعَقْدِ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي كَانَ إِبْضَاعًا صَحِيحًا؛ لأِنَّهُ أَثْبَتَ لَهُ حُكْمَ الإْبْضَاعِ فَانْصَرَفَ إِلَيْهِ، وَهَذَا قَوْلٌ آخَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَالإْبْضَاعُ بَعْثُ الْمَالِ مَعَ مَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ مُتَبَرِّعًا، وَالْبِضَاعَةُ الْمَالُ الْمَبْعُوثُ، وَمِنَ الصِّيَغِ الصَّحِيحَةِ لِلإْبْضَاعِ قَوْلُ الْمَالِكِ لِلْعَامِلِ: خُذْ هَذَا الْمَالَ فَاتَّجِرْ بِهِ أَوْ تَصَرَّفْ فِيهِ وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لِي، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَبْضَعْتُكَ هَذَا الْمَالَ. أَمَّا إِذَا قَالَ: وَالرِّبْحُ كُلُّهُ لَكَ، فَقَرْضٌ، وَقَدْ جَرَى مِثْلُ هَذَا الْخِلاَفِ فِيمَا إِذَا قَالَ: أَبْضَعْتُكَ عَلَى أَنَّ نِصْفَ الرِّبْحِ لَكَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ قِرَاضٌ فَاسِدٌ رِعَايَةً لِلْمَعْنَى. وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهُ إِبْضَاعٌ رِعَايَةً لِلَّفْظِ.
وَالتَّفْصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِبْضَاعٌ، مُضَارَبَةٌ، قَرْضٌ).
الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ:
6 - الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ أَوِ الشُّرَكَاءِ عَلَى مَا يَتَّفِقَانِ أَوْ يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ مِنْ نِصْفٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ رُبُعٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَتَسَاوَيَا فِيهِ مَعَ تَفَاضُلِهِمَا فِي الْمَالِ وَأَنْ يَتَفَاضَلاَ فِيهِ مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَالِ؛ لأِنَّ الْعَمَلَ مِمَّا يُسْتَحَقُّ بِهِ الرِّبْحُ، فَجَازَ أَنْ يَتَفَاضَلاَ فِي الرِّبْحِ مَعَ وُجُودِ الْعَمَلِ مِنْهُمَا؛ لأِنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ يَكُونُ أَبْصَرَ بِالتِّجَارَةِ مِنَ الآْخَرِ وَأَقْوَى عَلَى الْعَمَلِ، فَجَازَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ زِيَادَةً فِي الرِّبْحِ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِهِ، كَمَا يَشْتَرِطُ الرِّبْحَ فِي مُقَابَلَةِ عَمَلِ الْمُضَارِبِ، وَبِهَذَا قَالَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. وَقَالَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ:
إِنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الشَّرِكَةِ أَنْ يَكُونَ الرِّبْحُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ فَإِنْ تَسَاوَى الْمَالاَنِ فَالرِّبْحُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا بِالتَّسَاوِي، وَإِنْ تَفَاضَلَ يَكُونُ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا مُتَفَاضِلاً، سَوَاءٌ تَسَاوَيَا فِي الْعَمَلِ أَوْ تَفَاوَتَا فِيهِ؛ لأِنَّ الرِّبْحَ هُوَ ثَمَرَةُ الْمَالَيْنِ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِهِمَا، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا مِنَ الرِّبْحِ أَكْثَرَ مِنْ نَصِيبِهِ فِي الْمَالِ.
وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (شَرِكَة).
زَكَاةُ رِبْحِ التِّجَارَةِ:
7 - يُضَمُّ الرِّبْحُ الْحَاصِلُ مِنْ عُرُوضِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إِلَى الأْصْلِ، وَذَلِكَ لأِجْلِ حِسَابِ الزَّكَاةِ. فَلَوِ اشْتَرَى مَثَلاً عَرْضًا فِي شَهْرِ الْمُحَرَّمِ بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ قَبْلَ آخِرِ الْحَوْلِ وَلَوْ بِلَحْظَةٍ ثَلاَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ زَكَّى الْجَمِيعَ آخِرَ الْحَوْلِ، سَوَاءٌ حَصَلَ الرِّبْحُ فِي نَفْسِ الْعَرَضِ كَسِمَنِ الْحَيَوَانِ، أَمْ بِارْتِفَاعِ الأْسْوَاقِ، قِيَاسًا عَلَى النِّتَاجِ مَعَ الأْمَّهَاتِ؛ وَلأِنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى حَوْلِ كُلِّ زِيَادَةٍ مَعَ اضْطِرَابِ الأْسْوَاقِ مِمَّا يَشُقُّ؛ وَلأِنَّهُ نَمَاءٌ جَارٍ فِي الْحَوْلِ تَابِعٌ لأِصْلِهِ فِي الْمِلْكِ فَكَانَ مَضْمُومًا إِلَيْهِ فِي الْحَوْلِ، وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ هُوَ خِلاَفُ الأْظْهَرِ وَالْحَنَابِلَةِ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَالأْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يَضُمُّ الرِّبْحَ إِلَى الأْصْلِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نُضُوضٌ فَإِنْ كَانَ فَلاَ يَضُمُّ بَلْ يُزَكِّي الأْصْلَ لِحَوْلِهِ وَيَسْتَأْنِفُ لِلرِّبْحِ حَوْلاً.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِنَّهُ يَبْنِي حَوْلَ كُلِّ مُسْتَفَادٍ عَلَى حَوْلِ جِنْسِهِ نَمَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ.
وَالتَّفَاصِيلُ فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاةُ ف 77 وما بعدها).
____________________________________________________________________
كتاب مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان فى المعاملات الشرعية على مذهب الإمام الأعظم أبى حنيفة النعمان لمؤلفه المغفور له (محمد قدرى باشا) (الطبعة الثانية) بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصرالمحمية سنة1308هجرية 1891 افرنجيه
(مادة 174)
يشترط لانعقاد عقود البيع والشراء والإيجار والاستئجار والشركة والحوالة والرهن والوكالة ونحوها من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر أن يكون كل من العاقدين مميزاً يعقل معنى العقد ويقصده ولا يشترط بلوغهما غير أن عقودهما لا تكون نافذة أن كانا محجوراً عليهما.
(مادة 234)
كل ما كان تمليكاً في الحال فلا تصح إضافته إلى الزمان المستقبل وذلك كالبيع وإجازته وفسخه والقسمة والشركة والهبة وعقد النكاح والصلح عن مال والإبراء عن الدين.
( مادة 634)
الشركة على نوعين شركه بملك وشركة بعقد.
( مادة 635)
شركة الملك هي أن يملك اثنان فأكثر عيناً أو ديناً بسبب من أسباب الملك.
( مادة 636)
شركة الملك نوعان شركة اختيارية وشركة جبرية.
فالشركة الاختيارية هي أن يملك الشريكان أو الشريك مالا بشراء أوهبة أو وصية أو خلط لاموالهم باختيارهم، والشركة الجبرية هي ان يملك الشريكان أو الشركاء مالاً بارث أو باختلاط المالين بلا اختیار المالكين اختلاطاً لا يمكن معه تميزهما حقيقة أن كانا متحدي الجنس أو يمكن التمييز بينهما بمشقة وكلفة بأن كانا مختلفين جنساً.
( مادة 637)
شركة العقد هي عبارة عن عقد بين المشاركين في رأس المال وفي الربح وهي أنواع شركة بالمال وشركة بالاعمال وشركة وجوه وكل من هذه الثلاثة أما مفاوضة أوعنان.
( مادة 638)
يشترط لجواز شركة العقد أن يكون المعقود عليه قابلاً للوكالة وأن يكون الربح معلوم القدر وأن يكون جزأ شائعاً في الجملة لامعيناً.